diff --git "a/poems/poem_150.txt" "b/poems/poem_150.txt" new file mode 100644--- /dev/null +++ "b/poems/poem_150.txt" @@ -0,0 +1,7510 @@ +الشاعر: أبو الفضل الوليد +عصر الشعر: الحديث + +كتبتُ عهوداً من دمي وودادي لكل كريم يستحق ودادي +وما كان رسمي حاجباً لحقيقتي وفي نظراتي من خفوق فؤادي +هذا مليكُ القبّةِ الزرقاءِ يَنضو نِقابَ الليلةِ الورقاءِ +والأرضُ بالأنوارِ مثلُ قصيدةٍ كُتِبَت على المصقولةِ البيضاءِ +فَرنَوتُ مبتهجاً وقلتُ مناجياً والضوءُ في الأجفانِ والأحشاءِ +يا أيُّها القمرُ المطلُّ على الحمى حدّث عن العشاقِ والشعراء +فَلكَم غدَوت سميرَهم في ليلةٍ نسماتُها كَتَنفُّسِ الصعداء +لا تفضَحنَّ العاشقين فَحَولَهم كَثرت عيونُ الحُسَّدِ الرُّقَباء +عندَ اللقاءِ استُر أَشِعَّتَك التي هيَ أنسُهُم بالغيمة الدكناء +وأنِر لهُم سُبُلاً عليها دَمعُهم يَنهَلُّ وامزُج مزنة بضياء +فمِنَ الأشعَّةِ والمدامعِ في الهوى نُظمت قصائدُ لم تكن لِغِناء +وارفع عُيونَ اليائسينَ إِلى السنى وتَفَقَّدَنَّ نَوافذَ السجناء +وعُدِ العليلَ وعَزِّهِ بِتَعِلَّةٍ واهدِ الضليلَ هناكَ في البيداء +وأسِل لُجينَكَ للتُرابِ مُفَضَّضاً فطلاوَةُ الأشياء حُسنُ طلاء +فلطالما كَشَفَت مؤانسةٌ جوىً وسَرى الضياءُ على الثَّرى بثراء +وانظر إلى الوادي العميقِ فإنَّه قلبٌ يَحنُّ إِليكَ في الظلماء +حَجَبَتكَ عَنهُ الرّاسياتُ فلم تزَل أسرارُهُ في الضفّةِ اللمياءِ +فاطلع عليه وسُلَّها من قَلبِه بأشِعَّةٍ كخَواطرِ العُلمَاءِ +يا بدرُ ما أبهاكَ في كدَري وما أشهاكَ في سمَري مع الحسناء +هي نجمتي في الحيِّ إذ لك نجمةٌ في الجوِّ تؤثرُها لِفَرطِ بهاء +فالنجمتانِ شَبيهتانِ وهكذا يُدعى كِلانا عاشقَ الزهراء +لما طلعتَ عليّ في ليلِ الأسى أعرَضتُ عن يأسي لحسنِ رَجائي +كالأنسِ في حزن ومثل العدل في ظلمٍ ضياؤكَ لاحَ في الأرجاء +ما أنت إِلا عائدٌ مترئفٌ يَفترُّ للمرضى وللبؤساء +أو محسنٌ صَدَقاتُهُ وهِباتُه أبداً موزّعةٌ على الفقراء +ما الكلُ مثلي شاعرون بما بدا من حسنِ هذي الطلعة الغراء +يا بدرُ كم أرعاكَ والغبراءُ قد سَكنت وقلبي واسعٌ كفضاء +فلقد رعيتُكَ للدياجي خارقاً بأشعةٍ تسري مع السرّاء +كالفاتحِ المجتازِ سورَ مدينةٍ يدعو الى التأمينِ في الهيجاء +ولقد رَعيتُك في تمامكَ طالعاً فوقَ الربى والذّروةِ الشماء +فبدَوتَ لي ملكاً على العرش استوى ليزفّ بشرى الصلح للوزراء +ولقد رعيتُكَ والسماءُ نقيةٌ في الصيفِ فوقَ المرجةِ الخضراء +فذكرت مرآةً صَفَت وغلالةَ خضراءَ من عذراءِ وَسطَ خباء +ولقد رَعيتُكَ ثمّ فوقَ بحيرةٍ فرأيتُ وجهك في صفيّ الماء +فاشتَقتُ وجهَ مليحةٍ نظرت الى مرآتِها وتبسّمَت للرائي +ولقد رعيتُك والرياضُ تحوكُها كفُّ الربيعِ وأنتَ كالوشَّاء +وعلى خليجٍ منهُ تطلعُ جمرةً من فحمةٍ في ليلةِ الرمضاء +حتى إذا ما ابيضَّ خدُّكَ وانجلى عنهُ احمرارُ الكاعبِ العذراء +حبّرتَ زرقاءَ الخميلِ بفضّةٍ وفتحتَ لي في الموجِ نهجَ سناء +فوددتُ أن أمشي عليهِ إليك من شوقي وألمس جانبَ الزرقاء +فلكم حسدتُ النسرَ في طيرانِه وجناحُ قلبي هيض في البرحاء +خذني إليك لكي أُطِلَّ على الورى من حالقٍ فالنفسُ بنتُ علاء +فلربما نظروا إليّ فشاقَهم نوري وصار أحبّةً أعدائي +وأفِض على قلبي ضياءً ساطعاً منهُ دواءُ اليأسِ والسَّوداء +فعلى أشعّتِك التي أدليتَها آيات هَديي وابتِسامُ هنائي +يا حبّذا دارُ الهناءِ فلَ��تَني ما كنتُ مَولُوداً لدارِ عناء +أبدأ أحنُّ الى الثريّا في الثَّرى والجسمُ في حربٍ معَ الحَوباء +يا ساكنَ الزَّرقاءِ نورُكَ صَفحةٌ مَكتوبةٌ من ساكِنِ الغبراء +ألقى تحيّتَهُ فرَدَّ بِمِثلِها ما أنتَ أعلى منهُ في العلياء +وعن النّوافِذِ ردَّ نورَك ساعةً إن جاءَ يَطلبُ راحَةَ الإغفاء +وابعَث من السّجفِ الأشِعَّةَ عندما يَلهو بذاتِ ملاحة وذكاء +أنتَ اللَّطيفُ فَكُن به مُتَلَطِّفاً كتَلَطُّفِ الأكفاء بالأكفاء +تِلكَ الخمائلُ عُرِّيَت أشجارُها يَبست وليسَ بمُمكِنٍ إنضارُها +ذهَبَ الشتاءُ بعِطرِها وبِنضرها بعدَ الخَريفِ فودّعت أطيارها +في كلّ ريحِ أنّةٌ من نَوحِها وصَدى صفيرٍ قد رَماهُ هزارها +عنّا الطيورُ ترحَّلَت فدِيارُنا قد أوحَشَت وخلَت هناكَ ديارها +ما كان أجملَها وألطفَ شَدوها إن غرَّدَت وإزاءَها أوكارها +يا ليتَ لي مِنها الجناح ولَيتَني في كلِّ أرضٍ يَمَّمتها جارها +فأطير في الآفاق بينَ سروبِها جذلاً وقُوتي حَبُّها وثمارها +ومن الجِناحَينِ الخفوقُ يشوقني حتى يَقُرَّ من الطيورِ قَرارها +وطَني يضيقُ عنِ المَطالبِ والمُنى فالنَّفسُ لا تُقضى هنا أوطارها +تَصبُو إِلى السَّفَرِ البَعيدِ وطالما لذَّت لِعاشِقَةِ العُلى أسفارها +أَأَسيحُ في هَذي البسيطةِ آملاً وسُهولُها لي رحبَةٌ وبِحارها +أنا خاملٌ في بُقعةٍ مَجهُولةٍ أَسرى بها أحرارُها وخيارها +وصخورُها في غابها وهِضابُها حَرَسٌ مَجَرَّدةٌ عليَّ شِفارها +ما كان أتعسني بقلبٍ واسعٍ في صدرِ ضيّقةٍ يُشدُّ إزارها +عادَ الشتاءُ بغيمِهِ ورياحهِ والنفسُ عادت نحوَها أَكدارها +قلبي ذوى فيهِ الرجاءُ كروضةٍ ذَبلت لشدّةِ بردهِ أزهارها +والقبةُ الزرقاءُ حالت دونَها سودُ الغيومِ فلا يُزاحُ سِتارها +تسري ببطءِ والرياحُ تسوقُها مثلَ النفوسِ تسوقُها أَقدارها +تلكَ السحائبُ طلُّها في مُقلتي وعلى فؤادي ركمُها ومدارها +حمَلت صواعقَ من تصادمها غدت تنقضُّ والبرقُ المحرّقُ نارها +والجوُّ فيهِ للرعودِ تجاوبٌ والأرضُ غَرقى لا يلوحُ شِعارها +فبمَ العيون تقرُّ وسطَ طبيعةٍ جذّاءَ يُنزعُ نضرها ونضارها +صنّبرها جلادُها وثلوجُها أكفانُها ودموعُها أمطارها +عُد يا ربيعُ إلى المرابعِ مؤنساً مِن بَعدِكَ اللذات شطَّ مزارها +أبكي عليكَ ولا عزاءٌ في الأسى كم فيكَ أياماً حلا تذكارها +واصَبوتاه إلى صبائحكَ التي أهدَت إليَّ نسيمَها أسحارها +فاطلع بها متبسِّماً متهلِّلاً فالأرضُ مثلَ الليلِ صارَ نهارها +وأعد طيورَكَ والأزاهرَ والندى فعلى البعادِ تشوقني أخبارها +لم يبقَ من أثرٍ لها فوقَ الثرى وكثيرةٌ في مهجتي آثارها +فمتى تعودُ مع السعادةِ والهوى ورئيّتي يحلو لها مزمارها +الجسمُ بعدَكَ باردٌ متشنِّجٌ والنفسُ نارٌ يَستطيرُ شرارها +قد أبهجتكَ بنورِها وصباها أيامُ صيفٍ لا يطيبُ سِواها +فقلِ السلامُ على ثلاثة أشهرٍ ما كان أجملها وما أحلاها +فإذا ذكرتُ ضياءَها ونسيمها وأريجَها وزلالَها ونَداها +ومروجَها وحقولَها وكرومَها وطيورَها وظلالَها ورُباها +أصبُو إليها ثمّ أبكيها كما تَبكي السماءُ بطَلّها وحَياها +تلك الطيورُ تفرَّدت وترحَّلت فالأنس ناء عَنكَ بَعدَ نواها +وكذا الأزاهرُ في الرياحِ تناثرت تلكَ الأزاهرُ لن تَشُمَّ شَذاها +لو كانَ أمٌّ للمَصيفِ بكت على أنفاسهِ وتنشَّقت ريّاها +فيه الطَّبيعةُ كالعَروسِ تبرّجاً وتزيّناً بثِيابها وحُلاها +والقلبُ مثلُ حَبيبِها مُتَنَعِّماً بجمالِها مُتَوقّعاً نُعماها +إني مُحِبٌّ للطّبيعةِ عابدٌ أبداً أدينُ بحُسنِها وهواها +جاءَ الخريفُ وفيهِ آخرُ بسمةٍ من ثغرِ صَيفٍ راحلٍ ألقاها +هِيَ بَعضُ لَيلاتٍ بَهيَّاتٍ بها حيَّا النفوسَ وطالما أحياها +يا صاحِ آثارُ المَصِيفِ قَليلةٌ فتمتّعنَّ بطِيبها وسَناها +واملأ فؤادكَ من نَعِيمٍ زائلٍ وامنَع جُفونَكَ أن تذوقَ كراها +هلا سهرتَ وقَد طربتَ لِليلَةٍ قمراءَ تَنفُخُ في الرّياضِ صَباها +وذكرت صيفاً قد حلَت أسمارُهُ وثِمارُهُ مع غادَةٍ تَهواها +فضَمَمتَ قَلبكَ مثلها إن أقبَلَت ضمّاً تلطَّف خَصرُها وحَشاها +ونشَقت حِيناً هبَّةً شَرقيةً جاءت تُبرِّدُ مِن حشاكَ لَظاها +وهَتَفتَ من ذكرِ المَصيفِ وذكرها ما كان أطيَبَهُ وأطيَبَ فاها +يا صَيفُ ما للصَّبِّ بَعدَكَ بهجةٌ فالنَّفسُ فِيكَ أمانُها ومُناها +عبَرَت لياليكَ الحِسانُ ولم تزَل صورُ النَّعيمِ تَلوحُ من ذكراها +إنَّ الطّبيعَةَ في الخريفِ مراسلٌ قامَت تجدّدُ لِلغرامِ صِباها +لاَ عطرَ بعدَ عَرُوسِها فأعِد لَها ثوباً جَميلاً منه قد عرّاها +علَيك سلامُ الحبّ يا أيُّها الوادي فمن نَهرِكَ الفياضِ تَبريدُ أكبادِ +ألا حبّذا نومي على جَوهَرِ الحَصى لأغفي على الألحانِ من طَيركَ الشادي +وقد خيّم الصّفصافُ للماءِ عاشقاً على ضفّةٍ خضراءَ في ظلّ أطواد +فما كان أحلى ذلَّه وخشوعَهُ لدى حوَرٍ ريّانَ أَهيفَ ميّاد +ترنَّحَ مُختالاً فكانَ خفيفُهُ صدَى زفراتِ الصبّ أو نغَمَ الحادي +فكَم فيكَ أياماً تولّت سريعةً وكم فيكَ أصواتاً ورنات أعواد +وكم فيكَ من حلمٍ ولهوٍ ونُزهة وسلمى لتسليمٍ وسعدى لإسعاد +رَعى اللهُ أيامي عليكَ منعّماً بعشرةِ خلّانٍ على خيرِ مِيعاد +وقد مرّتِ اللذاتُ سرباً فصدتها بأشراكِ حظّ للأمانيّ منقاد +فأجمل بيومٍ فيهِ طالَ خُمارُنا بإطلاقِ بنتِ الحانِ من دَيرِ زهاد +ويومَ تغَنَّينا على جسّ مزهرٍ يُهَيِّجُ تذكارَ الهوى والورى هادي +هلِ الضّفةُ الغناءُ بعدَ تفرُّقٍ ترانا جميعاً من نيامٍ وورّاد +نحنُّ إلى نعماكَ يا واديَ الهوى ولَسنا على ظني إليكَ بعوّاد +حبيبٌ إِلينا من مغارَتِكَ التي غدَت منتدَى أنسٍ وكَعبةَ قصّاد +نميرٌ وظلٌّ من صخورٍ وجدولٌ ونارُ شواءٍ أُوقِدَت أيَّ إيقاد +أواديَ نهرِ الكلبِ لا زلتَ حافلاً بمبيَضّ أمواه ومُخضَرّ أعواد +فأسمعُ في ليلِ الشتاءِ وقد صفا دويَّ هديرٍ بعدَ تَجليلِ رعّاد +إِلامَ تُناجيني النُّجومُ الزَّواهرُ وقَلبي إليها في السَّكينةِ طائرُ +كأنَّ رسولَ الحبِّ بَيني وبَينَها ضياءٌ على قَلبي وعَينَيَّ باهر +فأرنو إليها ساهياً متأمّلاً فيهبِطُ منها الوَحيُ وهو الخَواطر +عَجيبٌ من الزَّهراءِ كُتمانُ سِرّها بأنوارِها حَيثُ المُنجّمُ حائر +فَمِن رعيِها أنسٌ وعِلمٌ وحِكمةٌ وما هَيّجت إِلا اللّطيفَ المناظر +فكم أسهرُ اللّيلَ الطويلَ لأجلِها وبُردي بَلِيلٌ في الخَميلةِ عاطر +وتَحتي مِنَ العشبِ النّديّ وسادةٌ وفَوقي من الدّوحِ العَليّ سَتائر +وما شاقَني إِلا تَذَكُّر لَيلةٍ وقَلبي على عهدِ الصبوَّةِ ناضر +ولُبنى إِلى جَنبي فتاةٌ صَغيرةٌ كَنوّارةٍ فيها نَدَى الصّبحِ طاهِر +فَقَالَت ورأسانا كسُنبُلَتَينِ قد تَلامَس��تا في المَرجِ والمَرجُ مائر +أتسهَرُ حتّى تَشهَدَ الزَّهرَ والدُّجى يُنَوُّرُ مثلَ الزُّهر واللَيلُ سائر +فَقُلتُ نَعَم والرّيحُ تنشُرُ شَعرَها عَليَّ وذاك الشَعرُ للطّيبِ ناشر +ملاكينِ بِتنا ساهِرَينِ وهَكَذا تَفتَّحَتِ الأزهارُ والنَّجمُ ساهر +ألا هَل قُلُوبٌ لِلهَوى بَعدَ قَلبِها وهل بعدَ عَينَيها عُيونٌ نَواظِر +فأَطلِعْهما نَجمَينِ في فَلَكِ الحَشَى فلا تَتَصَبّاكَ النجومُ السّوافِر +نَسِيمُ الصّبحِ باكَرَني بَلِيلا فأبرأ طيبُهُ قلباً عَلِيلا +وأشرقَتِ الغزالةُ من سماءٍ كبلّورٍ غداً ملآنَ نِيلا +فَتَحتُ لها الفؤادَ جناحَ نسرٍ فأدفأ نُورُها جسمي النّحيلا +وفاحَ الزَّهرُ يَجمعُ كلَّ لونٍ لدَى شَجَرٍ عَلَيه حَنا ظَلِيلا +فَخِلتُ الحَقلَ طاوُوساً تَمَشّى يُجرّر ريشَهُ ذَيلاً خَضِيلا +وغرّدَتِ الطُّيورُ بألفِ لحن تُحيِّي المشَهدَ الحسَنَ الجَليلا +فَهاج الشّوقُ فيّ إِلى رُبُوع سأذهَبُ في محبّتِها قتيلا +بها علّقتُ آمالي وحبي فقلبي لن يملّ ولن يميلا +أأرتعُ في حماها بين صَحبي وأشفي من أطايبها الغليلا +وبعد الموت أُدفَنُ في ثَراها فأبقى بَينَ أحبابي نزيلا +وتسقي زهَرهُ رشّاتُ مزنٍ مكافأةً لمن صَنعَ الجميلا +وبنت الحيّ تذكرُني وتبكي بكاءَ حمامةٍ فَقَدت هَديلا +وحينَ ينوحُ غصنُ الدوحِ فوقي صدى قبري يجاوِبُه طويلا +تَثاقلَ لَيلي والظَّلامُ ثقيلُ وأقصَرُ ليلٍ في الهُمُومِ طَويلُ +كأنّ على قلبي رصاصاً مِنَ الأسى وليسَ إلى الصبرِ الجميل سبيل +فكيفَ وحولي ظلمةٌ فوقَ ظلمةٍ ولا ضوءَ فيها والسراجُ ضئيل +فما الجوُّ إِلا قبرُ نجم مغوّرٍ إليه يحنُّ الطَّرفُ وهو كليل +هو الليلُ للأرواحِ مجرى ومَلعَبٌ وللريحِ فيه زفرةٌ وعويل +وتحتَ دَياجِيهِ النّفوسُ تناوَحت فلم يَشفَ من تِلكَ النُّفُوسِ غليل +لقد راعَني ليلٌ يخافُ سُكُونَه عَليلٌ ويخفى في دُجاه قتيل +ويُرخي على شرّ الجّرائمِ سِترَهُ وييأسُ فيه آرِقٌ وخَلِيل +هو اللّيلُ يخفي الويلَ والنّاسُ نُوَّمٌ وسيفُ الرّدَى فوقَ النيامِ صقيل +وكم أرَقٍ يأتي على قَلقٍ بهِ فأوقِدُ قلبي شمعَةً ويَسيل +وقد أَتأسَّى بامرئ القيسِ قائلاً سَيطلعُ صُبحٌ كالرّجاءِ جَميل +ويَقشَعُ نورُ الشمسِ غَيماً مُلبَّداً ويَسري نسيمٌ والغُصُونُ تميل +فلا ذقتُ إِلا في الصّباحِ مَنيّتي ولا مات إِلا في الضّياء عليل +إذا البَدرُ زار الأفقَ وهُو بَهيجُ إِلى الشّعرِ أصبُو والشجُونُ تُهِيجُ +وقد أَهجرُ الشِعرَ اللّطيفَ مَلالةً وعلماً بأنّ الصّنفَ ليسَ يَرُوج +ولكنّما الشوقُ القديمُ يهزُّني فألقي القَوافي في البُحورِ تَموج +فما الشعرُ في صَدرى سِوى السّيلِ جارفاً أو النارِ تذكو والشّعورُ أجيج +فقل للذي يَلقى المحاسنَ هادئاً لحى اللهُ علجاً ما رأتهُ عُلوجُ +على اللّيلةِ القمراءِ طالَ تَسهُّدي وحلَّ سُكوتٌ حيثُ كان ضَجيج +فبتُّ وقد هاجَت غَرامي سَكِينةٌ ونشّطني تحتَ الغُصونِ أَريج +أرى البدرَ لي من جانِبِ السّهلِ طالعاً وكم أطلَعتهُ لي ذُرىً وثلوج +كما أشرَقت من قَصرِها ذات عفّةٍ على رَوضةٍ فيها الربيعُ نَسيج +فخلتُ فؤادي طائراً من صَبابَتي ولَيسَ لما بينَ الضّلوعِ خروج +أَحَبَّ التي أحبَبتُها ولأجلِها أطلَّ فضاءَت من سناهُ مروج +فأوشكَ أن يَهوي إلى الأرضِ قائلاً إِلى الحبِّ في أعلى السّماءِ أحوج +إذا الليلُ زاح السترَ عن شَفقٍ وردِ فأسفَرَتِ الزرقاءُ مَصقولةَ الخدّ +تَطلّعتُ مشتاقاً الى الأُفقِ الذي تَعصفَر والدنيا مُزَعفَرةُ البُرد +وبتُّ لأنفاسِ الصبا مُتَنشّقاً فأطهرُها ما خبّ صُبحاً على برد +ونظّمت في الباقات زهراً أشمّهُ فذكّرني ثَغراً لهُ عبقُ النّد +وكم شاقَني قرنُ مِنَ الشمسِ قد بَدا إلى أن غدا في الجوّ قرصاً من الشّهد +فبشّت لهُ الدنيا وهشّت كطفلةٍ رأت أُمّها تحنو وتكشفُ عن نهد +وكم لَذَّ لي في الحقلِ والغابِ مَسرحٌ لأشهدَ حسنَ الكون في القرب والبعد +وأسمَع تَغريداً وألمسَ خضرةً وأنشُقَ طيبا حيثُ أرغَبُ في الزّهد +وتحتَ ظلال ورّفت في صنوبرٍ من الوَرقِ المَنثورِ نمتُ على مهد +نعم إنني أعرَضتُ عن لذّة الكرى لأستَعرِضَ الدنيا وأَرقبها وَحدي +فمن يعتدِ النوم الطويلَ يمُت به ومَن يَغتَد افترّت له جَنّةُ الخُلد +فَيَسكرُ مِن خَمر الجمالِ بنَظرةٍ وَيحلمُ أحلامَ السعادةِ والمَجد +لم أنسَ ليلاً بالنجومِ ترصّعا والطيبُ فيهِ معَ النسيمِ تضوَّعا +وغَدت دموعُ العاشقين له نَدىً مُتنثِّراً في زَهرِهِ متجمّعا +فسرَيتُ أنتشُقُ الأريجَ وأشتهي ما مرّ من عمرِ الصبوّةِ مُسرعا +وأقول إنَّ سعادتي ولذاذتي كالشمسِ أيامَ الشتاء تمنّعا +هذا الصبى يمضي ويتبَعُهُ الهوى ما كانَ أطيَبَ مدة لن تَرجعا +كم مرة خفقان قلبي راعني فظَننتُهُ حينا يشقُّ الأضلُعا +وضَممتُه بيديَّ ضمّةَ خائفٍ من خِشيتي في الوَجدِ أن يتصدّعا +حتى إذا شارَفتُ دار حبيبتي فَذَكرتُ لي فيها لياليَ أربعا +صارت حياتي لذة ما شابَها ألمٌ كأني لم أكُن متوجّعا +القلبُ في زَمَن الصِبى متقلّبٌ إذ لا يكونُ مروّضاً ومُطوَّعا +أبدا أُنقّلهُ كما شاءَ الهوى وكأنه لحنٌ يطيبُ مرجّعا +ولقد جَمعتُ الكونَ تحتَ شغافهِ ما كانَ أضيعَهُ وأوسَعَهُ معا +تعالَ نفرح فالشتاء هربا وفَرَّتِ الشّمأل قدّام الصبا +والربعُ بالربيع قد تَجَلبَبا وصار بعدَ العُريِ يُكسى قَشبا +كأنَّه الفتى الذي تعذَّبا في حبّهِ حتى غدا مهذَّبا +للطيرِ ترنيمٌ يهيجُ الطربا والزَّهرُ ينمو في المروج والربى +فتَنثُرُ الشمسُ عليهِ الذهبا وحرُّها ثَلجَ الجبال ذوَّبا +فصيّرَ الوادي جميلاً مخصبا والظلُّ في الغاب يشوقُ المُتعَبا +يا أيها الفصلُ اللطيف مرحبا العيشُ أضحى فيك رغداً طيّبا +إليكَ قلبي في الشتاءِ قد صبا كصبوةِ الساري إلى نورٍ خبا +إذا الصِبى أو الربيعُ ذهبا لا خَيرَ في العيشِ فقل مُكتَئبا +أيا نجمة في قربها القلبُ طامعُ ضِياؤك وَعدٌ للمحبين جامعُ +أطالعَةٌ بين الغيومِ كأنها مُخَدَّرةٌ تنجابُ عنها البراقع +أرى ليلتي في الروضِ مثلي حزينةً تنوحُ وتبكي والعيونُ هواجع +إليّ انظري إني إليكِ لناظرٌ فيا حبذا منك السنى والمَرابع +ففي القبَّةِ الزرقاءِ نورُكِ مُشرِقٌ ونوري على وَجهِ البَسيطَة لامع +إليكِ يحنُّ القلب في ظلمة الأسى وتشتاقُ مرآكِ الجفونُ الدوامع +فكم آنسَ العشاقَ في سمراتهم ضياءٌ على كلّ البريّةِ ساطِعُ +أطلّي على أطلالهم وقبورِهم وولّي عليها كي تصانَ الودائع +فيا ليت نفسي في سناك مقيمة فقد راعَها لونٌ من الأرضِ سافِع +وما هي إلا ذاتُ نورٍ تدَهورت إلى ظلمةٍ فاستعبدتها المطامِع +ولكنها عند التَّذكُّرِ تنتمي إلى الملإ الأعلى فتقوى المنازِع +أَطالعةٌ زهراءُ من ليلِ أحزانِ كحبَّةِ درٍّ في قِلادةِ عُقيانِ +إليّ انظري إن كنت ساهرة معي ليملأ مِنك النّور صَدري وأجفاني +كلانا له نورٌ وحوليهِ ظُلمةٌ فَنَحنُ على بُعدِ المزارِ رَفيقان +ضياء الهُدى يبدو لحيران في الدُّجى شِراعَ نجاةٍ لاحَ للغارقِ العاني +على الأُفقِ الدّاجي لمعتِ كدمعةٍ على خدّ صبٍّ والِهٍ بَينَ أشجان +أفيكِ دموعُ الصّالحينَ تجمّعت فأشبهتِ منها كنزَ درٍّ ومُرجان +أم امتزجَت يوماً فصارت أشعّةً على ظُلمةٍ أو رَحمةً عند طُغيان +فكوني لنفسي في الضّلالِ دليلةً وإن لم يكن هديٌ رضيتُ بسلوان +وبوحي على النّجوى بسرِّك لي كما أبوحُ بسرّي في حرارةِ إيماني +أنا شاعر يشكو الهوى لا مُنجِّمٌ ولا أُنسَ لي بين الهمومِ بإنسان +تصبّاكَ التمَوُّجُ والهديرُ فسرتَ وحَولكَ الزَّبدُ النثيرُ +أمن طرب لصوتِ البحرِ تحنو عليهِ أو إليهِ تستطِير +فخُذ مِنه القَصائدَ والقوافي ففي أمواجهِ شعرٌ كثير +وخُذ مِنه اتّساعاً واقتداراً لنفسكَ فهو جبارٌ كبير +ولا تُرهبكَ غارتُه غَضوباً وكن مُتقَحِّماً وهو المُغير +وقُل يا بحرُ قد لاقيت بحراً فأنت لهُ رفيقٌ أو نظير +يا طُيوراً بعدها النضرُ ذوى في ربوعٍ خَلَعت ثوبَ الهوى +مرحباً حاملةَ البُشرى لنا مرحباً بعد اغترابٍ ونوى +ملأت بُشراك بُشراً أرضنا وعَنِ القَطرِ ابن نضرٍ قد روى +فاسرَحي أو نقّري آمِنَةً وارتوي مِمّا به قَلبي ارتوى +واجمعي القَشَّ وحُوكي العِشّ في بَيتِنا فالحَبَّ والحُبَّ حَوى +حَبذا منكِ حُلُولٌ دائمٌ في رُبُوع ورَبيع ما ذوَى +أيّها العصفور قُل لي أَتُغَنّي أم تُصلّي +هذه تغريدةٌ قد طَيّرت قَلبِي وعقلي +رجِّعَنْها لحزَينٍ يرتجي منكَ التّسلّي +أنتَ بالإنشادِ فوقي إن تَكُن بالنّظمِ مثلي +زادَكَ اللهُ جمالاً في التّغَنّي والتّفلّي +أعطِني وَزناً جديداً لم يكُن للشّعر قبلي +ما أجمل التغريدَ والطّيرانا والحبّ يَفتَحُ مُقلةً وجَنانا +فأنا السّجينةُ والطيورُ طليقَةٌ تَتَعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا +الحبُّ هذّبَني فقلبي شيّقٌ يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا +إني أحنُّ إلى أليفٍ صوتُه ما زالَ بين أضالِعي رنّانا +رأيتُ زَهر النّوى نضيرا فهيّج الحزنَ لا السّرُورا +أهوى نَضيراً من زَهرِ أرضي وفي النّوى أكرَهُ النضيرا +فطالما هاجَ ذكرُ ماضٍ أنشقُ مِن عَهدِهِ العَبيرا +أزهارُ أرضيَ كان شَذاها يَملأ قَلبي الفتى حُبورا +ولونُها كانَ لون نَفسي أيّامَ كانَ النَّدى نَثيرا +والحزنُ والهمُّ أذبلاها وكم أرَتها النّوى سُرورا +فأصبَحت لا تُحبُّ نَضراً ولا ابتساماً لا ثُغورا +فذُو الضّنى يحسدُ المُعافى وذو العَمى يحسدُ البَصيرا +لمّا ذَوى الزَّهرُ في فؤادي كَرِهتُ في الرَّوضِ أن أسيرا +فقدتُ شِعْرِي وكادَ قَلبي يَفقُدُ مِن يأسِهِ الشعورا +تَشتاقُ عَيني دَمعي وحزني يُغري دُموعي بأن تغُورا +الطلُّ يُنمي غصناً رطيباً والغَيثُ لا يُنضِرُ الكَسيرا +الحكمةُ اليومَ أدّبتني فَصرتُ من ضربها كَبيرا +وسِرتُ في عالمِ البَلايا وغُربَتي أقطعُ الشّهورا +حتّى رأيتُ الربيعَ يُهدي إِلى الوَرَى زَهرَهُ الكثيرا +فبتُّ أشري في السّوقِ زَهراً مثلي غَدا عُمرُهُ قصيرا +وكنتُ أهوَى أن أَجتَنيهِ وما اجتِنائي لهُ يَسيرا +فقلتُ يا قَلبُ شمَّ هذا لا بدَّ يوماً مِن أن تَطيرا +ما زلتَ بعدَ انحِجابِ عدنٍ تَذكُرُ مِنها شذاً ونُورا +يا دارُ أزهرَ حولَكِ الوردُ وحنا عليكِ الظلُّ والبردُ +هذا الربيعُ يلوحُ زخرفُهُ فاليوم لا غيمٌ ولا رعدُ +كم فيكِ هينمةٌ ونَمنَمةٌ حيث المحبُّ يُذيبه الوجدُ +وكظلِّ مورقةِ الغصونِ غدا ظلٌّ النعيمِ عليك يمتدُّ +بزغَ الصباحُ عليكِ ثم على قلبي وصبَّحني بك السعدُ +والروضُ أزهر والنسيمُ سرى والعطرُ فاحَ ولي بها عَهدُ +فعمي صباحاً وانعمي أبداً يا دارُ فيكِ مقيمةٌ هندُ +ما بينَ حلّتها وكلَّتها قلبي هزارٌ والهوى غردُ +وكأنَّ بُرداً فيه قد رفلت من زرقة الأفلاك ينقدُّ +أوَ لا تطلُّ المُشتَهاةُ على صبٍّ يُجاذبُ لُبَّهُ وَعدُ +فيفوحُ من أنفاسِها عَبَقٌ ويلوحُ من شُرُفاتها خدُّ +مرأى الجمالِ عبادةٌ وكذا للحسنِ قلبي عابدٌ عَبدُ +البحر منبسطٌ ومُنشَرحٌ صَدري وفيه الجَزرُ والمدُّ +وكأن من أمواجِه نغماً فيها تلاقى الحبُّ والمجدُ +للبحرِ لجّتُه وساحلُهُ لكنَّ حبي ما له حدُّ +باهت بلُؤلِئها وما عَلِمَت أن القصيدة دونها العقدُ +إن الجمال به عزاءُ الأنفُسِ فافْدِ المَلِمَّةَ بالأعزِّ الأنفَسِ +طهرُ الهوى والحسنُ صانتهُ لنا بيّاعةُ الزَّهر التي لم تُلمسِ +حَمَلَته لي في سَلَّةٍ وكأنَّها من وجهِها قطَفت زكيَّ المَغرِسِ +فالثغرُ من لُبنانَ يحكي نورَهُ والخدُّ يحوي وردةً من تونُس +وكأنَّ بسمتَها على أحلى فمٍ سقطُ الفراشة في الربيع المؤنِس +خفتُّ انقصافَ قوامِها لمّا مشت بأخفّ أقدامٍ وألطَفِ ملبس +وأتت إليَّ برقّةٍ ولطافةٍ وبعروتي وضعت ضميمةَ نرجس +فوددتُ أن تبقى أنامِلُها على صدري كماءِ الرّقمةِ المُتبجّس +وشهوتُ لو مَلأت فمي أنفاسُها لكنَّها احتشَمت فلم تتنفَّس +ورنَت إليَّ وكفُّها في خصرها وتبسّمَت وبِلفظةٍ لم تنبُس +لمّا عرضتُ لها زكاةَ جمالِها قالت أما أبصرتَ من في المجلِس +زهرُ الرّياضِ محلّلٌ لكَ إنّما زهرُ الوُجوهِ محرّمٌ فتحّرس +فوهبتُها شيئاً وقلتُ لها أرى قلبي بلا حُبٍّ كجيبِ المُفلِس +فتبسَّمَت وحنَت عليَّ تقولُ لي زهري وقلبي للظَّريف الكيّس +أيا زهرةً من حبيبةِ قلبي أريجُكِ فاحَ فنفّس كربي +حسَدتُك لما جنَتكِ ضحىً أنامِلُ كادت تطير بِلُبّي +تنشَّقتُ مِنكِ ومنها شذا فرقَّق شِعري ولطّفَ حبّي +فأنتِ العزيزةُ من أجلِها ومن أجلِ ذكرٍ هُنالِكَ عذب +فهل تشعرينَ شُعوري وهل ترينَ النّسيمَ تحيّةَ ركب +وَهل وطنٌ تأسفين عليه وهل أنتِ ما بين حبٍّ وحربِ +غريباً صَبوتُ وصبّاً بَكيتُ لِهدرةِ موجٍ وحنة سربِ +نَعم أنتِ ذابلةٌ وأنا أذوبُ لتذكار أهلي وصَحبي +كلانا يَحنُّ إلى أرضِه وعيشٍ مضى بين عذبٍ ورَطبِ +فؤادي تعوَّدَ نَشقَ الصَّبا فكيف تلذُّ له ريحُ غرْبِ +وضعتُكِ في الماءِ صُبحاً كما وضعتُ هوى مَن جَنَتكِ بقلبي +ولا بدَّ من ذَبلَةٍ فَلَكم رأيتُ ذبولاً بزَهرِ وعشبِ +وإن يَفنَ مثلكِ قلبي فَهل يَرى الزهرَ فوق عظامي وتربي +يا وَردَ جورِ الذي حيّا فأحيانا أشبَهتَ خَدّاً بماءِ الحُسن ريّانا +اذا رأيتكَ لاح الكونُ مُبتسِماً كالثَّغر واخضرَّت الآمالُ أَغصانا +وإن جنيتُك أذكرْ غادةً حملَت من الأزاهِر أشكالاً وألوانا +كم باقةٍ مِنكَ ضمّتها أنامِلُها كأنها لؤلؤٌ قد ضمَّ مُرجانا +ومنكَ لونٌ وطِيبٌ في غلالِتها وهي التي تَكتسي نوراً وريحانا +إليَّ أهدَتكَ مضموماً بأنملِها حتى رأيتُ الهوى حُسناً وإحسانا +ولا أزالُ بزَهرٍ مِنكَ أَذكرُها لأنني لم أزل بالطّيبِ نشوانا +وقد تجودُ بخَدٍّ لي فأحسبُه مما جَنَتهُ ومن رياكَ ريانا +قلبي تعشَّقَ خدَّيها كما عشِقَت فراشةُ الرّوضِ لوناً منكَ فتانا +يا وردَ جورٍ عليك الرّيحُ نافحةٌ نهزُّ في الصّبحِ أزهاراً وأفنانا +وتحملُ الطّبَ مثلَ النفسِ حاملة للحبِّ حتى يَصيرَ الكونُ أكوانا +كلُّ الأزاهر في محيّاكِ والنفسُ تهواها وتهواكِ +حُبّي لجامِعِها يُحبِّبُها فأشمُّ رَيّاها وريّاك +قلبي ضميمَتُها ونفحتُها شوقي الذي هاجَته ذكراك +الزهرُ ريشٌ من ملائكةٍ يُهدى الى أخواتِ أملاكِ +فخُذي شذايَ من الصبا أهلاً وهِبي شذاكِ لمغرمٍ شاكِ +الوردُ أزهرَ في حَديقتِنا فإذا تضوّعَ أشتهي فاكِ +والنجمُ أشرقَ عند قُبلتِنا والموجُ حيّاني وحيّاكِ +هي ليلةٌ في حُبنا قصُرَت ما كان أحلاها وأحلاكِ +الشرقُ يَلقى الغربَ مُبتسماً فكأنه أنا حين ألقاكِ +هذا الصباحُ بَدت طلائعُه فكأنما منها ثناياكِ +بين الدُّجى والنور واقفةٌ نفسي كطيرٍ بين أشراكِ +تنزَّهتُ في روضٍ خضيلٍ مطلَّلِ كوجهٍ جميلٍ تحتَ شعرٍ مُسَدَّلِ +وفوقَ الهضابِ الشّمسُ تحكي مليكةً أطلّت على العُشّاق من سجفِ مخمل +فمالَ جناني ذاكراً مُتشوّقاً كما مالتِ الأزهارُ من لمس أنمُل +على العشبِ أبصرتُ الحبيبةَ صدفةً وفي يدِها البيضاء زهرُ القرُنفُل +فقالت وقد مالت إليَّ ببسمَةٍ هو الزهرُ فانشُق وانتعِش وتعلّل +فقلتُ لها إن القرُنفُلَ زهرَةٌ تلوحُ على رأسِ الملاك المُكلَّل +وحواءُ في الجنّاتِ كانت تشُمُّها وتحفظُها حفظَ الجوَاهِرِ والحلي +شذا الحبِّ والسّلوى يُعطّر قلبها ففي شمَّةٍ منه الكآبةُ تنجلي +أيحظى بِشَمِّ الزَّهرِ خداً وباقةً مُحِبٌّ يُعاني مطمعاً بعد مأمل +بإضمامةِ جاء القُرنفلُ خاضعاً وفي راحة بيضاءَ راحةُ مُثقَل +دعيها لِشاكٍ أو ضعيها لِناحلٍ فخَصرُكِ مهما ينضر الزّهرُ يذبُل +أبكي على الصّيفِ كالباكي على الطَّللِ وإنّه كالصِّبا يمضي على عجَلِ +جاءَ الشتاءُ فأذوى بردُه حبقاً قد كان في الصيفِ ذا نضرٍ وذا ميل +كم كنتُ أقطفهُ أو كنتُ أنشقُه والعطرُ والنضرُ مثلُ الحبّ والأمل +عندَ الغنيِّ تراهُ والفقيرِ فلا تعجَب لباذلِ حسنٍ غيرِ مُبتذل +للكلّ نعمتُهُ تُرجى ورحمتُه وعَرفُه ناعشٌ كالبرءِ في العِلل +وأبيضُ الزّهرِ مِنهُ كالنقوشِ على بُردٍ وكالدّمعِ في سودٍ من المُقل +أما تراهُ على تقواه مُتّضِعاً يهوى بياضَ الحلى في خِضرَةِ الحِلل +والرّيحُ شيّقةٌ ولْهَى تقبِّلُهُ فليتَ لي ما له من أطيبِ القُبَل +حفظتُ في البردِ والأمطارِ واحدةً منهُ وكنتُ أُداريها على وجل +حتى إذا ذبُلَت أصبَحتُ أنشدُها يا رحمة اللهِ ما أولاكِ بالطّلَل +يا ربّ لا تخلينَّ القلبَ من أملٍ والروضَ من زهَرٍ والأرضَ من بَلل +سرتُ في الروّضةِ والصبحُ قريبُ وعلى أعطافِها بُردٌ قشيبُ +فإذا زنبقةٌ ميّلَها نفسٌ مرَّ كما مرَّ النحيبُ +مثلُهُ نفسي إذا مرّت على وجهِ عذراءَ بمرآهُ تطيب +فتثَّنت عِندما حيَّيتها ثم قالت ويلتي هذا الرقيب +فتح الحبُّ فؤادي مثلما فتّحَ الزنبقَةَ الطلُّ الرطيب +فحَكت وجهَ فتاتي نضرةً وفؤادي نفحةً فالحبُّ طيب +معها مال وقد هام بها وله من زهرةِ الحدرِ نصيب +ولسانُ الحالِ منها قائلٌ أنت ضيفٌ فتزوّد يا غريب +واسبقِ الشمسَ إلى رشفِ النّدى وانتشاقِ العطر فالحرُّ قريب +الزّهرُ ع��دي خيرُ ما يُهدى فبنَشقه أتذكَّرُ العهدا +إني أحيّي روضةً أُنُفاً فيها جنَيتُ لِصدرِكِ الوردا +وبقُبلَةٍ والزهرُ يشهَدُ لي علّلتِني فتَذك‍َّري الوعدا +إن كان جِسمُك شفَّهُ سَقمٌ فالقلب منّي مُسقَمٌ بُعدا +أُهدي إليكِ ضميمةً فإذا ما ازدَدتِ برءاً زدتِني ودّا +رمزُ الشفاءِ على نضَارتِها وحلاوةُ اسمِك تجلُبُ السَّعدا +كم هزّني لِسماعِه طرَبٌ فغدَوتُ مِنهُ شاعراً غردا +فلَهُ على قلبي وفي أُذُني وقعٌ يُذِيبُ حشاشتي وجدا +أبداً أُردّدُهُ فيعذبُ لي ماءً ويحلو في فمي شهدا +يا وَردَةً رتلاتُها تَتَنَثَّرُ لِمَ تَذبُلين وصاحباتُك تَنضُرُ +أنا بين أصحابي كمثلك بَينها ولأنتِ أزهى في الصباح وأعطرُ +قلبي ذَوى قبل الفتوَّة عاطراً وذويتِ عاطرة وغصنكِ أخضرُ +أشبهتِني حيثُ الذبولُ نصيبُنا لكنَّ لونَك في ذبولِكِ أحمرُ +ذابت حشايَ بنارِ حبٍّ نورُها وجهٌ جميلٌ منه وجهي أصفرُ +إن العواطفَ من قلوبِ أحبِّةٍ مثل الروائح من أزاهرَ تُنشَرُ +هذي لها قطراتُها ونسيمُها وبتلكَ ما تهوى وما تتذكَّرُ +يا من يقدِّمُ طاقةَ الزّهرِ سرُّ الهوى قد ذاع كالعطرِ +للزهر أَلسنةٌ عليَّ بِكُمْ باحت لأهل الحبِّ بالسرِّ +يا زهرُ أنت كعين عاشقةٍ وفؤادُ صبٍّ في الهوى العذري +يا زهرُ قلبي فيك مختبئٌ فاذهب إلى عذراءَ في خِدرِ +فأراكما في كفِّها شرعاً والنضرُ مُكتَسَبٌ من النضرِ +ما راحتي إلا براحتِها فبَنانُها كالقَطرِ في الحرِّ +يا ربّة الحسن والإيناسِ والخَفَرِ تعهّديني بطيبِ الذّكر والأثرِ +زوّدتِ عيني وقَلبي ما سأنظمُه شعراً وشعري هو الرّ‍يا من الزّهَر +إليكِ أُهدي رياحيني التي نضَرَت وأنت ريحانةٌ للسمعِ والبصَر +هذي الرياحينُ من روحي مقدَّمةٌ إِلى التي روحُها من نفحةِ السَحَر +رأيتُ الشرقَ ملكاً للنبيِّ يُزَلزَلُ تحت رِجلِ الأجنبيِّ +فحتامَ الفرنجةُ في هِراشٍ عليهِ كأنَّهُ مالُ الصّبيِّ +فقل للطامعينَ بهِ رُويداً قد استغنى اليتيمُ عن الوصيِّ +لقَد طالَ المَطالُ على وعُودٍ بها تُطلى مطامِعُ أشعبيِّ +إذا قُلنا مَتى الإنجازُ قُلتُم حَذارِ جحافلَ المَلِكِ الخفيِّ +تصَبَّرنا أُسُوداً في قُيُودٍ على هذا الرّواغِ الثَّعلَبيِّ +وقُلنا نحن عُزلٌ فارحَمُونا ولا تَتَلَطّخوا بدَمٍ زكيِّ +فصوَّبتُم مدافعَكم إلينا لترشُقَنا بأنواعِ الشظيِّ +ومن أموالِنا صُنعَت لتودي بكلِّ فتىً همامٍ ألمعيِّ +تدجَّجتُم ولم تُبقوا سلاحاً لشعبٍ قد غدا هدفَ الرميِّ +ولو أنّا تعادلنا وجلنا لأنصفنا الأصيلَ من الدعيِّ +فما حَطَمَ السلاحَ سوى سلاحٍ يماثِلُهُ بتدبيرٍ خفي +فلسنا دونكم جَلَداً وبأساً وأعزَلنا يُغير على الكمي +ولكنَّ القذائفَ والشظايا حَمَتكُم من سنان السَّمهَري +بمائتِنا نلاقي الألفَ منكم وما منّا سوى البطلِ الجري +زَعَمتُم أنّكم أعوانُ عدلٍ تُجيرونَ الضّعيفَ من القوي +وفي أعمالِكم تكذيبُ قولٍ غدا كيّاً على الجرحِ الدميِّ +أننصِفكُم ونحملُ كلَّ حيفٍ فنأتي بالهديّةِ والهَدِيِّ +ونَنصُرُكُم وأنتم من عُدانا فنؤخذَ بالخَّديعةِ من دَهِيِّ +ويومَ السلمِ تَنتَقِمونَ منا فهَل هذي مكافأةُ الوفي +فبالمرصاد نحن لكم لنقوى ونُرغِم أنفَ مختالِ عَتي +سنَصبرُ حاقدينَ على زمانٍ به انتصرَ الخسيسُ على السري +فإمّا أن يكونَ لنا انتقامٌ وتظفيرٌ بكلِّ فتى حَري +وإما أن نقاتِلَكُم ونَفنَى بلا أسفٍ على العيشِ الدني +فإنَّ الموت في شرَفٍ وعزٍّ أحبُّ من الحياةِ الى الأبي +سيوفُ الشرقِ ماضيةٌ ظُباها وأمضاها شباةُ محَمدي +فلم يدعِ العلوجُ الحمرُ سيفاً ولا رمحاً لأحمسِه العصي +فهل فرَجٌ لأهلِ الشرقِ يُرجى بنجدةِ ربّةِ الشرقِ القصي +فيَشكُرَ كلُّ مظلومٍ فقيرٍ مساعدةً من الشهّمِ السخي +هي اليابانُ تَطلَعُ للمعالي بمطلَعِ رايةِ الشمسِ السني +لها في البحرِ أسطولٌ يدلّي مراسيَهُ كأشطانِ الركي +بوارِجُهُ على الأمواجِ ترسو قلاعاً في الصبائحِ والعشي +وجَحفَلُها يضيقُ البرُّ عنهُ وفيهِ كلُّ مقدامٍ عدي +فيالِقُه سحائبُ في حَشاها صواعقُ منذراتٌ بالدَّوي +مشى الأمراءُ والقوّادُ فيه إِلى تذليلِ جبّارٍ طغِيِّ +فلم يُبقوا له علماً رفيعاً ولا حصناً منيعاً للرُقيِّ +فهبَّ الشَّرقُ بعد خمورِ دهرٍ لصرخةِ ذلك الشعبِ النخيِّ +وحارَ الغربُ في نصرٍ مبينٍ علىالجيشِ اللّهامِ القيصريِّ +وباتَ الرومُ في قلقٍ ورُعبٍ لترجيعِ الصدى صوتَ النعي +ولولا بأسُه دخلوا حماهُ وقد جارَ البغيُّ على التقي +أيا أهلَ المشارقِ لا تناموا فإنَّ عدوَّكُم في ألفِ زِيِّ +وكونوا أُمّةً يومَ التنادي على أُممٍ من الغَربِ الغوي +وصيروا بعدَهُ أُمماً تآخت وقد عَطَفَ الصفيُّ على الصفي +فلو أنّ الهنودَ مشوا جميعاً إلى يومٍ أغرَّ عَرَمرَمي +لطاحَ الإنكليزُ بهِ وآلت شدائدُه إلى شدّ المطي +ولكنّ الدسائسَ فرّقَتنا فصرنا كالنبالِ بلا قِسي +لفولاذِ المدافعِ قد خَضعنا فسيِّدُنا أذلُّ من الخصي +وضعفُ العزمِ والأخلاقِ أودى بآلاف لدى نفرٍ قوي +فوهنُ الشّعبِ من وَهَنِ المزايا ومن فَقدِ السلاحِ المعنوي +وفي صدقِ العزيمةِ كلُّ صعبٍ يهونُ على الشجاعِ الأريحي +أبيُّ النفسِ يَلقى الموتَ طوعاً ويقحمُه ببأسٍ عنتري +فلا عذرٌ لأعزَلَ سيمَ ضيماً فقالَ أخافُ بطشةَ مدفعي +قوى الأرواح فوقَ قوى سلاحٍ فرنجيٍّ يُعدُّ لمشرفي +فلو أن النفوسَ لها جِماحٌ لكسّرنا المدافعَ بالعصي +مِن الإفرَنجِ لاَ يُرجى حياءٌ فصونوا نضرةَ الوجهِ الحيي +فإما الحربُ في تحصيلِ حقٍّ وإما السلمُ في حكمٍ سوي +لهم ملكٌ ومالٌ بين شعبٍ حفيٍّ في منازِلهِ عَرِيِّ +فوا أسفي على الشرقيّ يَشقى وأهلُ الغَربِ في عيشٍ رخي +أضاعَ الدينَ والدنيا جهولاً ولم يكُ غيرَ مظلومٍ أذِيِّ +فحتّامَ الغضاضةُ والتغاضي عن الأرزاء بالطّرفِ القذي +ويا أبناءَ يعربَ هل أصاخت ضمائركم لتأنيبِ الندي +فَحولَ الكعبةِ العُظمى نجومٌ تطالِعُكُم من الليلِ الدجي +أغيروا كلُّكم عرباً وغاروا على الدينِ الحنيفِ الأحمدي +ودونَ الملكِ والإسلامِ موتوا على حقٍّ كسيّدنا علي +وصونوا خيرَ ميراثٍ وسيروا على النهجِ القويمِ الراشدي +وبالأسطولِ والجيشِ استعزّوا لتحموا الملكَ من أمرٍ فريِّ +دعوا أثراً عفا وضَعوا أساساً لقصرٍ من أُميّة مَرمَري +فيُنظمَ شَملُكم عقداً فريداً يدلُّ على ذكاءِ الجوهري +خليفتُكُم حوى الدنيا فأزرت عمامتُه بتاجٍ كسروي +وَرثتُم ملكَ غسانٍ ونضرٍ وحِميرَ ذي الجلالِ التبّعيِّ +وقد زدتم عليه ملكَ دارا وقيصرَ ثم فرعونَ الحمي +ولم يكُ مجدُ ذي القرنين إِلا حقيراً عِندَ مجدٍ يَعربي +مواطنكُم يَعيثُ الرومُ فيها وهم منها على كنفٍ وطي +لكم أشواكها ولهم جَناها فليتَ حتوفَهم عند الجني +صبرتُم صبر�� أيّوبِ المعنّى عَلَيهِم بعدَ حلمٍ أحنفي +فما عرفوا لكم صبراً وحلماً وهل يُرجى الندى من أعجمي +وشرّ عداتِكم منكم فبلوى بني العباسِ بابن العلقمي +ومُزِّقَ ملكُ أندلسٍ بدعوى طوائفِه وحكمٍ فوضوي +فما حَسَمَ الخيانةَ وهي داءٌ سِوى سيفٍ أحدّ مهلّبي +صلاح الدينِ ماتَ فهل سميٌّ لقاهِرهم له بأس السمي +فيغدو الشرقُ حراً مستقلاً فتجمعُهُ خلافةُ هاشمي +ويأخذُ للعزائم والمواضي مضاءً من حسامٍ خالدي +أتاني الوَحيُ في ليلٍ شجاني فجاشَ الشعرُ في صدري الشجي +فجدتُ بهِ على قومي وعيني تصونُ بقيةَ الدمعِ الذريّ +ولو هملت دموعُ الحرِّ حيناً على البلوى لكانت كالولي +ألا يا حبذا ليلٌ جميلٌ زواهِرهُ كأصنافِ الحُلِيِّ +أرِقتُ ولذَّ لي أرقي عليهِ لسكري بالجمالِ السرمدي +وما سَهري لجملٍ أو لنعمٍ ولا شَغفي بحسنٍ زينبي +ولكنّ المراغبَ سهّدتني لأحملَ عبءَ مأفونٍ خلي +فهمي كلُّهُ في أمرِ قومي ولم يستَهونِي لهوُ الغوي +إذا نلتُ المنى نفّستُ كرباً وإِلا فالسلامُ على الشقي +هنالِك بتُّ أرعى النجمَ بعثاً وأحدجُهُ بمقلةِ بابلي +لعلي أهتدي من سرّ نفسي إِلى سرِ الوجودِ الأولي +ولما أن هجعتُ رأيتُ طيفاً يحييني بثغرٍ لؤلؤي +فضاعَ الطيبُ منه ومن نقابٍ يُرفرفُ فوقَ بُردٍ أتحمي +تلألأتِ الجواهرُ فيه حتى رأيتُ كواكب الأفُقِ البهي +فلاحت خيرُ من لبست نطاقاً وعلّت من زلالٍ كوثري +فقالت وهي باسمةٌ سلامٌ على من شِعرُهُ مثل الأتي +هَبطتُ إليك من جنّاتِ عدنٍ فطِب نفساً بطيب طوبوي +وخذ منه نشاطاً واعتزاماً وخفّف لوعة القلبِ العني +حظيتَ الحظوة الكبرى جزاءاً لما أُوتيتَ من خُلُقٍ رضي +فمثلُكَ من يكونُ لفخرِ قومٍ اذا افتخروا بشهمٍ لوذعي +إِلى العربِ انتميتَ وأنت برٌّ فيا لك من أخي عربٍ هدي +فقلت وقد سجدت لها سلامٌ على هذا الجلال الفاطمي +أيا بنتَ النبيِّ رفعتِ قدري بتقريبي إلى الملأ العلي +فهانَ عليَّ دون حماكِ موتي وهذا الموتُ فخرُ العبقري +فنفسي كلها طربٌ وشوقٌ لرؤيا بين أنوار الحبيّ +أسيّدة النساءِ وأنتِ أبهى من المريخ في الفلك النقي +على روحي أفيضي النورَ حتى أرى فجراً على روضٍ ندي +لقد جرّدتُ من شعري سيوفاً تذود عن الضريح اليثربي +وقد أشعَلتُ بالفرقانِ لبي فهدي النارُ من صدري اللظي +فؤادي كربلاءُ هوىً وحرباً ولم يُنكر بلاء الشافعي +أَأَنتِ بذاك راضيةٌ لأرضى بآلام الشهيد الطالبي +فقالت أنت بالإسلام أولى فصلّ فسلّمنَّ على النبي +صافح من العربِ الأمجادِ أحبابا وانشُق من الغربِ أرواحاً وأطيابا +وأنشدِ الشِّعرَ في بدوٍ وفي حضرِ حتى تحرِّكَ أطلالاً وأطنابا +وجرّرِ الذيلَ من فاسٍ إِلى عدنٍ أيّانَ سرت رأيتَ القومَ أعرابا +هاتيكَ أرضُ هُدى الفرقانُ شرَّفَها واللهُ أثبتَ إسلاماً وإعرابا +من عهدِ عادٍ وشدادٍ عروبتُها فكم هنالِكَ آثاراً وأنصابا +إلى ابن حِميرَ أفريقيّةُ انتسبت لما غزاها ومنها ظافراً آبا +قد كان أفريقُ بالجيشين فاتحَها وبعدَهُ مالكٌ صحراءَها جابا +عرّج على كلِّ أرضٍ أهلُها عربٌ وحيّهِم وافتقد في الغربِ أحبابا +وحذّر الرومَ من أهوالِ قارعةٍ فيها نكبّ على الخدّينِ منكابا +وقل إذا أرضُ أفريقيةِ اضطربت وزلزلت تتعاطى الموتَ أَكوابا +والخيلُ مصبوبةٌ في غارةٍ جمعت من الصناديدِ فرساناً وركّابا +لم تعرفوا الحقَّ إِلا بين أسلحةٍ مركومةٍ تس��بُ النيرانَ تسكابا +بمِثلها سنقاويكم مباسلة لكي نرى بعد طولِ المكثِ إِشعابا +كما أرقنا على حقٍّ نريقُ دماً والقتلُ فيه رضَى يشتاق إغضابا +إن كانتِ الحربُ ذوداً عن حمى شرفٍ نقصد ولو بخرابِ الدارِ إحرابا +لا تحرجونا فكأسُ الغيظِ طافحةٌ إنّا لنقطعُ بعدَ الصبرِ أسبابا +لا بدَّ من أَجلٍ يأتي على قدرٍ ما دامتِ الأرضُ ميزاناً ودولابا +الأمسُ أسعدَنا واليومُ يُتعِسنا فالقادسيةُ جرّت بعدها الزابا +غلبتمونا ولكن سوفَ نغلِبُكم والدهرُ ما انفكَّ دوّاراً وقلَّابا +قبلَ التفاني على حقدٍ وموجدةٍ شدُّوا الرحال إِلى البطريقِ والبابا +ماذا يريد علوجُ الرومِ من عربٍ ولم يكونوا لهم أهلاً وأصحابا +إن يفقدوا ملكَهم لن يفقدوا شرفاً ظلّوا به للعلى والملكِ طلّابا +قد غالبوا الدهرَ والأرزاءَ فانتصروا والمجد إن سارَ عنهم زارَ إغبابا +الفرسُ والروم واليونان قد بسطوا على البسيطةِ أحكاماً وآدابا +لكنها معهم بادت فلستَ ترى منهم سوى أثرٍ تلقاهُ مرتابا +والعرب دائمة فيها صنائعهم وإنَّ منها لتبشيراً وترحابا +بالدينِ والشرعِ ثم النطقِ ما برحوا بعد الخلافةِ أسياداً وأربابا +ما استعجموا إنما المستعربون رأوا على العروبة إحساناً وإنجابا +يا تونسيُّ ويا مرّاكشيُّ ويا جزائريُّ ويا مصرىُّ ما نابا +ما ناب أوطانكم من غارةٍ نسخت كتّابكم إذ غدا الإسلامُ أسلابا +كنتم أُسوداً وقد كانت عرائنكم والرومُ منكم تخافُ الظفرَ والنابا +واليومَ في خيسكم عاثت ثعالبُهم والعلجُ أصبحَ في الصحراءِ جوّابا +أليس يرهبُ قفراً لا حدودَ لهُ ولا فوارسَ طاروا فيه أسرابا +ولا صهيلاً زئيرُ الأُسدِ جاوبَه ولا هجيراً يُذيبُ الصخرَ إلهابا +ما أرحبَ القفر للأحرارِ إن طلبوا ثأراً وقد شربوا في ذلهم صابا +وأتعسَ الروم فيهِ وهو مقبرةٌ فيها يوارونَ أجناداً وأنشابا +هي الجزائرُ في أيامِ نكبتِها على الفرنسيسِ كان الليثُ وثّابا +ردحاً طويلاً بعبدِ القادرِ امتنعت إذ هبَّ يفتكُ بالأعداءِ محرابا +لكنّ أمتَه من بعدِهِ شَقِيَت ونجمُها غابَ في البيداء مُذ غابا +فللفرنسيسِ دانت وهي صاغرةٌ تشكو إلى الله إرهاقاً وإرهابا +يا إخوتي هل نسيتم أنكم عربٌ حتى رأيتم مِنَ الأعرابِ إغرابا +ما للتواريخِ لا تُذكي حميتَكم وقد غدا الذلُّ في ضرّائكم دابا +عودوا إليها تُعيدوا كلَّ مفخرةٍ ففي الرسومِ يقينٌ للذي ارتابا +هل لابن خلدونَ صوتٌ في مساجدِكم وفي مدارسَ تَلقى العلمَ ثوّابا +والمقَّريُّ بنفحِ الطيبِ يُنعشُكم وقد نشقتُم عبيرَ المجدِ أحقابا +اين القبائلُ من قيسٍ ومن يمَنٍ والملكُ يبعثُ مطعاناً ومضرابا +أين الأساطيلُ مرساةً ومطلقةً تحمي ثغوراً أتاها العلجُ نهّابا +للمسلمينَ جرى في البحرِ أضخمها فاربدّ تيارُهُ وارتدّ هيّابا +هل من خلاص لنا والرومُ قد ضغطوا على القلوبِ فصارَ السلبُ إيجابا +شدُّوا علينا بقذّافٍ ودارعةٍ فما وجدنا على التضييق إرحابا +إن التعدّي على الإسلام ديدنُهم والظلمُ يمتدُّ إرعاباً وإرغابا +تقدّموا وتأخرنا ليقظَتِهم ونومِنا فغدا الأنذالُ أندابا +سطوا لصوصاً ولم يُبقوا على بلدٍ لما فتحنا لهم في جَهلِنا بابا +لقد هَدَمنا بأيدينا منازلَنا فلنسمعنَّ من الغربان تنعابا +إن الصحابةَ والأنصارَ قد حفظوا عهدَ النبيِّ وكانوا عنه نوّابا +فأينَ أمثالُهم في معشرٍ أخذوا عَنِ الأعاجمِ أنواط��ً وألقابا +يا مصرُ كوني لعربِ الغربِ هاديةً وأوفدي من رجالِ العلمِ أقطابا +حتى تَرَي كلَّ أفريقيّةَ اجتمعت على العروبة والإسلامِ أعصابا +الدينُ والعلمُ والآدابُ زاهرةٌ في الجامعِ الأزهرِ الملآن طلابا +فيه قلوبُ بني الإسلامِ خافقةٌ مذ كان قلباً لدينِ اللهِ وعّابا +فيكِ الذخيرةُ من دينٍ ومن لغةٍ فوزّعي العلمَ تشريقاً وإغرابا +أنتِ الوصيةُ في شرعِ النبيِّ على أبنائه فابلغي السنغالَ والكابا +لم يحفظوا ملكهم فليحفظوا لغةً فصحى وديناً لصدعِ الملكِ رءّابا +حفاظهم منهُ تجديدٌ لدولتهم وبالتطلّبِ يلقى الندسُ إطلابا +إن العروبةَ والإسلامَ في خطرٍ فالبحرُ يمتدّ للأعلاجِ سردابا +يا أهلَ مصرَ مقامُ الحزنِ محترمٌ فأسكتوا معبداً منكم وزريابا +أرى الغناءَ حراماً والسكوتَ بكم أولى فزجراً وتحريماً وإضرابا +دعوا الملاهي وسيروا في جنازتكم فالرومُ قد هيأوا للنعشِ أخشابا +النيلُ جيشُ بني التاميز رنَّقهُ وهو المعربدُ سكيراً وعضّابا +واشتدَّ يصبغُ في المطلولِ من دمكم تاجاً وعرشاً لمولاهُ وأثوابا +ويا طرابلسَ الغربِ التي نكدت بحكمِ رومةَ إسغاباً وإلغابا +عليكِ سالت دماءُ العربِ طاهرةً واستشهدَ البطلُ المغوارُ ذبَّابا +راعتكِ غارة أعلاجٍ على سفنٍ ملَّاحُهم يمتطي للقَدرِ مرزابا +ثوري لثأرٍ فكم أردت مدافعهم عُزلاً رأوا أشرفَ الميتاتِ آرابا +وأنت يا تونس الخضراء قد رحلت عنكِ النضارةُ فاستُقبِحتِ إجدابا +متى أراكِ عَروباً حرةً وأرى غيمَ الفرنجِ عن الآفاق منجابا +مرآةُ جوِّكِ من أنفاسِهِم كدرت وماءُ روضِكِ لا يشتاقُ أعشابا +صبراً جميلاً فإنَّ الدهرَ غالبُهم والأغلبيّونَ كانوا فيكِ غُلّابا +تذكَّري عهدَهم واسعَي لعودته فمَن سعى في طلابِ المجدِ ما خابا +كانوا ملوكاً وكان الدهرُ يرهبُهم إذا امتطوا وانتضوا جرداً وأعضابا +في بأسهم وطّدوا أركان مملكةٍ والجيشُ يقذفُ تهويلاً وإرعابا +هذي صقليّةُ العجماءُ ما نطقت إِلا بلسنٍ يضاهي الماءَ تشرابا +فيها وفي أرضِ سردينيّةَ انتشرت حضارةٌ أشبهت في النخلِ إرطابا +كم لابن حمديسَ من شعرٍ ترجّعُهُ جناتُها فيشوقُ الموجَ والغابا +تلك القصائدُ غنّاها وأنشدها فأطربت أهلَ عليّينَ إطرابا +ويا جزائرُ في ذكراك أرّقني وجدٌ عليه فؤادُ الصبِّ قد ذابا +هل ارتضيت نكاحَ الرومِ ساليةً وهل تخذتِ بناتِ الرومِ أترابا +برُّ العروبِ غدا بين الورى مثلاً فلا تكوني فروكاً شعرُها شابا +أرخي النقاب على الوجهِ الحيي ولا تُعَرّضيه لعلجٍ عاب واغتابا +ماءُ الحياءِ سقاهُ في نضارتِهِ لولا نقابٌ يقيه سالَ أو سابا +يا بنتَ قومي وقومي أهلُ أندلسٍ هل تذكرين سماءً بدرُها غابا +في ظل قصرٍ وجنّات ربيتِ فلا تنسي ذويكِ ولو أتربتِ إترابا +إن العروبةَ فخرٌ للألى شربوا كأساً من الحلوِ تعطي المرّ إعذابا +خذي الشجاعةَ من دينٍ ومن أدبٍ ومن تذكّرِ مجدٍ إن تفي ثابا +ولا يغرّنكِ تدليسٌ وبهرجةٌ من معشرٍ ينشبونَ الظفرَ إنشابا +الداء منهم فإن جاؤوا بأدويةٍ زادوكِ سقماً وآلاماً وأوصابا +هذا خَريفُكِ والأزهارُ ذابلةٌ فأمِّلي بعدَه أيّارَ أو آبا +كم دولةٍ فيكِ يا مرّاكشُ انبسطت والأرضُ تهتزُّ إرهاباً وإعجابا +هل من عبيديّةٍ أو من مرابطةٍ أو من موحّدةٍ ترجينَ أطنابا +فاسٌ قد اختطها إدريسُ عاصمةً واليومَ لا عاصمٌ من تاجرٍ رابى +ما للخلافةِ رسمٌ فيكِ أو سِمةٌ فرجّعي للورى نَوحاً وتنحابا +وابكي عليها وتوبي بعد معصيةٍ فاللهُ كانَ على التوّابِ توّابا +إن الحديثَ شجونٌ والهوى مرضٌ ففي هوى أُمتي ألتذُّ أتعابا +كم خارجٍ من عهودِ العربِ يشتمني ولم أكن قط شتّاماً وسبّابا +آدابُ قومي وآدابي أعوذُ بها من أن أكونَ مع الأوغادِ ثلابا +الأريحيّةُ هزّتني فصنتُ بها من الأكارمِ أعراضاً وأحسابا +وفي احتقاري لمن دوني أرى ظفراً هذا افتخاري على من ذمَّ أو عابا +ما الشام أفضلُ عندي من طرابلسٍ فهذه القوسُ يَلقى قابُها القابا +والتونسيُّ أو المصريُّ في نظري مثل الشآميِّ إعزازاً وإحبابا +كلُّ البلادِ بلادُ العرب لي وطنٌ فيه أجرُّ على الأهداب أهدابا +وأهلُها كلُّهم أهلي فهم عربٌ إن ألقَهُم ألقَ إكراماً وإرتابا +من فاته نسبٌ ما فاته أدبٌ فكلُّهم عربيٌّ أصلُهُ طابا +قربى المواطنِ والآدابِ أمتنُ مِن قربى تُجَمِّع أرحاماً وأصلابا +في حب قومي أرى الآفاقَ واسعةً والنفس تأملُ جنّاتٍ وأعنابا +فكل أرضٍ تردَّت ثوبَ نعمتهم أشتاقُ مأذنةً فيها ومحرابا +ما زلتُ أضربُ قلبي في محبّتهم حتى تفجّرَ مِنه الشعرُ وانسابا +قد كانتِ الدارُ دارُ الشعرِ مقفلةً فجئتُ أفتحُ للإبداع أبوابا +وإذ رأيتُ عروسَ الشعرِ عاريةً ألبستُها من شغافِ القلبِ جلبابا +نفختُ في البوقِ فانشقّت مضاجعهم وبتُّ أَشهدُ أَبطالاً وكتّابا +سارت مواكبُهم تتلو كتائبَهم حتى غدوتُ ليومِ العرضِ رقّابا +والأرضُ مائجةٌ منهم ومائدةٌ كأنها تحتدي من هاجَ أو هابا +يا بنتَ يعربَ سيفُ الحق مندلقٌ فأشرِبيه دمَ الكفّارِ إشرابا +وارعي بنيكِ وصوني إرثَهم أبداً فالدهرُ قد أَكلبَ الإفرنج إكلابا +وقاومي فتحَ أسطولٍ بمدرسةٍ فطالما غلبَ القرطاسُ قرضابا +تحيا الشعوبُ بآدابٍ وألسنةٍ ولو غدا الحكمُ إعساراً وإصعابا +فبشّري بكتابِ الله ناشرةً لسانَهُ واهدمي للرومِ أنقابا +عسى تعودُ إِلى الإسلامِ بهجتُه وتأمنينَ كذا ما راح أو رابا +واتلي من المصحفِ الآيات قائلةً يا مسلمين اذكروا ديناً وأنسابا +وبايعوا ابنَ رسولِ اللهِ سَيدَكم كي لا تروا فتنةً فيكم وأَحزابا +إن الخلافةَ مدّت ظلّ سلطتِها على بنيها ولاقى العتبُ إعتابا +في الشرقِ والغربِ لاذَ المؤمنونَ بها واستجمعوا حولَها جنداً وحجّابا +يا حبذا دولةٌ زهراءُ قد رفعت من عهدِ هارونَ والمأمونِ أَعتابا +برزت وقد شقّت حجابَ الأعصرِ بنتُ النبيِّ الهاشميِّ الأكبرِ +وكأنَّ صفحةُ ذي الفقارِ جبينَها ولحاظَها من حدِّهِ المتسعّر +روحي الفداءُ لحرةٍ نشأت على حبِّ الأسنّة والظُبَى والضُمَّر +ضاقت بها الصحراءُ فانفتحت لها أبوابُ كِسرى والعزيزِ وقيصرِ +فغدت تقودُ إلى المعاركِ خيلَها وتُجرِّرُ الديباجَ فوقَ المرمر +واليومَ قد ظهرت تُعيدُ جمالها وجلالها فتخضّبت بالأحمر +ومشت مظفّرةً وما وطئت سوى هامِ الفوارسِ والقنا المتكسّر +فغدوتُ أخطرُ كابنِ هاني مُنشداً لقصيدةٍ هزَّت كتائبَ عسكر +وأقولُ والخيلُ العرابُ تصاهلت بنتَ البداوةِ حانَ أن تتحضّري +فعلى الحضارةِ أقبلي واستقبلي أنوارَ ذياكَ الصباحِ المُسفِر +عودي إلى العهدِ القديم فإنهُ مثل الربيعِ أو الغمامِ الممطر +شمسُ المشارقِ في المغاربِ أشرقت من راحتيكِ لرومِها والبربر +فدعوتِهم بعد الضلالِ إلى الهدى وكسوتِهم حِلَلَ الحريرِ الأفخر +وشكوا لكِ الظمأ الشديدَ إلى الندى فسقيتِهم كرماً كؤوس الكوثر +وتهذّبت أخلاقُهم وعقُولُهم فتنشقوا من فيكِ ريحَ العنبر +لولاكِ ما فكّ الأسيرُ قيودَهُ والعبدُ لم يُعتق ولم يتحرر +الأرضُ قد صارت بحكمِك جنةً تختالُ في ثوبِ النعيمِ الأنضر +فتهلّلت أنهارُها وبحارُها طرباً لصوتِ مهلِّلٍ ومكبِّر +ما كان أجملَ ذلكَ العهدَ الذي حكمَ البريّةَ فيه أشرفُ عنصر +سارت جيوشُ ذويكِ من فتحٍ إلى فتحٍ أغرَّ كجارفٍ متحدّر +وعلى الممالكِ خيلُهم طلعت كما طلعَ الصباحُ على الظلامِ المدبر +من كلّ وثّابٍ وكل طمرَّةٍ في متنها خيسٌ لكلِّ غَضَنفَر +والخيرُ معقودٌ بها يومَ الوغى فوقَ الدمِ الجاري وتحتَ العِثيَر +وصهيلُها كقصيفِ رعدٍ حاملٍ بشرى الغيوثِ وبالصواعقِ منذِر +فتراءَتِ الدنيا لهم عربيةً في بعض أعوامٍ وبضعة أشهر +وعلى المدائنِ رفرفت أعلامهم من أبيضٍ أو أسودٍ أو أخضر +فمن الثلاثةِ فصِّلي عَلَمَ الهدى وضعيهِ فوقَ عطاردٍ والمشتري +تلك العواصفُ بالحيا قد بشّرت فهمى وحيّا بالربيعِ المغضر +فغدا الرشيدُ يقولُ في بغدادهِ أيانَ تهوَي يا غمامةُ أمطري +ما تمطرينَ من البلادِ خراجُه يأتي إليَّ ولو وراءَ الأبحر +يا دولةً بُنيت على القرآنِ مَن يُحصي محاسنَكِ التي لم تُحصر +ما في البيانِ ولا القريضِ كفايةٌ ولو استعرتُ له صِحاحَ الجوهري +أو شعرَ غيلانَ الكثيرَ وقد حوى ثلثَ اللسانِ اليعربيِّ الأغزَر +من ذا يعدُّ أشعةَ الشمسِ التي طلعت على الدنيا لأعظم مظهر +إن الحياةَ بنورها وبحزّها وحياتُنا من نورِك المتنوّر +تذكار سالفِكِ المجيدِ يشوقُني وا حرَّ قلبِ العاشقِ المتذكر +ملأ البلادَ حضارةً وغضارةً فالأرضُ مُذ ولّى كربعٍ مُقفِر +فيهِ فخامةُ بابلٍ مع نينوى عادت وعزّةُ بعلبكَّ وتَدمر +ألهمتِني وهديتِني فأنا الشذا والنورُ منكِ لناشقٍ ولمبصر +فرأيتُ نفسي أُفقَ نجمٍ زاهرٍ ورأيتُ قلبي روضَ وردٍ مزهِر +ما زلتُ في بغدادَ أسمعُ نغمةً للموصليّ على رَنينِ المزهر +فأقولُ والحلمُ الجميلُ يشوقُني يا أيها الحلمُ الجميلُ تَفَسّر +أترى دمشقُ وليدَها كغياثِها ويسيرُ في بغدادَ مثلُ البُحتُري +فتُردِّدُ الأجيالُ شعراً خالداً متسلسلاً من عَذبِكِ المتفجّر +ظهرت محاسنُهُ وكان ظهورُها من حُسنِكِ المتبذّل المتستّر +زهراءُ قرطبةٍ وجامعُها وما في كنزها من لؤلؤٍ مُتبعثر +والقصرُ والحمراءُ في حمصٍ وفي غرناطةٍ وزخارفُ ابنِ الأحمر +وقصورُ سامرّا وبغدادَ التي دَثَرت وفي الألبابِ لمّا تدثر +تهدى إليك إذا تعسّفَ طارقٌ مستوضحٌ والليلُ ليسَ بمقمر +وعلى بقايا العزّ في أطلالِها دمعُ الحزينِ وعبرةُ المتبصِّر +تبكي نظامَ الملكِ مدرسةٌ بها جُمعت شعوبُ الأرضِ حولَ المنبر +وكذلك المستنصريةُ لم تزل تحتَ الثرى تبكي على المستنصر +والحكمةُ الزهراءُ تندبُ بيتَها وتقولُ للمأمونِ طالَ تحسّري +والأشرفيةُ في دمشقَ ومثلُها ألفٌ بناها العربُ بعد تحضّر +لم يبقَ من أثرٍ لها ورجالُها كانوا هداةَ العالمِ المتحيِّر +يتنقّلونَ كواكباً سيارةً والأرضُ بالإسلامِ هالةُ أقمُر +ويُنثّرونَ على الدُّجى شعلَ الهدى ويحاولون إقالةَ المتعثّر +تلكَ المدارسُ والمكاتبُ هُدِّمَت أو أُحرِقَت فكأنها لم تخفر +كلُّ المحاسنِ والمكارمِ عرضةٌ بعد الخلافةِ للسّفيهِ المفتري +كان الخلائفُ يحفظون عهودَها وهي المهانةُ عند علجٍ يزدري +بالله أيتها الخلافةُ جمّعي شملَ البنينَ التائهينَ النفّر +قد كنتِ عقداً للجواهرِ ناظماً فانحلَّ وا أسفاه عقدُ الجوهر +هذا العراقُ إليكِ حنَّ نخيلُه والشامُ بين تذكُّرٍ وتذمُّر +ولمصرَ والغربِ القصيّ تعلّلٌ بالقربِ بعدَ تمنُّعٍ وتعذُّر +تلك البلادُ جميعُها عربيةٌ بعد الشذا العربيِّ لم تتعطّر +فكذا أؤملُ أن تصيري دولةً كبرى بنظمِ فريدكِ المتنثِّر +فأراكِ تنبسطينَ في شرقٍ وفي غربٍ كما انبسطت قوادمُ أنسُر +وأسيرُ فيكِ مشرّقاً ومغرّباً وأجرّ ذيلَ التائهِ المتكبّر +وأقولُ هذي أمتي أو دولتي أو رايتي لمعزّةٍ ولمفخر +فهي القويّةُ والعليّةُ في الورى وأنا القويُّ أنا العليُّ أنا الجري +في الكعبةِ العُظمى تعالت صيحةٌ لابنِ الرسولِ النافرِ المستَنفِر +في الجامعِ الأمويِّ طنَّ دويُّها والمسجدِ الأقصى وصحنِ الأزهر +أبني الألى انتصروا بنصرِ نبيِّهم والحقُّ لولا نصرُهُم لم يظهر +من لا يُريقُ دماً ويبذلُ درهماً لصيانةِ الشرفِ الأعز الأطهر +وإعادةِ الملكِ السليبِ فإنه إرثٌ يثبِّتُهُ حطامُ الأعصر +الدولةُ العربيةُ الكبرى بِكم ولكم تعودُ على العجاجِ الأكدر +فارموا أعادِيَكم بكلِّ كتيبةٍ دفراءَ أبطشَ في الوغى من دَوسر +شَرفُ الفروعِ من الأصولِ وإنما شرفُ الأصول من الدّمِ المتقطِّر +والخيرُ من عربيةِ الخَيلِ التي داست حوافرُها مغاورَ أنمر +إن السيادةَ والسعادةَ والعُلى من وجهِ دينارٍ وحدِّ مذكَّر +فإذا هما اجتمعا لِشَعبٍ صالحٍ ما عادَ غيرَ مؤَمَّرٍ ومظفَّر +المالُ أعظمُ قوَّةٍ في دولةٍ فلَكَم أتى منهُ انتصارُ مذخّر +وله السلاحُ على الصلاحِ مساعدٌ والمرءُ بينهما مسيءٌ أو بري +يا مؤمنينَ بَدارِ ليسَ أميرُكم إلا الإمام ابن الإمامِ الأشهر +قد هبَّ يجمعُ شملَكم في دولةٍ قرشيّةٍ واليسرُ بعدَ تعسُّر +والرايةُ الشرفاءُ تحميكم كما تُحمى بكم يومَ الوغى والمحشَر +أوَ ما عرفتم أُمَّكم بكتابِها ولسانِها من شاهِدٍ أو مُخبر +ظهرت مطهرةً به فتطهرت منهُ الشعوبُ وعمَّ فضلُ مُطَهَّر +أو ليسَ قوّتُكم وعِزّتُكم بها في كلِّ قُطرٍ بالهُدى مُستَبشِر +برّوا بها لجميلِها وجمالِها فالحرُّ لم ينكر ولم يتنكر +مَيلُ الفؤادِ الى الرشادِ دليلُكم والمرءُ في الايمان لم يتحيَّر +الله أكبر والنبيُّ حبيبُهُ فارجوا شفاعتَهُ بحسنِ تصبُّر +صلّوا عليهِ وسلّموا وتشدَّدوا وتثبّتوا لتأهُّبٍ وتشمّر +أبناؤُهُ أنتم فكونوا أُمةً وتحرّسوا من خادعٍ ومزوّر +أَيُفرّقُ الغرباءُ إخواناً لهم دارُ الخلافة رحبةَ المستجمِر +أمخاطبينَ اللهَ باللغةِ التي شَرفت بتنزيلِ الكتابِ الأنوَر +عربيّةٌ صلواتُكم ونفوسكم وأطايبُ الجنّاتِ للمتبرِّر +بطحاءُ مكةَ ألّفت ألفافَكم حتى غدوتم إخوةً في المَعشَر +فكما ببيتِ اللهِ طفتم إخوةً طوفوا ببيت خلافةٍ لتحرّر +والله لا حريةٌ إلا التي كُتِبَت بصفِّ الجيشِ لا بالأسطر +توحيدَكم لله منهُ وحدةٌ لجموعِكم فخذوا برأي مُدبّر +وتجمّعوا أُمماً وصيروا أُمَّةً فالملكُ أعظمُ بالعديدِ الأكثر +كونوا كبنيانٍ يشدد بعضُهُ بعضاً فيأمن كلَّ ريحٍ صرَصَر +لا شيءَ يفصلُكم وهذا دينُكم ولسانُكم فتمسكوا بالجوهَر +حبي الخليفةَ مولانا ومولاكِ إن سارَ في الجيشِ محفوفاً بأملاكِ +فأنشدت أممُ الإسلامِ قائلةً يا بنتَ مكةَ إنّا من رعاياكِ +الحمد لِلَّهِ بالإسلامِ شرَّفنا وما عَرفنا الهُدى حتَّى عرفناكِ +فللرسولِ وأهليهِ وأُمتهِ فضلُ الهدايةِ مقروناً بنعماكِ +ومرجعُ الدينِ والدنيا إلى عربٍ في بيتِهم أشرقت أنوارُ أفلاكِ +فالأفضليةُ في الدارينِ فزتِ بها طوباكِ يا بنتَ إسماعيلَ طوباكِ +منكِ الجمالُ تحلّى بالجميلِ لنا وإنّ حسنَكِ مشفوعٌ بحسناكِ +ما نَسلُ جَدِّكِ من عربٍ ومن عجمٍ إِلا خلاصةُ وردٍ طيِّبٍ زاكِ +فهو القويُّ على ضعفٍ وأنتِ بهِ قويةٌ فأسودُ الغابِ تخشاكِ +أنتِ التي طلعت عذراءَ طاهرةً زهراءَ سافرةً ما بين أحلاك +صانت بمُرهَفِها آياتِ مصحفِها حتى أذلّت ذوي كفرٍ وإشراك +أنتِ العظيمةُ فوقَ الرملِ نائمةً أنتِ الكريمةُ في أيام بؤساك +أنتِ الرحيمةُ والأسيافُ مُصلتةٌ أَنتِ الحليمةُ والأبطالُ أسراك +أنتِ العفيفةُ واللذاتُ سائحَةٌ أنتِ الظريفةُ والزهراءُ مغناك +أنتِ الخفيفة والأعناقُ مثقلةٌ أنتِ اللطيفةُ والأعلاجُ أعداك +من مثل جَدِّكِ أو مَن مثل قومِك من شروى نَبيّكِ يا ليلى وشرواك +ألم تقل كلُّ أرضٍ قد حَللَتِ بها أهلاً وسهلاً فبُشرى اللهِ بُشراك +السندُ والهندُ ثم الصينُ قد شهدت راياتِ قومِكِ فافترّت لمرآك +حيي هنالِكَ أرواحاً تحن إلى روحِ النبوَّة حيثُ الروحُ حيّاك +هي الحمائمُ فوقَ البيتِ حائمةٌ ولم تحُم حولَ بيتِ اللهِ لولاك +فمهبطُ الوحي والتنزيلِ في بلدٍ جبريلُ فيهِ بآي اللهِ ناجاك +عندَ الصلاةِ وعندَ الموتِ أعيننا ترنو إليهِ وقد لاحت ثناياك +في حجّ كعبتهِ أو نحو قبلتِهِ رضى الذي بجميع الناس أوصاك +المسلمونَ إِلى البطحاءِ مرجعُهم وليسَ يجمعهم إِلا محيّاك +فجمِّعيهم وإلا جمّعي عرباً تفرقوا بعدَ ما ناخَت مطاياك +لهم مُمالكُ شتى لا ملوكَ لها والرومُ قد أضعفوا فيهم مزاياك +تلك الممالكُ بالإسلامِ قد زهرت وكلٌّ خيرٍ نأى عَنها بمنآك +تمسَّكي بعرى الإيمانِ واثقةً فإنَّ دِينَك موصولٌ بدنياك +وإنه عربيٌّ أنتِ مصدرُهُ بهِ العليُّ أمورَ الخَلقِ ولاك +أثبتِ دينَ الهدى والحقَّ غالبةً فما أعزّك في الدنيا وأعلاك +ظَللتِ عَرباءَ صانتها بداوتُها فأحسنَ اللهُ عُقبانا وعُقباك +لا أعجميَّ سطا يوماً عليكِ ولا دَخيلَ فاللهُ من تَقواكِ أعطاك +يا بنتَ يَعربَ في عينيكِ لائحةٌ أسيافُ من فتحوا الدنيا لعُلياك +ثلّوا العروشَ وقد فلّوا الجيوشَ بها أعظِم بما صَنعت للخير جَدواك +بَنَت ممالكَ أو سنّت شرائعَ أو أبقت صنائعَ فاقَت كلَّ إدراك +لكِ الفضيلةُ والفضلُ العميمُ على كلِّ الشعوبِ فتقوى اللهِ تقواك +أعطيتهم من كتابٍ آيُهُ عَجَبٌ ديناً وشرعاً ولسناً عطَّرت فاك +فلا شرائعَ إلا عنكِ مأخذُها وفي اللغاتِ كثيرٌ من عطاياك +واللهِ لم ننسَ عهداً أنتِ بهجتُهُ ولا سَلَوناكِ حيناً أو نسيناك +لكنَّ للدهرِ أطواراً تقلِّبنا وكلٌّ قلبٍ شريفٍ ظلّ مأواك +فَكم أرَقنا على العرشِ الرفيعِ دماً وكم ذَرَفنا دموعاً مُذ فقدناك +وإن ذكرناكِ هزّتنا حمَيّتُنا فمثلُ ماويةِ الأغصانِ ذكراك +هلا بعثتِ على البلوى بنافحةٍ فالأرضُ طّيبةٌ من نفحِ ريّاك +عودي إلينا لتحيينا فقد فعلت كالماءِ والنارِ في الأرواحِ عيناك +سمعاً وطوعاً وإجلالاً وتكرمة هذي المنازلُ نهواها وتهواك +ما العيشُ بعدَكِ فيها طيّبٌ ولنا عهدٌ قديمٌ عليه قد عهدناك +لئن تَعودي تُعيدي مانهيمُ بهِ إياكِ نعبدُ بَعدَ اللهِ إياك +فعاهدين�� نعاهد رَبَّنا أبداً أن نستميت لزلفاهُ وزلفاك +حَتّامَ نصبرُ في ذلٍّ وفي جزعٍ وكيفَ نحملُ بَلوانا وبلواك +فالأرضُ كادت بزلزالٍ تُزَحزِحُنا عن ظهرِها يومَ جيشُ الرومِ وافاك +يا حسرتاه ويا ويلاه من زَمنٍ أضرى الثعالبَ فانتاشت بقاياك +هل روحُ أحمدَ تُلظي قلبَ أمتهِ لكي نؤجِّجَ ناراً دونَ ملجاك +هبّي إلى سيفهِ في كلِّ نائبةٍ فطالما في اشتداد الخطبِ نجّاك +ذراعُ أرضكِ ميلٌ في نواظرهم مذ شرّفَتها بحقِّ الفتحِ رجلاك +من الفرنجِ أرى الإسلامَ في خطرٍ ولليهود انتهاكٌ بعد إنهاك +فلا تنامي على ضيمٍ ولا تقفي حيرى فروحُ صلاحِ الدين ترعاك +ضَمّت دمشقُ عظاماً منه طاهرةً وقد تباركَ مثواهُ ومَثواك +فكيفَ يدخُلها الروميُّ مغتصباً ولا يخافُ الذي في الروعِ فدَّاك +ما لليهودِ وللإفرنجِ قد وثبوا على فلسطينَ حيثُ القدسُ تلقاك +وحُرمةِ المسجدِ الأقصى لقد بطلت دعوى الخليطِ وصحّت فيهِ دعواك +ما أختُ مكة إِلا القدسُ فاحترمي شرعَ النبيِّ وصونيها لقرباك +كم زحفةٍ لعلوجِ الرومِ أوقفَها سلاحُ جيشِكِ أو أشلاء قَتلاك +وكم عليها دماءُ المسلمين جَرَت وكم تساقطَ فيها من سراياك +لأجلِها أهرقوا أزكى دمٍ فلهم تبقى على رغمِ طمّاعٍ وأفّاك +يا قدسُ مكةُ قد آستكِ باكيةً لما أتاها بنعي الدينِ مَنعاك +وافاكِ في ليلةِ المعراجِ سيِّدُنا محمدٌ وكتابُ اللهِ سمّاك +فبالعروبةِ والإسلامِ أنتِ لنا واللهُ يسمعُ شكوانا وشكواك +هل تستقرُّ جماهيرُ اليهودِ إذا دعوتِ يوماً أبا حفصٍ فلبّاك +وذو الوشاح لهُ في الغمدِ صَلصَلةٌ وفي الرقِّابِ صليلٌ منه سلواك +إذا بدا ظلُّهُ أو ظلُّ ناقتهِ ولو برؤيا تهولُ الخصمَ رؤياك +إن السيوفَ على الأغمادِ حاقدةٌ لأنها لم تجرَّد في رزاياك +ما كانَ أجمل إبسالاً وتفديةً والشهمُ يقصد إنجاء بإهلاك +بالله أيتُها الأمُّ العروبُ خذي بالثارِ شعباً لنصرِ البطل عاداك +وطهَّري القدسَ من رجسٍ ومن دَنسٍ وأصلتي سيفَ سفّاكٍ لسفّاك +ماذا تُرجّينَ مِن قومٍ بلا شرفٍ ولا عهودٍ ومنهم كلُّ فتّاك +إن الرزيئة كبرى لا عزاءَ لها حتى اليهوديُّ أخزانا وأخزاك +على بنيكِ غدا في أرضِهم أسداً ولم يكن في حماهم غيرَ هتّاك +فحرّضيهم على تقطيعِ سلسلةٍ هم راسفون بها ما بين أشراك +وجمّعيهم كما جمّعتِهم قدماً في دولةٍ نظمَ حبّاتٍ بأسلاك +النطقُ والدينُ والآدابُ تجمعهم ولا تزالُ سجاياهم سجاياك +الأرضُ أرضُكِ لا مطلٌ ولا جدلٌ ولا خداعٌ فصكي وَجهَ بشاك +قد أثبتَتها من الأجيالِ أربعةٌ وعشرةٌ وهي منذُ الخلقِ مجراك +بالإرثِ والحرثِ والسكنى لنا حججٌ واللهُ بالدمِ زكّاها وزكاك +وكلُّ شعبٍ له أرضٌ يُدبِّرها فيمَ التصدي لمسعانا ومَسعاك +أحيثما عمرٌ صلّى وحيثُ بنى بنو أميةَ للتقوى مُصلَّاك +يمشي الأجانبُ في غوغائهم مرحاً ولا سكونٌ لمن شاقَتهُ سكناك +من إرثه يُحرَمُ الفادي له بدمٍ ولليهودِ احتكامٌ بعدَ إملاك +من ذا يرقُّ لمفجوعٍ بموطنهِ بين الأراذلِ أو من يسمعُ الشاكي +الإنكيزُ استبدوا واليهودُ بَغَوا مستضحكينَ لدمعِ المسلمِ الباكي +صبراً جميلاً فما الشكوى بنافعةٍ حيثُ المظالمُ زادت من شكاياك +في حالِ ضعفِكِ داريهم وإن تثقي من قوةٍ ألصقي بالسيفِ يُمناك +بالرومِ ضحّي وضحّي باليهود معاً فاللهُ تُرضيه في الأضحى ضحاياك +وذكّري العلجَ عهداً فيهِ عسكرُهُ بعدَ الأمانيِّ لاقَتهُ مناياك +لما تعدَّى الصليبيون وائتمروا وما مَكرتِ ولا أسرَرتِ نجواك +جرّدتِ سيفاً قد اعتادت مضارِبُهُ هامَ العلوجِ فخرّوا منهُ صرعاك +أدِمَشقُ أينَ بنو أميّةَ قولي لِيَقوا نضارةَ حسنكِ المبذولِ +بجلالِ جامِعهم ورونق ملكِهم صوني الجمالَ بشعركِ المحلول +ما حالُ غوطتِكِ التي فُجِعت بهم فغدا لها ثأرٌ على القاطول +الحقدُ زالَ على الشقاوةِ والأسى فجميعُنا عربٌ كرامُ أُصول +وأولئك الخلفاءُ عن عصبيةٍ عربيّةٍ ذادوا بكلِّ أصيل +فتشرّفوا بينَ الملوكِ وشرّفوا ملكاً تقاصرَ عنهُ باعُ دخيل +بسطوا سيادَتَهم وظلّوا سادةً حتى انكسارِ الصارم المسلول +أهوى خلافتَهم وأحفظُ عهدَها ولذكرِها أبكي على تأميل +ظلّت عروباً لم تُمسَّ ولم تَهُن وعلى الصواهِلِ آذنت برحيل +ما شوَّهَ الدخلاءُ يوماً حسنَها فهي التي سقطَت بلا تذليل +لبني أُميةَ في النفوسِ مكانةٌ بالبأسِ والإحسانِ والتعديل +ملكوا القلوبَ بحلمِهم وسخائهم ورعوا ذمامَ عشيرةٍ وقبيل +ماتوا كما عاشوا ملوكاً بُسَّلاً لم يؤخذوا بالقهرِ والتنكيل +قتلوا من الأكفاءِ لا من سوقةٍ ومضوا على مجدٍ أغرَّ أثيل +في ظلِّ دولتهم وظلِّ بنودهم قد تمّ فتحُ العالمِ المأهول +فلهم على العرب الأيادي ما صبت نفسٌ إلى التكبير والتهليل +إني أجلُّ وفاءَهم وبلاءَهم فلهم على الأحرارِ كلُّ جميل +نصرُ بنُ سيارٍ تكسّر سيفُه في نصرهم إذ ملكهم لمهيل +أكرم بهِ بطلاً شريفاً ماجداً لحفاظهِ أودى أعزّ قتيل +معنُ بنُ زائدةِ الهمامُ رفيقُهُ في الذودِ عن عربيّةٍ عطبول +دفعتهما عصبيّةٌ وحفيظةٌ والفرسُ يدفعُها شفاءُ غليل +أدمشقُ أنتِ أميرةٌ أمويةٌ بالقصرِ والكرسيّ والإكليل +فابكي معاويةَ الذي بدهائهِ جعلَ الخلافةَ فيكِ بين نصول +فغدوتِ من سلطانهِ سلطانةً للأرض بالتعظيمِ والتبجيلِ +ورأيتِ من قسطنطِنِيَّةَ ضرَّةً فرميتها بالجيشِ والأسطول +زعزعتِ ثمتَ ملكَ قسطنطينَ إذ فرَّت شراذمُ جيشهِ المفلول +قد كان جباراً وفي جبروته ما يُنهضُ الأقوامَ بعدَ خمول +فهو الذي وضعَ الأساسَ موطّداً للملكِ بينَ الهونِ والتهويل +فرآك تحتَ حسامهِ ونظامِهِ قطبَ الورى في بكرةٍ وأصيل +أبداً عليكِ يلوحُ ظلُّ خيالهِ فتذكّري عهداً لقيلِ قيول +هيهات تَرجعُ دولةٌ أمويةٌ أبقت من الآثار كلَّ جليلِ +بيضاءُ راياتٍ وأعمالٍ هوت تَحتَ الحجابِ الأسود المسدول +الجامعُ الأمويُّ من آثارها فلكم رمى متأملاً بذهول +جمعَ الفخامةَ والمحاسنَ والهُدى وعلى المكارمِ ظلَّ خيرَ دليل +والمسجدُ الأقصى إلى حسناتِها يصبو وهذا العهدُ عهدُ بخيل +عَزَّت بأهليها وفي أيامِها سادوا الشعوبَ وطوّفوا كسيول +فلها البريةُ دوّخوا ولأجلِها ضربوا مناكبَ عرضِها والطول +التركُ من أسدِ بنِ عبدِ الله قد سحقوا بِضَربةِ ساعدٍ مفتول +كثرت غنائمُهُ وقتلاهم إِلى إيمانِهم بالله والتنزيل +ومحمدُ القسريُّ أوردَ خيلَهُ في الهندِ ماءَ الغنجِ بعدَ النيل +فاستصغَر الهنديُّ ذا القرنينِ في إعجابهِ بالفاتحِ البهلول +واحتلّ أندلسَ الجميلةَ طارقٌ في وقعةٍ غراءَ ذات حجول +لَذريقُ لاقي في شريشَ حِمامَهُ إذ فرّ في الهيجاءِ كالإجفيل +والقوطُ من حرِّ السيوفِ تساقطوا في النهرِ كالأوراقِ بعد ذبول +غرقاً وقتلاً قد مضوا لسبيلهم والعربُ قد سلكوا أعزّ سبيل +وبسيف مسلمةٍ وسيف قتيبةٍ وبصارمِ الحجّاج�� ذاك الغول +خضع العصاةُ وقد تفاقَم شرُّهم وتفرّقوا عن ثائر مغلول +وكذا العداةُ تصرّعت أمراؤهم وجبالهم موطوءَةٌ كسهول +أعظِم بقوّادٍ كآسادِ الشرى فلّوا جيوشاً أدبرت بفلول +شدوا الحبالَ على الخصومِ وشدّدوا وأتوا بجزيةِ عاهلٍ مخذول +ولحسنِ نجدتِهم وشدة بأسهم حكموا على التصعيبِ بالتسهيل +فكأنهم ولدوا لعزةِ أُمةٍ نجبت بأكرمِ نسوةٍ وبعول +تذكارهم منهُ الحياةُ لنسلها وبه الهُدى كالنجمِ والقنديل +غزواتهم كانت لهم نُزهاً بها حلّوا بلادَ الرومِ خيرَ حلول +كم للمفاخرِ أنجبت عربية حسناءُ غيرَ سقيمةٍ وملول +لم يُولدِ العربيُّ إلا فارساً أو شاعراً أو ضائفاً لنزيل +أدمشقُ كنتِ مليكةً حرّاسُها عربٌ مضاجِعهُم متونُ خيول +وسيوفُهم قد أنكرت أغمادَها من كثرةِ التجريدِ والتقتيل +فغدوتِ ثكلى لا يقالُ عثارُها إِلا بضربةِ فيصلِ مصقول +في غارةِ عربيةٍ تُمحى بها آثارُ حكم الرومِ والمنغول +فتكونُ سيلاً للفساد مطهّراً والحزمُ في التصميمِ والتعجيل +البطشُ في قذّافةٍ قصّافةٍ تمشي إلى الهيجاءِ مشيَ الفيل +والنصرُ من وثّابةٍ نهّابةٍ بين الكتائب كاللظى في الغيل +باللهِ أيتها المنازلُ خبّري هل فيكِ وصلُ العاشقِ الممطول +أبداً أزورك باكياً مستبكياً أو ذاكراً ومذكراً كدليل +وعليكِ أشعاري ترنُ شجية حتى انبثاقِ نعيمك المأمول +ما كان أتعس مولدي متأخراً لأكون شاعرَ نكبةٍ وطلول +خلفي وقدامي بلاقعُ أربُعٍ وحطامُ عرشِ خلافةٍ مثلول +وخرائبُ اندثرت وما فيها سِوى حدِّ فليلٍ أو دمٍ مطلول +لكنني في الضعفِ أطلبُ قوَّةً وأعيشُ بالتذكيرِ والتعليل +زَخرَفتُ حلمَ شبيبةٍ عربية ورفعتُ مشعالاً لكلّ ضليل +فكأنني نبّاشُ مقبرةٍ بهِ طربٌ لرنَّةِ مِعولٍ وعويل +يرجو العمارةَ والحياةَ لأمةٍ برفاتِ أجداثٍ ورسمِ محيل +أدمشقُ لا سكنى لشاميٍّ إذا لم يرحلِ الروميُّ بعدَ نزول +فيك الوليدُ تقطّعت أوتارهُ وكؤوسُه انكسرت لدى التقبيل +فله جميلٌ لستُ أنسى عهدَه إذ كانَ عَشَّاقاً لكلّ جميل +أنا شاعرٌ يبكي عليهِ لِشعرهِ ويفي حقوق الشاعرِ المقتول +أو لا تحبينَ الخليفةَ شاعراً ما بين ترنيمٍ وجرّ ذيول +أم لا ترينَ من العدالةِ قتلُهُ لسماعِ ألحانِ وشربِ شمول +فعلى كلا الحالين أبكي والهوى أعمى عن التحريمِ والتحليل +أعليكِ لابن أبي ربيعة وقفةٌ وقصيدةٌ من قلبه المتبول +أم أنتِ باكيةٌ لشعرِ كثيّرٍ حيناً ومنشدةٌ لشعرِ جميل +برَدى يرجّعُ لي غناءً مطرباً فيه نواحُ الثكلِ والترميل +هذا لعمركِ ما يُذيبُ حشاشتي تبكي نعيماً تحتَ ظلّ مقيل +وكأنّ يونسَ لا يزالُ مغنياً عند الوليد بصوتِه المعسول +والأخطلُ المختالُ يترعُ كأسَهُ ويقولُ يا دنيا لشعريَ ميلي +ويجرّرُ الأذيالَ عند خليفة قد رصَّعَ الإكليلَ بالإكليل +الشامُ بنتُ للعروبةِ برّةٌ وفروعُها موصولةٌ بأصول +عرفت أمومتها برضعِ ثديّها فالروحُ واحدةٌ على التحليل +أبداً تحنُّ إلى حضانةِ أمها واللهِ تلكَ الأمُّ غيرُ خذول +من عهد فارعةٍ وعهدِ جدودها حتى اهتدى غسانُ بالإنجيل +كانت وظلت بقعةً عربيةً والجيلُ يُثبتُ ذاك بعد الجيل +الدينُ والدمُ واللسانُ شهودُها وكفى بحكمِ الطبعِ والمعقول +قل للأعاجم والخوارجِ مَهلَكم لن تفصلوا ما ليسَ بالمفصول +عربيةٌ هذي القلوبُ فحبُّها أقوى من التّضليلِ والتّدجيل +فمن العراقِ إِلى الشآمِ الى الحجا زِ إلى سَبأ بلاد نخيل +والغربُ من مصرٍ الى مرّاكشٍ مع كل قُطرٍ بالهدى مشمول +أغصانُ جذعٍ أو مرازحُ كرمةٍ وجميعُها صلةٌ من الموصول +في عدّها تصريفُ فعلٍ لازمٍ وتجانسٌ من فاعلٍ وفعيل +بُنِيَت على القرآنِ فهو أساسُها لتعاونٍ ما بينَها مجعول +والملكُ فيها واحدٌ وموحّدٌ لا خوفَ من غبنٍ ومن تفضيل +أدمشقُ شرّفَكِ الخلائفُ مدةً وزمانُهم حسَنٌ كظلِّ خضيل +هل أنتِ راضيةٌ بعلجٍ بعدهم أو رائشٍ متذلِّلٍ لذليل +العربُ حكامُ الشآمِ وأهلُها وقبورُهم ختمٌ على تسجيل +منهم لها خلفاءُ أو أمراءُ أو علماءُ ليسَ عديدُهم بقليل +فعلى المآثرِ والرمامِ سلامُها وعلى ثرى بدمائهم مجبول +عودي الى ماضيكِ يا بغدادُ والعربُ فيكِ الصيدُ والأسيادُ +والأرضُ أنتِ لحكمِها ولعلمِها والماءُ دجلةُ والورى ورّاد +كل السيوفِ على ظباكِ تكسّرت وتجاهَ مجدكِ زالتِ الأمجاد +وكذا الملوكُ تساقطت تيجانُهم لعمامةٍ خرَّت لها الأطواد +وعروشُهُم حملت سريرَ خلافةٍ حفّت به الأملاكُ والأجناد +أمدينةَ المنصورِ يا زوراء يا بلدَ السلامِ سَلِمتِ يا بغداد +أنتِ المقدسةُ التي لجلالِها نحني الرؤوسَ وكلُّنا عبّاد +النار قد خمدت ونامت أمتي وبذكركِ الإيقاظُ والإيقاد +فكأنهُ البوقُ الذي لدويّهِ تذرى القبورُ وتُنشَرُ الأجساد +وكأنه النارُ التي منها الهُدى للتائهينَ وكلّهم رُوَّاد +كان الرشيدُ عليكِ يبسطُ ظلَّه وإلى إشارتِه الورى ينقاد +وعليهِ من عزِّ الخلافةِ هيبةٌ يصفرُّ منها الكوكبُ الوقاد +إن حجّ سارَ الشرقُ طراً خلفَهُ وطريقُه الديباجُ والسجّاد +وإذا غزا قادَ الجحافلَ ظافراً والرومُ حليةُ جيشِها الأصفاد +وزبيدةُ السلطانةُ العظمى التي كانت لديها تَربُضُ الآساد +بسقت سميراميسَ ربةَ نينوى والكونُ تحتَ ذيولها ميّاد +أمُّ الأمين لها صنائعُ جمَّةٌ حيثُ اعترى أهلَ الصلاحِ فساد +شَملت مراحمُها رعيتَها ولم تُرحم فطال على الأمينِ حداد +حَسُنَ المثالُ بها لكلّ مليكةٍ عربيةٍ جدُّ لها الهدهاد +فيما مضى الخلفاءُ أو أولادهم قادوا الجيوشَ وكلُّهم أجلاد +كم زحفةٍ زحف الرشيدُ بجيشهِ حتى الخليجِ ودونَه الإزباد +ففدت أرينةُ بالهدايا نَفسها وبلادها وسِلاحها الإرفاد +لما تمرّدَ نيقفورُ أذلَّه ولجيشهِ التبديدُ لا الإبداد +فُتحت هرقلةُ والخرابُ نصيبُها وهي التي اعتزَّت بها الأضداد +ولفتح عموريّةِ اضطربَ الورى والنارُ فيها المعتدون وقاد +بغدادُ يا ثكلى الخلافةِ رجّعي نَوحاً لهُ تتفتّت الأكباد +فلعلَّ ترجيعَ النواحِ وراءَه هُوجُ الرياحِ وبَعدها الإرعاد +أتعود فيكِ خلافةٌ قرشيَّةٌ كانت بياضاً والشعارُ سواد +أين المدارسُ والمكاتبُ رحبةً والعلم فيها طارفُ وتلاد +أين الجحافلُ والمحافلُ والألى سادوا وشادوا والشعوبُ تُفاد +دَرست معاهدُكِ الفخيمةُ بعدَهم فسقى عهودَكِ مدمعٌ وعهاد +الدرُّ تُطرحُ بعدَهُ أصدافُه والبيضُ تُكسرُ بعدَها الأغماد +طمسَ الزمانُ قصورَهم وقبورَهم والمكرماتُ مع الكرامِ تُباد +أين الذين تقلّدوا أسيافَهم حتى شكا حملَ الحسامِ نِجاد +ذهبوا وهذا نسلُهم متقاطعٌ لا نجدةٌ منه ولا إنجاد +إنّ المدائنَ والحصونَ تهدّمت لبناءِ مجدكِ والرماحُ عماد +وا حسرتاه على زمانٍ كلُّهُ شرفٌ وعزُّ حيثُ تُلفَظُ ضاد +العربُ بعدَ جهادِهم وجلادِهم ألِفوا الخمولَ فما أفادَ جهاد +أجدادُهم هَرقوا على ميراثِهم أزكى دمٍ حيثُ الحياةُ جلاد +نادي أبا دُلفٍ وقولي يا أخا عجلٍ أغثني فالخطوبُ شِداد +قد كنتَ تغزو الرومَ خيرَ مجاهدٍ ويدوسُ منكَ على الحصونِ جواد +أسوارُ قسطنطينية شهدتكَ من كثبٍ وملءَ جفونِها الإسهاد +بالنفسِ جدتَ لكي تصونَ مهابتي وعلى جَلالي بالنفوسِ يُجاد +ورميتَ أبناءَ العلوجِ بجحفلٍ لانت لوطأةِ خيلهِ الأصلاد +ووراءَك العربيُّ سارَ مجاهداً وأمامَهُ فتحٌ أو استِشهاد +بعثوا إليكَ بفديةٍ أو جزيةٍ وكذا العدوُّ بما يَكيدُ يُكاد +كم بطشةٍ لكَ في عساكرِ قيصرٍ منها هوى تاجٌ وطارَ فؤاد +فاذا تردّدَ ذكرُها في مجلسٍ يتضاءلُ البطريقُ والأشهاد +هل لابن مزيدَ في ربوعِك صولةٌ والمجدُ تحتَ لوائِهِ يزداد +قد كان أبسلَ قائدٍ وحِسامُهُ لسيوفِ قوّادِ العدى نقّاد +نالت به دارُ الخلافةِ عزّةً ما نالها عادٌ ولا شدّاد +وبسيفِ هرثمةِ بن أعينَ فاخري كلّ السيوف فإنهُ مقداد +ما استلَّه إِلا لِفَلقَةِ فَيلقٍ أو دكّ حصنٍ فَتحُهُ ميعاد +وأبو سعيدٍ للثغورِ وللعدى ورماحُهُ في هامِهم تنآد +وجوادُه العربيُّ يَقحَم بَحرَهم ويودُّ دوسَ عروشِهِم فيكاد +وبنو حميدٍ قد حمدتِ بلاءَهم وجميعُهم أبطالُكِ الأنجاد +قَدحت سنابكُ خيلهم أرضَ الألى جحدوا الهدى ومن الرؤوسِ زناد +فتوشمت منها وعن آثارها تتساءلُ الأغوارُ والأنجاد +ما لي أعدُّ من الرجالِ أشدَّهم ولذكرِهم بين الورى تَرداد +الأرضُ والتاريخُ عن أخبارهم وفتوحهم ضاقا فلا تعداد +ذهبَ الرشيدُ وزالَ رشدُكِ بعدَه فاليومَ لا رشدٌ ولا إرشاد +ذيالكَ الجبّارُ أصبحَ نسلُهُ قزماً فضيّع مُلكَهُ الأحفاد +أودى بنو العباسِ فوقَ أسرَّةٍ قتلى عليهم شُقَّتِ الأبراد +وعبيدُهم متحكِّمونَ بِدَولةٍ مع أهلِها ذهبَ الندى والآد +أصلُ البلاءِ من الذي حرّاسُهُ تُركٌ ولا عهدٌ لهم ووداد +ضاقت بهم بغدادُ حتى ملّها سكانُها ولدورِهم إيصاد +لا كان معتصمٌ به انفصمت عرى ملكٍ عليه للرشيدِ رشاد +من مصرَعِ المتوكّلِ ارتاعَ الورى وتجرأ الغلمانُ والأوغاد +لم تعصمِ الخلفاءَ منهم عصمةٌ قرشيّةٌ ما مَسّها الأنداد +والحكمُ للمملوكِ عندَ خليفةٍ سَجَدت له الأمراء والعبّاد +دار الخلافةِ هل لإبراهيمَ أو إسحاقَ صوتٌ يُشتَهى فيعاد +في رَبعِكِ الزاهي غناؤهما لهُ ذابت قلوبٌ ثم لانَ جماد +قد كانتِ الأملاكُ تأخذُ عنهما لحناً عليهِ تُنَطَّق الأعواد +والوحشُ مصغيةٌ إلى ترنيمِها وكأنما أوتارُها أقياد +لو عمّر الهادي بنى داريهما من عَسجدِ فوقَ اللُّجينِ يُشادِ +أيعود بشّارُ بنُ بردٍ منشداً فيميلُ دجلةُ أو تميسُ سعاد +وأبو العتاهيةِ الذي أشعارُه طربت لها الأملاك والزهّاد +وأبو نؤاسٍ ضافرٌ أو ناظمٌ والكأسُ منها الوحيُ والإمداد +ولبسمهِ قصرُ الخلافةِ باسمٌ ونصيبُه الإكرامُ والإسعاد +والخمرُ مشرقةٌ عليه وخلّه ورفيقُه الخمَّارُ والصَّياد +وعلى ثمالة كأسهِ وغرامهِ تحنو جنانٌ والهوى استعباد +تلك القلوبُ شريفةٌ وشجيّةٌ كانت وفيها للمحاسنِ زاد +خمدت قلوبُ الأمسِ بعد تضرُّمٍ أمّا قلوبُ اليومِ فهي رَماد +إن النفوسَ تقودُها ملكاتُها والنفسُ عاشقةٌ لما تعتاد +هلا تُعيدينَ الخلافةَ والعلى ليطيبَ فيكِ النظمُ والإنشاد +وعلى المنابرِ يجلسُ العلماءُ في ملكِ تقيهِ أسدّةٌ وسداد +وعلى المحافلِ تطلعُ الخطباءُ أو بينَ الجحافلِ تبررُ القواد +ما أعظمَ المأمونَ يَطلعُ غازياً حتى يكونَ لملكهِ إخلاد +وأُجلُّهُ يوم التناظرِ جالساً كيما يزول العيُّ والإفناد +بغدادُ أنتِ مدينةٌ عربيّة ومن الأمومة يُحرمُ الأولاد +الإنكليزُ جيوشُهم جرارةٌ وجنودُهم تغتالُ أو تصطاد +بغضُ الوجوهِ البرشِ فيكِ طبيعةٌ العربُ سُمرٌ والعرابُ جياد +إن العراقَ هو العريقُ عروبةً وإلى عروبته لهُ إسناد +من عهد حمّورٍ وعهدِ سميرةٍ للعربِ فيهِ دقّتِ الأوتاد +والحيرةُ البيضاءُ تذكرُ عهدَهم حيثُ المناذرةُ الأماجدُ سادوا +وسما بنو ماءِ السماءِ بملكِهم وعليهِ كِسرى حاسدٌ يرتاد +وبمصرعِ النعمانَ عندَ عدوّه درسَ الخورنقُ والسديرُ وبادوا +حتى إذا ما قومُه ثأروا له في القادسيةِ والقتالُ طِرادُ +ظهرت على الضفّاتِ بغدادُ التي فيها لأفلاكِ العُلى مِرصاد +لولا الأعاجمُ ما تداعت دولةٌ عربيةٌ عَظمت بها الأمجاد +ما حالُ ملكٍ خارجٍ من أهلهِ ينزو عليهِ من الخصومِ لداد +سَبَبُ التأخُّرِ والسّقوطِ تخاذلٌ للعزمِ فيهِ والنشاط نفاد +فإلى الأجانبِ سلَّموا أحكامَهم والأجدَرونَ بها لهم إبعاد +ما كانَ أتعسَ أمّةٍ تشقى بهم فيؤمَّر السجّانُ والجلّاد +العودُ لا يحييه غيرُ لحائهِ والملكُ عنهُ بالصميمِ يُذاد +لا حقَّ إِلا للأصيلِ برتبةٍ في دولةٍ دخلاؤُها أنكاد +إن المناصبَ في البلادِ لأهلِها فمِنَ الأقاربِ صادقٌ وجَواد +وعلى الأجانبِ حُرِّمت لوقايةٍ ورعايةٍ حيثُ الفلاحُ يُراد +يا أيها العربُ الأحامسُ حاذروا شرَّ الدّخيلِ فدأبُهُ الإفساد +وتجرَّدوا للمكرماتِ وجرّدوا دونَ الحدودِ البيضَ وهي حِداد +الصَّقلُ والإرهافُ من تجريدها وكهومُها يأتي بهِ الإغماد +لا خيرَ فيكم والأعاجم بينكم يتحكّمونَ فتحكمُ الأحقادُ +إن تغسلوا دونَ القلوبِ تُطَهِّروا وطناً عليهِ من العلوجِ جرَاد +وتجمّعوا أُمناء حولَ مؤمّرٍ لتهونَ منكم طاعةٌ وقياد +الشعبُ يعظمُ قَدرُهُ من فَردِه إنَّ الشعوبَ يسوسُها الأفراد +والملكُ بالأفرادِ والمجموعُ ما عزّت وذلّت أمةٌ وبلاد +شدّوا وشِيدوا دولة عربيّةً يُرجى لها بعد الفناءِ معاد +ولحفظِ هيبتها يظلُّ خميسُها شاكي السلاح بهِ يحفُّ عَتاد +وعليهِ قوَّادٌ لردّ كريهةٍ إعدادهم دُهشت لهُ الأعداد +وثغورُها عندَ الرّباطِ كأنها جُمعٌ مِن الأيامِ أو آحاد +يا أرض أندلسَ الخضراءَ حيّينا لعلّ روحاً من الحمراءِ تُحيينا +فيكِ الذخائرُ والأعلاقُ باقيةٌ من الملوكِ الطريدينَ الشّريدينا +منّا السلامُ على ما فيكِ من رممٍ ومن قبورٍ وأطلالٍ تصابينا +لقد أضعناكِ في أيامِ شَقوَتِنا ولا نَزالُ محبّيكِ المشوقينا +هذي ربوعُكِ بعدَ الأُنسِ مُوحِشةٌ كأننا لم نكن فيها مقيمينا +من دَمعِنا قد سقيناها ومِن دَمِنا ففي ثراها حشاشاتٌ تشاكينا +عادت إِلى أهلها تشتاقُ فتيتَها فأسمعت من غناءِ الحبّ تلحينا +كانت لنا فعنَت تحت السيوفِ لهم لكنّ حاضرَها رسمٌ لماضينا +في عزّنا حبلت منا فصُورتُنا محفوظةٌ أبداً فيها تعزّينا +لا بدعَ إن نَشَقَتنا من أزاهرها طيباً فإنّا ملأناها رَياحينا +وإن طربنا لألحانٍ تردِّدُها فإنها أخذت عنّا أَغانينا +تاقت إلى اللغةِ الفصحى وقد حفظت منها كلاماً بدت فيه معانينا +إنّا لنذكرُ نُعماها وتذكُرنا فلم يضع بيننا عهدُ المحبّينا +في البرتغالِ وإسبانيّةَ ازدهرت آدابُنا وسمت ��هراً مبانينا +وفي صقلّية الآثارُ ما برحت تبكي التمدُّنَ حيناً والعُلى حينا +كم من قصورٍ وجنّاتٍ مزخرفةٍ فيها الفنونُ جمعناها أفانينا +وكم صروحٍ وأَبراجٍ ممرّدةٍ زدنا بها الملكَ توطيداً وتأمينا +وكم مساجدَ أَعلَينا مآذنَها فأطلَعت أَنجماً منها معالينا +وكم جسورٍ عَقَدنا من قَناطِرِها أقواسَ نصرٍ على نهرٍ يرئّينا +تلك البلادُ استمدّت من حضارتنا ما أَبدعَته وأولته أَيادينا +فيها النفائسُ جاءت من صناعَتِنا ومن زراعتِنا صارت بساتينا +فأجدَبَت بعدَنا واستوحَشَت دمناً تصبو إلينا وتبكي من تنائينا +أيامَ كانت قصورُ الملكِ عاليةً كانَ الفرنجُ الى الغاباتِ آوينا +وحين كنا نجرُّ الخزَّ أَرديةَ كانوا يسيرون في الأسواقِ عارينا +لقد لبسنا من الأبرادِ أفخرَها لما جَرَرنا ذيولُ العصبِ تزيينا +وقد ضَفَرنا لإدلال ذوائبَنا لما حمينا المغاني من غوانينا +وقد مَسَحنا صنوفَ الطيبِ في لممٍ لما ادّرعنا وأَسرجنا مذاكينا +كل الجواهر في لبّاتِ نسوتنا صارت عقوداً تزيدُ الدرَّ تثمينا +وأَكرمُ الخيلِ جالت في معاركنا وإذ خلا الجو خالت في مراعينا +تردي وقد علمت أَنّا فوارسها ولا تزالُ لنعلوها وتُعلينا +زدنا السيوفَ مضاءً من مضاربنا ومن مطاعننا زدنا القنا لينا +من للكتائبِ أو من للمواكبِ أو من للمنابرِ إِلا سادةٌ فينا +جاءت من الملأ الأعلى قصائدُنا والرومُ قد أَخذوا عنا قوافينا +لم يعرفوا العلَم إِلا من مدارسِنا ولا الفروسةَ إِلا من مجارينا +أَعلى الممالكِ داستها جحافِلُنا وسرّحت خيلَنا فيها سراحينا +تلك الجيادُ بأبطالِ الوغى قطعت جبالَ برناتَ وانقضّت شواهينا +في أرض إفرنسةَ القصوى لها أَثرٌ قد زادَهُ الدهرُ إيضاحاً وتبيينا +داست حوافرُها ثلجاً كما وطئت رَملاً وخاضت عباباً في مغازينا +الشمسُ ما أَشرقت من علوِ مطلعِها إِلا رأَتنا الى الأوطارِ ساعينا +كسرى وقيصرُ قد فرَّت جيوشُهما للمرزبانِ وللبطريقِ شاكينا +حيث العمامةُ بالتيجانِ مزريةٌ من يومِ يرموكَ حتى يومِ حطّينا +وللعروشِ طوافٌ بالسرير إذا قامَ الخليفةُ يعطي الناسَ تأمينا +بعدَ الخلافةِ ضاعت أرضُ أندلسٍ وما وقى العرب الدنيا ولا الدينا +الملكُ أصبحَ دَعوى في طوائفهم واستمسكوا بعرى اللّذاتِ غاوينا +وكلُّ طائفةٍ قد بايعت ملكاً لم يُلفِ من غارة الأسبانِ تحصينا +وهكذا يفقدُ السلطانُ هيبتَهُ إن أكثرَ القومُ بالفوضى السلاطينا +والرأيُ والبأسُ عندَ الناسِ ما ائتلفوا لكن إذا اختلفوا صاروا مجانينا +تقلّصَ الظلُّ عن جناتِ أندلسٍ وحطَّمَ السيفُ ملكَ المستنيمينا +فما المنازلُ بالباقينَ آهلةٌُ ولا المساجدُ فيها للمصلّينا +لن ترجعنَّ لنا يا عهدَ قرطبةٍ فكيفَ نبكي وقد جفّت مآقينا +ذبّلتَ زهراً ومن ريّاك نشوتُنا وإِن ذكراك في البلوى تسلينا +ما كانَ أعظمَها للملكِ عاصمةً وكان أكثرها للعلمِ تلقينا +لم يبقَ منها ومن ملكٍ ومن خولٍ إِلا رسومٌ وأطيافٌ تباكينا +والدهرُ ما زالَ في آثارِ نعمتِها يروي حديثاً لهُ تبكي أعادينا +أينَ الملوكُ بنو مروانَ ساستُها يُضحونَ قاضينَ أو يُمسونَ غازينا +وأينَ أبناءُ عبّادٍ ورونَقُهم وهم أواخرُ نورٍ في دياجينا +يا أيها المسجدُ العاني بقرطبةٍ هلا تذكّرُكَ الأجراسُ تأذينا +كانَ الخليفةُ يمشي بينَ أعمدةٍ كأنه الليثُ يمضي في عفرّينا +إن مالَ مالت به الغبراء و��جفةً أو قالَ قالت له العلياءُ آمينا +يا سائحاً أصبحت حجّاً قيافتُهُ قِف بالطلول وسَلها عن ملاهينا +بعدَ النعيمِ قصورُ الملكِ دارسةٌ وأهلُها أصبحوا عنها بعيدينا +فلا جمالٌ تروقُ العينَ بهجتُه ولا عبيرٌ معَ الأرواحِ يأتينا +صارت طلولاً ولكنّ التي بَقِيَت تزدادُ بالذكرِ بعدَ الحسنِ تحسينا +تلكَ القصورُ من الزهراءِ طامسةٌ وبالتذكُّرِ نبنيها فتنبينا +على الممالك منها أشرفَت شرفاً والملكُ يعشقُ تشييداً وتزيينا +وعبدُ رحمانِها يَلهو بزخرفِها والفنُّ يعشقُ تشييداً وتزيينا +كانت حقيقةَ سلطانٍ ومقدرةٍ فأصبحت في البلى وهماً وتخمينا +عمائمُ العربِ الأمجادِ ما برحت على المطارفِ بالتمثيلِ تصبينا +وفي المحاريبِ أشباحٌ تلوحُ لنا وفي المنابرِ أصواتٌ تنادينا +يا برقُ طالع قصوراً أهلُها رحلوا وحيّ أجداثَ أبطالٍ مُنيخينا +أهكذا كانت الحمراءُ موحشةً إذ كنتَ ترمقُ أفواجَ المغنينا +وللبرودِ حفيفٌ فوقَ مرمرِها وقد تضوعَ منها مسكُ دارينا +ويا غمامَ افتقد جناتِ مرسيةٍ وروِّ من زَهرِها ورداً ونسرينا +وأمطرِ النخلَ والزيتونَ غاديةً والتوتَ والكرمَ والرمانَ والتينا +أوصيكَ خيراً بأشجارٍ مقدّسةٍ لأنها كلُّها من غرسِ أيدينا +كنا الملوكَ وكان الكونُ مملكةً فكيفَ صرنا المماليكَ المساكينا +وفي رقابِ العدى انفلّت صوارمُنا واليومَ قد نزعوا منا السكاكينا +ليست بسالتُنا في الحربِ نافعةً ومن براقيلِهم نلقى طواحينا +فلو فطنّا لقابلنا قذائفَهم بمثلِها وامتنعنا في صياصينا +واشتدَّ عسكرُنا يحمي منازلنا وارتدَّ أسطولُنا يحمي شواطينا +إذاً لكانوا على بأسٍ ملائكةً وما أتونا على ضعفٍ شياطينا +فنحنُ في أرضِنا أسرى بلا أملٍ والدارُ كالسجنِ والجلادُ والينا +شادوا القلاعَ وشدوا من مدافِعهِم ما يملأ الأرضَ نيرانا ليفنينا +بعدَ اعتداءٍ وتدميرٍ ومجزرةٍ قالوا أماناً فكونوا مستكينينا +وكم يقولون إنّا ناصبونَ لكم ميزانَ عدلٍ ولم توفوا الموازينا +تحكَّموا مثلما شاءَت مطامعُهم وصيّروا بِيننا التهويلَ تهوينا +فلا تغرنّ بالآمالِ أنفُسَنا وللفرنسيسِ جوسٌ في نواحينا +هل يسمحون ولو صرنا ملائكةً بأن نصيرَ لهم يوماً مبارينا +لا يعرفون التراضي في هوادتِنا ولا سلاحٌ به يخشى تقاضينا +إن لم تكن حكمةٌ من علمِ حاضرِنا أما لنا عبرةٌ من جهلِ ماضينا +إنَّا نعيش كما عاشت أوائلُنا ولا نريدُ من الأعلاجِ تمدينا +إن قدّموا المنّ والسلوى على ضرعٍ نختر على العزّ زقوماً وغسلينا +يا مغربيّةُ يا ذات الخفارةِ يا ذات الحجابِ الذي فيه تُصانينا +صدّي عن العلجِ واستبقي أخا عربٍ من وُلدِ عمِّكِ يهوى الحورَ والعينا +يا نعمَ أندلسياً كان جَدّكِ في عهدِ النعيمِ وهذا العهدُ يشقينا +خذي دموعي وأعطيني دموع أسى طالَ التأسّي وما أجدى تأسّينا +ذكرُ السعادةِ أبكانا وأرّقنا ما كنتُ لولا الهوى أبكي وتبكينا +بكى ابن زيدونَ حيثُ النونُ أنّتُهُ ولم يزل شعرُهُ يُبكي المصابينا +كم شاقني وتصبّاني وأطربني إذ كنتِ ورقاءَ في روضٍ تنوحينا +ومن دموعكِ هاتيكَ السموطُ حكت أبياتَ نونيّةٍ فيها شكاوينا +ولاّدةُ استنزفت أسمى عواطِفهِ فخلّدَ الحبَّ إنشاداً وتدوينا +تلكَ الأميرةُ أعطَته ظرافَتَها فأخرجَ الشعرَ تنغيماً وتحنينا +يا بنتَ عمي وفي القُربي لنا وطرٌ صوني المحيا وإن زرناكِ حيينا +ليلُ الأسى طالَ حتى خلت أنجمَهُ بقيّةَ الصبحِ تبدو من دياجينا +نشتاقُ فجراً من النُّعمَى وظالمُنا يقولُ إنّ ضياءَ الفجرِ يؤذينا +فلنُطلعنَّ إذن صبحَ القلوبِ على ليلِ الخطوبِ وهذا النورُ يكفينا +أما كفانا بفقدِ الملكِ نائبةً حتى أتانا علوجٌ الرومِ عادينا +عدا علينا العدى في بَرِّ عَدوتنا وقد رضيناهُ منفَى في عوادينا +فيه الفرنسيسُ ما انفكّت مدافعُهم تمزّقُ العربَ العُزلَ المروعينا +فوسطَ مرّاكشِ الكبرى لقائِدهم دستٌ وقد شرَّدوا عنها السلاطينا +وفي الجزائرِ ما يُبكي العيونَ دماً على أماجدَ خرُّوا مستميتينا +وفي طرابلس الغرب استجدَّ لنا وَجدٌ قديمٌ وقد ضاعت أمانينا +وهذه تونسُ الخضراءُ باكيةٌ ترثي بنيها المطاعيمَ المطاعينا +من الفرنسيسِ بلوانا ونكبتُنا فهل يظلّونَ فينا مستبدّينا +صهبُ العثانين مع زرقِ العيونِ بدت شؤماً به حدثانُ الدهرِ يرمينا +فلا رأينا من الأحداقِ زرقَتها لا شَهِدنا من الصهبِ العثانينا +وا طولَ لهفي على قومٍ منازلُهم تأوي العلوجَ ثقالاً مستخفِّينا +قد كافحوا ما استطاعوا دونَ حرمتِها ثم استكانوا على ضيمٍ مطيعينا +لا يملكونَ دفاعاً في خصاصَتِهم وينصرونَ الفرنسيسَ الملاعينا +أعداؤهم قطعوا أوطانهم إرباً فأصبحوا مثلَ أنعامٍ مسوقينا +هذا لعمري لسخطُ الله أو غضبٌ من النبي على ساهينَ لاهينا +من ذا يصدّقُ أن التائهين ثبىً كانوا جيوشاً ترى الدنيا ميادينا +مشوا على ناعمٍ أو ناضرٍ زمناً واليومَ يمشون في الصحراءِ حافينا +لا طارقٌ يطرق الأعلاجَ من كثبٍ وإن دعونا فلا موسى يلبينا +بالقهر قد أخذوا مسكاً وغاليةً ومنهما عوّضونا الوحلَ والطينا +وأدركوا ثأرَهم في شَنّ غارتِهم لما أتونا لصوصاً مُستبيحينا +في الأرضِ عاثوا فساداً بعد ما شربوا خمرَ الحوانيتِ وامتصّوا المداخينا +فما لنا قوةٌ إِلا بسيّدنا محمدٍ فهو يرعانا ويهدينا +قد اصطفى بين كل الناسِ أمته كما غدا المصطفى بين النبيينا +يا أحمد المرتضى والمرتجى أبداً ألستَ من سطواتِ الرومِ تحمينا +يا أرفعَ الناسِ عند الله منزلةً متى نرى السيفَ مسلولاً ليشفينا +أفي دارِ قومي يَسكنُ الغرباءُ وليسَ لهم بعدَ الثواءِ جلاءُ +فأهلا وسهلاً إن يكونوا ضُيوفنا وحَرباً وضرباً إن بغى النزلاء +فإمّا يروموا الحربَ فهي انتِصافُنا وإمّا يشاؤوا السلم فهو هناء +ستظهرُ منا نخوةٌ وبَسالةٌ إذا اربدَّ غيمٌ أو ترنّق ماء +أبى اللهُ والإسلامُ والأصلُ أن يُرى فتىً عربيٌ ليسَ فيهِ إباء +جديرٌ بنا أن نَستعدَّ لهم وأن نُعِدَّ الذي تشفَى بهِ البرحاء +فإمّا انتصارٌ وانتصافٌ وعزَّةٌ وإما اقتحامُ الموتِ وهو شفاء +أمانيُّ قومي في المنايا وما لهم خلاصٌ إذا لم يجهلِ العقلاء +أليس يموتُ الناسُ دون خلودِهم ودونَ ملذّاتِ تُراقُ دماء +لئن كانَ دفعُ الشرِّ بالشرِّ واجباً تأبَّطَ شرّاً من إليهِ يُساء +إلى الحقِّ مالَ الناسُ في حالِ ضعفِهم وقد أعرضوا عنهُ وهم قدراء +فلا هَيبةٌ للحق إِلا بقوَّةٍ تردُّ التعدّي والسلاحُ سواء +ألستَ ترى المُستحوذينَ على الورى يَقُولونَ منّا رحمةٌ وسخاء +وإنصافُ مظلومٍ وإطلاقُ موثقٍ وتحريرُ أَرضٍ أهلُها ضُعفاء +ومن جَورِهم تبكي شعوبٌ كثيرةٌ بنوها عبيدٌ عندَهم وإماء +لعمركَ هذي خدعةٌ ثعلبيَّةٌ وهذا على خَوفِ الزئيرِ مواء +فلا تَكُ يوماً واثقاً أو مصدّقاً فكلُّ ضعيفٍ ما لهُ ن��صراء +عجبتُ لباغٍ يدّعي العدلَ والتُّقى ومنهُ على بعضِ العقولِ غشاء +مظالمهُ عمّت وجمّت ذنوبُهُ فأنكرَها إذ ليسَ فيهِ حياء +فَقُل أيها الكذّابُ إن كنتَ صادقاً إِلى اللهِ تُب قد طالَ منكَ رياء +وأفرج عن الأرضِ التي ضُمتَ أهلها لكَ الويلُ ما هامُ الشعوبِ وطاء +كفاكَ الذي من مالها ودمائها أخَذتَ وفيها مِنكَ مُلّ ثواء +أجزّاً لشاءٍ ثم ذبحاً لغيرها وهذي لها صرعٌ وتلكَ ثِغاء +وتَغسُلُ كفاً بالدماءِ تَلطّخَت كأن لم ترَ السكّينَ عندَك شاء +رُوَيدَكَ لا تكذِب على الله والورى فبعدَ التباكي قد يكون بُكاء +تَذَلَّلَ قومي بعدَ عزٍّ وأقفَرَت رُبوعٌ عليها في العفاءِ بَهاء +وَقَفتُ بها مُستَجلياً متأملاً وقد شاقَني مِنها ثرىً وسماء +فَفاضَت دموعي بعدَ طولِ انحباسِها ومنها لنفسي راحةٌ وعزاء +لقد هانَ دَمعي في ديارِ أحبّتي وفي غيرِها قد عزَّ وهو رماء +سلامٌ عليها من فتًى هائمٍ بها لهُ من بقاياها سنًى وسناء +يُحبِّبها حبُّ الذين تحمّلوا ومنهم عليها ذمّةٌ ووفاء +فمن لا يُحبُّ العرْبَ وهو ربيبُهم فإنَّ جميعَ العربِ منه براء +ألا هل كقومي أو كمثلِ كبارِهم إذا عُدَّتِ الأقوامُ والكبراء +ففي العالمِ العُلويِّ سادَ محمدٌ وما وَلدَت مثلَ النبيِّ نساء +وكيفَ أوفّي خيرَ مَن وطأ الثرى مِن المدحِ حقاً والثناء عياء +إلهيةٌ أقوالهُ وفِعالهُ يُقَصِّرُ عن إدراكِها الحكماء +دعا قومَه والناسَ طرّاً إِلى الهُدى وللأرضِ منهُ في الظلامِ ضياء +وأعطى الورى دينا وشرعاً بناهُما على لُغةٍ منها البيانُ غناء +فصلّوا بها لِله وهي لسانُهُ وفي غيرِها لا يُستجابُ دعاء +وأوصى بحجِّ البيتِ صوناً لحرمةٍ من اللهِ والإسلامِ حيثُ يفاء +فَجَمَّع أهلَ الشرقِ والغربِ حَوله وصارَ بهِ كالإخوة الغرباء +وبعدَ طوافٍ واستلامٍ مثبّتٍ لإيمانهم عادوا وهم خلفاء +يُنادونَ باسمِ الله واسمِ محمدٍ أذاناً فَهزَّ العالمينَ نداء +شريعتُه فَوقَ الشرائعِ كُلّها فما هي إِلا حكمةٌ ودهاء +فلا فقه إلا ما ارتأى فقهاؤها وعنهم وعنها يأخذُ الفقهاء +وكم من شُعوبٍ تَستنيرُ بدينهِ وكم دولٍ منها عليه بناء +وكم جامعٍ فيه نعيمٌ ونعمةٌ ومأذنةٍ فيها عُلاً وعلاء +بظلّهما قد صارت الأرضُ جنّةً لها العدلُ خَصبٌ والإخاءُ نماء +وأكملُ دينٍ دينه فهو للورى علاجُ طبيبٍ صحّ منه إساء +على مقتضى أحوالهم وطباعِهم وحاجاتِهم قد جاء منه كفاء +فسلوى على حقٍّ ملوكاً وسُوقةً تآخوا على الاسلامِ وهو إخاء +صحابتُهُ الأبرارُ خيرُ صحابةٍ وأنصارُه الأبطالُ والشرفاء +وللخلفاءِ الرّاشدين فضيلةٌ وفضلٌ هما للقانطينَ رجاء +فمن كأبي بكرٍ عفافاً وحكمةً وتقوى إذا ما عُدَّت الرؤساء +ومن يشبهُ الفاروقَ تحتَ عباءةٍ هِرَقلُ اشتهاها والحريرُ كساء +فأزرَت بعزِّ الأرجوانِ وظلُّها على العربِ منه رايةٌ ورواء +لقد كانَ جباراً فصارَ بعدلهِ أباً للرعايا فاغتنى البؤساء +ومن مثل عثمانٍ تُقىً وتعبّداً إذا عُرِضَ القرآن والشهداء +ومن كعليٍٍّ نجدةً وبلاغةً تمناهما القوادُ والخطباء +به ثبتَ الإسلامُ واعتزَّ أهلُهُ فَدانت لهُ الفرسانُ والأمراء +سيائدُ نالوا عِزّةً عن تَواضعٍ وأعداؤهم في عزِّهم وُضعاء +فأينَ عظامُ الأرضِ حينَ أعدّهمّ قبالتَهم لا يَظهرُ العظماء +وعن نَجدةِ القوَّادِ في غَزواتهم يقصِّرُ وَصفٌ أو يقلُّ ثناء +لنصرةِ د��نِ الله جرَّدَ خالدٌ حساماً عليهِ أسلَمَ البُسلاء +وما عادَ إِلا ظافراً أو مظفّراً وقدّامَه كلُّ الجيوشِ هباء +لقد كان سيفَ اللهِ وهو كَسَيفِهِ مضاءً وفتكاً إن بلاهُ بلاء +وقد أكثر الجرّاحُ جَرحى عُداتِه وأشلاءَهم حتى استقرَّ لواء +فوفّقَ بين البأسِ والحلمِ مُقسِطاً وما العدلُ إِلا أن يَصحَّ جزاء +وإنَّ معاداةَ الكريمِ صداقةٌ وإنَّ موالاةَ اللئيمِ عداء +وعمروٌ أتى مصراً فحيّاهُ أهلُها وقالوا لأهلِ المكرماتِ رفاء +فأخرجَهم عن رِقّهم وضلالِهم وإيمانُهم أمنٌ لهُم وصفاء +وسار ابنُ سعدٍ يفتحُ الغربَ للهُدى وفي راحَتَيهِ نِعمةٌ وشقاء +ولما استتبّ الأمرُ تحتَ حسامهِ على الأرضِ حلّت رحمةٌ ورخاء +أظلّت شعوبَ الخافقينِ خِلافَةٌ وللعربي الملكُ حيث يشاء +ولما تناءى عن حِماها حُماتُها تَناولها الغلمانُ والدُّخلاء +وناهضَها الأعداءُ من كلِّ مَعشَرٍ وليسَ لقومي في الونى زُعماء +فيا ويل من ولَّى الأجانبَ أمرَهُ وقوَّادهم حَوليه والوزراء +هو الملكُ لا يحميهِ إِلا بُناتُهُ وهم أبداً حرَّاسُهُ الأُمناء +فلو كان للعبّاسِ مثلُ أميّةٍ لما ضاعَ ملكٌ ساسَهُ الخلطاء +غدا أمراءُ المؤمنينَ عبيدَهم وهانَ رسولُ اللهِ والخلفاء +تخاذلَ قومي واختلافُ ملوكهم بلاءٌ عليهِ لا يُقاسُ بلاء +رُوَيدَكِ بنتَ الرومِ لا تتكبّري ولا تظلمينا إننا تعساء +لنا الأمسُ والتاريخُ نملكُ نصفَهُ ولكن غدٌ يُرخى عليهِ غَطاء +حَكَمنا وقد كنّا لحقٍّ وقوّةٍ ونحنُ على بأسائنا شُرفاء +أرى كلّ عالٍ بالسّقوطِ مُهدَّداً وكلَّ صباحٍ قد تلاهُ مساء +فلا تضحكي يا أجنبيّةُ في الأسى وقومُكِ مِنهم سلطةٌ وقضاء +سنحيا بذكرِ المجدِ بعدَ انقضائهِ وما زال في السّيفِ القديمِ مضاء +ونَطلُبُ حقَّ اللهِ والملكِ والعُلى ليشفي نفوسَ التائهينَ لِقاء +وَنضرِبُ ضَربَ اليائسين بثأرِنا لترحبَ أرضٌ أو يضيقَ فضاء +فلا بدَّ من تكبيرةٍ عربيةٍ وتهلِيلةٍ حيثُ الجهادُ فداء +فإما انتصارٌ فيه مجدٌ مخلَّدٌ وإما انكسارٌ فيه طابَ فَناء +بذلك نُرضِي رَبَّنا ونبيَّنا وأجدادَنا والموتُ فيه رِضاء +هَلِ العربيُّ الحرُّ يهنأ عَيشُهُ وراحتُهُ وهو الذليلُ عناء +فلا حمَلت حكمَ الأجانبِ أُمتي ومنهم عليها سادةٌ رُقباء +إذا لم تكن أرضي لقومي هجرتُها فللحرِّ في حكمِ الغريبِ جفاء +وبين ضلوعي همةٌ عربيّةٌ لها النجمُ دارٌ والسماءُ فِناء +أمِن عربيةٍ تشتاقُ دارا وبنتُ الرّومِ تمنعكَ المزارا +سعادُ هناكَ تنزِلُ في البوادي وأنت هنا لِتَقتحِمَ الغمارا +لعمركَ لم أخف مَوجاً وريحاً ولكن خفتُ من عِلجٍ إسارا +إذا ما النّسرُ هيضَ لهُ جناحٌ وحصَّ الريشُ فانتثرَ انتثارا +يرى الآفاقَ تَعرفُهُ مليكاً ولكن ليسَ يَسطيعُ المطارا +فوا أسفي على وَطني وأهلي إذا هاجَ الدُّجى فيَّ ادِّكارا +فبتُّ أرى العيونَ السودَ ترنو وَدمعَ الحزنِ ينحدرُ انحدارا +يَفيضُ على حبيبٍ أو نسيبٍ وما بَردَ البكاءُ لها أوارا +تَلفُّتها الى طَللٍ وقبرٍ وسيفٍ سلّهُ الرومُ اقتسارا +فلا تدري وقد نزلوا حماها أتبكي الأهلَ أم تبكي الديارا +أرى الديجورَ أغماداً تدلّت وأفكاري قد انسلَّت شِفارا +ألِفتُ على اهتمامٍ واحتمام سهادي الجمَّ والنومَ الغرارا +وقد قطَّعتُ أعصابي اجتهاداً وقد ضيّعتُ أيامي اغترارا +فحتّامَ التعلُّلُ والتّمنّي ومن شمسِ ال��بابِ أرى ازوِرارا +رَمَيتُ الحظَّ عصفوراً جميلاً فطاشَ السهمُ والعصفورُ طارا +أنا المغبونُ في حَرثي وغَرسي وغَيري يجتَني منّي الثمارا +ولمّا طالَ بي أَرَقي وهمِّي نَهضتُ كموثَقٍ يَبغي الفرارا +وقلتُ حلا سراي إلى فتاةٍ بها قلبي مِنَ الهمِّ استَجارا +فتؤنسُ وَحشَتي ويفرُّ لَيلي إذا أبصَرتُ في الثّغرِ افترارا +فأطلعتِ النّجومَ الزُّهرَ حَولي بمبسَمِها وفَوقي النّجمُ غارا +مشَيتُ كأنّني غازٍ يُرَجّي لِعزّ الملُكِ فتحاً وانتِصارا +وكانَ البرقُ مِن حَنقٍ وغَيظٍ يُمَزِّقُ ثوبَ ليلي المستعارا +هدَت قَلبي العروبَ وطهّرتهُ وبعدَ ضَلالِه وَجَدَ القرارا +وقد لَعِبَت بهِ الأهواءُ حتى رأيتُ دَمي حلالاً أو جبارا +فأشبِهُ زَورقاً جارَى نَسيماً فَهَبَّ علَيهِ إعصارٌ فجارا +وعُصفُوراً لَطيفاً شرَّدتهُ عَواصِفُ بينها ضلَّ اتّكارا +فقالَت إِذ رأتني كَيفَ تأتي لِنَحملَ مِنكَ بينَ النّاسِ عارا +فما وَقتُ الزّيارةِ مِنكَ هذا وما كنّا لنأمَلَ أن نُزارا +فَعُد مُتَخَفِّياً واكتُم هَوانا وِإلا يَزدَدِ الحبُّ اشتهارا +فقلتُ أرى السّجوفَ أشدَّ كتماً من الظلماءِ إن رمتُ استتارا +قَطَعتُ إليكِ سوراً بعدَ سورٍ أراه لِضيقِ ما حَولي سِوارا +فَكيفَ أعودُ والرُّقباءُ حَولي ومنكِ بَلَغتُ جناتٍ ودارا +بِنارِ هوىً ونارِ قِرىً عزائي ومِثلي مَن بِنارينِ استَنارا +ولَيلُ الهمِّ يَجلوه حَدِيثٌ نرى فيهِ انبثاقاً واستِعارا +فأعطِيني كلاماً لا قواماً وعاطِيني حَدِيثاً لاَ عِقارا +فَشَمُّ العطرِ مِن نفسٍ لطيفٍ يكرِّهُني مِنَ الخَمرِ الخُمارا +بنَفحِ الطّيبِ منكِ تَطِيبُ نَفسي وشِعري كانَ مِن نَفَسِ العَذَارى +فبتُّ وقد شمَمتُ فماً وكاساً أرى العشّاقَ إخوانَ السكارى +غَزَت قَلبي العيونُ وروّضَتهُ فَزادَتهُ اخضلالاً واخضِرارا +عبدتُ النارَ في الخدِّ احمِراراً ونورُ هَواكِ أعبدُهُ اصفرارا +مَررتِ على حِمَى النُّعمَى نُعامى تزيدُ النّشرَ في الرَّوضِ انتِشارا +فقالت بَل مَرَرتُ مرورَ نحلٍ فصارَ الوَردُ في خدّي بهارا +وإني لا أراكَ تَعُودُ فادخل عَفيفاً تَلقَ طاهرةً نوارا +فقلتُ من المحاسنِ زوّدِيني لآمَنَ في العواثيرِ العِثارا +وآخذَ قوةً من ضِعفِ حبّي تُصَيِّرُني دليلاً للحَيارى +فحين أراكِ تَبتَسِمينَ أعلو وأحتَقِرُ الصّغائرَ والصِّغارا +فما وَجدُ الفَرَزدق مِثلَ وَجدي وقد ذكَرَ الهوى فبكى نوارا +ولا المجنونُ يومَ دَعَتهُ لَيلى لِيَجني مِن رُبى نَجدٍ عِرارا +لَكِ الخيرُ اختَصَرتُ كِتابَ ليلي وفي التّأليفِ أختارُ اختِصارا +أحاملةً على الخدَّينِ وَرداً وفي الشَفَتينِ سلسالاً ونارا +حَوَت بَرَدى وحرَّانَ الثّنايا وخَدُّكِ من نصيبين استَشَارا +أبونا آدمُ الجاني فَخَوفاً على الرُمّانِ أخفي الجُلَّنارا +وإِلا قالَ مفتونٌ لِهذا على الفِردَوسِ فَضّلتُ القِفارا +ولمّا أن رأيتُ الغزوَ مَجداً لِنَهبِ النّهدِ مزّقتُ الإزارا +على خَدَّيكِ أرخي لي خِماراً فَلولا اللّيلُ ما اشتَقتُ النّهارا +خِمارُكِ فيهِ ترويحٌ لِقَلبي إِذا النَّسَماتُ هبّت فاستَطارا +فما أحلى النِّقابَ على المُحيّا إذا حَفِظَ الخفارةَ والوقارا +توارَى الحُسنُ فيهِ لاحتراسٍ كذاكَ الدرِّ في صَدَفٍ توارى +لقد صانَ الطّهارةَ من جبينٍ حكى قمَراً وكانَ لهُ سِرارا +و��ا ذاكَ السرارُ سِوَى تمام لِمن يَخشى الضّلالَ أو الضرارا +نِقابُكِ دونَ وجهكِ ليسَ إِلا رجاءٌ خَلفَهُ وطَرٌ يُدارى +ولولا عزَّةُ الأوطارِ هانَت فما وَجَدَ العِصاميُّ افتِخارا +فشدِّي بالخِمارِ عَلَيهِ قَهراً لمغرٍ بالسّفورِ هَذَى ومارى +وصدّي عن غويٍّ رامَ حُسناً عَلَيهِ اللهُ في القُرآنِ غارا +أبِنتَ العالمِ الشرقيّ حِفظاً لزيٍّ يُكسِبُ الحُسنَ ازدهارا +وظلّي فيهِ مُسلِمةً حَصاناً على رَغمِ الذي خَلَعَ العِذارا +حِجابُ الوَجهِ ليسَ حِجابَ نَفسٍ إذا رَفعت من الجهلِ السِّتارا +تعالَت نَفخَةُ الباري تعالى وكانت من لَظَى نارٍ شرارا +فَجَوهَرُها من الأعراضِ يَبدو لأهلِ الحقّ سِرّاً أو جَهارا +فإنَّ النّورَ يخترِقُ الدّياجي وإنّ الصّوتَ يجتازُ الجِدارا +أيا بنتَ الّذينَ أنا فَتاهُم وفي شِعري حَمَلت لهم شعارا +على الروميِّ تِيهي واستعزّي وللعربي لا تُبدي نفارا +من الزبّاءِ صانَ الحصنُ حُسناً بهِ ازدادت علوّاً واقتِدارا +وجرّت شَعرَها والذّيلُ فيهِ وساسَت مُلكَها وحَمت ذِمارا +وإنَّ حميّةَ النُّعمانِ أزرَت بكسرى أبرَوِيزَ وَرِيثِ دارا +أُحِبُّكِ يا فَتاةُ لحُبِّ قَومي وأرفَعُ من مَناقِبهم مَنارا +أحنُّ إِلى مَواطِنهم فأبكي على مُلكٍ قدِ اندَثرَ اندِثارا +وفي صَدري حَزازاتٌ وسَيفٌ يحزُّ القلبَ من علجٍ أغارا +فكم هَجَروا منازِلَهم إباءً ليَجتَنبوا الدنيئةَ والشَّنارا +كذا تخلو العَرائنُ مِن أُسُودٍ تَرى للذّئبِ في خَيسٍ وجارا +إذا العربُ استَعدُّوا لِلأعادي وبارُوهُم مِراساً وادِّخارا +ترى الدُّنيا عَجائبَ مِن رِجالٍ يَرونَ الأرضَ لا تَسَعُ المغارا +فأيّامُ الجزائرِ قد أرَتنا مِنَ الأعرابِ أبطالاً كِبارا +لعبدِ القادرِ اضطَرَبَت فرَنسا وكان الإنتِصارُ لها انكِسارا +على فَقرٍ وضُعفٍ حارَبَتهُ فأنزل في كتائِبها البوارا +جمالُكِ يا عروب أقرَّ عَيني وذكّرَني أبا مُضرٍ نِزارا +فحِينَ أراكِ أستَجلي قُصُوراً مِن الخُلفاءِ قَد صارت غُبارا +على رِدفَيكِ بَغداد اسبطرّت وفيها المجدُ يَعتَنِقُ الفِخارا +وفي خَدَّيكِ سامرّا تُريني مِنَ الدّنيا النّضارةَ والنّضارا +أنا العربيُّ بَينَ الرومِ أمشي غَريباً أو أُعدُّ مِنَ الأسَارى +رأيتُ عرُوبَتي شَرَفاً وفخراً فبتُّ أودَّ إسلامَ النصارى +فَقُولي للألى أرجو نَداهم وأهوى مِن منازِلهم جِوارا +فَتاكُم ضاعَ في المَنفى فمدُّوا لهُ الأيدي وسلُّوهُ غِرارا +تردّى البُطْلُ ثوبَ الحقِّ ردحاً لِيخَدعَهُ فأزهَقَهُ وثارا +وخاصَمَه اللئامُ ولم يَكُونوا خُصُوماً بَل زبانيةً شِراراً +فقالَ على الهُدى والحقّ مَوتي فأرضَى الله واسترضى الخِيارا +هو الملكُ تَبنيهِ الجيوشُ الخضارمُ ومنه علىالأعلامِ تَبدو العلائمُ +فلا عزَّ إِلا مِن خَميسٍ وَرايَةٍ ولا حَقَّ إِلا ما حَمتهُ الصّوارِم +ولا دولةٌ تُرجى وتُخشى سوى التي على الجيشِ والأسطولِ منها دَعائم +ولا بَطشَ إِلا بالمدافعِ والوَغى بُروقٌ ورَعدٌ قاصِفٌ وغمائم +بها الكيدُ مَردُودٌ إذا ما تلاحَمت فيالقُ واستشرى من الحربِ جاحم +تَقاذَفُ بالسّجيلِ وهيَ سَجيلةٌ قَذائِفُها فيها الرّدى والصّيالم +إذا انتَثرت بين الجنودِ تَناثرت مضرّجةٌ أعضاؤهم والجماجم +فأعظم جيشٍ ما أقلّ ضخامها وقد صَغُرت يومَ الكِفاحِ العظائم +بأشداقِ أغوالٍ تَصولُ على العِدى وفي اللّهواتِ الوبلُ والمتراكم +أما والعُلى لولا صِيانةُ أُمّةٍ بعَسكَرِها ما قامَ للمُلكِ قائم +فلا بدَّ مِن جيشٍ قويٍّ منظَّمٍ به تُدفَعُ الجُلَّى وتُفدى المحارِم +يُجَمِّعُ أشتاتَ الرّعايا لواؤُهُ كتائبَ دفراً صَفُّها مُتلاحِم +غواضبُ يومَ الحربِ للحقِّ والهدُى وأمّا لأخذِ الثأرِ فهي كواظِم +إذا مَرَست في السّلمِ تَطربُ للضّرى وتَشتاقُ مَجداً أنتَجتهُ الملاحم +على العربِ الأمجادِ تجميرُ حَجفلٍ فيالِقُه تَنسابُ مِنها الأراقم +لدى العَرضِ يمشي فيلقاً بعد فيلقٍ وراياتُهُ أسرابُ طَيرٍ حَوائم +وإن عادَ بَعد الذَّودِ والزّحفِ ظافراً تُنَثِّرُ أزهاراً عَلَيهِ الفواطم +فمن أبسلِ الأقوامِ تؤملُ نجدةٌ ومِن أشرَفِ الأعلامِ تُرجى المغانم +لقد كانَ جندُ الله أعظمَ عَسكرٍ تَسيرُ بهِ الخيلُ العِتاقُ الصلادم +فمن يومِ أجنادينِ والنّصرُ بادئٌ إِلى وقعَةِ اليرموكِ والفَتحُ خاتِم +تلاقَت على أرضِ الشآم صُفوفُهُ وقَيصَرُ فيها حائرٌ مُتَشائم +رُوَيدَ القوافي ما القَريضُ بمُسعِدي وقد خَشَعت عندَ السّيوفِ المراقم +وأنَّى لِمثلي أن يَعُدَّ فُتوحَهُ ومِنها على كلّ العصورِ مياسِم +فيا لكَ جَيشاً كان في الهِندِ زَحفُهُ وفي الصِّينِ واليابانِ مِنهُ غَماغِم +لأجلِ الهُدى خاض الحروبَ فأصبَحت مَغارِمُهُ في الناسِ وهي المكارِم +فما عادَ إِلا ظافراً وكِتابُهُ صَباحٌ لديجورِ الضّلالةِ هازمِ +وقائعُه في كلِّ أرضٍ وأُمّةٍ على السّلم أعيادٌ لهُ ومَواسِم +وفي كل أرضِ أهلُها عَرفوا الهُدى حَوافِرُ أعرابيّةٌ ومَناسِم +فأيامُهُ في الرّومِ والفرسِ لم تَكُن سِوى مُعجزاتٍ أنزلتها القوائم +وأيّامُه في التُّركِ والهِندِ بَعدَها وفي الصّينِ قد دلّت عَليها المعالم +وأيامُه في البَربَرِ اتّصلت بها إِلى القُوطِ والأفرنجِ تلكَ الأداهم +وقوَّادُهُ أشباهُ آلهةٍ لهُم على النّاسِ فخرٌ ليسَ فيهِ مُزاحم +لقد فضَلوا القوّادَ من كلِّ أمّةٍ كما فَضَلت كلَّ السِّباعِ الضّياغم +جَبابرةً كانوا وكانت سيوفُهم إذا صَلصلَت تَرتاعُ مِنها العوالم +وأصغَرُهم إن قال للفَتحِِ كُن يَكُن وللدَّهرِ سِر طوعي يَسِر وهو خادِم +أطلّت على الدُّنيا طلائعُ خيلِهِ فَلم يَنجُ إِلا مُسلِمٌ أو مُسالِم +أقامُوا بسيفِ الحقِّ دِينَ محمدٍ وقد قوَّمُوا ما عَوَّجَتهُ المظالمُ +وعادوا وأزيانُ الشفارِ فُلولُها وما المجدُ إِلا أن تُفلَّ المخاذِم +بأرواحِهم جادُوا وجادَت سيوفُهم بفولاذِها حتى بَرَتها العزائم +تَداعت عروشٌ داسَها خلفاؤهم وتيجانُهم بين الملوكِ العمائم +فما وضَعُوا يوماً تُخوماً لملكِهم وفي كلِّ فَتحٍ جارفٌ مُتَزاحم +لقد وطئَت وَعرَ البلادِ وسهلها حَوافرُ تلكَ الخَيلِ وهيَ السّلاجم +فكانت لها أختامُ ملكٍ ونِعمَةٍ وهَزَّ الدُّنَى تَصهالُها والحماحِم +وقد طلعت راياتُهم فتطلّعت إليها شُعوبٌ أثقَلَتها المغارِم +نجومُ الهُدى مِنها على الأرضِ أشرفَت وفِيها لكلِّ المكرمات رواسِم +أطَلّت لخيرٍ رايةٌ عربيِّةٌ فأحيت طُلولاً فَوقَها الموتُ جاثم +هي الرايةُ الفُضلى التي امتدَّ ظِلُّها على النّاسِ فافترَّت لدَيها المباسِم +ومنها النَّدى والخصبُ والعدلُ والهُدى فَعَمَّت جميعَ العالمينَ المراحِم +عَدالتُها ألقَت سَلاماً وَهيبةً فما خابَ ��َظلومٌ ولا فازَ ظالِم +بكاها الوَرى لما تَقَلّصَ ظِلُّها وما ثارَ مِن أَهلِ الحفيظَةِ ناقِم +ألا أيّها الجيشُ الصّغيرُ أتقتدي بِذَيّالِكَ الجيشِ الكبيرِ الشراذِم +فَتَغدو معَ الأيامِ جيشاً عَرَمرَماً وتكثُرُ أشلاءُ العدى والغنائم +لَكَ المجد والتَّمجيدُ في هَزمِ جَحفَل مَدامِعُهُ قد حَطّمتها اللهاذِم +بسُمرِكَ والبيضِ الرِّقاقِ لقيتَها وما استَعمَلت غير النّيوبِ الضَّراغِم +مَشَيتَ على هامِ العدى متكاثراً وأنتَ صغيرٌ أمرُهُ مُتعاظِم +كذا الماءُ نلقاهُ غديراً فَجَدولاً فَنَهراً فبحراً مَوجُهُ مُتلاطِمُ +فعزِّز مِن الرّاياتِ أكثرها هُدىً ومَجداً وأنتَ المُستميتُ المُصادِم +إذا عزَّت الأعلامَ في جيشِ أُمّةٍ تعزُّ الرّعايا تحتها والمحاكِم +فما العَلَمُ الخفّاقُ إِلا عَلامةٌ وأكبادُ أهلِيهِ عَليهِ تمائم +بروحي وأهلي رايةٌ عربيَّةٌ لها النّصرُ في سودِ المعارِكِ باسِم +إذا ارتَفَعت فوق الكَتيبةِ رَفرفت كما رَفرفت فوقَ الغُصونِ الحمائم +لها الهامُ يومَ السّلم والحربِ تنحَني سَنابِلُ مَرجٍ رَنّحتها النّياسِم +حماها النبيُّ المُصطفى واستَحبَّها وناسِجُها جبريلُ واللهُ راسِم +أرى أجملَ الألوانِ فيها تجمّعت لِتَجمعَ أمجاداً بَنَتها الأعاظِم +فكان حِداداً في الرّزايا سَوادُها وخِضرتُها فيها الرّجاء المفاغِم +وبيضُ الأيادي تُرتجي مِن بياضِها وحِمرَتُها عزٌّ مِن المُلكِ دائِم +لها مِن صباحِ الفِطرِ أبيضُ ناصِعٌ ومن ليلةِ الإسراءِ أسودُ قاتم +ومن نضرَةِ الجنّاتِ أخضرُ باهِجٌ ومِن شهداءِ الطفِّ أحمر ساجم +فداءٌ لها مُت يا أخا العربِ الذي لهُ مِن عداهُ حاكِمٌ ومُحاكِم +حَرامٌ عليكَ الحبُّ والطِّيبُ والكرى إذا كُنتَ لا تَلقى العِدى وتُقاوِم +تُراثُكِ مَنهوبٌ وجدُّكَ عاثِرٌ وسَيفُكَ مَكسورٌ ونَسلُكَ عاقِم +تأمّل وقابل بينَ ماضٍ وحاضرٍ ومِنكَ على نهي النُّهى لكَ لائم +فإذ كُنتَ جُندياً تحكّمتَ بالورى تُحارِبُ مِنهم مَن طَغى وتُخاصِم +وإِذ بُتَّ جمّاحاً فقَدتَ كَرامَةً لها الطّعنُ أُسٌّ والعَوالي سَلالِم +إذا لم يَكُن للشّعبِ جَيشٌ ودولةٌ وحرّيّةٌ أوهَت قِواهُ القَواصِم +فأمسى ضعيفَ النسلِ والعزمِ قانِطاً وضاعَت مزايا خرّمَتها الخوارِم +تجنّد وكُن شاكي السِّلاح منجّذاً فمن شكّةِ الجنديِّ للمُلكِ عاصِم +ومَن لم يُرَوِّضهُ السلاحُ يمُت بهِ ذَليلاً فأنفُ الأعزلِ الشّهمِ راغِم +فلا شرفٌ إِلا بجُنديّةٍ غَدت كفرضٍ من الإسلامِ والفرضُ لازِم +فمَن ليسَ منها ليسَ من صُلبِ قومِهِ وإنَّ جبانَ القومِ خَزيانُ واجِم +فأشرِف بمحمولٍ إلى حفرةٍ على نِصالٍ فلا تبكي عَليهِ المآتم +ولكنّهُ المَبكيُّ مِن أُمةٍ لها فِخارٌ بموتٍ فيهِ تحيا الأكارِم +فأحكم سلاحاً ماضياً يُرهِبُ العدى وكُن طالباً للحقِّ والسّيفُ حاكم +وراقِب لُصوصا غادِرينَ تَرَبّصوا خَناجِرُهم تَنبثُّ منها الجرائمُ +فحتّامَ تَلقى اللّصَّ يسطو بخنجرٍ ويأكُلُ زادَ البَرّ والبَرُّ صائِم +إذا قيلَ إنَّ السّلَم أجمَلُ بالفتى تيقَّظ فإنَّ الذّئبَ يَقظانُ نائم +وإياكَ أن تغترَّ فهيَ خَديعةٌ ولا سلَم والباغي على الفَتكِ عازم +فوا أسفي والنارُ تهزأُ بالظُّبَى على عَربّيٍ يزدريه الأعاجِم +مَتى تُنصِفُ الأيامُ شيحانَ باسلاً فتُطرِبُهُ بعدَ الصّليلِ الدّمادم +و��ِدَّتُهُ يومَ الكريهةِ مَدفعٌ على جُبنهِ للسّيفِ والرّمحِ شاتم +لعمركَ ما نفعُ الشّجاعةِ والنّدى وقد ضاعَ في الدّهماءِ عمروٌ وحاتم +يمينٌ على أبناءِ يَعربَ كلِّهم وقد ولدَتُهم مُنجِباتٌ نواعم +يمينُ العلى أن يحفَظوا من جُدودِهم وَدائعَ تفديها النّفُوسُ الكرائِم +فإن غَضِبوا للحقِّ يوماً تلَهّبت صَوارمُ في أيدي الضّواري ضَوارِم +وإن ركِبوا الجردَ اليعابيبَ سابَقت خيولَ المنايا والدّواهي دَواهم +كذلك يوفون المعالي حُقُوقَها وأسيافُهُم تِلك الهوادي الهوادم +لأبي عُبيدةَ في دِمشقَ وخالدِ عهدٌ تجدّدَ فوقَ ربعٍ هامدِ +طربَت عظَامُ الواقِديِّ وشاقَها ذِكرُ الفُتوحِ من الكِتاب الخالد +فالجامِعُ الأمويُّ يجمَعُ أُمَّةً لأذانِهِ فيها دويُّ الرّاعد +والشّامُ مَملَكةٌ عروبٌ حرّةٌ ودمشقُ عاصمةٌ لملُكٍ آبد +يا حبّذا العَهدُ القَدِيمُ وحبّذا عهدٌ حديثٌ كالرّبيعِ الثائد +الشّامُ ضَمَّت بَعدَ طُولِ صبابةٍ عرباً إِلى عربٍ كرامِ محاتِد +ولوَ أنها نطقت لصاحَ تُرابُها أهلاً وسهلاً بالحبيبِ العائد +ذكرت مُعاويةَ الكبيرَ وظِلّهُ في جوِّها ظِلُّ العِقابِ الصائد +وتشوفت بعدَ القُنوطِ فأبصرَت عَلماً يُرفرفُ فوقَ سهلٍ مائِد +عربيَّةٌ ألوانُهُ شاميّةٌ أوطانُهُ يرجَى لِعيشٍ راغد +فيه من الألوانِ أربعَة غدت مرسُومةٌ في قلبِ كلِّ مجاهِد +من لا يجوُدُ بنفسِهِ ليُعزَّهُ ويموتُ في البزلاء ميتَةَ ماجد +كلُّ الذينَ بهِ تجمّعَ شملُهُم يتسابقونَ إلى الفِخَارِ الزّائد +طلعَت على الفيحاءِ نجمةُ سعدِهِ فجَلَت كآبةَ كلِّ وجهٍ كامد +ودعا الشآمَ إِلى دمشقَ مُبَشِّراً بخلاصِها من جورِ حِكمٍ بائد +فتذَكَّرت فيها المدائنُ أُمَّها وتنَسَّمت نبأً كحِلمِ الراقد +واللهِ لن تَرضى الشآمُ بغيرهِ عَلماً أدلَّ على الشِّهابِ الوافد +أهلُ النبوءةِ والخلافَةِ أهلُهُ فاللهُ خصمٌ للعَتيّ الباعد +سلِّم علَيهِ وقِف لدَيهِ مُصَلّياً مِن عزَّةِ المعبودِ عزُّ العابد +فدّاه كلُّ أخي حِفاظٍ باسلٍ في حدِّ صارمِهِ مضاءُ الصارِد +هُو ذلكَ البطَلُ الذي صَولاتُهُ مأمولةٌ لِصلاحِ أمرٍ فاسِد +فحِسامُهُ أبداً لحَسمِ دخيلةٍ وسِنانُ صعدَتِه لِشرٍّ صاعد +إشراقُ نُورِ جَبينهِ لمُسالمٍ وأجِيجُ نارِ يمينهِ لمُعاند +نعمَ الفتى الجنديُّ يحمِلُ شكّةً وحسامُهُ للمُلكِ أوّلُ شائد +فتقولُ حينَ تراهُ أفتَكَ ضاربٍ ولشوكةِ الظلَّامِ أكبرَ خاضد +أهُوَ الشّهيدُ لسيفِهِ أم سيفُهُ كان الشّهيدَ لهُ أمامَ الجاحد +السَّيفُ صلّى في الرِّقابِ لِكَفِّهِ حتى تفَجَّرَ سائلٌ من جامد +يا شامُ أهرَمَكِ الزمانُ وبؤسُهُ فخُذي الشّبابَ مِن العروبِ الناهد +دَمُها قويٌّ طاهرٌ في بدوِها مِنهُ الحياةُ لكلِّ شعبٍ عاصد +فإذا تمازَجتِ الدِّماءُ تضرَّمت نارُ العزيمةِ بعدَ جمرٍ خامِد +لهفي عليكِ إذا غدَوت أسيرةً والقيدُ منه انقدّ قلبُ الصافد +إن كنتِ جاهلةً سلي مِصرَ التي بُلَيت بآسادٍ لهُم وأساوِد +تالله لا إفراجَ عن مسجُونةٍ صُنِعَت سلاسِلُها بشكلِ قلائد +قولي لأهلِكِ بعدَ طولِ بلائهم أنتم أقاربُ فاعبسوا لأباعد +أوَ ما عرفتُم حظَّكُم منهُم وقد بعدت معُونتُهم لِقربِ شدائد +يا ويلَكُم إن أصبحُوا أسيادَكُم فلطالما شقِيَ المسُودُ بسائد +فتَثبّتوا بعَقِيدَةٍ عصَبيَّةٍ وطنِيّةٍ عندَ اختِ��افِ عقائد +أدمشقُ عاصمةُ البلادِ استَعصمي باللهِ بَينَ دَسائسٍ ومكائد +ومنَ السّهولِ إِلى السّواحلِ جمِّعي مُدُناً غدَت للمُلكِ خيرَ قواعد +تِلكَ القواعدُ لم تَكُن بقُبُورِها وقَصُورها إِلا تُراثَ أماجِد +أبداً تَلُوذُ بدَولةٍ عرَبيَّة كي تتّقي شرَّ العدوِّ الراصد +أتميلُ عن عربٍ إِلى عجَمٍ ولا تَرعي ذِمامَ أحبَّةٍ ومعَاهد +لا والذينَ توَسَّدوا أجدَاثَها ليسَت فرُوكاً أو غويَّة فاسد +بيروتُ أُختُكِ يا دِمَشقُ فإنَّها عرَبيَّةُ واللهُ أكبرُ شاهِد +فتيانُها الشُّرفاءُ فيها استُشهدُوا والموتُ يعذُبُ للمُحِبّ الجاهد +ماتوا فدى عصَبيَّةٍ عرَبيَّةٍ قويت على رغمِ العدوّ الحاشد +من غزَّةِ القصوى إلى يافا إِلى حيفا إِلى عكاء صدقُ مَواعد +وكذاكَ من صورٍ إِلى صيدا إِلى مرسى طرابلسٍ أعزُّ مقاَصد +واللاذقيَّةُ عانَقت مَرسينَ مِن إسكَندرُونةَ والقلَى لمُباعِد +تلكَ المدائنُ كلُّها عربيَّةٌ في بؤسِ طارِفها ونعمِ التالد +بعدَ العناءِ تَقَطَّعَت أغلالُها فبَدت عُروبتُها لعينِ الناقد +شُلَّتِ أكفُّ الرومِ إن عَبثوا بها لمزَاعمٍ ومآربٍ ومَفاسد +قسماً بسيفِ يزيدِها وضريحهِ لن تَستكِينَ ولن تَلينَ لِقاصد +الشّامُ أختٌ للعراقِ وفيهما نورُ العروبةِ للضّليلِ الناشد +وهما مواطنُ أُمتّي وعليهما مَعقُودةٌ آمالُ كلِّ مُعاهد +أهلوُهما أبناءُ عمٍّ كلّهم عرَبٌ بآدابٍ لهم وعوائد +والعلجُ يُفسدُ أو يُفرِّقُ بينَهم ويقُولُ لي فضلُ المُعينِ الرافد +واللهِ لولاهم تمزَّقَ جَيشُهُ والكَيدُ مردُودٌ لِنحرِ الكائد +قد حالَفُوهُ وظفَّروهُ بالعِدى حتى استَبَدَّ وكانَ أضرى آسد +فعَليهِ لعنَتُهم ولعنَةُ نسلِهم مادامَ أكذَبَ واعدٍ ومُواعد +يا ضيعَةَ الأعرابِ والإسلامِ إن غدَتِ الشآمُ طريدةً لمُطارِد +فتَحَكَّم الأعلاجُ في أبنائها وقضَوا بذلِّ مدارسٍ ومساجد +وتناهَشَ الذؤبانُ من أخلافهِم جثُثَ الأسودِ على الترابِ الجاسد +من كلّ خوّارٍ يُشَمّر ثوبَه ويدوسُ أذيالَ الإمامِ الساجد +في عَينهِ الزرقاء وهي زجاجَةٌ تَبدو الصَّلابةُ من فؤاد بارد +ما انفكّ معتسّاً يُحدّدُ نابَهُ كعملَّسٍ حولَ الفَرِيسةِ رائد +هلا تُطهّرُ أرضها من رِجسِهم بالمؤمنينَ وأنتَ خيرُ مؤاجد +زَحفَ العلوجُ بخيلِهم وبرجلِهم وتَبوّأوا منها أعزَّ مقاعد +ولهم أساطيلُ ادلهمَّ دُخانها ومَدافعُ انتصَبَت لكلّ مُجالد +والمؤمنونَ جميعُهم عُزلٌ ولا حامٍ لأولاد لهم وولائد +فتجدَّلَ الأحرارُ ثم تَفرّقوا حتى تبرَّأ معصَمٌ من ساعد +أبداً يشنّونَ الإغارةَ غرّةً مُتهارِشينَ على فُتاتِ مَزاوِد +للإنكليز وللفَرنسيسِ الوَرى والأرضُ مِثلُ غنائمٍ وطرائد +إخوانُنا في الغَربِ طالَ شقاؤُهم كم شاهدٍ يروي الفظائعَ ساهد +أمصيرُهم يوماً يكونُ مصيرَنا ولنا على الأطلالِ حَسرةُ فاقد +يا شامُ لا نعبَ الغُرابُ ولا رنت عينٌ إِلى قفَصِ الهزارِ الغارد +فإذا ترنّمَ راثياً أو نائحاً ما شدوهُ إِلا رَنينُ قصائدي +نُظمَت شعائرُ أمَّتي وشُعورُها عقداً ولن ينحلّ عقدُ العاقد +نادي مُعاويةَ الكبيرَ لعّلهُ يأتي إليكِ على جناحِ المارد +ونُصولُهُ لمّاعةٌ كبوارقٍ وخُيوله صهّالةٌ كرواعد +فَيُشرِّدُ الأعلاجَ عن أرباضِنا وثُغورِنا بعدَ المنامِ الشارد +الملك لا يبنيه إلا هامهم فالهام آساس لملكٍ واطد +فهو الذي سدَّ الثغورَ وصدَّهم عَنها بكلّ مُغاوِرٍ ومُناجد +وبنى لها الأسطولَ فامتَنَعت بهِ وسطا على أرضِ العدوّ الفاهد +فعَنَت بلادُ الرومِ واضطَرَبت له والبحرُ خيسٌ للهزَبر الحارد +يا أيُّها الشاميُّ كن مُتَجلِّداً ولأجلِ أهلِكَ أو دِيارِكَ جالد +وإذا دُعيتَ الى الكَرِيهةِ كَن لها بطلاً فأحقِر بالجبانِ القاعد +للهِ والحقِّ اغضَبَنَّ وإن تمُت مُستشهداً أحياكَ حمدُ الحامد +أنتَ الذي أوطانُه وعيالُه معروضةٌ عَرضَ المِتاعِ الكاسد +أفلا تصونُ أعزَّ ما عندََ الفَتى وتموتُ دونَ محارمٍ ومعابد +وَيلٌ عليكَ إذا رَضيتَ دنيئةً لم يَرضها في الزّنجِ أهوَنُ عارد +ولئن رأيتَ العزمَ مَفصومَ العرى فاشدُدهُ بالمرِّيخِ أو بعطارِد +واضرِب بسَيفكَ أو برأيكَ فاصلاً حتى تَبدّل عاصفاً من راكد +واللهِ لا بَطشٌ ولا حريَّةٌ إِلا بقذّافِ الحديدِ الحاصد +قل للأعاجمِ والمطامعُ جمَّةٌ لا تحرموا ولداً حنانَ الوالد +الشامُ أرضٌ حرّةٌ عرَبيّةٌ سُكّانها عَرَبٌ لملكٍ واحد +إنِ تَعبثوا بحقوقِها وشُعورِها حَفِظَت عُروبَتَها بقَلبٍ حاقد +فيكونُ من تمزيقِها لِنقابها يوم لهُ تَنشقُّ تُربَةُ خالد +أدِمَشقُ ما أمضى سيوفَ بنيكِ تِلكَ التي ثلّت عُروشَ ملوكِ +الخافقانِ مُرَجِّعانِ صَليلَها فصليلُها حرَّيةُ المَملوك +فاضَ الرّدى والعدلُ من شفَراتِها فتَذَلَّلَ السًلطانُ للصُّعلوك +أدِمشقُ يا فَيحاءَ كُنتِ مَليكةً وحُظوظُ أهلِ الأرضِ في أيديك +ولكلِّ أرضٍ من جمالِكِ قِسمَةٌ وجمالُ كلِّ الأرضِ في ناديك +أعظِم بمجدٍ تُطلِعينَ نجومَهُ والكونُ عَرشُكِ والورى راويك +ما مجدُ رومةَ أو أَثينةَ مِثلُهُ فامشي على هامِ الأُلى حَسَدوك +أمَّ الشآمِ وأختَ بغدادَ اسلمي كم فيكِ من وطرٍ لممطوليك +نهواكِ أيَّتُها المليحَةُ والهوى في كلِّ نَفسِ شاقَها ماضيك +في ذِمَّةِ الأجيالِ ما أودعتِها مِن أعظَمِ الأعمالِ في واديك +برداكِ مرآةٌ وتاريخٌ معاً للحُسنِ والمجدِ الذي يُعليك +زانَت مَغانيكِ الغواني والغِنى وجُفونُهنَّ عن الظِبى تُغنيك +والناسُ حولكِ هالةٌ دوّارةٌ بجلالِهم وبمالِهم جاؤوك +كنتِ العظيمةَ والكريمةَ في العُلى فَلِذاكَ قد رَهِبوكِ أو عشِقوك +والحُسنُ والإحسانُ فيكِ فمن إذا رُوِّعتِ لا يَبكيكِ أو يَرثيك +إن الضّحايا في هواكِ كثيرةٌ فَتَذكّري ما كانَ في اليَرموك +اللهُ راضٍ عن شِهادةِ فِتَيةٍ بعُيونِهم وقُلوبهم حَجَبوك +أبناؤك العربُ الكِرامُ تَطوّعوا واستهلكوا ليقوكِ أو ليفوك +لما غَدا رَعدُ المدافعِ قاصفاً بحرابهم وشِفارهم صانوك +ما جرّدوا إِلا السيوفَ وما اشتفوا إِلا بها في الجحفَلِ المشبوك +خُلقَت لهم بيضاً كما خُلقوا لها صيداً فضربُ سُيوفِهم يَكفيك +الشمسُ تَطلعُ من دُجى أغمادِها وتَغيبُ في جيشِ العِدى المنهوك +والنارُ تسطَعُ في رؤوسِ حرابهم فَعرفتِهم لمّا بها عَرفوك +هم للأعِنَّةِ والأسنّةِ والظّبى يَشقى بها من رامَ أن يُشقيك +سالت لدَيكِ دِماؤُهم فَتَعطّفي بتحيَّةٍ لِشبيبةٍ تفديك +روّت دموعُ الأمّهاتِ غُصونها ما أشبهَ المذروفِ بالمسفوك +يا أمّنا إنَّ الدماءَ شفيعةٌ فدماؤنا ونفوسُنا تَدعوك +إن لم يكُن لكِ عن ضحيَّتنا رِضاً قولي لنا باللهِ ما يُرضيك +وإذا سَحقتِ الزّنجَ والافرنجَ لا تنسي الذين على العِدى نَصَروك +فبمالهم ونُفوس��هم وشُعورِهم جادوا ونحنُ نَفيكِ لا نُعطيك +هَجمَ العلوجُ على حماكِ وقد دَرَوا أن لا سلاحَ يَقيكِ عندَ بنيك +كم مرّةٍ تحتَ الصّوارمِ والقَنا سَجدوا لخيلك بعدَ أن غدَروك +أو لم تكُن بُلدانهم ميدانها وعُروشُهم حُمُلٌ لمِن حَملوك +تِلكَ السّيوفُ تكسّرت وتنثَّرت تِلكَ الصُّفوفُ على سُيوفِ ذويك +لا شُلَّتِ الأيدي التي ضَرَبت بها تاللهِ تلكَ وَقِيعةٌ تُغليك +شَهدَت جبالُ الشّامِ من أهوالها ما أحزَنَ الدُّنيا التي تبكيك +أنا عاشقٌ لكِ صادقٌ بكِ واثقٌ نفسي عَليكِ تَذوبُ إن لمَسوك +فلوَ اَنَّهم خرقوا حِجابَكِ بالظُّبى ما قلتُ قد حَقروكِ بَل عَبدوك +ولوَ اَنّهم أخذوا حُصونك عِنوةً ما قلتُ قد أخَذوكِ بل حجُّوك +ولوَ اَنِّهم سكنوا قُصورَكِ مُدَّةً ما قلتُ قد سكنوكِ بل زاروك +كم قالَ فيكِ مودّعٌ لفَتاتِهِ أو أُختهِ يا ظَبيتي راعوك +فبأيّ سَيفٍ تَضربينَ رِقابَهم أبسيفِ جَدِّكِ أم بسَيفِ أبيك +من وَقعَةِ اليرموكِ أو حِطِّين قد أخذا ضياءً كابتِسامَةِ فيك +عيناكِ أم حدّاهما أمضى أما حَكمَ الأنامَ بوَقعِها أهلوك +أو ليسَتِ الخَنساءُ أُختُكِ فابسمي لخيالِها فهو الذي يَهديك +فَرَنت إليهِ تقولُ سِر وارجع فقُل أبلى بلاءَ الباسلينَ أخُوك +وتَعالَ نُقسِم قائلينَ لأمِّنا أرضُ الشآمِ نموتُ كي نُحييك +والله جِرحُكَ ليسَ يَبقى دامياً واللهِ ثأرُكِ ليسَ بالمَتروكِ +ماذا نَقُولُ وقد أراكِ وداعُنا بسماتِ باكيةٍ ودَمعَ ضَحُوك +ما أشبهَ الفتَياتِ بالفِتيانِ يا فَيحاءَ فيكِ إذا دَعا داعيك +فقُلُوبهم وقلوبُهنَّ كبيرةٌ تلكَ القلوبُ من الخُطوبِ تقيك +هذا صلاحُ الدّينِ يَبسُطُ ظِلَّهُ فعِظامُهُ في قَبرهِ تحميك +لا تَيأسي فَغداً يَحُلُّ محلَّهُ بَطَلٌ بحدِّ حُسامهِ يَشفيك +فتُزلزلُ الدُّنيا لِرَكضِ جَوادِهِ ويَكونُ مُنقِذَ مُلكِنا مُنجيك +أدِمشق إنّ الحقَّ يوماً غالِبٌ والله يُعثرُ جدَّ مَن رَاموك +لا تجزعي مَهما تَكاثرَ جَيشُهُم سَترينَ كيفَ يكونُ موتُ الديك +أبداً أرى والغدرُ طَبعٌ فيكِ خَطراً على أهليَّ من أهليك +يا بنتَ سفَّاكِ الدّماءِ زكيَّةً مَهلاً فإنَّ الله فوقَ أبيك +أكذا نقَضتِ عُهودَ أشرَفِ أُمّةٍ وبَعثتِ أشراراً لخيرِ مَليك +لستِ الملومةَ والمليمونَ الأُلى أَمِنوا لعهدِكِ أو لعهدِ ذَويك +ولدتكِ زَرقاءُ العيونِ عدَّوةً فالبغضُ يَقطُرُ سمُّهُ من فيك +هذي العَداوةُ بَيننا أبديّةٌ تَسكينُها يَدعو إلى التَحريك +من عَهدِ مَن تخَذوا الصّليبَ شِعارَهم للنّهبِ والتَقتيلِ والتَّهتيك +حتى اجتياحِ المَغربِ الباكي على أبنائهِ من مَيِّتٍ ونهيك +فاسٌ وتونُسُ والجزائر جمّةٌ فيها الفرائسُ مُذ عدا ضاريك +أموالُها لم تُغنِ عن أرواحِها فجَماجمُ القَتلى حَصى واديك +فُولاذُكِ استَثمَرتِه من هامِها وفَرشتِ من أفلاذِها ناديك +إنَّ الشَّهيداتِ الثَّواكِلَ صارخٌ دَمُهُنَّ يومَ الحَشرِ من أيديك +زَعَمَ الذين تَعشَّقوكِ ضلالةً أَنّ الهُدى والحقَّ عند بَنيك +نَظروا إِلى أقلامِ كُتّابٍ وما نَظروا إِلى أسيافِ جلاديك +تاللهِ كم مِن أُمةٍ أرهَقتِها أنّى يُكَذّبُ شاكرٌ شاكيك +بعد التحرُّرِ لم تزالي عَبدة والحالُ شاهدةٌ على ماضيك +الظلمُ من شِيَمِ الذين قد ادَّعوا حريّةَ التفّكيرِ والتمليك +أيكونُ منهم بعدَ ظلم نُفوسِهم عَدلٌ وإنصافٌ ل��مظلوميك +لو كُنتِ أو كانوا من الأحرارِ لم يَسعوا إِلى تَقييدِ كلّ فكيك +الحرُّ يأنَفُ من عُبودةِ غَيرهِ ويُنيله من حظِّهِ كَشرِيك +حتّامَ دَعوى البطلِ يَسمَعُها الوَرى ويغِضُّ طَرفاً عن أذى جابيك +لا تدّعي حرَيةً وعدالةً فعلى مَظالِمهِ بنى بابيك +وصَحائفُ التاريخِ قد خَضَّبتِها بدمٍ زكيٍّ حِملُهُ يوهيك +هلا اعتبَرت بهَولِ آخرِ نَكبةٍ وعليكِ يَطلعُ جَحفَلاً غازيك +سِرعانَ ما تَنسِينَ والألمانُ ما بَرِحَت سَنابكُ خَيلهم تُدميك +يا مَن أتيتِ إِلى الشآمِ وَصيَّةً مَن ذا الذي أوصاكِ أو يُوصيك +بئسَ الوِصايةُ بالحديدِ وباللّظى حَيثُ اليتامى مالهم يُغريك +بُلدانُهم مَهدومةٌ ودِماؤهم مَهدورةٌ هَل ذاكَ لا يَكفيك +أتُحارِبينَ الأعزلينِ بجَحفَلٍ جَمَّعتِ فيهِ حديدَ حدّاديك +واللهِ ما هذا الفخارُ ولا العلى لكنَّه العارُ الذي يَعرِيك +أرضُ الشآمِ شهيدةٌ مقهورةٌ بدمائها ودُموعِها ترميك +ظمأٌ يَزيدُ حَشاكِ ماءُ جُفونِها وزَفيرُها نارٌ بها تُلظيك +بعدَ الأمانِ غدَرتِها وفَجَعتِها فَلِغي دماً من أهلِها يَشفيك +لا تَنعمي بخرابها وهَلاكِهم ما خِلتهِ أمناً غداً يُرديك +أرواحُهم ودِماؤُهم وعِظامُهم تَشكو إلى اللهِ الذي يجزيك +وعليكِ من لعناتِهم ما تلتظي مِنهُ مياهُكِ أو يَهي راسيك +المسلِمونَ ضرَبتِهم في جَهلِهم بالمُسلِمينَ وخانهم غاويك +أرضاكِ منهم من أغاظَ محمداً فالكافِرُ الزّنديقُ مَن يُرضيك +شُلَّت يمينُ المُسلم العادي على إخوانهِ في الشَامِ كي يفديك +أو ليسَ يَذكُرُ ما فعلتِ بقومهِ أوَ لا يَرَى كم مضَّهم ماضيك +أو ليسَ يَعلمُ أنَّهُ من دينهِم ونجارِهم فيكِفُّ أو يعصيك +أو ليسَ يُدركُ أنهم إن يَظفروا يَظفُر وأنَّ سَقوطَهُ يُعليك +لكنَّهُ العَبدُ الذّليلُ مُضَلَّلاً وكذا يُضَلِّلُ قَومَهُ هاديك +قد شِئتِ بالعُبدانِ أن تَستَعبدي أحرارَنا والعبدُ لا يَحميك +فَقَذَفتِ منهم كلَّ أسودَ فاجرٍ مُذ أصبحوا غنماً لجزّاريك +للهِ درُّ أخي الحفيظَةِ والنّدى هذا أخو العرَبِ الذي يُقليك +الحِقدُ يُلهِبُ قَلبَهُ وحسامَهُ حتى يُخلِّفَ سافلاً عاليك +فرضٌ على العربيّ بغضُكِ ما بدا قوّادُ جَيشكِ بعدَ قوَّاديك +والثأرُ منكِ ومن بنيكِ ذمامةٌ للجاهِدِ المَوتورِ من باغيك +هذا صلاحُ الدّينِ يَطلعُ ظافراً وأمامَهُ يُلقى سلاحُ الديك +حطّينُ ليست يا غدارِ بَعيدةً أو ليسَ في التّذكارِ ما يُنهيك +الشّامُ مَقبرةٌ لجيشِكِ فانبُشي بيدَيكِ أجداثاً لسفّاحيك +هؤلاء ضمّيهم بلا أسفٍ إِلى ما في ثراها من صَليبييك +هيَ الرّيحُ قد هبّت من الغَربِ صَرصَرا تلبّدُ في جوِّ الشآمِ الكَنَهورا +تربَدُّ حتى احمرَّ واسودَّ فَوقها فأمطَرها الشؤبوبُ أسودَ أحمرا +فما وقتِ الآطامُ حلساً دلهمَساً ولا حَمتِ الآجامُ ليثاً غضَنفرا +رَعى اللهُ أرضاً أصبَحت بعدَ نَضرِها سُجوناً وأرماساً لِشعبٍ تبذَّرا +حلاحِلُها المحشودُ فرَّ وقَبلَهُ حمارِسُها المقدامُ خرَّ مُقَطّرا +لقد جلَّ رِزءُ المُسلمينَ برزئها وقد حلَّ ما شقَّ الصّدُورَ وأوغرا +يرونَ مُرادي الخيلَ تدعَقُ تُربةً عليها أميرُ المؤمنينَ تخفّرا +ولو حَدَست أجفانُهم وقُلوبُهم لكانَ وربِّ الكعبةِ الحدسُ أيسرا +وهانَ عَليهم أن يموتوا فلا يَرَوا أُفولَ الهُدى حَيثُ الحِجابُ تسرّرا +فيا ذلّةَ الإسلامِ ��المُلكِ والتُّقى وقد وطِئ الأعلاجُ خزّاً ومرمرا +وكيفَ يطيبُ العَيشُ للمُسلمِ الذي يَرَى الدينَ عن أرضِ الشآم مُقَهقرا +فمِن نهرِ هُندوسٍ إلى النّيلِ نَعيُها ومن بحرِ قزوينٍ إلى بحرِ مرمرا +له جَفَّتِ الجنَاتُ إذ بضَّ ماؤها فما الحُورُ والولدان يُسقَونَ كوثرا +وزَحزَحَتِ القَبرَ الشّريفَ خُطُوبُها وزَعزَعتِ البَيتَ العَتيقَ المُستَّرا +فأيُّ عِظامٍ في الثّرى ما تَقلقَلت وأيُّ حسامٍ فوقَهُ ما تَكسَّرا +تباغَى عُلوجُ الرّومِ يَبغونَ قِسمَةً لأرضٍ عروبٍ أنكَرتهم تَبرُّرا +وما بكَّةُ العُطمى تَبكُّ رِقابهم ولا مُضَرٌ تدعو إلى الشام حِميرا +فتعساً لشَعبٍ خاملٍ مُتَملّقٍ يؤلّه عِلجاً ظالماً مُتَجبِّرا +وسَحقاً لأرضِ عَفَّرَت هامَ أهلِها إذا حلَّ فيها ثعلبٌ صار داغرا +فما شَعبُها شعبٌ ولا هيَ موطنٌ وقد قيلَ للعاوي هُنالِكَ زمجرا +إِلامَ يُضامُ النّابهونَ بأمةٍ تُطبِّلُ إن جاءَ الغَريبُ مُزَمِّرا +جنازَتُها عرسٌ وتَعذيبها دَدٌ فقُل أُمَّةٌ هَذي تُباعُ وتُشترى +وأحرارُها أعداؤها وهيَ عَبدَةٌ لئن أبقَت من سَيِّدٍ تَلقَ آخرا +لقد جَرَّمت أتقى بَنيها وغَرَّمَت كِراماً بهم حِفظُ الأمانةِ غرّرا +ألستَ تراها تشتمُ الفَضلَ والنُّهى وتسخرُ ممَّن لا يَعيشُ مسَخّرا +ولكن لها بالطَّيبينَ شَفَاعةٌ فَهُم خيرُ أبدالٍ لخيرٍ تأخرا +تأنّثَ في أرضِ الشآمِ رِجالُها وفي غَيرها الأُنثى تَسلُّ المُذكّرا +وأسيادُها زربيَّةٌ خَلفَ دائصٍ وطاغيةُ الإفرنجِ صارَ المؤمَّرا +مَشى مَرِحاً فيها يُصعّرُ خَدَّهُ فأنكرَ تحليلاً وحَلّلَ مُنكرا +وما انفكّ بينَ الرّفقِ والعنفِ مُدغِلاً يُعبِّئُ للأحرارِ زنجاً وبربرا +وخافَ مِنَ القومِ اتحاداً وقوّةً فَغرَّ وأغرى واستَجاشَ وسوّرا +ولمّا رآهم في التَّقاطعِ حَضَّهم ولمّا رآهم في التّقاعُسِ شمّرا +لهُ شهوةٌ وحشيَّةٌ وضريبةٌ صليبيّةٌ لكِنَّهُ قد تَستَّرا +فما كان أبغاهُ عُتِلَّاً مشرّزاً بلحظٍ فرنديٍّ وقلبٍ تحجَّرا +لقد شهدَت مرّاكِشُ الفتَكةَ التي لها ضَجَّتِ الأملاكُ والنَّجم غوَّرا +فحَرَّقَ مُجتاحاً وغرَّمَ ناهِباً وقتَّلَ سفّاحاً وعاثَ ودمّرا +ففي المغربِ الأقصى وفي الشّام صَيحَة يُردِّدُها ما في القُبورِ تَبَعثرا +كأنّ حُظوظَ المُسلمينَ لِتعسِهم أعدَّتهُ جلّاداً لهم ومُسَيطرا +توالت على أرضِ الشآمِ وُلاتُها فما حَمَلت أدهى وأقسى وأخترا +بَدَت منهُ فيها قسوةٌ همَجيةٌ فنَفّر ذُهلولاً وسيداً وقَسوَرا +بأفتكِ جُندٍ راعَ أضعفَ أُمّةٍ فما كان إِلا أزرَقَ العينِ أبترا +ومن قومهِ الصُّهبِ العَثانينِ زُمرَةٌ حواليهِ كانت منهُ أطغى وأفجرا +مَلاحِدُ سِكّيرونَ للمالِ سَعيُهم لهم قَرَمٌ بالبطنِ والفَرجِ حيّرا +فصبراً على استِبدادِهم واختيالِهم لنأخُذَ عنهم ثم نُصبح أقدَرا +ألا رُبَّ شّرٍ كان للخَيرِ واقعاً فأحسَنَ عُقبى مَن وعى وتفكّرا +تجرَّأَ طاغُوتٌ على غَزوٍ أُمّةٍ وإرهاقِها حتى تذِلَّ وتَصغُرا +رأت منهُ تَقتيلَ العواطِفِ والمنى فهانَ عَليها أن تموتَ ولا ترى +برجلِ دِفاعٍ راعَها واستَذلَّها فصَيَّرَ أرضَ الشامِ طرّاً مُعسكَرا +وحَشَّدَ لِلأحرارِ زحفاً مُضرِّساً مُضرَّىً قد اعتادَ الفَواتِكَ والضّرى +وما حَمدَ الإفرنجُ قلباً وساعداً ولكنَّهم قد يجمدونَ السنوَّرا +عَليهِ إ��ا اشتَدّ القِتالُ اتِّكالهم ولولاهُ لا نلقى أذَلَّ وأخسَرا +ملأنا فؤاد العِلجِ رُعباً وهيبةً فأحكمَ آلاتِ الدَّمارِ وأكثرا +معدّاتُهُ كُثرٌ وجمٌّ عَديدُهُ وإعدادُنا من عَدِّنا كان أنزرا +وماذا يُرجَّى من سِلاحٍ مُصَرَّد وجُندٍ حَماسيٍّ تَطوّعَ أشهرا +كبيرٌ على الجيشِ الصّغيرِ مُقدَّمٌ أطاعَ الهوى حتى رآهُ مُكَبَّرا +هو الأعظمُ ابنُ العَظمةِ البَطلُ الذي أبى العارَ فاختارَ الوقيعةَ مَخطرا +إليهِ تناهى الضّرسُ من كلِّ مَعشرٍ فكان بتأثيلِ الكتائبِ أخبرا +ولكنَّ مُلكاً حادثاً قلَّ مالهُ وأعوانُه قد صادَفَ الأمرَ أعسرا +فأقدمَ حتى قيلَ ليسَ مُدَرَّباً وخاطَرَ حتى قيلَ ليسَ مدبِّرا +وإذ تستخِفُّ الأريحيّةُ رَبَّها يَرى الموتَ سكراً والمرارةَ سُكّرا +لقد طوّحتهُ نخوَةٌ عربيَّةٌ تهوَّسَ من هَزاتِها فتَهوّرا +وَمن ذا يردُّ البحرَ في هَيَجانهِ إذا اصطخَبت أمواجُهُ فتزّخرا +ترَبّص إحدى الحُسنَيينِ تبسُّلاً فما عابَهُ ألا يكونَ المُظفَّرا +وأيقَنَ أن النصرَ في جنب خصمِهِ ولكن رأى حظَّ الشَّهيدينَ أفخرا +على أشرَفِ الميتاتِ وطَّنَ نفسهُ فشدّ لِكي يلقى الرّدى لا لِيُنصَرا +ونادى بأعلى الصّوت يدعو إِلى الوفى وحاوَلَ أن يهدي الخليطَ المُبعثرا +وما ذاكَ إِلا من إباءٍ ونخوةٍ يزيدانِ نفسَ المُستميتِ تكبُّرا +إذا الحرُّ ألفى بالحياةِ مَذلَّةً يَكرُّ إِلى حيثُ المنيّةُ تُزدَرى +خميسُ العدى أربى عديداً وعدَّةً فما هابَهُ بَل كان لِلحَربِ مُسعِرا +ولو عادلَ الأعداءَ جُنداً وأهبةً لنثَّرَ إِكليلَ السّماءِ وضَفَّرا +فقادَ بريماً من رِجالٍ أعِزَّةٍ ليلقى خميساً قارِحاً مُتجَمِّرا +تواصوا على حربِ العِدى وتحاشدوا مَذاويد يلقونَ المدافعَ حُسَّرا +عروبَتُهم قد أعربت عن نُفوسهم فكانت من الإبريزِ أصفى وأبهرا +لقد حقرت في ضُعِفها كلَّ باذخٍ كما استصغرت في البأس كِسرى وقيصرا +فلم تحمِلِ الغَبراءُ أصدقَ همَّةً وأثبَتَ إقداماً وأطيبَ عُنصُرا +لهم جهّزَ الجبّارُ جيشاً عرَمرماً فلم يشهدِ الألمانُ أقوى وأكثرا +ولكنَّ أبناءَ القُرومِ تبذّلوا لِموتِ شريفٍ كان بالحرِّ أجدَرا +فكان لهم بالقائدِ الشّهمِ إسوةً وكان المُرجَّى للشؤونِ المصدّرا +على الهضبةِ الشّماءِ كان وقوفُهُ يُباصِرُ أجنادَ العِدى مُتبصِّرا +فعرَّضَ للأخطارِ نفساً عزيزةً ومُرتبةً من أن يخاطِرَ أخطرا +وعانقَ بنتَ المجدِ واستقبلَ الرَّدى أمامَ السَّرايا صابراً ومُصبِّرا +أطلَّ على أعدائهِ مُتهلِّلاً فهلَّلَ جيشُ المؤمنينَ وكبَّرا +وأكبرَ جيشُ المعتدينَ اقتحامَهُ فقالَ أهذا السّيلُ يصدعُ أنهرا +ترادوا بآلاتِ الرّدى وتراشقوا ونارُ الوغى منها جحيمٌ تسعَّرا +فطَبَّقت الآفاقَ لمّا تبَهنَست وأنفاسُها كانت دُخاناً وعِثيرا +تداعت جبالُ الشّامِ من صعقاتِها وهزَّ صداها أرضَ بصرى ودُمّرا +لِصوقعةِ الجلّى صواعِقٌ جَلّلت لها الفلك الأعلى دَجا وتقوَّرا +فكانت جحيماً من أبالِسةٍ أتوا يبيعونَ وسطَ النّارِ فحشاً ومُسكرا +فكم ثمَّ مِن دبّابةٍ دكَّتِ الرُّبى وطيّارَةٍ شعلولها دكدَكَ البرى +فلم يرهبِ الأبطالُ تحتَ لِوائهم براقيلَ بالسّجيلِ ترمي مُدَردرا +جلاميدَ كانوا بالجلاميدِ أُلصِقت فما زَحزَحتهم مطرةُ النّارِ مشبرا +سواعِدُهم صفريَّةٌ وصدورُهم حديديَّةٌ تزري الحدِيدَ المُزَبَّرا +لقد ثبتوا حُمساً وكلُّ مُجاهِدٍ لِعشرةِ أعلاجٍ فأبلى وأعذَرا +فقالَ أعاديهم لحُسنِ بلائهم أذلِكَ جُندُ اللهِ أم أُسُدُ الشّرى +كذا لبسوا في النّقعِ ثوباً مُضرَّجاً لِكي يلبسوا العلياءَ بُرداً مُحبَّرا +ولكن لجدٍّ عاثِرٍ خانت الوغى فأردت أميرَ الجيشِ حرّاً تهجَّرا +تصعصعَ صفُّ الجندِ وانصاعَ حائراً لمصرعِ ندبٍ كانَ قُطباً ومحورا +تقوَّضَ رُكنُ الدّينِ عندَ سُقوطِه ومالَ عمادُ المُلكِ والحقُّ أدبرا +له خُسِفت أرضُ الشآمِ وزَلزلت وأوشكتِ الأجرامُ أن تَتدَهورا +هوى القائدُ الأعلى فتى العربِ الذي حكى أنجدَ القوّادِ بل كان أمهرا +فهل بعدهُ حُرّيةٌ وسعادةٌ لشعبٍ يرى جيشاً من الرّومِ أخزَرا +أصابتهُ في حرِّ النِّضالِ شظيَّةٌ أصابت قلوب العُربِ فاصِمَةُ العُرى +فخرّ صريعاً وهو أبسلُ قائدٍ ومَجّ نجيعاً أخلجَ الجرحِ أتغرا +وجادَ بنفسٍ حُرَّةٍ مُشمئزَّةٍ تودُّ ولو بالموتِ أن تتحرَّرا +أرادَت ِإلى دارِ الخلودِ تخلُّصاً فما وجدَت إلا الشَّهادَةَ معبرا +فأطهرُ أنفاسٍ إليها تصاعدَت وأزكى دمٍ يومَ الجهادِ تَفجَّرا +سرى نفسٌ منه الرِّياحُ تعطّرَت وسالَ دمٌ منهُ التّرابُ تطهّرا +فأجنِحةُ الأملاكِ فيهِ تخضَّبت وقد مَسحتهُ كي يُصانَ ويُذكرا +على شرفٍ أودى فشرّفَ أُمَّةً وقدَّسَ أرضاً حجَّبت منهُ محسرا +رأتهُ ثَقيلاً فاستخفّتهُ ميِّتاً وضمَّتهُ مشبوحَ الذِّراعينِ مُسقرا +طويلاً ستبكيهِ الفواطمُ في الحِمى فقد كان دون الخِدرِ والحصنِ حيدرا +وينثرنَ أزهاراً ومسكاً ولؤلؤا ودمعاً على أحبى الخدودِ تحدّرا +علينا يمينٌ أن نحُجَّ ضريحهُ لنأخُذَ منهُ قُوَّةً وتصبُّرا +فأطيبنا ريحاً وخلقاً وسمعةً قضى في هوانا أشعَثَ الرأسِ أغبرا +أيوسُفَ يا ابن العظمةِ استعظمَ الورى شهادَتَكَ المُثلى ومثلكَ لم يرا +تردَّيتَ فارتدَّت أمانيُّ أُمّةٍ مُشرَّدةٍ تشتاقُ عَرشاً ومنبرا +يَعِزُّ علينا أن نراكَ مُشَحَّطاً وتأبى الثُّريَّا أن نواريكَ في الثَّرى +ألا يا شهيدَ الحقِّ والمُلكِ والهُدى بموتِكَ بجّلتَ الضَّعيفَ المُحسَّرا +وأحييتَ شعباً صارَ في نكباتهِ يرى القبرَ مهداً والنّذيرَ مُبشِّرا +فسوريَّةُ الثّكلى عليكَ تفجَّعت وقد ذهبت فيها النّفوسُ تحسُّرا +فنم في ثراها مُطمئنّاً مُكرَّماً فذاكَ الثّرى قد صارَ مِسكاً وعنبرا +عليكَ صلاةُ المُصطفى وسلامُهُ فأنت كبيرٌ صار بالموت أكبرا +صحابُكَ فِتيانٌ كِرامٌ تساقطوا وكانوا على الهيجاءِ والموتِ أصبرا +لقد أرخَصوا أرواحهم ومتاعهُم وغالوا بأعراضٍ هي النّجمُ أزهرا +فماتوا أُباةً مُسلمينَ تشَهَّدوا فلم تشهدِ الجنّاتُ أتقى وأنصرا +بهم قدَّمت أرضُ الشآمِ ضحيَّةً تقبّلها ربُّ السماءِ وبرَّرا +وكلٌّ شهيدٍ سوفَ يشخُبُ جرحهُ دماً طاهراً يومَ القيامةِ أذفرا +يُرشُّ على الجنّاتِ مِنه تبرُّكاً فينبتُ فيها زعفراناً وعُصفرا +سلامٌ على الأبطالِ إنّ دماءَهم ستُحيي شُعوراً لن يموتَ ويُقبرا +لعمرُ العُلى الأحياءُ هم فمماتُهم خُلودٌ وهذا حظّ من عاشَ مؤثرا +سقاكِ الحيا يا ميسلونَ كما سقوا ثراكِ دماً من صيِّبِ المُزن أطهرا +شهدتُ الأُلى يوم الشّهادةِ أشهدوا على الحقّ والحريّةِ الله والورى +فأضحى يقيناً كلُّ ما كان شُبهة وأمسى قويماً كلُّ ما كان أزورا +عل كلِّ رشٍّ من دمٍ رشُّ مدمعٍ فف�� الوجدِ صار الدّمعُ والدَّمُ جوهرا +فما كان أغلاهُ وأثمنَهُ دماً على ذوبِ أرواحٍ وأدمِغةٍ جرى +لقد ذهبت بطلاً دماءٌ عزيزةٌ بتهريقها ذو البطلِ أصبح أبطرا +ولكِنَّها سالت لخيرٍ ونعمةٍ كما سالَ يُنبوعٌ فأروى وأنضرا +سَقت زَرعَ أحرارٍ وأغراسَ أُمةٍ كذلكَ حانَ الزّرعُ والغرسُ أثمرا +وما بَسقت حرّيةٌ وتأصّلت بغيرِ الذي يجري مِنَ القلبِ مُهدرا +هَوى عَلمٌ قد ظلَّلَ المُلكَ مُدَّةً فباتَ على كلِّ العُيونِ مُصوَّرا +ولكنَّهُ لم يهوِ عَن قَلبٍ أمةٍ تراهُ على البأساءِ أبيضَ أخضرا +لقد رَفعتهُ ثم فدَّتهُ حُرَّةٌ وشامَت بهِ برقاً تألَّقَ مُمطرا +فألوانُهُ في كلِّ قلبٍ ومُقلةٍ ونجمتُهُ تهدي الضَّليلَ المحيَّرا +بنجمتِهِ الزهراءِ في اليأسِ نهتَدي وقد زيّنت ما بالدِّماء تحمّرا +وما هي إِلا رَمزُ أُمنيَّةٍ بدَت لنا في المنايا فازدَرَينا المُحذفَرا +سَلامٌ على ذيّالِكَ العَلمِ الذي بَدا في دياجينا مَناراً ونيِّرا +فقدَّسهُ يومَ الشَّهادةِ والفِدَى دَمُ الشُّهداءِ المُرتقينَ إِلى الذُّرى +كراتُ الأعادي مزَّقتهُ فلم يكُن بتمزيقهِ إِلا أَجلَّ وأوقرا +تحيَّتُها زادَتهُ عزّاً ورِفعةً وحبّاً وإكراماً وحُسناً مُؤثِّرا +جَوانحُنا آفاقُهُ وقُلوبُنا مَطالِعُهُ ما بلّلَ الدّمعُ محجرا +فلن يحجبوا ألوانَ مجدٍ ونجمَةً تذُرُّ علينا مِن دُجى الخطبِ أظهرا +سَنحيا كما مُتنا كِراماً لأجلهِ وعن نيلهِ باعُ العِدى كان أقصَرا +ونذكر يوماً أثبت الحقَّ بالرَّدى ونحفَظُ تبلاً صَيّرَ القلبَ مُجمرا +ونكظمُ غيظاً مُظهرينَ تجلُّداً وننهضُ شعباً حائراً مُتَعثَّرا +ونثأرُ بَطّاشينَ بعد سُكوتِنا وقد حرَّكَ التّذكارُ حِقداً مُدثَّرا +ونضربُهُم ضرباً بما ضرَبوا بهِ ونرشُقُهم رشقاً دَراكاً مُشرشرا +ولا رَحمةٌ يومَ التّفاني فطالما غدا معشرٌ يُفني من الضّغنِ مَعشرا +عن الثّأرِ والشّحناءِ ضاقت صُدورُنا وهذا انتِقامٌ كان مِنّا مُقدَّرا +فقل أيُّها المُستذئبونَ ترقَّبوا من العربِ الأقتالَ يوماً مُشهَّرا +صَبرنا على المكروهِ منا نُفوسنا وقد بَلغت عِذراً بأمر تعذَّرا +كتبنا على رقِّ القلوبِ عُهودَنا فصينت ولن تمحو الأسِنّةُ أسطُرا +لقد شهدَت أمٌّ وأختٌ وزوجةٌ وبنتٌ وجُوهاً شوّهتها الحبوكرى +لنا فَخرُها الأسمى وللخصم نصرُها ورُبَّ انتِصارٍ كان في البطل مُعوَرا +فيالكِ من ذكرى هُناكَ أليمةٍ لنا كلفٌ منها بأن نتذَكَّرا +فقلت لِعيني حانَ أن تتقطَّري وقلتُ لقلبي هانَ أن تتفَطَّرا +تمنيَّتُ مع فتيانِ قومي شهادَتي ولكنّني أهوى الحياةَ لأثأرا +الشّامُ يُقهرُ والعراقُ يُضامُ فاليومَ لا عرَبٌ ولا إسلامُ +أين العُروبةُ والخِلافةُ مِنهُما والمُسلمونَ بلادُهم أقسام +لِبني أُميَّةَ أو بني العبّاسِ في تِلكَ الرُّبوعِ أمانةٌ وذِمام +ذَهَبت خِلافتُهم وضاعَ سَرِيرُها فبكى عليها مِنبرٌ وحُسام +إنّ الخِلافَةَ بانَ عنها رَبُّها فالمؤمنون جميعُهُم أيتام +شُقَّ الحِجابُ فلا حِجابَ لقُدسِها وأهانها زُرقُ العُيونِ طغام +زَحَفت حَجافلُهم إِلى أرضِ الهُدى فالجيشُ من كلّ الجّهاتِ لهام +يمشي فتمشي المُوبقاتُ وراءَهُ ومن الذَّخائرِ والسِّلاحِ ركام +في نكبةِ الزَّوراءِ والفيحاءِ ما يُنعى لهُ الحَرَمانِ والأهرام +الماءُ في بَرَدَى ودِجلة قد جَرى دَمعاً وسالَ دما�� فكيفَ يُرام +فتدلَّهت بَغدادُ بينَ نخيلها ثكلى لِطيفِ حَبيبها إلمام +والكرخُ فيها والرَّصافةُ للعِدَى ولأهلِها الإزهاقُ والإعدام +ربطوا الخُيولَ على الضّفافِ ورابطوا فلهُم عليها عسكرٌ وخيام +ما حالُ مكَّةَ والمدينةِ بعدَما سَقَطت دِمشقُ وحُرِّمَ الإحرام +هل بعد غزوتها ونكبةِ أهلِها للمُسلمينَ سَلامةٌ وسلام +أو هل تصحُّ خلافةٌ وإمامةٌ حيثُ الفرنجةُ واليهودُ قيام +الشّامُ نهبٌ والعِراقُ غنيمَةٌ وعليها يَتكالبُ الأقوام +والحقُّ يَصرَخُ قائلاً في ضِعفهِ أهلُ البلادِ العربُ لا الأعجام +سقطت دِمشقُ ولم تقف لسُقوطها بينَ الأعارِبِ فِتنَةٌ وخِصام +ضربَت جَهالتُهم على أبصارِهم فكأنَّهم لِضَلالِهم أنعام +إنَّ الجزيرة أصبَحت مَفتوحة ومشاعِرُ الحرَمينِ لا تشتام +والروم قد وقفوا على بابيهما وحديدهم لعُراهما فصَّام +من ذا يردُّ المُعتدين إذا بَغوا أمراً لهُ تتساقطُ الأجرام +الجامعُ الأموي فيهِ جنازَةٌ والمسجدُ الأقصى عليه ظلام +ومَضاجعُ الخُلفاءِ زالَ وقارُها والأولياءُ قُبورُهُم أردام +تِلكَ العِظامُ أكادُ أسمعُ خشفها ولوَ اَنَّها نطَقَت لطالَ مَلام +وقف العُلوجُ بها وداسُوا تربها ولأهلِها فوقَ النُّجومِ مُقام +فعَجِبتُ كيفَ الأرضُ لم تخسَف ولم يَنهَدَّ يَذبُلُ خِشيةَ وشمام +والله لو نظروا إليها خُشَّعاً مِن فرسَخَينِ لقُلتُ ذاكَ حَرام +غَضِبت لهُ الأملاكُ فهي كظيمةٌ واسودَّتِ الأفلاكُ فهي قتام +وعلى الوُجوهِ مِنَ الكآبةِ سدفةٌ وعلى الجُفونِ من الدُّموعِ دمام +لا تُزعِج الموتى بشكواكَ التي يَهتزُّ منها جندَلٌ ورجام +دَعهُم نياماً بعد طُولِ جهادِهم فُضُلوعُهم ودُروعُهُم أرمام +ذَهَبَ الأُلى رَكِبوا الجيادَ إِلى العُلى واستُكره الإسراجُ والإلجام +فالخطّةُ الحُسنى بُحسنِ تَشبُّهٍ ليكونَ مِن نسلِ الكِرامِ كِرام +إن لم تُجرَّد للجِهادِ سُيوفُهم لا تَنفعُ الأطراسُ والأقلام +لا تنبُسَنَّ إذا تَشَدَّقَ مدفَعٌ للحقِّ أو أصحابه شتَّام +إن كُنتَ ذا حَزمٍ فهيِّئ مِثله وارشُق بهِ حتى يَطيرَ الهام +لا حِجَّةٌ إلا التي يرمي بها فعلى مَداها النّقضُ والإبرام +فَصلُ الخطَابِ لهُ وإن مقالَهُ صِدقٌ وفي إحكامِهِ الأحكام +فلهُ إذا التبَس الحجاجُ محَجَّةٌ ولهُ إذا احتَبسَ الكلامُ كلام +دَرَست ديارُ المُسلمينَ وأخرِجوا منها فهُم بؤَساءُ وهي حِطام +لا نجمَ فوقَ طُلولِها يُرعى ولا بَرقٌ على الآفاقِ ثمَّ يُشام +ما كان أعمرَها وأجمَلَ عَهدَها وقَطِينُها الآسادُ والآرام +حَوَتِ العرينةَ والكِناسَ ففاخَرَت زُهرَ النُّجومِ وكلُّها آطام +سَلها أذاكَ المَجدُ كان حقيقةً أم زخرُفاً حَبلت بهِ الأوهام +مَهما يكُن إنَّ النُّفوسَ تعلّقت بجَمالهِ فلها هوىً وُهيام +الدّهرُ أعظَمَهُ وخَلّدَ ذكرَهُ فلأهلهِ الإجلالُ والإعظام +تَقدِيسُهُ قد صارَ من إيمانِها فلها صَلاةٌ عنده وصِيام +كلُّ الشّعُوبِ فِخارُها ورَجاؤها ضمّتهما الأجداثُ والأرحام +أو ليسَ في التّذكِيرِ والتّأميلِ ما يَصبو إليهِ محملٌ ولجِام +ما أقربَ الآتي مِنَ الماضي وما أدنى غداً من أمسَ وهو دَوام +تاللهِ كم من أُمَّةٍ هي ميتةٌ جادَت عَليها بالحياةِ عِظام +من مَوتها عادت إليها رُوحُها وكذا الصّباحُ يُعيدُهُ الإظلام +آمالها حفّت بها آلامُها وشهيدُها مُتَجلِّدٌ بسّام +فتَصبَّرت حتى تولَّدَ بأسُها من صَبرِها ولها بهِ استِعصام +الفَوزُ في طمَعِ النُّفوسِ وصَبرِها وهي التي تعِبت بها الأجسام +يا مُسلمينَ تَقَطَّعت أوصالكم ونِصالكم قد بكّها المِرجام +حتَّامَ أَنتم صابرونَ على الأذى وإلامَ أنتم غُفَّلٌ ونيام +أَموالكم ونُفوسُكم مَنهوبةٌ وديارُكم فيها الخُطوبُ جسام +والدينُ يَبكي والفَضيلةُ تشتكي والحجُّ لغوٌ والصَّلاةُ سوام +بأشدِّ من هذاكَ ما بُليَ الوَرى هل بَعدَهُ صَبرٌ أَو استِسلام +أو ما لكُم بجُدودِكم من قُدوةٍ إنّ الجُدودَ الماجدينَ عِظام +صارَت مآسِدُهم مَثاعِلَ بَعدهم أكذا تُداسُ الغِيلُ والآجام +فيها القُبورُ تكادُ من رَجَفانها تَنشَقُّ عَنهم والرّغام ضِرام +فتَذكّروا أجدادَكم وترَبّصوا وحَكيمُكم بأمورِكم قوَّام +لا تيأسوا في ضُعفِكم وبلائكم والثأرُ خَلفٌ والرّدى قدّام +إنّ الخُصومَ قُضاتكم وسلاحُهُم أحكامُهُم وجُنودُهم حُكَّام +عَجَباً أمنهم تطلبون عَدالةً بعد التأكُّدِ أنهم ظُلّام +من ليس يُنصِفُ نفسَهُ مُتقدِّماً أزرَى بهِ الحُرمانُ والإجحام +جاسوا خِلالَ ديارِكم وتوغَّلوا إذ خَلخلتكُم شرَّةٌ وعَرام +لا بدعَ إن غَلبَ القَليلُ كثيرَكم فالحربُ فيها دِربَةٌ وَنِظام +ظفروا لأن صُفوفَهم مَرصُوصَةٌ في زَحفِها الإسداءُ والإلحام +وصُفوفُكُم مُختلّةٌ وقُلوبُكم مُعتلَّةٌ فلجت بها الأسقام +فَترصّدوهم كاظِمينَ وثبِّتوا أقدامكم إن زَلَّتِ الأقدام +حتى إذا سمَحَ الزّمانُ بفرصةٍ بَسَقت على أيامِهم أيام +لا ترحموهم إنهم لم يَرحموا والحربُ فرضٌ والردى إنعام +في ثأرِكم فتكاً وبَطشاً مِنهما يَشفى الصَّدى الزّاقي ويُروَى الهام +ضحّوا بهم لله خيرَ ضحيّةٍ في نحركم تُفدى بها الأغنام +أعداؤكم أعداؤه وجُنودكم أجنادُه وخُصومُهُ الأصنام +رَبُّ السّماءِ رَقيبُهم وحَسيبُهم وهو القديرُ العادِلُ العلّام +فغداً بأيديكم يُنَفِّذُ حُكمَهُ فيهم ولا عَفوٌ ولا استرحام +هَزأَ الفرنجةُ شامتينَ وقولُهم المسلمونُ حَياتُهم أحلام +ولقد رأوا من بأسكم وفِعالكم ما شاءَهُ التّصميمُ والإقدام +كانت سجلاتٍ سُهولُ بلادِهم ولها حَوافِرُ خَيلِكم أختام +جَرحَ المسامعَ والقُلوبَ كلامُهم ومن الكلامِ أسِنَّةٌ وسِهام +إن لم تؤلّمْكم جُروحُ جُسومِكم أفما لجرحِ قلوبكم إيلام +قد أثخنوا هذي وتِلكَ ودنّسوا قُدسَ الشّعائرِ والدّموعُ سجام +ما صينَ وجهٌ من كريمٍ حيثُما وَجهُ الكريمة حُطَّ عَنهُ لثام +جهدُ الخناعةِ أن تُطيقوا حكمَهم وأخفُّهُ الإرهاقُ والإرغام +إن لم يكن بأسٌ فيأسٌ غاضِبٌ للحقّ وهو الحكُّ والإضرام +في اليأسِ مَظهرُ قوَّةٍ وعزيمةٍ يخشاهُما في الأرنبِ الضّرغام +قد حمّلوكم ما وهَت من حملهِ أطوادُكُم وهَوت لهُ الآكام +فالأرضُ تشكو شِدَّةً من وطئِهم وسِلاحِهم وكأنها مسقام +وكذا الجمادُ لِعيثهم يشكو الونى ولهُ احتدامٌ تحتهم وحدام +ما حالةُ البَشرِ الذينَ قلوبُهم فيها الهوى والحزنُ والأوغام +إن لم تسحَّ جُفونُهم فنفوسهم تبكي وملءُ شعورها الآلام +المسلمون تساقَطت أعلامُهم فكأنهم بينَ الشَّعوبِ سوام +لا دولةٌ فيهم ولا مُلكٌ لهم إنَّ الممالِكَ بالملوكِ ضِخام +هل يَثبُتُ الإسلامُ بين ضلالةٍ وخلاعةٍ حيثُ الهوانُ يُسام +الدين لا يعتزُّ ما لم يحمِهِ مُلكٌ بناه باسلٌ وهمام +ماذا يقو��ُ نبيُّهم وجوارُهُ فيهِ لِطاغيةِ العِدى استِحكام +بُشراه في البلدِ الأمين وملكُهُ في الشّامِ فالبلدُ الأعزُّ الشّام +الشّامُ أرهقَهُ الفَرنسيسُ الأُلى هم مُجرِمونَ بهم طحا الإجرام +سفكُوا الدّماءَ لينهبوا أمواله ولهم على سكّانِهِ استقسام +للعِلجِ ثمَّتَ فتكةٌ أو غدرَةٌ وحُسامُهُ لحبالِهم صرّام +والإنكليزُ على فلسطينَ ارتموا وهي الفريسةُ فوقها الهمهام +وتبكّلوا أرض العِراقِ فأصبحت مُلكاً لهم منهُ جداً وزمام +نزلوا مَعاهِدَها فكابَدَ أهلُها ما كابَدتهُ مِنَ السِّباعِ رهام +من ذينكَ الشّعبينِ كلٌّ رَزِيئةٍ وطِفاحُ كلّ مدينةٍ آثام +هؤلاءِ أعداءُ الوَرى وعميدُهم تصريحهُ الإبهامُ والإيهام +فحَذارِ من تزويرهم وخِداعِهم إن غرّتِ الأقوالُ والأرقام +هل بعد ذلكَ نكبةٌ أو حطَّةٌ أو فاقةٌ أو ذلِّةٌ أو ذام +لا والذي طافَ الجحيجُ ببيتهِ وعلى العشائرِ تُضرَبُ الأزلام +يا عُكَّفاً حولَ الحطيمِ تحَطّموا غيظاً وكلٌّ في الوَغى حَطَّام +هَلا بَطشتم بَطشةً كُبرى بها تتَحرَّرُ الأوطانُ والأحرام +فإلى الجِهادِ إلى الجهاد تَصارخٌ وعلى الجِهادِ على الجهادِ زِحام +وقلوبُكم لأكفّكم جمّاعَةٌ وجهادُكم لسِلاحِكم ضمَّام +صفُّوا كتائِبكم وروضُوا خيلَكم ونُفوسَكم فالظّافِرُ العزّام +وتَكاثفوا حيثُ العداةُ تكاثروا ولهم ضِرامٌ بينكم وصِرام +وتعاوَنوا مُتعارِفينِ برايةٍ حَفّت بها الأملاكُ والأعلام +في ظِلِّها نيلُ الشّهادَةِ والعلى وأمامَها الجنَّاتُ والإكرام +الحُسنيانِ وقد علِمتم نصرةٌ وشهادَةٌ فالمؤمِنُ المِقدام +تغنّيتُ بالأشعارِ عند المخاوِفِ كما غرَّدَ العُصفورُ بين العواصِفِ +هو الشّعرُ فيهِ كلُّ فنٍّ وحِكمةٍ وأطرافُهُ مَوصولةٌ بالطَّرائف +فما جلَّ من كلِّ الأمورِ عَرفتُهُ وما دقَّ منها لم يفُت رأيَ عارف +وما المرءُ إِلا بالذي هو عاملٌ وما العَيشُ إِلا بالهوى والعَواطِف +لعمرُكَ هذا الشّعرُ كان نتيجةً لخبرٍ وحسٍّ مِن حكيمٍ مشارِف +نطَقتُ بأفواهِ الكيانِ لأنَّني توغَّلتُ في لجّاتهِ والتَّنائف +فروحي لها من كلّ روحٍ صبابةٌ ترجِّعُ في قلبي رنينَ المعازِف +رفعتُ بشعري كلَّ حبٍّ ومنيةٍ لأرفعَ راسي يوم نشرِ الصّحائف +أرى هذه الأبياتَ أرماقَ مُهجتي وفي كلِّ بيتٍ دَمعُ آسٍ وآسف +فهذا شُعوري مُطلقاً ومُقيَّداً فشِعري طليقٌ في القوافي الرّواسِف +تصبَّتهُ ريحا شمألٍ وجنُوبِ فقالَ العِدى ما حظُّهُ بقَريبِ +وشاقتهُ أمواجٌ هناكَ يَزورُها فيبكي على صخرٍ لها وكثيب +ونثَّرَ آمالاً على كلِّ شاطئٍ وسارَ كسيرَ القلبِ بينَ شُعوب +فما شعرَت نفسٌ بأحزان عابر ولا مَسحَت كفٌّ دموعَ كئيب +فَضاعت كما ضاعت جواهرُ شِعرهُ وأفلاذُ قلبٍ في الأياسِ جَديب +إذا غرَّد العُصفورُ يَدعُو أليفه وفي النّفسِ والوادي سكونُ غروب +وميَّلتِ الأنسامُ أزهارَ جنّةٍ كأفئدةٍ خفّاقةٍ لرقيب +وأرخَت عليهِ ليلةُ الصّيفِ سدلَها مُوشّىً بلوني لامعٍ ورَطيب +تذكّرَ عيشاً بينَ أهليه وانحنى يُفكِّرُ من أيامِه بريوب +وضاقت عليهِ الأرضُ حيناً وطالما وَعاها بصدرٍ كالسماءِ رحيب +وقالَ وقد أعَيتهُ كثرةُ سَعيهِ أهذا ابتِلاءٌ أم جزاءُ ذنوب +أُحِبُّ قريباً إن دعاني أجبتهُ وليسَ إذا ناديتُه بمُجيب +جَفاني لأنَّ الحرصَ جمّدَ قلبَهُ وما زلتُ في البلوى أُحبُّ قريبي +تعالَ أخي نمزُج دموعاً أبيَّةً فكلُّ غريبٍ آنسٌ بغريب +بُلينا فراعَ النّاسَ حُسنُ بلائنا وربَّ اغترابٍ للشّقاءِ جلوب +كذلكَ تُشقي المرءَ نفسٌ أبيةٌ وقلبٌ يَرى لذاتهِ بندوب +على الحرِّ أن يلقى الخطوبَ بحزمِه ففي الخَطبِ تجريبٌ لكلِّ لبيب +أُقابلُ أعدائي وأهوالَ غربتي بقلبٍ منيرٍ في ظلامِ خطوب +ونفسٍ لنيلِ المجدِ تستعذِبُ الرّدى كَنسرٍ لأصواتِ الرّعود طروب +فما راعني سيري على الأرضِ تائهاً ونومي وحيداً مُثقلاً بكروب +وتعريضُ جسمي للمَهالكِ طالباً دواءً لداءٍ حارَ فيه طبيبي +ولي همّةٌ بينَ الجوانحِ دونها تحدّرُ سيرٍ واندلاعُ لهيب +على كلِّ حرٍّ دَمعةٌ وتحيّةٌ إذا كانَ هذا في الجهادِ نصِيبي +وما أنستِ الأسفارُ لا أنس وقفةً على بحرِنا والشّمسُ عِند مغيب +أُودِّع سوريّا وأُودِعُها الهوَى وكفّي بكفَّيْ صاحبٍ ونسيب +وأرنو مَشوقاً من خِلالِ مَدامعي إلى جبلٍ بادي الصخورِ مهيب +ويومَ بَكت أمي الحنونُ وراعَها دنوٌّ وداعٍ كالحِمامِ رهيب +وقالت بصوتٍ خافتِ متهدّجٍ ومنها زفيرٌ لاحقٌ بنحيب +بُنيَّ يمين الله هل لك عودةٌ وداعك هذا يا بنيَّ مذيبي +ألا أنتَ باقٍ آمناً في ربوعنا فمِثلكَ لم يولد لِصعبِ ركوب +فقلتُ لها والجفنُ يكتمُ عبرةً سأرجعُ يوماً فاصبري وثقي بي +كطيرٍ تصبّاها ربيعُ بلادِنا فأطربنا منها حنينُ سروب +أليس التّلاقي بعد نأيٍ ألذّ من تخلّفِ حبٍّ بالملالِ مَشوب +دعيني أوفِّ المجدَ يا أمِّ حقّهُ وأقضي شريفاً مثلَ جارِ عَسيب +يلذُّ لفرخِ النسرِ بسطُ جناحهِ إذا الريحُ حيّت وكرهُ بهبوب +نعم كانَ لي عقدٌ من الحبِّ والمُنى فضاعَ ولم أظفر ببعضِ حبوب +كما ضاعتِ القبلاتُ في نحرِ غادةٍ غرورٍ كأمواجِ البحارِ كذوب +فقلتُ لنفسي بعد ذلٍّ وحسرةٍ كفاكِ ازدراءُ الجاهلينَ فتوبي +أحنُّ إِلى الحمراءِ حناتِ بُلبُلٍ يُروِّعُه ليلاً دويُّ نعيب +تناثرَ قلبي مثلَ ريشاتهِ على مُلِمّاتِ دهرٍ بالكرامِ لعوب +فكيف أحبائي الذين تركتُهم وقد باتَ يُشقيهم ألجّ طلوب +تبعَّثَ من قلبي ضياءُ وجوهِهم تبعُّثَ نورٍ من خِلالِ ثُقوب +يُطلّونَ منهُ باسماً تِلوَ باسمٍ فينقى جَبيني بعدَ طولِ قطوب +وتجلو هُمومي بسمةٌ من صبيَّةٍ تجيءُ الصبا من بُردِها بطيوب +أحبّت غريباً تستفزُّ فؤادَه بلثغتها في لفظِها لحبيبي +على صدرِها أهوى البنفسجَ ذابلاً كعينِ لألبابِ الرجالِ خلوب +وأعبدُ منها بينَ دلٍّ وعفةٍ جمالَ شبابٍ في جلالِ مشيب +وأرعى جبيناً من زنابقِ غيضةٍ ونحراً عليه من بياضِ حليب +وقد زانهُ عقدٌ من الدرِّ تلتقي على صَدرِها حبّاتُه بصليب +أقولُ إذا رقّت لحالي وأقبلت تُسائِلني عن صفرتي وشحوبي +كذاكَ تقاسمنا النحولَ على الهوى فليسَ تدانينا إذاً بعجيب +أتائهةٌ عجباً بفتيانِ قومها وراميةٌ فتياننا بعجيب +وُقِيتِ النّوى لا تضحكي من رجالنا أيأمنُ سَلباً شامتٌ بسليب +صروفُ الليالي فرّقتهم وبدّلت حياةَ خمولٍ من حياةِ حروب +إذا لبسوا الأطمارَ إنّ صدورهم لتحمِلُ في البلوى أشدَّ قلوب +وكلُّ جمالِ الشّرقِ في فتياتنا فإن تُبصري أجفانهنَّ تذوبي +لهنّ عيونٌ حاملاتٌ لِشَمسنا فأحداقهنَّ السّودُ حَبُّ زبيب +بَعثنَ الهوى موجاً وناراً فلم نكن لِننجو وقد حاربننا بضروب +فدى العربيّاتِ الحرائر مُهجتي فهنَّ كروض في الربيعِ خصيب +تذكّرت في الحمراءِ عهد الصبوَّةِ وما كان في�� من نعيمٍ وبهجةِ +فقلتُ وقد شقَّ الغمامةَ كوكبٌ سلامٌ على عشرين عاماً تولّت +تولّت ولم أشعر بها كضميمةٍ على خصرِ ليلى عطّرت خيرَ ليلة +فلم يبقَ إِلا عطرُها وذبولها ولم يبقَ لي إلا شعوري وصفرتي +سأذكرُ من ليلى لياليَّ والهوى يمزِّقُ من أثوابِ صبري وعفتي +وما زالَ هذا القلبُ في الحبّ ذائباً ولكنّه جلدٌ على كلّ شدَّة +أرى الحبَّ قتالاً وأقتل كتمُه فداوِ بوصلٍ داءَه أو بسلوة +وإلا فقدّم للغرام ضحيةً وعينُ التي تهوى تضنُّ بدمعة +جميلٌ لئن تعشق بثينةَ تُشِقها وتَشقَ لأن الحبّ قبرُ الشبيبة +فليسَ لأهلِ العشقِ أمنٌ وراحةٌ وأمنيّةُ العشّاقِ عندَ المنيّة +نصحتُك فاسمع يا أُخَيَّ فإنني أرى الدّهرَ نبّاشاً قبورَ الأحِبَّة +يُذَبّلُ أزهارَ الشبابِ بنفحةٍ ويطفئُ أنوارَ الغرامِ بنفخة +سَلِ الطيرَ هل تبقى لها وُكناتُها سَلِ الوَرَقَ المنثورَ في كلّ روضة +تُجبكَ ليالي الطيّباتِ قصيرةٌ كأحلامِها تمضي على حين غفلة +ولكنَّ ليلاتِ الشّقاءِ طويلةٌ وفيهنَّ تهوي نجمةٌ بعد نجمة +أرى السعدَ وهماً والشقاءَ حقيقةً فما كان أشقانا بحكم الحقيقة +فكم بسمةٍ تبدو سريعاً وتمّحي وكم دمعةٍ تكوي الفؤادَ كجمرة +إذا شكرت نفسي حلاوةَ ساعةٍ شكت بعدها لهفى مرارةَ حجة +هو الحبُّ فيهِ كلُّ ذكرى أليمةٍ على فقدِ أعلاقِ وأحزانِ وحشة +فنلهبُ أذيالَ الظلامِ بزفرةٍ ونخرقُ طيّاتِ السكونِ بأنّة +لكِ العزُّ يا دار الحبيبةِ هل لنا هدوءٌ إذ لم تُسعدينا بزَورة +نذوبُ على الوجه الذي تحجُبينه ونقنعُ إن عزَّ اللقاءُ بنظرة +ونشتاقُ وصلاً والحياءُ يردّنا فنرجعُ عن بردِ المياهِ بحرقة +لئن كان في قفر نرىَ الفقرَ جنّةً فجنَّتنا من بسمةٍ فوقَ وجنة +إذا ما مرَرنا حيثُ مرَّت حبيبةٌ وحيثُ رأيناها وحيثُ استقرّت +تُنازع هذي النفسُ حتى نخالها مفارقةَ للجسمِ في كلّ صبوة +ويضعفُ هذا القلبُ حتى نظنَّهُ تساقطَ منا فلذةً إثر فلذة +ونسمعُ همسَ الطّيفِ في كلّ خلوةٍ وننشقُ عطرَ الثَّوبِ في كلّ هبّة +كذلكَ حبّي ذقتهُ فأذابني وسالت على حبر القصائدِ مُهجتي +أنا الكوكبُ السيارُ في ليلةِ النّوى تُنيرُ سبيلَ التائهين أشعَّتي +أنا البلبلُ الصفّارُ في روضةِ الهوى تطير قلوبُ العاشقين لصفرتي +أنا العنبرُ الفوَّاحُ في كل مجلسٍ تُعطِّرُ أثوابَ الحرائرِ نفحتي +أنا العاشق العفّافُ في كلّ خلوةٍ تركتُ العذارى معجباتٍ بعفتي +أنا المزهرُ الرنّانُ في كفّ مُطربٍ ملائكةُ الجنّاتِ تشتاقُ رنتي +أنا ما أنا إِلا فؤادٌ معذَّبٌ ونفسٌ ترى في الموتِ أكبرَ لذَّة +فما للعدى يستقبحونَ محاسني ولا ذنبَ لي إلا علائي وقدرتي +هجرتُ بلادي في السياحةِ راغباً وكم فوق بحرِ الرومِ من دمعِ غربة +ولما بدت تلك السواحلُ فجأةً تفجّرَ شعري من حُبوري ودَهشتي +فحييتُها مع طلعةِ الصّبحِ والهوى يفيضُ على قلبي وثغري ومُقلتي +فكم شاعرٍ فيها تبسّمَ أو بكى وقد جاءَها في نزهة أو عبادة +وكم ثم قلباً طارَ حباً وصبوةً ورأساً غدا يحنى لمجدٍ وعزّة +على بحرِها العمرانُ والنضرُ والغِنى وقد كملت فيها صنوفُ الحضارة +وما بحرُنا إلا مرائي طلولِنا كذا الدهرُ يمحو كلَّ حسنٍ بلمسة +فقلتُ ولم أنفكّ للحسنِ عابداً أُروّي حِماه من دموعي الصفيّة +ألا يا بلادَ العِلم والفنّ والهوى إِلى شاعر أوحى أرقّ قصيدة +بألطفِ ترنيمٍ وأبهى طبيعةٍ وأجملِ تمثالٍ وأ��ملِ صورة +سلامٌ على أهلِ التمدّنِ إنّ لي بمنظرهم تجديد عزمٍ وقوة +لقد كانتِ الأرواحُ من شعرائهم لتَمزيقِ أكفانٍ وتنوير ظلمة +لضَربهم انفكّت قيودٌ ثقيلةٌ وهدَّم سورَ الظلمِ ترديدُ صيحة +وأوطانهم من نارِ شعرهم التَظت وقد ضَربت بالسيفِ حتى استقلّت +فعادَ إليها مجدُها ونعيمُها وإنّ المعالي بينَ سيفٍ وراية +ولما رأيتُ الناسَ يبنونُ مجدهم بكيتُ على آثارنا العربيّة +نما زَهرهم في روضِهم متجدداً وقد يبست أزهارُنا بعد نضرة +لهم كلَّ يومٍ غزوةٌ وغنيمةٌ ونحنُ حَيارى بين ذكرى وعبرة +لئن كان في الحريةِ الحلوة الرَّدى فيا حبذا موتي لتحرير أمتي +بني أمِّ هل من نهضةٍ عربيةٍ لصيحاتها يهتزُّ ركنُ البرية +فواللهِ لا حريةٌ مُستطابةٌ إذا لم تكن من قوةٍ أدبية +تصبّاك ما في النجمِ من لمعاتِ وحيّاكَ ما في البَحرِ من هَدَراتِ +فسرتَ تُمنّي النفسَ بالمالِ والعُلى ولم تدرِ أنّ الدّهرَ ذو غَدَرات +بماذا تُعزّيها إذا عدتَ خائباً وأنتَ كثيرُ الذّكرِ والسَّفرَات +لئن فاتني ما فاتَ مِثلي مِن المُنى رَجعتُ ضَحُوكاً منهُ بعد فَوات +وقلتُ لنفسي خفِّفي عَنكِ إنّني أرى بعدَ طولِ السَّهدِ طولَ سُبات +ليهنئكِ إنَّ الموتَ يُبقيكِ حرةً ويطرحُ هذا الجسمَ للحَشرات +تكاليفُهُ وهو الحقيرُ كثيرةٌ فصبراً على مُستوَدعِ الشَّهواتِ +فما هو إلا جيفةٌ لنتانةٍ وما أنتِ إِلا درةٌ لحياة +ولا بدَّ يوماً من طلاقٍ وعودةٍ إِلى عالمِ الأرواحِ والنجمات +ألا أيها العصرُ الحديديُّ دع لنا قليلاً من الأفلاذِ والدمعات +بمعدنِكَ القاسي تدوسُ قُلوبَنا فكم من قلوبٍ فيكَ مُنسَحِقات +وما من شريفِ صادقٍ بوعودهِ ولا من كريمٍ جابرِ العَثرات +لقد حقَّرَ المالُ الحقيرُ شعورَنا وقوَّى رجالَ الظلمِ والفتكات +فلا حقَّ إِلا للقويِّ بمالهِ فمن للضَّعيف الدائم الحَسرات +كذلكَ ذاتُ الخِدرِ تحسدُ قينةً ويخضعُ ذو رفق لمن هو عات +فيا لكَ عصراً فيهِ أكرهُ مولدي وأصبو الى الأجداثِ والظُّلمات +دعي الناسَ يا نفسي ولا ترهبي الرّدى فمثلُكِ للأخطارِ والغَمَرات +تعالي نَذُق بعدَ المعاركِ راحةً ونذكرُ ما نهواه في الخلوات +بأندلس الحسناء عجتُ مُسلّماً إِلى أربُع الأجدادِ ذا صَبوات +وهل عربيٌّ صادقٌ لا يزورُها ويَبكي على آثارها البَهجات +مَررت بها والقلبُ ولهانُ شيّقٌ يطيرُ على أنفاسها العطِرات +نعم قد عرتني هزّةٌ عِندما بدَت شواطئُها الملأى من البركات +ومرَّ أمامي طيفُ مُوسى مجاهداً يُحرّضُ أبطالاً على صَهوات +ورنّ صَدى في الجوّ من صوتِ طارقِ يقولُ لنصر نحنُ أو للمات +وبالثَّغرِ والكأسِ ابنُ زيدونَ شِعره تفجَّر لي دَمعاً على ضحكات +ولاح الفتى الرنديُّ في البوقِ نافخاً يُزَعزعُ ركنَ الأرضِ بالصَّعقات +سلامٌ على روحينِ روحي تصبَّتا وقد شاركت كلتيهما بهبات +تنشَّقتُ ريّا من صباها مُقبِّلاً ثراها الذي يحوي عِظام غزاة +لقد نظموا عقداً ثميناً فأصبحت لآلئُ ذاكَ العقدِ مُنتَثرات +سلامٌ على الحمراءِ والقَصر من فتىً شَجَتهُ بقايا المجدِ مُغتزِلات +هنالك مجد تمَّ لا مجد فوقه وقد شيد بالأقلام والشفرات +فكانت جنودُ الحقّ تحتَ لوائها تهدّدُ أهلَ البطلِ بالزحفات +أيا حبذا أرضٌ على كسرِ أُمّتي تُريني جيوشَ العربِ مُنتَصرات +وفي أربُعِ الأمواتِ أذكرُ موقفي على تُرَبٍ مَحجوجةٍ ورفات +تباركَ تربٌ طاهر�� ضمّ أعظُماً تُساوي عِظامَ الخلقِ مُجتمِعات +بدَت نجمةٌ زَهراءُ من كلِّ تربةٍ فكم شِعَلٍ تبدو وكم سطَعات +فناجيتُ حيناً كلَّ روحٍ جناحها جناح عقابٍ ظلّلَ الوُكُنات +بأندلسٍ هامَ الفؤاد وإنّهُ فؤادُ محبٍّ صادقِ الخَفَقات +تعشّقتُها طفلاً وشاهَدتُها فتىً وحيَّيتُها بالشّعرِ والبَسمات +وودّعتُها يوماً وِداعي لموطِني وجدتُ لها بالدَّمعِ والزَّفَرات +نأى شَبَحي عنها فعزَّت زيارتي ولكنّ شِعري خالدُ النَّغمات +فلا كانَ هذا آخرَ العَهدِ بَيننا ولي عبراتٌ سِلنَ من نظرات +وما زلتُ حنّاناً إِلى برجِ بَلدة مُطلٍّ على الأمواجِ والهضَبات +حفرتُ عليهِ اسمي بخطِّ ابن مُقلةٍ ليقرأهُ بَعدي الذي هوَ آت +لقد زرتُ فيها جامعاً صارَ بيعة جَثت أُمهَّاتٌ فيهِ مع أخوات +فذكَّرنني أُماً وأُختاً تشاكتا مُرَجّعَتَينِ النَّوحَ والصلوات +على طولِ عَهدي بالدّيارِ تَشوقُني مَحاسِنُ فيها قارَنت حَسنات +تزوَّدتُ بالتَّطوافِ بعضَ جمالِها وكم لي على آثارِها وَقَفات +لدَى قلعةٍ فيها وقصرٍ ومعبد رأيتُ جباهَ الناسِ مُنحنيات +ألا هل عزاءٌ للمُحِبّ الذي يرى مَنازِلَ أحبابٍ على وحشات +إذا سارَ فيها يَرفعُ الرأسَ عِزَّةً تراءت لهُ الأبراجُ مُنهدِمات +فَقُرطُبَةٌ تبكي على خُلفائِها وزَهراؤها تَبكي على الملكات +وكم عَرَبيّاتٍ بَكينَ بُكاءَها وكنَّ معَ النعماءِ مُبتسمات +وغرناطةُ الخضراءُ ترثي ملوكَها على جانبي وادٍ كثيرِ نبات +نسيمُ الصَّبا يُلقي النَّدى في رياضِها وَيحمِلُ مِنها أطيَبَ النَّفحات +سَقى الله جَنَّاتِ العَريفِ من الحيا ودَمعي مَزيجاً طاهرَ القَطرات +بحَمرائها يوماً وقفتُ مُسلّماً وأنشَدتُ شِعراً جاشَ مع عَبراتي +فجاوَبَني فيها نواحٌ كأنما تشاكت بناتُ العربِ مُنتحِبات +وبعدَ طوافي في مَقاصيرَ رَحبةٍ مُزَيَّنةٍ بالخَطّ والنّقَشات +وقد مَلأتها الجنُّ حُسناً وزَخرَفت حنايا مُطِلاّتٍ على العَرَصات +خَرَجتُ وقلبي فيهِ آلامُ أُمةٍ توالت عَليها أعظمُ النّكبات +وقلت لقومي والدّيارُ بعيدةٌ بني العُربِ ولّت أعصرُ الغزوات +فقَدتُم كثيراً فاعتَنوا ببقيَّةٍ ومأثرُكم فيهِ أَجَلُّ عِظات +هوَ الحبُّ فَليشقَ المحبّونَ بالذّكِرْ ورُبَّ شفاءٍ مِن بكاءٍ على الأثَرْ +فكم في بقاياهُ شؤُوناً وكم لها شجوناً وفي نورِ الهوى بانَ ما استتَرْ +هَدتني إليها نفحَةٌ قد ألِفتُها فأثبَتَها قلبي وأنكَرها البَصَر +فيا لكَ قلباً لا يَملُّ مِنَ الهوى ويا لكِ عيناً لا تَملُّ من النَّظر +لآثارِ ذاكَ العهدِ بتُّ مُقَبِّلاً فلم أَكُ إِلا راهِباً قبَّلَ الصُّوَر +فيا حبّذا تَقبيلُها من قتيلها أنا العاشقُ العاني الذي دَمَهُ هَدَر +بَكى آدمُ الجنّاتِ قَبلي وإنما نَظرتُ إِلى رَسم الدّيارِ وما نَظر +فلم يكُ في بَلواهُ مِثلي وهكذا بما شَهيَت حوّاؤهُ شقي البَشر +وبينَ حنايا الصَّدرِ صوتُ حَبيبتي رنيمُ هزارٍ في ليالي الهوى صَفَر +لقد مَحَتِ الأيامُ آثارَ حبِّنا فيا حبّذا لو جَمّدَ الزمنُ العِبر +لأنظمَها عقداً يَليقُ بجيدِها ولكنَّ ما في القلبِ أغلى من الدُّرَر +أحبّت مِنَ الأزهارِ زَهرَ بَنفسجٍ لها عطرُهُ واللونُ في عينها استَقر +فكم باقةٍ منهُ جَنَيتُ لِصدرِها وكانت كغُصنٍ مُزهرٍ في يَدي انهصر +وإني لأهواها وأهوى بَنَفسَجاً ذوى بينَ نهدَيها وفي مُهجتي نضر +وما زالَ عِندي باقةٌ هي بَعدَها كَجِسمي وقلبي الذابلينِ من الكدَر +أَلا رُبَّ ليلٍ خِلتُها تحتَ بَدرهِ ضَميمةَ أزهارٍ جَناها الذي صَبر +فَقبَّلتُ جيداً فيهِ نفحَةُ زَنبقٍ مساءَ وَعَينا سقمها يَبعَثُ الخَدر +كأني وقد أغمَضتُ بالفمِ جَفنها بنورٍ سماويٍّ على مُهجَتي انحدَر +كذلكَ في حرِّ الضُّحى نفَسُ الصَّبا يُذبِّلُ أجفانَ الأزاهِرِ والخضر +لعمرُكَ ما في جنَّةِ الوَردِ نفحَةٌ كنَفحةِ شعرٍ في يَدي انحلَّ وانتشر +فقلتُ لها واللّيلُ قد رَقَّ ثوبُهُ فأصبَحَ خفّاقاً على نفَسِ السّحر +وقد ذبُلَت كالياسمينِ جُفونُها وإن تَفترِ العينانِ فالقلبُ ما فَتر +مللتُ نعيماً لم أكن لأَملّهُ فيا حبّذا لو هكذا عيشُنا عَبر +يمينَ الهوى لو دامَ أو طالَ ليلُنا لكُنتُ على رغمِ العدى أسعَد البَشر +أغابةَ بالرْمَ الكثيفةَ ردّدي حديثاً عن العُشّاقِ في ليلةِ السّمر +عَشيَّةَ بتنا بينَ ماءٍ وخضرَةِ نرى الموتَ في الإغفاءِ والعَيشَ في السَهر +وقارِبُنا يَسري على مائِكِ الذي عَليهِ فؤادي ذابَ والمدمَعُ انتَثر +فعانَقتُها حَيثُ الغُصونُ تَعانقَت وقَبَّلتُها حيثُ النَّسيمُ لنا زَفر +فيا لكِ قُبلاتٍ لها انهزَمَ الدُّجى ويا لكِ ضمّات لها ارتجَفَ الشَّجَر +لشِدَّةِ ما عانَقتُها انحلَّ عقدُها فخُلتُ ظلامَ اللّيلِ من نورِه نفَر +وإذ جَمعَت حبّاتِه خِلتُ كفَّها مُنوَّرَةً رَيّا عَليها النَّدى قَطَر +فقالت كذا نثَّرتَ عقدي مُخاطِراً فقلتُ لها في الحبّ ما أهون الخَطر +أليسَ لقَلبي في هواكِ شَفاعةٌ وأكبرُ ذنبٍ في المحبّةِ يُغتفَر +فَتَحتَ يدِ الجنّانِ يَنتثرُ النَّدى وتحتَ يدِ النبّالِ يَنقطعُ الوَتر +وأنشَدتُها شِعرَ الصَّبابةِ فانحنَت وقالت ألا تُبقي عليّ ولا تَذر +لِشِعرِكَ سالت مُهجتي في مَدامِعي فإنشَادُكَ الشّاجي يذُوب له الحَجر +فقلتُ جُروحي في البلاءِ كثيرةٌ فيا حبّذا جرحٌ بهِ الباسلُ افتخر +بَكيتُ على قلبي ليشفيهِ مَدمعي وبعدَ ذُبولِ الغصن لا ينفعُ المَطر +لقد مَلكت قلبي عِراقيَّةٌ لها محاسنُ بَغدادَ التي ظرفُها اشتهر +أقولُ لها أن شاقني مجدُ أُمةٍ مناقِبُها غرٌّ وأبناؤها غُرَر +أيا بنتَ عميّ حبُّ أرضِكِ واصلٌ بقلبك قَلبي هكذا شرفي أَمَر +يلوحُ على هذا المحيَّا جَلالها فأهزأُ بالدَّهرِ اللئيمِ إذا غدَر +لأجلكِ أهواها وأهوى لأجلها مُحيَّاكِ إنَّ الحبَّ بَينَهُما انشَطر +لنا أمة نأسَى عَليها وسَيفُها على طولِ ما أبلى بأعدائها انكسر +ولكنَّهُ قد عادَ أبيَضَ مُرهَفاً وكوكبُها بَينَ الكواكبِ قد زَهر +سَتُرجعُ من تجريده العزَّ والعُلى وتجمَعُ تحتَ الرَّايةِ البدوَ والحضر +لعينَينِ مثل الفرقدينِ تفتّحت سماءُ فؤادٍ للهُدى نورُهُ ظهر +لكِ النّظَرُ الهاوي إليهِ كما هوى الى البَحر ذيّاكَ الشّهابُ الذي استَعر +وكان وداعُ بعدهُ ضاعَتِ المُنى كما ضاع دمعٌ من محاجرنا انهمر +بكيتُ غريباً من بكاء غريبة وقلتُ لها لا تغلبُ القدَرةُ القَدر +فباتت تُريني نفسها في دُموعها وبتُّ على وجهي أذكّرُها العِبر +فحيّا الحيا والنورُ والطَّيرُ والشَّذا محيّاً عَليهِ الروضُ من زَهرهِ نثر +لها الخيرُ إنّي حافظٌ لجميلِها كفاني بها أنسٌ على وَحشةِ السَفر +ألم ترَ كيفَ النورُ يَبسمُ للدُّجى وكيفَ حِجابُ الغَيمِ يَرفعُهُ القَمر +لقد فاحَ من شِعري هواها وذ��رُها كما فاحَ عطرُ الوَردِ من ألطَفِ الصرر +ألا أيّها الطَّيفُ المذوّبُ للفَتى كذلكَ تُشقي من أَحبُّ ومن ذكر +أراكَ رفيقاً في نديٍّ وخلوةٍ تريني خراباً من نَعيمي الذي دَثر +أغرَّكَ مني أنَّني اليومَ شاعِرٌ على وَتري أبكي وقد ذهبَ الوَطر +وأنّ لقَلبي الذلُّ يَحلوُ فَلم يَزَل لهُ في الهَوى ذلٌّ وفي غيرهِ ظفَر +فما الحبُّ إِلا أن يعفّ إذا خَلا وما الحلمُ إِلا أن يكفَّ إذا انتَصر +ويا أيُّهذا المدّعي الشّعرَ والهوى أعندك ما عِندي من الخِبرِ والخَبَر +أتعروكَ حُمّى الشِّعرِ والزُّهرُ قد رَنَت من القُبَّةِ الزَّرقاءِ والموجُ قد هَدر +وقلبُكَ خفّاقٌ ورأَسُكَ مُثقَلٌ فتَضطِربُ الدُّنيا لما منهما انفَجَر +هوالصوتُ فاسمَعهُ وأعرض عن الصَّدى وعِش خالياً واطرَب لأنغامِ من شَعَر +فرُبَّ ليالٍ كالحدادِ همُومُها طوالٍ وعُمرُ الأكرمينَ على قِصَر +تتابَعَتِ الأشباحُ فيها وأقبلت هواجسُ شتّى تُثقِلُ الرأس بالفكر +إذا انفَتَحت عَيني على ظُلُماتِها تَطايَرَ مِن جَفنيَّ ما هوَ كالشَّرر +أَحنُّ إِلى طيبِ الغَدائرِ والفمِ إذا فاحَ زَهرُ الياسمين المخيِّمِ +وما زَهراتُ الياسمين نديةً بأطَيبَ مِن ذيّالكَ المتبسِّم +وما زفراتُ الرِّيحِ في وَرَقاتهِ بأعذَبَ من همسِ الكلامِ المرخَّم +هُنالكَ لي ما بَين ماءٍ وخِضرةٍ وزَهرٍ وظِلٍّ وارفٍ وترنّم +مُواقِفُ حُبٍّ كلما عنَّ ذكرُها سمعتُ مناجاةَ الخيالِ المسلِّم +فأنشَدتُ من فِردوسِ مِلتُنَ قِطعةً بها انبثقَت حواءُ من حلم آدم +تذكّرتُ أيامَ الهوى فبكيتُها وقلتُ لِقَلبي وَيكَ لا تتقسَّم +فقال أَلِفتُ الحزنَ حتى التذذتُهُ فدَعهُ لِهذا الخافقِ المتألِّم +أبى وأبَت عَينايَ إِلا تَشفّياً بدمعٍ وذكرٍ فيهما عطرُ مَنشم +إذاً فاشقَ يا قلبي بحبٍّ ومَطمَعٍ فمن يَشقَ يرحَم من يئنُّ ويُرحَم +ومن أبطرَتهُ نعمةٌ ظلَّ لاهياً عن الكَمدِ المُدمي لقلبٍ مكلَّم +أرى مِحنَتي لي مِنحَةً ودُجُنَّتي ضياءً يريني واضحاً كلَّ مُبهَم +كما فتَحَت زَهراً وأنمت خَميلةً أشِعَّةُ شمسٍ كابتِساماتِ مُنعِم +وإني لأرثي بَهجَتي وشَبيبتي وأبكي بكاءَ اللاهفِ المترحِّم +وأرنو إِلى الآثارِ في وحشَةِ النَّوى فتَطلعُ من ليلِ الهُمومِ كأنجُم +نعم لعيونِ العاشقينَ أشِعَّةٌ تُنوِّرُ من أفكارهم كلَّ مُظلِم +فيَنفَتحُ القَلبانِ تحتَ يدِ الهوى كَتَفتيحِ بدريٍّ لزَهرٍ مُكمَّم +فلولا ضياءٌ من عيونٍ مَليحةٍ ولولا صفاءٌ من جبينٍ ومبسم +لما خلّد الإحسانَ والحسنَ شاعرٌ بأبياتِ شعر كالجمان المُنظّم +أُحبُّ جمالَ الفنّ في كلّ صورة وقلبي طروبُ للجمالِ المتمّم +لأنغامِ تلحينٍ وشعرِ قصيدةٍ وتجسيمِ منحات وتلوينِ مِرقم +حبيبتي هَلّا تذكرينَ عبادَتي لحُسنك ساعاتٍ ولم أتكلّم +وعينك في عيني وشعركِ في يدي وقلبي خفوقٌ كالسّوار بمعصم +وأنتِ كمعزاف جميلٍ أجسُّهُ فأسمعُ منهُ كلّ لحنٍ مُنعَّم +تلوحينَ في همّي فأبسمُ للهوى وأرفعُ رأسَ الآملِ المتوسّم +كزهراءَ لاحت من ثَنايا غمامةٍ فقرَّت بها في الليلِ عينُ المنجِّم +أناشدُكَ الحبّ الذي هو بَيننا وما فيهِ لي من لذَّة وتألُّم +أمرّي على قلبي يَديكِ لعلّه يعودُ إلى عهدِ الهوى المتصرّم +إذا الثلجُ غطّى يا مليحةُ أرضَنا وأوحَشها لونُ السَحابِ المركّم +تجودُ عليها بالأشِعَّةِ شمسُنا فتبرزُ في ب��ردِ الرَّبيعِ المُنَمنَم +لئن حدّثَتكِ النفسُ يوماً عن الذي قصائدُه فيها صليلُ المخذَّم +وصَيحاتُ آلامٍ وحبٍّ وخَيبةٍ تُمثّلُ دَنتي سائحاً في جَهنَّم +وبين يَدَيهِ خصمُهُ متململٌ كفرخٍ ضعيف في مخالبِ قَشعَم +خُذي لكِ من شِعري مثالاً لصورتي فما النطقُ إِلا صورةُ المتكلِّم +وما الشَهدُ إِلا الزَّهرُ تجنيه نحلةٌ وما الحبُّ إِلا من جمالٍ مُكرَّم +وما النُّورُ إِلا من صباحٍ وكوكبٍ وما الأنسُ إِلا من فمٍ متبسّم +وما العطرُ إِلا من أزاهر جنّةٍ وما السّعدُ إِلا بالمُنى والتَّوَهُّم +جمعتُ الشَّذا والنُّورَ والمجدَ والهوى ففاضت من العينينِ والقلبِ والفَم +غنائي لأصوات الطبيعةِ جامعٌ فمن صَفَراتِ البُلبُلِ المترنِّم +ومن هَدراتِ الموج في ليلة النوى ومن رنماتِ العودِ في كفّ مُغرم +ومن قَصفاتِ الرّعدِ والبرقُ لامعٌ ومن بَردِ أنفاس النّسيم المهينم +ومن قصبِ الرّاعي المرنّ نواحُهُ على ضفتي واد مُنيرٍ ومُظلِم +وحفّاتُ أغصان وحنّاتُ نازح وخرَّاتُ يُنبوعٍ وأناتُ مُسقَم +هبيني لها في الشعرِ غيرَ مرجّعٍ أليس فؤادي من هَواكِ بمُفعَم +أليسَ له من نورِ عينيك شُعلةٌ تريه خَفايا كلّ سرّ مُكتَّم +وفي الحب أسرارُ الطبيعة كلُّها فمن يهوها يهوَ الجمال ويُلهَم +وما هزّني إلا هوى عربيّةٍ سَليلةِ مجدٍ مُشمخِرٍ مُعَظَّم +قد اتّخذَت لبنانَ في الشامِ عرشَها وعَزَّ بها في مِصرَ سفحُ المقطَّم +أفاطمةَ الحسناءَ يا بنتَ عمّنا هَبينا حياةً من محيَّاً مُلثَّم +ففي عينكِ السوداء أنوارُ ليلةٍ وفي ثغرك الوضاء تنويرُ بُرعُم +جمالُكِ فيهِ سلوةٌ وتعلّةٌ وتَشجيعُ صُعلوكٍ على البَطلِ الكمي +دَعينا بمرآهُ نُحلِّي حياتَنا فما عَيشُنا إلا مرارةُ عَلقَم +فربَّ إناء فيهِ أجملُ زَهرةٍ إذا نحنُ لم نلمسهُ لم يَتَحطَّم +لعَمرُكِ ليسَ الطّهرُ في بُرقُعٍ وفي حِجابٍ بأسيافٍ محاطٍ وأسهُم +ولكنَّهُ في كلِّ نفس شريفة لها لطفُ عُصفورٍ وهيبةُ ضيغم +إلهُكِ لم يخلُق جمالاً مُحَجَّباً وحواءُ في الجنَّاتِ لم تتَلثَّم +فَطيري إلى روض الحياة فراشةً فمُقلتُنا إن تُبصر الحُسنَ تَنعَم +وَحيّي ضياءً ساطعاً وتنشَّقي نَسيماً عَليلاً وابسمي للمتَيَّم +فمثلك ريّا الوجَنتينِ حييّةٌ أُسامِرُها تحتَ الظَّلامِ المنَجَّم +فأحرمُ ثَغري ماءَ وجهٍ مُنَعّمٍ وأمنعُ كفِّي من حريرٍ مُسهّم +أسيرُ إليها خاشعاً مترجِّلاً وأرجعُ في الظَّلماءِ فوقَ مطهّم +أفاطِم إن شاقتكِ صَيحاتُ شاعرٍ يَنوحُ على أطلالِ مجدٍ مهدَّم +فأصبحت في ذاك الحجاب حمامة تُعالجُ أشراكَ الرّياء المحكَّم +أميطي نِقاباً عن محيّاكِ واخرُجي سفوراً الى تَقبيلِ أُختكِ مَريم +وقولي لها قد زالَ ما كانَ بيننا وقد رَضي الإخوانُ فلنتبَسم +قِفي نتعانق والملائكُ حَولنا تُنظِّمُ عقدَ المدمَعِ المتسجِّم +لنا أمةٌ غرقى دماءٍ وأدمعٍ أحَلَّت لأجلِ الدينِ كلَّ محرَّم +إذا ما أسالت مُهجةً من جروحِها أسلنا لها ماءَ الجفونِ كمرَهم +فَرفقاً بأرضٍ جاءَ فيها محمدٌ رَسولاً وفيها رنَّ صوت المعلم +هما ظهرا مِنا وفينا وإنَّنا خُلِقنا لنحيا بالعَواطفِ والدّم +بني أمِّ إنَّ السَّعدَ يخدمُ أمةً يعيشُ بنوها مثلَ زَيتٍ وبلسم +فما نحنُ إِلا إخوةٌ فتشارَكوا بأفراحِ أعراسٍ وأحزانِ مأتم +تعالوا نَصِل حَبلَ الأخوّةِ بيننا وإلا ندمنا لاتَ ساعةَ مَندَم +دَعيني أمُت حُرّاً يُخلِّدُهُ الذِّكرُ فعِندي سواءٌ طالَ أو قصُرَ العمرُ +رأيتُ حياةَ الماجدينَ قصيرةً ولسنا نُبالي طولها ولنا الدَّهر +ألا رُبَّ نفسٍ فارقت جسمَ فاضلٍ فشرَّفتِ المثوى وشرَّفها القَبر +تمنَّيتُ أن ألقى الشَّهادةَ باسلاً لأن شهيدَ الحبّ ليسَ له أجر +يموتُ الذي يَسعى إِلى المجدِ مرَّةً وأمّا الذي يهوى فميتاتُه كُثر +أَأرضى لِنفسي أن تكونَ ذليلةً وقد حَسدتها في سماءِ العُلى الزُّهر +وأشرقَ نورُ الحقِّ بينَ جوانحي كأني إذا أَسريتُ يَصحَبني الفَجر +تطلّبتُ من روحِ الطبيعةِ قوَّتي ففي نظري سرٌّ وفي مَنطِقي سِحر +وما أنا إِلا عابدٌ لجمالِها وما هيَ إِلا هذه اللّهجةُ البكر +سَلي البحرَ والغاباتِ والرَّوضةَ التي يُقبِّلها ثَغرُ الرَّبيعِ فتَخضَرُّ +سَلي الطيرَ والأرواح والبركةَ التي لها قطراتٌ مثلما انتثرَ الدرُّ +سلي النجم والآفاق والجبل الذي جثمتُ عليه مثلما جثم النسر +تُجبكِ فشا في ذلكَ الشِّعر سرُّنا فلم يبقَ سرٌّ للجمالِ ولا ستر +وما الشِّعرُ إِلا أن ترنَّ قصائدي ونثري هوُ النَّثرُ الذي دونَه الشَّعر +فكم لي من الشِّعرِ الرّقيقِ قصيدةٌ لها طَرِب الجلمودُ واضطربَ البحر +معانيَّ فيها من خِلاقِ فتوّتي ومصدرُها العينانِ والقلبُ لا الفِكر +أبيتُ أُذيبُ الشعرَ وهو يُذيبُني كذلك في الوادي التقى النَّحلُ والزَّهر +كثيرونَ قالوا الشَعرَ بل نَظموا بلا شُعورٍ لأنَّ القلبَ أعوزَهُ الحرُّ +فما كلُّ عصفورٍ يُغنّي كمُسهرٍ سَمِعناه صفّاراً وليلاتُنا قُمر +عَلوتُ بأشعاري إِلى قِمَّةِ العُلى وحلَّقتُ حتى لا لِحاقُ ولا نكر +بَني أمّ قلبي في هواكم ضحيَّةٌ فَمِنهُ لكم نفعٌ ومنكم لهُ ضرُّ +كما فجّرَ الينبوعَ موسى بضربةٍ فأنكرهُ شعبٌ يلذُّ له الكفر +ويا ليلُ لولا الشّعرُ ما بَقيَ الهوى ولا الحسنُ في الدُّنيا ولا المجدُ والفخر +بُثينةُ أعطاها جميلٌ جمالَها وفي شِعرِ قيسٍ حُسنُ ليلى له نضر +بيَتريسُ مع دَنتي أتانا حَديثُها ولورةُ مع بترَركَ طابَ لها ذكر +وإني عن البيضِ الغواني لفي غِنَىً لأن الهوى فيهِ الخيانةُ والمكر +لهنَّ قلوبٌ كالمرائي تناوَبت وجُوهاً وأما العهدُ فالمدُّ والجزر +فلم أرَ قلباً واسِعاً لِفضيلتي وحبّي وقلبي ليسَ يُقنِعهُ النّزر +ولي من عروسِ الشعرِ خيرُ زيارةٍ فيُطربني لحنٌ ويُنعشني عطر +فَأُشرِفُ من سجنٍ أَلِفتُ ظلامَه على جنّةٍ أغصانها أبداً خُضر +وأُطلِعُ نورَ الشعرِ من عمقِ ظلمةٍ وأجملُ أبياتٍ يولّدُها العسر +وإني على البَلوى صبورٌ لأنني سَلوتُ بقولي الخطبُ يحمِلهُ الحرُّ +ضرَبتُ بسيفِ العزمِ ضربَ مجاهدٍ له انقدَّ قلبُ اليأسِ وابتسم الصّبر +فجاءَت بناتُ المجدِ تضفرُ غارَها أكاليلَ للنّدبِ الذي همُّهُ ندر +نعيمي شقاءٌ في الحياةِ وهكذا شقائي نعيمٌ مِنهُ حَيَّرني السرُّ +تردَّيتُ ثوبَي خِبرةٍ وسياحةٍ وسرتُ كَنسرٍ لا يطيبُ له وكر +وغامرتُ بحراً بعد بحرٍ مُصمِّماً على نيلِ آرابٍ لها المسلِكُ الوعر +فما راعني الموجُ الذي عجَّ مُزبداً وأعظمُ منه ما يجيشُ بهِ الصَّدر +ومثلَ شَتبريانَ في سَفَراتِه شَقيتُ ومن أسفارِنا بقي السَفر +فشِعري لهُ في كلّ أرضٍ تردُّدٌ وجسمي لهُ ظِلٌّ ورِجلي لها أثر +أُعلّلُ نفسي بالمواعيدِ والمُنى وذلكَ أمرٌ دونَه القتلُ والأسر +فما رَضيَت يوماً بعيشِ سكينة�� وهل تشتفي نفسٌ يُرغِّبُها الزَّجر +وذابلةِ الخدّينِ مثلي نحيلةٍ قد ابيضَّ منها الفعلُ والذَيلُ والشعر +رَأَتني فقالت أنتَ يا سيّدي هُنا أَأَنتَ إِلى الأسفار أحوَجَك الأمر +وما كان أبناءُ النَّعيمِ لغربة تجمَّع فيها البؤسُ والذلُّ والقهر +فدَيتُ أباكَ الشهم لا كان مَوقِفٌ أرانيكَ بالأحلام والوهم تَغترُّ +فقلتُ لها إنّ القضاءَ يَقودُني إِلى حَيثُ لا أدري ولا ينفَعُ الجّهر +فلا تَفتحي جرحي القديمَ لأنّهُ عميقٌ فيَستَولي على قلبكِ الذُّعر +بَكيتِ لمن يشقى وأنتِ شقيَّةٌ لكِ الشكرُ يا ذات الوفاء لك الشكر +فما أبردَ الدّمعَ الصفيَّ على الحَشى فللنَفسِ منهُ في مَصائبها ذخر +لقد عَرَفتني في البلاءِ كريمةٌ وأنكرني قومٌ لهم نظرٌ شزر +لعمرُكَ كم تحتَ العباءَةِ من فتى كريمٍ تَساوى عندَه العسرُ واليسر +وتحت هشيم الكوخِ كم من فضيلةٍ أواها على ضيقٍ ولم يأوها القَصر +إلى وَطني أصبو وأذكرُ في النّوى حلاوةَ عيشٍ فيهِ تذكارُها مرُّ +وما الحسنُ إِلا ما تَعشَّقهُ الفتى وللقلبِ بعدَ العينِ في حُبّهِ عذر +قباحةُ أرضي في هيامي ملاحةٌ وكلُّ جمالٍ بعدَها ما له قدر +فيا حبّذا الحمراءُ مَهدُ صبوَّتي ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا النَهر +ألا عَلمت أمي هنالِكَ أنّني أعيشُ بلا أُمٍ وهذا هو الفَقر +إذا قَبَّلت أُمٌ جبينَ وليدِها وفي عينهِ خمرٌ وفي قلبها سكر +وإِن عانقت أختٌ أخاها فضمَّها وضمّته حيناً وهي ترنو وتفتر +شرَقتُ بريقي غيرةً وتحسُّراً وقلتُ أهذا الكِسرُ ليسَ له جَبر +لقد ظَمِئَت نفسي إِلى بَردِ قبلةٍ هي الماءُ للنّفسِ التي عَيشُها قَفر +أحنّ إِلى قبلاتِ أمٍّ ثمينةٍ وقبلاتِ أختٍ فوقَها رَفرفَ الطُّهر +وأصبو إِلى نارٍ تجمَّعَ حولها أحبّاؤنا في ليلةٍ ريحُها صرُّ +أيا قُبَلَ الأحبابِ أنتِ عَزاؤنا فكلُّ فؤادٍ لم تحلّي بهِ صفر +أمفديةٌ بالروح أنتِ صبيّةً من الصبحِ والنُعمَى وشِعري لها ثَغر +أترمُقُني عَينانِ ملؤُهما هوىً وأحنو على رأسٍ غدائرهُ شُقر +أبيتُ على ظَهرَي جوادٍ ومركبٍ وتمشينَ مِكسالاً يُحجِّبُكِ الخِدر +وإني لأستَجلي مُحيّاكِ كلَّما بدا الشَّفَقُ الوَرديُّ أو نوَّرَ الزُّهر +فيا حبّذا الوردُ المنوّرُ في الحمى وعندكَ منهُ اللونُ والنضرُ والنشر +عجبتُ لهذا الدهر كم أحوجَ الفتى إلى تجرُباتٍ عندها يَنحني الكبر +سَقاني بكأسِ الفقرِ طوراً وتارةً بكأسِ الغِنى حتى استوى الخيرُ والشر +أيا ابنةَ سوريّا أيا ابنةَ يعربٍ أيا بنةَ أجدادٍ مناقِبُهُم غُرُّ +لقد ذبلت أغصانُنا في رَبيعها ولكنْ أُرَجِّي أن يُعاودَها النضر +إذا جاعتِ الأشبالُ بعدَ رَخائها تعزَّت بأن يبقى لها النابُ والظفر +سَيرجع ذياكَ الزمانُ الذي مضى وفيهِ لنا السلطانُ والعزُّ والنصر +فنَمشي إِلى نَيلِ العُلى تحتَ رايةٍ تُظِلُّ بلاداً صانها جيشُها المَجر +وإن لم يَنَل أهلُ المكارمِ مأرباً كفاهم من الدُّنيا الفَضيلةُ والذكر +وما العيشُ إِلا بالشعورِ فساعتي كعامٍ وعامي بالشُّعورِ هو الدَّهر +بَكت لِفتى يُفني قواهُ تَعمُّدا وقالت ألا تَنفكُّ تهزأُ بالرّدى +رأيتُكَ بَسَّاماً لباكٍ وعابسٍ وما كنتَ إِلا صابراً مُتَجلِّدا +فقلتُ دَعيني للمكارِمِ إِنني رأيتُ اقتِدائي بامرئ القيس أمجدا +لئن تكشُفي عمّا سمعتِ خفوقَهُ ترَي أسداً بينَ الضّلوعِ مقيَّدا +ألم تعرفي قلباً كبيراً وتسمَعي زئيراً هو الشِّعرُ الذي قد تردَّدا +خُذيهِ وهاتي مثلهُ قلبَ حرَّةٍ وإلا دعيهِ للفضائل مُفرَدا +عميقٌ وعالٍ مثلَ بحرٍ وكوكبٍ فؤادي الذي أبدى هواك وأبَّدا +تصبَّاهُ حُسنُ الشّكل من كلِّ صورةٍ فأضحى له مُستعبَداً مُتعبِّدا +فَتَحتَ ظِلالِ الدّوحِ كم من بُحيرةٍ تريني مساءً خدَّها المتجعِّدا +نعم إنّ قلبي كالفراشةِ حائمٌ على زهراتٍ الروضِ يطلبُ مَرقدا +فمِن بُرعمٍ وسنانَ يُغمِضُ جَفنهُ إِلى زَهرةٍ ريّا يُفتِّحُها النّدى +وبكرٍ مفدَّاةٍ قصيرٌ نِطاقُها تُعَرّضُ مِنهُ ساقها المتجرّدا +هواها هوى بي خاضعاً متذلِّلاً على أنّني أُدعى الفتى المتمرِّدا +يروعُ سلامي أو كلامي فؤادَها فتخفي حياءً خدَّها المتورِّدا +أرى وجنتيها جنّتين وثغرَها من الكوثرِ المُحيي ألذَّ وأبردا +وعن مِعصَمٍ ريّان ضاقَ سوارُها فكانَ كبلَّورٍ يُخالِطُ عَسجدا +إذا صَهلَ الوثّابُ قالت لأمِّها سمعتُ صهيلَ المهرِ ها هو قد بدا +أتانا فتانا اليومَ يُعدي جوادَه وما زالَ قلبي عاديا كلّما عدا +أغازلُها والطّهرُ سهرانُ بيننا كأنّا اتخذنا في الحديقةِ معبدا +وربّةِ مَلهَىً خمرُها كلِحاظِها حَكت قَصباً فوقَ المياهِ تأوّدا +كما انشقَّ كُمَّا بُرعمَينِ تقارَبا يكادُ ثُدَيّاها يشقّانِ مجسدا +تُحدّثُ حتى أستعيدَ حديثَها وتبسمُ حتى أستزيدَ التودُّدا +إذا أترعت كأسي تجرّعتُ نِصفها لأبقى على الندمانِ والخمرِ سيّدا +فكم بعد سكري من رضابٍ وخمرةٍ أرتني سبيلَ الطّيباتِ مُمهَّدا +فقلتُ لها حتّامَ أنتِ ضنينةٌ فجُودي بما أذكى القلوبَ وبرّدا +فقالت بعينيها وفيها وكفّها تعالَ نُعطّر كالأزاهرِ مقعَدا +ألا حبّذا بردٌ يَفوحُ عبيرُه ويا حبّذا حسنٌ يدلّ على الهُدى +مَلكتُ بهِ كنزاً وسعدي على يَدي فأضحى بياضاً كلُّ ما كان أسودا +هنيئاً لمن وفَّي الشبابَ حقوقَه فغازَلَ مِعطاراً وروَّضَ أجردا +وتعساً لمن بينَ المدامةِ والهوى سَرى في ليالي الضائعينَ مُعَربدا +لشدَةِ ما يَلقى تحجّر قلبه فلا ترجُ للخيرِ الدَّمَ المتجمّدا +يقول كذا مرَّت ليالي شبيبتي على جَسدي والقلبِ سيفاً ومبرَدا +ألا رُبَّ ليلٍ بالقمارِ قَطعتُه فأصبحتُ منه فاقداً متفقّدا +بمخمَلةٍ خَضراءَ بعتُ سعادتي ونمتُ على سوداءَ لهفانَ مُبعَدا +أمضّي نهاري بائساً مُتَندّماً وأقطعُ ليلي شاحباً مُتسهّدا +كَتَبتُ على قَبرِ المقامرِ آيتي لقد عاشَ ملحوداً وقد مات مُلحدا +فكم مرةٍ قامرتُ للسَّعدِ والغِنى وليسَ لمِثلي أن يُمالَ ويسعدا +رأيتُ حظوظَ الناسِ تمضي سريعةً وما زالَ حظّي أعسرَ اليَدِ مُقعَدا +فهمتُ على وجهي أرى السَّهلَ ضيّقاً وليلي قليلَ النَّجم والبحرَ مُزبدا +كما سارَ أعمى يَنكتُ الأرضَ بالعصا فضلَّ وأمسى خائفاً مُتردِّدا +حذارِ سقوطَ النفسِ في شَهواتِها فإن شقاءَ المرءِ أن يَتعوَّدا +وأمّا أنا فالحقُّ والفضلُ والحجى رفاقُ شبابٍ لي مَددتُ لهم يَدا +ولولا عروسُ الشعرِ متُّ كآبةً فكم ضربت لي في الشدائدِ مَوعِدا +وكم في الجوى أعرضتُ عنها وقد أتت تُضَمّدُ جرحاً لم يكن ليُضَمَّدا +سلامٌ على الموتِ الذي فيهِ راحتي فإنَّ حَياتي أن أموتَ وأخلدا +دَعيني أنم في القبرِ نومةَ ماجدٍ فيسكنُ هذا القلبُ أو تسكُت العِدى +فلا خيرَ في العيشِ الذي دونُ مَطمعي خُلِقتُ ليُغريني البعيدُ بأبعدا +كما وقعَ النسر�� الجسورُ على الذُّرى فتاقَ إِلى أعلى وطارَ مُصعّدا +لعمرُكَ إنّ اليأسَ شرُّ بليَّةٍ فأهونُ منهُ أن تموتَ وتُلحدا +فما الموتُ إِلا راحةُ الجسمِ في الثَّرَى وما اليأسُ إِلا أن تعيشَ وتجمَدا +هو اليأسُ حتى يكرَه المرءُ نفسَهُ ويُدمي بكفَّيهِ السماءَ مُهَدّدا +ويَقذفُ تجديفاً يروعُ سماعُه كما يقذفُ السّيلُ العرمرمُ جلمَدا +وفي صَدرِه قلبٌ تلوّى كحيّةٍ مُجرَّحةٍ تشتاقُ لسعاً مبرّدا +وفي رأسهِ نارُ الجحيمِ توقَّدت فلم يرَ ماءً للسّعيرِ مُخمِّدا +أشبّانَ هذا العصر أبناءَ أُمتي تعالوا نعالج داءَنا المتَجدّدا +بُلينا بما تحلو المنيَّةُ عندهُ وبتنا لذكرى أمسِنا نكرهُ الغدا +كذلكَ يمضي في العذابِ شبابُنا ويقضي الفتى الماضي العزيمة أمردا +إذا رامَ من تلكَ الربوعِ تزوُّداً تقولُ له الأقدارُ لن تتزوَّدا +تفرَّقَ ما بينَ الأجانبِ شملُنا فأصبحَ طَلّابُ العُلى متشرّدا +كذا تنضَجُ الأثمارُ قبلَ أوانِها فتَهوى عَن الأغصانِ ذاهبةً سُدى +قد اخترمَت نفسي الكبيرةُ جسمَها كما فلَّ طولُ الضَّربِ سيفاً مهنَّدا +أيخمدُ فكرٌ ساطعٌ مثلَ نجمةٍ بها النازحُ الرحّالُ في الغَيهَبِ اهتدى +ويَسكُنُ قلبٌ كالقَصيفِ خفوقُه على ألمٍ ردَّ الأعادي وبدَّدا +لئن كانَ هذا حظٌّ كلّ فضيلةٍ فما هيَ إِلا اسمٌ فلا تكُ مُجهَدا +بكيتُ على الأسيافِ لما تكسّرت وما صنَعت تلكَ الشفارُ لتُغمدا +ونُحتُ على الأوتار لما تقطَّعت وقد خلَّفَت قلبَ الفضيلةِ مُكمدا +أُحِبُّكِ يا أرضَ الشآمِ فخلِّدي لأبنائك الأحرارِ ذِكراً مُمجَّدا +إذا غابَ جسمي في الثَّرى رافِقي ظلِّي فلن تجدي بَينَ الورى عاشقاً مِثلي +فيُغنيكِ طيبُ الذّكرِ عن حُسن صُورتي وهل دائمٌ عندَ النساءِ هوى خلِّ +لقد ذبلت أزهارُ وردٍ نقلتِها من الورقِ النامي الى شَعرك الجثل +فلم يُغنِها دمعي عن الطلِّ والنَّدى وإنّ الحشى للحبِّ والزَهر للطلّ +وما زالَ فوّاحاً عبيرُكِ بعدَما سكنتِ مع الوردِ المعاجَلِ بالذّبل +خُلِقنا لأشقى بالغرامِ وتنعمي فلم تعلمي علمي ولم تحمِلي حملي +فلا تجرحي قلبي الكريمَ تدلُّلاً فمثلُكِ لا ترضى التذلُّلَ من مِثلي +هَبيني قليلاً من وصالكِ إنّني لأقوى على حَمل الكوارثِ بالوَصل +ولا تحرميني بسمةً في كآبتي فما هي إِلا النضرُ في زمن المحل +وكُوني لمن يحمي العفافَ مُحبّةً ولا تمزجي الخمرَ العتيقةَ بالخل +ولا تحسبي أني أهمُّ بريبةٍ ولكنني بعضَ التسامحِ أستَحلي +حملتُ الهوى العذريَّ أصفى من التُّقى تُطهِّره الشمسُ المنيرةُ من عقلي +فما لمست كفِّي ثيابَ مَهانةٍ ولا وطِئَت أرضاً مدنسةً رجلي +أرى القلبَ معزافاً شجياً رنينُهُ إِذا اقترنت فيه الطهارةُ بالنُّبل +وإن حركت فيه الخلاعةُ نصلَها تقطَّعتِ الأوتارُ من حدّةِ النّصل +أراكِ تُصلّينَ المساءَ وللدُّجى سكونٌ بهِ أجلو الفؤادَ وأستجلي +فأؤمِنُ بالربِّ الذي تَعبدينهُ وأرجعُ مستاءً من الكفرِ والجهل +قفي نتبادل نظرةً وابتسامةً فنهزأ بالدّهرِ المفرّقِ للشّملِ +ونذكر أيامَ الصبابةِ والصِّبا وما بتُّ ألقى في الترحُّلِ والحلِّ +ونجمع قبلاتٍ بها قد سمحتِ أو تسمّحتِ ما بينَ التمنُّعِ والبذلِ +وغني بتلحينٍ كتغريدِ بُلبلٍ فنلهو عن الدنيا المحبةِ للنذل +فأمّك تحتَ الدّوحِ تغزلُ قطنَها وإنَّ أباكِ الشيخَ سار الى الحقل +وما أنسَ مِ الأشياءِ لا ��نسَ ليلةً على الجانبِ الشرقيّ من ذلكَ الرمل +تناثرَ دمعي مثلَ شِعري ومُهجتي على سَمرٍ بينَ القرنفلِ والفلّ +وكانَ شبابي عقدَ زَهرٍ نظمتُه فنثَّرتِ الأحزانُ زَهري على الحبل +عِديني وفيني أو عِديني ولا تفي فأجملُ ما في الحبِّ تعليلةُ المطل +فما الحسنُ إِلا أن تصوني حياءَه وما الحبُّ إِلا أن تصونيه بالبخل +فزنبقةُ الباقاتِ تذبلُ عاجلاً وزنبقةُ الغَيضاتِ تَذوي على مهل +دعي القلبَ من عينيكِ يجمعُ زادَه فما هو إِلا متحفُ الأعينِ النجل +تجمَّعَ فيهِ نورُها وذبولها فلم يُبدِ إِلا ما لهذينِ من فعل +وما هو إِلا الغصنُ ريانَ مُزهراً وما هو إِلا السيفُ يُرهفُ بالصّقل +أأرحلُ عن مغناكِ غيرَ مزوَّدٍ إِلى البلدِ المزدان بالآسِ والنخل +ستبكينَ أياماً على قلبِ راحلٍ تعوَّد ألا يطلبَ المالَ بالذلّ +فإن هاجَك الذكرُ المؤرّقُ فانظري إلى نجمةٍ زهراءَ تبدو على التلّ +أراعتكِ مني صفرةٌ هي زينتي نعم أنا في غلٍّ ولن يشتفي غلّي +فجسمي كغصنٍ أيبسَ البَردُ زهرَهُ وقلبي كسيفٍ في المعاركِ منفلِّ +حَديثي طويلٌ فاسمعي الآنَ بعضَه وإن تلمُسي عقدَ العواطف ينحلّ +أقولُ إذا ما الليلُ هاجَ عواطفي بلا وطنٍ أقضي الحياةَ ولا أهل +هناكَ وراءَ البحرِ أمٌّ حزينةٌ تُكابدُ آلامَ الشَّهيداتِ من أجلي +سأحملُ عبءَ العيشِ رفقاً بقلبها فأُحسَبُ من أهلِ الفضيلةِ والفضل +أبيتُ أناجي طيفَها قائلاً لها روديدَكِ إني كالأُلى فعلوا فِعلي +فما شعرُهم إِلا انفجارُ شعورِهم فقوَّى على البلوى وروَّى على القحل +وأبياتُه ما بينَ لؤم وقسوةٍ أشعةُ بدرٍ في الدُّجى وعلى الوحل +لقد مات دَنتي يائساً في جهادهِ وقد مات في المنفى امرؤ القيس من قبلي +وضلّ شتبريان يَبكي ويشتكي فمن روحهِ روحي ومن ظلهِ ظلّي +وكم لجة سوداء كمونس خاضها وعادَ بلا ثوب يقيه ولا نعل +وإني لأدعو كلّ ذي محنة أخي فللشبل حنّاتٌ الى زارةِ الشبل +كذلكَ أهلُ الشعر ذابت قلوبُهم فقيلَ لهم أنتم مصابون بالخبل +وقال أحبائي اتخِذ لكَ حرفةً فقلتُ لهم ما أولع الزّهرَ بالنحل +بُليتُ بقلبٍ للمحاسنِ عابدٍ بها غزلٌ والشعرُ يُلهي عن الشغل +فهل نافِعي نصحُ الذين أُحبُّهم وقلبي طروبٌ للجمالِ وللدلّ +فلا هيّجت وجدي من الشعرِ نغمةٌ إذا لم أُلقّب فيهِ بالشاعر الفَحل +ولا حَملتني مهرةٌ عربيةٌ إذا لم يكن صدري يعرَّض للنبل +أبيرُنَ نلتَ الحسنَ والمجدَ والهوى فقل لي لماذا ما رضيت بها قُل لي +فأسمعتَنا في ظلمةِ اليأس صرخةً وفي شعركَ السحار من نفثةِ الصلِّ +رغبتَ عن الدّنيا فبتَّ مفتشاً عن الغايةِ القصوى فما فزتَ بالسؤل +ومتَّ فدى الحريةِ العذبةِ الجنى فيا حبّذا في ظلّ رايتِها قتلي +لك العزُّ يا حسناءُ من وطنيةٍ رجالكِ من تأثيرِها دُمُهم يغلي +إذا مَرّتِ الراياتُ حَيّوا جلالها وقد خفقت في جيشك الحَسَن الشّكل +أغصُّ بريقي باكياً ما شَهدتها وما غصّتِ الساحاتُ بالخَيل والرجل +فأرنو إِلى أرضٍ هناكَ شقيةٍ كأمٍّ أذابت قلبَها لوعةُ الثكل +أزالَ جحيمُ الظالمينَ نعيمَها وفارقَها الخَصبُ المجاورُ للعدل +فيقطرُ قلبي من مصائِبها دماً وأبكي على شعبٍ أخفَّ من الطفل +على مثل تلكَ الحالِ لا يصبرُ الفتى إذا كان طَلّابَ العُلى طيَّبَ الأصل +سَأتبعُ ظلَّ الموتِ بينَ الكتائبِ لعلَّ شفاءً من شِفارِ القواضِبِ +فَبيرُنُ في اليونان حيّاهُ باسماً وقبَّلَ بنتَ المجدِ بين الحواجب +قضى وعذارى الشِّعر يندُبنَ حوله فيا حبَّذا دمعُ العذارى النوادب +لئن كنتُ محروماً من الحبَّ والغِنى كفاني من الأمجادِ فخرُ المحارب +سُعادُ قِفي نجلُ السيوفَ لثأرِنا وراحةِ أرواحِ الجدودِ الغواضب +فيضرِبُ هذا الشعبُ حتى يَرى الهدى ويرجعُ بسّاما لذكرى المضارب +شَكَوتُ الضَّنى بعد الجهادِ فقلتِ لي تعوَّدَ هذا الجسمُ حملَ المتاعب +هبي الجسمَ يا حسناءُ سيفاً مهنّداً أما فلَّ حدَّ السيفِ ضربُ المناكب +فربَّ جوادٍ لم يقم بعد كبوةٍ وليثٍ أهانتهُ صِغارُ الثعالب +فما أنا إِلا النسرُ يحملُ سهمَهُ ويضربُ قلباً دامياً بالمخالب +ستخلدُ أشعاري وتبلى محاسني ويشفي خُصومي غلَّهم بالمثالب +فقولي لهم ماتَ الذي كان خيركم ولم تعلموا ما بينَ تلكَ الجوانب +أرى الأهلَ والأحبابَ يمشونَ مَوكباً وأمشي وحيداً بين زَهرِ المواكب +وأفقدُ صحبي واحداً بعد واحدٍ وأبكي عليهم في بلادِ الأجانب +فمنهم إلى البَلوى ومنهم إلى الثّرى وَطرفي وقلبي بينَ ذاوٍ وذائب +فشيَّعتهُم حتى المقابرِ باكياً وودّعتُهم ولهانَ عندَ المراكب +فيا وَحشَةَ المنفى ويا ظُلمةَ الثَّرى وراءَكما نورٌ يَلوحُ لراقب +مساكينُ أَصحابي الكرامِ فقَدتُهم ولم يَبقَ إلا كلُّ أحمقَ عائب +يمرّون أطيافاً فأسمعُ هَمسَهُم وأمشي على ماضٍ كثيرِ الخرائب +وأَذكُرهم تحت الدُّجى ونفوسُهم تطيرُ على الأرواحِ من كلِّ جانب +لقد أغمضوا أجفانهم ولحاظُها تُنيرُ ظلامَ القلبِ بينَ المصائب +وإني ليوهيني تقَسُّمُ أُمّتي بأديانِها والشرُّ بينَ المذاهب +متى يَنتهي كهّانُنا وشيوخُنا فَنَنخلصَ من حيّاتِهم والعقارب +شقينا لنُعماهم وراحتِهم فهم يسوقوننا كالعِيسِ نحو المعاطب +يقولونَ صلّوا واصبروا وتقشَّفوا وتوبوا وصُوموا واثبتوا في التجارب +وهم بينَ عوّادٍ وزقٍّ وقينةٍ لها عَبَثاتٌ باللحى والشوارب +يجوعُ ويَعرى في الكهوفِ فقيرُنا ويَشقى ويَبكي صابراً غيرَ عاتب +وقد أكثروا ديباجهم ودجاجَهم وقالوا لشعبِ اللهِ عش بالعجائب +وإن خَرجوا يويماً للهوٍ ونزهةٍ تجرُّ جيادُ الخيلِ أغلى المراكب +فكم أكلوا القربانَ بعد فظيعةٍ وكم جحدوا الإيمانَ عندَ المكاسب +خلاصي وما أغلاهُ لستُ أُريدُهُ إذا كان من خوري وقسٍّ وراهب +متى يَهزمُ الغربانَ نسرٌ محلِّق وتبطشُ آسادُ الشّرى بالثعالب +تنوَّعتِ الأديانُ والحقُّ واحدٌ فنَال بها الكهّانُ كلَّ الرغائب +فما الدينُ إلا نسخةٌ بعد نسخةٍ تُزَخرفُها للناسِ أهواءُ كاتب +وأكثرُهُ وَهمٌ يضلِّلُنا بهِ مجاذيبُ أغراهم بريقُ الحباحب +أضاع القوى تسليمُنا واتكالُنا فكم خابَ من باكٍ وشاكٍ وطالب +فمزِّق بنورِ العَقلِ ظلمةَ خِدعةِ وقطِّع حبالاً وُصلُها للمآرب +ففي هذه الدُّنيا جحيمٌ وجنّةٌ لكلٍّ وبعدَ الموتِ راحةُ لاغب +وإني رأيتُ الخيرَ والشرَّ فطرةً بلا رغبةٍ أو رهبةٍ من مُعاقب +فكم ديّنٍ يزني ويقتلُ سارقاً ولا يختَشي سُخطَ الإلهِ المحاسب +أَتينا معَ الأقدارِ والرزقُ حيلةٌ وحظٌّ تعامى عن جزاءٍ مُناسب +فهل حُرِمَ الأشرارُ خيراً ونعمةً وهل وُهِبَ الأخيارُ أسمى المطالب +فكم لي إذا أسعَى إلى خيرِ غايةٍ ندامةَ مَغبونٍ وحسرة خائب +أهذا جزاءُ الخيرِ يُقتلُ مُحسِنٌ ويُصقلُ متنُ السيفِ في كفِّ ضارب +أأضحكُ من نفسي وأرضى بغبنِها وقد شاقها علمُ الحكميمِ المراقب +دَعي الوهمَ يا نَفسي وعيشي طليقةً بلا خبثِ شرِّيرٍ ولا خوفِ تائب +وبشِّي لذكرِ الموتِ فالموتُ راحةٌ ولا تؤمني من بعده بالعواقب +لكِ الجوُّ يا نفسي وجسمي له الثَّرى فلا تَقبَلي يوماً شهادةَ غائب +فديتُك يا أُمّي الحقيقةَ مزِّقي بنورِ الهدى والعَقلِ سِترَ الغَياهب +ولا تدعي الإخوانَ في أرضِهم عدىً بما زيَّنَت أهواءُ غاوٍ وكاذب +أنيري أَنيري الأرضَ واهدي شُعوبَها إِلى مشعبٍ فيهِ التقاءُ المشاعب +سلامٌ على روحِ المعريِّ إِنها أنارت وغارت شعلةً في الكواكب +فلو كان عندَ النّاس عدلٌ وحكمةٌ لما ضاعَ في الدَّيجورِ نورُ الثَّواقب +بناتِ بلادي القارئاتِ قصائدي فتاكُنَّ هذا ضاعَ بين الغرائب +أُخاطِبُ منكنَّ الشّواعرَ بالهوى وأعرضُ عن هزلِ اللّواهي اللّواعب +فَطيَّبنَ نفساً صوتُها في كُروبها كبرقٍ ورعدٍ بين سودِ السحائب +وهَبنَ لِشعري دمعةً وابتسامةً هما سلوةٌ للصبّ عندَ النوائب +ألا يستحقُّ القلبُ منكنَّ عطفةً وقد ذابَ وجداً فوقَ تِلكَ الذوائب +وناحَ على تِلكَ المعاطفِ بلبُلاً وفاحَ عبيراً من بياضِ الترائب +تزوّدنَ طيباً في الربيعِ ونضرةً وجمِّعنَ حبّاً في الليالي الذّواهب +ونوِّلنَني التقبيلَ والضمَّ خلسةً ونعّمنني في شقوتي بالأطايب +ومتِّعنَ كفِّي من كنوزٍ ثمينةٍ تكونُ سِلاحي في الرَّزايا الغوالب +وغرِّدنَ تغريدَ العصافيرِ في الحمى لتخفينَ في الظلماءِ صَيحاتِ ناعب +على الحبِّ لا تخشينَ لوماً ونقمةً ففي الحبِّ تسهيلٌ لكلِّ المصاعب +أَنَهارَنا في غابِ كَسكاتينا من لي بنزعِكَ من حَشى ماضينا +لما جَنَحتَ أمامَ أجنِحةِ الدُّجى كنّا بلذّاتِ الهوى لاهينا +فسرقتَ منّا زَفرتينِ وقبلةً وتركتَنا في الظلِّ مُعتنقينا +ودَّعتَنا بأشعةٍ مُصفرَّةٍ قد صفَّرت لي وجنةً وجبينا +سرعانَ ما مرَّت دقائقُكَ التي كانت حقائقَ تنجلي ويَقينا +أجبالَ تَيجوكا عليكِ تحيّةٌ فيها دموعُ أحبةٍ نائينا +هذي التحيةُ صيحةٌ أبديَّةٌ في ذلكَ الوادي ترنُّ رنينا +بنتَ النَّعيمِ مع النَّسيمِ هبي لنا في ذا الجحيمِ تحيَّةً تحيينا +إن لاحَ في المرآةِ رسمُ كهولتي في مائكِ الصّافي أَرى العشرينا +لما رأيتُكِ بعدَ تسعة أشهرٍ عادَ الهوى فذكرتُ ألِبرتينا +تلك المليحةُ من فؤادي أخرجت ما عطّرَ الوادي وكان دفينا +كانت كعودٍ في يديَّ وزهرةٍ فنَشقتُ ريّا واسَّمعتُ أَنينا +واليومَ عدتُ إليك بعدَ فراقها أُعطيكِ من قلبي الذي تُعطينا +هَل أنتِ راويةٌ حديثَ غرامِنا إذ بتُّ أمزجُ بالعيونِ عيونا +فأقولُ هذا الحبُّ علَّمني التُّقى فكأنّه آياتُ أفلاطونا +أطلقتُ قلبي للهواءِ وللهَوى فتعلّمَ التَّحليقَ والتلحينا +خَفقُ الجناحِ على الرياحِ يشوقُه ولطالما رقَبَ الصَّباحَ حزينا +فلكلِّ عصفورٍ جناحٌ خافقٌ فيه وتغريدٌ له يُبكينا +هلاّ بسمت إذا لثمت قرنفلاً في رَوضِ خَدّكِ جاور النّسرينا +كم لثمة تُغني الفقيرَ وبسمةٍ تهدي الضَّليلَ وتُطلقُ المسجونا +فتقولُ لي أنتَ الصّبا وأنا الشّذا فخُذِ الأريجَ وأعطني التلوينا +دَعني على غُصني النضيرِ وشمَّني وإِلى الأزاهِرِ لا تمدَّ يمينا +ولئن رأيتَ على طريقكَ زهرة فاعقل ولا تكُ عاشقاً مفتونا +ولربما حلَّ الذبولُ بها فقل ما كانَ أشقى قَلبَها المَغبونا +فذبولها من لامسٍ أو قاطفٍ ما أشبه الجانينَ بالجانينا +تيجوكَ يا بنتَ السحائبِ أمّني قلبي فقَلبي يطلبُ التأمينا +وهبي لهُ من عمقِ قلبكِ نفحةً يَنسى بها الأشراك والسكّينا +كم فيكِ عصفوراً ينقِّر آمناً حَبّاً ويملك وكنه وغصونا +وأنا بلا وكرٍ ولا غصنٍ ألا تهِبينَ لي مما لهُ تهِبينا +شمسي معلّقةٌ وليلي مُغلَقٌ ودقايقي طالت عليَّ سنينا +وربيعُ عمري في البعادِ خريفُهُ واحسرتاه لقد فَقَدتُ ثمينا +فأنا من الإهمالِ وَردٌ ذابلٌ لكنَّ عَرفي لم يزل مخزونا +ولكم رأيتُ الشَّوكَ حولي نامياً فرحمتُ بهلولاً غداً مسكينا +هذا نصيبي زَهرتي في كمّها تَذوي وتأميلي يموتُ جنينا +فإذا زرعتُ رأيتُ غَيري حاصداً وإذا سمحتُ له يصيرُ ضنينا +لا خيرَ في الخيرِ الذي يُشقِي الفَتى فَعَن المذلّةِ حرصنا يغنينا +نفسي تحنُّ إلى السكينة بعدَ ما رأت المدائن والقصورَ سُجونا +والناسُ فيها كالوحوشِ فليتَ لي مأوَىً على تِلكَ الصخورِ أمينا +أبداً تُرَفرِفُ لا على أفواههم فكأنهم وُلدوا لها هاوينا +وقلوبُهم مما غدوا عبَّادُه لا تَقبَلُ التأثيرَ والتليينا +عبدوا معادنَ أفسدت أخلاقهم فرأيتُهم غاوينَ مُستَغوينا +كم ذقتُ منهم لوعة فتفطّرت كبدي ولم أرَ في الخطوبِ مُعينا +فَفَتَحتُ جرحي تارةً وضمَدتُه طوراً وسالَ دمي ودمعي حينا +ومحاسني وفضائلي وقصائدي عن صفرةِ الدّينارِ لا يُغنينا +ألأجل قطعة معدن تنتابُها أيدي بَغيَّاتٍ وسكِّيرينا +تتألَّمُ النفسُ التي نجماتُها قد زَيَّنَت فلكَ العلى تزيينا +أجلافُنا اقتسموا الخلاعةَ والغِنى وتسوَّلَ الأشرافُ مضطرّينا +من يُعطِ لا يوهَب ومن يمنَع يَنَل كن مؤمناً بالله واشبع دِينا +وإذا رأيتَ اليأس يحملُ خنجراً لا تعذلِ الزّنديق والمجنونا +الفقرُ أصلُ الشرّ والكفرُ الذي في اليأسِ مزّقَ سترَ علّيّينا +من للفضيلة إن تخرَّ صريعةً وتُجَرَّع الزقُّومَ والغِسلينا +إني رأيتُ اللهَ عنها لاهياً والناس ما بَرحوا لها ناسينا +إنّ العواطفَ كالعواصفِ في الحشى فاسأل عَنِ البحرِ الخضمِّ سفينا +أَمَلٌ على ألم حياتي كلُّها وأرى الذي يُودي بنا يُحيينا +تيجوكَ يا أُمّي الحنون وأمتي فيكِ الطبيعةُ ترحَمُ التَّعِسينا +فلقد رأيتُكِ في الصّباحِ صبيةً للظلّ والأنوارِ تَبتَسمينا +وعليكِ ثوبُ الملكِ أخضرُ مُزهِرٌ وشَّاهُ نورُ الشمسِ لا أيدينا +ومن الغمامِ على المحيّا بُرقُعٌ فعشقتُ فيكِ الحسنَ لا التحسينا +وأعَدتِ لي وأعدتِ لي أُغنيَّةً فيها أرى الفردوسَ والتكوينا +ولقد رأيتُكِ في المساءِ تقيّة عهدَ الصِّبا والحبّ تذَّكرينا +وعليكِ ثوبُ النسكِ تحتَ سوادهِ تخفينَ أسراراً وتنتحبينا +وعلى جبينِك تاجُ نجمٍ ساطعٍ بضيائهِ وبهائهِ يَهدينا +والرّيحُ تزفرُ في خمائلَ غَضّةٍ بزلالِها وظلالِها تشفينا +كم أعبدُ البدرَ المطلَّ على ذُرى تلكَ الجبالِ وأحسدُ الشاهينا +ما ألطفَ النوحاتِ في الدوحاتِ ما أبهاكَ يا شلاّلَ كسكاتينا +مُتَحدِّراً مُتَكَسِّراً مُتنثِّراً في الحوضِ والروضِ الكثيفِ يقينا +وخَريرُهُ وزَفيرُهُ وصفيرُهُ وعبيرُهُ آلامَنا تُنسينا +فكأنه حرسٌ تجمَّعَ حَولنا لكنَّه حرسٌ يَظلُّ أمينا +تيجوكَ في البَلوى جَنَيتِ على فتى ما زالَ حنَّاناً إليكِ حنينا +يشكو مع الشّاكينَ في ليلِ النَّوى ومن الهوى يَبكي معَ الباكينا +تذكَّرتُ ما أبلى الزمانُ وما غيّرْ فقلتُ لنفسي فاتكِ الوطرُ الأكبرْ +تكسَّر سيفي في الجه��دِ وطالما تكسَّر سيفٌ في يدِ البطلِ الأجسر +نفضتُ يدي بعدَ المطامعِ قانعاً فما أصغَر الدنيا لديَّ وما أحقر +وبين الغِنى والفقرِ أضحكُ باكياً وأبكي ضحوكاً والبغاثُ قد استَنسَر +لعمرُكَ ما بعتُ الفضيلةَ بالغِنى فكم عرضٌ يَفنى وقد بَقي الجوهر +فربَّ غنّيٍ فقرهُ في يسارهِ وربَّ فقيرٍ بالمكارمِ قد أيسر +وربَّ بخيلٍ مالُه كوديعةٍ فبتُّ أرى الأغنى على حرصهِ الأفقر +كذا أنتِ يا دنيا غريقٌ وظامئٌ فذو فاقةٍ يَشقى وذو نعمةٍ يبطر +فكم فاضلٍ عزّت عليهِ رغيفُهُ وأحمقَ يَبغي أو يقامرُ أو يسكر +وكم ذاتِ أطفالٍ على العري والطَّوى تعيشُ لئلا تفقدَ الشَّرفَ الأطهر +وكم قينةٍ في حليها وحريرِها منعَّمةٍ تمشي على الخزِّ والمرمر +وإنّ رغيفَ الخبزِ أصعبُ خلسهُ من الثروةِ الكبرى فكن سارقاً أمهر +فلا قدرٌ أعمى ولا ربَّ منصفٌ ولكنّه السرُّ الذي عَقلنا حيَّر +إذاً فنعلل بالفناءِ وجودَنا ولا نكُ أشراراً لنغنم أو نظفر +فلا كان هذا الكونُ خلقاً وصدفةً لأنَّ قيامَ الكونِ بالمعدَنِ الأصفَر +وفينا صِراعُ الخيرِ والشرِّ دائمٌ وما زالَ فكرُ الخيرِ من ضِعفِنا يَخسر +بُليتُ بأجلافٍ أضاعوا مواهبي فمن جاهلٍ أغضى ومن حاسدٍ أنكر +فَلسنا رفاقاً في الحياةِ وإنما بُليتُ بأسرٍ بينهم والرّدى أستر +ولولا شقائي ما ظفرتُ بحكمتي فما كان أغلاها عليّ وما أعسر +فيا حبّذا النسيانُ لو كانَ مُمكِناً وإني لناسٍ كلّ ما عيشتي مرَّر +لِأَذكر أحلى ما لقيتُ وإن أكن غريبَ الهوى والدارِ فالأثمنُ الأندر +سلامُ على ليلاتِ لامي وطيبها فتلكَ الليالي في ليالي الأسى تُذكر +تزوَّدَ قلبي من شذاها ونورِها ففيها نسيمُ البحرِ قد حَمَل العنبر +هنالكَ حيثُ الموجُ للرّملِ يَشتكي ودمُع الهوى يُذرَى ودمع النّدى يُنثر +طربتُ لترنيماتِ حبٍّ شجيّةٍ لها النفسُ تعلو في الشدائد أو تكبر +وقد شاقني زنّارُ نورٍ مسلسل على جونِ ريّو وهو أجملُ ما يُنظر +ويومُ ضبابٍ فيهِ طابَ شرابُنا ونُزهتُنا صبحاً على الشاطىء الأحمر +ومنهُ صعدنا في الهواءِ بمركبٍ علا فَوقَ مهواة إلى قالبِ السكَّر +هو الجبلُ العالي الذي البحرُ تحتَهُ يُكسّرُ أمواجاً على الساحل الأخضر +غمامٌ يعاليهِ حجابُ جلالهِ وإنّ جلال الملكِ يحجُبُ أو يستر +فطوراً يغشّيهِ السحابُ وتارةً يلوحُ محيّاهُ وبرقُعُهُ يُحسَر +تشامخَ جباراً يصعّر خدَّهُ لعصبةِ أقزامٍ وقد تاه واستكبر +فكم دهشة أو صبوةٍ منهُ للفتى إذا قلبَه والعينَ دَحرجَ أو دَهور +يرى الغابَ والأسواقَ والسهلَ والقُرى رُسوماً كأنَّ الكونَ في عينهِ يصغر +وإني لتوّاقٌ إلى كلّ عزَّة وكلّ اقتدار إذ أرى الأفضلَ الأقدر +أُحبُّ مساءً جاءَ يُرخي على الوَرى من الأفقِ الوردي برقعَهُ الأكدر +على مَهَلٍ يَسري ونَفسي كطائرٍ تغرّدُ لما ضيَّعَ الوكرَ واستَنكر +وفي القبّةِ الزرقاءِ فوقَ ظلامهِ من النَّجمِ إكليلٌ على رأسه يُضفر +وللغاب والوادي الخشوعَينِ تحتَهُ زفيرٌ وهمسٌ عنهما الشّعرُ قد قصّر +وأشتاقُ فجراً لاحَ بعدَ تَسهُّدٍ كما لاحَ يجلو بأسَنا الأملُ الأنور +يُنقّشُ بالأنوار نُمْرُقَةَ الدُّجى ويبكي على الأزهارِ والنّجمُ قد غوّر +فتستيقظُ الأحياءُ بعدَ رقادِها وما كان يُطوى من محاسِنها يُنشَر +وكلٌّ يحيّي باسماً متنفساً وما الحيُّ إلا ميِّتٌ في الدُّجى يُقبر +غَنيتُ بمغنى ذاتِ عزٍّ ورفعة�� ولولا هواها لم يَلُح كوكبي الأزهر +تفتّحَ قلبي إذ تفتَّحَ ثَغرُها على بابِ روضٍ كلُّ ريحانهِ أزهر +ولما تلاقينا على حين غفلة وقد مرَّ بي شهرانِ في الحبّ أو أكثر +حنيتُ لها رأسي فردّت تحيّتي وقالت ألا تخشى أبي القائد الأظفر +على كل باب من حديقةِ قصرنا رقيبٌ يُذيعُ السرَّ أو حارسٌ يَسهَر +فزُرنا لماماً تحت ظلّ وظلمة وعُد مُسرعاً فالصّبحُ سرعانَ ما أسفَر +فقلتُ لها لا أرهَبُ الحرسَ الذي على بابِ هذا القصر أسيافه تُشهَر +أُحبُّ جمالاً بالجلال محجَّباً بأبيض يُحمى بينَ أهليه أو أسمر +بسيدةٍ في قومها هام سيدٌ يرَى أكبرَ الأخطارِ في حبّها أصغر +فلو لم تكوني ربّةَ القومِ لم أدَع فؤادي يُعنَّى في الهوى ودَمي يُهدر +وإني أرى الأقدار طوعَ إرادتي إذا زرتُ مولاتي على صَهوةِ الأشقَر +ليالي النّوى حتّامَ ترخينَ برقعا لينتابني ذكرُ الأحبَّةِ أفجعا +فتنظمنَ من دمعي عقوداً ثمينةً يُعَدُّ لها شِعري من الخلدِ مَوضِعا +أنارت دجاكنَّ المدامعُ فاهتَدى إِلى الصبرِ قلبٌ لن يملَّ ويجزعا +ولما رأيتُ اليأسَ يحملُ خنجراً حكمتُ عليهِ أن يظلَّ مدرَّعا +فما الكوكبُ السيّارُ إن ذرَّ مُشرقاً بأجملِ منهُ في دُجَى الخَطبِ مطلعا +خمائلكنَّ الزافراتُ سمعنَني أنوحُ وأهوى إن يَنُحنَ وأسمعا +وموجاتكنَّ الهادراتُ رأينني أُشير إلى النّجمِ البعيدِ مودّعا +وأنفاسكن العاطراتُ حملنَ لي زفيراً وشعراً من شذا المسكِ أضوعا +ذكرتُ الليالي السالفاتِ فلُحنَ لي يُزَحزحنَ عن وجهِ السّعادةِ برقعا +ومثَّلنَ لي طيفَ الفتوَّةِ باسماً يمدُّ لضمّاتِ المعاطفِ أذرعا +نعم كنتُ فتاناً لكلِّ خريدةٍ وكانَ فؤادي للمحاسنِ مَرتعا +تولّينَ بيضاً باسماتٍ لبهجتي وجئتنَّ سوداً لا تنوِّلنَ مطمعا +فيا حبّذا تِلكَ الليالي وطيبُها وهيهاتِ أن تصغي إليّ وترجعا +أُحاولُ فيكنَّ التناسي لأنني رأيتُ التناسي للمحبّينَ أنفعا +ولكنَّ تذكاراً مذيباً لِمهجتي يمرُّ فأبقى منه ولهانَ مولعا +أيا ليلةً بينَ الليالي عَشِقتُها أسرِّي إِلى قلبي كلاماً مشجِّعا +تمرّينَ بيضاءَ الوشاحِ خفيفةً تجعِّدُ منكِ الريحُ بُرداً ومقنعا +وتزفرُ للأطيابِ نفّاثةً كما سَمعتِ لأنفاسِ المشوقِ تقطعا +إذا زرتِ هاتيكَ الربوعَ وأهلها تهزّينَ من بيضِ الأمانيّ مَضجعا +هنالكَ أمٌّ تذرفُ الدّمعَ فاعبري برفقٍ لتَسلوني قليلاً وتهجعا +وأوصي كذا من جانبِ الشّرقِ نجمةً تقولُ لها لا بدَّ أن نتَجَمَّعا +وإني لاستَحلي جبينَك شاحباً وشَعرك مُرخىً بالنجومِ مرصّعا +وأصبو إِلى حفّاتِ أذيالكِ التي عَليها جَرى دَمعي ودمعُ النّدى معا +وفي ذلك الروضِ الكثيفِ بحيرةٌ نثرتُ عَليها عقدَكِ المتقطّعا +كحباتِه ضاءت عيونُ أحبتي بقَلبي فكانت منه أغلى وأسطعا +بدمعِ النّدى هَل تذكرينَ مواقفي هنالك أرعى بَدرَكِ المتطلعا +يلوحُ ويخفى كالسعادةِ هازلاً خجولاً بشفَّافِ الغمامِ مُلفَّعا +أرى بسماتِ الصبحِ تبدو على الرُّبى فهل حانَ أن أحني جبيني مودّعا +حنانيكِ مهلاً لا تمّري سريعةً فإنّ مِنَ الإسراعِ للصبِّ مَصرعا +خُذي لكِ شيئاً من زَفيري ومَدمعي وأبقيه ذكراً بينَ نهدَيكِ مُودَعا +وهاتي لقلبي من خمارِك نفسةً لعلَّ له منها شفاءً ومقنعا +قِفي نتَشاكى بينَ ماءٍ وخضرةٍ فلا يتباكى من بكى متوجِّعا +فنذكر منسيّاً وننضرُ ذابلاً وننشرُ مطويّاً و��مطرُ مربعا +سنونَ ثلاثٌ من شبابي تصرّمت وما تَشتهيه النفسُ يهربُ مُسرعا +عريتُ كما يعرى من الرّيشِ طائرٌ فأصبحَ شِعري للنواحِ مُرَجِّعا +بما جدتِ لي من بهجةٍ وسكينةٍ تذيبانِ قلبي لذةً وتخشُّعا +لئن جاءَ بعدي عاشقٌ يذكرُ الهوى ويشكو نوىً فيها الشبيبة ضَيّعا +ويُلقي جبيناً في ذراعَيكِ مُثقَلاً فقولي له ذيّاكَ لم يُبقِ مَنزعا +كثيرون ناحوا مثلهُ وتألّموا فلم أرَ صبّاً منهُ أصبَى وأوجعا +سأجعل نجمي ساطعاً فوقَ رَمسِهِ فقد كان ذا نفسٍ من النَّجمِ أرفعا +سَلِ الشواطئَ ما أبقَينَ من جَسَدي وما عليهنَّ من دَمعي ومن كمدي +ضيَّعنَ قَدري وأيامي ومَعرِفتي في غربةٍ فَلذَت أحزانُها كَبدي +يخدَعنَ نفسي بآمال مُزَخرفةٍ حتى أرى الحظَّ في أبوابهِ الجددِ +تلكَ الأمانيُّ أزهارٌ بلا ثمرٍ قد عاجَلَتها الغيومُ السودُ بالبرَد +الدّهرُ لما طلبتُ المجدَ عاكَسني فقالَ عني عدوّي غير مُجتهد +والحظُّ لما طلبتُ المالَ أرجعني صفرَ اليدينِ إذا فَتّشتُ لم أجد +لمثلِ هذا بكى الأحرارُ وانفلقَت قلوبُهم تحتَ ضربِ الهمّ والنَّكد +يا شامتينَ بنفسٍ لم تنل أرباً حذارِ منها فهذي نومةُ الأسد +لي من مطامِعها بحرٌ يهدِّدُكم بالرّيح والغيمِ والأمواجِ والزّبد +إني لأحملُها في الصَّدرِ صاعقةً حتى إذا انفجرت طارت من الجسد +بالأمسِ قد كان لي قلبٌ يذوبُ جوىً حتى يُلبّيه جفنٌ بالدموعِ ندي +في اليأسِ قلبي وجفني اليومَ قد يَبسا فلستُ أبكي ولا أحنو على أحد +رفقاً بقلبٍ وجفنٍ قد أذَبتَهُما هي الجواهرُ فاحفَظها إِلى أمد +لا تَبذلِ الدّمعَ إن الدمع في نظري خلاصة النفس لم تنقص ولم تزد +إذا رأى الناس دمعاً صادقاً ضحكوا وإن رأوا ضَحِكاً ماتوا من الحسد +فكن لخيركَ منهم ضاحكاً ولهم وإن تشَهَّيتَ ذَرفَ الدّمعِ فانفرد +يا هازئاً بدموعي لا تغنِّ إذا رأيَتَني باكياً بل عزّ وافتقد +للموتِ والحزنِ حقُّ الاحترامِ فلا تجرح بصوتِكَ قلبَ التاعسِ الكمد +إني لتقتُلني الذكرى إذا خطرت في ليلةِ العيدِ أو في ليلة الأحد +أرى المدينة سكرى في غِوايتِها ولاَ صديقٌ يؤاسيني ببَسطِ يد +ما أكذب الناس في التقوى وأخبثهم فهم مراؤون كالذؤبان والعُبُد +العيدُ بالسكر والفحشاء يُطمعهم فحوّلِ الوجهَ عن سادومَ وابتعد +ودع لهم دينهم ألعوبة فإذا حاسَنتَهم قابلوا الإحسانَ بالحرد +مِثلَ القرودِ تراهم في معابدِهم فاسخَر بجمعٍ لدى الأوثانِ مُحتَشِد +وفي الحوانيتِ تجديفٌ وعربدةٌ بعد الصلاة فحاذر هزَّةَ الوتد +إذا رأوا جائعاً داسوهُ وانصرفوا وللبغايا عاطاياهم بلا عَدَد +فهم كلابٌ بهم من حرصهم كَلَبٌ ولن يكونوا على حقٍّ ولا رشد +أما الشعوبُ فقد خالطتُ أكثرها فكم تجولتُ في حيٍّ وفي بلد +الشَّرعُ في عرفها حبرٌ على ورقِ والحقُّ للمالِ والأعوانِ والسند +لا ترفقنَّ بإنسانيّةٍ فَسدَت لا خيرَ من فاسدٍ فيها ومنفسد +كم من شهيدٍ لها منا وتضحيةٍ والرافقونَ بها قَتلى بلا قود +ليت الشعورَ الذي في القَلبِ فارقني إلى الذين يرون الهمَّ في المعد +فيُبصرونَ شقاءَ العيشِ من كثبٍ ويَصحبونَ خَيالاً غيرَ مبتعد +لقد سئمتُ جهاداً لا انتصارَ بهِ وما أتى الدّهرُ أهلَ الفَضلِ بالمَدد +إني على الصّدقِ مذمومٌ ومتَّهَمٌ والشرُّ يُحمَدُ حَيثُ الخيرُ لم يُفِد +رأيتُ من يطلبُ الإصلاحَ مضطهداً فزعزعَ الشكُّ إيماني ومُعتقدي +إنّ السماء على المسكينِ ضيقةٌ رحيبةٌ لِذَوي الأموالِ والعدد +إذا نظرتَ إليها خِلتَها انقلَبَت إِلى نحاسٍ على النِّيرانِ متَّقد +إن كانَ ثم إلهٌ نحنُ صورتُه فليرفقنَّ بأهلِ البؤس والجلدِ +للطيرِ حَبٌّ وأوكارٌ وأفرخةٌ أليسَ للمرءِ ما للطائر الغرد +في ذمّةِ الحبّ أعلاقٌ مقدّسةٌ وقّت فؤادي وقوّتني على الشدد +أرنو إليها فأسلو كلّما خَطَرت ذكرى تلوحُ كنورِ الصّبح في خلدي +ما حالُ نسرٍ وَهى منهُ الجناحُ يَرى كلَّ العصافيرِ ورّاداً ولم يَرد +ليتَ السفائنَ لم تبلغ شواطئنا أو ليتَها أرجَعت صباً على جهد +يا أمّ والموجُ هدّارٌ يؤرقني والريحُ زفّارةٌ خفّاقةُ البرد +وليلةُ الشوقِ تسري مثلَ أرملةٍ محلولةِ الشّعرِ منواحٍ إِلى الأبد +ماذا تقولينَ أو ماذا أقولُ إذا عادَ البنونَ إِلى المأوى ولم أعُد +لهفي على ولدٍ يَقضي الحياةَ بلا أمٍّ ولهفي على أمٍّ بلا ولد +أتطمَعُ كالضلّيلِ بالوطرِ العالي وأنتَ قليلُ الحظّ والصبرِ والمال +سَتَقضي غريباً مِثله ودَعِ المُنى بصَيحةِ مغبونٍ كزأرةِ رِئبال +لقد ضلَّ من يَرجو الثريّا على الثَّرى ويطلبُ برد الماء من وهج الآل +دَعوني فما النّسرُ الكسيرُ جناحُه بناسٍ ذرى تِلكَ الجبالِ ولا سال +حياتي كحربٍ كلَّ يومٍ أخوضُها فَهَل راحةٌ تُرجى لركَّابِ أهوال +عَذرتُ فَتى يَسعى إلى المجدِ سَعيَه ويَسقُطُ في الهَيجاءِ سقطة أبطال +وقد ضمّ منها كلَّ أبيضَ مَرهفٍ وعانقَ فيها كلَّ أسمَرَ عسّال +فما المجدُ إِلا أن يريكَ جروحَه إذا كشَفَ الأثوابَ عن جسمهِ البالي +وما الجسمُ إلا قَيدُ نفسٍ كبيرةٍ فيا حبّذا الموتُ المقطّعُ أغلالي +لئن بَقيت نَفسي تُنيرُ كنجعةٍ فما همّني جسمي ولا همّني مالي +فإني لجسمي كنتُ أوَّلَ مُتلِفٍ وإني لمالي كنتُ أوَّلَ بَذّال +سَتَبكي عذارى الشِّعرِ والمجدِ والهوى على عربيٍّ للكريهةِ نزّال +أطرفَةَ في العشرين فاجأك الرّدى ويا ابن زُريقٍ متَّ من طولِ إهمال +لقد متّما في مثلِ عمري فعشتُما بتخليدِ ذكرٍ لا يُبالي بأجيال +وأبقيتما شعراً يُردِّدُه الوَرى ألا أيُّ قلبٍ من محاسنهِ خال +نحسَّبُ فتياناً وتحني ظهورَنا همومٌ وأحزانٌ كأثقلِ أحمال +وُلدنا لنَشقى هكذا كلٌّ عاقلٍ يعيشُ لتُشقيه سعادةُ جهّال +كما يَنحني غصنٌ لكثرةِ حملهِ ويشمخُ غصنٌ مورقٌ غير حمّال +وعيّرني بالفقرِ أحمقُ موسرٌ فكرّهني جوداً يسبّبُ إقلالي +لئن كان ريحُ الشّحمِ يملأ ثوبَه فإنّ عبيرَ المجد يملأ سربالي +أرى التبرَ والسامورَ في الفحمِ والثَّرى كقَلبٍ شريف خافقٍ تحتَ أسمال +فكم عثراتٍ للكرامِ جَبرتُها وكم من جميلٍ للّئامِ وإجمال +فوا أسفي لو كنتُ للمالِ مبقياً لما مزّقت عرضي براثنُ أنذال +لعمركَ إنّ العدمَ ما زالَ مُزرِياً بأعظمِ قوّالٍ وأعظمِ فعّال +ألا فَلتمُت بالثكلِ كلُّ فضيلةٍ لأن الوَرى وارَى الفضيلةَ في المال +وأقتلُ ما ألقى من البينِ أنَّ لي هنالِك أُماً ضائعٌ دمعُها الغالي +أمامَ نجومِ الليلِ تضربُ صَدرَها وللموجِ في الظلماءِ رنّاتُ إعوال +أتبكي لأجلي بنتُ أشرفِ قومها وتضحكُ منى في النّوى بنتُ بقّال +وتفقدُ أختٌ ذاتُ عزِّ وبهجةِ أخاً مثلَ مهرٍ طيِّبِ الأصل صَهّال +وتخطرُ بنتُ الوَغدِ في ثوبِ مخملٍ ويمشي أخوها ضاحكاً ناعمَ البال +تأمّلتُ في هذي الأمورِ جميعها فألفَيتُ دَهري هازلاً مثلَ دجَّال +فجدّفَ قلبي يائساً متألِّماً وفاضت دموعُ الكبرِ تُغرقُ إذلالي +أبنتَ بلادي إنني ذاهبٌ غداً إلى القبر كي ألقي عظامي وأثقالي +لقد كنتُ عزّاماً فأصبحتُ عاجزاً وما الطَّيرُ في بردِ الشتاء برحّال +قفي أتزوّد من محيّاكِ إنه يُذكّرني أهلي وأرضي وآمالي +محيّاً عليهِ من ليالي جبالنا سكونٌ ونورٌ اشتهي أن يعودا لي +وصَوتُكِ خلاّبٌ كنوحاتِ موجنا على الشاطىءِ المسقيِّ من دمعِ ترحال +وَعينكِ فيها شمسُ سوريَّة التي أموتُ ولم تخطر سواها على بالي +لها العيش أرجو بعد موتي فطالما رأيتُ من الأيام تقليبَ أحوال +أديري إليها جبهتي فاصفرارُها بقيةُ أنوارٍ من الزّمنِ الخالي +فيخققُ هذا القلبُ آخرَ خَفقةٍ بما فيهِ من وَجدٍ على هذهِ الحال +وألقي على صَدري رداء سياحتي لأذكرَ أسفاري عليهِ وأوجالي +لقد مزّقتهُ العاصفاتُ وبلّلت حواشيهِ أمواجٌ تفحُّ كأصلال +وبالآس والغارِ النضيرينِ كلِّلي جبيني جزاءً لي على حُسنِ أعمالي +وبيتين من شعرِ امرئ القيس أنشِدي فمِثلي تُعزّيهِ قصائدُ جلّال +ويشتاقُ تطريبَ الحماسةِ والهوى ويهوى من الغاداتِ حفّاتِ أذيال +ومن يدِ رافائيلَ أجملَ صورةٍ ومن يدِ ميكالنجَ أكملَ تمثال +وأجري دموعاً من جفون عشقتُها فدمعُ الصّبايا لا يضيعُ بأمثالي +بكيتِ لباكٍ واشتكيتِ لشاكِ فما كانَ أحلى مُقلتيكِ وفاكِ +سمعتِ نشيدي للجمالِ وللهوى فلبّيتِ هذا القلبَ حينَ دعاك +فأنتِ كنورِ اللوزِ للنّورِ باسماً ودَمعي ودَمعُ العاشقينَ نَداك +لقد ظلَّلت روحي محيّاكِ عِندما نثرتِ على الأتراب ورد مُحَيَّاك +وبينَ ذواتِ الحسنِ كنتِ مليكةً وبينَ ذوي الإحسانِ مثل ملاك +كفاكِ فخاراً أنّني لكِ عاشقٌ ومن كان مِثلي لا يحبُّ سِواك +لكِ العزُّ يا حسناءُ أنتِ سعيدةٌ لأنَّ فؤادي قد هَوى بهواك +ولو لم تكوني ذات أسطع نجمةٍ لما هيَّجَت مافي حشايَ حشاك +فلا تجحدي قلباً وكفّاً كِلاهُما وَفاكِ على رغم العدى ووقاك +بعيشِكِ هل حدّثت أمّكِ عن فتى على مَتن صهّالٍ أغرَّ أتاك +يُجاري جيادَ الخيلِ في الرَّملِ سابقاً ويعرفُ تحتَ الليلِ نورَ خِباك +وما ساءَني إِلا هُيامي بقَينةٍ تُحاوِلُ أن تحكي الذي أنا حاك +فقلتُ لها سيري فلا صلحَ بَيننا فقَلبي صَحا من سِكرِه وقَلاك +أتبكي الكريماتُ الأُصولِ قصائِدي وأنتِ ضحوكٌ من تألُّم شاك +وتسطَعُ في شرقِ البلادِ وغربها نُجومي وتُخفِيها غيومُ سماك +ولولا غُروري لم تنالي التِفاتةً ولا بسمةً منِّي تُنيرُ دُجاك +لقد شفيت نفسي وعادت إلى الهُدى وإنَّ شفاءَ النفسِ منهُ شقاك +كرهتُكِ إذ لولاكِ ما بتُّ يائساً كأني أسيرٌ لم يَفُز بفِكاك +وذلكَ ضعفٌ فيه ضيّعتُ قيمتي وأصبَحتُ مَبهوتاً بدونِ حِراك +نعم ضلَّ قلبي في هَواها وإنما تعزَّيتُ لما أن هداهُ سَناك +مَليكةَ قلبي أنتِ ضلعٌ فقَدتُها فعودي إلى صدرٍ شفاهُ نداك +يداكِ على الأوتارِ مُنعِشتانِ لي كما أنضَرت روضَ الحمى قَدَماك +لكِ الخيرُ قد سلَّيتِ قلبي بنغمةٍ فلو سالَ وجداً ما خَلا وسلاك +أعيدي أعيدي لي غناءً منعَّماً فإنَّ لنفسي راحةً بغناك +صدى صوتِكِ الرنّانِ في أضلُعي دَوى وما الشعرُ إِلا من رنينِ صَداك +بأوَّلِ ميعادٍ وأولِ قبلةٍ وأول ليلٍ فيه طارَ كراك +وقد عصفت مثلَ السُّمومِ مطامِعي وقد سطعت مثلَ النجومِ مُناك +قِفي وَدِّعيني تحتَ أغصانِ كرمةٍ عناقيدُها لماعةٌ كحِلاك +فكم تحتَها دَمعاً وكم ��وقها ندى أجَفَّتهُما شمسُ الضُحى ولماك +حنانيكِ حينا ودَّعيني وأودعي جناني جناناً واسمَحي بجناك +شذا الياسمين انبَثَّ مني فعبِّقي شذا الوردِ كي يَلقى شذايَ شذاك +أيا وردَتي في الوردِ والياسمين ما يعيرُ شتائي من ربيع صِباك +محيّاكِ حيّاني على كلِّ زَهرةٍ وفي كل ريحٍ من أريجِ صَباك +كديكٍ يحيِّي الشّمسَ حيَّيتُ بسمةً تنيرُ بها ليلَ النّوى شفتاك +وكم صحتُ مثلَ الدّيكِ أُوقِظُ أُمتي وأُطلعُ نورَ الشمسِ فوقَ رُباك +دَعيني أسِر مُستَعجِلاً إنّ إخوتي غَدَوا بينَ مبكيٍّ عليهِ وباك +فكم نازحٍ بينَ الأجانبِ ضائعٍ وكم نائحٍ عندَ الخرابِ شَجاك +أجودُ على قومي بنفسي لأنني تعوَّدتُ كالجندي خَوضَ عراك +فيا حبَذا بعدَ الشقاءِ خلاصُهم ولو كان في ذاكَ الخلاصِ هلاكي +إذا لم يكن في الجسمِ جرحٌ ففي الحشى جروحٌ بها يَعلو جبينُ فَتاك +أنا عربيُّ الأصلِ والنّطقِ والهوى فحبي لِلَيلى والمنازلِ زاك +إذا العربيُّ الأبيضُ الكفِّ زارنا أقولُ لها حيِّي أخي وأخاك +سحَراً مَشى الفتيانُ مُبتَسِمينا ووَرَاءَهم أخَواتُهم يَبكينا +قبلَ الفراقِ تحدّثوا بلِحاظِهم ودُمُوعِهم فغَدا الحديثُ شَجونا +وانهلّ طلٌّ فوقَ زهرِ خميلةٍ لما غَدوا باكِينَ مُعتنقينا +فكأنهم في كتمهم لدموعهم يذكونَ جمراً في القلوبِ دَفينا +وكأنهنَّ لفرطِ ما أسبَلنَها صيرَّنَ حباتِ القلوبِ عُيونا +ما كانَ أهولَ موقفِ التَّوديع في أرضٍ تقذّفُ للبحورِ بَنينا +إني أذوبُ علىالعذَارى كلما حنَّت مطوَّقةٌ فصرتُ حنونا +أولئكَ الأخواتُ ريحانٌ لنا لا طِيبَ عن أطيابهِ يُغنينا +فنفوسُنا في بؤسِها ونعيمِها تَشتاقُ مِنهنَّ الرِّضا واللّينا +ولكم ذكرتُ عيونهنَّ ومَدمعاً أجرَينَه يومَ الوداعِ سَخينا +فرأيتُها نوراً ودراً في الحشَى وحفظتُها كَنزاً أعزَّ ثمينا +أخواتُنا حفظَ الزمانُ نضارةً فيكنَّ إن تذكُرْننا حيِّينا +فلقد مشينا لا نخافُ من الرّدى ومن الشَّقاءِ ولم نكن دارينا +فَجَرَت بنا أمواجُ بحرٍ لم تكن يوماً لتَشفِيكنَّ أو تَشفينا +إن السعادةَ خدعةٌ قتَّالةٌ نزَقُ الشَّبابِ بِنَيلِها يُغرينا +فاذكرننا متبسِّماتٍ في الدُّجى فثغورُكنَّ كواكبُ السَّارينا +ولأجلنا صَلّينَ كلَّ عشيَّةٍ وصبيحةٍ فصلاتُكنَّ تقينا +وامدُدنَ أيديكنَّ للبحرِ الذي ذبنا عليه تَنَدُّماً وحَنينا +واغرسنَ أزهاراً على تذكارنا فلعلَّ روحاً بالشَّذا تأتينا +وانثُرنَ منها في الصباحِ على الصَّبا كتناثُرِ الأعلاقِ من أيدينا +أَخواتُنا في دمعكنَّ طهارةٌ قد حرَّكت أسمى العواطفِ فينا +لما تناثرَ في الأسى شعَلاً على ظُلَمٍ رأينا أنجُماً تهدينا +يا حبَّذا أصواتُكنَّ فإنّها ألحانُ تَطريبٍ تشوقُ حَزينا +منها الخَلابةُ في الصَّلابةِ أثَّرت فلها الجلامدُ تعرفُ التَليينا +من دمعكنَّ أخذتُ شعرَ قَصيدتي وحديثُكنَّ أخذتهُ تَلحينا +أخواتِنا المتسهِّداتِ لأجلنا أبما نكابدُ في النَّوى تدرينا +تبكينَ من جذعٍ ومن جلدٍ ثوَت تحت الجفونِ مدامعُ الباكينا +مرَّت بكنّ سنون قد مرَّت بنا سُوداً فذكراها تدومُ سنينا +فيها تناثرَ حبُّنا وشبابُنا حتّى غدا نيسانُها تشرينا +ما كان أشقانا بها وبذكرها فجروحُها قد أعيَتِ الآسينا +أجفانكنَّ تقرَّحت من دَمعِها وتجرّحَت منا الضلوعُ أنينا +أخواتِنا إنَّ الحياةَ قصيرةٌ حَيثُ التَّكاليفُ التي تُضنينا +أبداً نُعلِّلُ بالرّجاءِ نفوسَنا والدّهرُ عن أوطارِنا يُقصينا +ذيَّالِكَ الماضي يَعزُّ رجوعُهُ وأعزّ منه الفوزُ في آتينا +لا فائتٌ يُرجى لدى مُستَقبلٍ يُخشي فبينَ الحالتَينِ شَقينا +فإذا التَقَينا حَيثُ كان وداعُنا نَشكو النَّوى حيناً ونبكي حينا +منّا السَّلامُ على ربوعِ أحبَّةٍ مِنها ومنكنَّ الهوى يُدنينا +أنتُنَّ فيها أنسُها وجمالُها وبكنَّ تجذبُ أنفسَ النائينا +هذا السَّلامُ حواهُ شعرٌ خالدٌ في الأرضِ لا يُفنيه ما يُفنينا +فجبالُنا وسهولُنا وغياضُنا أبداً تُردِّدُ من صداهُ رَنينا +أفيقي فردّي بسمةً وسلاما نسيمُ الحمى في الوردِ شقَّ كماما +ألا طالما بكّرتِ للشّغلِ والتُّقى صلاةٌ وتدبيرٌ كذلكَ داما +أطلِّي فما أحبَبتِهِ لكِ باسمٌ ولم يدرِ أن جاءَ النهارُ خِتاما +خفيفٌ وتغريدٌ وشمسٌ وخضرةٌ وزهرٌ وأفنانٌ تشوقُ رهاما +لقد كنتِ تهوينَ الربيعَ أنيسةً فلا كانَ فصلٌ إذ رَحَلتِ أقاما +أبعد اشتياقِ النورِ والعطرِ والصَّبا تحلّينَ رَمساً ضاقَ عنكِ وضاما +فوا ضيقَ صَدري حين بدّلت فيه من نسيمٍ ونورٍ حبسةً وظلاما +عزيزٌ علينا أن تموتي وفَصلُنا ربيعٌ يُميطُ العيدُ فيه لِثاما +يزادُ معَ العمرِ الحبيبِ محبَّةً وما عرفَ الحبُّ الشريفُ سآما +نقهتِ فأمّلنا شفاءً وصحةً فأعقَبنا ذاكَ الأمانُ حِماما +فما أنتِ للإيناسِ والعطفِ بيننا ولا نحنُ نرجو مُلتقى ولزاما +هنيئاً لأبناءٍ لهم أُمهاتُهم وفي ذمةِ الرحمنِ دمعُ يَتامى +حكَيتُ يتيماً في الكهولةِ ما له قوىً بل رضيعاً لا يُطيقُ فطاما +فلم ينقطع دَمعي وذكركِ ساعةً بدارٍ تَغشَّت ظلمةً وجهاما +وكم لاحَ فيها وَجهكِ الحلُو كوكباً وفاضَ الحديثُ العذبُ منك جماما +فأصغي وأرنو حيثُ كنتِ فلا أرى وأسمعُ ما قلبي استَحبَّ وراما +فيا حبّذا صوتٌ رخيمٌ وطلعةٌ وقورٌ وما للبيتِ كانَ دعاما +حياتُك كانت لي نعيماً وغبطةً وموتُك عادَ الصدرُ منهُ حطاما +فما كان أغناني عن الحبّ والأسى هما عذَّباني منذ كنتُ غُلاما +رفيقينِ كانا فالجوَى يصحبُ الهوى وقد حملا سمّاً لنا ومداما +فلا صبر لي يا أُمّ عنكِ فإن يَكُن لكِ الصّبرُ عنّي قد رضيتُ تماما +كفاكِ الذي عانيتِ ستينَ حجَّةَ فلا داءَ بعدَ اليومِ حلَّ عقاما +سهدتِ طويلاً ثم نمتِ وهكذا شكَوتِ سهاداً فاشتكيتُ مناما +إذن فاستريحي في ضريحٍ مقدَّسٍ تباركَ لما ضمَّ منكِ عظاما +ليهنئكِ يا أمّاه نومُكِ في الضُّحى ترينَ حقولاً أنضرت وأكاما +فميتَتُكِ الحُسنى على النورِ نعمةٌ وحولكِ قد جلَّى الصباحُ قتاما +إلى مَطلعِ الأنوار طِيري خفيفةً فلا أُفقَ في تلك المنازلِ غاما +ولا جسمَ منهوكٌ ولا صدرَ ضيِّقٌ ولا قلبَ مصدوعٌ يعلُّ سماما +لَنحنُ بنو البؤسى على الفقرِ والغِنى وُلِدنا لكي نَلقى الخطوب جساما +همومٌ وأمراضٌ وموتٌ وحسرةٌ فنفرحُ يوماً ثم نحزنُ عاما +تعاودُ تذكاراتُكِ النفسَ كلما نظرتُ إِلى اللآثارِ منك ركاما +أحبُّ الذي أحببتهِ باكياً له وروحُك في رُوحي تُثِيرُ ضِراما +وأُعرِضُ عما فيهِ لهوٌ ولذةٌ ويخشى ضَميري في السلوّ ملاما +بكيتِ لأجلي في الحياةِ وإنَّني أَفيكِ من الدّمع الصفيّ سجاما +وما كنتُ في دَمعي وشعري مكافئاً فأطوادُنا تحني لفَضلِكِ هاما +أنا الولدُ البرُّ الذي قد عَرفتِه يُجِلُّ كريماتٍ وَلدنَ كراما +ألم تَعهديني كلَّ صبحٍ وليلةٍ لديكِ قعوداً أشتهي وقياما +نثرتُ عليكِ الزهرَ والدمعَ والحَشى وأوشكتُ أن أقضي شجىً وهياما +وإني لراضٍ منكِ بالطيفِ والشّذا فلا تحرميني نفحةً ولماما +يرى البعضُ من أهلِ المقابرِ وحشةً ومنكِ أرى لي بهجةً وسلاما +سأحيا بذكراكِ التي هي كلُّها فضائلُ تبقى إن غدوتِ رماما +لئن كان للأرواحِ نجوى صبابةٍ فأشباحُنا لا تستطيعُ كلاما +وفي الصّمتِ ما فيه من الشَّوقِ والجوى حللت نجوماً أو حللتِ رجاما +إذا زرتِني بالرّوحِ يا أُمِّ نبِّهي بهينَمةٍ منّي تهزُّ قواما +كما رقتِ الورقاءُ أو هفَّتِ الصَّبا فأعلمُ أني قد بَلغتُ مراما +وإن لم يكن بعد المماتِ تعاطفٌ رحمتُ هجوداً يَعشقونَ نياما +رأى الناسُ منكِ الخيرَ والحزَم والنُّهى وما وَجَدُوا بينَ المحامدِ ذاما +هي المرأةُ الفُضلى يَقولونَ كلما ذُكِرتِ وقد أعلى الصلاحُ مقاما +وفي ذاكَ فخرٌ لا عزاءٌ فإنّهُ لحمدٌ يمرُّ الذكرُ فيهِ حُساما +سَلَكتِ سبيلَ الصالحاتِ وكنتِ لي معلمةً تَبغي هُدى ونِظاما +فلي خيرُ إرثِ من فضائلَ جمَّةٍ ومن موهباتٍ كنَّ فيكِ عِظاما +لكِ اللهُ يا أُمّاهُ أنتِ شهيدةٌ تهالكُها كانت تراهُ ذماما +فأدمعَ عَينَيها وأدمى فؤادَها شعورٌ كما ترمي القسيُّ سِهاما +أطيّبَةَ الآباءِ والأمَّهاتِ هَل من الطّيبِ إِلا الطّيبُ طبتِ مقاما +ستلقينَ خالاتي الحسانَ فسلّمي على أخواتٍ يَستَطِرنَ حَماما +ذوَيتُنَّ في ظلّ الخدورِ كما ذوَت زنابقُ في ظلِّ الغياضِ أواما +كذا ذبلت قبلَ الأوان ولم يكن لغيرِ نعيمٍ مَيلُها ونعامى +فنعمَ المحباتُ اللواتي إِلى الرَّدى تَوالينَ يحسبنَ الحياةَ حراما +سلامٌ على جسمٍ طَهورٍ منزَّهٍ تهدَّمَ همّاً ثمّ ذابَ سقاما +به حفَّتِ الأملاكُ حياً وميِّتاً على طول ما صلّى وعفَّ وصاما +سلامٌ على قبرٍ غدا طيّبَ الثَّرى سأبكي وأستبكي عليهِ غماما +وأنشقُ منهُ نفحةً ملكيَّةً وألثمُ لحداً فوقَه ورغاما +قَضى الدهرُ أن أهواكَ غير مُمتَّعِ فلم نجتمع يوماً ولم نتودَّعِ +إذا لم يكن لي في السّلام تعلَّةٌ رضيتُ وداعاً منهُ علّةَ مُوجَع +ولكنَّ من يَهوى كثيراً منالُهُ قليلٌ فما أشقى الفَتى بالتولُّع +وهذا نصيبُ الطِّيبينَ فطالما شكوتُ الذي أشكوهُ غيرَ مشفَّع +فأنتَ نَسيبي والقرابةُ بيننا شعورٌ وفهمٌ فاسترح وترفَّع +عهدتُك طَلقَ الوجهِ والكفِّ للألى رَجوكَ فلم تَمنَع ولم تتمنَّع +وكنتَ كريماً عسرُهُ مثلُ يُسرهِ أبى عزَّةً أو عفةً ذلَّ مَطمَع +فما ضاع دمعُ الأهلِ والصحبِ في الأسى وقد كنتَ للأحبابِ غيرَ مضيّع +نُعيتَ فكان الحزنُ للناسِ شاملاً ونَعيُكَ للأحبابِ غيرَ مضيّع +فلا كان يومٌ قيلَ في صُبحهِ قَضى عميدٌ فأنسُ الدّارِ وحشةُ بَلقَع +لقد شهدت أطوادُ لبنانَ هولَهُ فكادت تهي من هيبةٍ وتخشّع +تمثّلَ يومُ الحشرِ فيهِ ونورُهُ ظلامٌ كأنَّ الجوَّ وجهُ مقنَّع +فلم أرَ فرقاً بينَ عرسٍ ومأتم لما كانَ في ذاكَ الحفالِ المجمَّع +فُجِعنا بمن إحسانُه مثلُ حسنهِ وأيُّ محبٍّ عاشَ غيرَ مروّع +وجدنا على روقِ الشّبابِ بدَمعِنا فكان كغيثٍ فوقَ ريانَ مُمرع +وأصعبُ شيءٍ فرقةٌ بعد إلفةٍ فكم مهجةٍ منها تسيلُ بمدمع +فما أوجد الإخوانُ والأخواتُ في مماتِ الذي قد كان بهجةَ أربُع +مَضى وقلوبُ الصَّحبِ حوليه جمةٌ وأدمعُهم ماءٌ على نارِ أضلع +ومن ذا يردُّ الموتَ عنهُ وقد سطا على ك��ِّ ذي عرشٍ وجيشٍ مدرَّع +فلو أنه يفدَى ببعض حياتنا لجدنا له من كل عمر بأربع +ولم نكُ يوماً آسفينَ لأنّنا نُقاسمهُ ما هانَ عند التفجُّع +ويا حبّذا ما كان منه وذِكرُهُ لهُ نفحاتُ الفاغمِ المتضوّع +فأنّى لنا ذيّالِكَ الظرفُ والنَّدى وتِلكَ السَّجايا بعد أهولِ مَصرَع +ولطفُ ابتِسامٍ في عذوبةِ مَنطقٍ وحسنُ كلامٍ في حديثٍ منوَّع +فكيفَ أُعزّي أهلهُ وأنا الذي يُشارِكُهم في حزنِهم غيرَ مدّع +ألا يا أخا الفتيانِ كيفَ تركتَنا فأوحَشتَ منا كلَّ قلبٍ ومَوضع +عزيزٌ علينا أن تواريكَ تربةٌ فتفقدُ منكَ الدارُ أجملَ مطلع +ولو فزتُ قبلَ الموتِ منكَ بنظرةٍ لكانت عزاءً لي على غيرِ مقنع +ولكنَّ نفسي لاعها الموتُ في النَّوى وليست على مرأى حبيبٍ ومسمع +ترنَّحتَ غصناً مزهراً في خَميلةٍ غدا بعد طلِّ الصبحِ يُسقى بأدمع +تناثرَ مِنكَ الزَّهرُ وارتحلَ الشّذا فبعدَكَ لا أرجو ربيعاً لمربع +وكنتَ حبيبَ الكلِّ في علو مجلسٍ فبتَّ فقيدَ الكلَّ في عمقِ مضجع +عزاءً ذوي القُربى فما المرءُ خالدٌ ولو حازَ دَهراً ملكَ كِسرى وتُبّع +تأسّوا بإخوانٍ أُصيبوا بإخوةٍ فما الأرضُ إِلا مرقدٌ بعد مرتع +حتّام يِشفى الفَتى والدَّهرُ يَدفعُهُ وليسَ من ظُلُماتِ الموتِ يُرجعُهُ +يَسعَى إِلى الشّاطئِ المجهُولِ منه ولا يُلقي المراسي على موجٍ يُرَوِّعه +أيا بُحيرَةُ هل بعدَ الحبيبةِ لي سَلوى وذاكَ الهوى باقٍ تفجُّعه +وفيكِ فلذَةُ قلبٍ ذائبٍ وَقعَت بل واقعٌ فيكِ قلبُ الصبِّ أجمعه +أُحبُّ مَوجَكِ حباً للتي وقفَت عليهِ يوماً وقد جاءت تُوَدِّعه +ما كادَ عامٌ يولّي بعد فرقَتِنا حتى رجعتُ وقلبي الشَّوقُ يَدفعه +وجئتُ أجلسُ وحدي حيثُما جَلست يا حبّذا حَجرٌ دَمعي يُرصِّعه +كذا على الصّخر كانَ الموجُ مُنمزِقاً كما تمزَّقُ من مُضناكِ أضلُعه +كذا تَناثرَ في ليلِ الهوى زَبدٌ فكانَ من قَدَمَيها اللّثمُ يُقنعه +هل تذكرينَ مساء فيه نُزهتُنا مرّت سريعاً وأحلى العيشِ أسرَعه +إذ كانَ قارِبنا يَسري ولا نَفَسٌ تحتَ السماءِ وفَوقَ الماءِ نَسمَعه +وللمجاديفِ وَقعٌ فيكِ يُطربنا ولحنُها نغَمُ الأمواجِ يتبعه +إذا رنيمٌ شجيٌّ ليسَ من بشر راعَ الضفافَ التي أمسَت ترجعه +والصّخرُ والموجُ والأغصانُ شاعرةٌ والرّيحُ تخفضهُ طَوراً وترفَعه +فطارَ قلبي وقد أصبَحت من طَرَبي كنائمٍ زخرفُ الأحلامِ يخدعه +أعيناكِ حينا ترنوانِ إلى الزَّهرِ فيصبو إليها القلبُ في ظلمةِ الصّدرِ +عَواطفُ ذيّاكَ الفؤادِ عَرَفتِها تَسيلُ كينبوعٍ وتهدرُ كالبحر +إذا ما سكونُ الليلِ حرَّك ساكني تَشهَّيتُ أشجان التأمُّلِ والذكر +لعمركِ إنَّ الحزنَ يَذهبُ بالصِّبا سَريعاً وإنَّ البردَ يَذهبُ بالزّهر +وإنَّ الليالي المقمراتِ هنا مَضَت وما رَنَّ فيها مرةً وترُ الشّعر +لياليَّ في هذي البلادِ طويلةٌ وكانت ليالي الشّرقِ عاجلةً تسري +هنا لا تقرُّ العينُ بالنورِ إِنما هناكَ الدُّجى أشهى إليَّ من البدر +تولَّت ليالٍ ذكرُها في قلوبنا كما أبقَتِ الأزهارُ شيئاً من العطر +فيا حبّذا التذكارُ وهو عبيرُها فنَنشُقه حيناً وعبرتُنا تجري +ونرنو إذا سرنا إِلى ما وَراءَنا نُودِّع ظعناً خفَّ من أطيبِ العمر +وقد شاقنا مرأى جمالٍ وبهجةٍ وحبٌّ كظلِّ الطيرِ أو زَمَنِ النضر +وآثارُ بؤس أو نعيمٍ تناثرت على سُبُلِ الأيام في العسرِ واليسر +وما هذه الآثارُ إِلا أشعّةٌ من الشّمسِ إذ مرآتها صفحةُ البحر +وأفلاذُ قلبي والدّموعُ تناثرت كريشات عصفورٍ على مَدخلِ الوكر +فديتُكِ يا أرضَ الشآم فمنكِ لي ثراءٌ على فقرٍ وسكرٌ بلا خمر +متى أطأ التّربَ الذي هُو عنبرٌ وأملأ من أراوحِ تلكَ الربى صَدري +وتأمنُ نفسي غربةً أجنبيَّةً ولي بعد إفلاتي التِفاتٌ من الذّعر +فأقضي حياتي بَينَ أهلي وتربُهم أحَبُّ إِلى قلبي الوجيعِ من التبر +فكم قيلَ لي أجِّل رَحيلَكَ يا فتى لئن تَدُخلِ الدّنيا رَمَتك على عسر +فلم أنتصح حتى أذبتُ حَشاشتي وعانيتُ ما عانى الشُّجاعُ من الأسر +لقد كنتُ طماعاً فأصبحت راضياً بأيسرِ شيءٍ إذ غُلِبتُ على أمري +وأنَّى يفوزُ الحرُّ بالمجدِ والغِنى وحوليهِ أصحابُ الخساسةِ والمكر +فلو كنتُ زَهراً كنتُ واللهِ وردةً ولو كنتُ ماءً كنتُ من منبعِ النّهر +ولو كنتُ شهراً كنت أيارَ مُزهراً ولو كنتُ نوراً كنتُ من طلعةِ البدرِ +ولو كنتُ عمراً كنتُ من زَمَن الصِّبا ولو كنتُ نوماً كنتُ من غفوةِ الفجر +فبعدَ غيابي كيفَ حالةُ أهلِنا وكيفَ العذارى الباسماتُ عن الدرِّ +وكيفَ الحِمى والحقلُ والغابُ والرُّبى وكيفَ ليالي النورِ والطيبِ والقَطر +ألا فاذكريني كلَّما خيّمَ الدُّجى وراعكِ في الوادي دويٌّ مِنَ الهدر +ألا فاذكريني كلَّما هبَّت الصَّبا وشاقَتكِ أسمارُ الصبوَّةِ في الخِدر +فهل من رجوعٍ للغريبِ وشَهرُهُ كعامٍ على بَلواهُ واليومُ كالشَّهر +رأيتُ الدُّجى يبكي على الزَهرِ عِندما تنزّهتُ في الجنّاتِ مع طلعةِ الفَجر +وفاحَ الشّذا كالحبِّ من فم عاشقٍ فأصبحتُ مثلَ الليلِ أبكي على عمري +رجائي عزائي في بلائي وهكذا أرى الليلَ حولي والصبيحةَ في صدري +أعذَّبُ في ناري وأُبصِرُ جنّتي وما ظمأي إلا على ضَفّةِ النَّهر +بحُبِّكِ أسري كان نصري فمن رأى أسيراً غدا يخشى الخلاصَ من الأسر +لياليَّ قَلّت إن عَدَدت اللياليا فرُبَّ ليالٍ لم يكن طيبُها ليا +سأشرَبُها في كأسِ وهمي مدامةً وأنظُمُها في سلكِ شِعري لآليا +فخُذ وَصفَها منَّي كما شاءهُ الهوى وما زلتُ بالغالي النّفِيسِ مُغاليا +تولَّت فأولاني جميلاً جَمالُها ولكِنَّهُ قد بزَّ منِّي جلاليا +فَيا لكِ بيضاً من لياليَّ بَعدَها غَدوتُ لزهدي لا أعدُّ اللياليا +بَذَلتُ لها نومي ومالي وصحتي وكانَ حَرامي في غَرامي حَلاليا +وجرَّرتُ أذيالاً يُبلِّلها النَّدى لألقى خَيالاتٍ تُناجي خياليا +فمن غيرِ ما سهدٍ أرى النَّومَ مُتعباً ومن غيرِ ما حبٍّ أرى العيشَ خاليا +رَعى الله في شَطِّ الجزيرةِ ليلةً نسيتُ بها مَجدي وعلمي وماليا +صفا الفَلكُ الأبهى يبينُ هلالهُ وأطلعَ فلكي من يَديَّ هلاليا +فأحبَبتُها حباً لمن عطرت فمي وثوبي فأفشى الطيبُ سرَّ وصاليا +هنالكَ فوقَ الموجِ بتنا لحبِّنا نرى الحبَّ للآفاقِ والأرض ماليا +فقلتُ لها إني مليكٌ وفارسٌ فلستُ بما حَولي لديكِ مباليا +وليلةَ بتنا بينَ أغصانِ دَوحةٍ كإلفينِ في عشٍّ تراوحَ عاليا +نميلُ مع الأغصانِ كيفَ تميّلت ويُمنايَ حولَ الخصرِ تَلقى شماليا +تمنَّيتُ أن أكسو الجمالَ أشِعَّةً وأجعَلَ ذاكَ الجيدَ بالنَّجمِ حاليا +فآخذُ مِنهُ عقدَها وكِساءَها ويَهوي إليها ما بدا مُتَعاليا +نَعِمتُ بها مثلَ النّعامى حَديثُها وقد كملت حُسناً لحُسنِ كماليا +فما أبصَرت عَيني ولا لمسَت يَدي ولا سمِعَت أذني ولا خالَ باليا +كتِلكَ التي حَلّت لديَّ وِشاحَها وقالت لقد أرخصتَ ما كان غاليا +تمتّع من الدُّنيا التي أنا طيبُها فما نيلُها إِلا بنيلِ جماليا +على قدرِ ذاكَ الحبّ قد كان مَطمعي فما كنتُ يوماَ راضياً بنواليا +بكيتُ عَليها في الحياةِ فليتَها إذا متُّ تَبكيني دَفيناً وباليا +محا لكَ حُسناً مَدمَعٌ وتسهُّدُ وما زلتَ دامي القَلبِ تَشكو وتَنشُدُ +لئن كنتَ ذا نفسٍ تميلُ إِلى النُّهى تعالَ أُريكَ الشَّملَ كيفَ يُبدَّد +ويُكسرُ سقطُ النّسرِ وهو محلِّقٌ وتَقضي فِراخُ الطير وهو مغرِّد +ويذوي جمالٌ في الشبابِ ويَنطوي وَيهوي جلالٌ كادَ في الأرضِ يُعبد +فكم سيِّدٍ في قومهِ كان دوحةً عَليها وكورٌ للنسورِ ومرقد +تجدَّلَ فاهتزَّ الوَرى لسقوطهِ وأبقى دوياً بَعدَهُ يتردَّد +عَجِبتُ له إذ نامَ في ظلمةِ الثَّرى وكان إذا نامَ الخليُّونَ يَسهد +ويَقضي لياليهِ إِلى الجوِّ شاخِصاً يسامرُ نجمَ المجدِ فيهِ ويَرصد +ضحكت من الدّنيا زماناً وإنّها لتَجعلُني أبكي اضطراراً وأكمد +فسيّانَ عندي البؤسُ والنعُم إن تكن حياةُ الفتى هذي فإني لأزهَد +أمدُّ يَدي كي أمسحَ الدّمعَ غافلاً فأعلم كيفَ الدّمعُ في العينِ يجمد +وأضربُ صَدراً دامياتٍ ضلوعُهُ فأرجعُ كفّي عن حَشىً تتوقَّد +وإني ليُوهيني فراقُ أحبَّتي فكيفَ على خَطبِ الرّدى أتجلّد +وفي النفسِ آمالٌ نثرتُ هباءها وفي القلبِ جرحٌ قاتلٌ ليسَ يُضمَد +فما أتعسَ النائي المحبَّ الذي يَرى أحبَّتَهُ تحتَ الثّرى وهو مُفرَد +وتحرمهُ الأيّامُ حتى زيارةً ونظرةَ مُشتاقٍ يَرى الدارَ تبعد +فلا كان نأيٌ قصَّرَ العمر طوله وفيهِ المُنى والحبُّ والعزمُ تنفد +هُنالِكَ لي أرضٌ عبدتُ جمالها وما أنا إلا العاشقُ المتعبِّد +عَليها أحبائي الذين قلوبُهم تجاذبُ قلباً عاجزاً يتمرَّد +وُلدتُ ولي قلبٌ لطيف خفوقُهُ كما جسَّ أوتاراً فأطرَبَ معبد +لهُ نغماتٌ كلُّهنَّ صبابةٌ يحرِّكنَ قلبَ الصَّخر والصَّخرُ أصلد +لِشَقوتهِ يجتازُ أرضاً وطيئةً ويسرحُ في جوِ الكَمالِ ويصعد +أبى الدَّهر إلا أن أكونَ طريدَهُ وكيفَ يرجّي القربَ من هو مُقعَد +صبرتُ على ما فيهِ ذابت حَشاشتي وقلتُ لعلَّ الصبرَ في الخطبِ يسعد +فما انقشَعَ الغيمُ الذي ليسَ مُمطراً ولا انفَتَح البابُ الذي هو موصد +وما كانَ دَمعي للإساءةِ ماحياً ولا نارُ وَجدي في الأضالعِ تخمد +لذلكَ فضّلتُ الضَّلالَ على الهُدى وقد شاقَ نَفسي كلُّ ما هو أَسود +فبتُّ أرى في اليأسِ راحةَ لاغبٍ كما ألِفَ القيدَ الثَّقيلَ مقيَّد +هَزِئتُم بنفسٍ تجهلونَ خِلالَها فهلّا رأيتم نقصَكم وكمالَها +وقلتم تُسِرُّونَ الأحاديثَ في الدُّجى تعالوا نُخَفِّف زَهوها واختِيالها +كصاعقةٍ نَفسي فخافوا انقِضاضَها وقُولوا بيأسٍ ما أعزَّ منالها +فكم منيةٍ قد نلتُها بمنيّةٍ وكم ذروةٍ شماءَ عَزمي أمالها +أما أحرقَتكُم نارُها حيثُ نورُها هَداكم فبتُّم تُكبروُن فِعالها +فما هي إلا مهرةٌ عربيَّةٌ تُقَطِّعُ في مجرى الجيادِ شِكالها +جرى دَمُها ناراً فحنَّت إلى الوَغى وقد عَشِقَت بعدَ الجروحِ نبالها +لئن سَقَطت بينَ الرِّماحِ صريعةً فذلكَ موتٌ ما تمنّت أنالها +تَتُوقُ الى مَرعى خصيبٍ ومرتعٍ رحيبٍ وتَشتاقُ المساءَ رمالها +فكم صهلاتٍ في النَّوى تَستفزُّني وكم نظراتٍ أستحبُّ اشتِعالها +وذاتِ دلالٍ قابَلتني ببسمةٍ فقابلتُ بالوجهِ العبوسِ دلالها +لها بسماتُ البرقِ في ليلِ مِحنتي فليتَ لحظِّي في الجهادِ كما لها +فأظفرَ من دنيايَ بالحبِّ والغِنى وأملكَ حيناً مالها وجمالها +تُسائلني عن صفرتي فأُجيبُها نضارةُ هذا الوجهِ همِّي أزالها +جَبيني عليهِ مسحَةُ الحِكمةِ التي تميزُ بتَصفيرِ الجباهِ رِجالها +إذا قلتِ دعها وانعَمَنَّ بوصلِنا أقولُ دَعيني قد عبدتُ جَلالها +رويدكِ يا حسناءُ ليست نفوسُنا تُحِبّ من الأجسام إلا نصالها +خُلِقنَ كبيراتٍ لهّمٍ ومطمعٍ فما رَضيت نفسي الكبيرةُ حالها +ولا تَنفَعُ الأموالُ نفساً فقيرةً ولا تجمعُ النفسُ الغنيةُ مالها +فنفسي لجسمي كاللّهيبِ لِشَمعةٍ وكم حلَّ همٌّ مهجةً فأسالها +فهل راحةٌ تُرجى لمن سارَ والعُلى تُشيرُ إليهِ وهوَ يَبغي نوالها +وإني لجوّادُ على المجدِ والهوى بنَفسي وما طيفُ المنيَّةِ هالها +لكِ اللهُ كم نفسٍ حَصانٍ تألمت لِمرأى شرورٍ لا تُطيقُ احتمالها +لها وثباتُ الضوءِ قبلَ انطفائهِ وعِقدَتُها يأبى الزمانُ انحلالها +لئن تكُ زلاتُ الكبارِ كبيرة فأكبرُ منها من عَفا وأقالها +وما روضةٌ قد نوَّرت زَهراتُها وفضَّضَ نورٌ رَملها وزلالها +وغنّت سواقيها قصائدَ حبِّنا لتودعَ شكوى العاشقينَ ظلالها +بأجملَ من وجهٍ تُرفرِفُ نفسُهُ عليهِ وفي العَينَينِ تُلقي خيالها +بعيشكَ هل شاقَتكَ دارُ حبيبةٍ تنشَّقتَ ريّاها ونلتَ وصالها +فأبكاكَ في بَلواكَ تذكارُ نعمةٍ كحلمٍ ترى إقبالها وارتحالها +فما أقتلَ التذكارَ في نفسِ عاشقٍ تحاول من كلِّ الأمورِ عضالها +لئن تسألِ العشّاقَ عن دمعاتهم أروكَ على صفرِ الوجوهِ انهمالها +أحبَّتَنا هَل في النّوى يَنعمُ البالُ وقد كثُرَت حَولي عداةٌ وعُذّالُ +إذا عَبسوا للصّبحِ أبسمُ للدُّجى وإن كمنوا ليلاً فأمشي وأختال +تذكَّرتُ أيامَ الحِمى متَشوِّقاً وقلبي مع الأغصانِ في الرَّوضِ ميّال +فهل تذكُروني في ليالي ربيعِنا وقد شاقني منها ضَبابٌ وأَظلال +وإني لأحيا بالتحيَّة عِندما يمرُّ نسيمٌ للتحيَّةِ حمَّال +فبالله حَيُّوا كلّما هبَّتِ الصَّبا فتىً هو مثل الظلِّ والطيف زوّال +على خَفَقاتِ القَلبِ ينظمُ شِعرَهُ فما هو وزَّانٌ ولا هو نحَّال +قصائدُه من نفسهِ قد تناثرت تناثُرَ ريشِ الطَّيرِ والطَّيرُ رحّال +أليسَ حَراماً أن تُضيِّعَهُ النَّوى فيقضي شهيداً وهو للخَطبِ حمّال +فمن ذا يُعزِّيهِ ويَشرحُ صَدرَهُ ببسطةِ كفٍّ عندها تحسُنُ الحال +لقد سارَ يخفي سائلاً من جُروحِهِ فأضجَرهُ حلٌّ وأضناهُ ترحال +وجمّد لؤمُ الناسِ والحرصُ دمعَهُ فأصبحَ لا تُبكيهِ سلمى وأطلال +وهانَ عليه أن يجودَ بنفسهِ ويَسري وملء الأرضِ خوفٌ وأهوال +كما عرَّضَ الجنديُّ في الحربِ صَدرَهُ وباهى بجرحِ السَّيفِ والرمحِ أبطال +لقد حملت نوراً وناراً جوانحي فللعَقلِ تنويرٌ وللنفسِ إشعال +أرى أبداً عزمي يُجدّدُ همّتي ومن كان مثلي لم تُرَزِّحهُ أثقال +وما أنا بالأصحابِ والأهلِ واثقٌ فما نافِعي خلٌّ ولا مُسعِدي خال +إذا اللهُ أعطاني حياةً طويلةً فعلتُ وإلا كيفَ تُدفَعُ آجال +وذاتِ دلالٍ ودّعتني عشيَّةً هُنالِكَ تحتَ الدَّوحِ والدّمعُ هطّال +فقلتُ وقد قبَّلتُ خدّاً كأنّهُ قرنفلةٌ فيها ندَى الصّبحِ جوّال +رويدك لا تبكي على الراحلِ الذي يَسيرُ وملء النّفسِ عزمٌ وآمال +دعي القلبَ يَلهو بالرجاءِ وبالهَوى وصلّي لعلّ الله للحَبلِ وصّال +سأقتحمُ الأمواجَ في طلبِ العُلى كما انقضَّ بازٌ أو تقدَّمَ رئبال +إذا هاجَكِ البدرُ المطلُّ على الحِمى وللموجِ فوقَ الرَّملِ نوحٌ وإعوال +وجاءت مع الأرواحِ ريّا حقولنا وحفَّت غصونُ الغابِ والماءُ سيّال +قِفي حَيثُ كنّا نلتَقي كلَّ ليلةٍ ونذرفُ دمعاً دونَهُ الملكُ والمال +وألقي سلاماً مثلَ شعلةِ كوكبٍ لها انشَقَّ سِترُ الليلِ والتَهبَ الآل +دَعي الوَردَ يَذبل ما أنا بمقيمِ وميلي لشِعري وردةً لنسيمِ +أخَذتُ لِنَفسي لونَه وأَريجَهُ ونثَّرتهُ حَولي وحولَ نديمي +أَتوقُ إِلى الوردِ الذي تحملينَهُ على وجنةٍ ريّا بماءِ نعيم +ففي نَفحةٍ منهُ أرى الأرضَ جنّةً وتخمدُ في الأضلاعِ نارُ جَحيم +هَبيها لِمن أضنَتهُ آلامُ جرحهِ فما كلُّ جرحٍ مثلهُ بأليم +شقاءُ الفتى من فِكرهِ وشعورهِ فأعظِم ببَلوى شاعرٍ وحكيم +شقيتُ بعبءٍ ماخُلِقتُ لحملِهِ فكم بدميمٍ جاءني وذميم +إذا شَغَلَ الإنسانُ غيرَ محلِّهِ يضلُّ بليلٍ في الشقاءِ بَهيم +لعمرُكَ إنّ العَقلَ في الجهلِ ضائعٌ كما ضاعَ ماءُ المزنِ فوقَ هشيم +على الحرِّ أن يوفي الجميعَ ولا يرى وفيّاً وان يُبلى بألفِ غريم +وكل مَليحٍ للقبيحِ ضحيَّةٌ ومن حلمِ أهلِ الخيرِ فتكُ زنيمي +فلا بُلي الأحرارُ من كلِّ أُمةٍ بجيرةِ عِلجٍ وائتمانِ لئيم +ولا خيرَ في القومِ الألى أنا بينَهم كَثَوب غريبٍ أو كمالِ يتيم +لهم وَلعٌ بالظّلمِ من طَبعِهم كما لهم طمعٌ في الحلمِ عندَ حليم +فهم بينَ أشرارٍ وبلهٍ تقاسموا حماقةَ مجنونٍ وغَدرَ أثيم +لقد أحرَجَت منا القرودُ أُسودَنا وقد لبسَ الصّعلوكُ ثوبَ زعيم +ألا فاسمَعي الشّكوى فكلٌّ كريمةٍ شَعورٌ بما يَلقاهُ كلُّ كريم +وإن تهزئي بالعلجِ والجلفِ أنعمي على عربيٍّ من ذويكِ صميم +وقُولي لهُ سِر بينَهم ساخراً بهم فكلُّ عظيمٍ طامعٌ بعظيم +تُحاولُ إنكاراً وَدمعُكَ مُوضِحُ أشاقَتكَ من ليلى ديارٌ ومسرحُ +لكلِّ فتى في الخَطبِ شكوى ودمعةٌ ولكنَّ ما يجري مِنَ العينِ أفضَح +صَدَقتَ وحقّ الحبّ والوطنِ الذي يَسحُّ عَليهِ الدّمعُ والدَّمُ يُسفَح +تؤرِّقني الذّكرى القديمةُ في النّوى وعِندي إِلى العَلياءِ شوقٌ ومَطمَح +فبينَ الهوى والمجدِ نفسي مُقيمَةٌ وإني لأُمسي في الهمومِ وأُصبح +خُلِقتُ لأشقى بالهواجسِ والمُنى فلا كانَ لي قلبٌ من المهرِ أجمَح +تلذُّ لهُ الآلامُ فهو أليفُها فأثمنُ ما يُعطيكَ وهوَ مجرَّح +تجمَّعَ فيهِ الذكرُ والحسنُ والهوَى ألستَ تراهُ بالعواطف يَطفَح +كثيرونَ أصحابي قليلٌ وفاؤهم ومن كانَ بذَّالاً لهم ليسَ يَنجَح +يُحمِّلُني خلِّي الذي فوقَ طاقتي وأخسرُ في كلِّ الأمورِ ويربَح +أراني ضعيفاً في الصداقةِ والهوى إذا ضنَّ أحبابي أجودُ وأسمَح +وإن بعدوا عنّي دَنوتُ مُصافحاً وإن أذنبوا عمداً فأعفو وأصفَح +فما أنا إِلا البحرُ يقذفُ جيفةً ويكنزُ دراً والحسودُ يُقَبِّح +أهيمُ بلبنانيّةٍ قرويَّةٍ منازِلُها حيثُ الأزاهرُ تنفح +وأذكرُ ماضي حبِّنا وشبابنا هنالِكَ في لبنانَ والعيشُ أفسح +فواللهِ لن أنسى حديثَ غَرامِنا عشيّةَ فاحَ الياسمينُ المفتّح +رَنَت بجفونٍ مثل أكمامِ زَهرِها عَليها جُفُوني في الجوى تتقرَّح +ومالت إِلى حيثُ السكينةُ والدُّجى تقولُ ضياءُ البَدرِ أمرَكَ يفضَح +هُنالكَ أحيَتني بتَقبيلِ كفِّها وكادت بلثمِ الثّغرِ والخدِّ تَسمَح +فيا حبّذا من ذلكَ الثَّغرِ بَسمَةٌ أرَتني سماءً رحبةً تتفتَّح +ويا حبّذا من ذلكَ الشعرِ نفحةٌ بها فرحُ القلبِ الذي ليسَ يَفرح +ويا حبّذا ليلٌ بللنا حِجابَه بدمعِ التّشاكي والكواكبُ تجنح +جبيناً على خدِّ وعيناً على فمٍ وكفّاً على كفٍّ تضمُّ وتمسح +لقد زالَ ذياكَ النَّعيمُ ولم أزَل أرى الحسنَ يَفنى والحبيبةَ تَنزَح +غَرَستُ بلَحظي أجملَ الزَّهراتِ على خدِّكِ المسقيِّ مِن عَبراتي +فلا تحرميني شمّةَ الزَّهرةِ التي لإنضارِها أذبلتُ زَهرَ حَياتي +أبيعكِ ليلات الشَّبابِ جميعَها بليلةِ حبٍّ حلوةِ السّمرات +لكِ الحسنُ والإحسانُ لي فقِفي إذاً نُجمّع بينَ الحسنِ والحسَنات +بكيتُ من الحبّ الذي فيه شَقوتي فقابلتِ دمعَ الوَجدِ بالبسَمات +فما كنتِ إِلا زَهرةَ جادَها النَّدى فَفُتِّحَتِ الأوراقُ للقَطَرات +فلا تجحدي دَمعي الذي نوَّرَ الدُّجى فكان كشعلاتٍ من النجمات +ولا تُهمِلي شِعري الذي فاضَ في الهوى فكانَ كنوحاتٍ على رَنمات +إلهكِ يا حسناءُ يَرضى دُموعَنا ويُعرِضُ أحياناً عَنِ الصَّلوات +ويُطربُهُ الشعرُ الذي أنا منشدٌ فيَلهو عن التَسبيحِ والطَلبات +وتسكتُ أفواجُ الملائك حَوله لتأخذَ عني أطيب النَّغمات +فكم ليلةٍ تُلقي عليّ سُكونَها فأسمعَ في صَدري صَدى الخفقات +بكيتُ وأستَحلي البكاءَ لأنني رأيتُ عزاءَ النفسِ في الدمعات +فكم آسفٍ أو نادمٍ تائباً بَكى فبرَّد ما في الصّدرِ من حرقات +جَرى دمعُه في الحزنِ والصّدقِ صافياً فأحيا فؤاداً مات في الشَّهوات +أرى حُسنكِ الفتانَّ يبدو لناظري كبرقٍ ولا يُبقي سوى الحسرات +أتاني الهوى لما مَرَرتِ خفيفةً وجاءَ نسيمُ اللّيلِ بالنفحات +فكنتِ ملاكاً شاقَهُ النورُ والشَّذا فحنَّ إلى الجنَّاتِ في الظُلُمات +رَجِّعي يا ميُّ ذيّاكَ الغِناءْ فهوَ تذكارُ نعيمٍ في الشَّقاءْ +وامزُجي الأنغامَ بالألحانِ في هذهِ الليلةِ كي يحلو البُكاء +مثلَ عصفورَينِ عِشنا في الحِمى وتناجَينا صَباحاً ومساء +فقِفي نرثي ونبكي في الدُّجى بعدَ أن كنّا نُغنّي في الضِّياء +فعلى الأوتارِ لحنٌ محزنٌ بعدَ لحنٍ مُفرحٍ يومَ الهناء +وتعالي ودِّعيني واذرُفي دمعةً تُذبلُ أزهارَ الحياء +وازفرُي بعدَ غيابي زفرةً تُلهبُ الرّيحَ وتَدوي في الفضاء +وإذا ما سرتُ وحدي طامعاً بأمورٍ هي داءٌ ودواء +سامري ذيّالِكَ النَّجمَ الذي كانَ خفّاقاً كقَلبي في السماء +ليلَ قبَّلتُكِ قبلاتٍ فما كانَ لي مِنها اشتِفاءٌ واكتِفاء +فلقد أخرَجتُ روحي من فمي لفمٍ فيهِ التقَت نارٌ وماء +لامست نفسُكِ نَفسي فهوَت شعلٌ ليسَ لها فينا انطِفاء +وتجاذَبنا بها فانتَثرت قُبَلي مثلَ شرارِ الكهرباء +تلكَ ذكرى تَطرَبُ النفسُ لها وترى زهرَ ربيعٍ في الشتاء +فاصبري صبراً جميلاً هكذا عيشُنا بين وداعٍ ولقاء +فعَلى رغم النّوى يَبقى الهوى فاملأي قلبكِ حبّاً ورجاء +واذكُريني للصَّبايا وإذا كَثرَت فينا أحاديثُ النساء +فاخِريهِنَّ بحُبيِّ وخُذي في حديثِ الفخرِ عنّي الكبرياء +إذا الرّيحُ حيَّتني بنَفحةِ طيبِ تذكَّرتُ ليلَ الحبّ فوق كثيبِ +عشيَّةَ بتنا نسمَعُ الموجَ شاكياً فَنَمزُجُ ترنيمَ الهوَى بنحيب +وقد سَطَعت زهراءُ في أُفُقِ الحِمى تُحيِّي هلالاً مثلَ وجهِ كئيب +ومنكِ ومنّي دمعةٌ وابتسامةٌ هما في الشّبابِ الغضِّ خيرُ نصيب +فما أ��ذبَ الشَّكوى وما أعظم الهوى إذا انفَجَرا من أعيُنٍ وقلوب +فكم مرةٍ قبَّلتُ عَينَكِ خلسةً كما نقَرَ العصفورُ حَبَّ زَبيب +وقَدُّكِ ميّالٌ وشَعرُك مُرسَلٌ فكنتِ كغصنٍ في الرّبيعِ رطيب +تزوّدتُ من عينيك أجملَ نظرةٍ تُنيرُ سَبيلي في ظلامِ خطوب +لأجلِهما أهوى بلادي وأُمتي ولو قابَلت صفحي بشرِّ ذنوب +سَقى اللهُ يا حسناءُ ليلةَ حُبِّنا هُنالِكَ فوقَ الرّملِ دمعَ غريب +تُعلِّلُني في النأي ذكرى كأنها ربيعُ شبابٍ في خريفِ مشيب +إذا خطرت لي والهمومُ كثيرةٌ أرتني شعاعَ الشّمس بعد غروب +فأصبحَ قَلبي خافقاً مثل طائرٍ أسيرٍ يُعزّيهِ حَنينُ سروب +أشجَاكِ نورُ النّجمةِ الزهراءِ فَبَكيتِ من ذكرى حبيبٍ ناءِ +وحَلت لكِ الأحلامُ عند بُحيرةٍ والبدرُ يَرفعُ بُرقُعَ الظلماء +والرَّوضُ نوَّاحٌ لهبّاتِ الصَّبا فكأنه يَبكي على الغُرَباء +إني عَهدتُكِ ذات قَلبٍ شاعرٍ خَفَقاتُهُ كقَصائدِ الشعراء +فتذكّري عَهدَ الصبوَّةِ بعد مَن يمشي مع الأرواحِ والأفياء +يا حبّذا سمراتُ ليلاتٍ مَضَت والحبُّ ملءُ الأرضِ والأحشاء +يا حبّذا الوادي الذي غاباتُهُ تهوى الحفيفَ على هَدير الماء +أمّا أنا فلقد شَقيتُ لأنني لم أدرِ كيفَ تتبُّعُ الأهواء +ماذا يؤمِّلُ ذو شقاءٍ لم يَكُن يوماً لنحسبَهُ مِنَ السُّعَداء +فلهُ من الحَربِ الجراحُ وغيرُهُ يَلهوُ بأسلابٍ على الأشلاء +فابكي على خلٍّ شريفٍ تائهٍ في لجةٍ طوراً وفي بَيداء +شَهِدَ الفضيلةَ في العِراكِ صريعةً فبكى على الأحرارِ والشُّرَفاء +أَأُمّاهُ حيّاكِ الرّبيعُ نضيرا مُحيّاكِ في قَلبي يَلوحُ مُنيرا +أُأُمّاهُ لا تبكي على فَرخِكِ الذي نأى فغدا مِنهُ الجناحُ كسيرا +أما هيَّجَت ذكراكِ عصفورةً غدَت تُحيِّي ضياءً أو تزقُّ صَغيرا +أحنُّ إِلى مرآكِ في دارِ غربتي وأحسدُ أفراخاً تزينُ وُكورا +وأستقبلُ الأنسامَ كلَّ صَبيحةٍ لآخُذَ مِنها قوَّةً وعَبيرا +وأُدخِلُ نورَ الشمسِ صَدري ومُقلتي وأُخرِجُ من بين الضلوعِ زَفيرا +أيا أمِّ هذا النأيُ لم يُبقِ لذةً لِقَلبي فإني قد عريتُ نضيرا +فأصبحَ غُصني يابساً في رَبيعهِ وأصبحَ زَهري في الهواءِ نَثيرا +تولّى شبابي ما انتَفَعتُ بحسنِهِ وكان نَصيبي أن أعدَّ شُهُورا +شهوراً تولّت مع رجائي وبهجتي وقد خلَّفت باعي الطويل قصيرا +أيا أمِّ والأمواجُ تَفصُلُ بيننا فأسمعُ مِنها في الظلامِ هَديرا +وأبكي عليها آسفاً متشوِّقاً وآملُ منها أن تَفُكَّ أسيرا +فأشتاقُ نَظمَ الشعرِ حيناً لأنني من البُلبُلِ العاني أُحِبُّ صَفيرا +عَهدتُكِ في الظلماءِ ترعينَ نجمتي وقلبُكِ يَهفو خافقاً ليَطيرا +فإن يَغشَها الغَيمُ الكثيفُ تَبسَّمي لعلَّ لها بعدَ الأفولِ ظهورا +وألقي تحياتٍ على نفسِ الصَّبا لعلَّ له يوماً عليَّ مزورا +لئن ذبلت كالزَّهرِ يوماً قَريحتي وقد فَنيَت من كثرةِ الحبِّ مُهجتي +فلي منهُما عطرٌ ونورٌ لأنني أَسلتُهما في خَيرِ أهلي وأُمتي +ستخفقُ في الدُّنيا قلوبٌ كثيرةٌ لِقَلبي وتَجري أدمعٌ بعدَ دَمعتي +أُمِرٌّ على جرحي القديمِ أَنامِلي فأسقطُ من آلامهِ مثلَ ميِّت +وأمشي حزيناً خائفاً متردِّداً على طَللِ النُّعمى وقبرِ الشبيبة +بكى الركبُ حَولي يومَ توديعِ أهلِهم فما حرَّكت وَجدي دموعُ الأحبّة +ولا سمحت عَيني بأثمنَ قطرةٍ لأنَّ وداعَ الأمِّ نشَّفَ عبرتي +أرى القلبَ بين ا��همِّ والحزنِ مُغلقاً لنورٍ وتغريدٍ وحسنٍ وخضرة +تصلَّبَ حتى أصبحَ الرفقُ قسوةً وأجدَبَ حتى ملَّ من كلِّ نضرة +فكيفَ أُداوي بالمحاسنِ داءَه على غيرِ شيءٍ من نعيمٍ ولذة +وإن كانَ مفتوحاً لأُنسٍ وبهجةٍ تبدَّت له الدُّنيا على خَيرِ صورة +هو القلبُ مرآةٌ لدى كلِّ صورةٍ تراءت على حالَي صفاءٍ وكدرة +تولّى زمانٌ فيهِ علّلني الهوى كذلكَ أحلامُ الشّبابِ اضمَحلَّت +فما إن لها عودٌ على الذلِّ والنّوى تُذِلُّ نفوساً لم تكن للمذلّة +ولكن لي من ربة الشعر عطفةً فأسلو بإكليلٍ يُزَيِّنُ جبهتي +وقد وَهبت عينيَّ بعضَ جمالِها وكانت إلى كلِّ الحسانِ شَفيعتي +وإني من العُربِ الذين سُيوفُهم وأقلامُهم كانت نجومَ البريَّة +فخطُّ يراعي مثلُ ضَربِ شِفارِهم وفوقَ شعارِ الصيدِ شعرُ قصيدتي +لكِ الفَخرَ بي إني أخوكِ فَفاخري إذن أخواتٍ يفتخرنَ بإخوة +هَل باسمِ أُمي في الهمومِ سِوى تجديد آمالٍ وبردِ جَوى +كلُّ المحبّةِ والحنانِ حَوى وأنا الذي عَنهُ الحديث رَوَى +فَغَدَوتُ أنشُرُ ما حَوى وطوَى +يا أعذَبَ الأسماءِ في سَمعي أطرَبتَني كالنَّظمِ والسَّجعِ +كم شُقتني في البيتِ والربعِ فافترَّ ثَغري أو جرى دَمعي +وإذا ضعفتُ أَخذتُ منكَ قوى +يا قلبَ أُمي أنتَ ريحانُ قَلبي إِلى ريّاهُ حنّانُ +لي منكَ إبلالٌ وسلوانُ إن حلَّ بي داءٌ وأحزانُ +يا قلبَ أُمي العَطفُ فيكَ ثوى +يا قلبَ أُمي فيكَ أنفاسي محصورةٌ تَنمُو كأغراسِ +رُكِّبتَ مِن درٍّ ومن ماسِ والحبُّ يَبقى فيكَ كالآسِ +يا قلبَ أُمي لا ذبلتَ نوى +يا طَرفَ أُمي الرامقَ السّاهر ما أنت إلا الكوكبُ الزّاهر +طُهري أتى من دَمعِكَ الطّاهر والهديُ لي من نورِكَ الباهر +إن ضلّ قلبي في الدُّجى وهوَى +يا ثَغرَ أُمي أنتَ لي جَنّه كم قبلةٍ تحوي وكم حنّه +ومن صدَى أغنيَّةٍ رَنّه في المهدِ شاقَتني وكم أنّه +إن بتُّ أشكو علَّةً وجوَى +والصَّوتُ من تَغريدةِ الطَّيرِ بَشَّرتَ أو صبّحتَ بالخير +منكَ ارتفاعُ الضَّيمِ والضَّيرِ يا زَهرَتي يا شَمعةَ الدّير +يا مصحفاً عَذبَ الكلامِ حَوى +يا كَفَّ أمي زَنبَقَ الوادي أنتِ التي تفدي من العادي +كم مرةٍ قدَّمتِ لي زادي إذ كانَ إغفائي وإسعادي +في هزِّ مَهدي أو بذكر هَوَى +يا حُضنَ أُمي مرجَ فردوسِ لا أختَشي فيهِ مِنَ الدَوسِ +عَلّلتني بالزقّ والبَوسِ إذ كنتُ فيكَ السّهمَ في القَوسِ +والعشُّ أفراخاً كذاكَ أوَى +أُعاتِبُها والحبُّ من طبعهِ العتبُ وفي مُقلتي غيظٌ وفي مُهجتي حبُّ +وأُسمِعُها ما يجرحُ السَّمعَ لفظُهُ فَترضى بمغزاهُ ويَشفَعُ لي القلبُ +سلامي عَليها بسمةٌ ثم قبلةٌ كذلك حيّا الزهرَ دَمعُ النَّدى العذب +مع النورِ والأنسامِ روحي تزورُها وفي روحِها الأزهارُ والماءُ والعشب +فتجني الذي تجنيه في الرَّوضِ نحلةٌ وما الشعرُ إِلا الشَّهدُ يخزنُه الصبُّ +بما فيهِ سعدُ الجاهلينَ شقيتُ وبينَ ربوعِ الماجدينَ رَبيتُ +سئِمتُ من الدُّنيا ومن أهلِها فكم يُقاسي الفَتى منها وليسَ يموت +وضيّعتُ قَلبي فلذةً بعدَ فلذةٍ ومن كلِّ زيناتِ الشّباب عريت +ونثَّرتُ دَمعي في النّوى وقصائدي وبالشعرِ والدّمعِ السخينِ شفيت +أُبذِّرُ أيّامي ومالي مُغامِراً وأعجب بعد الموتِ كيفَ حييت +أرى البحرَ قدَّامي يقذِّفُ أمواجا وخَلفي أرى عقداً من النورِ وهّاجا +فما البحرُ إلا النفسُ تطربُ ��لعُلى وما النورُ إِلا الفكرُ يطلبُ إفراجا +أحنُّ الى الحمراءَ صبّاً مؤرقّاً فأخرجُ من قلبي القصائدَ إخراجا +كما حنّ مقصوصُ الجنّاحِ وقد رأى طيوراً إِلى الأوكارِ ترجعُ أفواجا +ويُوحِشُني طَيفُ القنوطِ إذا سَرى فيؤنسني طيفُ الجمالِ إذا ناجى +تَفتَّحتِ الدُّنيا وقلبُكِ مُغلقُ وهَل يابسُ الأغصانِ يَنمو ويُورقُ +شبابي وهل بعد الشبابِ تعلّةٌ مَضى وأتى الهمُّ الثقيلُ يؤرّق +بعَيشِكِ يا ميُّ اذكُري عهدَ حبِّنا هُنالِكَ حيثُ الحقلُ بالطّيِبِ يَعبُقِ +وغنّي من الشعرِ الذي الوَحيُ دَونَه إذا صَبّحَتكِ الطَّيرُ وهي تُزَقزق +فكم شاقَني الوادي الذي لِهَديرهِ طَربنا وأستارُ الظّلامِ تمزَّق +نظَمتُ أرقَّ الشّعرِ عفواً وأترابي يَسيرونُ عَدواً مُولعين بألعابِ +وما كانَ لي إلا ثلاثٌ وعشرةٌ من العمرِ لما صرتُ خلّابَ ألباب +أنا وردةٌ قد نوَّرت قبلَ حينها فشَوكي لأعدائي وعطري لأحبابي +إذا قيلَ شعرٌ نلتُ إكليلَ آسه وإن قيلَ نَثرٌ كنتُ سيِّدَ كتّاب +لمستُ بنَفسي أسطَعَ النجماتِ وقُلتُ أنيري هذه الظُّلُماتِ +أينكر فَضلي حُسَّدي وفضيلتي وقد فاضَتِ الأنوارُ من كلماتي +ألم تَسمعوا نثراً كوقعِ مُهَنّدٍ وشِعراً كموجٍ دائمِ الهَدَرات +فقولوا إذا ما النَّسرُ طارَ مُحلِّقاً عَرفناكَ سامي الفكرِ والوكُنات +تعشَّقتُ ماءَ الرَّوضةِ المُترَجرِجا وكم شاقني نوحُ الغصونِ وكم شجا +لقد كادَ يَفنى القلبُ إلا بقيةٌ تجمَّعَ فيها الحبُّ والمجدُ والرّجا +فما هي إلا كوكبٌ لاحَ ساطعاً بهِ يأنَسُ السَّاري الذي ضَلَّ في الدُّجى +تُنيرُ ظلامَ الجَهلِ حولي ويهتدي بها كلُّ أصحابِ الفضيلةِ والحجى +ألمَّ بجسمٍ كان غُصناً من الآسِ ذبولٌ من الجرحِ الذي ما لهُ آسِ +لقد كنتُ في ذاكَ الزمانِ الذي صفا أسيرُ كطاووسٍ وقائدِ حرَّاس +وأحسبني عن أكبرِ الناسِ في غِنى فأحوجَني دَهري إلى أصغَرِ الناس +وذلك حكمُ اللهِ في خلقهِ لكي يُليِّنَ عودَ الكبر والشَّرفِ القاسي +وقَفتُ على الأمواجِ أبكي وأشتاقُ وقلبي كأعلامِ المراكبِ خفَّاقُ +لقد غابَ عن عينيَّ نورٌ ألِفتُهُ وظلَّ لِذاكَ النورِ في القلبِ إشراق +فقلبي سماءٌ ليسَ يأفلُ نجمُها وفيها لأحبابي ثغورٌ وأحداق +فكم بسمةٍ فيهِ وكم فيهِ نظرةٍ أرى بهما ما فيهِ للعُودِ إيراق +ولائمةٍ قالت تلوَّثتَ بالوَحلِ فقلتُ لها يا ميُّ قد عَثرت رِجلي +تمنَّيتُ إصلاحاً وعِلماً لجاهلٍ فقالَ رضينا بالسَّفاهةِ والجهل +ولما رَأيتُ اللؤمَ يَرفعُ صوتَهُ أسفتُ على أهلِ الفضيلة والفضل +سَيقتله مني احتقارٌ لأنني أرى السّيفَ للأشرافِ والسَّوطَ للنّذل +طربتُ لصوتِ المجدِ حينَ دعاني فأسمعني قلبي صهيلَ حصانِ +صهيلَ حصانِ طالما شَهدَ الوَغى وباهى بجرحَي شفرةٍ وسِنان +لقد ضاق صَدري عن جنانٍ حملتُهُ كبيراً وبأسي ضاقَ عنهُ جَناني +فمِن أين للحُسّادِ شعرٌ مُخَلّدٌ له نُغمٌ من ذلكَ الخفقان +تطايرَ من قلبي الشرارُ ومن جَفني لأني رأيتُ الجسمَ للنفس كالسجنِ +تحنُّ إِلى لبنانَ نفسي وتَشتهي لأهليه عيشَ الخصبِ والعدل والأمن +هُنالِك أشخاصٌ بهم قد تعلّقت فللحب ما ألقى من الشَّوقِ والحزن +على واحدٍ منهم إذا هبَّتِ الصَّبا أرى فلذةً من مُهجتي سَقطت منّي +ذهَبَ الحبُّ فما أشقى الفَتى بنَعيمٍ قد طواهُ الدَّهرُ طي +علَّلَ النَّفسَ بآمالٍ فلم يكُ إِلا مثلَ ��حلامٍ الكري +زالَ كالنُّورِ وما زلتُ لهُ ذاكراً والذكرُ إحدى شقوَتي +بعتُ بالمجدِ غراماً بعدهُ راحتي قد أفلتَت من راحَتي +عندما كسَّرتُ حبِّي آملاً أن أراني خالصاً من أسر مَي +معهُ كسَّرتُ قلباً ضمَّهُ فأنا الكاسِرُ قلبي بيَدَي +كم إِلى تَضحيةٍ أحملُهُ فأراهُ دامياً في جانِحي +آهِ وا لهفي على حُبِّي ويا طولَ وَجدي بعدَ أيّامِ الحمي +لن أراها وتراني باسماً وأنا في صَبوةِ الحبِّ صُبَي +ليتَ أنفاسَ الصَّبا تُحيي الصِّبا وتُحَيّي ميِّتاً في جسمِ حَي +جاهلاً فارَقتُ حيّاً آهلاً بأحبّائي فلم آنس بحَي +فتعالَ الآنَ نبكي ماضياً وإذا ما لاحَ طيفُ الحُسنِ حَي +أكبرُ الأشياءِ لم أرضَ بها وتراني أرتضي أصغرَ شي +كم فتًى خَيرَ صديقٍ خِلتُهُ فغدا شرَّ عدوٍّ للأذي +وفتاةٍ أنكَرتني بعدما عَطَفَت بسَّامةَ الثَّغرِ عَلي +هذه الدنيا فلا إخلاص من أهلها يرجى وحسن الظن غي +كُن رفيقاً لي رفيقاً بي فقد شاقني رفقُ شقيٍّ بشُقي +وتجلّد وتشجَّع فالعدى حَولنا والوطرُ الأعلى لدَي +أنتَ مِثلي وأنا مثلُكَ في حالةٍ يَرضى بها الشَّهمُ الرضي +عربيَّينِ وُلِدنا فَلنا شرفٌ من نسبٍ فوقَ السُّهي +كم تَصبَّتنا أحاديثُ العُلى فتبسَّمنا لآتينا البهي +قُل لإخوانِ صفاءٍ أقبلوا نحنُ عشّاقُ جمالٍ وعُلي +حقرت أرواحُنا أشباحَنا فهزأنا بالرَّزايا والردي +وطمِعنا بخلودٍ فَغَدا حظُّنا البؤسى ونعمانا كفي +إننا كبراً ترَكنا فانياً وتبِعنا باقياً بينَ الوري +نحنُ عصفورانِ نشتاقُ الصَّبا والشَّذا والنورَ في الجوّ الصفي +فترنَّم وافتحَن قلبكَ لي لكَ أفتَح صادقاً قلبي الدمي +عند تطريبِكَ أشعاري غدَت تستَميلُ الملأ الأعلى إلي +ولدى رسمِكَ لي رُوحي بدَت في أساريري وأذكت مُقلتي +بينَ تصويرٍ وتنغيمٍ أرى بَهجةَ الخلد ولذَّاتِ الهوَي +فلكَ الخَيرُ بما زوَّدتني من جمالٍ شاقَ أو لحنٍ شجيّ +في يَدَيكَ الفنُّ فاشٍ سرُّهُ مِنه مَتِّع نظري أو مِسمَعي +لكَ تصويرٌ وتلحينٌ ولي نغَمٌ فالفنُّ إحدى نسبَتي +وعلى الأوراقِ والأوتارِ قد شاقَني الحسنُ وأجرى عبرتي +عَشقَت روحَكَ روحي فهُما بامتِزاجٍ كنسيمٍ وشذي +إنما الروحانِ أُختانِ لدَى نسَب الحبّ فأدعوك أُخي +فاتِنتي السمراءُ جنيَّه في مُقلتَيها ألفُ أغنيَّه +لكنّها في الحبِّ وَحشيَّه تقولُ في الخلوةِ عَيناها +نَعم نعم ولا يقولُ اللسان +صغيرةٌ ضاقَ بها صَدري وضيعةٌ ذلَّ لها كبري +كم قلتُ يا قلبُ وَهى عذري لا حُسنَ يُغريكَ فتَهواها +فقال ما الحبُّ كعِلم البيان +الحسنُ معنى دقَّ لا يظهرُ لكنما الروحُ بهِ تَشعرُ +ما الوجهُ إِلا صفحةٌ تُنشرُ والعَينُ مَعناها ومَغزاها +والقلبُ يَستَغني عن الترجمان +على محيّاها شعاعُ الطفَلِ وفي ثناياها بَريقُ الأمَلِ +ونحرُها زينَ بعَقدِ القُبلِ وقُبلةُ النَّحرِ تَشهَّاها +ثغري ففيها للمحبِّ الأمان +والخصرُ كالبسمةِ في الهمِّ قد أنحلتهُ شِدَّة الضمِّ +وخدُّها من كثرةِ الشمِّ ذوى فريَّا الوردِ ريَّاها +وإن تراءى فَوقه الزَّعفران +إني لأهوى صفرةَ الخدِّ ودقَّة الأطرافِ والقدّ +ونفرةً مِنها بلا صدٍّ لها كذا يَهتزُّ نهداها +وهي كغُصنٍ فيه رمّانتان +أعشقُ منها الشَّعرَ مَحلولا جَثلاً على الرِّدفَينِ مَسدُولا +يحكي ليالي أرقي طُولا إن جاءَني الطَّيفُ بذكراها +لكي يُريني في الج��يمِ الجنان +ما أبعَدَ الحُسنَ عن الجودِ أليسَ فردوسي بموجودِ +ما بينَ تلكَ الخصلِ السودِ بَلى ففردَوسي محيَّاها +وفي الدُّجى تأتي المعاني الحِسان +أزورُها والشَّوقُ يُغلي دَمي فَتَلتقي الرُّوحانِ عندَ الفمِ +كسقطِ نَسرٍ في الضُّحى قد حمي يَنتفِضُ القلبُ لمرآها +وبيننا تنشبُ حربٌ عوان +فإن أحاوِل لمسَ نَهدَيها حَمَتهما منّي بِكَفَّيها +وعندما أرضى بخَدَّيها يعلو إِلى الخدَّينِ كفّاها +وهكذا يطردُني الحارسان +ما بي بها فالحبُّ لا يخفى واللّحظُ عما خَلفَهُ شفَّا +لكنَّها إذ ترجعُ الكفَّا أحسِبُ شوكَ الوَردِ يُمناها +والجرحُ من ذيّالِكَ الشَّوكِ هان +كم زفرت من حرّ قُبلاتي أو صَرَخَت من عنف ضمّاتي +وبينَ لذَّاتي ولزَّاتي تَنشَقُّ أضلاعي لِتلقاها +والقلبُ فيها صاهلٌ كالحصان +كأنَّها بينَ ذراعيَّا ألوي قَواماً ليَّناً ليّا +غصنٌ عليهِ الزّهرُ والريَّا يا حبّذا ما ضمَّ بُرداها +قلبي وعيني منهُ لا يَشبعان +قالت لقد ذوّبتني يا صَبي باللهِ لا تَمزح ولا تَلعبِ +هذا أخي أشكو له أو أبي رِفقاً بمن حُبُّكَ أضناها +فقلتُ جاءَ النّصحُ بعد الأوان +خصرُكِ من رِدفِك ينسلُّ وعقدةُ الزّنارِ تَنحَلُّ +منهُ ومن جَفنكِ أعتلُّ وفي مُنى النفسِ مناياها +والقلبُ لا يَشفيه إلا الحنان +فهو كزنّارِكِ مقلاقُ كنّهدِكِ البارزِ خَفّاقُ +أهكذا يُحرَمُ مُشتاقُ على اللّواتي رُمنَهُ تاها +وفي هَواكِ اليومَ يَلقي الهوان +فأطرَقت ما بينَ نارَينِ كيلا تُلاقي عَينُها عَيني +وإذ رأتني أقتضي دَيني مِن وَجنتَيها وثناياها +قالت لكَ التفَّاحُ لا الأقحوان +فكانَ ذاكَ القولُ تَشويقا مِنها إِلى أن أرشفَ الرّيقا +وبعد ما حدَّقتُ تَحديقا في لثمةٍ لاقى فَمي فاها +كما التَقَت في نَسمةٍ زهرتان +فيا لها من قبلةٍ طالتِ ومُهجتي من حرّها سالت +ونِعمَ ما نلتُ وما قالتِ تلك التي ما كنتُ لولاها +كما أنا ولا غَلبتُ الزمان +قبْلَتُها قد أثّرت في الزمنْ وعلّمتني كيفَ أهوى الوطنْ +وكيفَ أهدي أُمتي في المحنْ وكيف أبكي من بلاياها +والدمُ والحبرُ لها جاريان +حبيبتي سمراءُ شاميَّه وعينُها سوداءُ شرقيَّه +فما أرى مجداً وحريَّه لبنانُ ربّاها وغذّاها +هناكَ حيثُ الكرمُ والسنديان +أصاحِبَ لا تعذليه سلام على زَفَراتِك عِند الحمام +بَكيتَ غريباً فأبكَيتَني فروحي وروحُك إلفا حمام +دموعُكَ سالت لذكر العراق فسالت دموعي لذكرى الشآم +وكم شاعرٍ مُستهامٍ بَكى على طَللي مَنزِلِ وغرام +وعاشَ على أملٍ خُلَّبٍ وما ظَفرت نفسُهُ بمرام +إذا مابنينا قصورَ الرّجاء رأينا خَرائبَها والحطام +شَقينا كلانا فمتَّ وكدتُ أموتُ فجسمي براه السقام +ومرَّ شبابي سَريعاً ولم يَزُر طيفُ سعدٍ ولو في المنام +سعينا لخيرِ الأمورِ بلا مكافأةٍ حيث فازَ اللئام +فوا أسفاه كذاكَ ولِدنا لِنَشقى وما في الثُّغورِ ابتِسام +فمِثلُكَ خضتُ بحاراً وجبتُ قفاراً وشبتُ لِفرطِ اهتمام +فذوّبتُ قلبي وعَيني جَوى ونفسي مطامِعُها كالضرام +ولم أجنِ إلا الندامةَ مما غَرَستُ وهذا نصيبُ الكرام +تَغرَّدتُ بينَ الورى بُلبُلاً فضاعَ الصَّفيرُ وضاق المُقام +وشِعرُكَ شقَّ حِجابَ العصور وذِكرُكَ فيهِ كريَّا الخزام +فَرَدَّدَهُ الخافقانِ فكان لروحِكَ بعد المماتِ انتِقام +وذابت عليهِ حَشايَ لأني بشِع��ِ الشّعورِ شديدُ الهيام +وأيُّ حشىً لا تذوبُ على قوافيكَ وهي دَوامي السِّهام +فنفسُكَ سالت كنفسِ الهَزار على نغمِ الشَّوقِ والاغتمام +وللحزنِ والحبِّ أعذَبُ صوتٍ وأرفَعُ شعرٍ وأقوى كلام +وإيمانُ قلبكَ في الشعرِ لاح يُعزِّيكَ حُسناً وراءَ لِثام +وليس لِقَلبي الجموحِ عزاءٌ ولليأسِ والشكّ فيهِ اصطِدام +فكم في القنوطِ لهُ صَيحةً صَداها تكرَّر تحتَ الظَّلام +وأشعارُنا لغةٌ بَيننا ولكنَّها عجمةٌ للأنام +فما لغةُ العربِ مَسموعةٌ من القومِ والأكثرونَ نيام +ضرائرُها كدنَ يَقتُلنَها وكدنا نقولُ عليها السلام +وما عربيَّةُ هذا الزمانِ كتِلكَ التي ربيَت في الخيام +تُحمِّسَ جَيشاً وتُنشِدُ شِعراً وتَعلو الجوادَ وتَجلو الحُسام +وأفضلُ من هؤلاءِ البنينَ عظامُ الجدودِ الغزاة العظام +فأين الإباءُ وأينَ السخاءُ وأينَ الوفاءُ وأينَ الذِّمام +على فقدنا بالرجاءِ نَعيشُ لعلَّ نجوماً وراءَ الغَمام +إذاً فلنُغَنِّ وننسَ الهمومَ فإنَّ الحياةَ غداً لانصِرام +شَرِبناها على ذكرِ الوليدِ وليلُ الهمِّ يثقلُ كالحديدِ +فَخفَّ وشفَّ عن صبحٍ جميلٍ كما شفَّ الحريرُ عن القدود +مُسخَّنةٌ وفاترةٌ تراءت لنا في الكأسِ ناراً في جَليد +هي الصّهباءُ رَمزُ الحبِّ فيها وفي لمعانِها كذبُ الوعود +ونكهتُها كأنفاسِ العذارى إذا فاغَمتَهنَّ على صدود +وأما طعمُها فاسكُب وذقهُ لتعرفَه بمختصرٍ مفيد +تَشوقُ العاشقين بريحِ شيحٍ ولونٍ من دُجى ولظى قديد +وتُطمعُهم على نكدٍ وبؤسٍ بما للإنكليزِ من الهنود +تقادمَ عَهدُها فروت حديثاً غدا فيهِ حديثاً عهدُ هود +وعلّمتِ التآلفَ والتَّساوي فأحسَت سيداً كأس المسود +وإنَّ صفاءَها منهُ التّصافي وتوثيقُ المودّةِ والعهود +فلم أرَ مِثلها لرخاء عيشٍ ونزعِ الغلِّ من قلبِ الحقود +فَقُل للمسلمينَ تجرَّعوها على دين النّصارى واليهود +أخافُ من المزاجِ على زجاجٍ يَسيلُ فما لدَيها من جمود +وَفورَتُها لسورَتِها مثالٌ فإنذارُ الصواعقِ بالرعود +تَجنَّب شربَها واحذَر هواها لأن الحانَ عرّيسُ الأسود +سواءٌ فيهِ عربدةٌ السكارى وزمجرةُ الليوثِ على الصيود +تمشّت في عروقِ أبي نواسٍ فهزّت عرشَ هارونَ الرشيد +وجرّدَت السيوفَ على عروشٍ فأثكلتِ الخِلافةَ بالوليد +وذاقَتها جنانٌ بعدَ صدٍّ فجادَت بالترائبِ والنُّهود +عديٌّ قد أجادَ الشّعرَ فيها فلا تعذر بها غيرَ المُجيد +إذا الحَبَبُ النّثيرُ طفا عَليها قرأتُ النَّثر من عبدِ الحميد +تذكّرتُ الذينَ تعشَّقوها فكانَ الموتُ منهم كالرقود +فقلتُ على مضاجعهم سلامٌ وموتاها أُولو الرأي السّديد +لقد ماتوا سَكارى واستحبُّوا مناياهم على كرهِ الوجود +إلى السرِّ الخفيّ تحنُّ نفسي لتسكنَ بعدَ تقطيعِ القيود +وتقنعُ بالقليل على حصولٍ وتُعرِضُ بالوعودِ عن العديد +تمرُّدُها أثارَ الناسَ حَولي فلم تحفل بوعد أو وعيد +ومن نُمرودَ شاقَتها نِبالٌ فحيَّت كلَّ جبارٍ عنيد +ولم أكُ راغباً يوماً لجهلي بعيشٍ أو بموتٍ من لبيد +أُحبُّ العيشَ في سعةٍ قصيراً ولا اهتمُّ بالعيشِ العتيد +فما أدنى الحياةَ من التّلاشي وما أدنى الحمامَ من الخلود +فكلني بالكؤوس أَكِل مداماً فأخَتبرَ المنيّةَ بالهجود +وأسكرُ سكرةً لا صحوَ منها وأَدخلُ جنّتَي حورٍ وغيد +وتحتي الزَّهرُ منتثرٌ وفَوقي ونومي بينَ أقداحٍ وعود +ول��أوتارِ ترنيمٌ شجيٌّ كترجيعِ النواحِ على اللحود +فجلُّستانُ أو بستانُ سَعدي يشَوّقُني إِلى عهدٍ سعيد +من الأقداحِ والأحداقِ سكري فدع للنوكِ تجميعَ النقود +كذاكَ تقاربت لفظاً ومعنىً فليسَ السكرُ عَنها بالبعيد +وفي الكأسِ الكياسةُ فاغتِنمها وخُذ من نارِها قبلَ الخمود +فما نفعُ الحياةِ بلا اغتباطٍ ولا طرب وإيناسٍ وجود +بحبّ الخمرِ شارَكني نَديمٌ رشيقُ القدّ أطولُ من عمود +يموتُ بها ويحيا كلَّ يومٍ فيدفعهُ القديمُ إلى الجديد +يَذوبُ ظرافةً ويَتيهُ عجباً وينعتُ كلَّ صاحٍ بالبليد +يقولُ إذا عيوبُ الناسِ عُدّت أتَعذلني على عَيبي الوحيد +تَعدُّ الشّربَ عَيباً غيرَ أني عرفتُ بهِ الأسودَ من القرود +فقل للعاذِلينَ حَسدتُموه ولا يُرجَى الثناءُ من الحسود +وحرمة دنّها لو ذقتمُوها لجدتُم بالطّريفِ وبالتليد +وأطربكم على الألحانِ شعرٌ من البحرِ الطّويلِ أو المديد +وإني لو مرضتُ وجعتُ يوماً ومن تَشرابها داءُ العميد +لفضّلتُ المدامَ على دَوائي وآثرتُ النبيذَ على الثَّريد +فمن دائي الدواءُ وفي الحميّا محيّا السَّعدِ يبسمُ للمجيد +بها هانَ الحِمامُ على عَبيدٍ فلم يَفرَق من الموتِ الأكيد +وقيلَ له تمنَّ فقالَ خمراً يُنيرُ شُعاعُها عبرَ الشهيد +له يومٌ ولي أيامُ بؤسٍ بها اشتُقّ الأشدُّ من الشَّديد +أنا بالسكرِ ثم الموت أولى ففي هذينِ راحةُ مُستَزيد +فنعمَ الموتُ بعدَ السكرِ منها وإلقاءُ السَّلامِ على عبيد +وفي موتي بها تحلوُ حَياتي فمنها بَعثتي بعدَ الهمودِ +وفي حزني تُسلّيني كؤوسي كأبوابٍ من العقدِ الفريد +فقلت لهُ اسقِنيها واشرَبَنها على رغمِ الحسودِ أو الجحود +فأجلسُ بينَ ريحانٍ وراحٍ وأستَجلي الكؤوسَ على الورودِ +وأغرسُ جنةً وأشيدُ قصراً على أطلال عادٍ أو ثمود +ليالي مسلمٍ بيضٌ ففيها شَفَت بنتُ المجوسِ ابنَ الوليد +وفي جرجانَ عزَّتهُ قليلاً فلم يعبأ بأعمالِ البريد +كنَخلتِه غريباً حنَّ لما رأى في الخمرِ أمناً للطريد +فكم من ليلةٍ منهُ تريني شريداً يَقتفي أثرَ الشَّريد +وقد بلَّ النّدى شَعري وثوبي وشِعري كالجواهرِ في العقود +ولاح البدرُ بين غماتيهِ فرغّبني بمكسالٍ قعود +إليها اجتَزتُ سُوقاً بعد سوقٍ وقلبي فيهِ من حرِّ الوقيد +وحينَ دَخَلتُ منزلها أرَتني كناساً فيهِ تخويرُ الجليد +جَلت عن نارِ وَجنتِها دخاناً وأبدَت حمرَها من تحتِ سود +وقالت والوشاحُ على يَدَيها بهذا مَصرعُ البطل النجيد +فقلتُ النارُ شاقتني وإني مجوسيٌّ يُشمِّرُ للسجود +أرى نهدَيكِ معزفةً وعرشاً لأكبرِ من هشامٍ أو يزيد +إذا لمَستهما كفِّي وجسَّت أُناغي أو أُغنِّي كالوليد +بضيقِ الذَّرعِ مِنكِ أضيقُ ذرعاً فأَخفي ما يوَسوسُ أو فجودي +فلستُ براجعٍ عنهُ وإني لآخِذُهُ من الزَّردِ النضيد +فآدمُ لم يَرعهُ الموتُ لما جَنى التفَّاحَ من حمرِ الخدود +ولما احمرَّ خدّاها ولاحت على الشّفتَينِ بيِّنةُ الشّهود +هَصَرتُ قوامَها بذؤابَتيها فلامَسَ رأسُها حَبلَ الوريد +وبتُّ أقبِّلُ المرجانَ حتى رأيتُ الدرِّ من أغلى فريد +وفاحَ على ثناياها شَذاها وفي أنفاسِها تحريقُ عود +سَقَتني خمرَتَي كأسٍ وثَغرٍ وجادَت لي بتَجويدٍ وجيد +نَعِمتُ بها منعِّمةً للحنِ إذا غَنّت أقولُ لها أعيدي +كذا محبوبةٌ غَنّت وفضلٌ لدى متوكِّلٍ ولدى سعيد +وأطرَبتِ الحجازَ جَرادتاهُ مُغرِّدَتينِ للعيشِ الرغيد +ولما انشَقَّ صدرُ الليلِ حقداً على مُتَمَتِّعٍ فيه سهيد +تنشّقتُ النسيمَ فنعّشتني نوافحُ برَّدت حرّى الكبود +وقابَلني الصّباحُ كمشتهاةٍ رَنت وتبسّمت لفتى ودود +فتقتُ إِلى التنزّه في رياض معلّقةٍ إِلى الجبلِ المريد +لأملأ مُهجتي نوراً ونضراً وطيباً في حِمى ظلٍّ برود +طلعتُ أجدّ آمالي عَليه معَ الفَلَقِ المجدّدِ والمعيد +وليسَ مطيتي إِلا زحوفاً أحَبُّ إِليَّ من ذاتِ الوخيد +فكم حنّت خمائلُ وارجَحَنَّت ونَفحُ نَسيمها مشيُ الوئيد +وفيها الرّيحُ هبت فاشرأبت كجمهورٍ يُطلّ على وفود +فأطرَبني حفيفٌ أو خريرٌ لماءٍ في التهائم والنجود +فطَوراً سالَ رقراقاً وطَوراً تبجَّسَ من حَشى الصّخرِ الصَّليد +وغَرّد ثَمَّ عصفورٌ لطيفٌ فعلّمني أساليبَ النّشيد +وردَّد صفرةً خَلبت فؤادي فكانت عنده بيت القصيد +فَقُلتُ أعِد غِناءَكَ يا مُعَنَّى ولستُ لغيرهِ بالمُستعيد +سواءٌ نحن فالتغريدُ شعرٌ فغرِّد للمجيدِ المستجيد +وإِلا ضعتَ مِثلي بينَ قومٍ أُجاوِرُهم ولستُ بمُستفيد +جواري لم يكن إِلا إساراً وأشعاري كصَلصلةِ القيود +فبت حرّاً وطِر حرّا فموتٌ حياةُ الحرِّ ما بينَ العبيد +لسانُ الطَّير أفهمُه فرُوحي كأرواحٍ من الأطيارِ رود +شكوتُ إليكَ والشّكوى عزاءٌ فما أدنى الودود من اللدود +أراكَ تزقُّ أفراخاً وتزقُو فأذكرُ كلّ مأدبةٍ وعيد +وَقَت لكَ دوحةٌ إلفاً وعشّاً وهذي دعوةُ النائي الفقيد +أرى حبّي شراراً مُستَطيرا فَخافي أن ترَي مِنهُ سعيرا +بِلحظِكِ تقدحينَ زِنادَ قلبي وتمنعني ثناياكِ النَّميرا +إذاً لا تَعجَبي إن جئتُ يوماً بمائِك من لهيبي مُستجيرا +فربّ ضرورةٍ حلَّت وخيرٍ كبيرٍ برَّرَ الشرَّ الصغيرا +لماذا ترفعين الذَّيلَ عمداً ليبدو الساقُ أبيضَ مُستَديرا +ولو أرخَيتِهِ رَفَعَتهُ عَيني وقد رَمقَتكِ ناهبةً جَسورا +أبنتَ الرّومِ عقدُ الصّلحِ أولى مع العربيِّ فاطَّرحي الغُرورا +أتُبدينَ التجلّدَ في جلادٍ وقد أرسَلتِ طَرفَك لي سفيرا +سأتبعُ من أبي دلفٍ طَريقاً فلا تحمي الدّروبَ ولا الثُغُورا +سَلي أهليكِ عن عربٍ غُزاةٍ على أنهارِهم عَقَدوا الجسُورا +لئن كان الهوى وهباً ونهباً هَبيني تملأي قلبي حُبُورا +فمن عينٍ كراهبةٍ تصلّي وثغرٍ مُسلِمِ يأبى الفُطورا +ومن خدٍّ مجوسيٍّ وصدرٍ يهوديٍّ لموسى كان طُورا +وخصرٍ كافرٍ وهلمَّ جرا فأفتَحُ قلعةً سُوراً فسُورا +رأيتُ الحبَّ مثلَ الداءِ عَدوى يُحَيِّرُ سرُّها النّطسَ البصيرا +أحَبَّ اليَشكُريُّ فتاةَ خِدرٍ فَعانقَها وقَبّلها كثيرا +فهمَّ بعيرُهُ لما رآهُ بناقَتِها فَقَبّلت البَعيرا +تصّبتكَ النواعمُ يا فؤادي ليسمعنَ الأنينَ أو الزّفيرا +على الأغوارِ يَسبلنَ الليالي وفي الأنجادِ يُطلِعنَ البُدُورا +ويَحبُكنَ الحبائلَ من شعورٍ فإن يَصطَدنَ يَملُكنَ الشُّعورا +ويُظمئِنَ القلوبَ إِلى ثغورٍ فتَلقى النارَ إن تردِ الثغورا +فلا تَخدَعكَ رقّةُ فاتِناتٍ لرقّ الحرّ رقَّقنَ الخصُورا +هي الأُنثى الضّعيفَةُ علّمتني وكنتُ لها نَديماً أو سَميرا +بذرفةِ دَمعةٍ سَفَكت دماءً فَكيفَ بذرفِها الدّمعَ الغزيرا +وراءَ الكلّةِ البيضاءِ ظَبيٌ غَريرٌ يَصرَعُ الأسَدَ الهَصُورا +تَلوحُ كأنَّها طيفٌ وتخفى وتحكي الماءَ عذباً أو كديرا +غلائِلُها حبائلُ زَخرَفتها وذرّت فوقَها حبّاً نَثيرا +فَرَفرَفتِ النواظِرُ تجتليها فأُعلِقت القلوبُ بها طُيُورا +تَبرُّجُها وزَبرَجُها خِداعٌ لِكي تُذكي العواطفَ والشُّرُورا +حَوَت كحلاً وغاليةً وصبغاً وإبريزاً وساموراً مُنيرا +تضاءلَ خَصرُها غَوراً ليُغري برِدفٍ أشبَهَ التلَّ النَّضيرا +وأطلعَ صَدرُها الرمّانَ رَطباً فكانَ كجنّةٍ حمَلت غَديرا +ومن فيها وعَينيها ثلاثٌ لها دُنياكَ تُوشِكُ أن تمورا +فبالشَّفَتين والعَينَينِ تَدعُو وإن ترغَب تَقُل أخشى المصيرا +وإمّا حدّثت مضَغَت وغضّت بجَفنيها لتُطرِبَ أو تُثِيرا +فسائلها لماذا كلُّ هذا إذا ما كُنتِ غانيةً طَهُورا +إذا غازَلتَها ازورَّت وفرَّت وقالت إنّما تَبغي نكيرا +ولكن إن أخَذتَ بلا سؤالٍ ظَفرتَ بها وفرَّكتَ الحريرا +تضنُّ بلَمسةٍ من راحَتَيها وما في الدِّرعِ تُنهبُهُ المغيرا +فلا تَرهَب دَلالاً أو عَفافاً ولا تَقنُط إذا أَبدت نفُورا +فإنّ حِجابَ عفّتها رَقيقٌ يُحاولُ كلّ يومٍ أن يَطيرا +تجلّد في العِراكِ تَنَل مراماً فذاتُ الضّعفِ تَحترِمُ القديرا +وحاذِر أن تقولَ لجارَتَيها ضَحُوكاُ ليسَ صاحِبُنا خَبيرا +وعجِّل ما استَطَعتَ إِلى وصالٍ قريبٍ واسلكِ النَّهجَ القصيرا +وأعطِ اللينَ ما أعطتك ليناً ولا تكُ إن جفت صبّاً غيُورا +فمَن وصَلتكَ صِلها ثم دَعها إِلى أُخرى ولا تَلبث حَسيرا +وقِس أُنثى بأُنثى فالغَواني سواءٌ عندَ ما تَلِجُ الخُدورا +بَدَت مِنها السَّرائرُ والخفايا لِمَن ألفَ الحشايا والسُّتورا +فكم من رِدفِها المهتزِّ بطلاً وكم من صَدرها المُرتَجّ زُورا +وكم في ثَغرها البسّامِ كيداً وكم في خَدِّها الباهي ذُرُورا +وكم في جيدِها الحالي نُذوراً وكم في طرفها الساجي نذيرا +وكم شهدت ستائرها عراكاً وكم سمِعت وسائدُها هَديرا +فقَد تَلقى عَفافاً مِن بغيٍّ وتَلقى من مخدَّرةٍ عُهورا +أفِق لا تَبك ذا سلمٍ وسلمى وصُن مِن دَمعكَ الغالي يَسيرا +فإنّ العشقَ وَهمٌ مُضمحِلٌّ سَتَضحكُ مِنهُ إن تَدرِ الأمُورا +وإن الكفرَ أوَّلُهُ ارتيابٌ إذا ما العَقلُ فنَّد مُستَخيرا +فرُبَّ غِوايةٍ أعمَت بصيراً وربَّ حقيقةٍ قادت ضَريرا +عقلتُ فلم تُدَلّهني فتاةٌ ولن أترقَّبَ الثَّوبَ القَصيرا +سأتركُ دلّها لأبٍ وأمٍّ وخطّيبٍ تُذَوِّبُهُ نُفُورا +أتُبدي الغنجَ كي أُبدي هُيامي وكي يَغلي دَمي تُبدي فُتُورا +وحينَ أزورُها تُرخي حِجاباً وفي الشرفاتِ ترمُقُني سَفُورا +أما واللهِ لولا همُّ مَجدٍ خُلقتُ لهُ وكنتُ بهِ جَديرا +لقلتُ لها أَعدّي واستَعدّي فإنّ الأمرَ أقحَمُهُ خطيرا +تجاوَزتِ اليسيرَ إِلى عسيرٍ وبالتّجويزِ يَسّرتِ العَسيرا +ولي أُمنيَّةٌ فوقَ الثُّريَّا سمَوتُ بها فطَايرتِ النّسورا +ومن أبياتِ شعري شدتُ بيتاً رَفيعاً يَفضَلُ الهرمَ الكبيرا +وفي الحبّ اكتَسبتُ حجىً وظرفاً وما استكملتُ حتى صرتُ زيرا +سليمانُ الحكيم غدا حكيماً بأن أعلى لبلقيس السّريرا +سأقضي في الهوى وطراً قريباً وأغتَنمُ اللذاذةَ والسرُورا +ألذُّ الحبّ أدناهُ قُطوفاً فأعوامُ الصِّبا تمضي شُهورا +يعفُّ المرءُ عَجزاً أو رياءً ويَستُرُ بالمداجاةِ الفجورا +لإيهامٍ يلفُّ بثوبِ وَهمٍ حقيقتَهُ ويُودعُها العصورا +وفي شهَواتهِ يُبدي عَفافاً ويُظهِرُ نارَهُ للناسِ نورا +بليلى طالَ ليلُ الصبِّ أما أنا فاللّيلُ أقطَع��هُ قَصيرا +يرى من خِدرِها إيوانَ كِسرى ولستُ أرى الخَورنَقَ والسَديرا +كذاكَ النّاسُ هاموا في هواهم بأوهامٍ بها سيقوا حميرا +وما الدُّنيا سِوى عريٍ قبيحٍ وليسَ قصورُها إِلا قُبُورا +وإنَّ الحقَّ يقبحُ إن تعرَّى فعلِّل منهُ بالحِلو الحَزيرا +وأظهِر للعِدى جَلداً وصَمتاً ويومَ البَطشِ أسمِعهم زئيرا +فما مَلكَ الورى رغباً ورهباً سِوى من كانَ فتّاكاً صَبُورا +على الحسَناتِ تلقى ألفَ خصمٍ ولا تلقى بسيئةٍ عذيرا +تثبت فالأمور لها رواءٌ وتمويهٌ وكن حَولاً حَذروا +لبانتُكَ انقَضَت في حبِّ لبنى فخُذ لبّاً ودَع منها قُشورا +وعِش حرّاً خَليّا مُستَقِلاً تَكُن في كلّ منزلةٍ أميرا +أغنى التُّقى عن بُرقُعٍ وخباءِ عذراءَ تمسحُ دمعةَ البأساءِ +رَفِقَت بكَ الحريَّةُ الزَّهراءُ في بَلواكَ رِفقَ الأُمِّ بالأبناء +فارفَع جبينكَ باسماً وانظر إِلى مَوجِ البحارِ وأَنجُمِ الزَّرقاء +فكذا أمانيُّ الشّعوب تَلاطَمَت وقُلوبُها انفتحت لنورِ رَجاء +وافتح ذِراعَكَ للمحبَّةِ إنّها زارَتكَ في الأحزانِ والأرزاء +ولطالما ضمدَت جراحاً كفُّها ما أجملَ الإحسانَ بالحسناء +ولقد أقولُ لمن تقسَّمَ قَلبُها وَجداً على إخوانها التُّعَساء +وعلى منازِلنا جَرَت عَبراتُها لمَّا تذكَّرتِ النَّعيمَ النائي +يا ميَّ لا تَبكي رجالَكَ إنَّهم كُرَماءُ في السَّراءِ والضَّرَّاء +فلهم قلوبٌ لا يُرَوِّعُها الرَّدى إن يَدعُهُم وَطَنٌ إِلى الهَيجاء +ولهم نفوسٌ يا مَليحةُ لم تزَل في الفقرِ والبؤسى ذواتِ إِباء +ولربَّما انقَلبَ الزمانُ بأهلِهِ فتَهبُّ عاصِفَةٌ من الصَّحراء +وتُثيرُ فيهم همَّةً مَدفونةً فالبَحرُ يُخشى بعدَ طولِ صَفاء +وتَشُوقُهم أيّامُ مَجدٍ ذكرُها باقٍ لهم من أقدَسِ الأشياء +يَتعلَّلونَ به إِلى أَن يَظفروا بعَصائبِ الظُلَّام والرُّقباء +وعَساكِ يوماً تَبسمينَ لهم وقد أبصَرتِهم يُبلون بالأعداء +فإذا سُئلتِ عن الذينَ تساقَطوا صَرعى فدى وَطنٍ لهم ولِواء +قولي مُفاخِرةً بهم وتجلَّدي هؤلاءِ فتياني حُماةُ خِبائي +وإذا الرّبيعُ على مناكبِ أرضِنا ألقى رداءَ العِشبِ والأفياء +حيّي بِزَهرٍ قَبرَهم وابكي على زهرِ الشَّبابِ مُعاجلاً بفناء +فلئن مَرَرتِ على الثَّرى خفَّفتِهِ وكَسَوت نضراً تُربةَ الشُّهداء +وإذا رَنوتِ إِلى النجومِ وبَعضُها يَغشاهُ جنحُ الغَيمةِ السُّوداء +والرِّيحُ تزفُرُ بينَ طيّاتِ الدُّجى والموجُ هدَّارٌ على الميناء +قولي تمزَّقَ شَملُنا وقلوبُنا لهفى على فِتيانِنا الغُرَباء +أيَعودُ يوماً إخوتي وأحبَّتي فَبهم عزاءُ بلادِنا وعزائي +وإذا الأعادي عيَّرتكِ بنِسبةٍ عربيَّةٍ فيها صفاءُ الماء +قُولي هي الفَخرُ العظيمُ لأنها شرَفٌ ورثناهُ عَنِ الآباء +أَزرَت بنا الدُّنيا وأبقَت مَجدَنا فشقاؤنا أَبهى من النُّعماء +الزَّهرُ يَزكى عَرفُهُ بذُبُولهِ وكذا النفوسُ تصحُّ بالأدواء +وعلى جبينكِ صفرةٌ جذَّابةٌ عَذُبَت لقلبٍ مُلجَمِ الأهواء +هَل يذكُر الغرباءُ كم مِن مرَّةٍ خَضعُوا لنا في الغارَةِ الشَّعواء +وخيولنا ملء البلاد صهيلها ونعالها مخضوبةٌ بدماء +وشيوخنا باكون إذ لم يَشهدوا ضَربَ الظّبى في الوقعَةِ الغراء +أخنى الزمانُ على فَتاكِ وطالما أخنى على الأحرارِ والشُّرَفاء +إن كان أخلق بُردتي وشَبيبَتي فالنّفسُ ذاتُ تجد��ُدٍ وبقاء +ستَهبُّ أرواح الرّجاء فَينجلي غيمُ الشَّقاءِ وتبصِرينَ بهائي +فتَبسَّمي مثلَ الكواكِبِ وارقُبي نجماً إليكِ رَنا من الظّلماء +عن حالتي لا تَسأليني رُبَّما راعَتكِ من قَلبي جروحُ شقاء +فدَعيهِ جاهلةً لما يُدميهِ من سرٍّ فشاهُ تنفُّسُ الصّعداء +لو كنتُ أرجو من يَديكِ شفاءَهُ ما قلتُ إنّ الموتَ خَيرُ دواء +قسماً بثَغركِ إنَّ حبَّكِ شاغلٌ إياهُ يومَي راحةٍ ورخاء +وإذا دَعا الوطنُ المقدَّسُ لم أكن إِلا لأطلُبَ في القِتالِ شَفائي +الحبُّ فوقَ المجدِ لا الشَّرفُ الذي كالوردِ عطَّرَ بُردَتي ورِدائي +أو لا يَسرُّكِ أن يُزَيِّنَ جبهتي إكليلُ غارٍ بعدَ حُسنِ بلائي +ولعُ الملاحةِ بالشّجاعةِ مثلُهُ وَلعي بعَينِك هذهِ النَّجلاء +وَيَزيدني ولعاً بها تَذكيرُها وَطَني وشمسَ صُبوَّتي وسمائي +وطنٌ لدى ذكراهُ أبكي يائساً مِن عودةٍ ويَدي على أحشائي +وأحبُّ أن أقضي إليهِ محوِّلاً وَجهي ففي أرضِ الشآمِ رجائي +العينُ تحملُ شمسَهُ وسماءَهُ والصّدرُ يحملُ منهُ طيبَ هواء +إني رَغِبتُ عَنِ الإقامةِ عزَّةً وأعزُّ شيءٍ ما ترَكتُ وَرائي +فاحمِل إلى لبنانَ يا نفَسَ الصَّبا زَفراتِ من أضناهُ طولُ ثناء +فَلكم صَبَوتُ إلى حفيفِ صنوبرٍ وهديرِ نهرٍ حيثُ كان هنائي +وعلى رُبى بيروتَ ألفُ تحيَّةً فُهناكَ أذكُرُ وَقفَتي وبُكائي +وعلى دِمَشقَ ونهرِها وجِنانِها وعلى حِمى العربيَّةِ العَرباء +وإلى فرنسا احمِل شكاوى أُمَّتي فنفوسُنا يَئست من البرحاء +وقلوبُنا كعيونِنا شَخَصَت إلى باريسَ تِلكَ النجمةِ الزَّهراء +ألا يا هندُ حيِّي الباسِلينا إذا شَهِدُوا الوَغى مُتَبسِّمينا +فما ردُّ التحيَّةِ منكِ إِلا كما حيَّا النَّسيمُ الياسمينا +وطيبي يا ابنَةَ الأحرارِ نفساً لقد عادَ الأحبَّةُ ظافرينا +وكلَّ صَبيحةٍ ألقي سلاماً على فِتيانِك المُستَبسِلينا +أَلم تتبَسَّمي يا هندُ لمَّا رأيتِ فتاكِ قد رَفعَ الجبينا +ولاحت نفسُهُ في مُقلتيهِ تُريكِ العزمَ يهزأُ بالسّنينا +وقالَ وبَينَ أَضلُعِهِ فؤادٌ كلَيثٍ خادرٍ يحمي العَرينا +دَعيني أركَب الأخطارَ وحدي ألستِ مُحبَّةً للماجِدينا +إذا ما جادَ بالنَّغماتِ جُودي بقُبلاتٍ تذكّرهُ اليمينا +وغنّي يا مَليحةُ للصّبايا قصائدَهُ التي رنَّت رَنينا +وقولي أيُّها البَطلُ المفدَّى وقاكَ اللهُ شرَّ الحاسدينا +عَرَفتُكَ سيّدَ الشعراءِ طرّاً وأنت اليومَ أوفى العاشقينا +ألا هَل تَذكُرينَ مساءَ بِتنا نذوبُ جوىً ألا هَل تَذكُرينا +وقَلبكِ مثلَ عُصفورٍ لطيفٍ يُناجي بالهَوى قَلبي الحزَينا +وفي عَينَيك أنوارٌ تُريني عفافاً يَكتُم السرَّ الدَّفينا +ومن حبّاتِ عقدِكِ قد تدلّى صَليبٌ يحرسُ الكنزَ الثمينا +أُحاولُ أن أمدَّ يديَّ حيناً فتُرجِعُني المهابةُ عنكِ حينا +وليلَ ذكرتُ في الحمراءِ أهلي فذبتُ إِلى مغانيهِم حنينا +وبتُّ أسائل الأرواحَ عنهم وأنشُقُ طيبَهنَّ وتنشُقينا +وللأمواجِ حَولينا هديرٌ يُعيدُ لنا وِداع الراحلينا +تذكّرتُ الحمى فأدَرتُ وَجهي إِلى الوطنِ الذي فيهِ رَبينا +هُنالِكَ ألفُ تذكارٍ شجيٍّ سيحفَظها فتاكِ وتحفظينا +جمالُ الشاطئِ الورديِّ صُبحاً يُذَكّرنا الربوعَ إذا نَسينا +ويوحِشُكِ الدُّجى طوراً وطوراً بأنوارِ الكواكبِ تأنَسينا +وكنتِ كئيبةً تَذرينَ دَمعاً وبالكفَّينِ دَمعي تمسحينا +فقلتِ وفي ثناياكِ ابتِسامٌ كآمالٍ بَدَت لليائسينا +تجلَّد في الشدائدِ يا حَبيبي فأنت سَليلُ قومٍ أكرمينا +وهل عادى الزّمانُ سِوى عظامٍ بما فوقَ الثُّريَّا طامِعينا +عَهدتُكَ باسلاً في كلِّ خَطبٍ تشجّع باللّحاظِ الخائفينا +فكن بطلاً لترضيني وإِلا سَلوتُ هواكَ والعهدَ المكينا +وَدَعنا اليومَ بينَ الناسِ نَشقى ليُسعِدَنا جَزاءُ الصَّابرينا +فقلتُ أتَضمُدينَ جروحَ قلبي لأنسى يا مليحةُ ما لقينا +أرى أرضَ الأجانبِ ضيَّعتني وقد أصبحتُ في سجني رَهينا +أرى الأعداءَ يجتَمِعونَ حَولي ولن أخشى العدى المتجمّعينا +ستُرضي همَّتي شَرَفي وحبّي وأنت على كلامي تَشهدينا +إذا ما اللّيلةُ الغراءُ أرخَت سِتاراً ردَّ عنّا الكاشِحينا +وسامَرتِ الكواكبَ طالعاتٍ من الظّلماءِ تهدي التائهينا +وذرَّت نجمةٌ زَهراءُ كنّا نمدُّ إِلى أشعّتِها اليَمينا +وشاقَتكِ الخمائلُ نائحاتٍ فبتّ ترجّعينَ لها أَنينا +وفاحَ العطرُ من أذيالِ ريحٍ محمَّلةٍ سلامَ النازحينا +بعَيشِ أبيكِ يا هندُ اذكريني ولا تَنسي المودَّةَ ما حَيينا +وإن شطَّ المزارُ ومتُّ فابكي غداً ذيَّالِكَ الصبَّ الأمينا +تعالي قَبِّليني في جَبيني على مرأى الأعادي أجمَعينا +لعلَّ قلوبَهم تَنشَقُّ غيظاً فأحمدَ ما فعَلتِ وتحمدينا +فهل مِثلي ترينَ أخا وفاءٍ وجودٍ إن خبرتِ الأكثيرنا +وبينَ جوانحي يا هندُ قلبٌ تفجَّرَ منهُ ما لا تجهَلينا +تجمَّعت الفضائلُ في حِماهُ فأصبَحَ دُونها حصناً حَصينا +وما عمري سِوى عشرينَ عاماً فكيفَ إذا بَلغتُ الأربعينا +لعمرُكِ كلُّ يومٍ من حياتي أُفضِّلُه على عيشِ المئينا +تعالي نَسمَع الهدراتِ ليلاً ونخترقُ العواصفَ هازئينا +وإن خُوّفتِ شراً لا تخافي لأنَّ بقيّةَ الأبطال فينا +قِفي بالله سلّينا قَليلاً ومن بسماتِ ثغرِكِ زَوِّدِينا +فما بسماتُه إِلا شعاعٌ يعلِّلُ بالأمانيِّ السَّجينا +سَلي إن كنتِ لم تَثقي بقولي عنِ الخبرِ الذي تتعشَّقينا +لعلَّك بعدَ أن تتأكّديهِ عن النَّصر المبينِ تُحدّثينا +كذلكَ إن نعِش عِشنا كِراماً وإن متنا دُعينا الخالدينا +فلسنا في الدّيار سِوى نجومٍ تقرِّبها عيونُ الساهرينا +ولسنا في القبورِ سِوى طُيوبٍ يلذُّ عَبيرُها للناشقينا +أأَنتِ على جباهٍ عالياتٍ أزاهيرَ القرنفلِ تَنثُرينا +ويومَ ترينها أَفَلت نجوماً على الأجداثِ دمعاً تَذرُفينا +وعينيكِ اللتينِ تصبَّتاني سأضربُ حاسِدي حتى يَلينا +وأظلمُ عابدي الأصنامَ حتى يَقولوا اليومَ صِرنا مؤمنينا +وأنزعُ كلَّ تقليد عَقيمٍ وكلَّ خرافةٍ للأوَّلينا +وأكسرُ كلَّ سلسلةٍ وقيدٍ لكي تمتدَّ أيدي الكاتبينا +وأحملُ رايةَ الإصلاحِ حتى أرى الفتيانَ خَلفي سائرينا +وأهدمُ غيرَ هيَّابٍ قلاعاً ضِخاماً من بناءِ الأقدمينا +وأبني فَوقَها قصراً جَديداً غَدا شِعري لهُ أُسّاً مَتينا +أنا فكتورُ هوغو بينَ قومي إذا عاشَ ابنُ طعمةَ تفرحينا +أخا الحَسناءِ هلّا جئتَ خَصمي وقلتَ لهُ قَهَرنا المُعتَدينا +وما في نَصرنا فخرٌ ولكن أرَدنا أن نكونَ مؤدّبينا +ليعلمَ أنَّنا فتيانُ صِدقٍ يُلبّونَ المروءةَ مُسرعينا +صَرَعنا كلَّ جبارٍ عنيدٍ وما كنّا بذاكَ مُفاخِرينا +وإنا إن نَظمنا شِعرَ صدقٍ نظمناهُ لِقَومٍ شاعرينا +وإنَّا إن أفضنا نورَ حقٍّ أفَضناه لقومٍ مُبصرينا +نغرِّدُ ما نغرِّدُ بالقَوافي لنُطرِبَ نُخبةَ المتمدّنينا +وليسَ يهمُّنا أن ضاع درٌّ لدى أجلافِنا المتعصِّبينا +فللأشعارِ تأثيرٌ جميلٌ على قلبٍ حوَى طرباً ولينا +سلوا عنّا الحسودَ متى رآنا حَيارَى كالأرانب راكِضينا +أينكُرُ بَطشَنا يومَ التَقينا وكنّا قائلينَ وفاعلينا +وكنّا حاملينَ لِواءَ عزٍّ يظلِّلُنا ويحمي الأقربينا +إذا ما شاءَ تجربةً رآنا بتَجربةِ العزائمِ راغبينا +ليدري الناسُ من منّا جبانٌ إذا حامت عيونُ الشّاهدينا +ولكن دَعوتي للخَصمِ عيبٌ لأني لستُ أحسِبهُ قرينا +يردِّدُ كالصّدى شِعري فأرثي لِشعرورٍ يقودُ المدَّعينا +سَعى بالشرِّ والإغراءِ بَيني وبينَ كبارِ قومي النابغينا +أنا منهم وهم مِثلي كرامٌ فَلسنا حاسِدينَ ومبغِضينا +بإصلاحٍ عُرفنا أو صلاحٍ فلم نكُ فاسِدينَ ومُفسدينا +وهل بينَ العِظامِ لهُ مقامٌ إذا جاؤوا عليَّ مُسلِّمينا +وحيّتكِ المكارمُ باسماتٍ فقد أخبَرتُها الخبرَ اليقينا +ألا يكفيكِ فخراً أنَّ شِعري عَليكِ هَمَى وكنتُ بهِ ضَنينا +وصاحِبُكِ الفَتى حرٌّ جَسُورٌ زعيمٌ في صفوفِ المُصلِحينا +ترينَ الهمَّةَ الشماءَ فيه إذا طلعَ الكِرامُ مُجاهِدينا +ضَعي كفَّيكِ في يَدِهِ وقُولي صَدَقتَ فكن زَعيمَ الأفضلينا +خُلِقنا للذُّرَى فاجثم عَليها ودَع حسَّادَنا مُتَدَحرجينا +ألم ترَ كيفَ نَسرُ الجوِّ يَعلو وقد طاشَت سِهامُ القانِصينا +وكيفَ الكَوكبُ السيّارُ يجري وقد حارَت عقولُ الراصِدينا +وكيفَ الشّمسُ تُشرقُ كلَّ يومٍ على أشرارِنا والصّالحينا +وُلِدنا في لفائفِنا كِباراً كذلكَ شاءَ ربُّ العالمينا +حريَّةُ الشعبِ بينَ السيفِ والعلمِ وقوةُ النفسِ بين الدَّمع والألمِ +وفي الشدائدِ والثوراتِ بان لنا فضلُ الرجال ذوي الأفكارِ والهمم +إنَّ النوابغ أبناءُ التجاربِ في كلِّ العصورِ التي انشَقَّت لضَربهم +يا حبَّذا أمةٌ تَشقى بثورَتِها حتى تفوزَ بما ترجو من النعم +كما نرى الشَّمسَ بعد الغيمِ ساطعةً والأرضَ خضراءَ بعد الثّلجِ والديم +في وَحشَةِ الليلِ تهدينا وتؤنِسُنا أَشعَّةُ الكَوكبِ السيّارِ في الظُّلم +وفي الكَوارثِ آمالٌ مُزَخرَفةٌ تُشدِّدُ العَزمَ عند اليأسِ والسأم +كأنها كلماتُ العدلِ مُنعِشَةً للضّعفِ أو بسماتُ اللهِ للنَّدَم +مرُّ الشَّقاءِ الذي يهدي النفوسَ حَكى مرَّ الدواءِ الذي يَشفي من السَّقم +إنَّ المرارةَ في الحالينِ نافعةٌ للجسمِ والنفسِ فلنشرب ولا نلم +أحَبُّ شيءٍ إِلى نفسي التي انبَثقَت من الشّذا والنّدى والرّعدِ والحِمم +تفتيحُ قلبٍ شقيٍّ للنَّعيمِ كما تَفَتّحت زَهرةٌ للنُّورِ والنَّسَم +والنًّفخُ في قلبِ شعبٍ نام في كَفَنٍ حتى يهبَّ إِلى العلياءِ والعظم +يا شعبَ لبنانَ يا شعباً أُمجِّدُه يا منبعَ العَقلِ والإصلاحِ والكرم +يا شعبَ لبنان يا نسلَ الأُلى ضَرَبوا بالمشرفيَّةِ هامَ الجَحفَلِ اللَّهمِ +يا شعبَ لبنانَ يا نسَلَ الأُلى غَضِبوا فأطلعوا الشَّمسَ من أَغمادِ بِيضِهم +يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى امتَنَعوا مثلَ الشَّواهينِ في أعلى جبالِهم +يا شعبَ لبنانَ يا نسلَ الألى عُرفوا بالماردينَ وقد عَزُّوا ببأسهم +يا شعبَ لبنان يا نسلَ الألى سقَطوا على أكاليلِ غارٍ في حروبهم +هلَّا اندَفعتَ إِلى العلياءِ مقتفياً آثارَهم آخذا يوماً بثأرهم +هلَّا عَلمتَ وفي الأرزاءِ مَوعِظةٌ أنّ�� الضياغِمَ ترعى اليومَ كالغنم +الشعبُ كالفردِ في كلِّ الأمورِ لئن يَقنع بأوهامِهِ يُسرع إِلى الهرَم +من حكَّم القلبَ يُدرِكهُ الشقاءُ ومن يحكّمِ العَقلَ يحمد حِكمةَ الحِكم +إِلى السعادةِ تهدينا الحقيقةُ إذ بالوَهم تَفنى حياةُ العاجزِ البرم +تقدَّمنّ وكن باللهِ ذا ثِقَةٍ واسترجعنَّ سليبَ الأرضِ بالقدم +واستَعذبِنَّ المنايا وامشينَّ على ميَّادةِ الأرضِ أو خفاقةِ النجم +ومزِّقنَّ العدى في هَولِ معركةٍ والخيلُ صهّالةٌ قطّاعةُ اللُّجُم +وبدِّلنَّ مِنَ الحالاتِ أتعَسها لأنّ عيشَتَنا نوعٌ من العدم +لو كنتَ تَعلمُ ما معنى الحياةِ وما في طاقةِ الشَّعب لم تَقنَط ولم تنَم +الشَّعبُ ما الشَّعبُ إن ثارت خَواطِرُهُ ومنهُ زَمجرةُ الآسادِ في الأجَم +روح العليِّ على الظلّام غاضبةٌ تطهّر الأرض بالأهوال والنقم +الشعب ما الشّعبُ غيمٌ فيهِ صاعِقةٌ تَنقَضُّ حاملةً للرّعدِ والضَّرَم +الشّعبُ ما الشَّعبُ بحرٌ كلّهُ زبدٌ والموجُ ما بينَ هدَّارٍ ومُلتَطِم +يا هازئينَ بشعبٍ مُفعَمٍ أملاً وضاحكينَ لدمعٍ منه مُنسَجِم +بعد الشكاوى التي أفنَت مدامِعَنا سَتسمعونا وإن كنتم ذوي صَمَم +ما ذنبُنا عِندَكم إِلا هوى وطنٍ يَشقى بكم فاحتَموا بالمكر والتِّهم +نَشكو ونطلُبُ إصلاحاً لأمَّتِنا فتُشبِعونا مِنَ التّعليلِ والكَلم +من ضعفِنا قد أخَذتم كلَّ قوَّتِكم وما أقمتم على عهدٍ ولا ذمم +فكم تُضَحُّونَ مِنّا حائمين على تلكَ الضحيّاتِ كالغُربان والرّخم +واللهِ واللهِ لو كنّا ذوي أنفٍ لما ترَكنا جداراً غيرَ مُنهدِم +ولا تركنا حِجاباً غيرَ مُنمزقٍ ولا تركنا حُساما غيرَ مُنثَلم +لنا حُقوقٌ وثاراتٌ نُذكِّرُها أَبناءنا ونُبَكِّيهم على الرّمم +والربُّ يشهد والأملاكُ ساخطةٌ ترمي عداة الهدى بالرعبِ والبكم +سنطلبُ الحقَّ يوماً بالسُيوفِ فلا نرتدُّ حتى نُروِّيها من اللمم +لبنانُ باللهِ يا لبنانُ كم وَلدٍ في القربِ مُضطَهدٍ في البُعدِ متّهم +يَصبو إليكَ ويَشكو في النّوى ألماً ورِزقُه عرضَةٌ للظالمِ النَّهم +النّفسُ حامت على لبنانَ واحِدةً وأَيُّ نفسٍ على لبنانَ لم تحُم +والقلبُ هام بواديهِ وغابتهِ إن الفراشَ بغيرِ الزهرِ لم يَهم +هناكَ رَنّاتُ أجراسٍ طَربتُ لها هناكَ أهلي الألى أعتزُّ باسمهم +أهوى بلادي وأهوى أُمتي فأنا أَرجو لتلكَ وهَذي بَطشَ مُنتقم +فهل أرى العَلَم المحبوبَ فوقَهما لكي أَموتَ فدى ذيَّالِكَ العلم +روحي الفداءُ لأرضٍ كلُّ بهجتِها في العينِ والقلبِ إن أرحل وإن أَقُم +روحي الفداءُ لقومٍ في محبَّتِهم أرى المنيَّة عمراً غيرَ مُنصَرم +لقد تَقَسَّمَ قلبي من تقسُّمِهم لكنّ والله حبّي غيرُ مُنقسم +يا ليتَ أبناءَهم كالأخوةِ اجتَمعوا على وفاقٍ وعهدٍ غيرِ مُنفَصِم +فللبنينَ سلامٌ في منازِلهم وللجدودِ سلامٌ في تُرابهم +إن كان من قَلمي في حبِّهم ألمي يا حبّذا الألمُ الآتي من القلم +أو كان شِعري ونثري نافعَينِ لهم ضحَّيتُ قلبي فنالوا منهُ بالقسم +هل الضحيةُ للأحبابِ نافعةٌ وهم مضحُّون للدجّالِ والصّنم +نعمَ النصيبُ نصيبي فهو لي شرفٌ إني لراضٍ شقائي في نعيمِهم +عليَّ إتمامُ أمرٍ قد خُلقتُ لهُ لأنني خادمٌ من جملة الخدم +إني أُحِبّ بني أُمّي ولو ظلموا فلذَّةُ الصَّفح تأتي من ذنوبهم +الحبُّ والبعدُ والبلوى تُقرِّبهم إِلى فؤادي فكفِّي في أكفِّهم +أنا المُذيبُ اختياراً في محبَّتِهم قلباً يطيرُ خَفيفاً عندَ ذكرهم +فيهِ العواطفُ والآمالُ مُزبدةٌ كأنها الموجُ لطّاماً لرملهِم +تعَشَّقَ النورَ حتى بتُّ أحسَبُهُ معلَّقاً بشُعاعٍ من نُجُومِهم +وجاور الوردَ حتى فاحَ منهُ شذاً نشَقتُهُ في شبابي من جِنانِهم +وهزَّهُ الطربُ الأعلى فأسمعني ألحانَ مجدٍ وحبٍّ من غنائهم +هذا الفؤادُ الكثيرُ الهمِّ يحمِلُهُ فتى غريبٌ يرى النُّعمى بقُربهِم +جابَ البلادَ وخاض البحرَ مُبتسماً وظلّ يخفي جُروحاً من شقائهم +أرواحَ أَجدادِنا الأبناءُ قد ضَعفوا فصّيري الدّم ناراً في عُروقهم +أرواحَ أجدادِنا هل أنتِ سامِعةٌ شكوى البنينَ على أطلالِ أرضِهم +قد خُضِّبت بدماءٍ منكِ طاهرةٍ واليومَ تُسقى البقايا من دُمُوعهم +ففي اللّيالي عليها أنتِ نائحةٌ ونحنُ مُنهزمٌ في إثر مُنهزم +يبكي على بعضِنا بعضٌ بلا أملٍ وتلكَ قِسمتُنا من سالفِ القدم +فليسَ أُمتنا أُمّاً تجمِّعنا وليسَ إخوتُنا فيها ذوي رَحم +إذا وقفنا وأسمَعنا بلا وَجلٍ زئيرنا أسمعوا صَيحاتِ يأسِهم +قِفوا بني أمِّ نُسمِع ربَّنا قَسماً على القبورِ لعلَّ الخيرَ في القَسم +لعلَّ ذكرى من الأجدادِ تُرشِدُنا إنّ العظائمَ في بالي عِظامهِم +في ذِمّةِ الله أجداثٌ مقدَّسةٌ فيها الجدودُ رقودٌ في دُروعهِم +ضمّت جوانحَهم تلكَ الدروعُ وقد ضاقت عليها فضَاقَت عن قُلوبهم +فنحنُ نخطرُ في أثوابِ ذلَّتنا وهم ينامونَ في أكفانِ مجدهِم +إنّ القصورَ التي بِتنا نشيِّدُها حقيرةٌ عندَ قبرٍ من قُبورِهم +فليتَ أجداثَهم تنشَقُّ ساطِعةً لكي تُرينا ضِياءً من ظلامِهم +يا يومَ سادسَ أيلولَ الذي عَذُبتَ ذكراهُ هل أنتَ إلا ثغرُ مُبتَسم +خلّصتنا من قيودِ الظالمينَ وقد ذقنا الرّدى والبلايا من سُيوفهم +ما كان أغلاكَ يا يومَ الخلاصِ ولم نعرِف مقامَكَ دونَ الناسِ كلّهم +يا حبّذا لو دَرى الإخوان أو ذكروا أنّ الخلاصَ أتاهم بعد ذبحِهم +حُيِّيتَ حُيِّيتَ من يومٍ لأمَّتنا بأحرفِ النارِ في التّاريخِ مُرتَسِم +لأنتَ حلوٌ ومرٌّ في النفوسِ معاً فربَّ أكلٍ شهيٍّ جاءَ بالتخم +فكم مَرَرتَ بنا والقومُ قد رَقدوا كأنهم لن يُفيقوا من سُباتِهم +وكم دَعوتُ وكم ذكّرتُ إخوتَنا فما أحبّوا شفاءً من جُروحِهم +ولم يرنَّ دعاءٌ منكَ في أُذُنِ ولم يدُرِ لكَ ذكرٌ طيِّبٌ بفَم +طَرقتَ أبوابَهم تُلقي السلامَ فما رَدّوا السلامَ ولا بشّوا لضَيفِهم +هل بعد هذا نرجِّي منكَ صالحةً لهم ونرقُبُ نجماً في سمائهم +فكم نفَخنا وقال الشّامتونَ بنا هَذي القلوبُ كثلجٍ غيرِ مُضطرم +للهِ كم فيكَ من ذكرى ومن عظةٍ لأمةٍ حيّةٍ تمشي مع الأمم +وما أقلّكَ تذكيراً ومنفعةً لأمةٍ بُليت بالعقمِ والوَرَم +لطالما في بلاياها رأت عِبراً وقلبُها مُغلقٌ للوَعظِ والحِكم +يا بنتَ لبنانَ يا بنتَ الحرائر يا بنتَ الكرامِ وأختَ الطاهري الشّيم +أنتِ المفدّاةُ إن راعتكِ نائبةٌ من إخوةٍ كلُّهم أبطالُ مصطدم +والناسُ من شدَّةِ الإعجابِ هاتِفةٌ هذي القدودُ رماحٌ من جُدودِهم +ويركَبونَ إِلى الجلَّى سَوابقَهم تِلكَ السوابقُ لم تُربط لِغَيرِهم +ويشبهونَ وهم في صدرِ مجلِسِهم حباتِ عقدٍ يُحَلّي جيدَ أُختِهم +أنتِ المفدّاةُ من فتيانِ أُمتنا فتيانِ صدقٍ وعزمٍ في جهادهم +مُستبسِلينَ دِفاعاً عن مبادئهم مُستَهزئين ببلواهم ومَوتهم +ومُضر��ينَ لهيباً من عواطِفِهم ومُطلعينَ ضياءً من ذكائهم +ومُرهِفينَ صِفاحاً من صَحائِفهم ومُسمِعين قَصيفاً من صياحِهم +لئن يَعيشوا فرجِّي من عزائِمهم أمراً يؤخِّرهُ تَفريقُ شملِهم +وإن يموتوا فقُولي ليتَهم خلدُوا وابكي على زَهراتٍ من شبابهم +قِفي على الشاطئِ المسقيّ من دمِهم ودمعِهم وارقبي أيامَ عودِهم +قفي هنالكَ فوقَ الرّملِ باكيةً ونشّقيهم عَبيراً من حُقولهم +وذكِّريهم من الأيامِ أجمَلَها لعلّ في الذّكر تشديداً لعَزمهم +نوحي كعصفورةٍ أفراخُها نزَحت نَوحاً تقابلهُ الأملاكُ بالنّغَم +ورجّعيه لعلّ اللهَ يرحمُنا فالجرحُ يا هندُ جرحٌ غيرُ مُلتئم +والخطبُ واللهِ خَطبٌ فوقَ طاقتِنا ودَمعُنا فيهِ دمعٌ غيرُ مُنكتم +إذا رأيتِ نجومَ الليلِ طالعةً على الدّساكِر والوديان والأكم +قولي هنالكَ أَحبابٌ يؤرّقُهم تذكارُ أرضٍ نأوا عَنها لكبرهم +حيّا الغمامُ بلاداً أنتِ بَهجتُها والقبحُ منها جمالٌ في عيونِهم +ألقوا عليها رداءً في شقاوتِها فهل أرقُّ شعوراً من نفوسهم +ليت المقيمين مثلُ الحاضرينَ هنا وليتَهم فعلوا شيئاً لخيرِهم +وليتَهم أسمعونا من هُناكَ صدى لِكي نقوِّي هُنا آمالَنا بهم +صِيحي بهم صَيحةً في الأرضِ داويةً عَساهُمُ أن يهبّوا من خمولهم +النّازحونَ أعزّ اللهُ غُربَتَهم يُحيونَ بينَ الورى تذكارَ عِيدهم +فأسمِعيهم أغانيَّ الحِمى وخُذي نهارَ سَعدِكِ من أنوارِ ليلهِم +تذكَّريهم وموج البحر ملتطمٌ كأن فيه رنيناً من عويلهم +تذكّريهم وريحُ الشرقِ نافخةٌ كأنها زفراتٌ من صُدورِهم +تذكّريهم وطيرُ الغَربِ راحلةٌ وفي تغاريدِها ما في حَنينهم +تذكّريهم وشمسُ الصّيفِ طالعةٌ وفي أشعَّتها من حرّ شوقِهم +تذكّريهم ودَمعُ الطلِّ منتثرٌ وفيهِ بردٌ وأنسٌ من سَلامِهم +هُمُ الأحِبَّةُ إن غابوا وإن حَضرُوا فابكي عليهم وذُوبي من فراقِهم +شَقوا وطالت بلا سلوى شَقاوتُهم ورُبّما كفَروا يأساً بربِّهم +خيرُ القلوبِ قلوبٌ في جوانِحهم وأَصدَقُ الدَّمعِ يجرِي من جُفونهم +فللملائكِ لطفٌ من شمائلهم وللخمائل نضرٌ من سَخائِهم +حيِّي نساءً شريفاتٍ حَملنَ لنا نورَ الرّجاء فجلَّى ظُلمةَ الغمم +هنَّ الكواكبُ في ليلِ البعادِ فلا يضجرن في الخير والإحسان من نعم +فعانقي الأخواتِ الآمناتِ هنا مثلَ الحمام الذي يأوي إلى الحرَم +حيِّي رجالاً بأهوالِ النّوى هزأُوا مُستَعذِبينَ الرّدى من أجلِ أَهلِهم +طارُوا نُسوراً وحيُّوا الشمسَ طالعةً وعزَّزوا وُكُناتٍ من فِراخِهم +تشُوقُهم أبداً تلكَ الربوعُ ولا يرونَ فيها سوى أَقفاصِ أسرهم +خُذي دُموعي وأشعاري فكم ذِكرٍ ما بينَ مُنتَثرٍ مِنها ومُنتَظِم +خُذي شُعوري خُذي قلبي خُذي مَعهُ صدقَ الوَدادِ فغيرُ الصّدقِ لم يَدُم +خُذي رجائي خُذي شوقي خُذي ألمي خُذي بُكائي على قومي وحالِهم +فيها هديرٌ من الوادي وهينَمةٌ من النّسيمِ وعطرٌ من رَبيعهم +فيها ندى اللّيلِ فيها نوحةٌ عَذُبت من الصّنوبرِ فيها نورُ شمسِهم +فيها هَواهم وذكراهم وبلوَتُهم فيها رجاءٌ ومجدٌ من نُهوضهم +ورجِّعيها تحيّاتٍ مُقَسَّمةً على البنينَ الألى برّوا بأمِّهم +فيمزجونَ إذا عاشوا على أَملٍ دَمعاً بدَمعٍ وإن ماتوا دَماً بدَم +أنتَ المُقيلُ المرتجى يا هتلرُ لفلاحِ إنسانيّةٍ تتعثرُ +إن لم تكن بالروحِ ألمانيّةً تعدم صلاحاً والمفاسدُ تكثر +فالناسُ ألمانٌ لحسنِ مصيرهم والأرض ألمانيّةٌ تتفخّر +إن الشعوبَ من العبودةِ أُرهِقت إن لم تحررها فلا تتحرَر +سِر مُنجداً ومدرباً قدّامَها لتسيرَ خلفَكَ وهي بحرٌ يزخر +واشهر حسامَكَ حامياً أو ناصِراً فهو الذي دونَ المحارم يُشهر +قد شاء ربُّكَ أن تفكَّ قيودَها وتنيرَ ظلمتَها وأنتَ مظفَّر +من ينصر الضعفاءَ يكسب حمدَهم ولكم قويٍّ من ضعيفٍ يُنصر +هذي الحياةُ تعاونٌ وتكافؤٌ فيها يحوجُ إلى الحقيرِ الأخطر +الحبُّ والإحسانُ أبقى في الورى من بطشةِ اليأسِ التي تتكسّر +لكَ عبرةٌ ونهىً من الدولِ التي تبغي وتفتكُ أو تروغُ وتمكر +لن تمشينَّ على خطى من أخطاوا بسياسةِ التعنيتِ فهي تهوّر +قد أذنبوا نحو الأنامِ وربِّهم ونفوسِهم فذنُوبُهم لا تُغفر +إن يُذكر الزعماءُ في أمم بهم سادت فأنتَ لهم زعيمٌ أكبر +صغرت عليكَ من الخصومِ عظائمٌ ولديكَ أعظمُهم يذلُّ ويصغر +النسرُ يحتقرُ البغاثَ محلّقاً فتراه في أعلى النجومِ يُنقّر +والشمسُ ترشقُهُ بأسهمِ نورِها فإذا تنفّضَ نورُها يتنثّر +عيناهُ ملؤهما ضياءٌ ساطعٌ مما إليها في الأعالي ينظر +أُعطيتَ نفساً ألهبت شعباً ففي أنفاسِهِ نارٌ تئجُّ وتزفر +ذياك روحٌ يستطيرُ وميضُهُ فالروحُ منكَ لروحِ ربّكَ مظهر +لم تغتصب أرضاً ولم تسفك دماً بإعادةِ الميراثِ وهو مبرّر +أرجعتَ أسلاباً إلى أصحابها فلم العدى تغتاظُ أو تتذمّر +ما قد عملتَ هو العدالةُ نفسُها إذ كنتَ تستقضي ولا تستأثر +من أمةٍ جمعاء أنتَ مؤيّدٌ ومهيمنٌ برضائها ومسيطر +لو لم تجد فيكَ المناقبَ لم تطع منقادةً وهي التي تتجبّر +العزمُ بعد الحزمِ منكَ مثبّتٌ والباسُ خلفَ الرأي منك مقرّر +قد كان رأيك من حسامِك آخذاً وكلاهما في المعضلاتِ مذكّر +بالرفق صرَّفتَ الأمورَ وبالنهى صنتَ الحقوقَ فربُّها مستبشر +فإذا حكمت فأنتَ أعدلُ حاكمٍ وإذا خطبتَ فأنت موجٌ يهدر +إن الورى في راحتيكَ حظوظُهُ وكذا الأمورُ كما يشاءُ مؤمّر +إن تخطُ ترتجف البلادُ وإن تقل تتنصتُ الدنيا لقولٍ يؤثر +من خطوةٍ أو لفظةٍ أحكامها وكذاك يخطرُ ضيغمٌ ويزمجر +فعلى اقتدارِكَ لم تكن متبجّحاً وعلى الكبارةِ لم تكن تتكبر +هل بعد هذا البأسِ بأسٌ باذخٌ أو بعد هذا العزِّ عزٌ قعسر +أنت الممثّلُ أمةً مُثلى غدت مما صنعتَ لها بشخصِكَ تُحصر +هي صفوةٌ ظهراءُ من بشريّةٍ تصفو بها وصفاؤها لا يكدر +فخلاصةُ البشريةِ الألمانُ إذ كانوا وما زالوا لشانٍ يُكبَر +إن قلتُ فيم إنهم لعلوهم أشباهُ آلهةٍ فلستُ أُكَفَّر +ما كان أكرمَ أمةً حسناتُها تلقى محاسنَها رياضاً تمطر +فرضٌ على أهل الفضيلةِ حبُّها في كلِّ نافحةٍ يُشمُّ وينشر +إن الفضائلَ كالأزاهرِ حبُّها من فضلِها وهو الأعمّ الأشهر +فهي الكبيرةُ ثم كابرةٌ على رغم المكابرةِ التي تستكبر +من طيبين وطيباتٍ نسلُها فالناسُ طينٌ وهي مسكٌ أذفر +فيها المعارفُ والفنونُ تكملت فيها العجائبُ في الصنائعِ تظهر +تُعنى بنشرِ ثقافةٍ مختارةٍ يهوى سناها طيّبٌ أو خيّر +والكونُ يتبعُ أثرها لهدايةٍ وصيانةٍ منها فلا يتحيّر +هي ربةُ الدنيا كما شاءَ الندى والبأسُ وهي قوامُها والمحور +بسقت على كلِّ الورى وتفوّقت جبارةً أبداً تبذُّ وتبهر +الله قدَّرَ أن تكونُ دليلةً متبوعةً وعميدةً تتأمر +وجدت محافظةً على ميراثها تتخيّر الدنيا ولا تتغيّر +ملكوتُها في كل عصرٍ قد بدا متعاظماً وبه تت��هُ الأعصر +سلطانُها سلطانُ خالقِها الذي عنهُ تنوبُ فحقُّها لا يُنكر +بالعدلِ أرسلها لخيرِ عبادِهِ تنهَى كما يقضي الرشاد وتأمر +هي دعوةٌ بعثت لها لا بدّ من إبلاغها والخيرُ قد يتأخّر +ما ذنبُها إلا ترفّعها بما يخزي العدى والحاسدينَ ويقهر +من ليس يكسبُ عونها ونوالها لبلائه فهو الأذلّ الأخسَر +حوَتِ السلاحَ يحدّهُ ويجدّهُ بطلٌ يصولُ بهِ وقينٌ أمهر +ذاك السلاحُ سلاحُها وهو الذي ما انفكَّ يُنذِرُ في الوغى ويبشّر +برجالها ونسائِها تُحمى كما تحمي العرينَ لُبوءةٌ وغضنفر +الجو تُحرجه طوائرها وعن مجرى بوارجِها تضيقُ الأبحر +أو لا ترى العظموت في أسطولها حيث الأوامد والدوارع تمخر +وسروبُ طياراتِها رهبوتُها رهبت صواعقَه العدى والأنسر +ونهايةُ الجبروتِ في الجيشِ الذي منها يطوفُ كما تطوفُ الأنهر +والأرضُ ضيّقةٌ ومثقلةٌ بهِ وهجومُه مِنه الجيوشُ تبعثر +وخيوله دعقت بلادَ عداته دعقاً ومنها في الكواكبِ عثير +ثقلت على الأرباضِ وطأةُ عدوها حيثُ المسالكُ بالحوافرِ تُحفر +ومدافعُ الفولاذِ سودٌ ضخمةٌ فالنارُ منها في المعارِك تهمر +لم تظلمِ البشرَ الضعافَ كغيرِها لكنّها من ظالميهم تثأر +يا حبّذا لو كان مِنها نصرةٌ للعربِ وهي بهم كذلك تُنصر +أعداؤها أعداؤهم وسبيلُها كسبيلِهم فالأمرُ فيه تدبُّر +إمَّا وَفَت للأوفياءِ وأخلصَت بلغَت من الأوطارِ ما يتعذّر +العربُ والألمانُ كانوا نخبةً للخلقِ فليبقَ الأحقُّ الأقدر +أولئك الشرقُ استنارَ بهَديهم والغربُ من هؤلاءِ شرقٌ أنور +فإذا تجمّعَتِ القوى غلبوا الورى فيتمّ مأربُهم بها والمفخر +إنّ البسالةَ بالسلاحِ صلاحُها وبدونه لا تستعزُّ وتجسر +إن يملكِ العربُ الحديدَ كغيرِهم يرجع لهم عهدُ الفتوحِ الأزهر +فيمهّدوا الغبراءَ للألمانِ في حملاتِهم والجوُّ منها أغبر +ما أعظمَ الشعبينِ في الحربِ التي وُلدوا لها وسيوفُهم تتسعّر +إني محبٌّ ناصحٌ إكرامُه يزدادُ مع إعجابه ويكرّر +أخلصتُ للألمانِ حبّاً ضمَّهُ شعري فأبياتي شواعرُ تجهر +وصحيفتي في مدحِ هتلرَ ربِّهم فلكٌ تزيّنُه كواكبُ تزهر +لو جئتُ والألمانُ أشرفَ أمةٍ أُحصي مآثرهم لضاقَ المأثر +إن ترضَ بعد العسر تيسيراً وإن تغضب فكلّ ميسَّرٍ يتعسّر +كلُّ الشعوبِ العزلِ قائلةٌ معي أبداً لنصر الحقِّ يُنصر هتلر +حوّاء أُمُّكِ حبُّها أَشقانا يا ليتَ تفّاحَ الهوى ما كانا +لو لم يكن فيهِ الذي في خدِّها ما غرَّ آدمَ زَوجَها وأبانا +لم يقطفِ الثَّمرَ المحرَّمَ آكلاً منهُ ليَستَحلي بهِ العصيانا +بل قالَ وهو مفكّرٌ في خَوفهِ حوّاءُ عن هذا الإلهُ نهانا +أغوَتهُ إذ كان المساءُ مُزَخرَفاً لألذَّ أحلامٍ تزين كرانا +وعلى الجنانِ غَشاوةٌ فضيَّةٌ من نورِ بَدرٍ يستخفُّ جنانا +والرّيحُ عاطرةٌ وفي نفحاتِها ما يُنعشُ الأرواحَ والأبدانا +فرأى لطيبِ حياتهِ ما حَوله بَهجاً فرامَ الحُسنَ والإحسانا +فتبسّمَت ورَنت إليهِ وظرفُها شركٌ فكان الجاذبَ الفتّانا +وغدت تُشَوِّقُهُ إِلى تفّاحةٍ مِنها يُروِّي قلبَهُ الظمآنا +حتى إذا عرَضَت فأعرَضَ خائفاً أدَنت من الخدَّين ما أشقانا +وتمايلت دلّاً وقالت هذه كُلْها كما قبَّلتني أحيانا +فرنا إليها قائلاً في نَفسهِ أَبأكلِ تفّاحٍ يكون رَدانا +فلنأكُلَنَّ من المليحةِ فالرِّضا مِنها عليهِ كلُّ صعبٍ هانا +حواءُ يا أمَّ الورى لولاكِ ما كان الهوى بين الأنامِ هوانا +فلقد خُلِقتِ لحيلةٍ ومكيدةٍ وتطَلُّبِ اللذّات في دُنيانا +زانت جمالكِ خفّةٌ ولطافةٌ والعقلُ جبهةَ آدمٍ قد زانا +أكذاكَ سرُّكِ أن تريهِ آكلا مما بذَلتِ له ومما صانا +وكذا خيانتُكِ القبيحةُ لم تزل تُردي الرّجالَ وتخربُ البُلدانا +هوَّنتِ ذاكَ عليهِ ثم خَدعتِهِ بدموعِ غدرٍ قد جَرَت غُدرانا +ولكم جَرى دمعُ النساءِ لخدعةٍ وغدا الخؤون بدَمعهِ غرقانا +أمّا الدموعُ من الرجالِ فنزرةٌ وصفيَّةٌ لا تعرفُ البُهتانا +رُحماكِ أيّتُها التي من أُمِّها وَرِثت محاسنَ تقتلُ الإنسانا +هذا الجمالُ حَفَظتِهِ وبَذلتِهِ فأضلَّنا في حبِّهِ وهدانا +والدّمعُ زيَّنَ خدّكِ الباهي كما بضفائرِ الرأسِ الجميلِ ازدانا +لولا احتيالُكِ ما عَصينا ربَّنا في الحبِّ والقلبُ الجموحُ عصانا +أخضَعتِهِ وسَلبتِ كلَّ كنوزهِ فغدا أمامَكِ خاضِعاً حَيرانا +فكأنهُ ملكٌ هوى عن عَرشِه فبَكى التّقى والملكَ والسلطانا +الحبُّ سوَّى بيننا لكنَّه قد صارَ عندي الدّينَ والإيمانا +لا تحسبي القَلبين في شَرعِ الهوى شرعاً فحبِّي كان أعظمَ شانا +في الحب لذَّ لكِ السكوتُ ولذّتي كانت بلاغتَهُ وكان بيانا +لولا حياءٌ فيهِ ضِعفُكِ قوةٌ أطلقت للأوطارِ منكِ عنانا +إني عرفتُكِ فهو قولُ مجرِّبٍ لا تُنكري ما يدفع النكرانا +لكن دَعي الأقدارَ تجري مثلما شاءَ الغرامُ فوَصلنا قد حانا +إني غفَرتُ لكِ الذّنوبَ جميعَها كيما يطيبُ وصالُنا ولقانا +حظّي كحظّكِ في الشقاوةِ والهوى فلتمتزج لتعاونٍ روحانا +أهواكِ يا فتّانةً صافحتُها وصَفَحتُ عنها فالتقى دَمعانا +في حبّكِ العذريِّ قلبي طاهرٌ والحبُّ تطهيراً حكى النيرانا +ولأجل عينيك البنفسج شاقني فجنيتُه وشممتُه نشوانا +فمن الشذا والنورِ صَدري مُفعَمٌ يَستَقبلُ الآمالَ والسّلوانا +أبداً يحنُّ إلى قوامٍ ليِّنٍ وكذاكَ يهوى الطائرُ الأغصانا +عيناكِ من لونِ السماءِ فمنهما ومن السماءِ القلبُ رقَّ ولانا +والدّمعُ منٌّ مِن جفونِك مُنزَلٌ يُحيي مُحِبّاً تائهاً وَلهانا +إن أطبقت شفتايَ جَفنيك اهدئي لأذوقَ لذاتِ الهوى ألوانا +تقبيلُ جَفنكِ لا يُعَدُّ خطيئةً إني أراهُ رَحمةً وحنانا +ما ذنبُ نحلٍ يجتَني من سوسَنٍ والجفنُ منكِ يُشابهُ السوسانا +فلطالما عذَّبتِني ومنعتني فاستَغفري عن بخلِك الرحمانا +أحبيبتي قد فاضَ حسنُكِ والهوى فمتى أكونُ بمائه ريّانا +فتزوّدي إنّ الحياة قصيرةٌ ويمرُّ كالطيرِ الجميلِ صِبانا +فتعلّقي بجناحهِ ثم انتِفي من ريشهِ ما اشتاقَهُ قلبانا +كُوني لهُ نهَّابةً وهَّابةً أو فاحملي الخسرانَ والحُرمانا +فليخفقنَّ القلبُ في لذّاتهِ ما زلتِ سامعةً له خَفَقانا +والعينُ إن لم تبكِ أو تسهر جَوى ما استَحلتِ التّسهيدَ والهملانا +فبِمَ التعلُّلُ يا مليحةُ والهوى ما ضمَّ أعطافاً ومسَّ بنانا +الليلُ أقبلَ والنجومُ كأنها عقدٌ يضمُّ الدرَّ والمرجانا +والزَّهرُ فتَّحهُ النسيمُ وعَرفُهُ قد عطَّرَ الأذيالَ والأردانا +والغصنُ مالَ وكالزّفيرِ حَفَيفُهُ يهدي لكِ التفّاحَ والرمّانا +أو ما سمعتِ من الفؤادِ خفوقَهُ لما تذكَّرَ واشتهى الطَّيرانا +فكأنه طيرٌ يغادرُ عشَّه ليرى الصّباحَ وينشدَ الألحانا +ولئن ذكرتِ حديثَ إلفِكِ تهتُفي صَدري غدا من حبِّهِ ملآنا +يا ليتَهُ قربي وليتي قربَهُ سَكرَى الغرامِ تُنادمُ السّكرانا +ويقولُ لي وحديثُه أُغنيَّةٌ يا مُشتهاةُ قَتلتِني هُجرانا +لا شيء أهذَبُ من كليماتِ الهوى ودموعهِ حيثُ الجوى أبكانا +أبداً ترقّ لها قلوبُ أحبّةٍ وتشقّ عنهم في الثّرى الأكفانا +فكأنها عطرٌ عليكِ نَشَقتُهُ فتعطَّرَ المنديلُ منهُ زَمانا +لم يعرفِ النسيانَ قلبي ساعةً لا يعرفنَّ فؤادُكِ النّسيانا +فتذكّري في الليلِ طيبَ حديثِنا وتذكّري في الصُبحِ طيبَ هوانا +إن لم يهيِّج فيكِ أشجانَ الهوى شِعري تركتُ الشّعر والنسوانا +وإذا الطبيعةُ زالَ منها نضرُها تخفي البلابلُ صَوتها الرنّانا +أبعدَ التُّقى أهفو إِلى هَفواتي وأصبو إِلى ما كان من صَبواتي +وأغزلُ شِعري للحسانِ تغزُّلاً على سيِّئاتٍ عارَضَت حَسناتي +نعم كان قلبي للمحاسنِ مَعبداً وكانت أحاديثُ الهوى صَلواتي +فلما رأيتُ الحبَّ مكراً وخِدعةً رجعتُ إِلى حلمي بصدقِ عِظاتي +ولكنَّ مزعاجاً أثارت بِلَحظِها رَمادي فأبدَت كامنَ الجمرات +جَلُوبُ الهوى سوريَّةٌ عربيَّةٌ تقولُ ورثتُ الحسنَ عن ظَبيات +قضَيتُ مع الآرامِ آنفةَ الصِّبى فهنَّ على ما بيننا أخواتي +عرفتُ لمرآها شمائلَ أُمها وكانت لها أمُّ من البرزات +إذا حدَّثت جاء الحديثُ ترنُّماً وإن أنشَدَت فالشعرُ ذو نغَمات +لقد جمَّعت ظرفاً وعلماً وعفَّةً فما هي إِلا أبهرُ الخفرات +محاسنُها في كلِّ قلبٍ تَشُوقُهُ على قَدرِ ما فيهِ من الحَسَرات +تُحَبُّ ولكن لا تُحِبُّ لأنها فتاةٌ لعوبٌ جَمعُها لشتات +لها مقلةٌ كالكأسِ بالخمرِ أشرقت بها شرِقَ العشّاقُ في السَّكرات +وفي صدرِها عرشٌ وكنزٌ لدولةٍ بَنَتها جيوشُ العربِ مُنتصَرات +وأشبَه ما ألقاهُ قلبي وخَصرُها على رقَّةٍ مَقرونةٍ بثبات +رأت شَعرها جَثلاً فقصَّته طفلةً وقالت ندمتُ الآنَ بعدَ فوات +ولو وزّعَتهُ خصلةً خصلةً لنا لكانَ من الأعلاقِ والبركات +لقد قصرت ما طالَ كالليلِ في الأسى لتأخذَ حقَّ النور من ظلمات +واذ غاضَها درٌّ يفاخرُ ثَغرها ترامت عقودُ الدرّ مُنتثرات +وهمَّ بِطَرحِ العقدِ في الماءِ جيدٌ فقالت لهُ هذا من الدمعات +تزيدُ حرير البرد منها نعومةً على أنعم الأعطاف والبشرات +كذاكَ ولم تلمس يدايَ ولا فمي ولكنَّ مِثلي صادقُ النظرات +أقولُ لها والقلبُ يُضعِفُهُ الشَّذا بعيشكِ ردّي هذهِ النفحات +ألم تعلمي أن العبيرَ يُهيجُني فكيفَ على أثوابك العطرات +أطيبتُها أم من قوامِكِ طيبُها وقد نشرت منه على رقمات +أرى أجملَ الأزهارِ فيه تجمَّعت فأربى على جنّاتكِ النضرات +شكا كلٌّ عطّارٍ كسادَ عطورهِ وأصبحَ مَكروهاً من الفتيات +يَقُلنَ لهُ بِعنا كما بعتَ غيرنا ودَع سلَّةً ملأى من الفضلات +إذا جاءكِ العطّارُ لا تتنفّسي ولا تُخبري الجاراتِ في الخلوات +فيسرقُ أو يسرقنَ من فيكِ عطرهُ وتَسري به الأرواحُ مُختلسات +من الظبيةِ الغناءِ ألقى لبوءةً إذا قلتُ يوماً يا بنيّة هاتي +فلا رقَّةٌ للقلبِ من خَصرِها الذي يذوبُ من الأنفاسِ والزفرات +تميلُ من الإدلالِ واللّينِ والصّبا وقد عَذُبت كالماءِ بينَ نبات +فأخشى عليها عثرةً كلَّما مشت وقلبي لدَيها دائمُ العثرات +لئن أظهرت سخطاً وفي نفسِها الرِّضا تشفَّعتُ بالقُربى وبالقربات +لوجنتِها ناري ومائي لجيدِها وهذان للأملاكِ والملكات +سَمَحتُ بما في القلب والعينِ للهوى ولو قابلت بالبخلِ خيرَ هِباتي +فأبكي غماماً حينَ تضحكُ روضةٌ جهولاً لما في الصَّدرِ من خفقات +أنارت سبيلَ الحبِّ فهي كنجمةٍ ولكنّها أعلى من النجمات +تلوحُ من القصرِ المطلِّ على الرُّبى فَتُشرِفُ من قلبي على شرفات +ويؤنِسني مِصباحُها كلَّ ليلةٍ وفي نورهِ لهوٌ عن السمرات +سأذكُرُ في دار الحبيبةِ سمرةً تزوّدتُ منها أطيبَ الكلمات +فقلتُ لها إنَّ الدُّجى يَمنَعُ السُّرى فقالت ضَحوكاً سِر على بَسَماتي +لقد نفَّست كَربي وسرَّت كآبتي رخيمةُ صوتٍ حلوةُ الرَنوات +فكم في ليالي الأمنِ باتَت سَميرتي نرى حولنا الجنّاتِ والهضَبات +وقد أصبَحَ الجسمانُ جسماً كأننا نُريدُ امتزاجاً في لظى اللّثمات +ولكنَّ بعدَ الحبّ بُعداً وسلوةً فما من بقاءٍ في ديارِ فناة +أرى الدّهر يُقصي القلبَ عما يُحبُّه وينزعُ منه كنزَهُ نزعات +كما تحملُ الرّيحُ الشديدةُ نحلةً فتُبعِدُها عن أجملِ الزهرات +مضى ذلك العهدُ الجميلُ ولم تزل خيالاتُ ذاكَ الحبّ مرتسمات +هَلا وَفَيتِ كما وَعَدتِ حَزينا وشفَيتِ داءً في الضّلوع دفينا +أَأَراكِ تبتَسمينَ لي في خلوةٍ أم قلبكِ القاسي يظلُّ ضنينا +ذيّالِكَ الحسنُ الذي هو نعمةٌ هل كان يا حسناءُ كي يُشقينا +ويكونُ في الدّنيا جحيمَ قلوبنا وشعورُها قد زادَه تَحسينا +إن الهَوى شمسُ الرّبيع فتارةً تَخفى وتسَمحُ بالأشعَّة حينا +فلطالما فيهِ ابتَسَمتِ وطالما بلَّلتِ بالدّمعِ السخينِ جفونا +كم غادةٍ يا جُملُ قَبلكِ زِرتُها وشمَمتُ منها الوردَ والنّسرينا +وملأتُ قلبي من محاسنِ وَجهها لتزيدَهُ تلكَ المحاسنُ لينا +أهوى الحديث من الحرائرِ مثلما أهوى أريجَ الزّهرِ من وادينا +فإذا تَدانينا أذوبُ تعفُّفاً وإذا تَنائينا أذوبُ حنينا +إن تُعرِضي عنِّي دلالاً تندَمي هل مثلَ قلبي في الهوى تَجِدينا +في أضلعي قلبٌ يضيقُ عن المُنى ما كان إلا في هواكِ سجينا +أو لم تريني باسلاً مُستبسِلاً طَلقَ المحيّا فاتناً مَفتونا +للهِ من كَرَمي وبُخلِكِ إنَّني أُعطي الثمينَ وأنتِ لا تُعطينا +مهما وَهَبتِ يظلُّ ما أنا واهبٌ في كلِّ عَصرٍ فوقَ ما تَهبينا +نَثَّرتُ دَمعي في هواكِ ومُهجَتي ونظمتُ أشعاراً ترنُّ رنينا +فلبستُ من دمعِ الخلودِ وشعرهِ عقداً أعزَّ من النُّجوم ثمينا +الحسنُ فانٍ والهوى باقٍ فلا ترضي بما يَزهُو ويُرضي حينا +ذهبت رواتعُ في الحريرِ وفي الحلَى وعرائسُ الشعرِ الحسانُ بقينا +الشعرُ خَلَّدَ مجدَنا وجمالنا لولاهُ لم يبسم لنا ماضينا +والحسنُ زهرٌ والغرامُ عبيرُهُ يا حبّذا لو بتِّ تنتَشِقينا +كم زهرةٍ تذوي وتحملُ عرفَها هبّاتُ ليلٍ ساكنٍ تُحيينا +ولذاذةٍ مرَّت عليكِ سريعةً فَغدَوتِ من تَذكارِها تَبكينا +لا تَحسبي أني سأنسى في النَّوى ما قد رأينا في الهوى ولقينا +فأنا المعذَّبُ في هواكِ وربّما خُنّتِ العهودَ وماحفظتِ يمينا +فقِفي نُجدّد ما نسيتِ بحلفةٍ وبدمعةٍ ذكراهما تَشفينا +لما سمعتُ رنينَ أبواق النّوى أبصرتُ أبراجَ الهوى يَهوينا +ورأيتُ مثلي إخوتي الشعراءَ من ذكرَى الحبائبِ والحمَى باكينا +فابكي عليَّ إذا رحلتُ ولم أعُد فالذكرُ من ماضي الهوى يَكفينا +وإذا سَرَى عندَ العشيّةِ مَركبٌ فيهِ شبيبةُ أرضِنا حيِّينا +وتنفّسي الصعداءَ وابكي ساعةً إذ تَسمعينَ معَ الرّياحِ أنينا +إذا نفحت ريحٌ أقولُ سَلاما كأنَّ خيالاً منكِ زارَ لُماما +فردّي سلامَ الحبِّ في كلِّ نسمةٍ وقد فاحَ منها في الرّياضِ خُزامى +وإن لم ترُدِّيهِ حياءً تبَسَّمي فأرضى ولا أخشى عليكِ ملاما +فروحي لها تعليلةٌ من تحيَّةٍ ومن بسمةٍ تُحيي الرجاءَ رماما +ألا كلُّ ريحٍ من سلامي لطيفةٍ تمرُّ على دار النعيمِ نعامى +رَعى اللهُ داراً ضمّتِ الحسنَ والهوى فأصبَحَ برداً عهدُها وسلاما +تنشَّقتُ ريّا الوردِ من نفَحاتِها وراعَيتُ فيها البدرَ منكِ تماما +فكنتُ أرى منها سماءً وجنَّةً فتُطلِعُ نجماً أو تَشقُّ كماما +لياليكِ بيضٌ من محيَّاكِ نورُها فما عرفت عَيني لدَيك ظلاما +فيا حبَّذا تقطيرُ دَمعي ومُهجتي على السمراتِ النَّائحاتِ حماما +وما بيننا إِلا حديثٌ منعَّمٌ يفوحُ عبيراً أو يسيلُ مداما +وإنشادُ أشعارٍ تهيجُ شعورَنا فنَبكي حناناً أو نذوبُ غراما +ومن حولِنا المنثُورُ يُعطيكِ لونهُ ورّياهُ إذ ألفى يَدَيكِ غماما +نما مُزهِراً من لمسِ راحَتِكِ التي أؤمِّلُ مِنها للربيعِ دَواما +محيّاكِ يَحوي كلَّ لونٍ ونفحةٍ من الزهرِ حيثُ القطفُ كان حَراما +بحبِّكِ حبَّبتِ الحياةَ وزنتِها كما حبَّبَ الحلمُ الجميلُ مَناما +ومتَّعتِ من لطفٍ وظرفٍ وبَهجةٍ محبّاً غدا منها يَبلُّ أواما +حملتُ فؤاداً سائلاً من شعورهِ سمِعتِ خفوقاً منهُ كان كلاما +وروحاً كأرواحِ العصافيرِ غردةً طروباً أحبَّت في الرّياضِ مقاما +تذوبينَ لطفاً أو حياءً فأسدلي حِجاباً وأرخي إن بَرَزتِ لِثاما +أخافُ عليكِ العينَ والصوتَ إن رَنت وإن رنَّ والقلبُ استَطارَ وحاما +أسيِّدتي أنتِ المكرمةُ التي بها كلُّ من يهوى المحاسنَ هاما +جلستِ على عَرشِ الفؤادِ مليكةً فبتّ لنعمانِ الجمال عِصاما +جمالُكِ معبودٌ لعزّ كمالِه وكنت لعبّادِ الجمالِ إماما +لكِ الخيرُ بالعهدِ الجميلِ الذي مَضى فيا ليتَ ذاك العهد طالَ فداما +سَمَحتِ بوصلٍ كان منكِ تعلَّةً فلم يَشف مني غلَّةً وسقاما +فأنتِ بما يُرضي الكرامَ كريمةٌ على أن بُخلاً منكِ غاظَ لِئاما +سأشكُرُ ما أوليتني فاذكُري فَتَىً على العهدِ والمعروفِ منكِ أقاما +يا ميُّ أفنى مُهجتي التّعليلُ أكذا عزيزٌ عندكِ التّقبيلُ +إن كان فقهاً ذا الغرامُ ومنطقاً أُسّاهما التَّبيينُ والتّعليل +فمنَ العيونِ على القلوبِ شهادةٌ ومن القليلِ علىالكثير دليل +أمّا هواكِ فإنّهُ مُستَحكِمٌ بجوارحي فمتى يُبَلُّ غليل +وشَلاً من الشَّفتينِ أطلبُ ظامئاً ما كان دجلةُ بُغيتي والنِّيل +جُودي بوَصلٍ قبلَ أن يمضي الصِّبا فالوردُ في زَمنِ الربيعِ خضيل +لا حُسنَ إِلا بالشبابِ ولا هوى وكِلاهُما بعد الشبابِ يزول +والشعرُ كالينبوعِ من قلبِ الفَتى أبداً لإنضارِ الجمالِ يسيل +فتمتَّعي قبلَ المشيبِ ومتِّعي فالنضرُ في زمنِ الخريفِ قليل +واجني الأزاهرَ وانشُقي منها الشَّذا ما دامَ غصنُ القدِّ منكِ يميل +الغصنُ يُرجى ظلُّهُ في نضرهِ والعشبُ من طلِّ الصَّباحِ بليل +إنّ الشبابَ لهازلٌ متقلِّبٌ ولهُ غناءٌ في الهوى وعويل +فكأنه غرسٌ نضيرٌ نِصفُهُ والنّصفُ فيه للذّبولِ حلولُ +ما كان أقصرهُ وأطولَ ذكرَهُ أرأيتِ أيّامَ الربيعِ تطول +ولربّما يمضي بحسنِكِ والهوى إن القلوبَ مع الوجوهِ تحول +أصبُو إلى ليلِ الوصالِ ونومُنا مثلَ السعادةِ والوفاءِ قليل +ونجومُه في مُقلتيكِ ضياؤها والقلبُ عندكِ مُهتدٍ وضليل +وهلالُهُ الهاوي كخصركِ ناحلٌ وصباحُهُ مثل الحياةِ جميل +وإلى صباحٍ فيهِ سرتِ خفيفةً وعلى الجبينِ من السَّنى إكليل +حيثُ الغصونُ عليكِ مدّت ظلَّها ونسيمُها مثلَ الجفونِ عليل +ولِصبِّكِ الولهانِ طابَ تأمُّلٌ وعلى التأمُّلِ يَعذُبُ التأميل +فجنيتِ من تلكَ الأزاهرِ باقةً والطلُّ فيها كالدَموعِ يجول +عيناكِ تجتنيانِ قلبي زهرةً وحديثُك القرآنُ والإنجيل +كم قلتِ لي بسَّامةً خلابةً الحسنُ أن يُفني الخصورَ نحول +فزفرتُ مشتاقاً وقلتُ مقابلاً والحبُّ أن يعلو الخدودَ ذبول +تمرِّينَ يا ذاتَ الملاءِ المزيَّلِ كما لاحَ نورُ الصبحِ والليلُ يَنجلي +ولما جَرَرتِ الذَّيلَ أخضرَ ضافياً سمعتُ حفيفَ المورقِ المتميِّل +فجسمُكِ تحتَ البُردِ يحكي وشيعةً من العاجِ قد شُدَّت لتنّقِيش مخمل +ووجهكِ ما يُحكَى لنا عن سمائنا وخَصرُكِ مَعنىً دقَّ عند التخيُّل +وثَغرُكِ في أنفاسهِ هبَّةُ الصَّبا إذا حملت في الصبحِ ريّا القرنفل +رأيتُ دموعَ الطلِّ في كأسِ وردةٍ كريقٍ على خطٍّ أسيلٍ مقبّل +فأحبَبتُ أن أجني من الوردِ باقةً لخصرٍ بضمّات الخواطرِ منحل +تعاظمَ هذا الحبُّ والناسُ بيننا فكيفَ وقد حاولت تقريب منزل +فان جدتِ بالوصلِ ابعَثي الطَّيفَ مُخبراً وإلا فألقي نظرةً المترحّل +أُناشِدُك الله الذي هو شاهدٌ كفاكِ دلالاً بعد طولِ التذلُّل +بُليتُ كراعٍ كان يرعى قطيعه خليّاً ومن لا يُبصِر الحسنَ يغفل +وإذ كان يوماً يستظلُّ بدوحةٍ وفي يدهِ شبّابةٌ مثل بلبل +رأى كاعباً عذراءَ في المرجِ أقبلت لتقطفَ للأترابِ حزمةَ سنبل +وتحتَ لفاعِ الصّوفِ لاحَ جبينُها كصفحةِ سيفٍ تحتَ راحةِ صَيقل +فسارَ إليها ثمَّ أَلقى سلامَهُ فردَّت سلاماً مثلَ طلٍّ مبلّل +وبعدَ مرورِ الشّهر مرّت وسلّمت فباحَ لها بالحبِّ بعدَ التجمُّل +فما بادلتهُ حبَّه وحديثه ولم تَبتسِم كالعارضِ المتهلّل +فقالَ إذن ما ظبيتي بأليفةٍ فيا خيبة الآمالِ بعد التعلّل +وفي الغدِ لما جاءتِ الحقلَ باكراً كأنوارِ صبحٍ في المشارقِ مُقبل +تَغنّى بصوتٍ ناعمٍ متهدّجٍ يُذوِّبُ قلبَ الراهبِ المتبتَّل +فأثَّرَ فيها صوتُه وبكت لهُ وقالت حبيبي اليومَ في مُهجتي انزل +لأغنية الرّاعي تُليّنُ قلبَها فرقّي لهذا الشاعرِ المتغزِّل +بحبّ جنانٍ كان قولُ ابن هانئٍ وقد نالَ وصلاً بعد طولِ التدلّل +وما زلت بالأشعارِ حتى خَدعتُها وما أنا بالمُغزي ولا المتحيِّل +بَرزتِ لنا من القَصرِ العليّ كما طلعَ الهلالُ من العشيّ +فهل للعاشقِ العاني وصولٌ إليكِ وأنت في الفَلكِ السني +جَنَيتُ الوردَ من خدَّيكِ لما رَنوتُ إِلى محيّاكِ الحيي +وما لمست يَدي وفمي ولكن جناهُ كان بالنَّظرِ الخفي +لئن حَجَّبتِ عن عَينيّ حُسناً فروحي منكِ في ريّاً وري +وإن تُرخي النِّقاب عليه جاءت إِليَّ الرِّيحُ بالأرجِ الشهي +أطلّي من على شرفٍ وطلّي دمي فالموتُ يعذبُ للشقي +فإمّا أن تفي حبّاً شريفاً وإمّا أن أموتَ بمشرفي +جمالُكِ فيه للنّعمان ملكٌ فعذّبني بأسرٍ من عدي +ومن عينيكِ كسرةُ جيشِ كِسرى إذاً لن تُؤخذي بدمي الزكي +ألابِسةَ السّوادِ على بياضٍ فلقتِ الصبحَ في الليلِ الدجي +لعمر أبيكِ ما شاهدتُ حُسناً كهذا فاستُريهِ عن الغوي +جمالُكِ راعني فوقفتُ أرنُو إليهِ كَمُشرئبٍّ للنَّدي +ويا بشراً بدا ملكاً كريماً هبوطُ الوحي منهُ على النبي +أرى أغلى الجواهِر في الثَّنايا أهذا الثغرُ صنعُ الجوهري +ووسوسةُ الحُلَى خلبت فؤادي فوسواسُ الفؤادِ من الحُلِيِّ +ضحكت وحولَك العشاقُ صَرعَى فكانَ الحقُّ عندَكِ للقوي +وباتَ الموتُ قدّامي وخَلفي لتهطالِ النّبالِ من القِسي +أرامية بنبلِ اللحظِ من لي بنزعِ السّهمِ من قلبي الدميِّ +وكيفَ أردُّ عن صَدري سِهاماً تُمزّق لامةَ البطل الكمي +الوردُ في خدَّيكِ لاحْ والعطرُ من شفتيكِ فاحْ +والعودُ طالَ أنينه والموجُ فوقَ الرّمل ناح +قلبي وقلبُك طائرا نِ تعوّدا خَفقَ الجناح +دَمعي وثغرُكِ كالنَّدى والياسمينةِ في الصّباح +ولقد سمعتُ صفيرَ بُل بلكِ المرجِّعِ للنوّاح +فكأنّهُ خفقانُ قل بكِ في الهوى تحتَ الوشاح +وكأنه رنّاتُ صو تِكِ بينَ أصواتِ المِلاح +وكأنه أنّاتُ شِع ري إن بسِرِّ هواكِ باح +وكأنه حناتُ نَف سي في الغدوِّ وفي الرُّواح +يا هندُ عينُك في النَّوى نَجمٌ من الظلماءِ لاح +دخلت أشعتُها الحَشى فتفتَّحَت مثلَ الأقاح +فإذا رَنوتِ جَلوتِ عن قَلبي الكآبةَ فاستراح +لا تُغمِضي العَينينِ كي لا تُبصِري أثرَ الجراح +وتنفَّسي لتُعطِّري ذاكَ النسيمَ على القراح +لي منكِ في الأحزانِ تر نيمٌ وريحانٌ وراح +يا جنّتي قلبي هزا رٌ فيكِ للتَّغريدِ ساح +فدَعيهِ يَصفُرُ أو يصي حُ فآخرُ الدُّنيا صِياح +ولئن حَجبت جمالَ وج هكِ في نقابٍ لا يُزاح +لا بدَّ من أن تَغفلي يوماً فتُنصفني الرّياح +من غصنِ قلبكِ زهرُ الحبّ ينتثرُ أليسَ لي بعدَهُ ظلٌّ ولا ثمرُ +لئن يكن ماؤه قد جفَّ أنضَرَهُ دَمعي فوَجداً على الأغصان ينهمر +ولّى الشتاءُ وريحُ الغربِ راكدةٌ هذا الربيعُ وهذا العشبُ والزهَر +ما كنتُ أبسمُ للدنيا وبهجَتِها لولا محيّاً عليهِ يطلع القمر +فأطلعيهِ على كربي ليؤنِسَني فالغيمُ تحتَ ضياءِ البدرِ ينتشر +وعلِّليني بآمالٍ مزخرفةٍ وصافِحيني ليبقى في يَدي أثر +إن السرورَ قليلٌ فاغنَمي فرصاً يلذُّ فيها الهوى والكأسُ والوتر +كثيرةٌ هي أحزانُ القلوبِ أما رأيتِ كيفَ كؤوسُ الشّربِ تنكسر +اليومُ لي فتعالي نَقتسِم فرَحاً فالدَّهرُ يا ميُّ لا يُبقي ولا يَذَر +الطيرُ يشدو إذا لاحَ الصباحُ لهُ والزّهرُ ينمو إذا ما جاده المطر +فامشي على الزَّهرِ ما دامَ الربيعُ لنا حيث النسيمُ عليلٌ طاهرٌ عَطِر +وارضي بما لجميعِ الناسِ فيه رِضاً ولا تكوني مَلاكاً إننا بشر +العينُ تدمعُ من حزنٍ ومن ضحكٍ دَعي الهمومَ فماذا ينفعُ الكدر +إني ذكرتكِ تحتَ الزّهرِ ساطعةً كأنها عقدُكِ الدريِّ ينتثر +فكاد حبُّكِ يُبكيني وأرّقني شوقي إليكِ فلذَّ الدمعُ والسهر +فهل تذكَّرتِ يا حسناءُ ليلَتَنا حيثُ الصّبابةُ سحرٌ رقيُهُ السَحر +إلى الثريّا رَفعتِ الكفَّ قائلةً اذكر فما العيشُ إلا الحبُّ والذكر +إذاً تعالي إلى اللذّاتِ ذاكرةً ما مرَّ منها ففي الذكرى لنا عِبر +الكونُ أنتِ فكوني لي أعُد ملكاً يقولُ بين يديّ الأرضُ تنحصِر +فقنَ الخمائلَ نضرةً وعبيرا والصّبحَ أنساً والنّسيمَ مُرورا +والوردَ لوناً والفَراشَ تَطايُراً والظلَّ بَرداَ والكواكبَ نورا +وحَلونَ آمالاً وزرنَ صداقةً وحَللنَ سعداً وارتحلنَ سُرورا +وسَرقنَ من زهرِ الصّباحِ تبسُّماً ونَشَرنَ من موجِ البحارِ شُعورا +ونظَمنَ من نثري ثغوراً عَذبةً وأخَذنَ من شِعري لهنَّ خُصورا +ومَددنَ أيديهنَّ يومَ وداعِنا فلَمَستُ منها مخملاً وحَريرا +فتعطّرَت كفّي وبتُّ إذا حَلا ذكرٌ أشمُّ من البنان عَبيرا +ما كان أقصَرَ ليلهنَّ ولم يزَل كنعيمنا ليلُ الوصالِ قصيرا +وجناتُهنَّ تزينُها دَمعاتُنا وتزينُ حباتُ العقودِ نُحورا +رجَّعنَ في السمراتِ ترنيمَ الهوى فأذَبنَ قلبي لذَّةً وحبورا +فإذا سمعتُ حديثَهُنَّ عشيَّةً خلتُ الحديثَ تغرُّداً وخَريرا +وأرَدنَ تخليدَ المحاسنِ في الوَرى فَغَرَسنَ جنّاتٍ وشِدنَ قُصورا +كم بسمَةٍ أو لحظةٍ من غادةٍ أبقَت لنا أثراً يدومُ عصورا +عَلّمننا الأشعارَ والألحانَ في ليلِ الهوى والنّحتَ والتصويرا +فالفضلُ كلُّ الفضلِ للحُسنِ الذي أمسى بهِ روضُ الفنونِ نَضيرا +يحمِلنَ في سودِ العيونِ أشعَّةً وَيهبنَ من بيضِ الثغورِ عُطورا +حتى إذا قابَلننا ذكَّرننا أرضَ الشآمِ وطِيبها والنُّورا +فإذا ابتسَمنَ جَلونَ غَيمَ كآبتي فرأيتُ نجمي في الظَّلامِ مُنيرا +وإذا رَنونَ بأعيُنٍ فيها الهُدى صَيَّرنَ قلبي في الخطوبِ كَبيرا +القلبُ حصنٌ حصينُ والفتحُ فتحٌ مُبينُ +فكم فتحتِ قلوباً باللّينِ منّي تَلين +ليسَ الغزاةُ كغازٍ لهُ القلوبُ تَدين +والحبُّ حربٌ سجالٌ فيها الحِمامُ يهون +أكَلّما لاحَ بردٌ للحُسنِ فيه فُنون +أصبُو إليهِ وقلبي حيثُ المجال يكون +فيا عيونَ الغَواني ما أنتِ إلا المنون +ويا شعوراً تدلّت فيكِ الدُّجى والحنين +ويا حَواجبَ تَحكي بيضاً جَلاها القيون +ويا جفوناً تُناجي حيثُ الحديثُ شُجون +ويا ثغوراً كآلٍ فيهِ اللّهيبُ كمين +ويا خدوداً كرَوضٍ يَسقيهِ ماءٌ معين +ويا صدوراً عَليها تَفَتَّحَ الياسمين +ويا نهوداً أطلّت كما أطَلّ السجين +ويا خُصوراً رِقاقاً مِنها يرقُّ السَّمينِ +ويا أكفّاً عليها بالرُّوحِ جادَ الضَّنين +ويا معاصمَ بيضاً فيها يرنُّ البرين +ويا قُدوداً وَقاها منَ الحريرِ الثمين +جننتُ فيكِ وقولي طِيبُ الحياةِ جنون +هيّجتِ من أبلغِ اللذّات أذكارا لما هَتَكتِ من الأسرارِ أستارا +يا وردةً أزهرت مَيلاءَ ناضرةً تشتاقُ طَلّاً وهبّاتٍ وأنوارا +هذا القوامُ كغصنٍ رفَّ مُنتثراً والحسنُ أصبَحَ في خدَّيكِ آثارا +لكنّ عينكِ لم تفقد حلاوتها والقلبُ تحتَ رَمادٍ لم يزل نارا +لهيبُهُ لاحَ فيها فالتَظَت كبدي لا بِدع إن أشكُ إحراقاً وإحرارا +أذبَلتِ حسنَك بالإهمال غافلةً فبتُّ أُكسِبُهُ باللّمسِ إنضارا +حرارتي أرجَعَت ماضي حرارتِه حتى أرَيتُكِ في أيلولَ أيارا +الحبُّ ماويةٌ للقلبِ تُنضِرهُ فالقلبُ كالغصنِ إيراقاً وإزهارا +إني أُحبُّ من الأزهارِ أجمَلها لأجلِ وجهٍ يُريني الحسنَ أطوارا +أحبب بحمرتِه مِن بعد صفرتِهِ إذا التقينا فخفتِ الأهلَ والجارا +أو الرقيبَ الذي يمشي على مهلٍ كي لا يُنفّرَ في التَّنقير أطيارا +سميةَ الجَوهرِ الأغلى التي انفردت فقتِ النساءَ وهذا فاقَ أحجارا +تباركَ اللهُ في وجهٍ هُديتُ بهِ كان الرضيَّ وقلبي كان مِهيارا +الخدُّ مزهرةٌ والثغرُ معطرةٌ هل كان جدُّك عطّاراً وزَهّارا +لما تنفَّستِ عطّرتِ الصَّبا أُصُلاً ولم تكوني بغيرِ الثّغرِ معطارا +جودي بما فيهِ من درٍّ ومن عَسلٍ للجوهريِّ الذي وافاكِ مشتارا +سعَّرت بالنّبلِ قلباً غيرَ مدَّرعٍ ولم أكن لأظنَّ الطَّرفَ أسوارا +أوتيتِ نصراً وهذا الحبُّ معركةٌ لكِ الهناءُ فقد أخضعتِ جبّارا +ألا تذكُرينَ ضياءَ القمرْ يُريني على شَفَتيكِ الدُّرَرْ +وزهراً تُحيِّيكِ أنفاسُهُ وطلّاً عليهِ كدمعي انتَثر +وَهينَمَةً من نسيم الصَّبا وماءً كشِعري جَرى وهدر +وشَكوى نُلطِّفُها بالدّموع ونجوى تُرينا أدقَّ الصور +وبين الفؤادَينِ أحدوثةٌ منعَّمةٌ كرنين الوَتر +ومن لحظاتِكِ يَبدو الشُّعاعُ ومن لحظاتي يَطيرُ الشَّرَر +فقلتِ رُوَيدَكَ إنَّ جمالي تَقِيهِ الملائكُ شرَّ البشر +فلم تكُ إِلا عبادةَ وجهٍ يردُّ الشفاه ويُغري النَّظر +وعقدَ يدٍ بيدٍ رَخصةٍ يفوزُ بتَقبيلها مَن صَبر +فيا حبذا عهدُ حبٍّ مَضى ويا حبَّذا منهُ طيبُ الذكَر +ويا حبّذا سمَرٌ قد أسالَ شعورَ الفؤادِ ونورَ البَصر +ويا حبذا الكفرُ إن كان في عبادةِ حُسنِكِ قلبي كفَر +ويا حبذا تحتَ جنحِ الظّلامِ وقوفٌ إِلى أن يلوحَ السحَر +هنالِكَ كنّا نخافُ الرّقيبَ فنحسبُ همساً حفيفَ الشّجَر +لكِ اللهُ ما أجزعَ العاشقينَ وأبسَلهم في ركوبِ الخَطَر +لأجلِ الغرامِ أحبُّوا الهلاكَ فهل ينفعُ العاشقينَ الحذر +فلو كان ليلٌ بدونِ صباحٍ لعاشوا وكلُّ الحياة سمَر +طالَ التمنُّعُ يا مليحةَ فامنحي كم فرصة سنحت ولمّا تسمَحي +طلبَ الجمالُ عبودَتي وعِبادَتي فغَدَوتُ بينَ مؤرَّقٍ ومُبرَّحِ +إني لأرجو ما بهِ أطمَعتني ووعَدتِني وأنا بعيدُ المَطمَح +إن تُنجِزيهِ كُنتِ أكرمَ حرّةٍ جادت على حرٍّ بما لم يقبح +ما زلتُ عذريَّ الهوى وأنا الذي عن موقفِ الشرفاءِ لم يَتَزَحزَح +فثقي بما يُبديه قلبي من فمي فأنا المخاطِبُ بالأصحّ الأفصح +ولئن نظرتُ إِلى سواكِ هُنَيهةً ما كنتُ غيرَ مقابلٍ مُستَوضِح +باللهِ كيفَ أُحبُّ غيركِ بعدَما طالعتُ أنوارَ الجبينِ الأصبَح +أنتِ الصباحُ وغيرُكِ المِصباحُ في نظري ولستُ إذا جحدتُ بمُفلِح +هاتي يَديكِ وصافِحيني رَحمةً فالحقدُ تحتَ يدِ المصافِحِ يَمَّحي +قالت أغارُ عليكَ فاحذر غِيرتي ما النارُ منها في الجحيمِ بألفَح +أوَ لستَ تَعلمُ إنني سلطانةٌ إن لم يكن دَمُ عاشِقي لي يُسفح +وبكت وألقَت فوقَ صَدري خَدَّها فعَجبتُ كيفَ الخدُّ لم يتَجرَّح +وكأنهُ البلسانُ مِنهُ قد بَدا وَردٌ على الأغصانِ لم يَتَفَتَّح +والدَّمعُ في تِلكَ المحاجر كالنّدى في زهرةٍ من غُصنِها المترنّح +ففتحتُ قلبي مثلَ حرزٍ مُثمنٍ يحوي جواهرَ لم يُمَسَّ وتُطَرَح +لأصونَ جوهرَ دَمعِها وأقولَ يا غوّاصُ درُّكَ عِندَهُ لم يَربَح +بما في ليالي الهوى من أرقْ وما في ليالي النَّوى من قَلقْ +هَبي مُغرماً نفَساً سارياً على شفَتَيكِ بعرفِ الحبق +كما حملت نفحاتُ الصَّبا إليكِ من الرَّوضِ عطراً عبق +وقد بلَّلَ الزّهرَ دمعُ النَّدى وورَّدَ خدَّ السماءِ الشَّفق +أفضتِ على العينِ نورَ الهوى فلذَّ البكاءُ لها والأرق +وشاقَ جمالُكِ قلبي الذي كَسَقطِ الفراشةِ فيهِ احتَرَق +قِفي نقضِ تحتَ الدّجى لذَّةً فهذا الشّبابُ كطيفٍ طرَق +فما أنتِ أوّلُ معشوقةٍ وما أنا أولُ صبٍّ عَشق +فكم سرقت من شذاكِ الصَّبا وكم سرقت من سناكِ الحدَق +لئن قلتِ في خَصرنا رقَّةٌ فقلبي وشِعري ولفظي أرَق +وإن قلتِ في ساقِنا دِقَّةٌ فرأيي وفِكري وذوقي أدَق +جبينُكِ نسرينةٌ أزهَرت عَليها النّدى وعليهِ العَرَق +وقدُّكِ أغصانُ تفّاحةٍ أحاطَ بها زَهرُها والوَرَق +وَشعرُكِ سَربٌ يحومُ على ترائبَ مُزدانةٍ بالحَلق +وخدُّكِ فَلقَةُ رمّانةٍ ومثلَ السوارِ فؤادي خَفَق +سأذكرُ يا هندُ من حبِّنا وداعَ الصّباحِ وشوقَ الغَسَق +وأفدي جمالاً هداني إلى عفافِ غرامٍ وقوَّةِ حَق +حذارِ فأحداقُ الملاحِ حبوبُ إذا التُقِطت منها القلوبُ تذوبُ +ولكنّ قلباً لم يُفَتِّحهُ لحظُها وليسَ لهُ منها هوىً ونصيب +كغصنٍ بلا زهرِ وزهرٍ بلا شذا فعيشُكَ إن لم تهوَ كيفَ يطيب +تمتع من الدنيا وَفِ النفسَ حقَّها وأنتَ لأنواعِ الجمالِ طروب +فما العيشُ إِلا زهرةٌ قد تفتَّحت لها الحبُّ لونٌ والتغزُّلُ طيب +فأقبل عليها في الصباحِ وشمَّها سينثُرها عندَ المساءِ هُبوب +فكلُّ جمالٍ منه زالت غضارةٌ وكلُّ شبابٍ فيه دبَّ مشيب +تعشَّقتُ أجفاناً فسلَّت سيوفَها عليَّ وكانت هدنةٌ وحروب +فأيقَنتُ أن الحبَّ كالحربِ خدعةٌ وكلُّ صبورٍ في الجلادِ غلوب +أساكنةً فوقَ الخمائلِ والرُّبى صِليني فإنّي اليومَ جئتُ أتوب +سيخضعُ هذا القلبُ بعدَ تمرُّدٍ ومن حَولِهِ بعدَ الجنانِ لهيب +كقشرٍ من الرمّانِ أصبَحَ يابساً وحبُّكِ مثلُ الحَبّ فيهِ رطيب +ألم تذكري باللهِ أولَ ليلةٍ وأولَ وَعدٍ والهلالُ رقيب +وفي نورِهِ ما في اللِّحاظِ من الهوى وفي غَزلي قلبي عليكِ يذوب +فقلتُ إِلامَ الصبرُ والشوقُ غالِبي وأنتِ إذا جدَّ الغرامُ لعوب +فقلتِ وقد وَارى الهلالُ جبينَهُ دعِ الوَرد إنَّ الشَّوكَ منهُ قريب +سَيفي عشقتُ كما عشقتُ الحاجبا وخَبرتُ من هذا وذاكَ مضاربا +فعلمتُ أن السيفَ أهونُ وقعُهُ من حاجبٍ غلبَ الشجاعَ الغالبا +فإذا فتحتُ القلبَ أُبصرُ حاجباً وإذا فتحتُ الثوبَ أُبصرُ قاضبا +وأخو المروءَةِ والشهامةِ هكذا يَقضي الحياةَ مُغازلاً ومُحاربا +طوراً يذودُ عن الديارِ وتارةً بحسامهِ يَحمي الفتاةَ الكاعبا +المجدُ عندَ الأكرمينَ أخو الهوى من لم يحبَّ قضى حَزيناً خائبا +واحسرتاه على فؤادٍ لم يكن يوماً ليعرفَ وعدَ حبٍّ كاذبا +عبثَ الشقاءُ به وهل من راحةٍ لِفتى تراهُ للفضائلِ صاحبا +نفسي تذوبُ على فتاةٍ ثغرُها بردٌ أراه كلَّ يومٍ ذائبا +بسماتُهُ لقلوبنا كغمامةٍ لزروعِنا المتموِّجاتِ كتائبا +وكما بزهرِ الرَّوضِ تلعبُ نفحةٌ ما انفكَّ مبسمُها بقلبي لاعبا +ولقد لهَوتُ بعقدها فكأنني نلتُ الثريَّا والشهابَ الثاقبا +وَشَممتُ زنبقَ نحرها في خدرِها فغدوتُ عن زهرِ الحديقةِ راغبا +ذيالِكَ النحرُ الذي قبَّلتُهُ كنزُ السعادةِ لي وكنتُ الناهبا +لما مَدَدتُ يدي إليه كسارقٍ زَحزَحتُ عن صبحِ اليقينِ غياهبا +وأعَدتُها وأعَدتُ أنفاسي إِلى صَدري لأوقِفَ فيهِ قلبي الهاربا +فتاتي الصغيرةُ تهوى النقارا وقلبي زَقا وإليها استطارا +تعشَّقتُها بنتَ خمسٍ وعشرٍ توقَّد في عَينها الحبُّ نارا +وفي وَجهها قطراتُ جمالٍ على كلِّ قلبٍ تصيرُ شرارا +إذا لحَظتها العيونُ أرَتها من الوردِ في خدِّها جلّنارا +تُزقزقُ عصفورةً وتطيرُ فراشةَ رَوضٍ تحبُّ اخضِرارا +ويبرزُ من ثوبها ساقُها دقيقاً فأهوى الثيابَ القِصارا +وفي وَجهها الزهراتُ تقولُ لرامِقها ما أعزَّ الثمارا +وفي مِعصَميها سوارانِ صيغا لأسري ففي الأسرِ أهوى السِّوارا +وفي جيدها عَقدُ درّ ثمينٍ إذا برزت في الظلامِ أنارا +لها أُمها صنعتهُ وفيهِ صليبٌ حَمى الطهرَ ليلَ نهارا +خفوقٌ على صدرِها كفؤادي إذا التفتت فأرَتني الشِّفارا +مشت فرأتني بها لاحقاً فخافت وهمّت ترومُ استتارا +فقلتُ فَديتُكِ لا تنفُري ولو كنتُ منكِ أحبُّ النفارا +فقالت بصوت رخيم كذا أتيت ولم تخش لوماً وعارا +فقلتُ لحسنِكِ ��ئتُ أُصلّي وأفدي العفافَ وأحمي العَذارى +يا ذات خدرٍ قَدرُها عالِ صُوني جمالَكِ إنّهُ غالِ +اللهُ يأبى وهوَ واهبُهُ أن يَشتريهِ منكِ ذو مال +مَن كفُّهُ مملوءةٌ ذهباً سيروع قلبَكِ قلبُهُ الخالي +لا تطمعي في رفعةٍ وغنى ليسَ الهوى في الجاهِ والنال +ولئن خُدِعتِ بظاهرٍ حَسَنٍ فالقبحُ مستورٌ بإجمالِ +أنتِ الحمامةُ غرَّها قفصٌ هو من حديدٍ زانه طال +يا هندُ ما أغناكِ عن رجلٍ بَليَ الهوى في صدرهِ البالي +فيكِ المحاسنُ والمُنى اجتمعت لتزيدَ آلامي وآمالي +لا تضحَكي ممَّن عواطفُهُ ظهرت بألحاظٍ وأقوال +ذلّي ودلّكِ في الهوَى عَذُبا فرضيتُ إذلالاً بإدلال +فتعطَّفي وترفَّقي كرماً في حبِّ مثلكِ قلَّ أمثالي +عن كلّ ما ألقاهُ يشغلُني ذكرٌ وطيفٌ منكِ في بالي +لا تَبذُلي ما أفتدِي بدَمي إِلا لفدَّاءٍ وبذَّال +إن تفقدي حبي الشَّريفَ غداً لا تَطلُبيهِ من فتىً سال +النّارُ تخمدُ بعدَ حدَّتِها والمرءُ مِن حالٍ الى حال +سمائي في جُفونكِ والجبينِ فحسنُكِ منهُ تعزيةُ الحزينِ +وما شِعري سِوى خَفَقان قلبي وقد عرفَ الحنانَ منَ الحنين +ومنكِ الوحيُ والتَّنزيلُ فيه كتَنزيلٍ من الرُّوحِ الأمين +أيحرمُني النهارُ أقلَّ شيءٍ وفي الليلِ البهيمِ تُؤانسيني +فليتَ الليلَ حلمٌ مستمرٌّ فيستَغني السخيُّ عن الضنين +فوا شوقي إلى الليلِ المُوافي بطيفٍ حقَّ تسهيدي يَفيني +وفي الأحلامِ لذاتٌ تقضَّت كأجملِ ما يكونُ من اليقين +رأيتكِ يا بخيلةُ في مَنامي مُقبِّلتي وخصرُكِ في يميني +فأوَّلُ قبلةٍ كانت لعيني وعشرٌ بعدَها ملأت جبيني +أَلي في يقظةٍ تقبيلُ ثغرٍ وخدٍّ أضعفا قلبي وديني +وقد أعَرضتِ نافرةً لقولي تعالي يا مليحةُ قبِّليني +وتحت المجسدِ الشفَّافِ نهدٌ مَدَدتُ إليه كفَّ المُستدين +وإما جئتُ ألمسهُ مَشُوقاً رَدَدتِ يَدي بيا أمي ارحميني +وكم من طوقِهِ أدخَلتُ زَهراً لانشقَ منه ريَّا الياسمين +فديتُ بخيلةَ حرمت كريماً يساعِدُها على صونِ الثمين +بكرت لِتَسقي زهرَ جنّتِها النَّدي فحسبتُ ماءَ المزنِ هَلَّ من اليدِ +بغلالةٍ بيضاءَ صانت جسمَها فرأيتُ مِنها دميةً في المعبد +ومشت بخفةِ ظبيةٍ فوقَ الحصَى فغدا طهوراً مثلَ أرضِ المسجد +وحنت لتنشقَ وردةً فرأيتُها أختاً تقبِّل أختَها بتوجّد +من ذا يُميِّزُ وردةً جوريةً من خدِّها المتنوّرِ المتورّد +والغصنُ مالَ إلى أخيهِ قوامِها وكأنهُ العطشانُ فوقَ المورِد +فسناهُ عن ذاكَ النَّسيمُ حميَّةً فارتَدَّ مثلَ المذنبِ المتردّد +والزهرُ قد حدقَ المحيّا مُعجباً كالراهبِ المتسهّدِ المتعبِّد +باللهِ أيتها المنعَّمةُ التي تَسقي الأزاهرَ وهي حارمةُ الصَّدي +ماذا عليكِ إذا سَمحتِ برشفةٍ من ماءِ مبسمكِ الألذّ الأبرَد +وإذا ضَننتِ عليَّ قولي يا فتى مَهلاً فإني قانعٌ بالموعِد +فلرُبّ ينبوعٍ تركتُ زلالهُ طرَباً لصفرةِ بلبلٍ متغرَّد +سعداً لمن تسقيهِ كفُّ مليحةٍ من كوثرٍ في فضَةٍ أو عسجد +الحبُّ راضَ منَ القلوبِ أشدَّها وكفى بقَلبي عبرةً للجلَمد +لقد هاجَ الهوى هذا الحريرُ أَمِن شَفَتَيكِ أم منهُ العبيرُ +حكى قلبي برقَّتِه فأمسى على النسماتِ يخفقُ أو يطير +فلا تدَعي النسيمَ يسرُّ شيئاً إليك فإنني صبٌّ غيور +وهذا عقدُكِ الغيرانُ مِثلي يذوبُ فحبُّهُ حبٌّ صغير +جبينكُ لاحَ في ليلِ التَّصابي هلالاً منه نفسي تَستَنير +وشَعرُكِ ظلمةٌ سترت هوانا وللأمواه في الوادي هدير +وفي خدَّيكِ وردٌ منهُ أبكي فذاكَ الوردُ من دمعي نضير +وفي شفتيكِ لي ماءٌ ونارٌ فقلبي لابتِسامِهما مُنير +وخَصرُكِ رقَّ حتى كادَ يَفنى لذلكَ رقَّ شِعري والشعور +قوامكِ فيهِ جناتٌ حسانٌ وفي قلبي لِمَنظَرها سَعير +فمن تلكَ المحاسنِ لي كنوزٌ على كفَّيَّ جَوهَرُها نثير +حملتُ هواكِ فانشقَّت ضُلوعي وكادَ القلبُ منها يَستَطير +وإمّا بتُّ أنشدُ شعرَ حبّي فأبياتي يُقَطِّعُها الزَّفير +أرى العشَّاقَ لي خدماً وجنداً وإني في هواكِ لهم أمير +حَييتُها بقرنفلٍ ممطورِ في باقةٍ مَربوطةٍ بحريرِ +فتناولتهُ بأنملٍ كانت لهُ ماءً وقلبي فيهِ حَرُّ سعير +ما كان أسعَدَهُ وأتعسني بها هل حظُّ ما يذوي كحظِّ نضير +ورَنت فقلتُ عِمي صباحاً وانعمي فلقد طلعتِ بوجهِ ذاتِ النور +فتمايلت دلّاً وقالت يا فتى حتَّامَ ترقُبني وراءَ ستور +وتبسَّمت فحسبتُ زهري ثغرَها وتنفّست فشمَمتُ عرفَ بخور +حتى إذا وضعت أزاهرَ باقتي في صَدرها وتلفَّتَت كغرير +أبصَرتُ زهراً فوقَ زهرٍ ناضرٍ ونشقتُ عطراً فاحَ بين عطور +ورَمقتُها وجبينُها نسرينَةٌ فرأيتُ فوقَ الخدِّ وردةَ جور +نشقت أريج قرنفلي متنوّعاً ونشقتُ ريّا شَعرها المضفور +في الديرِ كان لقاؤنا ومجيئُنا لسماعِ قدّاسٍ هناكَ كبير +فدَرى بنا قسٌّ وجاءَ يقولُ لي لا تعترف ما الذَّنبُ بالمغفور +فأجَبتُهُ لو كان عندكَ مثلها بين الدُّمى لاخترت عيشَ ديور +وإذا سمعتُ حديثها لم اكترث لتلاوةِ الإنجيلِ والمزمور +أزَنبقٌ كفُّكِ البيضاءُ فالعبقُ يفوحُ منها على كفِّي فأنتَشِقُ +أم ياسمينٌ ووردٌ في الحديقة أم في الكمِّ زهرةُ فلٍّ حولها الورق +كأنها مخملٌ زانتهُ نمنمةٌ أو نورُ بدرٍ حلا في ليلهِ الأرق +أو باقةٌ تجمعُ الأزهارَ عقدتُها كدملجٍ مثل قلبي عندَهُ قَلق +وفي أصابعها ماسٌ كدمعِ ندَى على غصونٍ لمرِّ الريحِ تعتنق +تِلكَ الأصابعُ كالبلَّورِ صافيةٌ يكادُ منها نميرُ الماءِ يَندفِق +وكاللآلئِ والمرجان أنمُلُها فليسَ يحملُ عقداً مثلها العنق +بياضُ راحتكِ الريّا وحمرتُها سماءُ صيفٍ عليها يحسنُ الشَّفَق +وضَعتِها فوقَ خصرٍ سالَ جدولُهُ في بحرِ ردف عليه يختشى الغرق +فقلت ليت لكفي ما لكفك من خصرٍ دقيقٍ عليهِ هزَّني الفرق +إذاً لكانَ لهُ في ضعفهِ سندٌ فإنما العقدُ من زنّارِهِ مَلق +كأنَّ كفَّكِ بالأوتارِ عابثةً جناحُ عصفورةٍ في الرَّوضِ تنطلق +لمّا سألتُكِ أن أحيا بقُبلتِها أجَبتني من لظى الأنفاسِ تحترق +فقلتُ قطَّرتُ دَمعي كي يبرِّدَها وإن يجفَّ عليها تقطرُ الحدق +سُعَادُ أعيدي لي كلاماً مرخَّما فيا حبّذا الصوتُ الذي حَبَّبَ الفَما +لِصَوتكِ رنّاتٌ كأوتار مُطربِ شَجانا فأبكانا عَشيَّةَ نَغّما +أرى ألماً للقلبِ في كلِّ لذةٍ وما كانتِ اللذّاتُ إِلا تألُّما +تقولينَ خيرُ الحبِّ ما طالَ شوقُهُ فلا تَكُ إِلا عاشقاً مُتَظلِّما +إذا لم يكن وعدٌ رضيتُ تحيَّةً وإن لم تُحيِّيني رَضيتُ التبسُّما +وإن كنتِ في حكمِ الجمالِ مليكةً فإني فتى ما زالَ بالحُسنِ مُغرما +فلا تَحرميني نعمةَ الدَّولةِ التي أكونُ على أصحابها مُتقَدِّما +فتاكِ ضحوكٌ للمنيةِ والهوى ألم تسمَعيهِ صائحاً مترنَّما +فما هو إِلا كالرَّبيعِ نضارةً وما هو إلا كاللَّهيبِ تضرُّما +فديتُكِ أخلاقُ الشبابِ جم��لةٌ فلا تحرميها يا سعادُ تنعُّما +وما العمرُ إِلا غفلةٌ فتزوَّدي من الحبِّ شيئاً أو فذوبي تندُّما +فسيلي غديراً وافتَحي القلبَ زَهرةً ورقِّي نسيماً في الغصونِ مُهينما +وغنِّي هزاراً واسجعي لي حمامةً وراعي معَ العشَّاقِ بدراً وأنجُما +لعمركِ هذا العيشُ ذوقي نعيمَهُ فتَدرينَ ما مَعنى السعادةِ والسّما +ببابِ المصلَّى قد رأيتُ التي أهوى فكان لقلبي عِندَ ذاكَ الهوى مَهوى +مُسربلةٌ في العيدِ حلَّةَ مخملٍ كما نشَرَ الطَّاووسُ ريشاته زهوا +نظَرتُ إليها نظرةً كانتِ التي بُليتُ بها والعينُ جالبةُ البلوى +لئن قَتَلتني عينُها ألفَ مرَّةٍ فكم قتلت عمداً وكم قتلت سَهوا +مَشَت في مصلانا تُجَرِّرُ ذيلها كما جرَّرَتهُ حينَ زَيَّنتِ البَهوا +وقد رقَّقَت ديني برقَّةِ خَصرها وجاءَت تُصلِّي يومَ حبَّبتِ اللهوا +فيا ليت قلبي مذبحٌ وهي شمعة ويا ليته تفاحةٌ فتنت حوّا +رَضيتُ بها لي جنَّةً وأُولو التُّقى لهم بعد طيّاتِ الثَّرى جنَّةُ المأوى +لحقتُ بها لما أتمَّت صلاتها وسارت تدوسُ القلبَ أو توسِعُ الخطوا +فقلتُ لها سيري الهُويناءَ واسمَعي حَديثي فإنَّ الحبَّ علَّمني التَّقوى +فقالت خجولاً وهي تخفي ابتِسامها رُوَيدَكِ يومَ العيدِ لا أسمَعُ الشَّكوى +فقلتُ لها دَعوى هواكِ جليَّةٌ وقلبُكِ فيها يُصدِرُ الحكمَ والفَتوى +فمن مُقلتي نفسي إليكِ تطلَّعت ورُبَّ كتابٍ كان عنوانُه الفَحوى +وإن بعدت دارٌ وشطَّ مزارُها فللرُّوحِ مع روحٍ تُجاذبُها نجوى +تذكَّرتُ ليلاً في الخميلةِ مُقمِرا ورَبعاً بأنفاسِ الملاحِ تعطَّرا +فكادت تذيبُ القلبَ ذكرى مليحةٍ على جيدِها دَمعي الثمينُ تحدَّرا +وفَت مُقلتي في الحبّ دَينَ منعّمٍ كزنبقةِ الآجامِ أبيضَ أصفَرا +لعمركِ إنَّ الدَّمعَ للقلبِ نافعٌ كما جادَ ماءُ المزنِ رَوضاً فنوَّرا +وربَّ بلايا يحمدُ المرءُ نَفعَها فإنّ صفاءَ الماءِ أن يتَقَطَّرا +فقالَ الذي أودَعتُه نصفَ مُهجتي جَرى لكَ دمعٌ في البليةِ ما جرى +فقلتُ لهُ والشَّوقُ باللّبِّ طائرٌ لقد كنت لولا الحبّ أقوى وأصبرا +وقَفتُ مُنى نفسي على المجدِ والهوى سأقضي بهذا أو بذاكَ فأُعذَرا +تصدَّعَ هذا القلبُ من نظراتِها كَنصلٍ على أمضى النِّصالِ تكسّرا +وفاضت لمرآها أرقُّ عَواطِفي كما انحلَّ عقدٌ مثمنٌ فتنثَّرا +لها نفَسٌ لو كان في هبَّةِ الصِّبا لعطَّرت الأغصان والماءَ والثَّرى +وبسمتُها لو كان للصبحِ مثلُها لحدَّثَ ليلي أن يحُولَ ويقصرا +لقد سمِعَتها الطَّيرُ يوماً فغرَّدَت وأبصرَها الغصنُ الوريق فأزهرا +من حُسنِك شِعري قد سُرقا فغَدَوتُ بهِ أكسُو الوَرَقا +كم قلتُ وفي قولي عجبٌ سُبحانَ الخالقِ ما خَلقا +البابا يَتركُ سُبحَتَهُ ليقبِّلَ عقدك والعُنُقا +وفؤادُ الرّاهِبِ من ولَهٍ كبخورِ المذبحِ مُحترقا +إن تُرخي شعرَكِ لي غَسقاً من خَدِّكِ أطلعت الشَّفَقا +خدَّاكِ إذا احمرّا خَجَلاً رمّانٌ في الشمسِ انفَلقا +والشَّعرُ كليلٍ أرّقني وجبينُكِ كالصبحِ انبثَقا +وجفونكِ ذابلةٌ كحلاً وجفُوني ذابلةٌ أرقا +والخَصرُ غريقٌ في كفَلٍ لولاهُ قلبي ما غَرِقا +حلَّتُكِ الخضراءُ اجتَذَبَت قلبي فغَدا يهوى الحبَقا +مرّي وتَثنّي وابتسِمي لأشمَّ شذاً وأرى قلقا +واهاً للعاشقِ إن رمقت عيناكِ وَواهاً إن رَمقا +ما ظبّةُ تلقاها ظبةٌ أو بَرقٌ في حَلكٍ بَرَقا +بأحَدَّ وأبهرَ مِن نَظَرٍ إن صادَفَت الحدقُ الحدَقا +الكونُ بالطّيبِ والأنوارِ حيّاكِ لمّا تَبَلَّجَ من سجفٍ مُحيّاكِ +أيأخُذُ النورَ والأطيابَ منكِ لنا أم مِنهُ نورُكِ يا ليلى وريّاك +يا طَلعةَ البدرِ يا طيفَ الملاكِ ويا زهرَ الربيعِ ويا زهراءَ أفلاك +قلبي سماءٌ وجنَّاتٌ مُزَخرَفةٌ إن تطلعي فوقَهُ من علو مَغناك +أوِ الوساد الذي بلقيسُ قد جَلسَت عليهِ ما بينَ أجنادٍ وأملاك +لما طلعتِ على عرشِ الهوى سَحَراً وخرَّ قلبي صَريعاً عندَ مرآك +وقبّلَ الأرضَ كي تحني عليَّ فمِي وبلَّ ذيلك جفنٌ خاشعٌ باك +عبدتُ من دَهشتي في هَيكلٍ وثناً وقد دَعتني إلى الإشراكِ عيناك +هل تذكرينَ من الأسمارِ أطيَبها حيثُ الأزاهرُ شوقاً فاغمت فاكِ +وكنتُ أُنشِدُ شِعراً فيكِ أنظمُهُ باللهِ قولي أذاكَ الشّعرُ أرضاك +إنشادُهُ كادَ يُبكيني على جَلدي فهل تذكُّرُهُ في الخِدرِ أبكاك +تِلكَ العواطفُ والأزهارُ قد ذبلت والقلبُ يحفظُ ريّاها وذكراك +قد كان مرآكِ لي أنساً وتَعزيةً واليومَ تُؤنِسُني في النَّومِ رؤياك +صبراً على حورِ العَينين والدّعجِ لا بدَّ من فرجٍ يأتيكَ من فلج +هذي المليكةُ فاحذَر سيفَ نقمتِها فأنتَ من حُبِّها في موقفٍ حَرج +دَعِ الشَّكاوى ولا تلجأ الى حججٍ فللمليكةِ إعراضٌ عن الحجج +في مطلقِ الحكم لا دَعوى ولا جدلٌ ولا دِفاعٌ فقل يا أزمَة انفَرجي +واطلب مراحِمَها تأمَن مظالمَها وما عَليكَ إذا استَسلمتَ من حرج +صدقتَ فاسمع حَديثي عن مخدَّرةٍ عَشِقتُها حينَ لاحت لي على الدَّرَج +بيضاءُ طلعتُها بيضاءُ حلَّتها بيضاءُ كلَّتُها في منزلٍ بَهِج +كأنها البَدرُ فوقَ التلِّ مُرتفعاً يَجلو الغمامَ وتَجلو الغمَّ عن مُهَج +وبين أنمُلِها غصنٌ حكى فنَناً مِنَ الحمامةِ للتَّبشيرِ بالفَرَج +لما رَنوتُ إليها وابتسَمتُ لها قالت أتسرُقُ من حُسني ومن أرجي +فقلتُ شيَّعتُ قلبي حينَ فارَقني بمُقلتيَّ وما في العذرِ من عَوَج +قالت بدَمعِكَ طهِّر مُقلتيكَ ولا تنظُر إليَّ فما الغدرانُ كاللّجج +مرَّت كوردٍ في الضُّحى مُزهرِ على بساطِ الرّدهةِ الأخضَرِ +ومثلَ غصنٍ رنحته الصَّبا جرَّرَتِ الذَّيلَ على المرمر +وحسنُها الرّيانُ في ثوبها كالسَّمنِ يوم البردِ بالسكَّر +وجنتُها شفّافةٌ لونُها إن تمزجِ الأبيَضَ بالأحمر +فالحسنُ والصحَّةُ فاضا معاً كما يفيضُ الماءُ في الأنهر +وخدُّها مُستَعِرٌ خلقةً لا مُستَعارٌ فهو جانٍ بري +وشَفَتاها وردةٌ نوَّرَت وثغرُها سمطٌ من الجَوهَر +والرِّيقُ فيهِ خمرةٌ حرمت من غيرِ كرمِ الدَّيرِ لم تُعصَر +وعينُها زهراءُ مُستأنِسٌ بها ضليلُ البَلدِ المُقفر +وشعرُها الأشقَرُ مُسترسِلٌ كالموجِ يومَ الهدءِ في الأبحُر +تسيرُ والأحداقُ من خَلفِها فَتُشبهُ القائدَ في المدفر +كم مرّةٍ بتنا على لذَّةٍ كأننا علوةُ والبُحتري +جرَّدتِ من تلكَ الجفونِ سُيوفا وحَشدتِ من جيشِ الجمالِ صُفوفا +فتساقطَ العشَّاقُ صَرعى في الوَغى أو ما اشتَفَيتِ وقد قتَلتِ ألوفا +إني لأعجَبُ للجمالِ وفِعلِهِ منهُ الحياةُ وقد يكونُ حُتوفا +ولقد أقولُ وراحتايَ على الحَشى رِفقاً بقلبٍ لا يزالُ ضَعيفا +باللهِ إن تُعطي الأمانَ لعاشقٍ لا تُسمِعيهِ من الحريرِ حَفيفا +هذا الفؤادُ إذا رَفعتِ شغَافهُ أبصرتِ فيهِ من الجمالِ صُنوفا +وقرأتِ آياتٍ من التَّنزيلِ لم تُكتَ�� فكانَ لها الخفوقُ حُروفا +أما جمالُكِ فهو نارٌ طهَّرت دَنسَ القلوبِ لذاكَ صرتُ عفيفا +فبوجنةٍ رَيّا وجفنٍ ذابلٍ ومُقبّلٍ نَشرَ الأريجَ لطيفا +وبخصرِك الفاني وصَبري المُنقضي لا تمنعي من قُبلتَينِ ظريفا +وخُذي لقلبكِ من قوامكِ رقةً وصِلي فربُّك يحفظُ المعروفا +الحبُّ علَّمني ما لذَّة الأرقِ تحتَ الغصونِ التي تلتفُّ بالوَرقِ +لا آلفَ النومُ أجفاناً على سمرٍ سَل القلوبَ من الأفواهِ والحَدَق +يا حبَّذا ليلةٌ أرخَت ستائرها على المنازلِ والجنَّاتِ والطُّرُق +كنَّا نبوحُ بأسرارٍ وتَكتُمُها ونحنُ في الروضِ كالنجمينِ في الأُفق +وللنَّسيم على الأغصانِ هَينَمَةٌ وهي التحيَّةُ بالأزهارِ والعبق +لَهت بشعري يَداها مدَّةً ويَدي تلهو بخاتمها والعقدِ والحلق +حتى اعتَنَقنا فأغضَت طَرفها خَجَلاً من النجومِ التي ترنو من الغَسَقِ +ظَلت معانِقَتي حتى إذا غمضت أجفانها وسَناً أغفَت على عنُقي +فبتُّ أحبسُ أنفاسي وأنشقُ من أنفاسِها مسكناً ما بي من القلق +ما كان أسعدَني في ضمِّها أبداً بينَ الذراعينِ لولا طلعةُ الفلق +فقمت أسحبُ أذيالاً مبلَّلةً من النّدى ومُوَشَّاةً مِنَ الشَّفَق +وقُلتُ يا أيُّها النوّامُ أرحَمُكم هلا عَشِقتُم وذقتم لذَّةَ الأرق +قد اجتَمعت فيكِ المحاسنُ يا جملُ فهانَ علينا في محَبَّتِكِ القَتلُ +فما أنتِ إِلا صورةُ الوطن الذي إذا طلبَ الأرواحَ طاب لنا البَذل +على وجهكِ الباهي ربيعُ بلادِنا وحسنُكِ عمرٌ يا مليحةُ لا فصل +أرى فيكِ من لبنانَ عزّاً وبهجَةً وأنتِ لهُ بعضٌ وفي وجهكِ الكلُّ +فمن أجلِهِ أنتِ العزيزةُ عِندنا ولولا الهوى ما شاقَ لبنانُ والأهلُ +فعينُكِ فيها شَمسُهُ وسماؤُهُ وخدُّكِ فيهِ الماءُ والزهرُ والظلُّ +فيا حبَّذا لهوُ الصبُوَّةِ في الحِمى ويا حبَّذا الوادي ويا حبَّذا الحقل +ويا حبّذا من ثغرِكِ العَذبِ بسمةٌ إذا قلتِ يا مجنونُ مالكَ لا تسلو +فما قطراتُ الطلِّ في كاسِ وردةٍ يقبِّلُها طيفُ النسيمِ ويَنسَلُّ +بأجمل من أسنانِكِ البيضِ في فمٍ يكادُ إذا ما افترَّ يمتصُّهُ النَّحل +وما الحوَرُ الريّانُ إن هبَّتِ الصَّبا فلذَّ لهُ ذاكَ الترنُّحُ والدلُّ +بأرشق يا هيفاء من قدِّكِ الذي إذا مالَ مالَ القلبُ والدينُ والعقل +إذا افترَّ ثغرُ الخودِ أو طرفُها رَنا تطايرَ قَلبي من هُناكَ ومن هُنا +كما سَرَحَت في حقلِ لبنانَ نحلةٌ وفي فمِها من زَهرهِ أطيَبُ الجَنى +أيا مُبدِعاً هذا الجمالَ وموجداً لآدمَ حواءَ المليحةَ قُل لنا +لماذا خلقتَ الغانياتِ وقلتَ من رأى امرأة ثم اشتهاها فقد جنى +خُلِقنا لِنَهوى الحسنَ في كلّ صورةٍ ولا أَملٌ يوماً بتَغيير طَبعِنا +وما ظهَرَ المعلولُ إِلا بعلِّةٍ هما اتَّصلا فافِصلهما ثم أوصِنا +طبعتَ على حبِّ الجمال قلوبَنا فلولا جمالُ الوَجهِ ما كان حبُّنا +أَعِد جَبلنا كي لا نُحبَّ حِساننا وإلا فهذا ليسَ يا ربُّ مُمكِنا +إذا شِئتَ تُغنينا عن الكونِ كلِّه وأما عن الأُنثى فليسَ لنا غِنى +أرى الحسنَ أصلَ الحبّ في كلِّ مُهجةٍ معَ الجسمِ والتَّصوير والنَّحتِ والغِنا +ولستُ إذا قلتُ الحقيقةَ كافراً فلولا الهوى والحسنُ ما طابَ عَيشُنا +هما لطَّفا منّا قلوباً وهذَّبا عقولاً فأصبَحنا نُحِبُّ التمدُّنا +خِمارُكِ فيهِ لقلبي خمرْ وتحتَ دُجاهُ يلوحُ الفَلقْ +له شبةٌ من شعاعِ القمرْ وتلكَ الخيوطُ تفكُّ الحلق +من العينِ قلبي إليكِ خرجْ وعينُكِ تَهتُكُ أستارَهُ +وهذا الحريرُ وهذا الأرجْ يزينانِ للصبِّ أوطارَه +أعاقِبةُ الصَّبرِ منكِ الفرجْ وقد أنفدَ المطلُ أعذارَه +خِماركِ فيهِ الغرام اختمرْ ومرّ النسيمُ عليهِ مَلق +إلامَ تصونينَ أشهى الثمرْ ورمَّانُ صَدركِ هذا انفَلق +تردّينَ كفّي عن قَطفِهِ وفي ظلِّهِ للفؤادِ مقيل +سآخذُ قدَّكِ من عَطفِهِ ولو قَدَّ صَدري حسامٌ صقيل +وشاحُكِ يشتاقُ سيفَ عمرْ فللعينِ والقلبِ منه قَلق +بأمرِ الجمالِ فتاكِ ائتَمَرْ وقلبي لِقَلبكِ رَبِّي خلق +جَبينُكِ لاحَ فجراً في حماكِ وثَغرُكِ فاحَ زهراً من جَناكِ +أُحبُّكِ يا مليحةُ حبَّ إلفٍ لإلفٍ في البعاد عليهِ باك +وما ذاكَ الصفيرُ سِوى حنينٍ إلى العشِّ المعلَّقِ بالأراك +ألستِ تُمتِّعيني من محيَّاً براهُ الله من صافٍ وزاك +وأنتِ صبيَّةٌ وأنا صبيٌّ فما أحنى صِبايَ على صِباك +تحنُّ إليكِ نفسي كي تَحِنِّي وتبكي مُقلتي لِترى بُكاك +فهلا تنظرينَ إليَّ عَطفاً وهلا ترفقينَ بمُبتلاك +فنمزجُ دَمعنا عيناً لعينٍ وقلبي بالمُنى يَلقى مُناك +فلي من ثغركِ الأحوى رجاءٌ سِوى وحيٍ لِوصلِكِ أو رِضاك +أُحبكِ يا ملاكُ وليسَ حبِّي سِوى وحيٍ بواسطةِ الملاك +فكيفَ يكونُ لي منهُ هلاكٌ ولا تسعى الملائكُ بالهلاك +ولو خُيِّرتُ في سَعدي ونحسي دخلتُ جهنَّماً ولثمتُ فاك +مرَّت فَحيَّتني وقد حَيَّيتُها وبراحتي فوقَ الفؤادِ فَدَيتُها +إنَّ التحيَّةَ بيننا إيماءةٌ وإشارةٌ فعَليَّ حُرِّمَ بَيتُها +لكنَّها في الحلمِ لبّت دَعوتي وإذا دَعَتني ليلةً لبَّيتها +بينَ الخَيالينِ الوصالُ وإنَّما ذاكَ الجمالُ يزولُ إن ناديتُها +أحببتُها عَرَضاً وما عرَّضتُها وذكرتُها طرباً وما سَمَّيتُها +بأريضةٍ ومريضةٍ لقّبتُها وبأمِّ خَشفٍ للنَّديمِ كنَيتُها +هي طفلةٌ بكرٌ ألذُّ من الكَرى فلكم رأيتُ السَّعدَ منذُ رأيتُها +ما قلبُها إلا كبُرعمِ وَردَةٍ مرَّ النسيمُ بهِ إذا ناجَيتُها +الحبُّ نوَّرَ مُقلتيها بعدَ ما صارت سِراجاً لي وحبّي زَيتُها +يا ليتَها زهرٌ وليتي كمُّهُ أوليتَها كفَنٌ وليتي مَيتُها +سلَّت مُهنَّدَها فخَف من حدّهِ فصريمةُ ابنِ رواحةٍ في فردِهِ +هي حرَّةٌ عربيةٌ فقوامُها من نجدِها وحُسامُها من هِندِه +أبُنيَّةَ الشَّعبِ الذي ملكَ الوَرى بجرازِ خالدِهِ وحاجبِ دَعدِه +فأخَذتُ من نسَبي إليهِ حَميَّتي وبنيتُ مَجدي من خرائبِ مجده +قد يأمَنُ العربيُّ ما جرَّدتِهِ والرومُ ترهَبُ حدَّهُ في غِمدِهِ +أرخي النِّقابَ على المحيّا فالسَّنى أن يَطلعَ المبيضُّ من مِسوَدّه +أبداً أغارُ على الجمالِ وإنني أُدعى بعابدهِ العفيفِ وَعبدهِ +ما للرَّبيعِ على الرِّياضِ تفضّلٌ من عندكِ الأزهارُ لا من عِنده +فالوردُ من خَدَّيكِ مَزهى لونُهُ والنحلُ من شفتيكِ مَجنى شهده +يا طفلةَ الجيدِ التي هي طفلةٌ سرقت ثناياها جواهرُ عقده +ماذا فعلتِ وأنتِ فوقَ حشيّةٍ بالقائدِ البطلِ المغيرِ بجنده +ما جئتُ ألتزِمُ القوامَ النّاحِلا إلا وقالت يا فتى كن عاقِلا +فكأنهُ غصنٌ أُحاولُ هَصرَةً منهُ فيفلتُ من يَدي مُتمايلا +لم أنسَ نزهتَنا مساءً والصَّبا جاءت تُبشِّرُ بالقدوم خمائلا +والماءُ يجري صافياً وخريرُهُ خفقاتُ قلبي إن أجابَ بلابلا +فجنيتُ زهراً ناضراً وشممتهُ وبشّمةٍ أنضر��ُ زَهراً ذابلا +ودَنوتُ مِنها واضعاً إياهُ في خصرٍ ليُنحلني تَنَطَّقَ ناحِلا +فرنت إليَّ حَييِّةً وتبسَّمت فرأيتُ أسهمَها تُصيبُ مَقاتِلا +وحنت وقالت منك طيبُ غلائلي فلأذكُرنَّكَ ما نَشرتُ غَلائلا +حبَّاً لمُهدي الزَّهر أحفَظُ زَهرهُ وأرى الأزاهر في الغرامِ رَسائلا +حتى إذا عدنا وزندي عالقٌ بذراعِها والوقتُ يذهبُ عاجلا +قالت ألا ليتَ الحياةَ جميعَها حبٌّ ولم تكُنِ الحياةُ مراحلا +تعالي نقضِ قبلَ الصبحِ دَينا فليلُ الوَصلِ لا يمشي الهُوَينا +فما أحلى الغرامَ بلا سخاءٍ ولا بخلٍ ووَصلكِ بينَ بينا +ألا يا ميُّ كم بتنا صباحاً نُقَطِّرُ دَمعنا من مُهجَتَينا +ونمزجهُ سخيناً حينَ كنّا نُقَرِّبُ للتلائم وَجنَتينا +وأزهارُ البنفسجِ ذابلاتٌ بأعيُنِ حُسَّدٍ ترنو إلينا +ويَلمسُنا النسيمُ على اشتياقٍ فيُرجِفُنا ويَسرُقُ زَفرتينا +وكم بتنا وطرفُ النَّجمِ يرنو وأغصانُ الحِمى تحنو عَلينا +أرى في عَينِكِ النجلاء نفسي ونورَ الحقِّ في عَيني ترينا +ونُقسِمُ أننا نرعى عُهوداً فنعقدُ للتعاهدِ خِنصَرينا +ونجزعُ من تنائينا فنبكي ونشبكُ للتَّداني ساعِدَينا +تشاكينا وَبينَ يديكِ رأسي وبين يديَّ خصرُكِ فاشتَفينا +رمَتني في الصباحِ بوَردَتينِ فأغرَتني بلثمِ الوَجنتينِ +ولمّا رمتُ شمَّةَ وَردتيها شَمَمتُ الياسمينَ من اليدين +تراءينا على المرآةِ حيناً فأبصرتُ النضارَ مع اللُّجَين +ونورُ الشمسِ طافَ بمعصَميها وفي القرطينِ نورُ الفَرقدين +فقالت وهي جازعةٌ كرئمٍ ترى الصيَّادَ بينَ الربوتين +أمِن خدِّي تريدُ اللثمَ غصباً فقلتُ لها ومن ثغرٍ وعين +فقالت هل ترى خَفقانَ صَدري فقلتُ أرى خفوقَ الخافقين +أيا روميّةً سَلبَت فؤادي وأنسَتني عهودَ الرقمتين +تعالي ندنِ قَومينا بوصلٍ فيَعتنقا لدى مُتَعانِقَين +فإن عانقتُ بنتَ الرومِ أشهَد تَعانُقَ أمَّتَينِ ورايتين +أمامَكِ شاعرُ العربِ المرجَّى لنهضةِ قومِهِ في المشرقين +أوَ لم ترَي يَدَهُ على أحشائهِ فهي الدواءُ لِمَن يموتُ بدائهِ +إن كنتِ رائفةً ومُشفقَةً على مُضناكِ فابكي مرَّةً لبُكائه +وتنفّسي مثلَ النَّسيمِ ونفِّسي كرَباً فأنتِ عليمةٌ بدَوائه +واستقبليه كالرَّبيعِ بزهرهِ وبطيبهِ وبعشبهِ وبمائه +فلعلَّ نضراً منكِ يُنضرُ قلبهُ فلطالما عَصفَت رياحُ شقائه +لطفت عواطفُهُ فذابَ تلطُّفاً ولطافةُ الرحمنِ في شُعرائه +فتلطَّفي واللّطفُ فيكِ سجيَّةٌ بفَتى دعاهُ الحبُّ من شُهدائه +إن البلاءَ من المحبَّةِ أصلُهُ فبلاءُ آدمَ كانَ من حوّائه +عَجَباً أبردكِ زرقةً وتموجاً من موجةٍ في البحر يومَ صفائه +أم في الظلامِ البدرُ ألبسَ أختَهُ بُرداً جميلاً من برودِ سمائه +هَجَرتُ الأهلَ والصحبا وحبِّي سهَّلَ الصَّعبا +ونارُ العينِ قد خلّت حَديدي صارِماً عَضبا +وفي غيرِ الهوى قلبي أراه قاسياً صَلبا +إذا أضنَى الجوى جسمي رَجائي يُنضِرُ القَلبا +وهانَ الموتُ في لثمي لثغرٍ يُجَتَلى عَذبا +فوا شَوقي إلى خدٍّ يُريني الزهرَ والعشبا +وردفٍ مائجٍ بحراً وشَعرٍ طائرٍ سَربا +وَحولَ الخَصرِ زنَّارٌ على خصبٍ شكا جَدبا +فكم من ليلةٍ أرخَت علينا شَعرها الرَّطبا +قَضيناها على أمنٍ وقد باتَ الهوى نهبا +حَلمتُ بأنّي في الرياضِ أسيرُ وحَولي وفوقي مزهرٌ ونضيرُ +وللبدرِ أنوارٌ كخيطانِ فضَّةٍ تفضَّضَ منها جَدولٌ وغدير +وللريحِ في الأوراقِ أنغامُ شاعرٍ لهُ فوقَ أنّاتِ الرّبابِ زفير +فأطربني التغريدُ من ألفِ طائرٍ يقولُ لأهلِ الشعر أنتَ أمير +وعلَّمني الإنشادَ والنَّظمَ طائرٌ لهُ في قلوبِ العاشقينَ صَفير +فقلتُ لهُ يا مُلِهمَ الشعرَ والهوى أعِد لحنَ حبٍّ فالحياةُ تَسير +فغنّى وولّى طائراً فتبعتُهُ وقد كدتُ من شوقي إليهِ أطير +وأصبحتِ الأطيارُ أجملَ نسوةٍ حَواليكَ والأثوابُ منكَ حَرير +وما كنتَ إلا الطائرَ الفردَ بينها وليس لهُ بينَ الطيورِ نظير +فقلتِ أتدري ما الهوى قلتُ عبرةٌ فقلتِ وما التذكارُ قلتُ عبير +أبدي هلالَكِ من غمامِ البُرقُعِ ماذا عليكِ إذا ابتَسمتِ لموجَعِ +هذا الفؤادُ لطولِ صدِّكِ مظلمٌ ولئن يذرَّ عليهِ نورُكِ يَسطَع +فهبي لهُ مما وُهبت من السَّنى فالنجمُ يؤنِسُنا بحسنِ المطلع +لا تَبخَلي بمواهبِ اللهِ التي جَعَلتكِ أبدَعَ صورةٍ للمُبدِع +إن كنتِ عادلةً أتيتُ بحجتي أو كنتِ ظالمةً أتيتُ بمدمعي +فلعلَّ عدلاً في الهوى أو رحمةً لمتيَّمٍ متظلِّمٍ مُتشفِّع +أشكو إلى اللهِ الذي هو سائلٌ ماذا فعلتِ بقلبهِ المتصدّع +فلربما قُبِلت شفاعةُ عاشقٍ يوماً وحسنُكِ عندَهُ لم يَشفَع +هذا حِماكِ بأدمعي رصّعتُهُ فبدمعةٍ كفَّ التوسُّلِ رصّعي +واللهِ ما السامورُ أثمنَ في يَدي منها فأجريها ولو بتودُّع +زَفرتُ لضمِّ الخودِ بعدَ تلهُّفي كذلك صوتُ الجمرِ في الماءِ ينطفي +وقبَّلتُها حتى نَثرتُ دُموعَها وما كان قلبي بالعناقِ ليشتَفي +فأنّت وقد حكّمتُ كفِّي بخصرها فأصبَحَ فيها كالكِتابِ المغلَّفِ +وقالت كذا نُعطي فيطمعُكِ النَّدَى ألستَ بما لم ترجُ في الحلمِ تكتفي +ذوَت شَفَتي من حرِّ فيكِ ووَجنتي وقدِّي كغصنٍ إن تُرَنِّحهُ يُقصف +لئن كان هذا الحبُّ لا ذُقتُ حُلوَهُ ولا مرَّهُ من عاشقٍ مُتَطرِّف +فقلتُ لها أقوى الغرام ألذُّهُ فلو كنتِ مثلي في الهوى لم تُعنِّفي +دعيني أنل ما لا يجودُ بهِ غدٌ فأنصِفَ نفسي ما الزمانُ بمُنصِف +فللكأسِ والحسناءِ ضنٌّ على الفتى برَشفةِ ريقٍ أو بجرعةِ قرقف +فطَوراً أرى الأوطارَ تقضى وتارةً أحنُّ إلى كأسٍ وقدٍّ مُهَفهَف +وما يَقظتي في الحبِّ إلا من الكرى وما أنتَ إلا كالخيالِ المُزَخرَف +فمن لذَّتي يأتي عَذابي وهكذا على أقصرِ الساعاتِ طالَ تأسُّفي +قُل للمليحةِ في الحرير الأحمَرِ ماذا فعَلتِ بشاعرٍ متكبِّرِ +قد كان يَرعى النَّجمَ في فلكِ العُلى واليومَ يرعى منكِ عقدَ الجوهر +الدرُّ مثلُ النجمِ إشراقاً على ذيّالِكَ الجيدِ اللطيفِ الأزهر +إن كان وجهُكِ جنّتينِ لمُغرَمٍ فهبي لحرِّ النارِ بردَ الكَوثر +الحسنُ سلطانٌ وأنتِ مليكةٌ فاقت بملكِ الحبِّ ربَّةَ تَدمر +فإذا رأيتِ من المحبّ تذلُّلاً باللهِ يا حسناءُ لا تتكبِّري +الشعرُ من لغةِ الملائكِ فاعلمي منهُ شعورَ العاشقِ المتحسِّر +إن كنتِ لا تعِدينَ قولي يا فتى صَبراً فإنَّ الفوزَ للمتصبِّر +الشَّوقُ ذوَّبني فذُوبي رِقَّةً فلِخَصركِ المشدودِ رقةُ خِنصَري +دَمعي على حُبَّيكِ في الشعرِ كغمامةٍ تبكي على الزَّهرِ +يا هندُ عينُك نجمةٌ سطعت فرَعيتُها في أطيبِ العُمر +والثغرُ زهرُ الياسمينَ إذا حيَّاهُ نورُ الصبحِ بالقَطر +والخصرُ باقةُ نرجسٍ ذبلت من بعد ما نضرت على صَدري +والصدرُ موجٌ في سكينتِهِ قد فضَّضتهُ أشِعَّةُ البَدر +والصوتُ مثلُ صفيرِ آلفةٍ حنَّت إلى الأفراخِ في الوكر +ولقد مشيتِ كما مَشى حَجَلٌ طاردتُه في غابةِ النهر +وكما مشى الطّاووسُ مُفتخِراً بجمالهِ في جنَّةِ القَصر +فيكِ المحاسنُ كلُّها اجتَمَعَت فنَعِمتُ ثم شَقيتُ بالذّكر +ها رِدفُها يأخذُ من صَدرِها وساقُها يأخذُ من خَصرِها +وثَغرُها يأخذُ من خدِّها وعينُها تأخذُ من شَعرها +كلُّ قرينٍ بالقرينِ اقتَدَى والخَبرُ الشائعُ من خبرها +هذا جناسٌ من جمالِ التي سحرُ بياني كانَ من سِحرها +وليسَ هذا الشعرُ من حُسنِها إلا خُماراً جاءَ من خَمرها +وكلُّ هذا الزهرِ من رَوضِها وكلُّ هذا النَّشر من زَهرها +وكلُّ هذا النورِ من وجهها وكلُّ هذا الدرِّ من ثغرها +وكلُّ هذا الوجد من حبِّها وكلُّ هذا الشوق من ذكرها +فكلُّ ما فيها ومِنها لها وقِسمتي العسرُ على يسرها +تحومُ عليكِ روحي كالفراشِ فأشعرُ بارتياحٍ وانتِعاشِ +وأصبحُ ساعةً ملكاً وأعلو بعرشٍ دونَهُ عرشُ النجاشي +فحتَّامَ التكتُّمُ والتخفّي مذاعٌ حبُّنا والسرُّ فاش +يُظنُّ بنا وبعضُ الظنِّ إثمٌ فجلِّي باليقينِ ظنونَ واش +فإمّا ذاعَ بينَ الناسِ حبٌّ فسيَّان التعرُّضُ والتحاشي +فوا شوقي إلى تِلكَ المغاني وسَيري أو قُعودي في المماشي +وللجسمَينِ في الشَّوقِ ارتِعاشٌ تُقابله الخمائلُ بارتِعاش +بعيشكِ مَتِّعيني من حريرٍ وغاليةٍ تفوحُ من الرياش +هما للحُسنِ أوراقٌ وزهرٌ لغصنٍ فوقَ مجرى الماءِ ناشي +طالَ ليلي من شَعرِها النَّضناضِ فوقَ بُردٍ مُهلهلٍ فضفاضِ +ثغرُها العذبُ فيهِ رقراقُ وادٍ شفَّ يومَ الهجيرِ عن رَضراضِ +فهي روضٌ من الجمالِ أريضٌ لي غِنىً فيهِ عن جميعِ الرياضِ +حينَ جادت بخدِّها قلتُ هذا ليسَ شيئاً عِندي ولستُ براضِ +مَن تجُد بالقليلِ تُعطِ كثيراً إنَّ بُشرى السحابِ بالإيماضِ +فاقشَعرَّت لجرأتي ثمَّ قالت رَدعُ هذا الصبيّ بالإعراضِ +إنما حبُّهُ شفيعٌ إلينا فعلينا بالغضّ أو بالتغاضي +نلتُ منها بالذلِّ عزاً وقولي رُبَّ عزٍّ قد نلتهُ بانخفاض +هكذا الذلُّ في الهوى لمرامٌ وحياةُ الإنسانِ بالأغراض +قلبي عَليها حائمٌ خفّاقُ كوشاحِها وسوارِها مِقلاقُ +ما عقدُها زنّارَها في خَصرها إلا لكي تَشقَى بهِ العشّاق +لمعت جواهرُهُ فكان كليلةٍ للنَّجمِ في آفاقِها إشراق +تِلك الجواهرُ أدمعٌ قطَرت جَوىً في حبِّها لا بَل هي الأحداق +يا خَصرَها إن كنتَ ذبتُ فطالما ذابت قلوبٌ كلُّها أشواق +لما رَأت عيني نحولَكِ لذَّ لي ذاكَ النحولُ ومَدمَعي المهراق +لا تخشينَّ من العيونِ تهجُّماً فعليكِ من فلذِ القلوبِ نِطاق +كم مرَّةٍ مرَّت بعشاقٍ لها وقلوبُهم يَهفو بها الإشفاق +والقدُّ غصنٌ مورقٌ متميِّلٌ من وسطِهِ تتناثرُ الأوراق +هَلِ الكوكبُ السيّارُ كالقلبِ يعشقُ فإني أراهُ فوقَ مغناكِ يخفُقُ +تألَّقَ في الليلِ البهيمِ كأنهُ جمالُكِ في كلِّ الخواطرِ يُشرق +ففي القبَّةِ الزرقاءِ ينظرُ كوكبٌ إليكِ وفي الغبراءِ صبٌّ مؤرَّق +كِلانا محبٌّ والهوى فيكِ واحدٌ ولكنَّهُ يخفي الغرامَ وأنطُق +فيرسِلُ في ليلِ الرَّبيعِ أشِعَّةً وأُسبلُ دَمعاً صافياً يَترَقرق +ألم تعلمي أنّ القلوبَ كأنجُمٍ وما الحبُّ إلا نورُها المتألّق +وإني أحبُّ الحسنَ في كلّ حاجةٍ وما الحسنُ إلا ما أرومُ وأعشَق +عليكِ الثريّا أشرقت وقصائدي ثُريّا بها الخصرُ النحيلُ مُمَنطق +أرى مهجةً حرّى إلى كلّ نجمةٍ تطيرُ وقلباً تحتها يَتَمزَّق +لقد حُرمَت عينايَ مرأى جمالِكِ فلا تحرميني زَورةً من خَيالِكِ +نعمتُ زماناً بالوصالِ ولم أزل أحنُّ إلى ما لذَّ لي من وصالك +فيا حبّذا من مائكِ العذبِ نهلةٌ ويا حبَّذا تهويمةٌ في ظِلالك +فكم ليلةٍ لم أهوَ عندكِ بَدرَها وكم كنتِ بدري في الليالي الحوالك +أُنثّرُ تذكاراتِ حبِّكِ في الدُّجى كتَنثيرِ وَردٍ في حديقةِ خالك +ولولاكِ لم أبكِ الشبابَ الذي مَضى ولم أرَ في الضيقِ انفِساحَ المسالك +أسيِّدَتي أنتِ المليكةُ في الهوى وما أنا إلا خادمٌ لجلالك +تدَّللتِ حيناً والدَّلالُ سجيَّةٌ فكنتُ بذلِّي غالباً لِدلالك +وما زالَ هذا الحبُّ حرباً فإنَّنا كعنترةِ العبسيِّ وابنةِ مالك +إن كنتِ راحمةً على خدَّيكِ أرخي البراقعَ واستُري عَينيكِ +أوَ لا ترينَ العاشقينَ تسابقوا وتساقَطوا جَرحى على قدَميك +وعيونُهم كالنّحلِ في جنّاتِنا وقلوبُهم سَربٌ يحومُ عليك +ما هيَّجت ذكراك إلا نفحةً بَقيت على كفِّيَّ من كفَّيك +حفاتُ ذَيلِكِ في الضلوعِ لها صدىً ليتَ الزفيرَ يرنُّ في أُذنيك +يا حبّذا ما نلتُ منكِ وحبّذا ما نالتِ الزهراتُ من نهدَيك +إن قلتُ أَسقِمْ يا سهادُ جفونَها السقمُ يُكسِبُ قوةً جَفنيك +أو قلتُ أنحِل يا غرامُ قوامها إن النّحولَ مُزَيِّنٌ عطفيك +راحتي في راحَتَيها والمُنى في شَفَتيها +ليتَ لي باقةَ وردٍ مُزهرٍ من وَجنَتيها +هي عذراءُ وحبّي ظَلَّ عُذرياً لدَيها +حَرمَتني النومَ لمّا خَرجَت مع جارَتيها +فاستَخفَّتني مَشُوقاً خِفَّةٌ مِن قَدَميها +وكأنْ جنَّةُ وردٍ خَلعت ثوباً عليها +حسِبَتهُ الرِّيحُ زهراً فانثنت شَوقاً إليها +وغدت تلعبُ فيهِ فتَقيه بِيَدَيها +قلتُ يا ريحُ هَبيني نفحةً من مِعطَفَيها +أرى الصبَّ لا يرضى بنصحِ نُهاتهِ إذا كان غيرُ اللّومِ عندكِ هاتهِ +هو القلبُ في الآلامِ يطلبُ لذَّةً ويُطمِعُه الحرمانُ من مُشتهاته +فمن أينَ لي بعد التردُّدِ ردُّهُ وللحبِّ فيضٌ من جميعِ جهاته +لكلِّ فتىً يَهوى الجمالَ فتاتُه وكلُّ غزالٍ هائمٌ بمهاته +هي الظبيةُ الأدماءُ تصرعُ خادِراً وتنزعُ ما يصطادُه من لهاته +ضعيفٌ أنا وهي القويةُ في الهوَى سلوا العصرَ منهُ كيفَ حالُ دهاته +دَعوني أشمْ برقاً من الثغرِ خُلَّباً فإني رأيتُ الحقَّ في ترهاته +تمنَّيتُ منهُ في الحديثِ تنفُّساً لأشتمّ ريّا الوردِ من نكهاته +فؤادي طارَ في حبّ الملاحِ كأزهارٍ تطيرُ على الرياحِ +ولي طَربٌ لأنغامٍ وشعرٍ وأمواهٍ وريحانٍ وراح +وأعشقُ في الطبيعةِ كلَّ حسنٍ تراءى في الغدوّ وفي الرواح +وكلُّ الحسنِ عندي حسنُ خودٍ حصانِ الدرعِ مقلاقِ الوشاح +تريني الحسنَ أجمَعَ في محيَّاً طلاقَتُهُ كأنوارِ الصباح +عَذابي والعذوبةُ في هواها وقد يرتاحُ قلبي في الجِراح +كعصفورٍ رأى شرَكاً وحبّاً فلذَّ لهُ التعلّقُ بالجناح +ودونَ الماءِ كم ألقى شَفيراً فلا أرتدُّ عن وردِ القراح +تَنَفَّستِ الظبيةُ النافِرهْ وأنفاسُها هبَّةٌ عاطِرهْ +وبالعَرقِ الخدُّ سوسانةٌ عليها دموعُ النَّدى قاطِره +إلى نزهةٍ ذهبت بكرةً فما أجملَ المعصرَ الباكره +ومرَّت على الزَّهرِ أترابُها وبينَ الحقولِ غدَت طافره +وعادت وفي يَدِها طاقةٌ وأخرى على صَدرِها ناضره +فكم قَطَفَت كفُّها زهرةً وكانت لجارَتها ناثره +فؤادي كحقلٍ لها مسرحٌ عليهِ وطلعتُها باهره +فتَجني عواطفَهُ ضمَّةً وليست بما نثرَت شاعره +مدَّت إليَّ يداً كزهرةِ خدرِها فملأتُ قلبي ساعةً من نشرِها +وتحرّكت في عقدِها تعويذةٌ قبّلتها طمعاً بقبلةِ نحرها +لبسَت وشاحاً من سماءِ عشيّةٍ زرقاءَ رَصَّعها الظلامُ بزُهرها +في موعدٍ سترَتهُ أذيالُ الدُّجى فسرى النسيمُ سُويرقاً من عطرها +والبدرُ في الأغصانِ طلعتُها إذا أرخَت عليها من ضفائرِ شعرها +والزَّهرُ في الأغصانِ يحسدُ وجهها فيصيرُ في الباقاتِ زينةَ صَدرها +ما كان أجملَ دَمعَها في خدِّها فكأنَّهُ قطرُ النَّدى في زَهرها +قُل لي بعيشِكَ هَل تناثرَ درُّها من عَينها أو عقدِها أو ثغرها +جاءت مذكّرةً لعهدٍ غابرِ وهوىً تقلَّصَ مثلَ ظلّ العابرِ +والدَّمعُ في وجناتِها مُتسَلسِلٌ مثلَ الغديرِ على الأريضِ العاطر +فسألتُها ماذا البكاءُ فلم تُجب ورَنت إلى النَّجمِ البعيدِ الزاهر +فرأيتُ نوراً سالَ من عينٍ على قلبٍ يُصفِّقهُ جناحُ الطائر +وغدَوتُ أُؤمنُ بالمحبَّةِ بعدَ ما جاءت بمعجزةٍ لقلبي الكافر +يا حبُّ فيكَ المعجزاتُ تجمّعت فلأنتَ من روحِ الإلهِ القادر +لولاكَ ما انتَظَمت قصائدُ شاعرٍ فوقَ الصحائفِ كالعبابِ الزاخر +بينَ الورى انشقَّت لكَ الحجبُ التي ما مسَّها يوماً قضيبُ الساحر +ما الشمسُ تطلع فوقَ عرشِ المشرقِ إلا الحبيبةُ في الخمارِ الأزرقِ +يُحيي البرَّيةَ حرُّها وضياؤها وحياةُ قلبي من جبينٍ مُشرق +هلا طلعتِ عليهِ بعد تحجُّبٍ فالصبحُ لولا الليلُ لم يتألّق +فترينَ فيهِ وهو أخضرُ مُعشِبٌ زهرَ الهوى يَنمو كزهرِ الزنبق +إن لم يكن لي من فؤادكِ نعمةٌ لا تحرميني بلغةَ المتصدِّق +فارْني إليَّ كنجمةٍ سامرتُها والنَّجمُ يطلعُ في الدُّجى كالفَيلق +وابكي على كبدٍ يُفطّرها الهوى فأساؤها من دَمعِكِ المُترقرق +العيشُ في إشراقِ وجهكِ طيِّبٌ والموتُ أفضلُ منهُ إن لم يُشرق +هلا التفتِّ لكي نُحَيِّيكِ ما نحنُ إلا من مُحبِّيكِ +في غفلةٍ كنا فنبَّهنا طيبٌ تنشَّقناه من فيك +يا ظبيةً بيضاءَ نافرةً إن كنتِ خائفةً فنحميك +أو كنتِ غاضبةً على نفرٍ قولي لنغضَبَ أو لنُرضيك +لا تنفُري جَزَعاً ولا غضباً ما أنتِ إلا بين أهليك +فمساحبُ الأذيالِ منكِ على مُقَلٍ وأفئدةٍ تُفدّيك +ما بهجةُ الدنيا ونعمتُها إلا ابتسامُكِ لي وحبيك +أنتِ البريّةُ لي فلا عجبٌ وجمالها مُتجمِّعٌ فيك +أمِن قَتلهِ العشَّاقَ خصرُكِ ناحلُ كأنَّ عليهِ دمعَ من هو راحلُ +يُعذِّبهُ ردفٌ كنخسِ ضميرنا وما التذَّ يا حسناءُ بالعيشِ قاتل +فما الخصرُ إلا الدِّينُ من قلبِ كافرٍ وما الرّدفُ إلا ما يقاسيه عاقل +فخصرُكِ تذكارُ السعادة في الأسى وعهدُ غرامٍ كالغمامةِ زائل +وما القدُّ إلا الغصنُ والقلبُ طائرٌ يحومُ وقد مُدَّت عليهِ الحبائل +فليتكِ غصنٌ لي وليتَك زهرةٌ تُمدُّ إليها في الربيعِ الأنامل +نعم أنتِ أزهارٌ على غصنِ رَوضةٍ تنوحُ عليهِ في الليالي البلابل +وإني لتُبكيني الخصورُ نحيلةً فهل بُنِيت لي فوقَ خصرك بابل +إذا شمَمتُ الغداةَ أفواها من العذارى نشَقتُ أفواها +وإن رَشفتُ الرِّضابَ أسكرَني كأن خمراً دَبّت حميَّاها +كم ناهدٍ كالملاكِ روَّعها بأسي فقالت أستغفِرُ الله +لكنّها عن فؤادها كشَفَت إذ بيَدَيها غطّت محيّاها +وبعدَ ذلّي ودلِّها زمناً قبَّلت فاها فاحمرَّ خدّاها +وبتُّ أرنو شوقاً ومن خجلٍ تخشعُ عندَ التَّسليمِ عيناها +ما كان أشهى في اللَّثمِ زفرتها وعند ضمِّي صيحتُها واها +في ألمِ الحبّ لذةٌ خلبت قلبي وتحتَ السيوفِ أحلاها +أسيِّدتي الظريفةُ أنتِ روحُ بريّا الوردِ تغدو أو تروحُ +بلفظِكِ وابتسامِكِ همتُ حتى رأيتُ الصبحَ بينهما يلوحُ +فديتُكِ حدِّثيني تُطربيني فصوتُكِ فيهِ ألحانٌ تنوح +وإن أنشَدتِ من شِعري قليلاً تصبّاني على فيكِ الصّبوح +نذوبُ صبابةً وهوىً ولطفاً وروحانا المعذبتانِ روح +ونأملُ في الهوى العذريِّ برءاً لجرحَينا فتَنفَتِحُ الجروح +فهذا النورُ في عينيك منِّي وطيبُك من فمي أبداً يفوح +هذا المُحيَّا عليهِ أشرَقَ النورُ فنوَّرَ الزَّهرُ فيهِ وهو ممطورُ +لكنَّهُ جنَّةٌ لا يُجتَنى زهرٌ مِنها لأنَّ سياجَ الشَّعرِ مضفور +إن جئتُ أجنيه أو أسقيه روَّعني سيفٌ من العينِ فيهِ النارُ والنور +ما زلتُ في حبِّها أرتدُّ مندحراً وكيفَ أظفرُ والسفّاحُ منصور +في غصنِ قامتِها ما شئتُ من ثمرٍ فليتَ قلبي على الأثمارِ عصفور +عيناكِ بلّلتا خَدَّيكِ فارتسمت لي وردةٌ أزهرت والطلُّ منثور +فأمطري الوردَ في خدَّيكِ حاجَتَهُ من مزنِ عينيكِ فالإحسانُ مشكور +على جزعٍ أرومُ ولا أحوزُ فإن أسأَلْ تقُل ذا لا يجوزُ +معذِّبتي عروبٌ ذلَّ كِسرى وقيصرُ في هواها والعزيز +شكوتُ لها الهوى يوماً فقالت بما ترجوهُ منّا لا تفوز +فدونَ الدرع والمرط الثريّا وتحتهما الذخائر والكنوز +فقلت لها أرى نَسبي شفيعاً إليكِ وإنّهُ نسبٌ يميز +فقالت زاننا شرفٌ وطهرٌ وصانَ جمالنا حرزٌ حريز +أمِن عربيَّةٍ تبغي وصالاً وهذا لم يَنلهُ أبرويز +لِطَلعةِ حُسنِها انهزَمَ الإياسُ فقلبي كلُّه أملٌ وباسُ +أماطت عن محيّاها نقاباً وقلبي فيه للحبّ انبجاس +فبتُّ كأنني صنمٌ لأني فتى في الحبِّ ليسَ له مِراس +فقالت وهي باسمةٌ أتخشى مهاةً ضمَّها هذا الكناس +لبسمَتِها رَأيتُ فماً صغيراً كخاتِمها الذي فصّاهُ ماس +وفي أنفاسِها نفَسُ النّعامى بروضٍ كلُّهُ وردٌ وآس +فطاوَعنا الهوى حتى عَصَتنا جوارحُنا وأخضَعنا النُّعاس +الدِّرعُ بالنَّهدَينِ مُكتَظُ والخَصرُ مثلي ما له حظُّ +قلبي اللطيفُ يذوبُ من كمدٍ فيتيهُ عجباً ردفُها الفظُّ +فكأنه الحمراءُ يومَ غَدَت بكتائبِ الأسبانِ تَلتَظُّ +أأحبُّ خوداً في محبَّتها سيّانِ نقضُ العهدِ والحفظُ +لفظاً بلا مَعنىً ترى ولهي وأراهُ معنىً ما لهُ لفظُ +لكن إذا هويَ الفتى وهوى لا ينفعُ التأنيبُ والوَعظُ +قُل للذي ما انفكَّ يعذلُني الحسنُ حسٌّ والهوى لحظُ +طَرَقتكَ في الرؤيا فحيّ خيالَها فكذا ينالُ المستهامُ وِصالَها +لا تطمَعنَّ بوصلِها في يقظةٍ فاللهُ قد حرمَ الملاكَ جمالها +هذي الزيارةُ رحمةٌ لكَ في الكرى بل نِعمةٌ ما مِن محبٍّ نالها +فافرش لها خَدَّيكَ بل جَفنيكَ بل عينيكَ واحذَر أن تضمَّ خيالها +أوَ لم ترى العشاقَ قد فرشوا لها حدقَ العيونِ فلم تنل خِلخالها +كرعيَّةٍ فرشت طريقَ مليكِها يومَ الفخارِ فأظهرَت إجلالها +واللهِ لو ظَهرت لأشمَطَ راهبٍ وأمامه العذراءُ ما صلّى لها +إذا حدَّثتني والكلامُ جفونُ أقولُ لها إنَّ الحديثَ شجونُ +وإن نظرت يوماً إليّ وحدَّقت طلبتُ أماناً والعيونُ منون +وإن لمست كفّي بكفٍّ نديّةٍ أقُل معجباً والحدُّ كيفَ يكون +وإن عَطفت يوماً وجادت بزَورَةٍ أقُل بشَّرتني بالربيعِ غصون +أحنّةُ لا تحنُو على عاشقٍ ولا تحنُّ إلي المشتاقِ وهو حنون +تصونُ هواها والجمال جوارحي وليست إذا صنتُ العهودَ تصون +فكم مرة أشكو الجوى فتقولُ لي جَنَنتَ بحبِّي والجنونُ فنون +مِن مُقلتَيكِ الغرامُ يَنبعِثُ فلا تقولي إنَّ الهوى عَبَثُ +قساوةُ اللّحظِ دَمَّثت خُلُقي فإنني منهُ عاشقٌ دَمِث +لم أنسَ قولي في بسمةِ عذبت من شفَتيكِ العبيرُ مُنبعث +فقلتِ واللّثغُ منكِ يَلسَعُني الوردُ ثغري ودُونَهُ حَرَث +نشأتُ بينَ الأزهارِ من صِغري حتى تساوى الأريجُ والنفث +أبي وأُمّي ورَثتُ حُسنهما وكلُّ فرعٍ من أصله يَرِث +أفدي التي حكتِ الصَّباحَ تبَلُّجا والطيرَ صَوتاً والمياهَ تموُّجا +أخرَجتِ من شفتيَّ رُوحي عِندَما قبَّلتُ ثغراً فيهِ يبسمُ لي الرجا +وعلى ذُؤابتِها نثرتُ مدامِعي حيناً كتنثير النجوم على الدجى +ورأيتُ قلبي مثلَ مهرٍ جامحٍ قطعَ الشكالَ محاولاً أن يخرُجا +وملأتُ عيني من محاسنِ وجهها وقوامِها حيثُ العبيرُ تأرّجا +وتساقَطَت قُبَلي عَليها مِثلما وَقَعَ النَّدى فوقَ الثِّمارِ فأنضَجا +قد أرخَتِ الشَّالَ على الخدِّ فاخضرَّ منهُ فَننُ القدِّ +والخدُّ كالوردِ على غُصنه والشَّالُ كالأوراقِ للوردِ +والوردُ بالطلِّ لهُ نضرةٌ والخصرُ محتاج إلى العقد +عِقدةُ هذا ضمّةٌ من يدي وماءُ ذاكَ الدمعُ في الوَجد +قد أخرجت آدمَ تفاحةٌ من جنّةِ النعمةِ والخلد +ولم أزَل آكلُ من جَنّتي تُفّاحَها ولم تزَل عندي +يا ليلةَ الحبِّ أغري الغيمَ بالقمرِ وأسبلي فوقنا ستراً من الشَّجر +لسنا نهمُّ بما تأباهُ عفَّتُنا لكنّنا نختشي ريباً من النظر +حبيبةَ القلبِ ما أحلاكِ ساهرةً والأرضُ قد نوّرتها طلعةُ القمر +لا بل مُحيّاكِ إذ لولاهُ لا قمرٌ يَحلو وما التَذَّتِ الأجفانُ بالسهر +لا تَجزَعي فحياةُ المرءِ ماضيةٌ إمّا على فرحٍ في الحبِّ أو كدر +ضَعي على عُنُقي رأساً بهِ اجتَمَعَت كلُّ المحاسنِ من نورٍ ومن زهر +لا تَطلُبنَّ تعطُّفاً من معطفِ ومع اللّطيفِ من الخصورِ تلطَّفِ +هذا لسانُ الحالِ منهُ قائلٌ كن ليِّناً مثلي وإلا تُقصَف +ويَلي من الخَصرِ الذي هو مُضعفٌ في الزهرِ لكن في الهوى هو مُضعفي +ومن العجائبِ إلفةُ الضدَّينِ مِن خصرٍ نحيلٍ فوقَ ردفٍ مُسرف +أفدي التي في وجنَتيها جنةٌ والزهرُ منها لم يُشَمَّ ويُقطَف +لا بدعَ إن جمعَ المحاسنَ قدُّها إن البلاغةَ كلّها في المصحَف +يا زهرَ غصنٍ في الربيع وَريقِ جُودي بثغرٍ للمحبّ وريقِ +حتّامَ أطمعُ بالوصالِ ومُهجتي ذابت من التعليلِ والتحريق +أأردُّ كفي عن ثيابكِ عفةً والشوقُ يدفعُني إلى التمزيق +لي فيكِ محنةُ راهبٍ متجلِّدٍ يَقتادُه الخنّاسُ بالتمليق +إن كانَ مذهبُكِ التديُّنَ في الهوى آثرتُ رأيَ الكافِر الزنديق +فهبي المشوقَ من الوصالِ أقلَّهُ واسقي من الينبوعِ بالإبريق +جُودي بوَصلٍ فالهوى غلّابُ حتَّامَ قلبُك خافقٌ هيّابُ +الوقتُ يذهبُ يا مليحةُ مُسرِعاً الوَقتُ لا بل عمرُنا الذهّاب +ما كان أجمَلَ روضةً أزهارُها في وَجنَتيكِ وفي الفمِ الأطياب +فيها تناثرَ مثلَ عقدِكِ دَمعُنا فتناثرَ النسرينُ والعنّاب +ما نلتُ إلا نظرةً أو بسمةً قد يدَّعيها العاشقُ الكذاب +أشَككتِ في حبّ غدا ملمُوسا فبَعثتِ طيفَكِ رائداً جاسُوسا +أبصَرتُهُ خللَ السّجوفِ ولحظُهُ سيفٌ يشقُّ القلبَ والحنديسا +فدَعوتُهُ وضَممتُهُ ولثَمتُهُ حتَّى غدا بعدَ النُفورِ أنيسا +والحلمُ لذّتُه كَلذّةِ يَقظةٍ إن زرتِ ديراً فاسألي القسِّيسا +ردّيه عني إنّ طيفَكِ خادعٌ من قبلهِ يوداسُ قبَّلَ عيسى +العينُ نارُ المجوسِ والرّيقُ خمرُ القسوسِ +بالله لا تحرُميني من موقدٍ وكؤوس +هذي عبادةُ حسنٍ فيها خلاصُ النفوس +وإن تحجَّبتِ عنّي لا عطرَ بعدَ عروس +ما الأرضُ إلا ظلامٌ إن لم تُنَر بشموسِ +قُلتُ للحسناءِ هَمسا قد ملأتِ الأرضَ أُنسا +وصحبتِ الناسَ ركباً واتَّخَذتِ الطيرَ جنسا +يا ملاكاً لونُهُ الأخ ضَرُ والأبيضُ لبسا +منكِ يَهوى الناسُ جسماً وأنا أشتاقُ نَفسا +قُطِعت كلُّ يمينٍ حاولت جسّاً ولمسا +طلعتِ من القدّاسِ مثلَ الملائكِ وأنتِ ضحوكٌ للعذارى الضواحكِ +فأصبَحتُ مدهوشاً على باب بيعةٍ تذكّرُني أهوالَ حرب الملائك +وضوّعتِ طيباً من غلائلَ تحتَها خمائلُ يُجنى زَهرُها في المعارك +وما كنتِ في الصفَّينِ إلا مليكةً وأفئدةُ العشاقِ مثلُ الأرائك +لكِ اللهُ خصمٌ فالقلوبُ ضعيفةٌ عَليها من العينينِ وقعُ السنابك +يا جنَّةَ الحسن حرُّ الصيفِ أمحلَكِ وقامةَ الغصنِ ضمُّ الطيفِ أنحلكِ +الدهرُ قبلَ اشتِفاءِ النفسِ رَحَّلني حتى إذا عدتُ أرجو الوصلَ رحَّلك +أكحّلتكِ التي ربّتكِ ناعمةً أَم الغزالُ الذي رَبَّيتِ كحّلك +أرخي النقابَ فنعمايَ الحنينُ إلى ذَيَّالِكَ الفلكِ البادي من الحَلك +الحبُّ ما كان إيثاراً وتفديةً يهنئكِ إن شحَّ لي دَمعي وسَحَّ لك +ألا يا رَبَّةَ القصرِ الجميلِ هبيني ضمَّةَ الخصرِ النحيلِ +أُحبُّكِ يا ظلومُ فأنتِ عندي مكانُ الصبحِ من عينِ العليل +ولو أني أقولُ مكان صُبحي أخافُ عليكِ من ليلي الطويل +أَحبك يا ظلومُ فأنتِ عندي مكان المال من نفسِ البخيل +ولو أني أقولُ مكان مالي أخافُ عليك من صنعِ الجميل +هذي المليحة فتنةُ المتأمِّلِ فهي التي جملت ولم تتجمَّلِ +إهمالُها لجمالِها فيهِ الهُدى ما الصدقُ إلا في الجمالِ المُهمَل +قُل للشتاءِ ترحّلنَّ إذا بَدَت أوَ لا ترى وجهَ الربيعِ المقبل +كلُّ المحاسنِ جُمِّعَت في طلعةٍ بيضاءَ تحتَ سوادِ شعرٍ مُسبَل +قِف يا مصوّرُ ثم خُذ من وَجِهها وقوامِها رسمَ الجمالِ الأكمَل +من حمرةِ الوردِ أم من حمرةِ الخجلِ هذا المقبّلُ بين الشوقِ والوجَل +قولي أخِفَّةُ هذا المشي في خفرٍ من طفرةِ الظَّبي أم من دَرجةِ الحجل +لا تعجَبي إن غزلتُ اللطفَ من غَزَلي إني لآخذُ أشعاري من الزَّجل +ما جئتُ ألمسُ كفّاً أو أُقَبِّلها إلا رأيتُ عَليها زلةَ العجل +الحبُّ في الوصلِ لذاتٌ لها أجَلٌ وفي التَّشوُّقِ لذاتٌ بلا أجَل +إذا جئتِ ليلى حلِّفيها برَبِّها لِكي تَعلمي ماذا تُريدُ بصبِّها +وإن سألت عَنها وعنِّي نِساؤنا أجيبي الفتى هذا يموتُ بحبِّها +وإن قُلنَ ماذا يَبتغي من وِصالِها فقُولي أحبُّ الوَصلِ تقبيلُ تربها +بها ولها أحيا فروحي لروحِها وعَيني لِعَينيها وقلبي لِقَلبِها +وضَعتُ يدي حيناً على العين والقلبِ لأعلمَ ما فيها وفيهِ من الحبّ +فعيني بكت ماءً وقلبي بَكى دماً وما حبُّ ذياكَ الفريدِ سِوى حبّي +تجمَّدَ ما قد سالَ منّي فليتَ ما تجمَّد مِنها سالَ وجداً على الصبّ +اذا كان هذا الدُّر مِنّي وهبتُهُ لناهبةٍ ما في الشغافِ وفي الهدب +ردّي عليَّ الذي أبقيتِ من رُوحي وارثي لحالةِ مجروحٍ ومقروحِ +حمَّلت طرفي وقلبي ذنبَ حبِّهما فالحبُّ ما بينَ م��فوكِ ومسفوح +أنتِ التي لم تدَع في مُهجَتي رَمقاً وليسَ بابُ الرّضا يوماً بمفتوح +جَمَعتُ فيكِ أحاديثَ الهوى كُتُباً وما تركتُ كتاباً غَيرَ مَشروح +يا بنتَ يعربَ هل للكربِ تنفيسُ هذا فؤادي فما في الحبّ تلبيسُ +رَبَّتكِ بغدادُ أم رَبَّتك قرطبةٌ ماذا أقولُ ومن أهليك بَلقيس +هذا الجمالُ عريقٌ في عروبتهِ ما شامَهُ راهبٌ يوماً وقسِّيس +الأرض تأخذُ من رِجليكِ نضرتها إذا مشيتِ كما تمشي الطواويس +قالت ألستَ ترى الغرامَ هَلاكا فأجَبتُ قلبي يعشقُ الأشراكا +حمَّلتُ أنفاسَ الصباحِ تحيةً لما طلعتِ من السجوفِ هُناكا +تلك التحيّةُ غردةٌ من طائرٍ يَهوى الضياءَ ويملكُ الأفلاكا +وكأن هينمةَ النسيمِ تقولُ لي تلكَ المليحةُ يا فتى تهواكا +جمانةُ لاقَتني بسمطِ جمانِ وفي ثغرِها منهُ عَددت ثماني +فقالت ترى أيُّ الجمانِ مفضَّلٌ فقلتُ جمانُ الثَّغرِ خيرُ جمانِ +عرفتُ من الدرّ الثمينِ صنوفَهُ وما كنتُ غوّاصاً ببحرِ عُمَان +سميّةُ ما في ثَغرها ونظامها شآميّةٌ زهراءُ أختُ يمان +تقولُ إذا مرّت وقلبي لها تلوُ ملأنا الورى حبّاً فايُّ فتى خلوُ +عَلت فتعالت كلُّ نفسٍ بحبِّها فنفسي لها من دارةِ الحمل العلو +لها مقلةٌ لوزيّةٌ عسليَّةٌ تمازجَ منها في الهوى المرُّ والحلو +جلت ثغرَها بالرّيقِ كالزهرِ بالنَّدى وفي خدِّها من جلو مرآتِها جلو +أقول لصاحبٍ في الحبّ لاما أيَدري السكرَ من جَهلَ المداما +فديتُ صبيةً قالت لتربٍ عرفناهُ فعلَّمنا الغراما +وكان يقولُ إن الحبَّ فنٌّ برعتُ به فصرتُ له إِماما +سألتني عن عِلَّتي وعيائي وهي أدرى من الطَّبيبِ بدائي +قلتُ داوي قَلبي المريضَ فقالت مرضُ القلبِ ما لهُ من دواءِ +نوَّلتَني ذاتُ الجديلِ الخصيبِ من نَصيبَينِ وردَ خدٍّ نصيبي +قلتُ آبى إلا نَصيبَينِ قالت كِبَرُ النَّفسِ منهُ قَطعُ النصيب +في ذمّةِ اللهِ والإسلامِ والعربِ وَحيٌ من الشعرِ بين الحربِ والحربِ +قد نزَّلتهُ على قلبي ملائكةٌ ليستخفَّ الورى بالشَّوقِ والطرب +فيهِ من العودِ أوتارٌ إذا اضطربت ما ظلَّ في الشّرقِ لبٌّ غيرَ مُضطرب +شِعري هو الطربُ الأعلى فلا عجبٌ إذا اشرأبَّت لهُ الموتى من التُرَب +على الشعور أرى الأشعارَ ضيقةً والنفسُ ضاقت عن الآمال والكرب +والله لو كنتُ جنديّاً لما رَضيت كفي بغيرِ امتِشاقِ الصّارِمِ الذرِب +لكنّها أَلِفَت منذُ الصِبا قلماً أمضى من السيفِ أو أقضى من الظرب +هذي القصائدُ أركانٌ لمملكةٍ قلبي خرابٌ لمرأى ربعها الخرِب +من كلِّ قافيةٍ تَنقَضُّ صاعقةٌ على الذين استحلّوا حُرمةَ العرب +فيها خميسٌ وأسطولٌ وأسلِحةٌ فشمِّروا يا عداةَ الحقّ للهَرَب +طَربتُ لرؤيا أشرَقت فاضمحلَّتِ وقلبي لها طورٌ عليهِ تجلّتِ +فما زلتُ أهوى خلوةً وسكينةً لِتَمثيلِ رؤيا دونها كلُّ رُؤيةِ +فأُغمِضُ أجفاني وأشتاقُ أن أرى بروحي جمالاً لا أراه بمُقلتي +فروحي مع الأرواحِ في دارِ أنسِها وجسمي مع الأجسامِ في دارِ وحشتي +غريبٌ أنا بينَ الذين أُحِبُّهم وأُبغِضُهم والموتُ آخرُ غُربتي +الى الملإ الأعلى أحنُّ لأنني عن الملإ الأدنى أُنزّهُ رفعتي +لقد جمَحت نفسي فرُضتُ جماحَها فلانت ودانت لي بقطعِ الأعنّة +ولكنّها تهفو إلى هفواتِها إذا هاجَها في الحربِ لمعُ الأسنّة +فأردعُها بالصبرِ والحلمِ والرِضا وفيها خمارٌ زائلٌ بعدَ سَكرة +وبين عِراكِ الحقِّ وا��بطلِ أذعَنت لنهي نُهاها إذ عَنت فاطمأنَّت +تجرّدتُ عن كلِّ المذاهبِ ناظراً إلى الدينِ والتاريخِ والبَشَرية +فلم أرَ إلا زخرفاً وخديعةً وذلك رأيي بعد طولِ الرَّويَّة +تولّهتُ مَشغوفاً بما هو باطنٌ من الحُسنِ حتى فزتُ منهُ بنظرة +فأنّى لمثلي أن يرى ما رأيتُهُ ومن ليلةِ المعراجِ تُشتقُّ ليلتي +جناني عليهِ ضيِّقٌ ومقصِّرٌ بياني لديهِ فهو فوقَ الطبيعة +فياليتني عيٌّ يُفكِّرُ صامتاً ويا ليتَني ما كنتُ ذاكي القريحة +إذن لاكتَفى قلبي بذكرى نعيمهِ وما هَزّني شِعري المذيبُ لمهجتي +فلا شرفٌ فوقَ الذي نلتُهُ ولا كلامٌ لوَصفِ النَّعمةِ العلوية +تشوّقتُ حتى زارني الطيفُ مؤنساً وأشرَقَ نورُ الطّلعةِ النَبويّة +قديمانِ شوقي والهوى غيرَ أنني جَلوتُ دُجى شكّي بصبحِ الحقيقة +فقلبي وعيني مَطلعانِ لنورها وما أطلعَ الأنوارِ غيرُ الدُّجنَّة +وفي غفوَتي أو غفلتي جاءني الهُدى وكانت على غيبُوبةِ النومِ يقظتي +تبلّجَ حلمي كالصباحِ من الدُّجى فنّورَ قلبي للضياءِ كنورة +فأصبحتُ بين الطّيبِ والنورِ لا أعي وطارت شعاعاً مُهجتي للأشعة +فكم من شعاعٍ ذرَّ كالسّهمِ نافذاً فتحتُ له قلباً غدا كالكنانة +فيا لكِ رؤيا نوّرت كلَّ ظلمةٍ ويا لك ريّاً عطّرَت كلَّ نسمة +ألا ليتَ عمري كلَّهُ كان ليلةً ويا ليتني في ليلةٍ أبدية +فليلةُ سعدي قد رأيتُ ظلامَها ضياءً وفي آفاقها ألفُ نجمة +فوالله لا أدري مصابيحُ تلكَ أم صَبائحُ جيلٍ جُمِّعَت في صبيحة +أُعاهِدُ ربي أن أُصلِّي مُسلِّماً على أحمدَ المختارِ من خيرِ أُمّة +هداني هواها ثم حبّبَ شرعُهُ إليَّ فصَحَّت مثلَ حبي عقيدتي +فمن قومُهُ قومي أدينُ بدينهِ لأني أرى الاسلامَ روحَ العروبة +توسّلتُ بالقربى إليه فلم تضع لدى العربيّ الهاشميّ شفاعتي +فشرّفني بعد العروبةِ بالهُدى وفضّلني بين الورى لقرابتي +وأنعمَ بالرؤيا عليَّ وطالما تصبّت فؤادَ الصبِّ منذُ الصبوّة +وأهدى إليّ النيّراتِ وإنما هِدايتُهُ في الحلمِ أغلى هَديّة +فبعدَ الذي شاهدتُهُ مُتشهِّداً غدا الملأ الأعلى شهودَ شهادتي +تفتّقَ ليلي زهرةً حولَ مَضجعي وشقَّ حِجابَ الغيبِ نورُ البصيرة +فأبصرتُ جناتٍ تميلُ غصونُها وأنهارُها تجري لبردٍ ونضرة +وفي البابِ رضوانٌ تشرّفَ حارساً عليهِ من الدّيباجِ أَفخرُ حلّة +فحييتُهُ مستأنساً بلباسهِ وقلتُ بأحلى لهجةٍ مُضريّة +سلامٌ على جناتِ عَدنٍ وأهلِها أنا عربيٌّ مثلُهم ذو صَبابة +فقال على الآتي سلامُ محمدٍ لكَ الخيرُ يا ابنَ الأُمةِ اليعربية +أماناً وأمناً فادخُلِ الخلدَ خالداً وحمداً على حسنِ الهُدى والسلامة +هنالِكَ جناتٌ حَوَت كلَّ طيّبٍ وطَيِّبةٍ للصالحين أُعِدَّت +مشى مؤمنٌ فيها ومؤمنةٌ معاً رفيقَي نعيمٍ خالدَينِ لغبطة +وطافت بها الأملاكُ من كل جانبٍ صفوفاً وأفواجاً لذي العرش خرّت +وحفَّت به جنداً تغطي وُجُوهَها بأجنحةٍ وَرديّةٍ زَنبقيّة +ولكنّها لم تذوِ قطُّ ولم تحل لديمومةٍ في النضرةِ القُدُسية +فسقياً لجناتٍ يدومُ ربيعُها ويخلُدُ أهلوها لرغدٍ ونعمة +مقاعِدُهُم خزٌّ وعاجٌ ولبسُهُم حَريرٌ عليهِ كلُّ وشيٍ وسبغة +وتحديثُهُم همسٌ وتسبيحُهم صدىً وتسليمُهم تنعيمُ صوتٍ ولفظة +فحيَّيتُهم مُستبشراً فتَبسّموا وردّوا فأحياني جمالُ التحيّة +وقالوا سلاماً فاشربنَّ رَحيقَنا حلالاً وهذا عهدُ أهلِ المود��ة +يَطوفُ بها الوالدانُ والحورُ بيننا بأكوابِ درٍّ أو قوارير فضّة +شربتُ ولم أنطق وقاراً وإِنّما تمطّقت كي ألتذَّ أطيبَ رَشفة +فما أعذَبَ الكأس التي قد شربتُها فكان بها سكري الذي منه صَحوتي +وأصبحَ في نفسي جمالٌ عَشِقتُهُ كمالاً يُريني الطّيفَ من كلِّ صورة +وفي الأُفقِ الأسنى على عَرشهِ استوى إلهُ الورى ذو القدرةِ الأزلية +غمامةُ عليّينَ تحجبُ نورَهُ ترفَّعَ ربُّ العرشِ عن كلِّ هيئة +وإذ كنتُ مَسلوبَ القوى متحيِّراً سمِعتُ نديّاً من خلالِ الغمامة +فملتُ إلى ذيالكَ الصوتِ ساجداً وقد خَرّتِ الأطوادُ مثلي لخشية +فقالَ وفي ألفاظه الرعدُ قاصفٌ دعوتُكَ فاسمع أنتَ صاحبُ دعوة +وكن منذراً بينَ الورى ومبشِّراً وبلِّغ جميعَ المسلمينَ وصيّتي +وأضرم لهم نارينِ للحربِ والهدى وقلبُكَ في ديجورهم كالمنارة +وأنشد من الشعر الحماسيِّ رامياً على كلِّ قلبٍ من جمارِ الحميّة +فشِعرُكَ وحيٌ منزلٌ في جهالةٍ كما أُنزلَ القرآنُ في الجاهليّة +تشجع وآمن يا وليدُ فأنتَ لي رسولٌ وفي الإبلاغِ فضلُ الرسالة +أنا المصطفى المبعوثُ للحقِّ والهدى وقد صحّفوا في مِصحفي كلَّ آية +هو الدينُ والفرقانُ بالحقِّ مُنزَلٌ لإصلاحِ دنياهم ومَنعِ الدنيّة +وإن لم يكن منهُ صلاحُ شؤونِهم فذاك لجهلٍ حائلٍ دونَ حكمة +فقل يا عبادَ الله جاروا خصومَكم بتَوسيع ديني أو بتطبيق سنتي +دعوا عَرضاً منهُ على حفظِ جوهرٍ يُطابق لخيرٍ مُقتضى كلِّ حالة +وللدينِ والدنيا اعملوا وتنافسوا ليُحمدَ في الدارينِ حسن المغبّة +فقوّتُكم منهُ وقُوتُهُ بكم فلوذوا من الدنيا بسورٍ وسورة +لقد عزّ إذ كنتُم رجالاً أعزةً وفي ذِلِّكم قد باتَ رهنَ المذلّة +فعودوا إلى عهد الفتوحِ التي بها بَنيتم على الإسلامِ أضخمَ دولة +وما قوةُ الاسلامِ إلا بدولةٍ خلافيّةٍ بالمسلمينَ قوية +فقل لجميعِ المسلمينَ تجمّعوا وصونوا وقارَ الدولة الهاشمية +دعتكُم رؤوماً فاستجيبوا دعاءَها تموتوا لحقٍّ أو تعيشوا لعزَّة +أما لرسولِ اللهِ حقٌّ وحرمةٌ ومن آلهِ المدلي بأظهرِ حجة +لأُمَّتِهِ الفضلُ العميمُ على الورى بنشرِ الهُدى من صفحةٍ وصحيفة +على السيفِ والقرآنِ سالت دماؤها لتثبيتِ ملكٍ شيّدتهُ بشدّة +قد استَبسلت واستشهدَت في جهادِها وما رَجعت إلا بفيءٍ وجزية +بَنت دولةً للمسلمينَ بهامِها وأكبادِها ما بين فتحٍ ونصرة +لهم مهَّدَت في كلِّ قُطرٍ ومَعشرٍ سبيلَ الغنى والحكمِ والعبقرية +بِميراثِها قد متّعتهم ولم تزَل مجدّدَةً فيهم لعهدِ وعهدة +سلالةُ إسماعيلَ خيرُ سلالةٍ فمنها رسولُ اللهِ خيرُ البريّة +لها حقُّ سلطانٍ وحقُّ خلافةٍ وما نوزِعَت إلا لنزغٍ وشرَّة +فلا تنقضوا عَهدَ النبيِّ وعهدَها وكونوا أمام اللهِ أهلَ المبرّةِ +يجود عليكم بالعروبة منةً وفي شرعة الإسلام أكبر منةِ +هي الشرفُ الأعلى لكم فتشرَّفوا بأطهرِ آيات وأشرفِ نسبة +على العربِ إرسالُ الوفودِ تتابعاً إلى كل قُطرٍ فيه من أهلِ ملّتي +ليستطلعوا أحوالهم ويُثبّتوا لساني وديني بعد ضعفٍ وعجمة +فيشرف كلُّ المسلمينَ تعرُّباً كما شرفوا بالشّرعةِ الأحمدية +أبى اللهُ أن يستظهرَ الآيَ مؤمنٌ ويبقى على ما فيهِ من أعجمية +فلا مؤمنٌ إلا الذي هو معربٌ وهذا كتابُ اللهِ بالعربية +لقد حانَ أن يَستَعربوا ويُعرّبوا بنيهم وأهليهم لإتمامِ وحدة +فتوحيدُهم للنطقِ والملكِ واجبٌ كتوحيدِهم للهِ أو للخلافة +فلا لغةٌ للمسلمينَ سوى التي بها نُزّلَ القرآنُ للأفضلية +ولا رايةٌ إلا التي طلعت لهم مُبشِّرةً بالعتقِ بعد العبودة +بها أشرَقت بطحاءُ مكةَ حرةً وقد ظلّلت أرضي وقومي وعترتي +هي الرايةُ العرباءُ تخفقُ للهدى وللمجدِ فوقَ الحصنِ أو في الكتيبة +مباركةً كانت فللّهِ درُّها ودرُّ الألى ساروا بها في الطليعة +رأوا تحتها الأحرام واللهَ فوقها فقالوا لملكٍ ظلُّها أو لجنة +فمن يبغِ إرضائي ومرضاةَ رَبّهِ يسلّم عليها شاخصاً نحو قبلتي +براءٌ أنا من مستظلٍّ برايةٍ عليها لطوخٌ من دماءٍ زكيّة +فمهما يكن حكمُ الأجانب عادلاً يخُن دينَهُ الراضي بحكم الفرنجة +فأجراً لمشهومٍ تكاره صابراً وخزياً لمولى الدولةِ الأجنبية +ألا يا بني الإسلامِ كونوا عصابةً فلا قوةٌ إلا بحبٍ وإلفة +ولا قدرةٌ بعد الشتاتِ على العدى بغيرِ اتحادٍ فيهِ توحيدُ غاية +لكم دولةٌ في الشرقِ عاصمةٌ لها دمشقُ التي عزّت بملك أميّة +وعاصمة الأخرى مدينة جوهرٍ لتجميعِ أفريقيَّةِ المسلميّة +وبينهما القلزمُّ يفتحُ ترعةً كهمزةِ وصلٍ بالبوارجِ غصّت +يجوس العدى كثراً خلالَ دياركم ويغزونكم عزلاً على حين غفلة +ولم تُغنهم أموالكم عن نفوسكم فزجّوا بنيكم عنوةً في الكريهة +تذودون عن أوطانهم في حروبهم وأولادكم فيها جزورُ الذبيحة +وأوطانُكم مغصوبةٌ مستباحةٌ موطأةُ المثوى لعلجٍ وعلجة +لدولتِهم أموالكم ودماؤكم وأنتم بلا ملكٍ ومالٍ وعدَّة +أليس عظيماً أن تموتوا لأجلهم وأن يقتلوكم في مواطن جمّة +فهل من حياةٍ في القصاصِ لغُفَّلٍ وهل نهضةٌ فيها إقالةُ عثرة +لكم من بلاياكم بلاءٌ وعبرةٌ فمن عِلةٍ أشفت شفاءٌ لعلّة +خذوا من أعاديكم وعنهم سلاحَهم به تكشفوا أسرارَ فنٍّ وصنعة +ولا تقحموا قذّافةَ النارِ بالظُبى فقد سَخرت من بأسِكم والبسالة +ويومَ التفاني تعتدون كما اعتدوا وإن يخدعوكم تأخذوهم بخدعة +تُنال المعالي باجتهادٍ وقدرةٍ وكل مُجدٍّ واجدٌ بعد خيبة +فعَبّوا لهم طامي الضفافِ عرمرماً كتائبُه للحربِ والسلمِ صُفَّت +ورصّوا كبنيانٍ فخيمٍ صُفوفَهُ لكي تُرهِبوا الأعداءَ من غيرِ حملة +فلا منعةٌ إلا بجيشٍ منظّمٍ يجمّعُ أبناءَ البلادِ كإخوة +هو الجيشُ يمشي فيلقاً تلوَ فيلقٍ لحوطِ الضواحي أو لخوضِ الوقيعة +فيالقُ أعطتها الرعودُ قصيفَها وقد كَمَنَت في مدفعٍ وقذيفة +إذا الخصمُ أبزى تدفعُ الضيمَ والأذى مدافعُ شدّتها القيونُ لشدة +بناتُ المنايا تلكَ فاعتصموا بها فلا أمنَ إلا من بنات المنية +فمن سَكبها تسكابُ نارٍ وجلمدٍ لخيرِ دفاعٍ دون حقٍّ وحرمة +فكم رغبوتٍ كان من رهبوتِها لدن خشعت أبصارُ أهل القطيعة +هي الخيلُ معقودٌ بها الخيرُ فانفروا على كل محبوسٍ بعيدِ الإغارة +خِفافاً إلى الجلّى ثقالاً على العدى إذا الخيلُ بعد المدفعيّةِ كرَّت +مناصلُ حبسٍ أو مقانبُ غزوةٍ مداعيقُ تعدو تحتَ فرسانِ جمرة +وما الحربُ إلا خدعةٌ فتربّصوا لختلٍ وقتلٍ في غرارٍ وغرة +لقد كتبَ اللهُ القتالَ فجاهدِوا لأجرٍ ومجدٍ أو لعزٍّ ومنعة +قِتالُ العدى فرضٌ على كل مسلمٍ وإني بريءٌ من فتى غير مُصلت +أكبّوا على حملِ السلاح تمرُّناً فإن تمرسوا يصبح كلهوٍ وعادة +تجندكم طوعاً وكرهاً فرضتُهُ فكونوا جنوداً بُسَّلاً في الحداثة +ولا تطلبوا الإعفاءَ من غيرِ مانعٍ لكم شرفٌ بالخدمةِ العسكرية +فهل كان إلا با��بعوثِ انتصاركم وأوّلُ بعثٍ كان بعث أُسامة +ورثتم عن الأجدادِ مجداً مؤثلاً وقد فتحوا الدنيا لديني وسُلطتي +ألا يزدهيكم ذكرهم في حقارةٍ تغضّون عنها كلَّ عينٍ قذيّة +فأينَ المغازي والفتوحُ ترومُها جنودٌ وقوادٌ شدادُ المريرة +مضى زمنُ العلياءِ والبأسِ والندى لصعلكةٍ شوهاءَ بعدَ البطولة +بأبطاله المستشهدين تشبهوا ورجُّوا له عوداً بصدقِ العزيمة +وفوقَ الجواري المنشآت تدرّبوا على الخوضِ في عرضِ البحارِ الخِضمّة +وشدوا على أمواجها وتقحّموا عباباً وإعصاراً لغنمٍ وسطوةٍ +فما خوضُكم في لجةٍ بأشدَّ من تعَسُّفِكم في مهمهٍ وتنوفة +فللرملِ كالتيهور آلٌ وموجةٌ وريحٌ فذو رحلٍ كربِّ سفينة +على قتبٍ أو هوجلٍ طلَبُ العلى وإحرازُها من ناقةٍ أو سفينة +ففي البحر مجرى للشعوب ومكسبٌ بتحصينِ ثغرٍ أو بتحصيل ثروة +فمن يقطعِ الصحراءَ والرمل عالجٌ تخُض خيضةَ الروميّ خضراءَ لجّة +ويكبحُ من كلِّ البحور جماحَها إذا أزبَدَت أمواجُها واكفهرّت +ويصنع أسطولا كثيرٌ سفينُه لصدِّ مغارٍ أو لنقلِ تجارة +ففي ذلك الجاهِ العظيمِ لأمةٍ توجّه ركباناً إلى كلِّ فرضة +وأسطولها المرصوفُ يحمي ثغورَها فتأمنُ في أملاكِها فتحَ ثغرة +بدارعةٍ فولاذُها حرشفٌ لها رست قلعةً تمشي إلى دكِّ قلعة +وغواصةٍ تحتَ المياهِ تسلّلت ونسّافةٍ فوقَ المياهِ اسبكرّت +بوارجُ أسطولٍ إذا ما تزَحزَحَت تُزَعزِعُ أركانَ الحصونِ المنيعة +فأعظِم بشعبٍ مستقلّ سفينُهُ يتيهُ دلالاً بين مرسىً وغَمرة +فرادى وأزواجاً يسيرُ كأنه عصائبُ طيرٍ في البحورِ المحيطة +لقد كان همُّ الملكِ ضبطَ ثغوركم لدفعِ التعدّي أو لنفعِ الرعيّة +ومن خلفائي للأساطيل نجدةٌ لغزوِ بلادٍ أو لفتحِ جزيرة +فأربى على كلِّ السفينِ سفينُكم وبرّز تبريزاً ببأسِ وجرأة +ولاذت أساطيلُ الفرنجِ بمخبإٍ وقد حُطِمَت ألواحُها شرَّ كسرة +لأسطولكم كانت طرائد هالها ضراءُ ليوثٍ بحرُها كالعرينة +ولما تراجعتم كسالى تدرّأوا وشدوا عليكم في أساطيل ضخمة +فكيفَ لكم أن تدفعوها بمثلِها وقد كبّلوكم بالقيودِ الثقيلة +سَبَقتُم وكانوا لاحقينَ فشمّروا ونمتم فللساعينَ حسنُ النتيجة +نتيجةُ سعي الرومِ تلكَ فهل لكم بها عبرةٌ أو أسوةٌ بعد يقظة +خذوا خولاً منهم لدارِ صناعةٍ وعنهم خذوا إتقان علمٍ ومهنة +وشيدوا على أشكالهم ومثالهم بوارجَ فوقَ اليمِّ مثل الأئمة +يزكّي لها أمواله كلُّ مسلمٍ فيبقى لهُ في اللوحِ أجرٌ بلوحة +بوارجُهم منها المداخنُ أشرفت منابر تُلقي وعظةً بعدَ وعظة +أما قرعت أسماعكم بصعاقِها ونيرانُها أجّت أجيجاً فعجّت +فلولا الأساطيلُ التي بجنودهم أجازت إليكم ما مُنيتم بنكبة +ولا دنّسوا أرضاً ولا سفكوا دماً ولا غصبوا إرثاً بأيدٍ أثيمة +فلا دارَ للإسلامِ إلا تهدمت ولا قلبَ إلا ذابَ من حرِّ لوعة +كذا هدموا ملكي فمن ذا يردُّهم إذا أزمعوا تهديمَ قبري وكعبتي +أما في نفوسِ المسلمينَ حميةٌ لتطهيرِ أحرامي وحفظِ الأمانة +عليكم يمينُ اللهِ إن تألفوا الكرى وإن تشعروا في النائبات بلذّة +فما كان مولاكم ولا كنتُ راضياً بغيرِ جهادٍ فيهِ نيلُ الشهادة +تنادوا وثوروا واستميتوا لتنقذوا دياراً من الاسلامِ في كلّ قبضة +لئن ثبتت أقدامكم ونفوسكم رجعتم إلى اليرموكِ والقادسية +فبالصبرِ والتقوى ظهرتم على العدى وما الصبرُ إلا عند أولِ صدمة +إذا لم يَعُد للمسلمينَ سفينُهم وأسطولهم لا يأملوا عودَ صولة +مرافئهم مفتوحةٌ وثغووهم معرّضةٌ للغزو من كلِّ وجهة +وما الثغرُ من أرضٍ سوى بابِ منزلٍ فإن لم يُصَن يولج بدونِ وليجة +وإن وطأته الخيلُ والرجْلُ وطّأت قواعدَ ليست بعدَهُ بحصينة +فما عصمَ الأمصارَ إلا ثغورُها إذا اعتصمَ الأسطولُ فيها لعصمة +سواحلكم خيرُ السواحلِ موقعاً ولكنّها ليست بكم ذات قيمة +فلما خَلت أيامُ أمجادكم خَلت وللرومِ فيها رغبةٌ بعد رهبة +فهَمّوا بها واستَملَكوها رخيصةً وما رَخِصت إلا لرخصِ المروءة +فلو أنها كانت سواحلَ أرضهم لشادوا عليها ألفَ برجٍ وعقوة +وصفّوا بها أسطولهم متلاصقاً كأسوارِ فولاذٍ قبالة عَدوة +فما صدّ أعداءً ولا سدَّ ثغرةً سوى بارجاتٍ كالبروجِ اشمخرّت +تقذّفُ نيرانَ الجحيمِ بطونُها إذا فغَرت فوهاتِها وازبأرّ‍ت +وترفُلُ من فولاذِها وحديدها بأمتنِ درعٍ أو بأشرفِ لبسة +وبعد اقتدارٍ في الملاحةِ أقدموا على طيرانٍ تم من دون طيرة +وطيروا نسوراً في مناطيدَ حلّقت فنُفِّرَتِ الأطيارُ والجنُّ فرّت +فإمّا لتحليقٍ يكون اصطعادُها وإمّا لتدويمٍ وإمّا لرحلة +فمنها امتناعٌ وانتفاعٌ لدولةٍ ترى في الطباقِ السبعِ أرحب حَلبة +ومن علوِ طيارٍ وطيارةٍ لها تُجرِّرُ ذيلَ المجدِ فوقَ المجرّة +تردّى ابنُ فرناسٍ وقد طارَ مخطراً وأودى كذاك الجوهريُّ بسقطة +بذلك باهوا واقتفوا أثريهما فما انتَحلت فضلَ التقدّمِ نحلتي +فدونَ المعالي ميتةٌ ترفَعُ الفتى وكم خطرٍ دون الأمورِ الخطيرة +لقد كان منكم كلُّ ساعٍ وسابقٍ وفي كلِّ مضمارٍ لكم بدءُ جولة +ولكن على الإهمالِ ضاعَ فعالكم فهلا لحقتم باهتمامٍ وهمة +لكم فضلُ إبداعٍ وللغيرِ نفعُهُ فبالجهدِ والتجريبِ إتمامُ خطة +توافوا إلى تاريخكم وتأملوا عسى أن تروا خيراً بذكرى وعبرة +على حقِّ دنياكم حقيقةُ دينكم وإنّ رجالَ العلم أهلُ الهداية +جميلٌ بكم إكرامهم واحترامهم وقد أطلعوا نورَ الهدى والشريعة +فروحي وروحُ الله في كلِّ عالمٍ على وجههِ سيمى التُّقى والفضيلة +ومن فيهِ أو عينيه مبعثُ علمهِ ومن جبهةٍ وضّاحةٍ مستنيرة +خذوا العلم عن كل الشعوب إضافةً إلى ما وضعتم من علومٍ صحيحة +وكونوا عليهِ عاكفين تنافساً وباروا الألى فازوا بأكبرِ حصة +وصيروا جميعاً عالمينَ وعلّموا بنيكم بترغيبٍ وحضٍّ وغيرة +فعن كلِّ أميٍّ يصدُّ نبيُّكم وقد جاء أميّاً لصدقِ النبوءة +طلاباً ولو في الصينِ للعلمِ إِنه يوفّقُ بين الدينِ والمدنية +إذا عم أدنى الشعب صارَ سراتُهُ ملوكاً وألفى سادةً من أشابة +به الجوهر الأعلى يصانُ ويُجتلى ولولاهُ كان المرءُ مثلَ البهيمة +سواءٌ جميعُ الناسِ خلقاً وصورة ولا فضلَ إلا فضلُ علمٍ وفطنة +أُريدُ لكم ملكاً يجمِّع شملَكم وتوحيدَ أوطانٍ ونطقَ رواية +بمدرسةٍ فيكم تجاورُ جامعاً ومعرفةٍ مقرونةٍ بعبادة +هنا انقطع الصوتُ الرهيبُ وقد وعى فؤادي كلامَ الحقّ والحقُّ إِمَّتي +فأجفلتُ مرتاعاً من الصمتِ وانجلت غيابةُ نومي عن رسومٍ جلية +أفقتُ وفي عينيَّ أُنسٌ وبهجةٌ وفي أذُني والقلب أعذبُ نغمة +ولكنَّ رؤياي المنيرةَ أظلمت فأعقبني حزناً زوالُ المسرّة +فيا حبّذا جناتُ خلدٍ تحجَّبَت وفي خَلدي مِنها تصاويرُ بهجة +شممتُ شذاها ثم شمتُ سناءها فشمي وشيمي منهما حسنُ شيمتي +لبانٌ وكافورٌ ومسكٌ وعنبرٌ ثراها الذي فيه حلا مسح لمتي +ونفحُ النعام�� فيه نفحُ طيوبها إذا رفرفت أفنانُها وارجحنَّت +وقلبي له منها رفيقٌ يهيجُه حفيفٌ حكى ترنيمَ شادٍ وقينة +غناءُ الهوى فيهِ الغِنى عن مُخارقٍ وعن مَعبدٍ فالصبُّ ذو أريحيّة +فكم منيةٍ فيها اشتياقُ منيّةٍ وأغنيةٍ عن جسِّ عودٍ غنية +إذا ما تلاقى الحسُّ والجسُّ أسفرت محاسنُ حلّت في الضميرِ وجلّت +فكلُّ طروبٍ فيهِ أوتارُ مُزهرٍ ترنُّ لإنباضِ البنانِ الخفية +وما الطربُ الأعلى سوى ما تبينه سجيّةُ نفسٍ مزدهاةٍ شجية +نَعِمتُ بإغفائي وقد كنتُ ساهراً فحبت إلى الهيمانِ آخرُ غفوة +أحنُّ إلى الجنّاتِ في وحشةِ النوى وأصبو إلى أطيافِ حلمٍ وبُرهة +شربتُ حميَّا الخالدينَ ترفُّعاً ونزَّهتُ عن دنيايَ نفسي بنزهة +وطيّبتُ بالطوبى فؤادي فلم أزَل أشمّ من الفردوسِ أطيبَ نفحة +وفي الشعر ريحانٌ وراحٌ وكوثرٌ فما فيَّ من ريٍّ وريَّا لأمَّتي +نُراوِدُها عَجوزاً دَردبيسا فتَبدُو في الكؤوسِ لنا عَرُوسا +لقد هَرمَت وشابَت في القناني وشبَّت حينَ لامسَتِ الكُؤوسا +مُعتَّقةٌ أجدَّت كلَّ بالٍ وصيَّرَتِ الحصى ذَهباً لبيسا +فقُل للفَيلسوفِ إلامَ تُعنى وتهوى الكيمياءَ هوىً رَسيسا +عن الإكسيرِ تبحثُ وهو عندي إذا أترَعتُ كأسي خَندريسا +فخُذ مِنها الحقيقةَ بعدَ وَهمٍ وفي الإفلاسِ خُذ مِنها الفلوسا +فهذا العلمُ جرّبهُ وفاخر بهِ الرازيَّ والشيخَ الرئيسا +خشونةُ دنّها ثقلت عَليها وكيفَ تحبُّ ضاحكةٌ عبوسا +وفي قدحٍ من البلَّورِ طابت فتِلكَ نفيسةٌ تَهوى النَّفيسا +من الفخَّارِ قد سخرت وقالت أعدُّوا لي إناءً مَرمَريسا +كراهبةٍ تردَّت ثوبَ صوفٍ فشقَّتهُ وناغَمتِ القسُوسا +تذلُّ لشارِبيها في القَناني وتعصي حينَ تحتلُّ الرؤوسا +فرِفعتُها على ضِعةٍ مثالٌ لحسنِ سياسةٍ رَفعَت خَسيسا +فكم فَتَحتَ لهم جنّاتِ عَدنٍ وكم شهرت لهم حرباً ضروسا +فكانَ مذاقُها سلماً وحرباً حميّاها فأشبَهتِ البَسوسا +يدُ الخمّارِ عنها الخَتمَ فضَّت وحينَ تنَفَّسَت أحيَت نُفُوسا +فقالَ حَبَستُها دَهراً فلانت وكانت قبلُ ثائرةً شَمُوسا +فقلتُ صنعتَ معجزةَ ابنِ نونٍ ففي الدَّيجورِ أطلعتَ الشُّموسا +أضنُّ بقطرةٍ منها وسؤرٍ فكُن في السَّكب مُحترِساً لميسا +فيا لكِ حانةً جمعت جَحيماً وجنَّاتٍ فصارَ البيتُ خيسا +شربنا بينَ نوّارٍ ونارٍ نُحاذِرُ أن نمسَّ وأن نميسا +وقابَلنا اللَّهيبَ بها فلاحت لنا ناراً فحَيَّينا المجُوسا +وهرَّقنا على الأزهارِ منها فزدنا طيبها طيباً دسيسا +وما زلنا على التَّشراب حتى شكَكنا برهةً بوجودِ بوسى +فصارَ العيُّ مِلساناً حكيماً بقَسٍّ أو بأفلاطونَ قيسا +فموسى لو تَجَرّعَها ثلاثاً على عيٍّ لخفَّ لسانُ مُوسى +وعيسى كانَ يَشربُها فيَغدُو جريئاً وهيَ جَوهَرُ دينِ عيسى +هذا البنفسَجُ فيهِ قد لمعَ النَّدى فكأنَّهُ دمعٌ على حَدَقٍ بدا +والغصنُ ناحَ مُنَثّراً ومُنوّراً والطيرُ صاحَ مُزَقزقاً ومغرّدا +والماءُ لاحَ مُرَجرجاً ومُرَقرقاً والزهرُ فاحَ مصفَّراً ومورّدا +فإلامَ أصبرُ والصَّبُوحُ يَشوقُني والكأسُ تَطلعُ من يَميني فرقدا +سِر يا نديمُ إلى الصّحابِ وقُل لهم قُومُوا لنَبني للمدامةِ مَعبدا +ضَلَّ المجوسُ بنارِهم وبعِجلهم ضلَّ اليهودُ وراهبُ الدير اهتَدى +في بيعةٍ حفلت وصومعةٍ خلت تلقاهُ يَشربُ خمرَهُ متعبِّدا +والناسُ صلُّوا خَلفَهُ حتى إذا رَفعت يداهُ الكأسَ خرُّوا سُجَّدا +لو لم يُحَرِّمها النبيُّ مُحَمَّدٌ تبع النصارى واليهود محمدا +لله درُّك يا أخا الطرب الذي لبّى الدعاءَ ولم يكن متَرَدِّدا +فدعِ الزلالَ مبرّداً في جرَّةٍ لسلافةٍ في الدنِّ أطيبَ مَوردا +وإذا القَناني أتلعَت أعناقها أترِع كؤوسَكَ ثم مدَّ لها يدا +فلقد رأيتُكَ في المجالسِ كيِّساً ورَأيتني بين النَّدامى سيِّدا +للكأسِ مثلُ الثَّدي عهدُ رضاعةٍ فأنا أخوكَ بها وأنتَ المُفتدَى +ما الخمرُ إلا للظريفِ لأنه يزدادُ منها رقَّةً وتودُّدا +قسماً بها وبزقِّها وبكاسِها لن أسقيَنَّ على الخمارِ مُعَربدا +فلقد رأيتُكَ صافحاً ومُصافحاً ورأيتُ خَصمَكَ عابساً ومهدِّدا +والرّاحُ فيكَ وفيهِ يظهرُ فِعلُها حتى إذا أصلحتَ كان المُفسِدا +كأبي نؤاسٍ والوليدِ ومُسلِمٍ محبوبُها وبهم تشبَّهَ واقتدى +أكياسُ أهلِ الكاسِ يُرجى خَيرُهُم فلطالما مدّوا الأكفَّ إلى النَّدى +رَقَّت شمائِلُهم فعمَّ جميلُهم لا فرقَ ما بينَ الأحِبَّةِ والعِدى +فلنشرَبَنَّ على محاسِنهم ولا نُسئِرْ فيذهبَ سؤرُ خَمرتِنا سُدَى +ما زلتِ يا كاسُ تُعلينا ونُعليكِ حتى رأينا تباشيرَ الهُدَى فيكِ +لما اصطبَحنا ودمعُ الليلِ يُضحِكُنا قُلنا سلامٌ على مَثوى محبِّيك +تفتَّحَ الزهرُ ممطوراً وأطيَب من ريّاهُ ريّاك أو أنفاسُ حاسيك +فالوردُ والحَبَبُ الطَّافي قد اجتَمَعا كالثَّغرِ والريقِ من ذاتِ المساويك +تِلكَ التي لذَّ لي في حبِّها أرقي ورقَّ شِعري بحبّيها وحبَّيك +نهواكِ أيَّتُها الخمرُ التي رَفعَت عروشَ عزٍّ ومَجدٍ للصعاليك +إنّا مُحَيُّوكِ في دنٍّ وفي قدَحٍ ولا حياة لعيٍّ لا يُحيِّيك +وإن عبدناكِ لا إثمٌ ولا حرجٌ فرُبَّ وَحيٍ أتانا من معاليك +رأيتُ فيكِ النجومَ الزهرَ غائرةً عند الصباحِ وقد خَرَّت تُلاقيك +فأطلِعيها على نفسٍ غَدَت فلكاً وقد غدا ملكاً في الحيِّ ساقيك +الهمُّ ليلٌ بهيمٌ أنتِ كوكَبُهُ وجنَّةُ الخلدِ مَغنى من مغانيك +فتَّحتِ قلبي لآمالٍ كما انفَتَحَت لطلعةِ الشمسِ أستارُ الشبابيك +فأنتِ صبحٌ جميلٌ في أشِعَّتِهِ تبدو زخارفُ أحلامٍ لهاويك +هذي أحاديثُ عشَّاقٍ مُسَلسَلةٌ فلا يُكذَّبُ راويها ورائيك +إنّا بَعَثناكِ من سوداءَ ضَيِّقةٍ صفراءَ في الكأسِ تُحيينا ونُحييك +كذاك يُطلقُ مأسورٌ على أملٍ ويُعتَقُ العبدُ من بين المماليك +فالفضلُ منكِ يُساوي فضلنا أبداً ولا يُعَدُّ ظلوماً مَن يُساويك +من حمرةِ الفَلقِ الورديِّ توشيةٌ إذ رقَّ ثوبُ الدَّياجي بعد تفريك +فبالكؤوسِ نُحَيِّي الصبحَ مُنبلِجاً ونحتَسيكِ على أنشودةِ الديك +الخمرُ في كأسِها الياقوتُ والماسُ فاشرَب هنيئاً ودَع ما قالهُ الناسُ +ما كلُّ مَن يشرَبُ الصهباءَ يَعرفُها وهَل تماثلَ نقّادٌ ولمَّاس +إن الجواهرَ عندَ الجوهريِّ غَلت وليسَ يَعلمُ ما تَسواه نحّاس +لا تَشربنَّ رعاكَ اللهُ مع نفرٍ لا ظرفَ منهم ولا لطفٌ وإيناس +بل نادِمَنَّ الألى شاقت كياسَتُهم إن الكؤوسَ بها قد خُصَّ أكياس +والشربُ أطيَبُهُ من كفِّ ناعمةٍ بيضاءَ من حليها برقٌ ووسواس +إذا رَمَتني بلحظٍ تحتَ حاجبها أقولُ هَل حَولنا نبلٌ وأقواس +تجسُّ كفّي معرَّاها فيتبعُها فمي الذي هو لثّامٌ وهمّاس +وأهصرُ الغصنَ حتى أجتني ثمراً وما عليَّ بهِ خَوفٌ ولا باس +وأترِعُ الكاسَ من عَشرٍ إلى مئةٍ حتى تطُنَّ مِنَ الآذان أجراس +فيستطيرُ صوابي والهمومُ معاً وإن تلمَّستُ أصرخ طارتِ الكاس +وإن مشيتُ حسبتُ الأرضَ مائدةً تَحتي ومنِّي يميلُ الساقُ والراس +خيرُ الخمورِ التي أفتى بجَودَتِها شمٌّ وذوقٌ وتمييزٌ وإحساس +منها اصطفِ الجرَّةَ العذراءَ خالِصةً فالسيفُ يَقطعُ ما لا تَقطعُ الفاس +وقُل لصحبكَ والبلورُ حلَّتُها وحولها الوردُ والنسرينُ والآس +بَلقيسُ هذي ولكن عَرشُها قَدَحٌ كأنَّهُ لعقولِ الناسِ مِقياس +فبايعُوها ومُوتوا تحتَ رايتِها أنتُم على بابها جندٌ وحرّاس +أفِق فالديكُ قد صَدَحا وحَيِّ الدنَّ والقدَحا +ولاقِ الصُّبحَ مُنبلِجاً وشمَّ الزَّهرَ مُنفتِحا +وفي الرَّوضِ انتشِق نفَساً لطيفاً طاهراً نفَحا +وللعصفورِ زَقزَقَةٌ كَتَطريبٍ جَلا ترَحا +فطولُ النَّومِ مَفسدةٌ لما بالنَّومِ قد صَلحا +فنَم ريَّانَ مُغتَبقاً وقُم ظمآنَ مُصطَبحا +وبكِّر فالبكورُ بهِ أخُو الحاجاتِ قد نجَحا +فمَرأَى الفجرِ مُنبَثِقاً يُحسِّنُ كلَّ ما قَبُحا +وشربُ الكاسِ مُترَعةً يُرَوِّضُ كلَّ ما جَمَحا +من الدَّهر اغتَنِم فُرَصاً إذا سَنَحَت وقد سَمَحا +فهذا الوردُ ننثُرُهُ وهذا الكيلُ قد طفَحا +وهذي الخمرُ نشرَبُها فنَمشي بعدَها مَرَحا +صَفَت فصَفا الزَّمانُ لنا وعَربَدنا لهُ فصَحا +لعَمركَ إن مَدَدتُ يَدي وقد أصبَحتُ مُنطرحا +أَبِتْ مُتَلمِّساً قدَحي وقلبي يَلمسُ الفَرَحا +جاءَ النّدامى وحلَّ الأنسُ والفَرَحُ فجَلسَةُ الشِّربِ باسمِ الرَّاحِ تُفتَتَحُ +هذا غبوقٌ جميلٌ فيهِ يجمَعُنا حبُّ التي مَشيُنا في رَبعِها مَرَح +ففي كؤوسٍ من البلَّورِ أسكُبُها فتِلكَ حلَّةُ من بالنُّورِ تتَّشِح +وليسَ يخدُمُ غيري عند حَضرَتِها إنَّ الكريمَ ظريفٌ ليِّنٌ سَمِح +مدَّ السِّماطَ على هذا البساطِ وكُن في شِربها عرَبيّاً ليسَ يَنفَضِح +دَعِ الكراسيَ إنَّ الأرضَ ثابتَةٌ للرّكبَتَينِ فتَستَلقي وتنطَرح +ولنَشرَبَنَّ مُحيِّينَ الهِلالَ بها والياسمينُ معَ الأرواحِ مُنفَتِح +ألا تراهُ مِنَ الزَّرقاءِ طالعَنا وفوقَنا نورُهُ والطِّيبُ والفرَح +إني لأشرَبُ في كأسي أشِعَّتَهُ معَ الرّحيقِ وضيقُ العيشِ يَنفَسح +فهل سمِعتَ بهذا المزجِ مِن قِدَمٍ يا كيِّساً صَدرُهُ في السّكرِ مُنشَرح +واللهِ ما لابنِ هاني من مَحاسِنها هذي المعاني التي يأتي بها الوَضَح +إن كنتُ أسكبُها صرفاً وأشرَبُها أو كنتُ أرقُبُها شَوقاً وأمتَدِح +تَعنُو المعاني لها شتَّى مُزَخرفةً كما يَزَخرفُ مِن أقواسِهِ قزَح +أحقُّ دارٍ بأن ترجُو النَّعيمَ لها ما طابَ مُغتَبَقٌ فيها ومُصطبَح +إذا مَرَرتَ بها ألقِ السَّلامَ وقُل لكِ السَّلامةُ فاسلم أيُّها القَدَح +يا شارِبَ الرّاحِ على وَردِ وقاطِفَ التفَّاحِ مِن خدِّ +أراكَ من دُنياكَ في جنَّة تدخُلُ منها جنَّةَ الخُلدِ +فافرَح ومُت ريانَ منها وعِش مُستَهزئاً واهزُل على جِدِّ +ما أشبهَ الباكي بمُستَضحكٍ وأشبَهَ الإنسان بالقِردِ +لا ترحَمِ الناسَ فلم يرحَموا كلٌّ يقولُ الأرضُ لي وَحدي +ليتَ الوَرَى من ضِعفِهم أقبلوا نحوي فيَغدُو سيِّدي عَبدي +فشَرُّهم يُخشى وما خَيرُهم يُرجَى فلا تغتَرَّ بالوَعد +وكُن قويّاً وجَسُوراً لِكي ترُدَّ عَنكَ الموتَ بالجهد +واحتَل تَنَل شيئاً وإلا تمُت في لوعَةِ الحُرمانِ والصَدِّ +ماذا ترَجِّي مِن دمٍ فاسدٍ أو من فؤادٍ قُدَّ مِن صَلد +ففضنَ بينَ الزَّهرِ حمراءَ عَن صَفراءَ كالميِّتِ في اللَّحد +مِن بَعثِها بَعثٌ لآمالِنا والموتُ منها عيشَةُ الرَّغد +واشرَب على المِصباحِ حتّى ترَى نارَ مجوسٍ في نهاوَند +وإنُ يَلُمكَ الفدمُ مُستَنكِراً فَقُل لهُ الطوفانُ مِن بَعدي +سَلامٌ أَيُّها الغَيمُ المُلِثُّ فلي كالرَّوضِ أشواقٌ وبَثُّ +فبرِّد مُهجَتي وأَعِد نشاطي وَجدِّد ثوبَهُ فالثَّوبُ رثُّ +تُذَكِّرُني مِنَ الجِّريالِ عَهداً وليسَ لعهد بنتِ الحانِ نكثُ +ولكِنَّ الهجيرَ يَكِفُّ عَنها وأنتَ على تعاطيها تحُثُّ +إِذاً لبَّيكَ إني مُستَحِثٌّ نديماً مُرضياً يا مُستَحِثُّ +ولم يَشرَب معي إلا شريفٌ كريمٌ ليسَ في عَينيهِ خُبث +فكانت قِسمَتي الثّلثَينِ مِنها بلا طَمَعٍ وللندمانِ ثلث +فبادِر يا نديمُ إلى القَناني وفضَّ خِتامَها فالهمُّ كثُّ +فتُفرج عَنكَ إن أفرَجتَ عنها وللأقداحِ في الأعراقِ نفث +وكيفَ يَعيشُ من لا يحتَسيها وهذا العيشُ للصّاحينَ غثُّ +وَجَدتُ السَّعدَ فيها مُطمَئنّاً وللجهَّالِ تفتيشٌ وبحث +فألقيتُ السَّلامَ على ابنِ هاني وَلي مِن كرمِهِ والشِّعرِ إرث +فمُت سكراً بها لتعيشَ صَحواً فهذا الموتُ موتٌ فيهِ بَعث +إن كان وَعدُ الحرِّ دَيناً أنجزِ وابرُز إلى شربِ الرّحيقِ وبرِّزِ +أنتَ النديم المُصطفى لصبُوحِها وغبوقِها إذ جئتَني بالمُعجِز +بزجاجَتَينِ وعَدتَني من قُرقُفٍ لم تبقَ فيها فضلةٌ لم تُفرَز +خَيرُ الخُمورِ قليلةٌ فعّالةٌ وكذا الفصاحَةُ بالكلامِ المُوجَز +تُعطي بسُورَتِها اللَّيانَ وهكذا لا يَستقيمُ العودُ ما لم يُغمَز +فانزَع صمامَتَها بمَبزَلِ حاذِقٍ فالبنتُ للتَّزويجِ لا للمكنَز +فإذا جَعَلتَ فِدامها قُدَّامَها أحرَزتَ من دُنياكَ ما لم تحرز +والله ما تعزيزها بزجاجها فبغير هذى الكأس لم تتعزَّز +أوَ لا ترى الأقداحَ بينَ مُذَهَّبٍ ومُفَضَّضٍ ومُنقَّشٍ ومُحزَّز +قُل للمَليحةِ أن تطُوفَ بها ولا تلمُس مُنَعَّمةً بكفٍّ مجرز +أيُّها النَّديمُ إذا قُلتَ لي أشمُّ شذا +قُلتُ مِن مُعَتَّقةٍ حبُّها دَمي أخذا +إن غَدَوتُ أمزُجُها أبرَزَتهُ لي فِلذا +كم طَفا على حَبَبٍ ياسمينُ رَوضِكِ ذا +فارتشَفتُ مُنتَشِقاً والشُّعاعُ قد نَفَذا +إنّها المحكُّ لما كان من ندى وأذى +فالظَّريفُ من طرَبٍ ناح والعتلُّ هَذى +نحنُ صالحانِ لها والكريمُ لانَ كذا +واللّئيمُ مِن بَطَرٍ شِربُهُ شَجىً وقَذى +طِف بالكؤوسِ وأطلِع أنجمَ الحلكِ فمَجلِسُ الأُنسِ منها قبَّةُ الفَلك +إنّ الظَّرافةَ مِن كاسٍ ثُمالتُها لم تُبقِ شكّاً ولا همّاً لمُرتبك +إياكَ أن تحتَسيها غيرَ مُترعةٍ في ظلِّ روضٍ على الأمواهِ مُشتَبك +إنَّ الرَّحيقَ لِمَن رقَّت شمائلُهُم هُم أهلُ لطفٍ فما يخشون من دَرَك +ولا تُنادِم سوى حرٍّ أخي طَرَبٍ في قالبِ الظّرفِ والتَّهذيبِ مُنسَبك +إني أغارُ على الصَّهباءِ من سُفَلٍ كأنَّهُم حَولَ نِقلٍ وَسطَ مُعترَك +يُقاتِلونَ بلا ثأرٍ ولا سَبَبٍ ويهتكونَ فساداً حُرمَةَ الملك +لا حقَّ لِلوَغدِ في أن يجتَلي قدَحاً مِن كفّ حسناءَ تُغري الطَّيرَ بالشَّرك +واللهِ لو كانَ لي حِكمٌ لقُلتُ لهُ لا تشرَبَنَّ فشِربُ الخمرِ لِلمَلِك +أَهَزَّتكَ الحَميَّةُ في الحُمَيَّا فبتَّ ترى كؤوسَكَ في الثُّرَيَّا +طربتَ وقد شربتَ على خَلاءٍ فكيفَ إذا شربتَ على مُحيّا +وقد طافت بها خُودٌ رِداحٌ تُريكَ الرَّوضَ في رَيٍّ وريّا +فداعيتي على طرَبٍ حَبيبي أحَبُّ مِنَ المنادي يا أُخَيّا +فمِن خَمرين في كأسٍ وعَينٍ شربتُ وقد طوَيتُ الهمَّ طيا +ولمّا أن غَدَوتُ بها مَليكاً رَأيتُ الكونَ أجمَعَ في يَديا +وما بينَ المزاهِرِ والقَناني رأيتُ السَّعدَ منقاداً إليا +فباكر ما استَطعتَ إلى صَبُوحٍ على صِبحٍ مَعَ الأصحابِ حيا +وقُل للدَّهرِ نحنُ اليومَ صلحٌ فمهلاً لا عَليكَ ولا عَليا +ما كان أظرَفَ مَن نظَرتُ إليهِ والكأسُ مُترعَةٌ على شفَتيهِ +حتى إذا فرَغت وهمَّ بغَيرها أبصَرتُ ما في الكأسِ في عَينَيه +ما زالَ يَشرُبها ويُثبتُ رأسَهُ فوقَ السِّماطِ وفي الثَّرى قدَمَيه +حتى رأى مُلكاً بها وَوِزارةً فحَكى نظامَ الملكِ وابنَ بُوَيه +قد صَبَّها عِشرينَ لم يحفَل بها فخَشَيتُ من عدِّ الكؤوسِ عَليه +وأردتُ أن أُلهيهِ عن تَشرابها حيناً وقد صَغُرَ الكبيرُ لدَيه +فمَددتُ كاسي نحوَهُ ليصبَّ لي وأعزُّ شيءٍ ما طَلبتُ إليه +فأشارَ لي وأجابَني مُتَلعثِماً كلٌّ يُقَلِّعُ شَوكهُ بيَدَيه +لقد طالَ الكرى فمتى القيامُ وندماني على سِكرٍ نيامُ +فناديهم وقولي يا سُكارَى عَليكم بَل على الموتى السَّلام +أفيقوا للصَّبُوحِ على صَباحٍ لهُ ابتَسَمَت من الزِّير المدام +أُحبُّ الشِّربَ مع فِتيانِ قومي لِتَظهَرَ لي من الكاسِ الشآم +وأهوى الأرضَ ما نزلوا حِماها فأطرَبني من العربِ الكلام +حَسَّنتَ لي الصَّهباءَ يا غيثُ وليسَ لي في شِربها رَيثُ +والله لا يشرَبُها ثعلبٌ وإنّما يَشرَبُها اللَّيث +لا تصطبِح أو تغتَبق مع فتىً في مَجلِسِ الأُنسِ له عَيثُ +إن يَلمُسِ الكاسَ بإبهامِهِ فاردَعهُ وليَذهَب إلى حيث +أدر خَمرةً ما بينَ همٍّ وتفليسِ تفُز كسُليمانَ الحكيمِ ببَلقيسِ +فما الأُنسُ إلا من حميّا مدامةٍ وعينينِ يَحلو فيهما كيدُ إبليس +أتمنَعُني عن شِربها في كآبتي وفي الخمر لهوٌ عن خِداعٍ وتدليس +إذا قُلتَ لي ما الشِّربُ إلا خسارةٌ رَضيتُ بهِ إنَّ الخسارة من كيسي +ما أطيَبَ الخمرَ في بَردِ الكوانينِ على المصابيحِ تُجلى والكوانينِ +والنارُ والنورُ تبدو الكاسُ بينهما كسِدَّةِ الملكِ أو تاجِ السلاطين +وللبخورِ دُخانٌ طيبُهُ عَبَقٌ حيث المشامِعُ حُفَّت بالرَّياحين +وللنّدامى حَديثٌ يُطرَبونَ بهِ إنّ الأحاديثَ تحلو كالتَّلاحين +صبَّ المدامةَ في البلَّورِ والذَّهَبِ واسقِ النديمَ الذي يُدعى أخا العربِ +رأيتُ منها لهيباً سالَ في قدحٍ لا تبَّتِ الكفُّ يوماً من أبي لهَب +مثلَ المجوس عَبدنا النارَ حيث غَلت مُسلِّمينَ على حمَّالةِ الحَطَب +أخوكَ فتى يهوَى الشَّرابَ على الدّجنِ فباتَ على سهدٍ وبُتَّ على أمنِ +فقُم نصطَبح قبلَ الصَّباحِ وقُل معي سَلامٌ عَليها في الكُؤوسِ وفي الدّنّ +لقد أنصَفت في الحبِّ والعهدُ بَيننا إذا بتُّ مِنها آخِذاً أخَذَت منِّي +هَلا يقارِنُ منكِ الحسنُ إِحسانا فاللهُ بالحبِّ والمعروفِ أوصانا +فلا تخافي على وَصلٍ معاقبةً إذ ليسَ يحرمُنا ما مِنهُ أعطانا +إنّ النَّبيِّينَ في التَّوراةِ أكثرُنا عِشقاً فداوودُ قد أغرى سُليمانا +ماالحبُّ عِندي صلاةٌ والهوى عَبَثٌ إنِّي رَأيتُ ملاكَ الحبِّ شيطانا +من عفَّ أظهَرَ عَجزاً فيهِ أو جَزعاً إنِّي لأرحَمُ قيساً ثم غيلانا +حِكمُ الطبيعةِ هذا عادلٌ فسَلي شَبعانَ من طيِّبات الحبِّ ريِّانا +يُجبكِ عندي من الأخبارِ أصدَقُها فالخبرُ صيَّرني في الحبِّ لُقمانا +كلُّ الشَّرائعِ والأديان كاذبةٌ فالطَّيرُ والوحشُ ساوَت فيه إنسانا +ما تمَّ عقدُ زواجٍ في مَكامِنها وليسَ تعرِفُ أشياخاً ورهبانا +إن غصَّ آدمُ بالتفَّاحِ مُختبئاً إني لآكُلُ تُفَّاحاً ورُمّانا +وإن أُعَرِّج على الجنَّاتِ مُقتطِفاً خَرَجتُ منها وقد كسَّرتُ أغصانا +ولا أخافُ عِقابَ اللهِ في هِنَةٍ من أجلِها يُضرمُ الشيطانُ نيرانا +فهكذا بنتُ حواءَ الضعيفةُ لا تُريدُ إلا من العشَّاقِ فُرسانا +وَهي القويَّةُ إن تخطُر بحِلَّتِها وهي الضَّعيفةُ إن فرَّكتَ أعكانا +وأفضَلُ النَّاسِ أقواهم فلا عجبٌ إذا تطَلَّبتُ تبريزاً وسُلطانا +ففي تفَجُّرِ حُبِّي حاذِري هَوَجي إنِّي لأحمِلُهُ في الصَّدرِ بُركانا +إن قُلتِ ويحَكَ حاذِر كاشحينَ غدَوا مُشنِّعينَ بلُقيانا ونَجوانا +ماذا عَليكِ وفي عَينيكِ صاعقةٌ أن تحرقيهم وتُجري الحبَّ طُوفانا +ولا سفينةَ لي إلا هواكِ وإن أغرَق فأسعدُنا في الحبِّ غَرقانا +لا تطلبي الشَّرحَ منِّي إنني رجلٌ إيجازُهُ كان إسهاباً وتبيانا +يهوى الدَّعابةَ أحياناً وعِفَّتُهُ تُعَجِّبُ الكاعبَ العذراءَ أحيانا +فقد أقولُ بلا فعلٍ وأفعَلُ ما أقولُ في وَصفِهِ قد كان ما كانا +هذي حياتي وعندي من سرائرها ما يملأ الكونَ أفراحاً وأحزانا +فظلِّليني بأزهارٍ منوَّرَةٍ في غصنِ قدٍّ رَشيقٍ أخجَلَ البانا +وأسمِعيني مِنَ الألحانِ أطيَبَها حتى أرى الحُسنَ أشكالاً وألوانا +والرِّيحُ تحمِلُ من زهرٍ ومن شعَرٍ طيباً يُهيِّجُ أشواقاً وأشجانا +فكم جَسَسنا من الأوتارِ ألطفَها لمّا تلاقت على القَلبين كفَّانا +وبتُّ واللِّيلُ يُرخي سِترَ ظُلمَتِهِ أنضُو ذُيولاً وأكماماً وأردانا +سَبَحت في الماءِ كالبطِّ كاعِبٌ نامت على الشطّ +بَضَّةٌ بيضاءُ حِلَّتُها أبيضُ الرِّيشِ على البطِّ +فتعالى الماءُ رَجرَجَةً يُلحِق البادي بمنُغَطِّ +وأراني من تجَعُّدِهِ أسطُراً عُوجاً بلا نقطِ +وهي فيهِ كالقصيدةِ في صَفحَةٍ وَرديَّةِ الخطِّ +وتَدَلَّى شعرُها فحَكى ليلةَ العَشواءِ في الخَبط +حينَ داست وهيَ ضاحِكةٌ ضَفَّةً كالشَّعرِ في الوَخط +أبصَرَتني تربُها فعَدَت ثم صاحت أسرعي غَطِّي +جاءَنا شيطانُنا عَجلاً فاصرُفيهِ خِيفَةَ اللَّغط +الرّخا في الحبّ جَرَّأهُ فهو لا يخشَى من السّخط +فارتدت أثوابها وبَدَت دُميةً في بيعةِ القُبط +وهي لا تدري أتغضَبُ من ذاكَ أم تفتَرُّ عن سُمط +عِندَ ما حَيَّيتُ مُبتَسماً لاهِثاً أرتجُّ كالقُرط +رُمَقَتني فالتَظت كبدي كالتِظاءِ الزِّندِ من سَقط +ثمَّ قالت كيفَ تدهَمُنا حينَ لا نُعطَى ولا نُعطي +قُلتُ هذا كلُّهُ عَبَثٌ والتقى نوعٌ من الخلط +أنجزي وعداً حلا فهُنا لم أخَف رَهطكِ أو رَهطي +طالما أطمَعتِني وأنا أشتهي شيئاً ولم تُعطي +فأجابَت حبُّنا شرعٌ إنما أُعطي على شرط +قلتُ لا شرطٌ على رَجُلٍ جائعٍ في زَمن القَحط +فسَواءٌ أنتُما وأنا مُقسِطٌ في الحبِّ لا أُخطي +فلِكُلٍّ من يَدي وفمي قِسطُها فَلترضَ بالقِسط +كجناحِ الطَّيرِ مُنبسِطٌ لَكُما مُنبَسِطٌ إبطي +هكذا أصبَحتُ مُرتهناً بينَ ثِنتينِ منَ السِّبط +مثلَ رَوضٍ كان حِسنُهما ولحاظي فيهِ كالرَّقط +نِلتُ ما في الدّرعِ من ثمرٍ وبعَيني من جَنى المرط +لعمركَ ما ليالي المهرجانِ سوى الحسناتِ من هذا الزمانِ +فمنها كانَ لي حلمٌ جميل أرى الساعاتِ فيها كالثَّواني +وفي تِلكَ المغاني طارَ قلبي شُعاعاً للغواني والأغاني +فكيف مَرَرتِ يا أيَّامَ أُنسي وأينَ ذهَبت أيَّتُها الأماني +وقد خلَّفتِني صبّاً كئيباً أُعاني في الصَّبابةِ ما أُعاني +كذلكَ لن أَعُودَ ولن تعُودي إلى نُعمى الزَّمانِ ولا المكان +مَضى الزَّمنُ الذي أحيا شبابي وآمالي وحبِّي بالتَّداني +وحيّاني بأزهارٍ وطيبٍ وودَّعني ولستُ على ضمان +ميادينُ المدينة منهُ غَصَّت وخيلُ اللَّهو مُطلقَةُ العِنان +يُجاري بعضُنا بعضاً عَليها كأنا في سِباقٍ أو رِهان +وللألحانِ ترجيعٌ لطيفٌ لهُ ذابت سويداءُ الجنان +فوا طرَبي لأصواتِ الصَّبايا وهنَّ تبرُّجاً حورُ الجنان +صَبَغنَ خُدودَهُنَّ فبتُّ أجني أزاهرَ عُصفُرٍ من زَعفران +وأطلعنَ الرِّياضَ على ثيابٍ مُبرقشَةٍ كأخلاقِ القَيان +فأصبَحَ كلُّ سوقٍ سوقَ زَهرٍ وذاك الزَّهرُ لم يَلمسهُ جان +ولما خضتُ مَوجاً من زحامٍ رَأيتُ حَبيبتي بينَ الحِسان +فقلتُ لها سلاماً فاشرأبَّت مهاةٌ تحتَ ظلِّ الخيزران +وحادَت عند رشِّي ماءَ عطرٍ عَليها واتَّقَتني بالبنان +فكرَّت بعد أن فرَّت وجاءَت تُقابلُني وتبسُمُ عن جمان +فقلتُ لِريشِ نبلٍ لا لِرَشٍّ أرى التأمينَ في طلبِ الأمان +تولَّى المهرجانُ فهل أراها وألقاها وقطفُ الحبّ دان +وأنشُقُ من غِلالتِها عَبيراً وماءُ الزَّهرِ تُمطِرُه اليدان +تحيّاتي حمائمٌ حائماتٌ على حُسنِ الغواني والمغاني +لقد ولَّيتِ مُسرعةً فعُودي سَريعاً يا ليالي المَهرَجان +رَكِبتُ فهزَّني طرَبي وتحتي نافخُ اللَّهَبِ +يَعَضُّ لجامهُ صَلفاً كما عضَّ الثَّديَّ صَبي +فوَسطَ المَرجِ يُعجبُني بزَهوٍ منهُ أو لعِب +وتحتَ السَّرجِ يَحمِلُني رَفيعُ الرأسِ والذَّنب +ويركُضُ صاهِلاً فرحاً وعَيناهُ من الشُّهُب +وإمَّا بتُّ أزجُرُه غدا يَنقَضُّ كالغَضَب +وحينَ نظَرتُ مُبتهجاً إلى التُّفَّاحِ والعِنَب +تراءَت مُعصِرٌ سَرَحَت لِتَجني الزَّهرَ عن كثَب +فقلتُ لها أَبنتَ الرُّو مِ هل تقضينَ من أرَب +بعَيشِ أبيكِ جُودي لي بماءٍ طيِّبٍ شنِب +فقالت من تكونُ فقل تُ مولاتي فتىً عرَبي +كثيرُ الحبِّ والتَّذكا رِ والأشعارِ والطَّرب +له شِعرٌ على غزَلٍ حَكى أنَّاتِ مُنتَحِب +فقالت يا غريبُ أرا كَ ذا ظرفٍ وذا أدَب +وماتحويهِ لاحَ على مُحَيَّاً صادقِ النَّسَب +فزُرنا إنَّ مَنزِلَنا هُناكَ فأنتَ ضَيفُ أبي +ترَجَّل واستظِلَّ بهِ بُعَيدَ الحرِّ والتَّعب +لمهرِكَ مَرجُنا ولكَ ال ضيافةُ فاستَجب طلبي +فقلتُ بذاكَ لي شرفٌ وهذي عادةُ العرب +ولكنِّي على سَفَرٍ فعُذري واضِحُ السَّبب +جَزاكِ اللهُ يا حسناءَ خَيراً مثل لُطفِكِ بي +فجاءَت وهيَ باسمةٌ بكأسٍ نفَسَّت كرَبي +وأذكت في الحَشى ضَرَماً بثغرٍ صِيغَ من ذَهَب +أعلى الخدودِ الوردُ والتفَّاحُ ومن العيونِ أسنَّةٌ وصفاحُ +لا تطمعَنَّ بجنَّةٍ مَحميَّةٍ في بابها السَّيَّافُ والرَّمَّاح +إنَّ الخسارةَ في الجسارَةِ حَيثُما قَتلُ المغيرِ على السِّياجِ يُباح +إني جَنَيتُ الوَردَ منها شائكاً وعليَّ فيها قد حنا التفَّاح +وعلامتي من زَهرِها وثِمارِها هذا الأريجُ فإنّهُ فوّاح +إن قلتَ لي لعبَت خَرائدُنا بنا فكأننا شجرٌ وهنَّ رياح +بقلوبهنَّ لعِبتُ حتى خِلتُها أكراً وليسَ على القويِّ جماح +أو قلتَ من لحظاتهنَّ على الفتى نبلٌ ومن قاماتهنَّ رِماح +حاربتُهنَّ بمثلِ ما حارَبنني حتى يُكسَّرَ بالسلاحِ سِلاح +أنا عاشقٌ في عِشقِهِ متفنِّنٌ ولكلِّ بابٍ عندهُ مفتاح +فإذا تعشَّقتُ المليحةَ زرتها والسترُ يُرخى والخِمارُ يُزاح +وغدَوتُ أُضحِكُها وأضحَكُ والهوى هزلٌ وتحتي عاشقٌ نوّاح +ليسَ الغرامُ صبابةً وكآبةً لكنَّهُ اللّذّاتُ والأفراح +فلكم خلوتُ بغادةٍ في حبِّها تجري الدموعُ وتُبذَلُ الأرواح +وهَّابةٌ في كلَّةٍ نهّابةٌ في حَفلةٍ قد هابها السفَّاح +فلبثتُ أشربُ ريقَها ورَحيقَها ولديَّ منها مِئزَرٌ ووشاح +قالت كفاكَ فقلتُ ثم بقيّةٌ تُنفى بها الأحزانُ والأتراح +فرَمَت بكأسي ثم قالت هكذا تُلهيكَ فلتتكسَّرِ الأقداح +ولكم طرِبتُ لنزهةٍ في زَورَقٍ لعِبَت به الأمواجُ والأرواح +وحبيبتي تنحَلُّ عِقدةُ شعرِها وجبينُها تحتَ الدُّجى مِصباح +والموجُ للمجدافِ باحَ بسرِّهِ وأنا بأسرارِ الهوى بوّاح +فأقولُ للملّاحِ وهومُجذِّفٌ والفُلكُ طيرٌ والشِّراعُ جناح +يا سائراً بي في سفينةِ نِعمَتي مهلاً ورفقاً أيُّها الملّاح +طرباً أهَجتِ لنا برَقصِكِ هذا ثم انثنَيتِ وما قضَيتِ لذاذا +والنُّورُ مُنتشِرٌ لدَيكِ أهِلَّةً والزَّهرُ مُنتشِرٌ عليكِ رَذاذا +أو تلكَ رؤيا السّحرِ والتَّوهيمِ أم في زخرفِ الماضي أرى بغداذا +كحمامةٍ بيضاءَ كنتِ لطيفةً وخفيفةً لما لبستِ اللاذا +وَبرَزتِ لي طيفاً يلوحُ لعاشقٍ فهتفتُ ماذا في قوامِكِ ماذا +أيكونُ خدُّكِ رقّةً إبريسماً ويكونُ طرفُكِ حدّةً فولاذا +أسجَيت لي تلكَ الجفونَ ولحظها أرهَفتِهِ حتى غدا نفّاذا +قلبي الذي قد سنّه فجريحُه ما كان إلا الصَّيقَلَ الشحّاذا +نثَّرتِ من عينيكِ والثَّغرِ الهوى فتناثرَت أكبادُنا أفلاذا +لا تنثري شعلَ اللحاظِ وبعدها طلَّ التبسُّمُ للنُّهى أخّاذا +ردِّي لهيبَكِ وامنعي عنّا النَّدى واللهِ ماهذا يبرِّدُ هذا +ما كان أجمَلَ رقصةً قد صيَّرت أعضاءَ جسمِكِ ساعةً أفذاذا +ولكلِّ عضوٍ هزَّةٌ فكأنّهُ ما جاورَ العضوَ القريبَ وحاذى +نهداكِ قد ثقلا على خَصرٍ وَهى فرأيتُ خصرَكِ يطلبُ الإنقاذا +والرِّدفُ موّارٌ يجاذِبُهُ ولا يَستنجِدُ الأوراكَ والأفخاذا +والأرضُ تحتي مثلهُ رَجراجةٌ ويدي ورجلي تطلبُانِ ملاذا +حتى إذا طَفَحَ الهوى وتفجَّرَت لذَّاتُهُ بكِ منكِ قلبي عاذا +هلا أعَدتِ لنا بعَيشِكِ رَقصةً ترَكت هُمومي والغمومَ جذاذا +هيَ رقصةٌ فنيةٌ رقصَت لها كلُّ القلوبِ وما وَجَدت شواذا +الرَّقصُ إبرازُ الشعورِ مُجسَّماً ومُحَرِّكاً يَستَحوذُ استحواذا +فإذا استفزّ جوارحي لا تسألي وبكِ الجنونُ لم الجنونُ لماذا +إنَّ الذي شاهَدتُهُ متلذِّذا يُغري الملاكَ فيَصحَبُ النبَّاذا +منِّي السلامُ عليكَ يا إبليسُ ما أنت إلا صاحبٌ وأنيسُ +آنستَني في وَحشَتي وَصِحبتني في نزهَتي وكأنني طاووس +أبداً تسيرُ مَعي وتشَهدُ لذَّتي ومعي تُعرّسُ حيثُ لي تعريس +كم مرَّةٍ سامَرتني في مضجَعي وضجيعتي الزَّبّاءُ أو بَلقيس +فأرَيتني الأوطارَ أصنافاً وقد كتَمَ الذي بُحنا به الحِنديس +حَلتِ التجاربُ مِنكَ لي فقَبلتُها والرِّبحُ لي والخاسرُ القدّيس +إن كان عندَكَ غيرُ هذا هاتهِ دَرساً فمنكَ يشوقُني التَّدريس +ما كنتَ إلا بالأطايب مُغرياً وعقيدتي المحسوسُ والملموس +فلكَ التَّلذُّذُ والتَّمتُّعُ في الهوى ولغيركَ التَّحريمُ والتَّحريس +أنتَ الذي حَبَّبتَ كلَّ صَنيعةٍ فيها لنا التَّفريجُ والتَّنفيس +لولاكَ ما طابت لآدمَ أكلةٌ منها لبنيانِ الوَرى تأسيس +أُتهمتَ زوراً بالقباحةِ والأذى واغتابكَ الدوريشُ والقسيس +وأراكَ ذا حسنٍ ولطفٍ دائماً فإلامَ هذا الغشُّ والتدليس +في السرِّ بينهما وبينَكَ عهدةٌ وصداقةٌ كي يُتَّقى التعكيس +وعليكَ قد شهرَ الحروبَ كلاهُما كيما يغصّ البطنُ ثم الكيس +فاخلع ثيابَهما ومزِّقها غداً تلكَ الملابسُ كلُّها تلبيس +قل للملاكِ اترُك صَديقي وَحدَهُ وإلى الفراشِ تعالَ يا إبليس +أهلاَ وسَهلاً حلَّ عندي مكرماً ولتَحمِلنْ أهلَ السماءِ العيس +تعالي فأحييني بفنجانِ قهوةِ إذا الصبحُ حيّا من نوافذِ غرفةِ +وأيقظني الدِّيكُ الفخورُ بفيقهِ فقمتُ نشيطاً بعد أطيب هَجعة +فللجسمِ بعد النومِ عزمٌ وقوةٌ وللنفسِ آمالٌ بعودِ الأشعَّة +ونفحتُها للقلبِ ألطفُ نفحةٍ وحمرتُها للعينِ أجملُ حمرة +ضَعي فوقها المقهاةَ حتى إذا غَلت ضَعي البنَّ وائتينا بأطيَب قهوة +كزنجيَّةٍ بعد العبوسِ تبسَّمَت وغَنَّت وقد حنَّت بوحشيِّ لهجة +وصفِّي الفناجينَ اللطيفةَ واسكُبي لِننشَقَ ريحَ المسكِ من غيرِ فأرة +وبينَ ارتِشافٍ وانتِشاقٍ يشوقُنا من التبغِ مصٌّ فيهِ أكبرُ لذَّة +فتعذبُ من تدخِيننا وبخارُها أحاديثُ فيها كلُّ لطفٍ ورقّة +نعم إنّ ليلاتِ الشتاءِ جميلةٌ ولذَّاتُها مع أهلِنا والأحبَّة +على جمرِ كانونٍ وفنجانِ قهوةٍ وكأسِ مدامٍ واستماعِ حكاية +أيا قهوةً في الصبحِ قد عطَّرت فمي لكِ الخيرُ في إذكاءِ نارِ القريحة +وإيقاظِ أفكارٍ وتطييبِ أنفُسٍ وتجديدِ آمالٍ وتشديدِ همَّة +أرى فيكِ رمزَ الخيرِ والخَصبِ والغِنى فدايمةٌ قد قيلَ بينَ الجماعة +أُحِبُّكِ أعرابيَّةً عدنيَّةً مفضَّلةً في حبّ أفضَلِ أُمة +تعلَّمَ منها الناسُ شربَكِ والنّدى فكم من نعيمٍ في حِماها ونِعمة +هذا قِرانٌ سعيدٌ أكسَبَ الدارا من جنَّةِ الخلدِ أطياباً وأنوارا +فأشبَهت روضةً غناءَ قابلني فيها الأحبةُ أزهاراً وأطيارا +أرى السعادةَ للزوجينِ باسمةً مع الربيعِ وقد زاداهُ إنضارا +والآنَ أسمعُ من قلبيهما نغماً به الهوى صيّرَ الأعراقَ أوتار +تفتَّحَ الزهرُ من عشبٍ ومن شجرٍ مثلَ القلوبِ لعرسٍ زانَ أوطارا +وجنةُ الحبِّ قد لاحت مزخرفةً ليقطفا اليومَ أزهاراً وأثمارا +يا حبّذا عرسُ محبوبينِ شاقَهما ما شاق في الحبِّ أخياراً وأطهارا +كأنه ذلك العرسُ الذي سكبت يدُ المخلِّصِ فيهِ الخمرَ مِدرارا +على ابن لبنانَ بنتُ الشامِ قد عَطَفت فالشامُ تصبُو إلى لبنانَ مِعطارا +وفي اتحادِهما حبّاً ومصلحةً رمزٌ لأُمنيِّةٍ تهتاجُ أحرارا +فللعروسينِ منّي خيرُ تهنئةٍ ضمَّنتُها لهما حبّاً وإيثارا +فلا يزالا برَغدٍ من زواجهما حيثُ الملائكُ تحمي منهُ أخدارا +واللهُ يُسبغُ طولَ العمرِ نعمتَهُ عليهما ويزيدُ البيتَ إعمارا +والحبُّ آفاقهُ بالنَّجمِ ساطعةٌ ورَوضُه يُنبتُ الريحانَ والغارا +تبسَّمَت لهما الدنيا فبتُّ أرى في رَونقِ العرسِ من آذارَ أيارا +والحاضرونَ جميعاً قائلونَ معي الله باركَ أهلَ الدارِ والدارا +مَرَرنَ وقد مرَرنَ على فؤادي رشيقاتِ القدودِ عل�� الجيادِ +أوانسُ ضاحكاتٌ هازلاتٌ يعلّمنَ الفتى حقرَ الرّشاد +رواتعُ في الحريرِ مُنَعَّماتٌ كغيضةِ زنبقٍ في ظلِّ واد +حَمَلنَ الزهرَ في شعرٍ وصدرٍ فاخرجنَ الشعورَ من الجماد +ورحنَ على السُّروج الى مروجٍ كأنَّ السرجَ أنعمُ من وساد +فسِرتُ وراءهنّ على جوادٍ يُرى في عينهِ قدحُ الزّناد +وحينَ سمِعنَ من مهري صَهيلاً رَنونَ بأعيُنٍ خَلبَت فؤادي +فقلتُ لهنَّ لا تخشَينَ ضَيماً فإني في الخطوبِ لكُنَّ فاد +وإني كي أُمثِّلكنَّ ليلاً بتذكارٍ رغِبتُ عنِ الرقاد +فقلنَ نراكَ ذا لطفٍ وظرفٍ فلستَ إذاً غريباً في البلاد +فقلتُ الحسنُ هذَّبني وقلبي يحنُّ إلى الأزاهرِ والغوادي +ألا ياصاحِ قل لي هل تُلاقي أحبَّ من الفتاةِ على الجواد +ألا يا حبَّذا فتياتُ قومي على خيلِ التنزُّهِ والطِّراد +قصَّرتَ ما طالَ من همٍّ ومن حزنِ وكنتَ أُنساً لنا في وحشَةِ الزمن +ردِّد على العود ألحاناً مُنَعّمَةً حتى نذوبَ من الأشواقِ والشَّجن +واطرَب وأطرِب نفوساً شاقها وَطنٌ فلم تجد وَطناً يُغنى عن الوطن +وجسَّ أوتارَ عودٍ بالهوى شعرت والعَب بأفئِدةٍ كالموجِ بالسُّفُن +قد خفَّ جسُّك حتى خِلتُ نغمتَهُ تحرِّكُ الميِّتَ المطويَّ في كفن +إسحاقُ أم معبدٌ أعطاك حرفتَهُ فالفنُّ عندك مملوءٌ من الفِتن +ألحانُ عودِكَ تُبكيني وتُضحِكُني والقلبُ في فرحٍ طوراً وفي حزن +كأنَّ أعراقهُ الأوتارُ إن لُمِسَت ترنُّ تحت يدٍ بيضاءَ في المحن +قلبي يُغنِّي غناءً لا انقِطاعَ لهُ ماكانَ أغناهُ عن قيدٍ من البدن +حَسَّنتَ كلَّ قبيحٍ يا مليحُ وقد أحسَنتَ والحسنُ منسوبٌ الى الحسن +الأرضُ حولكَ تبدو في نضارَتِها والعيشُ زخرفةُ الأحلامِ في الوسن +ما أطرَبَ الحرّ للصوتِ الرخيمِ وما أقسى قلوبَ الأُلى عاشُوا بلا فطن +منّي تحبُّ البناتُ إذ هنُّ مُبتكراتُ +ما البكرُ إلا ابتكارٌ في الشِّعرِ وهو هِبات +فكم تعَشَّقتُ بكراً في خدِّها زَغبات +وكان مِنها نصيبي كما تُهزُّ القناة +والحبُّ مذ باتَ رجساً قد طهَّرتهُ الفتاة +ناغيتُ بعضَ العذارى وهنَّ لي عاذِرات +وإن غَضِبنَ قليلاً لي تضحكُ الأمهات +لم أُغرِهنَّ ولكن لي عندهنَّ هِنات +أغضَينَ عن سيِّئاتي لأنها حَسَنات +وفي صداقةِ بنتٍ قد تجمُلُ الصَّدَقات +والشعرُ بعد شعوري لهنَّ وهو الحياة +مِسنَ في الوشي بينَ زهرٍ ونورِ وحَللنَ الشعورَ فوقَ الصدورِ +فرأيتُ اصطدامَ صبحٍ وليلٍ وسطَ روضٍ مُعطَّرٍ ممطور +شاقَني والشعورُ تُرخى سُتوراً فوقَ تلك الصدورِ هَتكُ الستور +فرفعتُ الشعورَ عنها رُويداً وجَسستُ النهودَ تحت الشعور +حبُّ ما شفَّتِ الغلائلُ عنه بين شوقٍ ولذّةٍ وحبور +حيثُ كاسي قد أترَعتها رداحٌ فتجرَّعتُ من ألذِّ الخمور +كان سكري من خمرةٍ وحديثٍ إذ رأيتُ الكؤوسَ مثلَ الثغور +بثلاثٍ من النساءِ حِسانٍ مرَّ ليلي وكنتُ كالمسحور +كنَّ يُسمِعنني غِناءً رَخيماً أو يغازلنني بصوتِ الطيور +وأنا هكذا صريعُ الغواني والقناني في مجلسٍ مستور +فأقولُ الجنّاتُ والحورُ عندي يا سماءُ اهبطي ويا أرضُ مُوري +ما كان أجملَ سبحةً من صاحبِ أبداً تُذكِّرُني مودَّةَ غائبِ +قد عطَّرتها راحتاهُ فعبَّقت في راحتيَّ شذا بخورٍ ذائب +فإذا لهوتُ بها طربتُ وأشبَهت أوتارَ عودٍ تحتَ أنملِ ضارب +حبّاتُها تُربي على مائة وفي تطويلها طولٌ لعمرِ الواهب +فبها أعدُّ صبيحةً وعشيةً حسناتِهِ فأفيهِ بعضَ الواجب +هي سبحةٌ سوداءُ يسرٌ حبّها فاليسرُ مأمولٌ بفألِ اللاعب +شيبت بمرجانٍ ورُصِّعَ بَعضُها نثرَ اللجينِ أشعّةً من ثاقب +فرأيتُ منها ليلةً قد أشرقت بضياءِ شمعٍ أو بنورِ كواكب +حسَّنتُ نظمي من محاسنِ نظمِها فاهتَجتُ لذَّةَ سامعٍ أو راقب +العيدُ بالنورِ والأزهارِ حياكِ فالكونُ يأخذُ حسناً من محياكِ +صار الخريفُ ربيعاً إذ بسمتِ له وزيّنت أعذبَ الأوطارِ ذكراك +تذكارُ مولدكِ الميمونِ يُطلِعهُ قلبي هِلالاً لأفلاكٍ وأملاك +والطيِّباتُ به جاءت مبشّرةً فالبشرُ قد ملأ الدنيا لبشراك +لك السعادةُ تمَّت في صبيحتهِ فقلتُ يا أيها الحسناءُ طوباك +يُهدي إليكِ فؤادي من عواطفهِ ما يمنحُ الروضُ من صافٍ ومن زاك +وباقة الحبّ والإخلاص أفضلُ من باقاتِ زهرٍ لها نضرٌ بيمناك +إني أتيتُ أفي حقاً بتهنئتي فمن يهنئني يوماً بنعماك +روحي تحيّيكِ في شعري اللطيفِ كما حيَّا النسيمُ خزامىً فيه ريّاك +تبسَّمي لِفتى يلقاكِ مُبتسماً والله يحميكِ والأملاكُ ترعاك +من رقصةِ الإنسِ أم من رقصةِ الجانِ أخذتِ رقصاً على رنّاتِ ألحانِ +هذا التثنِّي ثنى كلَّ القلوبِ إلى قدٍّ فحامت طيوراً فوقَ أغصان +شدّي على خصركِ الزنَّارَ مُشفِقَةً على ضعيفٍ كقلبي بين أحزان +جنّاتُ بابلَ قد لاحت معلَّقةً على قوامٍ تثنَّى نصفَ عريان +فبتُّ لا أشتَهي زهراً لدى ثمرٍ طمعتُ منه بتفّاحٍ ورمان +ما أنتِ إلا جنانٌ طابَ مرتعُها يا ليتَ كفّي عليها كفُّ جنّان +لم تنقلي قدماً إلا على كبدٍ والمشيُ منكِ عَليها جَسُّ عيدان +القدُّ قدَّ قلوباً ثم ليَّنها من لينهِ وعليها سقمُ أجفان +مَجلِسُها صمتٌ وإيجازُ ولحظُها للقلبِ مهمازُ +ما لي على عفَّتِها طاقةٌ تلكَ على المجروحِ إجهاز +من لي بها والدينُ دونَ الهوى وفي يدِ القسِّيسِ عكّاز +وصورةُ العذراء في خدرها والسبحةُ البيضاءُ إيعاز +قسِّيسُها ينهى ولا يَنتهي وهي عجينٌ وهو خبّاز +إن قلتُ مولاتي عِديني وفي فالقلبُ من عَينيكِ قفّاز +ميّزني حبُّك بينَ الورى إذ كلُّ شيء فيكِ ممتاز +قالت وقد عضَّت على كفِّها لم أدرِ ما وعدٌ وإنجاز +أرشِدهُ يا يسوعُ واغفر له من أجلِنا جرحُكَ نزَّاز +بروحي التي وَقفت واجلَهْ وفي وجنَتيها يذوبُ الحياء +فقالت أتيتُ لصنعِ حذاء وعن رِجلِها كَشَفت خاجلَهْ +فقلتُ حنانيكِ لا تَسخري فجاري هناكَ هو الجوَّهري +هنالِكَ جاري فِسيري إليهِ لقد حيَّرَ الناسَ صنعُ يديه +أضنُّ بدقَّةِ هذي القدم وليسَ أديمي على قدره +له الصبُّ ينزعُ من صدرهِ حشاهُ ويَبكي بدمعِ ودَم +رَأيتُ الجواهرً في حِرزها تُصانُ وتُحجَبُ في عزِّها +حذاؤكِ من ذهبٍ يُصنعُ فرجلُكِ جوهرةٌ تَسطَعُ +لِصَوتِكِ في قلبي دَويٌّ ورنّاتُ كما ردَّدَت صوتَ البلابلِ جنّاتُ +على المزهَرِ الشاكي وأنشودةِ الهوى يُهيِّجُ ذكراً منهُ للنفسِ حنّات +جَسَستِ من الأوتارِ ألطفَها كما جَسَستِ فؤادي وهو بالحبِّ يقتات +فأخرَجت من ألحانِها كلَّ مُطربٍ وأخرَجتِ منهُ شِعرَهُ وهو أبيات +وغنَّيتِهِ حيناً فذابت حشاشتي ألا فلتَذُب في مِثلِ هذا الحشاشات +ونقّلتِ قلبي حيثُ نقَّلتِ أنملاً كطيرٍ على غصنٍ تُثنِّيهِ هبّات +فأجمِل بتلحينٍ وشعرٍ ترافقا وفي طرَبي العلويِّ صوتُكِ أصوات +أخذتُ النهدَ من درعٍ دلاصِ وكان الرّدفُ أثقلَ من رصاصِ +وحلَّت أنملي شعراً طويلاً ففاحَ الطيبُ من تلك العقاص +وما زلنا على الديباجِ نلهو ونحنُ على اعتنِاقٍ وامتِصاص +إلى أن ذابتِ الروحانِ شوقاً وقد شابت من الليلِ النواصي +ولمّا أن دَرَى الخَبثاءُ قالوا إلى الرحمنِ تُب يا شرَّ عاص +فقلتُ افرَنقِعوا عنِّي فإنّي خليعٌ لا يُبالي بالخلاص +ملاكُ حراستي قد فرَّ مِني وإبليسٌ يُعلِّمُني المعاصي +ملأتُ يَدي من نهدِها متزوِّدا فما كان أحلى النَّهدَ ثم التنهُّدا +هي اللذةُ الكُبرى التي بتُّ بعدَها أرى النهدَ في صدرِ المليحة فرقدا +وفرَّكتُهُ حتى أطرتُ شرارَهُ كما صَقَلَ النحَّاتُ أملسَ أصلدا +وقبلتُ أنقى وجنتينِ ومبسمٍ وأسقَمَ أجفانٍ تشرَّبنَ إثمدا +وبتنا جميعاً والحَشى تُلِهبُ الحشَى إلى أن غدا فحمُ الدُّجى متوقِّدا +فمن زفراتٍ حرُّها محرقٌ ومن تكسُّرِ قُبلاتٍ يرنُّ لها صدى +حَفِلَ الشارعُ والجمعُ لغَطْ وتلاقى فيهِ موجاً واختلطْ +وغوانيهِ يُنَثِّرنَ الهوى من عيونٍ قتَلتني بالغلط +سقطت ألحاظُها مُغريةً كنثارٍ فوقَ أشراكٍ سَقط +قلتُ والقلبُ عليها حائمٌ مثلَ عصفورٍ من الحَبِّ التقَط +ليتَ لي من كلِّ خدٍّ قبلةً قبلةً من كلِّ خدٍّ لي فقَط +رُبَّما نعقُدُ صلحاً هكذا هكذا ماتمَّ عقدُ الصلحِ قط +ونفّاحةٍ إن دَخّنت رَحَلَ الهمُّ لهَوتُ بها حتى اشتَفَى الذَّوقُ والشمُّ +لها الماء روحٌ وهي نارٌ يزينُها دخانٌ وكم تحلو إذا اشتعلَ الفَحمُ +فمن ذاقها دارت بهِ الأرضُ دورةً فأيقَنَ أنَّ العيشَ أكثرُهُ حلم +إذا قيلَ لي صِفها أقولُ لأنني محبٌّ على شوقٍ يباحُ له اللثم +خريرٌ ولا نهرٌ ودمعٌ ولا جَوَى وعطرٌ ولا زهرٌ وسكرٌ ولا إثم +هنيئاً لأهلِ الشَّرقِ كم سَكِروا بها فباتوا وقبحُ العيشِ حَسَّنَهُ الوَهم +دَعني أجازِفُ بالهوى والحُسنِ وأُجيلُ طرفي في رياضِ الفنِّ +إن الصَّبا ضَيفٌ أخافُ رَحيلَهُ فلهُ الكرامةُ والبشاشةُ منّي +سأذيقهُ اللذاتِ حتى يَشتفي ويقولُ لي إني اكتفيتُ فدَعني +يا صاحِ حدِّثني عن الوطنِ الذي فيه نشأتُ وخذ حديثاً عنّي +خُضتُ البحورَ ولم أخَف أمواجها وأقلُّ من عشرينَ عاماً سنّي +ورأيتُ في شرخِ الشبابِ كهولتي وكذاكَ إن كثرَت ثمارُ الغصن +إذا كان للمقدامِ عزُّ المناهبِ فأيُّ فتى يرضى بذلِّ المواهبِ +عصرتُ خدوداً والقدودُ هَصَرتُها وما شاقني إلا نهودُ الكواعب +تكادُ وقد شُدَّت تشقُّ دروعَها وتَبرزُ منها مثلَ بيضِ الأرانب +فإن ظفَرت كفّي بنهدِ صبيةٍ لهوتُ بهِ سكرانَ ليسَ بشارب +وبينَ هجومي مولعاً ودفاعِها تبيَّنتُ أسرارَ النَّواحي النواهب +أمَرَرتَ في سوقٍ من الأسواقِ ورأيتَ فيهِ تصادُمَ العشّاقِ +فحَسبتَ أنّ الأرضَ تحتك زلزلت من وَقعِ أحداقٍ على أحداق +إنّ النساءَ تنوَّعَت أشكالُها وثيابُها لِتَنوُّعِ الأذواق +فتَبرُّجٌ وتخَضُّبٌ وتفَتُّنٌ في الكشفِ عن سوقٍ وعن أعناق +فهناكَ نادِ على الجمالِ فإنهُ سلعٌ وقُل يا قاسمَ الأرزاق +تعالي نتركِ النّسكا لِنَنهكَ جسمنا نهكا +فبابلُ كاسُها تحلو ولو كثُرَت بها الهلكى +ونغرَق وسطَ طوفانٍ ولا نبني لنا فُلكا +لقد ظهرت سرائرُنا وما أبقى الهوى شكَّا +فهاتي صكَّ حبِّكِ لي ودونكِ من فمي صَكَّا +صرَخَت معذِّبتي لِلَسعةِ نحلةِ جاءَت لتَجني شهدَها من وَردةِ +ما ذنبُ عاشقةِ الأزاهرِ والشَّذا إن لم تُميِّز وجنةً من جنَّة +فبكت وقالت ما دواؤك يا فتى فأجبتُها المصُّ الشَّديدُ بقُبلة +قالت أهذا جائزٌ فأجَبتُها إنّ الطبيبَ مُحَكَّمٌ في العلة +تشتكينَ الحرَّ والظلُّ عليكِ والرحامى تصحب الماءَ لديكِ +يا ترى ما حالُ صبٍّ صَدرُهُ لاهبٌ من لهبٍ في مُقلتَيك +حبَّذا مروحةٌ خافقةٌ كفؤادي وهما طوعُ يَدَيك +فأرى مِنها فراشاً حائماً فوقَ وردٍ إن تروِّح وجنتيك +أيا قلبُ مَهلاً لا تُعجِّل بشكواكا فإني على شكٍّ بصحةِ دعواكا +فكم تغضبُ الغاداتُ عمداً ولم تزل تُنقِّرُ حبَّا ثم تقطَعُ أشراكا +قبَّلتُها فشَمَمتُ وَرداً أحمرا وضمَمتُها فهَصَرت غُصناً أخضرا +لِتَنفُّسي ارتعَشت وحين تنفَّست عَرفُ البنَفسجِ كُمَّ ثوبي عطَّرا +فبقيتُ حتى اليومَ من أنفاسِها أهوى البنفسجَ آملاً إن أزهرا +وضَعَت على قلبي اليَدينِ فأثَّرَت فيهِ وأرجَعتِ البنانَ مُحَمَّرا +وعليهِ قد كتبت وصايا حبِّها عَشراً وصَيَّرَتِ الأصابعَ أسطرا +ورَنت إليّ وأسبَلت دَمعاتِها نجماً فأبصرتُ الثريَّا في الثَّرى +وعلى بقيَّةِ حمرةٍ في صفرةٍ دمعٌ يسيل مُزَعفَراً ومُعَصفَرا +فرَأيتُ مُقلتَها خِلالَ دُمُوعِها كالماسِ تحتَ النُّورِ يَسطَعُ أبهرا +فغدوتُ بالشَّفَتينِ أنهلُهُ كما تترَشَّفُ الشَّمسُ النَّدى المُتَقطِّرا +وغدَت تُخاطِبُني وتكسُرُ جَفنَها فأرى فؤادي بالكسير مُكسَّرا +فتقولُ وَيلي من وداعِكَ يا فتى هلا ارعَوَيتَ أوِ الرَّحيلُ تأخرا +يا ليتَ قلبي ما تفَتَّحَ للهوى أو لم يكُن في الأرضِ ما شاقَ الورى +إذ لم يَعُد لي بهجةٌ بجمالِها لغيابِ بدرٍ في فؤادي أسفَرا +إنّ الطبيعةَ بالحبيبِ جميلةٌ وأُحِبُّها إذ منهُ تحوي مَنظرا +سَلبَ الفراقُ على لقاءٍ عاجلٍ نومي فكيفَ بآجلٍ يأتي الكَرى +فأجَبتُها وجعَلتُ باعي طوقها لا بدَّ لي من أَن أخوضَ الأبحُرا +نفسي أبَت إلا العُلى لا تجزَعي من أمرِ ترحالٍ عليَّ تقَدَّرا +مهما يَطُل وَصلُ الحبيبِ وقربُهُ يأتِ الزّمانُ مُفَرّقاً ومُنَفِّرا +سأسيرُ مُهتَدياً بما زَوّدتِني إن كنتُ أبغي السَيرَ أو أبغي السُّرى +فتذكَّريني في اللّيالي وارفعي طرفاً إلى تِلكَ الكواكبِ أحوَرا +فهناكَ أرعاها وآخذُ قوةً مِنها وأرجعُ غانماً ومظفَّرا +فضَمَمتُها حتى غدَونا واحداً في لذَّةٍ ما ذاقها من أُسكِرا +وبلزَّةِ النَهدَينِ تمّت لذَّتي وبلثمَةِ الشَفَتَينِ ذُقتُ الكوثرا +واللهِ تلكَ وقيعةٌ الحالِ التي أضحَت تفوقُ تخَيُّلاً وتصَوُّرا +فلو اَنَّ رافائيلَ صَوّرَنا كما كنَّا لمثَّلنا الغرامَ مُصَوَّرا +للقلبِ إن طالَ البعادُ تقرُّبُ ولهُ إذا حالَ الودادُ تجنُّبُ +شبَّهتُ في سَفري قلوبَ أحبَّتي والموجُ حَولي مُزبداً يتقلَّب +بِذُرَى جبالٍ في الصَّبيحةِ تنجلي ومن السَّواحلِ سارَ يَدنو المركب +أمّا الحياةُ كما عَلِمتَ فصعبةٌ والسَّعدُ من نيلِ الثُّريَّا أصعَب +سببُ الشَّقاوةِ حرصُنا وطموحُنا إنَّ الشقاءَ مع الرجاءِ لطِّيب +لكن إذا طالَ الزمانُ ولم نجد فرَجاً يُخَفِّفُ ما به نتَعذَّب +ورَأيتَ دمعكَ في قنوطِكَ جامداً والماءَ من رَوضِ الشبيبةِ ينضب +وسمعتَ نعقةَ بومةٍ تحتَ الدُّجى وشهدتَ نصلاً بالدماءِ يُخَضِّب +ودِّع هَواكَ ودَع مُناكَ مُسائلاً أكذا النفوسُ بلا عزاءٍ تذهَبُ +قُل لي أقرَّحتَ الجفونَ تسهُّداً وضرَبتَ قلباً في الهوى يتلَّهب +فسمعت فيه هاتفاً لك قائلاً إن المنايا من مناك لأ��رب +قُل لي أسامَرتَ الكواكبَ هاجساً ودَعوتَ أشباحاً تئنُّ وتهرب +فرأيتها صفراً وحمراً تارةً تبدو وطوراً بالسَّحائبِ تُحجَب +قُل لي أسرتَ عن الجمالِ مفتِّشاً فرأيتَ في سوقٍ بغيّاً ترقُب +فدَنوتَ مفتوناً بحُسنِ خِضابها وهَرَبتَ من أفعى تفحُّ وتلسب +قُل لي أسرتَ مع الرِّفاقِ لنزهةٍ وغدوتَ تلهو في الرياض وتلعب +وشربت كأس الخمر مترعةً وقد غنَّتكَ غانيةٌ فؤادَك تخلب +فغدوتَ نشوان المدامةِ والهوى في الظلِّ من كاسٍ وعينٍ تشرَب +غرقان في لذَّات بابلَ ضاحكاً مُتمايلاً لرنينِ عودٍ تطرَب +حتى إذا نفَث الشَّرابُ بُخارَهُ أصبَحتَ تبكي كالصَّغيرِ وتنحب +وكأنَّ كفّاً في الظَّلامِ خَفيّةً جاءت على جُدرانِ قلبكَ تكتُب +فدَعِ الأمانيَّ الكواذبَ وافتَكر فلعلَّ صدرَك بالتفكُّر يرحب +وارغَب عن الدنيا الغرورِ وأهلِها إن كان قلبُكَ بالفضيلةِ يَرغَب +واعبُس إذا أبصرت ثغراً باسماً إنَّ الملاحةَ كالسَّعادَةِ تكذب +هَبطَ اللَّيلُ ولمَّا أن دجا أقبَلت توقِدُ فيهِ سُرُجا +كاعبٌ تدرجُ في رَوضتِها مثلَ عصفورٍ عليها دَرَجا +لم يَكُن ما بيننا وَعدٌ ولا رُسُلٌ لكن عرفتُ الأرَجا +فعلى نفحَتِها جئتُ إلى مدخَلٍ أكرَهُ منهُ المخرجا +فتلقَّتني بثغر عنده فرجي إن شمتُ منه المخرجا +وبعينين تراءَى فيهما كلُّ ما سَرَّ فؤادي وشجا +وبكفٍّ رنَّ في معصمِها دملجٌ كان لقلبي دُملُجا +ثم قالت كيفَ تُمسي بعدنا إن تقحَّمتَ هناكَ اللُّجَجا +هل لنا أو لكَ يومٌ جَلِدٌ عِندَ توديعٍ يُذيبُ المُهَجا +النَّوى ليلٌ بهيمٌ فابق لي تحتَ هذا الروضِ صُبحاً أبلجا +قلتُ والدمعُ على وَجنتِها كالنَّدى في ثمرٍ قد نضَجا +وعلى قلبي سرَت أنفاسُها كهبوبِ الريحِ ناراً أجَّجا +كلَّما مرَّ عليهِ نفَسٌ أبصرَت في مُقلتيَّ الوَهَجا +قسماً باللهِ والحبِّ الذي منهُ جسمي قد غدا مُختَلِجا +وبروضٍ نوَّرَت أزهارُهُ مثلَ قلبينا على نورِ الرَّجا +ونجومٍ فوقنا مُشرقةٍ لتُرينا بعدَ ضيقٍ فرَجا +إنَّني أهواكِ ما عشتُ وما مَنظرُ الزَّرقاءِ همِّي فرَّجا +وأنا باقٍ على عهدِ الهوى فإليهِ القَلبُ في الكربِ التَجا +ليسَ هذا اللَّيلُ إلا شَفَقاً من مُحيّاكِ الذي يجلو الدُّجى +إنَّما لي وطرٌ في وطني ليسَ يُقضى فرَحيلي عن حِجى +ضاقَ عن صَدري وصدري ضيِّقٌ عن فؤادٍ في هواهُ أهوجا +هكذا لا بدَّ أن يحملني موجُ بحرٍ هاجَ حتى هَيَّجا +لقد ذهبت تلكَ الأماني الخوادعُ وما هي يوماً للضَّعيفِ خواضعُ +فكانت سراباً لاحَ ماءً لِظامئٍ ومَن لي بها فالوهمُ في الهمِّ نافع +ففي الدّمنَة الخضراءِ تعليلُ رائدٍ بهِ في زمانِ الجدبِ تَنبُو المرابع +إليكِ فؤادي قد صَبا أيها الصَّبا ولو كانتِ الآمالُ فيكَ تُخادِع +أعِدها وعُد فالقلبُ ليسَ بمُشتفٍ ولا مُكتفٍ والطَّرفُ سَهرانُ دامِع +مَرَرتَ ومرَّت كالخيالاتِ في الكرى وما أقصرَ اللذَّاتِ والمرءُ هاجع +قرأتُ رواياتٍ وعند انتِهائها قبَضتُ على ريحٍ وزالت مطامع +وقد أورَثتني ضعفَ قلبِ وهمّةٍ بدائعُ فيها للنفوسِ خدائع +وطالعتُ أشعاراً وأنشَدتُ بعَضَها وأبياتُها مثلَ البروقِ لوامع +فذقتُ الهوى العذريَّ في كأسِ شاعرٍ وقد مُزجَت بالسمِّ والسمُّ ناقع +فما صدَقت بالخبرِ أخبارُ كاذبٍ وذلكَ طيفٌ زَخرَفتهُ المضاجع +فيا خَيبةَ المسعى ويا ضَيعةَ الهوى لدى صنمٍ عنهُ تُزاحُ البراقع +لعلَّ وليتَ الآنَ لا يَنفَعانني وما في الترجِّي والتمنّي منافع +على صغَري في السنّ أَكبرتُ بلوتي وقد أُغلقَت مني الحشى والمسامع +وفي القلب لا صوتٌ يرنُّ ولا صدى وكيفَ ومن حولي الديارُ بلاقِع +قبَضتُ على جمر ليخمدَ في يَدي فعدتُ وقد ذابت عليه الأصابع +وما المرءُ بينَ الناسِ إلا كطائرٍ يُعالجُ أشراكاً وخصمٌ يصارع +فيا حبّذا ركبُ السفينِ وحبَّذا محيطٌ خِضمٌّ فوقهُ النَّجمُ ساطع +لعلّ مِنَ الأسفارِ تنفيس كربتي فمن كان مثلي عرَّفتهُ الوقائع +فأُصبح ذا مالٍ ومجدٍ ورفعةٍ وصيتي كذا في الشَّرقِ والغرب ذائع +رَغبتُ عَنِ العلمِ الذي هو شقوتي وماذا يُفيدُ العلمُ والعلمُ ضائع +فما لابسٌ صوفاً خشيناً لفقرهِ كلابسِ خَزٍّ عندَهُ المالُ شافع +سلامٌ أيُّها الدَّيرُ القديمُ كما حيَّا قناطِرَكَ الهزيمُ +نطَحتَ الجوَّ فوقَ التلِّ حتى تلامَسَتِ الحِجارةُ والنجوم +فللجبَّارِ منكَ رأيتُ عرشاً عليه النَّسرُ يجثُمُ أو يحوم +عرَفتُكَ في صباي وفي شبابي وأنتَ على مهابَتِكَ المقيم +يُذكِّرنيكَ في أُنسي وكربي ضياءُ الصبحِ والليلُ البهيم +فكم لي من صبوحٍ أو غبوقٍ على دجنٍ وقسُّكَ لي نديم +فأطرَبني قصيفٌ أو وميضٌ تساقطَ بعدهُ غيثٌ عميم +ووجهُ الجوِّ أربَدُ مكفهرٌّ وظهرُ الأرضِ يحجبُهُ السَّديم +وفي آفاقِكَ ازدَحَمت غيومٌ وفي الوادي طغى سَيلٌ عظيم +وكم أشرَفتُ منكَ على هضابٍ وأوديةٍ فقابَلني النسيم +وصحبي الغرُّ يجمَعُهم رواقٌ تُشارفهُ الخمائلُ والكروم +ومرجُ الأقحوانٍ حكى بساطاً تمنَّاهُ سُليمانُ الحكيم +أَيطربُنا من القدَّاس لحنٌ يُردِّدُهُ لنا صوتٌ رخيم +وللناقوسِ والجرسِ المعلَّى رنينٌ والبخورُ لهُ غُيوم +وأغصانُ الزَّنابقِ كالعذارى وعذراءُ القُرى ملكٌ كريم +ففيكَ تقضَّت الأوطارُ شتّى وكنتُ لها أُصلّي أو أصوم +وحبّي كان موعدُهُ المصلَّى وطرفُ حبيبتي ساجٍ سقيم +تكادُ تذوبُ إيماناً وحبّاً كشَمعٍ حولهُ زَهرٌ ضميم +لعمرُكَ كلُّ ذاك أطابَ نفسي بهِ أبداً أفكِّرُ أو أَهيم +مضى زمَنُ الصلاة ونابَ عَنهُ سَلامي أيُّها الديرُ القديم +بكيتُ على حبٍّ مع الحُسنِ ذاهبِ وما أملي إلا كلمعِ الحباحِبِ +وإني إلى الماضي حَنُونٌ لأنهُ تولّى بذاوٍ من فؤادي وذائب +وكلُّ امرئٍ يصبُو إلى زَمنٍ مَضى لِعزَّةِ مَفقودٍ وناءٍ وغائب +فأينَ ملذَّاتي وأَينَ صُبوَّتي وأينَ أحاديثُ اللَّيالي الذَّواهب +مضى ما بهِ علَّلتُ نفسي وما انقَضى وتذكارُهُ كالبرقِ بينَ الغياهب +فمن مات لا يُرجى وما فات لا يُرى خلا القلبُ من أحبابهِ والحبائب +فما أنا إلا كالسَّجينِ الذي يَرى لدى الحاكمِ الباغي مرورَ المواكب +سلامٌ على ماضٍ من العمرِ كان لي كغَفوةِ مُلتاحٍ ونشوةِ شارب +وأنوارِ صبحٍ بين أزهارِ جنَّةٍ وطُهرِ ابتِسامٍ من ثغورِ الكواعب +هو الوقتُ يمضي والأمانيُّ تنطوي وأيامُنا مَوصُولةٌ بالنَّوائب +فتسقطُ أفلاذٌ وتنضُبُ أدمعٌ وكلُّ الورى ما بين ناهٍ وناهب +سَئِمتُ حياتي بين قومي لأنهم أجانِبُ عنّي بالهوى والمناقب +وكيفَ يعيشُ الحرُّ ليثاً وحولهُ ثعالبُ ترجُو الرِّزقَ عندَ الثعالب +فما امتلأت إلا خزينةُ سارقٍ وما قُضيت إلا لُبانةُ كاذب +وذو المالِ في النُّعمى يُصعِّرُ خدَّهُ وذو العلمِ في البؤسى لهُ ذلُّ طالب +فذاك على اللذَّاتِ يُنفِقُ مالهُ وهذا فقيرٌ عندَ أسمى المواهب +لئن كان هذا العلمُ أعرضْ عن الحِجى وإن كان هذا المالُ عُد بالمكاسب +أقلِّي فقَلبُ الصبِّ يَصدَعُهُ الذكرُ ففي الحبِّ طالُ الحزنُ أو قصرَ العمرُ +ألستِ تريني أصفرَ الوجهِ ناحلاً كمن باتَ في الأغلالِ يُسقِمُهُ الأسر +نعم إنَّ لي غلّاً من اليأسِ والهوى وذا وَلدٌ ممّا يوَلِّدُهُ العَصر +أرى العصرَ رملاً فوقهُ الآلُ لامعٌ ولا شجرٌ للظلِّ فيهِ ولا نضر +فكم فتحت حسناءُ ثغراً وذبَّلت جفوناً لتُغريني فما افترَّ لي ثغر +ولما رأت ذاكَ الجمودَ تنفَّسَت وقالت وقلبي في مياهِ الهوى صَخر +ألستَ بإنسانٍ فما الحُسنُ قادراً عَليكَ وما العينانِ حَشوهُما سِحر +وما لكَ إلا سبعُ عشرةَ حجَّةً فقلتُ لها قد شابتِ النفسُ لا الشَّعر +فبينَ ضُلوعي همَّةٌ علويَّةٌ تجيشُ وتغلي مثلما غلتِ القدر +ولم تعلمي ما فيَّ من طمعٍ ومن عواطفَ تحكيها العواصفُ والبَحر +وإني أرى ما لا ترَينَ ولا يرى سوايَ فدُوني لا حِجابٌ ولا سِتر +فقالت نعم هذا صحيحٌ وإنّما أرى سعةً في الحبِّ إن يضقِ الصَّدر +فربَّ سلوّ من حنوّ ونِعمةٍ على بسمةٍ تأتي وقد غلبَ الدَّهر +ألستَ ترى شعري بدرٍّ مُرَصَّعاً كما رصَّعَت سدلَ الدُّجى الأنجُمُ الزهر +وما شفَتي الحمراءُ إلا كوردةٍ عليها من الأسنانِ يَنتَثِرُ القطر +وعينايَ حبّاً فيهما الماءُ واللَّظى فمن مَدمَعي طلٌّ ومن نفسي جمر +فقلتُ وقد هاجت جميعُ جوارحي تعالي إلى صَدري فقد خانني الصَّبر +لئن كان هذا الحبُّ فالعيشُ طيِّبٌ ألا ليتَ هذا الليلَ ليسَ له فجر +ما الموتُ إلا فراقُ الأهلِ والوطَنِ يا ليتني لم أكُن والبينُ لم يكُنِ +كم من حبيبٍ أراني اللِّينَ في حجَرٍ وأيُّ قلبٍ لِدَمع الوَجدِ لم يَلن +أودَعتُهُ نصفَ روحي يومَ ودَّعني والنّصفُ باقٍ معي للهمِّ والحزَن +والأرضُ آسفةٌ والشمسُ كاسفةٌ وبهجةُ الرَّوضِ فيها وحشَةُ الدِّمن +كأنما الكونُ في ثوبِ الحِدادِ بدا لمّا رأى الرُّوحَ تأبى صحبة البدَن +يومَ الوداعِ جَرى دمعي فبرَّدَ مِن حرِّ الجوانحِ بين الحبِّ والشَّجَن +لكنَّهُ غاضَ بعد البُعدِ عن نفَرٍ أفنى على حبِّهم والدمعُ فيهِ فني +كم بتُّ أرجوهُ تعليلاً وتعزيةً فما حصلتُ على دمعي من الزَّمن +الدّهرَ لم يُبقِ لي حبّاً ولا أملاً حتى البكاءَ على الأحزانِ أفقدَني +إنَّ العدوَّ ليَحنُو في البعادِ على عدوِّهِ وكفَتهُ فرقةُ الوَطن +وقد يرقُّ من الجلمودِ أصلبُهُ يومَ الوداعِ لقلبٍ ذائبٍ وَهِن +لا بدَّ للمرءِ من موتٍ ومن سفرٍ وقد تساوى حجابُ الرَّحلِ والكفن +الدَّهرُ فرَّقَ أحباباً فما اجتَمعَوا والرِّيحُ نثَّرَتِ الأوراقَ عن فنن +والطَّيرُ غادَرَ أوكاراً وأفرخَةً فيمَ الحياةُ بلا سُكنى ولا سكن +إنَّ العناقيدَ والقطّافُ ينزَعُها مِثلُ القلوبِ على الأقتابِ والسُّفُن +سَعداً لمن عاشَ بينَ الأهلِ في وطنٍ فراحةُ القَلبِ في الدُّنيا بلا ثمن +هَرَبتِ إلى حجرِ اليَقينِ من الشكِّ ولمّا طغى الطوفانُ سِرتِ على فُلكِ +يعزُّ علينا يا مليحةُ أن نرى جمالَكِ في دَيرٍ يُحَجَّبُ للنّسك +فقَدنا جمالاً منكِ لن نستردَّهُ فكيفَ وقد أعطيتِه اللهَ في صَكّ +رَغبتِ عن الدُّنيا وأنتِ نعيمُها وغيرُكِ تلهُو بالمكائدِ والإفكِ +ولو شِئتِ يا حَسناءُ كُنتِ مليكةً فحسنُكِ هذا للأريكةِ والمُلك +لكِ الخيرُ في الدَّيرِ الذي أنتِ أُنسُهُ وقد كان أولى من خدوركِ بالتَّرك +ففيهِ سَتزدادينَ تقوىً وعِفَّةً كما يخلصُ الإبريزُ بالصَّقلِ والسبك +عفافُكِ بين الناسِ قد فاحَ زنبقاً وفي عَرَصاتِ الدَّيرِ ينفح كالمسك +هنالِكَ لا شرٌّ وغدرٌ وغيرةٌ تَؤولُ بأهلِ العشقِ منا إلى الفَتك +ولم أنسَ يوماً فيه جئتُكِ زائراً فقلتُ ألا هبِّي فقلتِ قفا نبك +سفَكت دَمي لما رَنوتِ بمقلةٍ على ضعفها صارت أشدَّ على السَّفك +ونثّرتِ منها الدمعَ حتى حَسبتُهُ لآلئَ عقدٍ يَنتَثِرنَ عن السّلك +على قربِ داري منكِ ذبتُ صبابةً فكيفَ وقلبي يائسٌ أبداً منك +فهل من مجيبٍ إن أَتيتُ مسائلاً وهل في رواقِ الدَّهرِ مخبرةٌ عنك +دَهاني يا غزالةُ ما دَهاكِ فأنت اليومَ شاكيةٌ لشاكِ +كِلانا شاقهُ وَطنٌ وأهلٌ لعمركِ ما هوايَ سِوى هواك +صبَوتِ إلى الحجازِ وكنتِ فيه مُنَعَّمةً بأغصانِ الأراك +وتُقتُ إلى الشآمِ فطارَ قلبي إلى أيّام أُمَّتي في العراك +أيا عربيةَ الغزلانِ أصغي إِلى عربيِّ فتيانٍ دعاك +لقد هاجَ الدّمُ العربيُّ فينا فبتُّ على عروبَتنا أخاك +رَنوتِ بمقلةٍ كحلاءَ فيها حنانٌ منهُ تعزيةٌ لباك +فلاحَ القَفرُ لي فيها وقيسٌ يلاعبُ فيه أُمَّكِ أو أباك +رأَيتُكِ في شِباكٍ من حديدٍ فعزَّ عليَّ أسرُكِ في نواك +وفي أرضِ الأعاجمِ طالَ أسري فهَل هذا الأسارُ بلا فكاك +وحينَ رَأيتني أَظهرَتِ أُنساً وأُنسي يا غزالةُ أن أراك +ومن شوقٍ مَدَدتِ إليَّ ساقاً دَقيقاً فابتسمتُ على جواك +ولو أني قدرتُ ضَمَمتُ رأساً لطيفاً منكِ أو قبَّلتُ فاك +وقلتُ لكِ اذهبي وارعي الخُزامى هُنالكَ والسَّلامُ على حماك +كيفَ نفسي تستَريحْ بينَ أمواجٍ وريحْ +في رُبَى لبنانَ أهلي وأنا وَحدي أسيح +أيُّها الليلُ لماذا أنتَ بالنَّجمِ شحيح +مِثلما أثقَلتَ قلبي أثقِلِ الجفنَ القريح +بنتَ لبنانَ اذكريني إن تصلّي للمسيح +وأمامَ النجمِ قولي كان ذا حبٍّ صحيح +واذكري ليلَ سمِعنا بلبلَ الحبّ يصيح +دَخَلَ العشَّ وَحيداً فبَكى الإلفَ النَّزيح +صَفرَةُ البُلبُلِ كانت تملأ الجوَّ الفسيح +وكذا صيحةُ قلبي وهو في البُعدِ جريح +بليالٍ همتُ فيها بمحيَّاكِ المليح +وتنشَّقتُ عبيراً من ثناياكِ يفيح +إن أمُت يا ميُّ فابكي واركعي فوقَ الضريح +هل تذكُريني يا مَليحةُ في المسا إذ لا ترينَ سِوى التذكُّر مؤنِسا +والليلُ يمزجُ نورَهُ بظلامهِ كالنَّفسِ مابين السعادةِ والأسى +والرّيحُ تحملُ للربوعِ تحيَّةً منّا ومَركبُنا هنالِكَ قد رسا +والنَّجمُ يرجفُ كالقلوبِ وتحتَهُ بتنا نحنُّ إلى الأحبّةِ هُجَّسا +ويشوقُنا ذيَّالِكَ الوطنُ الذي ملأ القلوبَ تشوُّقاً وتحمُّسا +قد كان فيهِ شبابُنا متفجِّراً من مُهجةٍ للحبِّ كانت مَغرَسا +كم لذَّتِ الشَّكوى وخَصرُكِ في يدي كنزٌ وقد وَقَفَت على شَفَتي عَسى +قد كنتُ في ليلِ الهوى متفرّساً فغدوتُ في ليلِ النوى مُتَلمِّسا +أبكي الشبابَ وتضحَكينَ سعيدةً ما حالُ قلبٍ رقَّ من قلبٍ قسا +يا قلبُ دَع عنكَ الغرامَ فطالما داويتُ جرحاً فيك من لحظ النسا +فمن النَّوى ومن الغرامِ رأيتُ ما لم يُبقِ لي بين الضلوعِ تنفُّسا +إنَّ التجارِبَ صيرَتني عاقلاً متأنِّياً في أمرهِ مُتَحرِّسا +أوَ لا ترى الماءَ الغزيرَ إذا جَرى صارَ الحصى من جانبَيهِ أملسا +نظرتُ إلى ماويّةٍ أطلعت لُبنى وقلتُ لها أين التي رَحلت عنّا +أما كنتِ أُفقاً فيه يطلعُ بَدرُها وما أخَذَت منكِ الجمالَ ولا منا +فأنتِ لتذكارِ الجمالِ جميلةٌ تشُوقينَ قلبي كلّما ذِكرُها عنّا +عليكِ سلامُ الحبِّ من عاشقٍ أتى يُرَدِّدُ شعراً في مقاصيرِها رَنَّا +فمَرآكِ يا مرآةُ يوحِشُ عاشقاً ويَعكسُ بعد الحسنِ بلُّورُكِ الحُزنا +فما فيكِ حسنٌ للحبيبةِ طالعٌ ومرآةُ قلبي لم تزل تُطلعُ الحُسنا +فكم أبرزَت فيكِ الربيعَ حليُّها وحلَّتُها لما اكتسى قدُّها غُصنا +وكم أطلعت بدراً عليكِ ونجمةً وأنتِ سماءٌ تجذبُ الروحَ والذهنا +ربيعي ذوى والنجمُ من فلكى هوى فما حالُ سارٍ حَوله الليلُ قد جنَّا +كِلانا تراءَى في محيّاكِ وجهُهُ ومرآتُها عيني التي تأخذُ المعنى +وَلي بعد حُسنِ الجسمِ حسنُ خيالِها وفي قُربها والبُعدِ أشهدُها مَثنى +ومِرآتُها بحرٌ وأفقٌ إذا رَنت من الشاطئِ الأقصى إلى الشاطئِ الأدنى +سيطلعُ يوماً وجهُها فيكِ فاشهدي على وَقفةِ الولهانِ في الخدرِ والمغنى +كنتُ يا أُمّاهُ أرعى النَّجما وإذا ثغرُكِ فيها ابتسما +فتشوَّقتُ إلى قُبلاتهِ إنها كانت لجرحى بَلسما +وكَذا عَينُكِ فيها سَطَعت فأنارَت من فؤادي ظُلما +ففُؤادي بشعاعٍ عالقٌ خافقٌ مابين أرضٍ وسما +كنتُ وحدي ساهراً في رَوضةٍ وإذا فيها نسيمٌ تمتَما +فتذكَّرتُ غِناءً مُطرباً فوقَ مَهدي وأحاديثَ الحِمى +ذلك الصَّوتُ الذي علَّلني مثل شِعري وشُعوري انسَجما +ولهُ بين ضُلوعي نغمٌ أخرجت من شفتيَّ النغما +ليتَ لي في البعدِ تقبيلَ يدٍ يجلبُ السَّعدَ ويَشفي الألما +إنّ صَرفَ الدّهرِ لا يسمح لي فأنا أشكُو على الماءِ الظلما +فاقبلي من ولدٍ أحبَبتِهِ رَسمَ قلبٍ فوقه الدَّمعُ همى +واذكريهِ إن تُصلي في الدُّجى فله قلبٌ يُحِبُّ النجما +إن أرَ الليلَ البَهيما أفتَحِ الجرحَ القديما +وأُناجي كلَّ روحٍ خَطبُها كان عظيما +صارخاً في عمقِ صَدري جاءَني الذّكرُ أليما +أيُّها الليلُ أعِد لي ذلكَ الصَّوتَ الرخيما +طالما عَلَّلَ نفسي وَجَلا عَنها الهموما +حينَ كنّا نتَشاكى ونَرى الدَّمعَ نُجوما +وأحاديثُ هَوانا في الحِمى رَقَّت نسيما +وأَعِد تذكارَ صَحبٍ بينهم كنتُ زَعيما +كلُّهم كانوا غُصوناً فغدوا ثمَّ هَشيما +إنَّ آمالَ شبابي مثلُهم صارَت رَميما +بَعدَهُم لستُ أُرَجِّي أن أرى قلباً كريما +واهاً وهَل تُجديكَ نفعاً واها ما النَّفسُ واجدةٌ بها سَلواها +جَمَحَت فكان من الجماحِ شقاؤها إياكَ أن تُرخي عنانَ هواها +لا تسألنَّ عن السعادة بعد ما فرَّت فلن تحظى بها وتراها +فلقد حلمتَ بها وما حلمُ الكرى فيه مُنى نفسٍ تعزُّ مناها +فاذرف دموعَكَ علَّ نفسَكَ تشتفي إنّ البكاءَ مبرِّدٌ لجواها +نم يا شقيُّ فإنَّ دَهرَكَ نائمٌ وتأسَّ إن غَلبَ النفوسَ أساها +أوصِد فؤادَكَ ثم بابكَ واندفِن في خلوةٍ تُرخي عليكَ دُجاها +وهنالِكَ اقعُد باكياً متحسِّراً ليصيرَ خدُّكَ لاصقاً بثراها +فعساكَ تشعرُ في الخفاءِ براحةٍ ما كان قلبُكَ ساعةً مأواها +لا تُظهرَن للناسِ ضعفاً إنهم يمشونَ ذؤباناً تقيسُ خُطاها +فلئن يرَوا دمعاتِ حزنِكَ يَضحَكوا مِنها وربُّكَ مُعجَبٌ بصفاها +واصبر تجد عقُبى البلاءِ مفيدةً فالنفسُ نافعةٌ لها بلواها +لعمرُ أبيك ما نفعُ الحياةِ إذا لم يَعلُها شرفُ المماتِ +لقد أفنيتُ في طمعي شبابي وفي وطني لقد أنكرتُ ذاتي +وقد أجرى دُموعي دَمعُ أمٍّ لها قلبٌ حكى خَيطَ الحياة +بكت وَل��اً نأى عنها فأمسى قذيفَ هوى بأقصى المملكات +يذوبُ تشوُّقاً وتذوبُ وجداً وبينهما هديرُ الزّاخِرات +هنا أطوي المُنى وهناكَ أُمِّي إلى القدَّاسِ تذهبُ والصَّلاة +فقلتُ لها ألا يا أمِّ كفِّي فما صَلواتُنا بالنَّافِعات +تقيُّ القومِ مظلومٌ فقيرٌ وكلُّ الخيرِ في أيدي البُغاة +شقاءُ المرءِ تقواهُ فإنّي رأيتُ السَّعدَ عندَ السِّئيات +تَسَلّي في الهمومِ ولا تُصَلّي لعلَّ الصبرَ يأتي بالنَّجاة +لك الفضلُ العظيمُ على وَليدٍ يُكرِّمُ صالحاتِ الأمَّهات +يا ليتني ظَلتُ صبيّاً قاصرا للعدوِ واللّهوِ أفيقُ باكرا +على الطّريقِ لاعباً مُشاجرا وفي الحقولِ والمروجِ طافرا +أو كنت عصفوراً جميلاً طائرا فوق غصونٍ ومياهٍ صافرا +مُستَقبلاً نورَ الصباحِ الباهرا أو بانياً عشّاً وحبّاً ذاخرا +أو كنتُ فلاحاً نشيطاً ناثرا بزراً ليلقى منهُ زَرعاً ناضرا +حتى إذا أرخى الدُّجى ستائرا عادَ إلى البيت ونامَ شاكرا +ما عشتُ لو كنتُ كذاكَ ضاجرا ولم يكن همّي لقلبي ناخرا +لستُ على عيش الخمولِ صابرا وما أنا على الرَّحيل قادرا +أرى حياتي كلَّها خسائرا ولم أكن مقامراً أو تاجرا +وهكذا أمشي كئيباً حائرا كمن أضاعَ في الدُّجى جواهرا +وكل تعسي أن أكون شاعرا +أيُّها الرسمُ تكلَّم فالبيانْ من محيّا ناطقٍ لا مِن لِسانْ +طالما آنستَني في وحشَتي وعنِ القلبِ تشفُّ المُقلتان +حَسَنٌ أنتَ وحسناءُ التي رغَّبتني بكَ عن كلِّ الحِسان +بعدَها أنتَ لقلبي سَلوةٌ ولعيني بهجةٌ مثلُ الجنان +أنتَ منها بعدَ عينٍ أثرٌ وَسطَ أحداقي وأحشائي يُصان +كم قضيتُ الليلَ أرنو مُغرماً وسِراجي وفراشي شاهدان +طالما أرَّقتَني إذ شُقتَني حيثُ طرفي وفؤادي ساهران +روحُها ما انحجبت فيك فمِن نورِها فوقَ المحيّا فيضان +فهي جمرٌ خامدٌ في صورةٍ إنما في العينِ منهُ لمعان +لم يَزَل فيكَ فؤادٌ خافقٌ أبداً أسمَعُ منه الخفقان +وعلى الثغرِ تباشيرُ الهوى وعلى العينينِ آثارُ الحنان +تنامينَ في أثوابك العَطِراتِ كعصفورةٍ نامت على زَهَراتِ +يعزُّ علينا أن تموتي صبيَّةً وفي النفسِ ما فيها من الصَّبوات +ويسكُتُ عودٌ قد شجانا رنينُهُ ويخفُتُ صوتٌ طيِّبُ النغمات +وتُغمَضُ أجفانٌ أنِسنا بلحظِها ويُطبَقُ ثغرٌ جادَ بالبَسمَات +لك اللهُ قد أبقيتِ ذكراً كزهرةٍ سرى عَرفُها من ذابلِ الوَرَقات +سَهرتِ لتلذيذٍ وما لكِ لذَّةٌ وللناسِ كانت لذّةُ السهرات +فنامي هنيئا تحتَ أغصانِ دَوحةٍ تُرَجِّعُ لحناً منكِ في النَّفَحات +ألا خفَّ تربٌ من ضريحكِ مثلما لصوتِكِ خفَّت وطأةُ السأمات +وحيَّتكِ أنفاسُ الصَّبا ونفوسُنا وحيَّاكِ مافي المزنِ من قطَرات +لقد ضمَّ منكِ القبرُ أزهارَ باقةٍ وأوتارَ عودٍ أجرَت العَبرات +كم تصبَّاني رنينُ الجرسِ وأنا تحت ستارِ الغَلسِ +في مصلَّى الديرِ ترجيعُ الصَّدى شاقَ نفسي دونَ كلّ الأنفس +لم تكُن ديِّنةً لكنَّها إن تجد ذا وَحشةٍ تستأنس +ذلكَ الديرُ على هَضَبَتهِ من بقايا الغابرِ المُندرِس +كلَّما عاوَدَني تذكارُهُ مرَّ طيفٌ من صباي المؤنس +قبلَ تنعيمي بهِ زالَ كما بَلَي الثَّوبُ الذي لم يُلبَس +في رواقِ الديرِ طيفي طائفٌ والحنايا حَوله كالحرس +لم يزل فيهِ صبيّاً ضاحكاً يفتحُ الصَّدرَ لطيبِ النفس +كم سقاني خَمرَهُ قسِّيسُهُ فأنا الباكي لكسرِ الأكؤس +في ظلامِ الديرِ أو في ظِلّهِ راحةٌ تُرجى لنفس التَّعِس +توالت ليالي الحبّ وهي سراعُ وما الوَصلُ إلا رؤيةٌ وسماعُ +وكنتُ أُمنِّي النفسَ حتى إذا انقَضَت تَبيَّنَ لي أنَّ الرجاءَ خِداع +أليفَةَ هذي الرُّوحِ قد كان حبُّنا سلاماً وأَمَّا اليومَ فهو وداع +فما أَلمي إِلا بما فيهِ لذَّتي وإنَّ عذابَ المطلِ منك نِزاع +قضى الدَّهرُ أن أحيا شقيّاً مروَّعاً ففي القربِ نفسي والبعادِ تُراع +قِفي زَوِّديني من جمالِكِ ساعةً ففي القلبِ والعينَينِ منهُ شُعاع +وإن تذكُري بعدي مواقف حبِّنا تأكَّدتُ أن العهدَ ليس يُضاع +كما شئتِ كوني إنني لكِ عاشقٌ ولي فيكِ أوطارٌ ومنكِ دِفاع +سأرجِعُ يوماً والهوى في مكانهِ فحبُّكِ حبٌّ ليسَ فيهِ صِراع +ودَمعُكِ في خدَّيَّ منه بلالةٌ وطيبُكِ في كفيَّ منه رداع +يا حاصدَ الزَّرعِ ألقِ الحبلَ والمنجلْ الشمسُ غابت وأستارُ الدُّجى تُسدَلْ +والله باركَ يا فلاحُ ما تعملْ فقل إذا أطرَبتنا طنَّهُ الجرسِ +ما أعظَمَ الكونَ يا ربِّي وما أجمَلْ +حلَّ السكونُ على الغاباتِ والأكمِ والطيرُ عادت الى الأوكارِ والأجمِ +والنَّفسُ تاقت إلى الأحلامِ في الظُّلمِ فارجع الى الكوخِ واجلس بين أولادك +ونم خلياً من الأحزانِ والنَّدَمِ +لو كنتَ تعلمُ ما ألقى من الزَّمنِ وما أُقاسي من الأهوالِ والمحنِ +لكُنتَ تبكي على ناءٍ بلا سَكنِ يشتاقُ لبنانَ والأقدارُ توقفهُ +عن الرّجوعِ فوا شوقي إلى وطني +يا بادعَ الكونِ أجراسُ القرى طنَّت عند الغروبِ فشاقَ الناسَ تمجيدُك +ومَعبدُ الدِّيرِ هزَّتهُ أناشيدُك ونفسُ عبدكَ أنَّت فيهِ أو حنَّت +والريحُ تسري ونشرُ الحقلِ فوّاحُ والنهرُ يهدُرُ والصَفصافُ نوّاحُ +والزَّهر يرمقُ في الأغصانِ كالحدقِ إذا رَنت من سجوفٍ طيبُها ذاكِ +والليلُ ولهانُ في غاباتنا شاكِ يزورُ أهلَ الهوى بالشوق والأرق +والنجمُ يؤنسُ رعياناً ويهديها ونجمَتي الغيمةُ السوداءُ تخفيها +والأمُّ باكيةٌ ترنو إلى الكوكبْ والبحرُ ينثرُ من أمواجهِ زَبَدا +يا ربّ أرجع إليها في النَّوى وَلدا صباهُ كالوَردِ يَذوي والشَّذا يذهبْ +لهُ إلى الدار والأحبابِ حنّاتُ وفي الليالي علىالأمواجِ أنَّاتُ +ما الدارُ إن رَحَلَ الأحبَّةُ دارُ فالقلبُ حيثُ الحبُّ والأوطارُ +والنفسُ في نفسِ الحبيبِ مقرُّها وكذلكَ الأنسامُ والأسحار +والطيرُ يتبعُ إلفهُ وفِراخَهُ ولهُ بكلِّ خميلةٍ أوكار +إنّ القلوبَ هي النجومُ تجاذُباً ولكلِّ قلبٍ كوكبٌ سيّار +وا حَسرتاه على الحبيبةِ إِنها رحلت فغارت بعدها الأنوار +غدَتِ الرياحُ تسوقُها وتسوقني سوقَ الغيومِ ودمعُها مِدرار +لم أنسَ يومَ وداعِها نظراتِها فعلمتُ ما الأشجارُ والأذكار +وإذا القلوبُ تناثرت أزهارُها لا تُشتَهى في رَوضةٍ أزهار +كفى الحرَّ أن يشقى وأن يتألما وأضلاعه في الذل قاطرةٌ دَما +إذا قال لي وغدٌ عليكَ تفَضُّلي أذوبُ حياءً أو أموتُ تندُّما +وما جُرُحُ القلبِ الشريفِ كلقمةٍ إذا نزلت في الحلقِ تُصبحُ عَلقما +وكيفَ يُداري الحرُّ من كلِّ ساعةٍ يقولُ له إني نسيتُ التكرُّما +فدع عنكَ زاداً يأنفُ الضرسُ مضغهُ فقد يحمِدُ العافي مُضيفاً ومنُعما +لقد فسد المعروفُ والمنُّ واقعٌ على منَّةٍ كانت من الموتِ أعظَما +فكم ذُلَّ شهم القوم واحتاجَ ضيغمٌ الى كلبِ سوقٍ كان يجمعُ أعظُما +أذاكَ لظلمٍ أم لعلمٍ وحكمة جهلتُ وكلُّ القول كيف وربّ��ما +فلا قلَّ مالٌ في أكفٍّ سخيَّةٍ رَأيتُ نداها نضرةً وتبسُّما +خيرُ التُّقى رفقُ إنسانٍ بإنسانِ فالكونُ يبسمُ للجاني على العاني +أهلُ المراحمِ أملاكٌ غدوا بشراً كلامُهم مثلُ أنغامٍ وألحانِ +ففي أكفٍّ وأفواهٍ مباركةٍ برءٌ لسقمٍ وسلوانٌ لأحزان +فكم أيادٍ بها الأيدي جَلت مِحَناً فلم تكن غيرَ أثمارٍ لأغصان +إن المريضَ الذي يأسَى الملاكُ لهُ هو الأحقُّ بإسعافٍ وإحسان +يُبكي عليهِ كما يُبكى على رجلٍ مَيتٍ وربةَ أثوابٍ كأكفان +رأيتُ يوماً بمستشفىً أخا دَنفٍ كأنه وثنٌ في بيتِ أوثان +أضناهُ داءٌ عياءٌ هدَّ بنيتَهُ والمرءُ في الداءِ مهدومٌ كبنيان +جفاهُ أهلٌ وأصحابٌ وكان يُرى أخاً وخلّاً لإخوانٍ وخلان +أدنتي لماذا قلتَ شرُّ بلاءِ على المرءِ ذكرُ السَّعدِ يومَ شقاءِ +ذكرتَ نعيمَ الحبِّ في شقوةِ النَّوى ولم ترَ بعدَ اليأسِ نورَ رجاء +على أنَّ لي في شدَّةِ البؤسِ لذَّةً بذكرِ نعيمٍ فيهِ كلُّ عزائي +لذكرى نعيمي في العذابِ عذوبةٌ وبعضُ سروري كان منهُ بُكائي +تشابه حظَّانا على الحبّ والقلى فكيف تباينَّا وداؤكَ دائي +لكلّ امرئٍ أطوارُهُ وشعورُهُ ولكن شقاءُ الأكثرينَ شقائي +يقولُ صديقٌ ليس يعرفُ علَّتي تعزَّ بمن تلقى من التعساء +فقلتُ رُوَيداً ما غريقٌ يهولُهُ حِمامٌ كمُبتَلٍّ بقطرةِ ماء +أرى أبداً قلبي الجريءَ جريحا وجَفني من السّهدِ الطويلِ قريحا +وأهواءُ نفسي عندَ ثورَتِها لها تلاعبُ حيّاتٍ تفحُّ فحيحا +فكم ليلةٍ أَشقى بها وتروعُني كأنَّ عليها مُدنفاً وجريحا +وفي حمرةٍ أو صفرةٍ من نجُومِها مطامعُ مِنها قد غدَوتُ طريحا +وكم يُذبلُ القنديلُ وَجهي وأرتمي على ضوئهِ حتى يصيرَ شحيحا +وجفنايَ مربوطانِ والنومُ مطلقٌ وليلي كحفّارٍ يسدُّ ضريحا +فأضربُ قلبي ساحقاً لرجائهِ وألعَنُ دَهراً لا يزالُ قبيحا +ويَضربُني طيفُ الدُّجى بجناحهِ فأسكتُ رعباً تحتَهُ فيصيحا +يا خاتماً يلمعُ في أصبعي أشرَقتَ كالنجمِ على البلقَعِ +كنتَ لأمي ثم أصبَحتَ لي فإن أمُت في البعدِ تُدفن معي +آنستَني بالذكرِ في وَحشتي وأنتَ في الأصبعِ والأضلُع +خاتمَ أمي أنتَ تعويذةٌ أقوى وأوقى لي من الأدرع +كم مرةً أكسَبتَني قوةً لولاكَ لم أُقدم ولم أشجع +تذكارُها فيكَ هَداني إلى ما فيهِ حفظُ الشَّرَفِ الأرفع +تاللهِ لن تُنزَعَ بعد الرَّدى منِّي وحتى اليومَ لم تُنزع +وعِندَما تَكمَدُّ يا خاتمي أجلوكَ بالتقبيلِ والأدمع +أتضمدُ جرحاً وتمسحُ دمعا وترجو من الدَّهر عوداً وجمعا +وتلكَ الحزينةُ فارقتَها ولم يُجدِ طولُ اغترابكَ نفعا +فوا حَسرتي هل أعودُ وهل أَرى لقيودي الثقيلةِ قَطعا +وأُمّي تُقبِّلُ خدِّي وشَعري وتحنُو عليَّ وتذرفُ دَمعا +فأبكي ودمعي يسيلُ على يديها وأنضرُ بالأصلِ فرعا +فكم شقيَت وشقيتُ وكلٌّ يُكفكِفُ دَمعاً ويسترُ صدعا +فإن يكُ بعد الوداعِ سلامٌ غَفَرتُ لدَهري الاساءَةَ سَبعا +ففي النأي أفقَدني كلَّ شيءٍ وعادَ فعوَّضَ أُمّاً وربعا +لما هوى نجمي تذكَّرتُ الهوى ونشرتُ من ماضي شبابي ما انطوى +فعلمتُ أني جاهلٌ متغفِّلٌ وذرفتُ دمعي في التندُّمِ والجوى +قد كان فقدُ سعادتي بجهالتي والمرءُ يفقدُ في الجهالةِ ما حوى +لولا مطاوعةُ الهوى وتبذُّلي ما كان نجمُ السَّعدِ من فلكي هوى +عَظُمَ العقابُ وما أسأتُ تعمُّداً والهجرُ أعظمُ ما بهِ حكم الهوى +عوّضتُ رؤ��ا نِعمتي من رؤيتي فكأنما الرَّاوي حكايتهُ روى +ورأيتُ آمالي وحبِّي بَعدَها زَهراً تناثرَ في العشيّةِ أو ذوى +إني ذكرتُك في العبابِ المُزبدِ فضحكتُ من هولِ الرّدى المتهدِّدِ +في وَحشَةِ المنفى أنِستُ بنَجمةٍ طلعت كوجهكِ من حنايا المعبد +فعلمتُ أنك تذكرينَ وأنَّني بجمالِ أختِكِ يا مليحةُ أهتَدي +بنتَ الشآمِ عليكِ ألفُ تحيةِ من شاعرٍ متشوَّقٍ مُتسهِّد +أبداً يُغني في الخطوبِ كطائرٍ بين الحبائل والرّدى متغرد +إني لأشعرُ في النَّوى بخسارتي والمرءُ لا يهتمُّ ما لم يفقد +أبصرتُ في المرآةِ وجهي أصفرا فذكرتُ زهراً في الصباح تنثَّرا +لما مَرَرتُ بدارِ لُبنى أنكرَت ما كان من عهد الشباب وما جرى +وتأمَّلتُ وجهي فلاقت عينُها عَيني فأصبحَ دمعُها متحدِّرا +وحنت عليَّ تقولُ ما هذا الضَّنى فلقد عَهدتُكَ غُصنَ وردٍ مُزهِرا +عيناكَ عرَّفتاكَ في نكري إلى قلبٍ بنورِهِما استَدَلَّ وأبصرا +فأجبتُها إنَّ الشعورَ أذابَني والزهرُ قبلَ أوانهِ قد نوَّرا +يا نسيماً من حِمَى أهلي سَرى رَوِّحِ الرُّوحَ ورنَّحْ شجَرا +إن يكن فيكَ سلامٌ لي فعُد بسلامي واروِ عنّي خَبرا +يا رفيقي سِر على مَهلٍ وقِف إنّ دمعي مع شعوري انفَجَرا +وعلى الآثارِ دَعني أنحني فأرى للدَّمعِ فيها أثرا +وأشمَّ الأرضَ أو ألثُمَها فدوائي نفحةٌ من ذا الثَّرى +أنا إنسانٌ أليفٌ ذاكرٌ إنما الإنسانُ من قد ذكرا +هَلّا ثناكِ إليَّ قلبٌ راضِ فأنا قتيلُ الصدِّ والإعراضِ +كم شاقني مرأى الجمالِ فلم تذُق في الليلِ عيني لذّةَ الإغماض +عيناكِ كالبحرِ الذي أبصرتُهُ في ثغر بيروتَ الرَّبيعَ الماضي +إني أسيرُ على السفينةِ باكياً وعليَّ دهري بالتغرُّبِ قاض +وكأن ثغرَكِ في دياجي غربتي برقٌ يشقُّ الليلَ بالإيماض +وكأن ذكرَك في بقيةِ مُهجتي زهرُ الخريفِ على ذبولِ رياض +مَتى حلُم السعادةِ يَضمحِلُّ فمن عمرِ الصبا بقيَ الأقلُّ +أمانيُّ الفتى عند المنايا ودونَ المجدِ أسيافٌ تُسَلُّ +أما راعَتكَ أمواجٌ وبيدٌ أما أضناكَ ترحالٌ وحلُّ +ذوى خدَّاكَ من سهرِ الليالي وجسمُكَ مثلُ مرجٍ فيه محلُ +وجلدُكَ شفَّ سقماً عن ضلوعٍ فؤادُك بينها يهوي ويعلو +تعزَّ بلذَّةِ الموتِ الموافي فإنّكَ فوقَ هَذي الأرضِ ظلٌّ +هو التصويرُ قد مدَّ الظِّلالا على الشمسِ التي احتجبت دَلالا +متى أُبصِر من الحسناءِ رسماً أقُل سبحانَ من خلق الجمالا +تراءت صورةٌ منها كظلٍّ من الغُصنِ الذي بالزَّهرِ مالا +فهذا حسنُها بجمودِ رسمٍ فكيفَ إذا رَنت فرَمت نِبالا +تجمَّعَتِ المحاسنُ في محيّاً يُريني في الهوى السحرَ الحلالا +أنا الحيرانُ فيهِ فلستُ أدري جمالاً كان هذا أم كمالا +شجاني من دُجى ليلي سكونُ تثورُ بهِ الهواجسُ والظنونُ +وكيفَ أصحُّ أو أصحُو وقلبي عليهِ الوحيُ ينزلُ والشجون +ويُطربهُ على الأوتارِ لحنٌ وتُسقمهُ إذا سقمت جفون +وتثنيهِ الغصونُ إذا تثنّت وتحملهُ النسورُ أو السنونو +وإن بسمَ الجمالُ صبا إليه فأصلُ بليّتي القلبُ الحنون +قولي بعيشِ أخيكِ ما تهوينا إني لراضٍ بالذي ترضينا +ما أنتِ ظالمتي بما ألقاه من حبِّي فذا حكمُ الجمالِ علينا +مرَّ الزمانُ على عُهودِ غرامنا فبَلينَ يا حسناءُ بل أُبلينا +فلكم أمرُّ على طلولِ شبيبتي والدَّمعُ يُغرِقُ وجنتي والعينا +والنفسُ في ظُلماتِها لا تهتَدي إلا بنورِ تذكُّرٍ أبقينا +و��ذا التفتُّ إلى الوراءِ حسبتُني شخصينِ أو طيفينِ بانا بينا +إلامَ أذوقُ طعمَ الموتِ حيَّا وطرفُ السعدِ لا يَرنو إليَّا +أفكّرُ حائراً وأذوبُ وَجداً ورأسي غائصٌ في راحتيّا +ولو أني قدرتُ لكنتُ أبكي وأُغرِقُ بالمدامعِ مُقلتيا +ففي الدمعاتِ لي فرجٌ يسيرٌ وهذا الدّهرُ ضنَّ بهِ عليا +ذكرتُ أحبَّتي والموجُ دوني وبعد الكدِّ أُسقِطَ في يديا +وذاتُ الطهرِ تبكي أو تصلِّي وتلطمُ خدَّها تحتَ الثريا +يا طائراً في الدوحِ ناحْ مهلاً فما هذا النواحْ +أإلى هنا مِثلي أنا قَذَفتكَ هبّات الرياح +أيكونُ مبسوطَ الجناح كمثلِ مقصوصِ الجناح +يُهنئكَ أنّكَ طائرٌ متنقِّلٌ عندَ الصباح +فتطيرُ من غصنِ الى غصنٍ عليهِ الزهرُ فاح +تولّى شبابي والشبابُ هو الشرخُ ولم يكُ لي من طيبه النفحُ والضمخُ +ذوى الحبُّ في قلبي لعشرينَ حجةً فقلتُ حزيناً ماتَ في عشهِ الفرخ +سأحفظ عهدَ الأهلِ والدارِ في النَّوى وليسَ لهذا العهدِ شرطٌ ولا فسخ +أنا عربيٌّ يعشقُ الشامَ موطناً وقد تتصبّاهُ الرّصافةُ والكرخ +فكم نسخت حبَّ المنازلِ غربةٌ ولكنَّ هذا الحبِّ ليس لهُ نسخ +وقفتُ على قبرِ الحبيبِ مسلِّما فأطرَبني طيرٌ عليهِ ترنَّما +فقلتُ له هَل أنتَ بالموتِ ساخرٌ وقد جئتُ أجثو باكياً مترحِّما +تُغنِّي وأبكي أيها الطيرُ فاعتبر بدارِ سكونٍ فوقها الحزنُ خيَّما +فجاوَبَني هذي تحيّةُ عابرٍ تُحرِّكُ أغصاناً ولحداً وأعظُما +بُكاؤك هذا كان صدقاً ورحمةً وكان غنائي للعزاءِ تبسُّما +يا جنَّةً قد رُكِّبت على فَننْ هَل أنتِ إلا فتنةٌ فوقَ فِتَنْ +لولاكِ ما استَولى على قلبي الحزن فطالما جاء القبيحُ من حَسَن +لي نِغمٌ منكِ ولي منك محن وليس للقلبِ سكونُ من سكن +وهكذا ما بينَ مَنفى ووطن قد ذهبَ العمرُ كحلمٍ في الوسن +والحسنُ والحبُّ ضياعٌ في الزمن +في الشَّامِ أشتاقُ عيشاً طيباً بهجا فالقلبُ فيهِ مع الأثمارِ قد نضَجا +جنيتُ من زَهرهِ والنفسُ مزهرةٌ فلم أزل من يدي أستنشِقُ الأرجا +ذكرُ الصِّبا والصَّبا في الليلِ أرّقني فبتُّ أُوقِدُ في ظلمائهِ سُرُجا +وا حسرتاهُ على النائي الغريبِ وقد أمسى حزيناً بما لاقاهُ مُبتَهِجا +عيادةُ ذاتِ اللطفٍ نحسبُها فرضا فما هي إلا نجمةٌ زارتِ الأرضا +على جهدِ ما نلقى أتينا نعودُها ونأملُ منها أن تُعيدَ لنا القرضا +يعزُّ علينا أن نراها مريضةً ولو أكثرت من حبِّها بيننا المرضى +وَددنا لو أن السقمَ فينا جميعُهُ وكانت معافاةً فذاكَ بهِ ترضى +أكُلَّما البرقُ في الدُّجى لمعا شاقَ فؤاداً إلى الحِمى نزَعا +ذاك فؤادٌ رَقّت عواطِفُهُ ما زالَ بالشَّرقِ هائماً ولِعا +يَصبو وَيَهفو لَكن بلا أملٍ تاللهِ ما كانَ أَقبَحَ الطمعا +كم طائرٍ إلفُهُ عليهِ بكى وكم غريبٍ نأى وما رجِعا +ألا مَن لقلبٍ كثيرِ العِللْ كثيرِ الشعورِ كثيرِ الوَجَلْ +بماذا يُعالَجُ مَن داؤهُ عياءٌ وإن طالَ داءٌ قتل +فما هو إلا إناءٌ كسيرٌ وفيهِ العواطِفُ زَهرٌ ذَبَل +أقولُ وغيري يُحِبُّ الحياةَ إلامَ الحياةُ إلامَ الأمل +أطيبُ العمرِ تولَّى لا تقُل بعدُ لعلا +وإذا مرَّ شبابٌ لا ترُم حبّاً وَوَصلا +بعد صيفٍ وربيعٍ لن ترى نضراً وظلا +ليسَ للوقتِ وقوفٌ إن تَقُل ياوقتُ مهلا +يا طائراً يَبكي على وكرٍ من الفرخِ خلا +نثرتَ قلبي مثلما نثرتَ قشّاً في الفلا +يا ليتَ لي إِلفاً لكي أسلو وأبني مَنزلا +وا حسرتي في غربتي لم يبقَ لي إلفٌ ولا +ودَّعَتني عندَ السفينِ أصيلا وهي تبكي وتنشرُ المنديلا +وعلى الوجهِ صفرةٌ ظلَّ منها في جبيني ما أشبَهَ القنديلا +ثم مدَّت يمينَها فأرَتني زنبقاً فاحَ في الغياضِ بليلا +فتزوّدتُ قُبلةً من يمينٍ علّمَتني أن أُكثِرَ التقبيلا +رسمُ المليحةِ مكرمٌ مني فيهِ رأيتُ محاسنَ الفنِّ +وعرفتُ روحاً كلُّها طربٌ هيّامةٌ بالمجدِ والحسنِ +في المقلتينِ بدت مزخرفةً أحلامُها كزخارفِ الجنّ +وعلى المحيّا رَفرَفَت فحكت عصفورةً وَلهى على غصن +سلامٌ عليكِ صباحَ مساء فقد كنتِ من فُضلياتِ النساء +لقلبي وعينيَّ منكِ هُدَى ورَسمُكِ منهُ لجرحي إساء +هذهِ صورةُ أُمي في السقام فلها منّي صلاةٌ وسلام +بمحيّاها اهتدائي مثلما يهتَدي بالنَّجمِ سارٍ في الظلام +على صورتي قد لاحَ صدقُ ودادي ورُوحي بها كالجمرِ تحتَ رمادِ +وإنّ الذي للذكرِ يحفظُ صورتي له صورةٌ في مُقلتي وفؤادي +هذه صورةُ من يَهوى الجمالا وبشعرٍ خالدٍ يُعطي الكمالا +إن يكُن شيءٌ بشيءٍ فابعثي بدلاً من رسمهِ الباقي خيالا +الشعرُ تُصبيه أوتارُ المغنّينا ليملأ الكونَ ترنيماً وتلحينا +إن المغنينَ أحبابي فلي طربٌ لكلِّ صوتٍ رخيمٍ زادني لينا +الناسُ بالشعرِ قد صاروا ملائكةً والأرضُ جناتُ عَدنٍ بالمغنّينا +تلكَ المحاسنُ ما زالت دليلتَنا حتى بلغنا الكمالَ المحضَ تحسينا +من عالمِ الوَحي والتنزيل قد هبطت فهي التي منهُ تدنينا فتعلينا +ألقت على عالمٍ أدنى زخارِفَها فمثّلت عالماً أعلى يناجينا +القبحُ والألمُ انتابا طبيعتنا فاشتاقتِ الشعرَ تزييناً وتسكينا +واستَخرَجت منه أصواتاً طبيعتنا لها أراجيح خفّت من تلاحينا +الروحُ تخرجُ أرواحاً على نغمٍ والصوت يُسمَع أصواتاً تشاكينا +أوتارُنا مثّلت أوطارَنا طرَباً فمظهرُ الروحِ منّا في أغانينا +أيها العصفورُ قُل لي أتُغنِّي أم تصلّي +هذهِ تغريدةٌ قد طيّرت قلبي وعَقلي +رَجِّعَنها لحزينٍ يَرتجي منكَ التسلِّي +أنتَ بالإنشادِ فوقي إن تكن بالنَّظمِ مثلي +زادكَ اللهُ جمالاً في التغنِّي والتفلّي +أعطِني وزناً جديداً لم يَكُن للشعر قبلي +ما أجملَ التغريدَ والطيرانا والحبُّ يفتحُ مقلةً وجنانا +فأنا السجينةُ والطيورُ طليقةٌ تتعهَّدُ الأوكارَ والأغصانا +الحبُّ هذَّبني فقلبي شيّق يتعشَّقُ الأنوارَ والألحانا +إني أحنُّ إلى أليفٍ صَوتُهُ ما زالَ بينَ أضالِعي وَنّانا +لا يَقُل أحمقُ النساءُ بلاءُ هنَّ واللهِ رحمةٌ وعزاءُ +من فؤادي لكلِّ أُنثى نصيبٌ فهو عرشٌ عزَّت عليهِ النساء +إذ أضاعَ الجنَّاتِ آدمُ جَهلاً خَفَّفَت عنهُ همَّهُ حواء +وعلى الخطةِ التي رَسَماها يتمشَّى البناتُ والأبناء +برقَ الأنسُ في تبسُّمِ أُنثى منهُ سعدٌ وقوةٌ ورجاء +حبُّها نعمةٌ لنا وَلدَيها تتَساوى السرَّاءُ والضرّاء +كملاكٍ في الارضِ حلّت وجلّت والمحيّا فيهِ السَّنى والسناء +فطيوبُ الحياةِ في شَفَتيها ما لقلبٍ عن حبِّها استِغناء +فهو روضٌ من حبِّها وهي ماءٌ وهو طيرٌ يحومُ وهي الهواء +جمَّةٌ في الحياةِ أدواءُ كلٍّ ولكلِّ الأدواءِ منها دواء +هي مثلُ النسيمِ والماءِ لطفاً وصفاءً وفي حِماها السماء +وجهُها عن أشعةِ الشمسِ يُغني وسطَ مَغنىً فيهِ الظلامُ ضياء +عبد الأقدمونَ منها مثالاً وبها قد تغزَّل الشعراء +ليستِ المرأةُ الضعيفة عندي إن��ا نحن في الهوى الضعفاء +كم جَثَونا ذلّاً على قدميها وبكينا وَجداً ولذَّ البكاء +في هواها يهونُ كلُّ عزيزٍ ويذلُّ الملوكُ والأمراء +ويضلُّ الرهبانُ إن طرقتهم في صلاةٍ ويجهلُ الحكماء +أيها المدَّعونَ بُغضَ نساءٍ كم عليكم تسلّطت حسناء +فأقلُّوا من الملامِ وذلّوا فلديهنَّ يضعفُ الأقوياء +هُنَّ أوفى في الحبِّ منكم وأقوى لا تقولوا منهنَّ قلَّ الوفاء +وفسادُ النساءِ منكم فلولا غدرُكم دامَ للجمالِ الحياء +أنصِفوا المرأة التي خُنتُموها فهي في الخدرِ نجمةٌ زهراء +وهي سلطانةٌ تُدَبِّرُ مُلكاً وهي ليلى في الشعرِ والخنساء +وهي أختٌ تحنُو وأمُّ تصلِّي وهي زوجٌ من نسلِها الأنبياء +أيوحشُكِ الملهى ويؤنِسُكِ الرَّمسُ غريبةُ دارٍ أنتِ أيتها النفسُ +أتيتِ إلى الدُّنيا على غيرِ أهبةٍ ولم ترجعي إلا كما انقلَعَ الضرس +فحيَّرني منكِ التراوحُ في الهوى وأنتِ على شكٍّ يطولُ بهِ الهجس +فلا منزلٌ ترضينَهُ بعد منزلٍ قريبٍ بعيدٍ عنكِ مأتمُهُ عرس +ولم تذكُري ما قبلُ من طولِ غربةٍ ولم تعلمي ما بعدُ فاقتادكِ اللبس +تعَسَّفتِ في ليلٍ من الشكِّ دامسٍ ولا بدَّ من أن يطلعَ الصبحُ والشمس +تقولينَ لي ما الأرضُ دارُ إقامةٍ ولكن داري تلكَ وحشتها أُنس +سأرحلُ عن جسمٍ أنا منهُ كالشَّذا من الزهر يَبقى بعدَ أن يذبُلَ الغَرس +رحيلُكِ هذا هَجعَةٌ أبديةٌ أم اليقظةُ الكُبرى التي بَدؤها الرمس +أيا نفسُ أنتِ السرُّ والسرُّ غامضٌ كخطِّ كتابٍ فوقَهُ اندَلقَ النقس +تردَّدتِ بينَ الخيرِ والشرِّ في الهوى فمنكِ لكِ النُّعمى ومنكِ لكِ البؤس +وما كنتِ إلا اثنينِ في جسمِ واحدٍ وهذا له قلبٌ وذاكَ له رأس +أأنتِ أنا أم لست مني فإنني أرى اثنينِ في جسمي حديثُهما هَمس +وبينهما في الأمرِ طالَ تحيُّري فيدفعُني جرسٌ ويمنعني جرس +سلاحُهما ماضٍ وقاضٍ هواهُما ولا درعَ لي عندَ العراكِ ولا ترس +أبعدَ الرَّدى هل أنتِ ذاهبةٌ سُدى كما انهرَقت خمرٌ بها انكسَرَت كأس +فيا حبّذا هذا وقد قالَ هكذا كثيرون لكن قولهم كلُّه يأس +فعودي بإيمانٍ يكن لكِ موطنٌ وإلا انتهى في الحفرةِ السّ‍عدُ والنحس +ولا جنةٌ تُرجى ولا نارُ تُختشى فَأَنسَى وأُنسَى والوجودُ هو التعس +أموتُ وأحيا كلَّ يومٍ أفي الثَّرى كما في الكرَى إن غبتُ فارقنى الحسُّ +هنيئاً لمن في القبرِ يرقدُ آمناً هنالِكَ يَشفى الداءُ أو يطهرُ الرِّجس +حياةُ الناسِ تقتيرٌ وحرصُ لعمرُ الحقِّ إن العيشَ نغصُ +فهذا مُتخمٌ شرَهاً وهذا خميصُ البطنِ يهربُ منه قرص +بشربِ الخمرِ يهنأُ ذو يسارٍ وبالماءِ الفقيرُ غدا يغص +خُلاصةُ عَيشِنا أكلٌ وشربٌ وللجوعانِ والشبعانِ مَغص +ورزقُ الوحشِ والأطيارِ يأتي بلا كدٍّ ورزقُ المرءِ قَنص +فلا كان الوجودُ لمثلِ هذا وللأعراضِ والآدابِ رخص +فهل للخلقِ عدلٌ أو كمالٌ وفي تكوينهِ ظلمٌ ونقص +وفي الوكرِ الرفيع يبيتُ نسرٌ وفي النَّفقِ الوضيع يغيبُ درص +وما هذا الوجودُ سوى التِباسٍ وهذا اللبسُ لا يجلوهُ محص +يهارشُ بعضنا بعضاً لشيءٍ حقيرٍ والقبورُ بنا ترصُّ +وعندَ المهدِ تعزيةٌ ودمعٌ وفوقَ اللحدِ تهنئةٌ ورقص +فقل ما أحقر الإنسانَ خَلقاً وخُلقاً والوَرَى كَلَبٌ وحرص +ولولا الضعفُ لم يظفر قويٌّ يُغذِّيهِ من الضعفاءِ مصٌّ +فأولُ ما يكونُ السيلُ قطرٌ وأولُ ما تكونُ النارُ بصُّ +وقدرُ المرءِ عندَ ضياعِ مالٍ كقيمةِ حاتمٍ إن ضاعَ فَصُّ +وما الحرمانُ إلا مِن حفاظٍ على شرفٍ وأغنى الناسِ لصُّ +فكم كلبٍ ينامُ على الحَشايا وكم أسدٍ له ربطٌ وقفص +فهذا الكونُ ظاهرُهُ صلاحٌ وباطنهُ فسادٌ لا يُقَصُّ +فأشبه دميةً ظهرت رخاماً لمن يَرنو إليها وهي جصُّ +فلا يخدَعكَ لينٌ أو جمالٌ فإن اللطفَ والتجميلَ شِصُّ +أُحاولُ عزلةً لأعيشَ وَحدي وكيفَ العيشُ والدنيا مقصُّ +حتّامَ تعشقُ عاجاً تحتَ ديباجِ بعد التلمُّسِ للدّيباجِ والعاجِ +إياكَ والغبنُ فالألوانُ كاذبةٌ هذي تجارةُ نحّاتٍ ونسّاج +من الطواويسِ حسنُ الريشِ أعجبنا وأزعجَ الصوتُ منها أي إزعاج +فللظواهرِ حسنٌ كاذبٌ سَمِجٌ وللبواطن حسنٌ صادقٌ شاج +والحسنُ أضحى متاعاً يُشترى فلكم أرى الحرائرَ أزواجاً لأعلاج +كم غادةٍ برزت في السوقِ فاتنةً حتى إذا عريت من وَشي ديباج +أنفتُ منها وقد زالت ملاحتُها مع ثوبها وغدت قطناً لحلاج +فبتُّ أرجو خلاصاً والشرابُ غدا منها سراباً وقلبي ضيِّقٌ داج +وبعدَ حلمي بجنّاتٍ مزخرفةٍ حاولتُ في سِجنِها تعجيلَ إفراج +قد زالَ ما كان من نهدِ ومن كَفَلٍ فما ظفرتُ بخفَّاقٍ ورَجراج +إن المحاسنَ حاجاتٌ مموَّهةٌ إن زال زخرفُها لم تقضِ من حاج +دَعِ الخلاعةَ لا تركب سفينتَها إن الزوابعَ شّتى فوقَ أمواج +وفي الزواجِ أمورٌ لو فَطِنتَ لها ما قلت سعداً لأولادٍ وأزواج +تحتَ السكونِ هياجٌ فيه عاصفةٌ فلا تَغُرَّنكَ خُودٌ طرفُها ساج +لكنَّ في الكونِ أسراراً تُسيِّرُنا وقد خُلِقنا لتأويبٍ وإدلاج +قد يغلبُ القَدَرُ المحتومُ مقدرةً فيسقطُ الرأسُ بين العرشِ والتاج +وقد يكونُ الغِنى من صدفةٍ عرضت والفقرُ ما بين إِلجامٍ وإسراج +للفأل كالشؤمِ إضرارٌ بصاحبهِ فاملُك هواكَ لإفساحٍ وإحراج +وامشِ الهويناء لا يأسٌ ولا طمعٌ وكُن حكيماً فلا مُطْرٍ ولا هاج +أجبني أيها الكونُ الصَّمُوتُ وذَكِّرني فإنّي قد نسيتُ +وعن باريكَ حَدِّثني قليلاً فبالمكتوبِ عنهُ ما هديتُ +على التوراةِ والانجيلِ أُغفي وفي القرآنِ تُضجرُني النعوتُ +وفي الكتبِ الثلاثةِ فكَّهَتني حكاياتٌ تلَذُّ ولا تقيت +وكلٌّ يدَّعي وحياً وصدقاً ونحنُ لأجلِ وَهمٍ نستميت +فموسى كيفَ شقَّ البحرَ حتى أجازَ بقومهِ والمنُّ قوت +وعيسى كيفَ ماتَ وقامَ حيّاً كيونسَ عندما ألقاهُ حوت +حديثُ خرافةٍ في الدينِ يُروى وقد عَمِيَ الأنامُ وما عميت +أيبني المرءُ في الدنيا ويقني كما نسجت بيوتاً عنكبوت +وبعدَ الموتِ يدخلُ في التلاشي وليسَ لهُ مصيرٌ أو مبيت +أمِ العُقبى ثوابٌ أو عقابٌ لها بُنيَت سجونٌ أو بيوت +وصوتُ اللهِ يومَ الدينِ يَعلو وللأصواتِ حَوليهِ خفوت +ففي الغبراءِ ذو وَرَعٍ وتَقوى يلذُّ لهُ التنسُّكُ والقنوت +وذو كفرٍ مَشى مرحاً عليها وآيتُهُ يضرُّ ولا يفوت +فأيّهما المصيبُ ولا دليلٌ على هذا وذاكَ ولا ثبوت +فكلِّمنا كما كلَّمتَ مُوسى وعيسى أيها المُحيي المميت +وإلا ضلَّ كلُّ الناس شكاً فحتّامَ التَّسَتُّرُ والسكوت +ونحن الحائرونَ وليسَ نَدري أنحيا بعدَ موتٍ أم نموت +رأيتُ الناسَ في السيرِ الحثيثِ يقيسونَ القديمَ على الحديثِ +فإن حادَثتَهم بالخيرِ ملُّوا فأقصِر ما استطعتَ عن الحديث +فما ردَّ الثغاءُ نيوبَ ذئبٍ وما عفَّ السمينُ عن الغثيث +فخُذهم مِثلما جاؤوا وشاؤوا ولا تطمع بتجديدِ الرثيث +لقد أشفوا وأعيوا كلَّ نُطسٍ فَخَف من ذلكَ الداءِ ا��لبيث +ولذَّ لهم فسادٌ كان منهم كسمٍّ من أراقِمِهم نفيث +فلا تُجدي الإغاثةُ منكَ نفعاً وما لكَ في بلائكَ من مُغيث +على تفاحةٍ أُكِلت فسوقاً وفحشاً لعنةُ الولدِ الوريث +فلا كانت ولا كانوا جميعاً وهذا النسلُ من لوطٍ وشيث +وكيفَ تطيبُ من غصنٍ ثمارٌ وذاكَ الغصنُ من أصلٍ خبيث +أبالتفاحِ يَغدوُ الناسُ هَلكى وغَرقى في اللهيبِ وفي الغيوث +وتحرمُ تينةٌ ويحلُّ عيثٌ بجناتٍ من الشجرِ الملوث +فلا حملت بطونُ الشرِّ نسلاً ولا درَّ الحليبُ من الرغوث +زواجُ الناسِ أكثَرُهُ فجورٌ فلا تعجب لنسلٍ كاللويث +وراقِب غيرَ مُكترثٍ بُغاةً عُتاةً يضحكونَ مِنَ الكريث +وسِر في الميثِ فرداً مُطمئنّاً فإنَّ التَّهلكاتِ على الوعوث +ولا تسمع صياحاً أو نواحاً فكم شَقيَ المغيثُ بمستغيث +رأيتُ الناسَ ليثاً أو حماراً فكن بين الحميرِ من الليوث +إلامَ تعالجُ الأُسدُ القيودا وهذا العصرُ قد رفع القرودا +فكم أصبَحتُ أرسُفُ في قيودي فقطَّعت السلاسلَ والقيودا +وفي الأرزاءِ قد جرَّدتُ عزمي حساماً يفلقُ الخطبَ الشديدا +خبرتُ الناسَ حتى بتُّ أخشى لفرطِ اللؤمِ أن أغدو وَحيدا +فصرتُ أرى الفتى لسدادِ رأيي رديءَ الخلقِ أصلاً أو حميدا +لقد غلبَ التَّطَبُّعُ من طباعٍ فتربيةُ المربِّي لن تُفيدا +يُحَسِّنُ صَقلُنا ذَهباً ودرّاً وليس يُغَيِّرُ الصَّقلُ الحديدا +بكيتُ على الصداقةِ من صديقٍ يظلُّ وفاؤه أبداً وُعُودا +وحقَّرتُ الهوى العذريَّ لما رأيتُ حبيبتي تُبدي صُدودا +وقد ملَّكتُها قلباً كريماً ومني قد رأت بالنفسِ جودا +وفي غَيظي سعيتُ إلى رِضاها فكانَ جزاءُ إحساني الجحودا +تراها ليسَ تذكرُ حين بِتنا أُقبِّلُ وجنةً منها وجيدا +وأذرفُ أصدقَ الدمعاتِ حتى غَدَت في جيدِها الباهي عُقودا +ونحوَ الشَّرقِ ليلَ مَدَدتُ كفي أُجدِّدُ في محبَّتِها العهودا +وقد فعلت كذا مِثلي وكانت نُجومُ الليلِ تَرقُبنا شهودا +كذاكَ الغانياتُ عَشِقنَ طَيشاً من الدنيا الذي يَبدُو جديدا +شجاني ظلامُ الليلِ والبرقُ يومضُ وكنتُ إذا نامَ الخَليّونَ أنهضُ +وأنشرُ من ماضيَّ درجاً طَوَيتُه فَيَعرُضُ لي طيفٌ وآخرُ يُعرِض +أُحبُّ من الظلماءِ إرخاءَ سِترِها عليَّ وأفكاري عليهِ تُنضنض +وإن أُلقِ رأسي مُتعَباً متقلباً سمعتُ عروقي في التفكُّرِ تنبض +فأرّقني عرقٌ من الصدغِ نابضٌ كأن جَواداً في المخدَّةِ يركض +حشايَ كنارٍ يُصطلى بلهيبها وهَل تبردُ الأحشاءُ والرأسُ يرمض +وما أنا إلا عابرٌ متفرّجٌ وما الكونُ إلا مسرحٌ لي ومعرض +وللشرّ أحزابٌ وللخيرِ عصبةٌ وهذا غدا ينهَى وذاك يحرّض +وما المرءُ إلا عاملٌ بطباعهِ فلم يرعَ ما بالدينِ والشَّرعِ يفرض +صحائفُ أهلِ الدينِ والشَّرعِ رثَّةٌ غشاها غُبارُ الغشِّ والفارُ يقرض +إذا الناسُ أعماهم تعصُّبُهم لما يُحبُّونَهُ فالهالكُ المتعرّض +فبالكونِ والإنسانِ والحبّ والتقى أشكُّ وليسَ الشكُّ بالشكّ يُدحض +إذا زرتُ في فصلِ الخريفِ خميلةً تُصَفِّقُها هوجُ الرياحِ وتنفض +رأيتُ بقايا النضرِ بينَ غصونِها حشاشةَ مُضنىً في ضلوعٍ تُقَضقِض +فأرجِعُ منها موحشاً وتشوقُني رياضٌ موشاةٌ وموجٌ مفضَّض +أحب اخضراراً وازدهاراً وإِنما يُريني زماني ما أعافُ وأُبغِض +أهذا الشعرُ يصلحُ للبقاءِ وفيهِ كلُّ أعراضِ الفناءِ +وفي نظمِ المدائحِ والمراثي رأيتُ الشعرَ مرآةَ الرياء +وتلكَ صناعةٌ لا خيرَ فيها فقد خمدت بها نارُ الذكاء +وقيَّدَتِ القرائحَ في سجونٍ فضاقت في الضياءِ وفي الفضاء +وعاقَتها عن الطيرانِ دَهراً ففضَّلت الترابَ على السماء +أيا شعراءَ هذا العصرِ مَهلاً وزهداً في المديحِ وفي الرثاء +فماذا تَرتَجونَ إذا مدحتُم أُناساً عندهم قطعُ الرجاء +عَذَرتُ الأقدمينَ وقد أضاعوا مواهبَهم لتحصيل الثراء +فلولا المالُ مانَظَم القوافي تميميٌّ وكِندِيٌّ وطائي +ولكن شعرهم قد جاءَ جَزلاً متيناً مثلَ مرصوصِ البناء +وشعرُ اليومِ مُبتَذَلٌ ركيكٌ يقابَلُ باحتقارٍ وازدراء +فذاكَ الشعرُ زهرٌ في غصونٍ وهذا الشعرُ زهرٌ في إناء +فهلا تسلكونَ بهِ سبيلاً جديداً بعدَ نقلٍ واحتِذاء +أخذتُ الشعرَ بكراً من شعوري ومن حُسنِ الطبيعةِ والغناء +فبتُّ وقد رَأَيتُ الشعرَ وحياً أرى الشعراءَ مثلَ الأنبياء +حَذارِ حذارِ من شرّ القمارِ على ديباجةٍ ذاتِ اخضرار +إليها حدَّقت حدقٌ تلظَّت بتَوهيجِ اللجَينِ أو النضار +وحَوليها القلوبُ تكادُ تهوي لما تخشاهُ من نقطِ كبار +وقد قبضت أكفُّ بارتجافٍ على وَرقٍ مع الأقدارِ جار +هناكَ ذبولُ أجفانٍ ووجهٍ عليهِ الموتُ منفوضُ الغُبار +وفي العينينِ نيرانُ احمِرارٍ وفي الخدَّينِ أنوارُ اصفِرار +فكلُّ مقامرٍ يحكي أَثيماً لِحكمِ الموتِ أصبَحَ في انتظار +يَرى الجلادَ مُنتَصِباً لدَيه وفي يدهِ حُسامُ العدلِ عار +رَأيتُ البؤسَ في الدنيا اضطراراً وبؤسُ القامرينَ على اختيار +فآونةً تراهم في سكوتٍ عميقٍ مثلَ أشباحٍ سوار +وأخرى في صياحٍ واضطرابٍ وتجديفٍ وقذفةِ كلّ عار +وهذا ضاحكٌ جذلاً لربحٍ وذلكَ يشتكي طولَ انكِسار +يسبُّ ويلعنُ الورقاتِ سخطاً ويرميها فتسقطُ كالشرار +لقد فقدوا الشعورَ فلا تراهم بليلٍ يشعرونَ ولا نهار +لئن أبصَرتهم قتلى ومَوتى فلا ترحم مجانينَ القمار +فُؤادي شِهابٌ والشعورُ ضياءُ وكلُّ فؤادٍ مَطلعٌ وسماءُ +وشِعري له أقسى القلوبِ تَليَّنت فمِن صَخرَةِ الوادي تَفَجَّرَ ماء +سأسمعهُ في الخافقينِ كأنّما من الملإ الأعلى يرنُّ نداء +فتُنشِدُهُ الأملاكُ والناسُ مُطرباً وترديدُهُ في العالمينَ غِناء +تغنَّيتُ في شِعري لأني نظمتُهُ ومنّي ابتِسامٌ في الهوى وبُكاء +فطَوراً لهُ يفتَرُّ ثغرٌ وتارةً تسيلُ عَليهِ أدمُعٌ ودِماء +فما لقديمِ الشّعرِ واللهِ رَونقٌ لدَيهِ فعنهُ قَصَّرَ القُدَماء +ولكنَّهُ بين الأعاجِمِ ضائعٌ فليسَ لهُ وَسطَ الخمولِ بهاء +فيا حبّذا بغدادُ دارَ خلافةٍ ويا حبَّذا القوادُ والخلفاء +إذا لتَلاقى الشّعرُ والمجدُ حَيثُما تَصاحَبَتِ الأبطالُ والشعراء +لعمرُكَ أَصلُ المجدِ والشعرِ واحدٌ كما اشتُقَّ من يَعلُو على وعلاء +فقل لامرئِ القيسِ الذي ماتَ يائساً أرى الشعرَ عرشاً صانهُ الأُمراء +عليكَ سلامٌ من خليفتِكَ الذي سَيرفعُ مُلكاً حطَّهُ الورثاء +بَينا يسيرُ الفَتى جَذلانَ مُغتَبطا تلقاهُ كالطيرِ في الأشراكِ مُختَبطا +جاءَت منيَّتُهُ من حيثُ مُنيَتُهُ فبئسَ ما اشتاقَ من حَبٍّ وما التَقطا +كم عادَ مُستَخزياً من كان مُحتكماً وانصاعَ مُنقَبضاً ما كان مُنبسِطا +لا خيرَ في العيشِ والأقدارُ ضائعةٌ والخيرُ والشرُّ في الدنيا قد اختلطا +هي المطامعُ تُشِقي الناسَ موديةً بهم ولا يتركون اللغطَ والغلطا +ماذا تؤمِّلُ منهم وَسطَ مَفسدةٍ شطّوا عن الحقِّ حتى آلفوا الشَّططا +فهم وما خلتُهُ صدقاً ومكرمةً إلى فسادٍ وذو الإصلاحِ قد قنطا +فاستَعبَدَ البعضُ بعضاً في قساوتِهم ولم تُقَل عثرةٌ من تاعسٍ سقطا +واستَنبَطَ العبدُ معبوداً لذلّتِهِ وضعفهِ وغدا بالدِّين مُرتبطا +فقل لهُ إن شكا ضعفاً ومظلمةً رَبطتَ نفسكَ فاقطع هذه الربطا +الدِّينُ ما زالَ عَوناً للقويِّ على حِكمِ الضعيفِ الذي في جَهلهِ خَبَطا +لولاهُ لم ينعقد تاجٌ على بشرٍ من حيث يهبطُ جروُ الكلبِ قد هَبطا +رُويدَكَ لا تأسف ولا تتَنَدَّمِ إذا أنكرَ الجُهَّالُ فَضلَ المعلِّمِ +أرى الدهرَ قد ساوى جهولاً وعالماً وما نالَ أهلُ العِلمِ أيسَرَ مَغنم +وما كان سعدُ المرءِ من بَطنِ مصحفٍ ولكنَّ كلَّ السعدِ من وَجهِ دِرهَم +إذا لم يكن بدٌّ من الموتِ لا تكن سِوى مُقدمٍ بينَ الوَرَى مُتقَدِّم +ولا تخشَ عسراً في النضالِ وعَثرَةً فما النَّصرُ إلا للفتى المُتَقَحِّم +تقَحَّم غِمارَ المجدِ فالموتُ واحدٌ وإن تلقَ وجهاً عابساً فتَبَسَّم +تجلَّد على ضعفٍ لتكسبَ قوَّةً فقد يُفلتُ العصفورُ من أسر قَشعَم +وأبقِ لكلِّ الناسِ ذِكراً مردداً كنفخةِ صورٍ وَسطَ جيشٍ عرمرم +فمن لم يدع ذكراً يمُت كبهيمةٍ فلا فضلَ للإنسانِ باللحمِ والدم +فعامٌ على عزٍّ أحبُّ إلىَّ مِن ثمانينَ أقضيها ولستُ بمكرم +وما المرءُ إلا عابرٌ متنقِّلٌ يمرُّ كطيفٍ في المنامِ مسلِّم +فدع أثراً للناسِ في كلِّ مَوقِفٍ ففي أكلِ تفّاحٍ أتى ذِكرُ آدم +يا مَن تُلطّخُ بالمدادِ ولاثا بيضَ الصَّحائفِ عابثاً عيَّاثا +ليسَ اليراعُ لهذه الكفِّ التي تشتاقُ ظِلفَ الثَّورِ والمِحراثا +هَلا ارتدَعتَ عن الكتابةِ بعد ما ساوَيتَ فيها خاتماً ورعاثا +وغَدَوتَ جهلاً مُغرباً لا مُعرباً ولبستَ أثوابَ البيانِ رِثاثا +السحرُ في حسنِ البيانِ وإنما هذا البيانُ رأيتَهُ أضغاثا +أنا ناصحٌ لكَ فانتَصِح وارجع إلى ما أنتَ مولودٌ له حثحاثا +لم تعرفِ الأقلامُ كفَّ أبيكَ في حقلٍ وما كانت لهُ ميراثا +إنّ الكتابةَ حرفةٌ قتَّالةٌ فتحت لأربابِ النُّهى أجداثا +وأنا الغيورُ على البيانِ لأنهُ روضٌ وفيهِ أخو الجهالةِ عاثا +لولا احتقاري للدَّعيِّ المدَّعي وهو الذي جعلَ الذكورَ إناثا +لكسرتُ أقلامي ودستُ صحائفي حنقاً وطلَّقتُ الدواةَ ثلاثا +إنَّ السعادةَ وَعدٌ دونَ إنجازِ لا تَطمَعَنَّ على كدٍّ بإحرازِ +هل تُثبتَنَّ على أمواجها قدماً وأنتَ ما بينَ خفَّاقٍ وهزَّاز +تَصبو إليها ولكن إن ظَفَرت بها أعرَضتَ عَنها وهانت بعد إعزاز +كذا المليحةُ في الأسواقِ خاطرةٌ تُغري الرجالَ بألحاظٍ وأعجاز +لكن إذا خَلعَت أثوابها وَبَدت عريانةً قُلتَ غَرَّتني بإبزاز +قد زالَ ما كان من نهدٍ ومن كفَلٍ تلكَ المحاسِنُ من دكَّانِ بزّاز +ما شَحمُها وَرَمٌ لكنَّهُ خِرَقٌ والكفُّ ناعمةٌ من جلدِ قفَّاز +كذا القباحةُ تخفَى تحتَ زَخرَفةٍ فقابِلَنها بمشراطٍ ومِخراز +وكُن حكيماُ قويّاً في إرادتِهِ لا عاجزاً وَكِلاً يَمشي بإيعاز +ألا تَرى الطيرَ أصنافاً وأضعفُها صَيدٌ لأقدَرِها والفوزُ للبازي +والأرضُ تحملُ محكوماً ومُحتَكِماً وما استوى فوقَها المغزوُّ والغازي +أسيِّدَتي لماذا كلُّ هذا وأنتِ عَقيلةٌ وَجَدَت ملاذا +وحَولكِ صِبيةٌ علجوا وكهلٌ كساكِ لجهلهِ خزّاً ولاذا +فكم من بيعةٍ صَلَّيتِ فيها وأنتِ خليعةٌ تبغي الملاذا +ورِدفُكِ مائجٌ مدّاً وجَزراً ودِرعُكِ شدَّ خَصرَكِ فاستَعاذا +وعَينُكِ مهرةٌ جَمحَت وشذَّت فصارت عادةً تهوى الشواذا +ولاحَ السَّاقُ تحتَ الذَّيلِ يُغري بما فيهِ الغَويُّ رَأى اللذاذا +شقيتِ وما اشتَفَيت وكلُّ وبلٍ من الشهواتِ قد أمسى رَذاذا +أسيدتي التقيّةُ أنتِ زوجٌ وأمُّ فالغرامُ إذا لماذا +على الطُّرقاتِ أظهَرتِ احتِشاماً وتحتَ السِّترِ منكِ الفحشُ عاذا +فلا تتَرفَّعي عن ساقطاتٍ رياءً إنَّ هذا مِثلُ هذا +أرَى علمَنا والمدّعُون بنوهُ فأرفُضُ ما قالوه أو كتبوهُ +هو العِلمُ دَعوى بينَهم وغوايةٌ فمن كثُرَت صَيحاتُه سَمِعوه +لقد غلظت آذانُهُم وقلوبُهُم فما اقتَنَعوا إلا بما زعموه +وذاكَ لأنَّ الوَهَم غَشَّى عقولهم فهل يرفعُ السترَ الذي سَدَلوه +فيا ليتَ قومي يُبصِرونَ وليتَهم إذا أبصروا نورَ الهُدَى اتَّبَعوه +فلا فضلَ إلا للقديمِ لأنه قديمٌ وهذا مبدأٌ وَرثوه +سَيَسطع في جوِّ الحقيقةِ كوكبٌ ينيرُ سبيلاً مُظلِماً سَلكوه +ألا يا أخا الصدقِ الذي أستَعينُهُ تَحدِّث عن الفضلِ الذي جَحَدوه +وقُل إننا كالفرقَدَين فأنتَ لي أخٌ صادقٌ يحنو عليهِ أخوه +وُجُودُ الفَتى غِشٌّ وَعيشَتُهُ غِشُّ فأفضَلُ من هذا الوَرى الطيرُ والوحشُ +وأفضَلُ من قصرٍ يُشادُ بمَرمَرٍ وِجارٌ على أمنٍ من الشَّرِّ أو عشُّ +فمَن لا يَغُشّ الناسَ يُحرَم نوالهم وأموالهم والعِشبُ من حَولهِ قشُّ +فكيفَ يعيشُ الحرُّ غيرَ مخادعٍ وأصحابُهُ كالقطنِ يبسطُهُم نفشُ +كَرِهتُ حياةً صعبةً واحتقَرتُها وأوَّلُها مَهدٌ وآخرُها نعش +فمن رحمٍ دفعٌ وبلعٌ من الثَّرى وهذا لهُ طَمرٌ وذاك لهُ نبش +فأكلٌ وشربٌ ثم نومُ بهيمةٍ حياةُ فتى يُمحى كما مُحيَ النَّقش +فأحقِر بمولودٍ أتى من قذارةٍ وأحقِر بمدفونٍ على راسهِ رَفش +وكيفَ يكونُ المرءُ للهِ صورةً وهذا نتاجُ البطن مصدرُه الفحش +أدَمعُكَ لا يُكفكَفُ أو يغيضُ وقلبُكَ في الهوى أبداً مَهيضُ +فحتَّامَ التجمُّلُ في التَّجنِّي وهذا الطَّرفُ مطروفٌ غَضيض +فدَعها واسلُ حبّاً فيهِ ذلٌّ أبعدَ النَّجمِ مَنزِلُكَ الحضيض +إذا حدَّثتُ بالسلوانِ نفسي تعرَّضَ لي طويلٌ أو عريض +وإن طاوَعتُها طمِعَت بضعفي وإن خالفتُها فأنا عَضيض +ففي أنيابها سمٌّ زُعافٌ وفي أثوابها رَوضٌ أَريض +فكيفَ أردُّ قلبي عن هَواها وكفِّي شاقَها جسمٌ بضيض +فلستُ بغالبٍ طبعي عَليها وللشهواتِ نارٌ أو وَميض +عداني السّقمُ من خَلقٍ وخُلقٍ فكلُّ مَريئةٍ وَلَدٌ مريض +لكَ الويلُ يا قلبي فذُب أو تصَدَّعِ كفاكَ عذاباً بينَ حبٍّ ومَطمَعِ +سَئمتُ من الأيامِ وهيَ قصيرةٌ فكيفَ إذا طالت وطالَ توجُّعي +وأعرَضتُ عن دُنيا نفضتُ غُبارَها وباتَ عزائي من قنوطِ المودِّع +وقلتُ لسلمى لن ترُوحي وتغتَدي بقلبٍ رفيعٍ في النُّهى مترفِّع +نصَبتِ لنا في المُقلتَينِ حبالةً وخلَّفِتنا صَرعى بأهولِ مَصرَع +لحاظُكِ أسيافٌ تجَرَّدُ للرَّدَى ولفظُكِ سمٌّ في فؤادٍ ومَسمَع +فسمُّكِ لا يُؤذي طبيباً مجرَّباً وسيفُكِ يَنبو عن شجاعٍ مدرَّع +سأخلصُ من أسرِ الغرامِ وقَيدِهِ وألعنُ منهُ ما فقَدتُ وما معي +فسيري جزاكِ اللهُ خيراً لأنني خلعتُكِ من أُذني وعَيني وأضلعي +من أينَ للكوكبِ السيّارِ أن يقِفا وأينَ راحةُ قلبٍ بالعلى شُغِفا +ولا يموتُ فتى حرٌّ لهُ أرَبٌ في المجدِ حتى ينالَ المجدَ أو طرفا +إن يُجحَدِ اليومَ إحسانٌ له فغداً يُثنى عليهِ ويأتي الدَّهرُ مُعترفا +ما العيشُ والناسُ قد صاروا سواسيةً فلا ترى رجلاً لا يدَّعي الشرفا +وللكريم افتِقارٌ من مكارِمهِ حيث اللئيمُ غدا للمالِ مُغترفا +فكم شكا فاقةً من كان في سعةٍ وكم مَشى مترفاً من آلفَ الشظفا +ماذا أقولُ وهذا الكونُ تدفعُهُ أسرارُ غَيبٍ لديها العقلُ قد وقفا +عليكَ بالخيرِ تُحمد خير عاقبةٍ فكن إليهِ ولو آذاكَ مُنصَرفا +بلاغةُ الشعرِ إنشادٌ وإطرابُ وأفصَحُ النّطقِ والتعبيرِ إعرابُ +قد كان أطربنا للشعرِ أعربنا إنَّ للسانَ لهُ روحٌ وأعصاب +وأعذَبُ الشعرِ إن مَحَّضتَ أصدَقُهُ ضلَّ الذي قالَ عَذبُ الشعرِ كذّاب +هو الممثّلُ للأرواحِ صابيةً إلى رؤىً دوَنها سترٌ وحجَّاب +لكنَّ من خَفِيَت عنه حقيقتُهُ يقولُ ذاكَ مغالاةٌ وإطناب +زهدتُ في الشعرِ يأتيني مساهلةً ولا يلذُّ سوى ما فيهِ أتعاب +أو جئتُ أجعلهُ شغلاً أهيمُ بهِ لم يبقَ حبرٌ وأقلامُ وكتَّاب +بعد الثلاثينَ لا نَظمٌ ولا غَزَلٌ وقد أعودُ فإن الطَّبعَ غلّاب +قَلبي كنَجمي قد أنارَ أو التظى حتّى غدا مُتَظلّماً مُتَلمِّظا +فرأيتُ جسمي ذائباً من حرِّهِ وكأنهُ شمعٌ يذوبُ على اللظى +إنّ البيانَ مُقصِّرٌ عن خَفقِهِ فأبى اللسانُ لِذاكَ أن يتلفَّظا +فإذا لفظتُ ففلذةً لا لفظةً إني أضنُّ بفلذةٍ أن تُلفظا +ليتي حفظتُ شعورَهُ كوديعةٍ فيهِ فإنَّ عهودَهُ لن تُحفَظا +فلكم فتحتُ كنوزَهُ فأضاعها قومٌ غدوتُ لجهلِهم مُتحفِّظا +من غفوةِ الجهّالِ كانت يقظتي يا صاحبي لا توقظِ المستيقظا +فلقد تراني غافلاً في يقظةٍ ولقد أُرى في غفلةٍ مُتيقِّظا +تَصبَّتكَ الأساوِرُ والسّموطُ وشاقَتكَ المجاسِدُ والمروطُ +فهذا الحسنُ من حِللٍ وحليٍ وهذا الوجهُ يسترُهُ الحنوط +فتحتَ الثوبِ ذبتُ إليكِ شوقاً وعند العري أرجَعَني القنوطُ +فأُسقِطَ في يدي غبناً وأَنَّى يتوبُ فتًى يلذُّ لهُ السقوط +وكيفَ يطيبُ لي في الحبّ عيشٌ ومَسعى الحبِّ آخرُهُ الحبوط +أراكِ تُصَعِّرينَ الخدَّ كِبراً وفي عينيكِ شيطانٌ يَسُوط +رَويدَكِ بعدَ ما عرَّتكِ كفّي ولا تتَكبَّري فأبوكِ لوط +أنذَرتُ ذا مالٍ أسنَّ وشاخا وإلى المعاصي قد زَجا وأناخا +فلقد ترى حلمَ الشيوخِ من الفَتَى وتراهُ إن نطَقَ السفاهُ أصاخا +وعذرتُ خلّاً قد سقاني خَلَّهُ وأرادَ حينَ الضعفِ أن نتآخى +حتى إذا آنستُ منه قوةً أمسَت حبالُ ودادهِ تتراخى +ما الأرضُ إلا للقويِّ المتَّقَى فالنَّسرُ يُردي الألف والأفراخا +والقصرُ يشمخُ للسحائبِ ناطحاً ويودُّ أن يتلقَّفَ الأكواخا +نظَمتُ ولم أطمَع بحسنِ الجوائزِ ولكنَّ لي في الشعرِ إكليل فائزِ +فلستُ بهجَّاء ولستُ بمادحٍ وما أنا غيرُ الهازئِ المتجاوز +لعمرُك إن الشعرَ فيَّ غريزةٌ وما شعرُ غيري من نتاجِ الغرائز +تعشَّقتُ أعكانَ العذارى تلطَّفاً وأعرضتُ فيهِ عن غضونِ العجائز +أرى منهُ جنّاتٍ دوانٍ قطوفُها وغيري يَرَى منهُ رِمالَ المفاوز +سأصبحُ في ميدانِهِ البطلَ الذي يصول ولا من صائلٍ أو مبارز +مَن لي سواكَ إذا تحكَّم ضيقُ إن الكريمَ على الكريمِ شفوقُ +إني عَهدتُكَ بالعِدى مترفّقاً أو لستَ ترفَقُ بي وأنتَ صديقُ +وإذا الزمانُ عليَّ قسَّى قلبَهُ ما رَاعَني والقلبُ منكَ رقيق +إن الكريمَ لهُ على أمثالهِ حقُّ الإخاءِ فلي عليكَ حقوق +هذا القليلُ من الكلامِ وإنهُ يحوي الكثيرَ وما بهِ تلفيقُ +والحرُّ يدعوهُ الضميرُ إلى النَّدى ماذا تقولُ وفِعلُكَ التَّصديق +فؤادُكَ درٌّ والقلوبُ زجاجُ وليسَ لهذا عندَ تِلكَ رَواجُ +فلا تمزجنَّ الخلَّ بالخمرِ راغباً بإصلاحهِ إنَّ الفسادَ مزاج +فعندَ علاجِ الناسِ تقضي بدائهم فذلكَ داءٌ ما شفاهُ عِلاج +فحتَّامَ تَشقى بالسعادةِ طامعاً ونفسُك في ليلِ الجحودِ سِراج +تعزّ فيوماً ما سيتضبُ زَيتُها ويسكنُ فكرٌ في الثَّرى وهياج +قالت أتسخو إذا الكريمُ سَخا فقلتُ في حالِ شدَّةٍ ورخا +قالت لماذا قَسَّيتَ قلبكَ لي فقلتُ إبليسُ فيهِ قد نفخا +مَسَختُ حبِّي للحبِّ محتقراً إذ كلُّ شيء كالحبِّ قد مُسِخا +والحسنُ كالدرِّ فوقَ مَزبلةٍ مَن يَلتَقِط منهُ يَلمُس الوَسَخا +إلا قليلاً يَربى على شرفٍ ما كلُّ بنٍّ يَزكو كبنِّ مخا +حلٌّ لِدَعدَ الروحُ والكيسُ وحبُّها غشٌّ وتَدليسُ +إن تقترف ذنباً تقل أذنَبَت قديّسةٌ قَبلي وقدّيس +أو تعترف يوماً لقسيسها عَلَّمَها الحيلةَ قسيس +يقولُ إن أخطأ مستخزياً جرَّبني الملعونُ إبليس +وإنما إبليسُ في جلدِهِ أو ثوبه فهو له خيس +عوَّضتِ منكِ من الإيناسِ إيحاشا حاشا لمثلكِ إن تَنسى الهوى حاشا +أليسَ عندكِ من شعري ومن سَمَري ما يُنعِشُ الروحَ بالتذكارِ إنعاشا +رغبتُ بالحسنِ حتى قلتُ من شَغَفي لولاهُ ما فازَ إنسانٌ ولا عاشا +لكنَّ صدقَ اختباري فيه زَهَّدني وكلُّ سهمٍ من العينينِ قد طاشا +ساءت ظُنوني بأملاكٍ مُطَهّرةٍ إذ تعشقُ الخودُ نخَّاساً وفرّاشا +أليسَ يعيشُ إلا مَن يَروغُ وما للحرِّ من أُرَبٍ بلوغُ +أيُثري مَن سَقَى خمراً وسمّاً وللصُلَّاحِ ماءٌ لا يَسوغ +وكم مِن جَوهَريٍّ أفقرَتهُ صياغتُهُ وحدّادٍ يصوغ +لئن كانَ الثراءُ من الأحاظي فلا كان التفوُّقُ والنبوغ +كفرتُ وقد رأيتُ البطلَ شرعاً وما للحقِّ في الدنيا بزوغ +هلِ اللهُ يَرضى أن يذلَّ فتىً مثلي فما نافعي عَقلي ولا مُسعِدي فضلي +ولما رأيتُ الجهلَ يُسعِدُ أهلَهُ تمنَّيتُ يأساً أن أعودَ إلى الجهلِ +لقد أظلمت نفسي لفرطِ ضيائها كما تقبحُ العينانِ من كثرةِ الكحل +لكِ البؤسُ يا دنيا إلامَ تُرينني لئيماً على عزٍّ وشهماً على ذلّ +فيُرفعُ ذو جَهلٍ ويوضعُ ذو حجىً ويُحرَمُ ذو جودٍ ويُوهَبُ ذو بخل +أما أرجوهُ نفسي تختشيهِ وما أهواهُ ألقى الموتَ فيهِ +فما أدنى الأمانَ من المنايا وما أدنى الكريمَ من الكريه +فسادُ الناسِ يأتي من صلاحٍ فكم خيرٍ أضرَّ بفاعليه +وإن الدِّينَ تُفسِدُهُ رُعاةٌ وإنَّ الشَّرعَ يُفسَدُ بالفقيه +عذرتُ الناس حيث اللؤمُ طبعٌ ولي صبرُ الحَليمِ على السفيه +أرى المرءَ يُولَدُ للنعمةِ وبالجهلِ مجلبةُ الشَقوةِ +وما اللهُ والناسُ ظلّامُنا ولكنَّها قلُّةُ الخبرة +فلا قلبَ إلا وفيهِ هوى ولا رأسَ خالٍ من الحكمة +ولا دولةٌ لِذَوي فتنةٍ ولا فطنةٌ لذوي بطنة +قلبي وقلبُكَ في المحبَّةٍ واحدُ وأنا الذي يَرضى وأنتَ الحاقد +ليسَ اللسانُ على الصداقةِ شاهداً إن القلوبَ على القلوبِ شَواهد +لا تفقدنَّ صداقةً بل كن لها مُتفقِّداً فلكَم بَكاها الفاقد +واحمد مقالَ الحاسدينَ فطالما عاشَ الودادُ بهِ وماتَ الحاسد +لولا الكتابةُ كان العِلمُ مُندثرا فالخطُّ يَنظُمُ في الأوراقِ ما انتَثرا +وصورةُ النَّفسِ ما قد سالَ من قلمٍ فالعاثرُ الجِدِّ من في طِرسِهِ عَثرا +فكُن مُقِلّاً مُجيداً في صِناعتهِ ما يُعجِبُ الناسَ يبقى قلَّ أو كثُرا +الكفُّ تُعطي خلوداً وهي فانيةٌ لا يحفظُ الدَّهرُ إلا الذِّكرَ والأثرا +هذا الفؤادُ مِنَ الهوى فرغا ولطالما كالسَّيلِ فيه طَغى +ما كان أَتعسَهُ بخائنةٍ منها الحفاظَ على العهودِ بغَى +قالت أتهجرُني فقلتُ لها الصلُّ بينَ الزهرِ قد لدَغا +فعلى جبينِكِ دَمغَةٌ وعلى شَفتَيكِ أنفاسُ الذي دَمَغا +تعشَّقتُ أجفاناً وقبَّلتُ أصداغا وكنتُ كظَبيٍ ظَبيةً مِثلَه ناغى +لقد جاءَ في الأمثالِ راغَ كثَعلبٍ فماذا أقولُ اليومَ والظَّبيُ قد راغا +هوَ الحسنُ ماءٌ آجنٌ راقَ مَنظراً ولكنَّهُ للشربِ والغَسلِ ما ساغا +ولما خَبِرتُ الغانياتِ تملُّقاً رَجعتُ وقولي من أحبَّ فقد زاغا +سَلوتُ بقَطعِ الأملْ وجرحُ هَواكِ اندَمَلْ +فما فيكِ إلا الذي يعافُ غدا أو يُمَلّ +وما أنتِ أهلٌ لأن تذُوقي ألذَّ القُبَل +فلا كان ذاكَ الهوى ولا كان هذا المَلل +أبى الحبُّ إلا أن يُذَلَّ بنوهُ وفي جَهلِهم ذمُّوهُ أو مَدَحوهُ +فجاؤوا بشكواهم وقالوا مَشُورَةً ونصحاً فإن حَدَّثتَ ليسَ نفوه +فقلتُ لهم ما كنتُ للناسِ تابعاً لأني الذي إن قادَهم تبعوه +وما كان حبِّي فوقَ عَقلي وهمَّتي ولكنَّه في قَبضتي فخذوه +لم تبكِ عَينايَ من أُحِبْ لكنَّها النفسُ تَنتَحِبْ +في النَّعمِ ضلَّت فما دَرَت أيّاً على البؤسِ تصطَحِب +فاستُكرِهَت بعدَ حلمِها ما كنت في الجهل أستَحِب +يا صاحبي الساهر دونَ الورى قُربي إلى عَيني عادَ الكَرى +نفَّرهُ حبُّ التي حسنُها كان الثريِّا فغدا في الثَّرى +إذا أتاني طيفُها قَلْ لهُ وقُل له أن يَرجعَ القَهقَرى +إلامَ العيشُ إحجامٌ وطيشُ وعيشُ الجِدّ والإقدامِ عيشُ +فقد تُحيي حياةُ الفردِ شعباً ويظفرُ من نُهى القوّادِ جيش +وَرُبُّ عشيرةٍ شرفت بشخصٍ كما بمحمدٍ شرفت قريش +عَجِبتُ للدينِ كم فيهِ الوَرى بَحَثوا والبعضُ قد آمنوا والبعضُ قد عَبثوا +زادوا الجهالةَ جهلاً والعمى عَمَهاً وفوقَ سمٍّ قديمٍ سمَّهم نَفثوا +حَذارِ طعاماً باتَ بالسمِّ مَطبوخا ألم ترَ مِنهُ ذا الشراهةِ مَنفوخا +ثلاثةُ أرباعِ الوَرى هَرئت فلا تُعالج وباءً كان من عَهدِ أحنوخا +أُطيعُ قلبي وأعصي في الهوى جَسَدي ما عِفَّةُ المرءِ إلا قوةُ الجلدِ +النفسُ شهوى وفي إمساكِ شَهوَتِها باسُ الشجاعِ الذي يَسطو على الأسد +إذا قصَّرَ الحُسَّادُ عن عَمَلِ الجِدِّ تشَفَّوا بأقوالٍ تشِفُّ عَنِ الحِقدِ +سَتُكسِبُهُم علماً مناظَرَتي لهم كما أكسَبَت طيباً مجاورةُ الوَرد +يسير الشرُّ شوطاً بعدَ شوطِ فلا تأخُذ محبّيهِ بحَوطِ +لقد أعيا الهوى ديناً وشرعاً فما إصلاحُهُم إِلا بسوط +بعدَ التنغُّصِ بينَ الهمَّ والألمِ لم يبقَ للنَّفسِ إلا لذَّةُ العَدَمِ +حدوثُها كان حدثاناً وما عَلمت من الحداثةِ جاءَت أم من القِدَم +أيا هِندُ الهوى أصلُ البلاءِ فَصِفِّينُ انتَهَت في كَربلاءِ +كسَقطِ الزِّندِ لحظُكِ في فؤادي وتلميذٌ أنا لأبي العلاء +ومن ليلِ امرئِ القيسِ استمدَّت ذوائبَ تحتَها شِعرُ البهاء +وخدُّك صانهُ النعمانُ زهراً تولَّت رَيَّهُ ماءُ السماء +بملكِ الرُّومِ غانيةً عروبا وملكِ الفرسِ غازيةً غلوبا +تولّى أزدَشيرُ وقد رآها بألفِ سُمَيذَعٍ تجلو الخطوبا +وفرَّ هِرَقلُ يَبكي الشامَ لما بأجنادينِ باشرتِ الحروبا +اذا ابتَسَمت على همِّي وغمِّي أرى المأمونَ يجتازُ الدروبا +فدَى العربيةِ الفُصحى اللغاتُ إذا نطَقَت من العربِ البناتُ +وفيهنَّ الخصالُ من اللواتي طلعنَ من المضاربِ والضفات +لهنَّ أَعدَّتِ الزبّاءُ عرشاً فعزَّ بهنَّ دجلةُ والفرات +وشيَّدنَ القصورَ على ضفافٍ وهنَّ المحسناتُ المحصنات +كذا مِن إرثِهِ حُرمَ الوريثُ وظالمهُ يُعربدُ أو يعيثُ +لقد خفَّ القطينُ ولا قطينٌ لدارٍ رَبعُها خالٍ رثيث +بشعبي قد نَبَت أرضي فأمسى طريداً يستغيثُ ولا مُغيث +إلامَ ينامُ أو يمشي رُوَيداً وسَيرُ الناسِ حَوليهِ حثيث +أترشقُني وبيتُكَ مِن زجاجِ وبيتُ المجدِ من دُرٍّ وعاجِ +وقومي دوَّخوا روماً وفرساً وتركاً ثم آبوا بالخراج +وأندلسُ الجميلةُ عمَّروها فأطلعتِ الكواكبَ في الدياجي +وفيها من بني زهرٍ ورشدٍ وعبَّادٍ وصيدِ بني سراج +أبنتَ الرومِ في أعلى الصروحِ سَلوتُ هواكِ واندملت جروحي +عن العربيِّ قد أعرَضتِ جهلاً فما أذعَنتِ للحقّ الصريح +وذاك لأن جنسَكِ غيرُ جنسي وعزُّ المرءِ بالنسب الصحيح +سأخلعُ حلَّةً ألبَستِنِيها فكانت مثلَ حلةِ ذي القروح +أمِن قَفَصٍ الى شركٍ وفخِّ فكم إلفٍ بلا إلفٍ وفرخِ +ودارُ الأهلِ موحشةٌ وفيها نفختُ فلم يكن في النار نفخي +إلى عربيةٍ ظَعَنَت حنيني وبينَ رصافةٍ قلبي وكرخ +ثوَت في أصهفانَ وفي بُخارى وفي دِلهي وقرطبةِ وبلخ +أعنترَ قُم ويا عَمرو الزّبيدي معَ ابنِ العاصِ سِر وابن الوليد +ويا ابنَ زيادٍ الْحقْ بابن سعدٍ وجُز بحراً إلى الفَتحِ البعيد +ويا حجاجُ أخمد كلَّ فوضى وأهلِك كلَّ جبّارٍ عنيد +دَعوتُ لقلّةِ الأحياء موتى لتَشتَقَّ الحياةُ من الخلود +لماذا أسبلت دمعاً لِماذا وزهرُ الخدِّ لا يَهوَى الرذاذا +رأتني طالعاً يوماُ فقالت لتُربَيها الفتى العربيُّ هذا +أيا قلبُ الثلاثُ شَهرنَ حرباً وما لكَ طاقةٌ فاطلب ملاذا +وإلا مُت على أملٍ شهيداً يَرى في الموتِ مجداً أو لذاذا +متى ألقى الغَواني والعذَارَى ملائكةً يُزَحزِحنَ السِّتارا +وهنَّ ذواتُ آدابٍ وعِلمٍ لهديِ الناسِ يحملنَ الشّعارا +وفي وطنِ العروبة كلُّ أمٍّ تُهَذِّبُ صبيةً وتزينُ دارا +وتُبرِزُ للورى رجلاً عظيماً بهِ تختالُ أمتُهُ افتِخارا +أقولُ لها إذا الطربُ استفزَّا كفى بالذكرِ والآثارِ عِزَّا +رأيتُ المجدَ ثوباً غيرَ بالٍ ويُبلي الدهرُ ديباجاً وخزّا +أنا ملكٌ وقلبي فيهِ عرشٌ وأشعاري تهزّ العرشَ هزّا +على بؤسٍ حوى شرَفاً وكبراً فما حسدَ العزيزَ ولا المُعِزّا +قوامُكِ من رِماحِ أبي فراسِ وثغرُكِ من كؤوسِ أبي نؤاسِ +وطرفُكِ أشبهَ السفاحَ لما طلعتِ عليَّ سوداءَ اللباس +أَحظُّ بني أميَّةَ منهُ حظِّي وقلبي في الهوى صَعبُ المِراس +سأرجعُ في هواكِ إلى طِباعي فهذا الحبُّ شذَّ عن القياس +أنارت في المنابرِ والعروشِ وسارت في المواكبِ والجيوشِ +وشيَّدتِ القصورَ على هَواها وهامت بالزخارفِ والنقوش +وفي الزهراءِ والحمراءِ جرَّت ذيولاً نَسجُها من عَهدِ كوش +وجنّاتُ العريفِ إذا اسبكرَّت تلوحُ على محيَّاها البشوش +حِماها دَونَهُ الأسَدُ الرهيصُ ومثلي ليسَ يُقنِعهُ الرخيصُ +ونفسي شاقها خِدرٌ حصينٌ كما قد شاقها مَعنى عويص +فلمَّا أعرَضت ومشَت رويداً وقالت دُوننا رجلٌ حريص +رَدَدت يَدي ولم آخذ بثأرٍ لمن في مصرَ قُدَّ لهُ قميص +حَنَت ليلى على الصبِّ المريضِ فحالَ جريضُهُ دونَ القريضِ +دُعيتُ حَليلَها وأنا وَليدٌ ففي أطرافِها عِلمُ العروض +أرى غمدانَ من صنعاءَ يبدو لدَى تجريدِ مُعتِدِلٍ بضيض +ومَعنى سيبوَيهِ يفوحُ منها إذا حيَّتكَ عن حمرٍ وبيض +صحيفةُ وجهها إنجيلُ رهطِ عَليهِ لابنِ مُقلةَ حسنُ خطِّ +وفيها من ملامِحها دليلٌ على استعرابِ أنباطٍ وقبطِ +تُريني الأُفقَ يطلعُ من قناعٍ وتخفي الأرضَ في درعٍ ومرط +فأرصدُ من محيَّاها نجوماً وأقرأ فيهِ ترجمةَ المجسطي +حنيني بينَ أجلافٍ غلاظِ إلى أهلِ المروءةِ والحفاظِ +إلى العربِ الذينَ على ظباهم وعينُ فتاتِهم وَهجُ الشواظ +إذا ما أنشَدَت أبياتَ شِعري أرى الخنساءَ تنشدُ في عكاظ +وليلى الاخيليَّةُ أَورَثتها محاسِنَها فلاحت في اللحاظ +حديثُكِ من مقامات البديعِ ومن شِعرِ ابن زيدونَ الرفيعِ +أيا ولادةَ الشامِ اذكُريني بما قدَّمتُ من حسنِ الصنيع +قوامكِ نخلةٌ وهوايَ فيها هوى ابنِ إياسٍ العاصي مطيع +له في نخلتي حلوانُ شعرٌ غدا منه كزهرٍ من ربيع +أيا أهلَ النميمةِ والرواغِ أحاديث العُلى شغلُ الفراغِ +إلامَ تُكابرونَ وقد أتاكم فتاكم بالبلاغة والبلاغ +طمعتم بالكريمِ لفرطِ حلمٍ وأنتم كالعبيدِ لكل باغ +لعمرِ الحقِّ إن يعتلَّ جسمٌ فأتعب بالفؤادِ وبالدماغ +أتُغريها بسفكِ دمي سديفُ وديني في الهوى الدينُ الحنيفُ +إذاً لا كان لي شعرٌ رقيقٌ تمنّى بَعضَهُ الشابُ الظريف +أرى الحمراءَ جناتٍ فأصبُو إلى وادٍ لهُ ظلٌّ وريف +كذا ابنُ الجهمِ حنّ إلى دجيلٍ وقد صَرَعَتهُ في حَلبَ السيوف +يُحَمِّلُنا العِدَى ما لا نُطيقُ فمن يُحرَق يلذّ لهُ الغريقُ +أيا قومِ الدخيلُ يتيهُ كبراً على عربيِّكُم وهو العريق +بحكم الرومِ جلَّ الخطبُ حتى بَكى عرفاتُ والبيتُ العتيق +إلى أقصَى الفرنجةِ أرجِعوهم فقَد شَهِدت جحافِلكم فروق +أنجمَعُ شملنا دراً بسلكِ ونفتكُ بالعِدى فتكاً بفتكِ +ونرجعُ دولةً نبكي عليها فقد طالَ الزمانُ ونحنُ نبكي +أبنتَ الشامِ أذري الدمعَ حتى تُردَّ إلى ذويكِ حقوقُ ملك +معاويةُ الكبيرُ حباكِ عَرشاً أخافُ عليه روماً بعد ترك +أيا ذاتَ المكارمِ والمعالي تكسَّرتِ الصوارمُ والعوالي +لقومكِ ذلَّ قيصرُ ثم كِسرى وذلَّوا للعبيدِ وللموالي +تعاظمتِ الخلافةُ ما حَماها ذوُو الأنسابِ من عربِ الرمال +ولما أصبحَ الدخلاءُ جنداً هَوى عرشُ العروبةِ والجلال +على معنِ بنِ زائدة السلامُ إذا ذُكِرَت من العربِ الكرامُ +فيومُ الهاشمية صان ملكاً وصانَ جمالَ طَلعتِهِ اللثام +بحبكِ فقتِهِ كرماً وحلماً فلي منهُ النَّدى ولكِ الحسام +لئن أُقدِم مع المنصورِ قولي لقد صَدَقَ الفَتى فلهُ اللجام +أكادُ أذوبُ يا أمَّ الأمينِ على ما فيكِ من ظرفٍ ولينِ +برُوحي حمرةٌ تَعلوُ بياضاً كوردٍ طالعٍ مِن ياسمين +وكاسٌ من عديٍّ عِند هندٍ وياقوتٌ على درٍ ثمين +جمالُكِ صِيغَ من طاءٍ ولامٍ وقلبي صيغَ من حاءٍ وسين +أقيلي عثرةَ الحرِّ النزيهِ فما ألقاهُ غيري يَتَّقيهِ +لقد عمَّ الفسادُ فكم نبيهٍ يذمُّ زمانَهُ كابنِ النبيهِ +على الحرمانِ والنكرانِ صَبري كما صَبرَ الحليمُ على السفيه +فعن بغدادَ ضاقَ الكونُ لكن خلا مِنها كتابُ ابنِ الفقيه +فؤادي للسماءِ وللسموِّ وقومي للخصامِ وللعتوِّ +بكيتُ وحالُهم دَعوى وفوضى وقد غَدَتِ المواطنُ للعدوِّ +وتاريخُ ابنِ خلدونٍ يُريني ممالكَ في هبوطٍ أو علوِّ +وفي أسفارِ فردوسي عزاءٌ ولكن لا سبيلَ إلى السلوِّ +بما في الخدِّ من زهرٍ نديِّ وما في القدِّ من ثمرٍ شهيِّ +أظلّيني بشعرٍ فوقَ ثغرٍ كصفصافٍ على ماء صفيِّ +لأجلكِ شاقني القرآنُ يُتلى وتأذينُ الصبائحِ والعشيِّ +وأعذَبُ ما يُكرِّرهُ لساني صلاتي والسلامُ على النبيِّ +أبناءُ يَعربَ كلُّهم أمراءُ أبطالُهم وملوكُهم شعراءُ +الله قدَّرَ أن تسوسَ عبادَهُ وتسودَ تِلكَ الأُمةُ الزهراء +لسيادةٍ وقيادةٍ وهدايةٍ قومي فقَومي السادةُ القدماء +كم قيصرٍ منهم وفرعونٍ لهُ في أرضِ مِصرَ ورومةَ استعلاء +في بابلَ اصطَنَعُوا العروشَ ونينَوى وعلى ذُرى اليمنِ استَوى الأذواء +ولآلِ جفنةَ في الشآم نضارةٌ ولآل نصرٍ في العراقِ سناء +ملكاتُهُم ما كُنَّ دونَ ملوكِهم وكفَى العُلى بَلقيسُ والزبَّاء +سَل عَن تبابعةٍ عظامٍ مأرِبا فهنالكَ السدُّ المحدِّثُ عن سَبا +مدنيةُ اليمنِ العجيبةُ أنتَجَت مدنيةً في مصرَ كانت أعجبا +غمدانُ بينَ قصورهِ وحصونهِ من أنجُمِ الإكليلِ يُطلِعُ كوكبا +وبقبَّةٍ نجرانُ تَعرفُ قسَّها حيثُ ارتَدت صنعاءُ ثوباً مُذهَبا +إن الذي بعثَ النبيَّ محمداً بعروبةِ القرآنِ شرَّفَ يعربا +آياتُه قد نُزِّلت عربيةً فالله بالقرآنُ ينطقُ مُعربا +كلُّ اللغاتِ تذلُّ للُّغةِ التي عزَّت وقد كانت أحبَّ وأعذَبا +عربيةٌ كلُّ السلالاتِ التي نزحت إلى أرضِ العراقِ وحلَّتِ +واستوطنت مصراً وأفريقيةً وبنت على الأمواجِ أضخمَ دولة +واستعمرت أقصى البلادِ ومهّدَت سُبُلَ الحضارةِ والغنى بأدلّة +تلكَ العشائرُ والقبائلُ لم تكن إلا فروع الدوحةِ المخضلَّة +حتى إذا الإسلامُ وَحَّدَ مُلكَها ضمَّ الفروعَ إلى أصولٍ جلَّت +أبناءُ سامٍ كلُّهم عربٌ وقد صحَّت عروبتُهُم لبعدِ العلَّة +قُل للذين تعمَّدوا تفريقَهُم لن تَنجَحوا بعدَ اللُّتيّا والُّتَي +من كانَ في تاريخهِ بحّاثا أمسى يَرَى الماضي لهُ حثَّاثا +فيودُّ أن يَلقى الرَّدى كي يفتَدي وَطناً بهِ عبثَ الغريبُ وعاثا +مِنّا العشائرُ والبلادُ تمزَّقت فمتى نلمُّ بِجِدِّنا الأشعاثا +إن الفرنجةَ دوَّخوا أوطاننا وتَقاسموا الأسلابَ والميراثا +ما كان أقدرَ بطلهم في ضعفنا إذ دنَّسوا الأحرامَ والأجداثا +فإذا طلبنا الحقَّ قال عميدُهم إني أرى أحلامَكُمُ أضغاثا +وإذا شَكونا قيلَ تلكَ جنايةٌ هل نُحرم الشَّكوى أو الإبثاثا +دَع للجهادِ قواعدَ الزجَّاجِ ودفاترَ الورَّاقِ والسرّاجِ +علماؤنا كثروا وقلَّ كُماتُنا فاليومَ حاجتُنا إلى الحجَّاج +وإلى ابنِ ذي يزنٍ يطهِّرُ ملكَهُ من وَطأةِ الأحباشِ والأعلاج +وإلى صلاحِ الدينِ تشهدُ بَطشَهُ حطّينُ للتحريرِ والإفراج +تلكَ البوارجُ أقبلت وتبرَّجت في بحرنا أرسى من الأبراج +بُلدانُنا وثغورُنا أهدافُها إن لم نقابلها على الأمواج +أربى على كلِّ السفينِ سفينُنا واليومَ أصبَحنا بلا مِزلاج +منكِ الهُدى والوحيُ يا أرواحُ فالروحُ بالنَّجوى لها استيضاحُ +فارقتِ أشباح الجبابرةِ الألى تذكارُهم في ليلِنا مصباح +أعلامُهُم وسيوفُهُم وعروشُهُم ذَهبَ الفسادُ بها ولا إصلاح +عودي إلينا أو هبينا قوةً فالظلمُ قد كترت به الأبراح +طرقَ العلوجُ بلادنا بجيوشِهم ولهم علينا الحاكمُ السفّاح +إن المظالم بالحروبِ تمخَّضت فاستَقتَلَ الجنديُّ والملاح +شَقيَ الورى بدمارِهم وهلاكِهم وتنعّ��م الطمَّاعُ والطمَّاح +يا أيها العربيُّ في التاريخِ مجدٌ لقومكَ ذاعَ في المرِّيخِ +فاشتمَّ ريحَ المسكِ من صفحاتهِ فالطِّيبُ بالتذكيرِ لا التَّضميخ +واحفظ بقلبكَ ما تراهُ بمقلةٍ خشعت من التغريمِ والترنيخ +وأضف إلى المجدِ القديمِ حديثَهُ واحرص على شرفٍ بلا تلطيخ +واحذر من الرومِ الخلاعةَ إِنها لأشدُّ إضراراً من الزرنيخ +هَل أنتَ راضٍ بالمهانةِ والأذى بَعدَ العُلى والفتحِ والتدويخ +هذا ضميرُكَ صارخٌ فأصخ إلى صوتِ الضميرِ وخَف من التوبيخ +سلِّم وصلِّ على النبيِّ مُحَمَّدِ واحمل سلاحَ مجاهدٍ مُستَشهِدِ +واخدم لعزَّةِ دولة عربيةٍ في الجيشِ والبس شكَّة المتجند +لولا المدافعُ والدوارعُ لم تقم دولٌ جَحافلُها كبحرٍ مُزبد +يا ابنَ الأُلى وردت سوابقُ خيلهم نهرَ المجرَّةِ في زمانِ السؤدد +هلا اقتَفَيتَ إلى العُلى آثارَهم فالمجدُ في الفَسطاطِ لا في المربد +خذ من صناعاتِ الحديد أجلَّها تأخذ بها الأعداءَ واصنع للغد +أما الشجاعةُ فهي فيكَ سجيةٌ موروثةٌ بمثقَّفٍ ومهنَّد +ماذا يفيدُ المرءَ ليتَ وحبَّذا إن لم يكن متأمِّراً ومُنَفِّذا +فعليهِ أن يقوى ليُصبحَ سيداً ويقولَ باسمِ الحقِّ أفعل هكذا +أوَ ما رأى بطشَ القديرِ وظلمَهُ لما أغارَ بجندهِ واستَحوذا +الدَّهرُ أستاذٌ وفي تعليمهِ ما صيَّرَ العيَّ المغفَّلَ جَهبذا +إن القويَّ يَرى أذاهُ عدالةً أما الضعيفُ فلا يلاقي مُنقِذا +والشعبُ مثلُ الفردِ في أطوارِهِ إن يَقوَ قيلَ هَدى وإن يَضعف هَذى +وحياتُهُ من قوةٍ أدبيةٍ فيها يرى وَسطَ العذابِ تلذذا +قُل للفرنجةِ بعد حكمٍ جائرِ هَل تسمحونَ بنظرةٍ للزائرِ +وإذا مررتَ على الجزائرِ قل لها هلا ذكرتِ بلاءَ عبد القادر +ذيّالِكَ البطلُ احتميتِ بسيفهِ والرعبُ في قلبِ العدوِّ الغادر +إن كنتِ ساليةً فسخطُ محمَّدٍ أو كنتِ صابرةً فحلمُ العاذر +دومي على عهدِ العروبةِ والهُدى وثِقي بقهّارٍ لجيشِ القاهر +وتذكري الشهداءَ في الحربِ التي ذهبت بكلِّ مجاهدٍ ومغاور +فاذا أضَعتِ من النبيِّ أمانةً ماذا يلاقي مؤمنٌ من كافرِ +في عَجزِنا لعداتِنا إعجازُ ولهم علينا في الوَغى إجهازُ +يتسابقون إلى الرقابِ كأنها قصبٌ وللمتقدِّمِ الإحراز +حزَّت قلوبَ البائسينَ سيوفُهم فالصدرُ فيهِ الحزُّ والحزَّاز +كم يمطلونَ ولا يفونَ بعهدِهم وَعدُ الفرنجةِ ما لهُ إنجاز +يا ربِّ منهم نجِّنا واغفر لنا إن كان منكَ النصرُ والإعزاز +واكتب لنا موتاً شريفاً في الوَغى لا عيشَ ذلِّ عافه البزَّاز +أوَ هُم عبادُكَ وحدَهُم لِتُعزَّهم وتُذِلَّنا أم طِينُهم ممتاز +يا وردَ تونسَ ما الربيعُ بمؤنسِ فالظلمُ أذبلَ نضرةً من تونسِ +قد كنتَ زينتَها فصرتَ لنعشِها فاخلع لمنعاها ثيابَ السندس +ما للفضيلة والجمالِ كرامةٌ في حكمِ علجٍ ظالمٍ متغطرس +إن صعَّدَ العربيُّ أنفاسَ الجوى قالَ الفرنجةُ قِف ولا تتنفَّس +أو حنَّ مشتاقاً إلى أيامهِ كبَحوا جماحاً من أعزِّ الأنفس +هَل دولةٌ للأغلَبيِّينَ الأُلى لبسوا حديدَ الدرعِ أشرفَ ملبس +فيرى الفرنسيسُ المبالحُ حظَّهُ مِنها كحظِّ مليكهِ المتَقلنِس +الرومُ قد وَثبوا على مرَّاكشا وتقاسموهُ تعاوناً وتهارُشا +فكأنهُ بينَ العلوجِ طريدةً في صَيدِها يتفاحشونَ تفاحشا +واحَسرتاه على بلادٍ أهلُها يَهوون في حرِّ الجهادِ تعاطشا +يَستَشهدون على العروبةِ والعُلى والحقِّ والإسلامِ في مرَّاكشا +ما للسيوفِ على المدافعِ قوةٌ لنرى القتالَ تقاضياً وتباطشا +يتزاحمُ الإفرنسُ والأسبانُ في تلكَ الديارِ تحارشاً وتخادشا +فمتى نفلُّ حديدَهم بحديدِنا وتكونُ تصفيةُ الحسابِ تناقشا +يا ابن الوليدِ أفِق ويا ابنَ العاصِ هل فتكةٌ أو حيلةٌ لخلاصِ +الرومُ قد ملكوا الثغورَ وهيّأوا أغوالَ فولاذٍ لشعبٍ عاص +سحقت قذائفُها القلوبَ ومزَّقت تاجَ العروسِ ودرَّةَ الغوّاص +بَرَدى ودجلةُ والفراتُ مياهُنا وكذلك الأردنُّ ثم العاصي +لكن بنو التاميزَ والسانَ ادَّعوا حقّاً ونحنُ طرائدُ القنَّاص +واحسرةَ الغرباءِ في أوطانِهم أن يُصبحوا كالطيرِ في الأقفاص +داءُ الشعوبِ تباغضٌ وتخاذلٌ وشفاؤها بالحبِّ والإخلاص +يا حبَّذا جيشٌ له تَرويضُ ولهامهِ يومَ الوَغى تَعريضُ +وجنودُه كبني تُماضُرَ إن غدا للأمهاتِ كأمِّهم تحريض +في القادسيّةِ كان مصرعُ إخوةٍ والأمُّ قالت والدموعُ تفيض +الحمد للهِ الذي قد زادَني شَرَفاً بمقتلهم فلي تَعويض +سلمُ الشعوبِ يكون باستِعدَادِها للحرب والطَّرفُ الطموحُ غَضيض +ما ردَّ جارَكَ عنكَ إلا خوفُهُ من أن يكون لبيته تقويض +الأمةُ العزلاءُ لا خطر لها والجاهُ من ذاتِ السلاحِ عريض +جارَ الزمانُ فجارهِ محتاطا واذكر على أقتارِكَ الإفراطا +وإذا سمعتَ من المؤذِّنِ دعوةً للخيرٍ شدَّ يداً ومدَّ صراطا +كن حازماً إن بتَّ يوماً عازماً واطلُب لنفسكَ قوةً ونشاطا +وخُذِ الحقيقةَ من تجاربَ جمَّةٍ إن التجاربَ كذَّبَت سقراطا +كم دولةٍ ماتت وأُخرى بَعدَها مرضت فما وجدت لها بُقراطا +أو لا ترى عرباً غدوا في ضعفهم يتملَّقونُ القبطَ والأنباطا +الدهرُ صوّاغٌ ولصٌّ طالما نظمَ العقودَ وفرَّط الأقراطا +دَع أيها العربيُّ سوقَ عكاظِ وزخارفَ الأشعارِ والألفاظِ +وارجع إلى عهدِ الفتوحِ فإنهُ أَولى بحفظِ كرامةٍ وحفاظ +لا خيرَ في القرآنِ ما لم يحمِهِ سيفٌ يرقُّ على رقاب غلاظ +تشكو الهوانَ ولا تثورُ حميَّةً وتلينُ دون الحقِّ للأفظاظ +حتَّامَ ترقدُ غافلاً مُستَسلِماً وتقولُ تلكَ من الزمانِ أحاظي +فبدارِ ما للمرءِ إلا ما سَعَى والعصرُ للتنبيهِ والإيقاظ +هلا اتَّعظتَ أو افتَدَيت بمعشرٍ يلتفُّ حولَ منابرِ الوعَّاظ +أيُّ الحمائمِ في الحمى لم تسجَعِ فاطرب لترنيمٍ هناكَ مُرجَّعِ +ما أسعدَ العربيَّ بعد شقائهِ برجوعِ أيامِ الرشيدِ وتُبَّع +آباؤه صعدوا إلى أعلى الذرَى فليصعدنَّ إلى المحلِّ الأرفع +قد أورثوه سيوفَهم وفخارَهم وشريعةً بين الورى كالمشرع +وبنوا له مُلكاً رفيعاً واسعاً أمجادُهُ وفتوحُه لم توسع +للهِ ملكٌ بالخلافةِ أيّدٌ لولا تنازعُ قومهِ لم ينزع +أثمِن بهاتيك الودائعِ فليكن مثلَ السموألِ وافياً بالأدرع +عجباً أيوُدي بالشعوبِ بلوغُ فتزولُ منها قوةٌ ونبوغُ +يا أيها الشرقيُّ نوبتُكَ انتهت فعطلتَ والغربيُّ بات يصوغ +الشرقُ مهدٌ للأنامِ ومطلعٌ للشمسِ وهو بداءةٌ وبزوغ +ولأهلهِ فضلُ التقدمِ والهُدى فتأخروا إذ للأمورِ فروغ +لا تَركُننَّ الى الفرنجيِّ الذي للحكمِ أو للربحِ منكَ يروغ +واحذَر دسيسةَ ماكرٍ متلصِّصٍ يأتيكَ وهو إلى الشرورِ نزوغ +واصبر على ريبِ الزمانِ فإنهُ كالماءِ يأجنُ تارةً ويسوغ +لصلاحِ قومي أعشقُ التأليفا ويزيدُني حبِّي لهم تكليفا +إني أخو العربِ الفخورُ بقومهِ إن كنتَ تطلب�� يا فتى تَعريفا +عذراؤهم في خدرِها وصبيُّهم يحمي الخفارةَ طاهراً وعَفيفا +هذي مكارمُهم فخذها من فتى ما كانَ إلا باسلاً وظريفا +أو ما رأيتَ حميَّةً عربيةً منِّي ولي قلمٌ يفلُّ رهيفا +وقُلِ السلامُ على أصولٍ أنبَتَت هذي الفروعَ فشرّفَت تَشريفا +أينامُ قومي بعدَ ما أسمعتُهم صوتاً تردَّدَ في الأنامِ قصيفا +الناسُ بالأعمالِ والأخلاقِ والشعبُ في التشميرِ حيٌّ راقِ +الويلُ للشعبِ الذي أخلاقُهُ فسدت فضيَّعَ أنفسَ الأعلاق +إن الطبيعةَ للضعيفِ عدوَّةٌ والأفضَلُ الأقوى لخيرٌ باق +من ليسَ يحمي دارَهُ وعيالَهُ يومَ الكريهة ما لهُ من واق +إن الحياةَ تزاحمٌ وتصادمٌ والفوزُ للغلابِ والسبّاق +يا أيها العربيُّ جدَّ مزاحماً للناس في الأمواجِ والأسواق +وخذِ الحياةَ من العروبةِ إنها مثلُ الربيعِ لرطبةُ الأعراق +تعسُ الرعايا من هناءِ ملوكِ ما أشبَهَ المعتوق بالمملوكِ +لا فرقَ بينَ قديمنا وجديدِنا إلا بقولٍ زائفٍ مَسبوك +لا تطمعنَّ بهَديِ إنسانيةٍ جمحت إلى المألوفِ والمسلوك +الظلمُ من عاداتها وطباعها فالويلُ للمغلوبِ والصعلوك +إما مقاومةٌ وموتٌ في الوَغى إما محاباةٌ وختمُ صكوك +فاختر لنفسكَ خطةً ترضى بها أو لُذ بكهفٍ الناسكِ المنهوك +قُل لي بتربةِ خالدٍ هل وقعةٌ في ميسلونَ كوقعةِ اليرموك +إن لم يكن وطنُ الفتى كالغيلِ لا خيرَ في القرآنِ والترتيلِ +ماذا يفيدكَ آيةٌ في معشرٍ رغبوا عن التحقيقِ بالتضليل +فاترك على ذلٍّ تلاوةَ مصحفٍ واسمع على عزٍّ غناءَ الفيل +أو لا ترى الرومَ اللئامَ تكالبوا وتراشقوا بمقذّفٍ سجّيل +والأرضُ واسعةٌ وما ضاقت على قايينَ كي يَسطو على هابيل +لكنهم كلفوا لسوءِ طباعِهم بالحربِ والتهديمِ والتقتيل +لا حقَّ إلا للقويِّ بشَرعِهم فصيانةُ الحُرماتِ بالتنكيل +يا مصرُ فيكِ النيل والأهرامُ فيها الفراعنةُ العظام نيام +وعلى أبي الهولِ الرموزُ كثيرةٌ فكأنهُ رصدٌ عليكِ مقام +رمسيسُ منهُ إليكِ ينظرُ ساهراً وأمامَهُ الإكليلُ والصَّمصام +فإلى الخلائفِ والفراعنةِ انظُري أطيافُهُم أبداً لها إلمام +وخُذي من القرآنِ حصناً تحتَهُ تتضاءَلُ الأهرامُ والأحرام +لا سورَ حَولَ حِماكِ إلا سورةٌ يا أمةً قد صانها الإسلام +أرضُ الحضارةِ والعروبةِ والهُدى فيها علا الكفَّارُ والأعجام +هَلا تفاخرُ يا فتى وتُباهي يوماً بموطِنِكَ العزيزِ الباهي +وتكونُ فيهِ سيِّداً لا خادماً يَرعى وللغرباءِ درُّ شياهِ +يا آتياً بَعدي إذا نلتَ المُنى ونعِمتَ حرّاً بالغِنى والجاه +اذكر فتىً أشقى لأجلكَ نفسَهُ وأبى على الإذلالِ عيشَ رفاه +وطني بهِ طَمِعَ الغريبُ لما رأَى في أمتي من فتنةٍ وسفاه +أهواؤها قتلت مروءتَها ولو فطنت لكان الحلمُ أكبرَ ناه +فعلى الذين تهالكوا في حبِّها وهي الخذولُ لهم سلامُ الله +لا يُشفِقُ الغازي على مَغزوِّه بل يستخفُّ بحلفهِ وعدوِّهِ +ما للضعيفِ إلى القويِّ شفاعةٌ شتّان بينَ هبوطهِ وعلوِّه +لا يَخدَعَنَّكَ رفقُه وليانُهُ بعدَ الهوانِ ببطشهِ وعتوِّه +واصبر عليهِ مراقباً حتى إذا جازَ الحدودَ أخَذتَهُ بغلوِّه +ما كانَ يوماً حانياً بل جانياً والغدرُ يَكمنُ في لحاظِ حنوِّه +لا بدَّ من وَطَر ولو حالَ الوَرى والدهرُ دونَ بلوغهِ ودنوِّه +المرءُ كان ولم يزل متقلِّباً والحظُّ بينَ رواحهِ وغدوِّه +يا حبَّذا وَطَنٌ يضمُّ تلاديا إن قيلَ من يفديهِ كنتُ الفاديا +فيهِ كنوزُ أحبَّتي وقبورُهم أوَ لا أردُّ عن الذخائرِ عاديا +هذا الترابُ مقدَّسٌ برفاتهِ ونباتهِ وبهِ أفي أجداديا +إني لأنشقُ ريحَهُ متبرِّكاً وزلالُهُ يَشفي عليلاً صاديا +يا أيُّها الروميُّ لا تكُ ظالماً باللهِ دَع لي مَوطِني وبلاديا +لكَ أرضُكَ القصوى وهذي الأرض لي فإلامَ تدهمُني مغيراً راديا +الله يُنصِفُني ويُنصِفُ أمَّتي وقدِ استحبَّ جهادَها وجهاديا +الملكُ للعربْ والفَضلُ للنَّبي +فهوَ الذي كَتَبْ يا أمّتي اركبي +وعرِّبي الأممْ بالفَتحِ والظَّفَر +فأنتِ من قِدَمْ سيِّدَةُ البَشَر +الأرضُ ملكٌ للعربْ واللهُ يُعطي مَن يَشاءْ +جيشُ الأعادي قد هَرَب وافترَّ عهدُ الخُلفاء +فهي إليهم ترجعُ والحقُّ أعلى أعظَمْ +بينَ ذويها يَجمَعُ نطقٌ ودينٌ ودَمُ +كم أخرَجَت أرضُ الرسول في غَزوةٍ أبطالَها +والأرضُ من عَدوِ الخُيول قد زُلزِلت زلزَالَها +مِنَ الحِجازِ الفتحُ كانْ ومِنهُ يوماً سَيَكونْ +وإنَّ في صَدرِ الزَّمان زَوبَعةً بعدَ السّكُون +القَفرُ في طيَّاتِهِ خَيرَ السُلالات حَفَظ +والدَّهرُ عن نيّاتهِ أعرَبَ لمّا أن لفَظ +فالرَّملُ بحرٌ يَزخرُ وهيَ لهُ جَزرٌ ومَدّ +الخيرُ فيها يَزخُرُ والبأسُ مِنها يُستَمدّ +أمُّ القرى مِنها بَدَت كالشَّمسِ إِبَّانَ الطلوع +رايةُ حقٍّ وحَّدَت في ظِلِّها كلَّ الجموع +بَعدَ احمِرارٍ في الحروب مِنها اخضِرارُ المربعِ +فهي لنا بين الخطوب إرثُ دَمٍ أو مَدمعِ +أعداؤنا سَلُّوا الشِّفار كي يَقلعوا أدواحَنا +إن يَفصِلوا منّا الديار لن يَفصلوا أَرواحَنا +جمعُ القوى بالاتِّحاد عزَّت به كلُّ الدول +مملكةٌ هذي البلاد ونحن أهلُوها الأُوَل +نجدٌ حِجازٌ ويمن مصرٌ شآمٌ وعِراق +ملكٌ وميراثٌ لمن تعدُو بهم خَيلٌ عِتاق +وكلُّ أرضِ المغربِ للدَّولةِ الكُبرى جناح +من فاسَ حتى يَثربِ توحيدُ حكمٍ وسِلاح +العربُ في أوطانِها تصبُو إلى العهدِ القديم +عدنانُ مع قَحطانِها يَسترجعُ الملك الفخيم +إنَّ الدماءَ الطاهرة أثمانُ هاتيكَ الفتوح +وفي الربوعِ الداثِرة آثارُ سلطان تلوح +كلُّ فتى يَتلو السُّور يُرجى لأيّامِ الأزَم +لا خيرَ في حسنِ الصُّوَر إن لم توافقها الشِّيم +عن كلِّ شَهمٍ باسلِ يَرضى الرسولُ المُصطفى +إن دَكَّ صرحَ الباطلِ والحقُّ بالسيفِ اشتفَى +يا عربُ مع قوادِكم سيروا جميعا في النَّفير +فالبيضُ في أغمادِكم تهتَزُّ للثأرِ الكبير +وفي صفوفِ العَسكرِ يمشي وَضيعٌ ورفيع +الفَوزُ فَوزُ العُنصرِ والنَّفعُ منهُ للجميع +خَيلُ العلوجِ الفَجَرَه أطهَرَ أرضٍ دنَّست +داست قلوبَ البرره بعدَ عرابٍ حبست +لبّوا دعاءً مِن عَلِ وامشوا على أثرِ الجدود +الملكُ وَسطَ الجَحفلِ والعزُّ في ظلِّ البنود +اللهُ أكبرُ اركبوا للخَيرِ من دُنيا ودين +واستَبسِلوا واستَعذبوا مَوتاً لتَحيَوا خالدين +ما الموتُ في حبّ الوطن إلا حياةُ المُفتدي +والعَلَمُ الهادي كفَن للباسلِ المُستَشهد +لكن أعِدُّوا للعِدَى ما هم مُعِدُّونَ لكم +إنّ اختراعاتِ الرّدى لا تعرفُ استبسالكم +يومَ قَصيفِ المدفعه يخفتُ في الجيشِ الصليل +لا ظفرٌ في المعمَعَه حتى بما كالوا تكيل +اليومَ قد أخزى السيوف قذّافُ نارٍ وحديد +يحصدُ حصداً في الصفوف والأرضُ حَوليهِ تميد +فأكثِروا منهُ إذا سرت�� إلى يومِ الحساب +في جَوفِهِ دَفعُ الأذى وهو المرجّى والمجاب +وطني الشامُ فهل فيهِ حِمى أو ضريحٌ للغريبِ التَّعِسِ +فإذا لم أرَ فيهِ العَلما عربياً قلتُ يا قلبُ ايأس +أيها الزائرُ قِف بالعطنِ ثم سائل عن مصيرِ التعساء +عزَّةُ الملكِ وأنسُ الوطنِ ذهَبا بين صباحٍ ومساء +نبَتِ الشامُ بأهلِ الفطنِ والذين اغتَصَبُوها رؤساء +قد سَقينا الأرضَ دمعاً ودما وسَمَحنا بأعزِّ الأنفسِ +كيفَ لا تقضي أسى أو نَدَما بعد ذياك الخيالِ المؤنس +حبذا الماضي الذي كنّا عليهِ بينَ شكوى وعتابٍ ناقمين +يأسفُ الصبُّ الذي يَصبو إليهِ ويقولُ التركُ كانوا راحمين +سلَّطَ العلجُ علينا جَحفَليهِ فرأينا منهُ شرَّ الظالمين +وُلِّي الأمرَ وصارَ الحكما فغَدَونا طعمةَ المفترسِ +إن رأى الشاكينَ أبدى صَمما ولهُ في الجسِّ سمعُ الفرس +عكَّرَ الأردنَّ خِسّان اليهود ومَشوا في ضفَّتَيهِ مَرَحا +وعلى الأرماسِ داسوا والمهود فبكينا وتغَنّوا فرَحا +زهقَ الحقُّ لبهتانِ الشهود ولهم قولٌ كسَيفٍ جَرَحا +قد أذلُّوا العربيَّ المسلما ليهوديٍّ زنيمٍ شَرسِ +ضامَهُ في المسجدِ الأقصى كما ضامَ عيسى وسطَ بيتِ المقدس +اليهوديُّ الجبانُ الغادرُ بسِلاحِ الإنكليزيِّ قَتَل +خَلفَهُ الجيشُ الكثيفُ القادرُ يصرمُ الحبلَ الذي منَّا انفتَل +سَقطَ الليثُ الهَصُورُ الخادرُ فعَوى الثَّعلبُ والذئبُ خَتل +مَن لشعبٍ نفسَهُ قد ظَلما فمَشى في الجهلِ نحو المرمسِ +إن شكا للظالمينَ الألما عالجوهُ بحرابِ الحرس +عِج بوادي بَرَدَى ذاكَ الوسيم واسألِ الجنّاتِ عَن أزهارِها +ضاقَت الفيحاءُ بالخَطبِ الجسيم والفرنسيسُ على أنهارها +دنَسوا طهرَ البوادي والنسيم واشتفى الفجَّارُ من أطهارِها +جَوُّها من ظلمِهم قد أظلما وعلى الأرواحِ ثقلُ الحندسِ +لطَموا الحقَّ وداسوا الحرما وتعاطوا مترعاتِ الأكؤس +جندُنا استُشهد صَبراً وهوى عَلمُ الملكِ الذي ظلَّلنا +نحنُ صَرعى بين جورٍ وجَوى نذكرُ العهدَ الذي علَّلنا +كلُّ ما في وَطَنٍ فيهِ الهوَى حَسَنٌ لكنهُ ليسَ لنا +كم شهيدٍ صارَ فيهِ أعظُما ولمن أرداهُ صَدرُ المجلسِ +فترى الثكلى تُباكي الأيِّما حيثُ تلهو قينَةٌ في السندس +رَوَّعَ العلجُ بناتِ العربِ في رياضٍ وقصورٍ أَمَّها +كم رأى الشاميُّ عند الهرب كاعباً عذراءَ تدعو أُمَّها +قلبُهُ انشقَّ بحدّ الذَّرِب إذ رأَى الوردةَ شقَّت كمَّها +من رأى مَدمَعَها والمبَسما في نقابٍ طاهرٍ لم يُلمَسِ +قالَ أفدي دُرَراً أو أنجُما ظهَرَت في العقدِ أو في الغَلس +قُل لعلجٍ يَزدَهيهِ البَطرُ خفّفِ الوطءَ على هذي التُّرَب +من ثراها لي نسيمٌ عَطِرُ ولذكرى المجدِ يعزوني الطرب +وطني الشامُ وفيهِ الوطرُ عربيٌ أنا فليحيَ العرب +يا أخي الشاميُّ والخطبُ طما كن مع الحمسِ رفيقَ الأحمسِ +وإذا الدهرُ صفا وابتَسما كن مع الكيسى نديمَ الكيِّس +هَدم الرومُ من العربِ صُروحا شيَّدُوها بقلوبٍ ورفات +أيُّ قلبٍ لا ترى فيه جروحا هي أدمى من جروحِ المرهفات +فتَنشَّق من صَبا مكَّةَ روحا وادعُ أبناءَ الهُدى من عرفات +فترى حَولَ المقامِ الأمما تتشاكى في سوادِ المَلبسِ +ربما الشَّرقُ التظى واضطَرما من لظى النَّفسِ وحَرِّ النَّفس +على الشاطىءِ المصريّ ضلّ فتى الشامِ يُقلّبُ كفَّيهِ على قلبهِ الدامي +تصبّاهُ حُسنُ الشامِ بعد فراقِها فحنَّ إِلى ذيّالكَ الحسنِ في الشامِ +لقد بعدت عنهُ فظلّت قريبة من القلبِ إن القلبَ عشّاقُ أوهام +فما هو إِلا واحدٌ في غَرامها ولكنّه في النأي عشرةُ أقسام +أحِبَّتنا في سَفحِ لبنانَ إنكم حضرتم بأرواحٍ وغبتم بأجسام +وما زالَ قلبي دامياً لوداعنا عشيةَ لاقى دمعُكم دمعيَ الهامي +تقاذفتِ الأمواجُ بي وتلاطمت وألقى عليها الليلُ بردةَ أظلام +فلم أك مثلَ الرّكبِ يوماً صريعَها ولكنّني ثبَّتُ عَزمي بإقدامي +وقلتُ لها لا بدَّ أن تحملي فَتى يضمُّ بقايا المجدِ في صدرِ همّام +فإما وراءَ البحرِ مجدٌ مؤثَّلٌ وإما لدَى العلياءِ خرّةٌ ضرغام +فما شِئتُ من نوحٍ ومن زبدٍ ومن هديرٍ فلن ترضى المروءةُ إحجامي +جُمانة لا تبكي فعيناكِ منهما حياةُ فَتى ناءٍ فرفقاً بمسقام +تغنّي بشعري عندَ زهرٍ غرستُهُ وحلّي عليهِ شعرَك الأشقرَ النامي +فشعرُك من زَهري بأطيبِ نفحةِ وروحُك من شعري بأعذب أحلام +تهونُ على مثلي المصائبُ والرّدى إذا عاشَ أهلوه بعزٍّ وإنعام +رضيت بترويضِ الأسودِ وإنني لآبى إباءَ الحرِّ ترويعَ آرام +وها أنا بينَ المجدِ والحبِّ حائرٌ فهذا دَعا خلفي وذلك قدّامي +يحدّثُني قلبي الألوفُ بعودةٍ ويردعني صبري الجميلُ وأشمامي +أيا من بهم ما بي تعالوا نعِش معاً فنَعقُدَ في الأحزانِ شركة آلام +على الشوكِ نمشي صابرينَ وغيرُنا نيامٌ على الأزهارِ في ظلِّ مِنعام +فباتوا يعاطون القيانَ مُدامةً وبتنا نُراعي أنجماً فوقَ آكام +بأمثالِنا الدّنيا تضيقُ وصدرُها رحيبٌ لأشرارِ وأصحابِ آثام +فنحن كدودِ القزِّ نبني قُبورنا لنُحيي الألى ماتوا عبيداً لظُلّام +ونرضى بطيبِ الذكرِ في ظلمةِ الثرى وأنّى يُرجَّى الذِكرُ من شعبِ نوّام +بُلينا بقلبٍ شاعرٍ متألمٍ قنوعٍ بأوهامٍ طروبٍ لأنغام +وما السّعدُ في إنشادِ شعرٍ ونظمِه ولكنَّهُ في جمعِ مالٍ وأرقام +إذا ما رمى القنّاصُ نسراً مُدوِّماً أودُّ لقلبي نبلةً من يد الرامي +على مُهجتي أمشى أنا السّائحُ الذي له في بقايا الدّهرِ آثارُ إلمام +فأنفاسُه حرّى عليها ونفسُهُ تعوّدتِ التّحليقَ في جوّ إلهام +وعبرتُه بين الجفونِ عزيزةٌ يضنُّ بها إلا على موقفٍ سام +قَضى واجباً في بعلبكَّ وتدمرٍ وجاء ليبكي المجدَ في ظلِّ أهرام +عليكَ سلامُ الله يا نيلُ فانتعش بأطيبِ أزهارٍ وألطفِ أنسامِ +من الشامِ في طيّاتِ بُردي حملتُها إليكَ وفي قلبٍ على الحسنِ حوّام +كأن على ضفّاتكَ الخضرِ هاتفاً يقولُ بنو الأبطالِ ذلّوا كأيتام +أما حان أن يصحو السكارى وقد غدوا أسارى حَيارى جامدينَ كأصنام +بني مصرَ ما هذا التّقاطعُ بينكم بُليتم بداءٍ للمفاصلِ قصّام +تراضوا وصيروا أمةً ذات قدرةٍ وجدّوا بأعمالٍ وعزّوا بأعلام +على العربِ تنصيبُ التماثيلِ والدّمى لأصحابِ أسيافٍ وأصحابِ أقلام +وتسميةُ الأسواقِ في كلّ بلدةٍ بأسماء أبطالٍ وأسماءِ علّام +فيبقوا مثالاً للبنينَ وقدوةً ويحيوا عِظاماً هنّ أهلٌ لإعظام +عظامُ رجالٍ يملأ الأرضَ مجدُهم وذلك مجدٌ قد بنوهُ على الهام +أمريمُ بالحبّ المسيحيِّ عانقي خديجةَ كي ننسى عداوةَ أعوام +وقولي لها والخدُّ بالخدِّ لاصقٌ تخاصمَ إخواني وأبناءُ أعمامي +تعالي أمامَ الناسِ نذرفُ دمعنا مدامعَ صدقٍ لا مدامعَ إيهام +عسى دمعنا الصافي يُلينُ قلوبَهم ويطفئُ ناراً أُضرِمت أيَّ إِضرام +فتنبتُ أزهارٌ تغطي قبورَهم وأحقادَهم في ��لّ أعدلِ أحكام +أصلاً برزتِ لنا بلا ميعادِ وكأنَّ عينَكِ صارمُ الجلّادِ +لحظت فحيَّتها القلوبُ فلم تكن إلا المقدَّمَ مرَّ بالأجناد +عربيَّةٌ هاتيكَ لا حَبشيَّةٌ سيفُ بن ذي يزنٍ عليها عاد +بأساً وحلماً يا سعادُ وقدوةً ببني أميِّةَ أو بني عبّاد +أوَ تستفِزُّكِ عِزَّةٌ عربيةٌ جمعت شعوبَ الأرضِ في بغداد +لا تجعلي منصورَها سفّاحها وبكِ احتمى مهديُّها والهادي +لحظاتُ عينكِ نسخةٌ مأخوذةٌ عن أمرِ سلطانٍ لأهلِ بلاد +وكأنَّ خيلَ أبي عبيدةَ أقبلت فيها لِفَتحِ قريحتي وفؤادي +فهبي الأمانَ لقائلٍ في أسرهِ عيناكِ آسرتانِ للقوّاد +واللهِ لا أشكو لأني عالمٌ أن قد خُلِقتُ لهذه الأصفاد +جازَيتِني وكما ظلمتُ ظَلمتِني والظّلمُ مقبولٌ من الأنداد +كم ناهدٍ نظرت إليَّ بمقلةٍ نظرت بها رِئمٌ إِلى صيّاد +والطّيبُ يملأ ثوبَها وكأنها زَهرُ المعابدِ في ضُحى الأعياد +فملكتُ قلباً طاهراً وحرمتُهُ عَطفي وليني بعدَ لينِ قياد +عِديني أفي الدُّنيا أقلُّ مِنَ الوَعدِ فلن تجدي مِثلي ولن تَصِلي بَعدي +إذا قلتِ لي يوماً أُحبُّكَ يا فتى قنعتُ بأحلى ما يُقالُ فذا قصدي +هي اللفظةُ المُثلى لمثلي فإنَّني طروبٌ لألفاظٍ من الخرَّد المُلد +نشوقُ لأنفاسٍ إذا ما تضوَّعَت تُذكِّرُني عَرفَ البنفسجِ والورد +معذِّبتي الحسناءُ رَبُّكِ مُحسنٌ فلا تجحدي رَبَّ المحاسنِ بالصدّ +نظَمتِ قلوبَ العاشقينَ قلادةً ولكنَّ هذا القلبَ واسطةُ العقد +فإن سرتِ يوماً مثلَ زينب تدمُرٍ فقولي لهم هذا الفتى قائدُ الجند +لأجلِكِ أرعى النَّجمَ ليتَكِ نجمةٌ من القبَّةِ الزرقاءِ تَطلَعُ لي وحدي +ولا فلكيٌّ للكواكب راصدٌ ولي مرصدٌ يُبنى على جبلِ الهند +فكم شاقني نورُ المقاصيرِ في الدُّجى ولذَّةُ عَيني في التنوُّرِ والسُّهد +فهل ترفعينَ السترَ يوماً لتُشرقي على القلبِ إشراقَ الهلالِ على اللحد +رداؤك فيه الرَّوضُ أخضَرُ مُزهِرٌ وثغرُكِ فيهِ لذَّةُ الخمرِ والشَّهد +فأجمِل بَوشيٍ من بنانِكِ مُحكمٍ على مخملٍ منه النّعومَةُ في الخدِّ +وليسَ مَلوماً من تمتَّعَ ساعةً من الحُسنِ لكنَّ الملومَ أخو الزّهد +لمّا وَرَدتُ الماءَ صارَ لهيبا وبحُبِّها أستَعذِبُ التّعذيبا +لم أنسَ ليلاً فيه حلَّت شَعرَها فشَمَمتُهُ زهراً تضوَّعَ طِيبا +وفمي بفيها لاصقٌ وأضالعي كادت تشقُّ ضلوعَها تقريبا +فرنت إليَّ وأغمَضت أجفانها ففَتَحتُ قلبي للنّعيمِ رَحيبا +وهَوايَ أنساني البريَّةَ كلَّها وجَوايَ ذوَّبَ مُهجتي تذويبا +وكأن أنفاسَ الخميلةِ حَولنا سارت تُرَجِّعُ زَفرةً ونحيبا +أكذا نموتُ لكي نفوزَ بقبلةٍ كانت على ظمأ الغرامِ لهيبا +الغانياتُ ضَحِكنَ من شُهَدائنا وأرَينهُم يومَ الوصالِ عَصيبا +وزَعمنَ هزءاً أنهنَّ رَحَمنَهُم ولهم جَعَلنَ من الخصورِ نصيبا +ذاك النصيبُ هو النحولُ وهكذا نُعطي خَصيباً آخذين جَديبا +فورحمةِ العشّاقِ لستُ براجعٍ حتى أرى عِنبَ الخدودِ زَبيبا +لهفي على أرضِ بها الطليانُ عاثوا ولا دينٌ ولا ديّانُ +طرقوا منازلَ أَهلِها وشعارُهم فوقَ الصليبِ الغدرُ والعدوان +كيفَ العزاءُ على طرابلسَ التي في الذَّودِ عنها استُشهدَ الفرسان +إن قيلَ لا وطنٌ هناكَ ولا هَوَى لفتى الشآمِ أقُل هو الإيمان +إن الفتى العربيَّ يذكر أهلَهُ ولأجلِ سكّانٍ يُحَبُّ مكان +أبداً يَرَى أوطانَهُم أوطانَهُ وجميعُهم في عرفهِ إخوان +إن لم يكن وطنُ الفتى لمعزَّةٍ فأحبُّ منهُ الصينُ واليابان \ No newline at end of file