BookLink
stringlengths
39
39
BookName
stringlengths
2
204
AuthorName
stringclasses
879 values
AboutBook
stringlengths
31
2k
ChapterLink
stringlengths
41
46
ChapterName
stringlengths
1
166
ChapterText
stringlengths
1
909k
AboutAuthor
stringclasses
890 values
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام؛ فأعطى لها ذلك مظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت «كازو» منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب.»اتَّسمت السيدة «كازو فوكوزاوا» ذات الخمسين عامًا بالبراءة الريفية والمظهر الجمالي الذي يفيض قوة وحماسًا، وكانت تُدير مطعمًا لها بمهارة فائقة معتمِدة على ذكائها ولَباقتها، فعاشت حياتها في هدوء متناغم يدعمه الوضع المادي الذي تعيشه ورواج مَطعمها، فضلًا عن علاقات الصداقة التي تمكَّنت من إقامتها مع الكثير من ذوي السُّلطة والقوة الذين يَتردَّدون كثيرًا على المَطعم. لكن هذه الحياة لم تَبقَ على حالها عندما قرَّرت أن تتزوَّج من السيد «يوكِن نوغوتشي» وزير خارجية اليابان الأسبق. ماذا حدث للسيدة «كازو»؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الممتعة.
https://www.hindawi.org/books/81493928/1/
ستسوغوان
أَفلَت مطعم ستسوغوان من أية أضرار ناتجة عن الحرب؛ لأنه لحُسن الحظ يقع على تلة عالية في منطقة كوايشيكاوا كثيفة التعرُّجات بطوكيو. فلم تُصَب بأذى الحديقة الشهيرة التي على نسق مدرسة كوبوريئنشو ذات السمعة العريقة التي تصل مساحتها إلى عشرة آلاف متر مربع، ولا أيضًا بوابة تشوجاكو التي نُقِلَت من أحد معابد كيوتو الشهيرة، ولا المدخل وحجرة الضيوف اللتان نُقِلَتا كما هما من معبد بوذي قديم في مدينة نارا، ولا القاعة الكبرى التي أُنشِئت فيما بعد. في خضمِّ الجلبة التي حدثت بسبب ضريبة الأملاك بعد الحرب، انتقل مبنى ستسوغوان من يد مالكه الأصلي فنان صناعة الشاي ورجل الأعمال الشهير، إلى يد مالكةٍ جميلةٍ وذات نشاط وحيوية، فتحوَّل على الفور إلى مطعم ذي شهرة عريضة. تلك المالكة اسمها كازو فوكوزاوا. كانت كازو ذات براءة ريفية مع مظهر رائع الجمال، وكانت تفيض قوةً وحماسًا على الدوام. يخجل الشخص الذي يَتحرَّك قلبه بهمَّة وحماس من تعقيدات نفسه، عندما يرى كازو، وعلى الأرجح يَتشجَّع الشخص الذي ارتخت قواه المعنوية عندما يرى كازو، أو على العكس يحس بشعور الانسحاق التام. تستطيع تلك المرأة التي جمعت في جسد واحد من خلال نعمة سماوية ما، الجسارة الرجولِيَّة مع الحماس النسائي الأعمى؛ الذهاب إلى أبعد مدًى أكثر من أي رجل. كانت صفات كازو الشخصية مَرِحة بشوشة في كل سكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام، فأعطى لها ذلك مَظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت كازو منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب. تُخفي براءتها الريفية كَمِّيَّة فرْض نفسها على غيرها القليلة، وربَّت النوايا الشريرةُ المتنوِّعة للمحيطِين بها من التافهِين، لديها قلبًا أكثر تلقائية وليس به أي جموح. تملك كازو منذ زمنٍ بعيد عددًا من الأصدقاء الرجال بدون تعقيدات غرامية. وعلى العكس كان السياسي غينكي ناغاياما المحرِّك الخفيِّ لحزب المحافظِين صديقًا جديدًا نسبيًّا بالنسبة لها، وكان يكنُّ لكازو التي تصغُره بعشرين عامًا حبًّا كأختٍ صغرى له. وكان يقول دائمًا: «إنها امرأة رائعة نادرة المثال. من المؤَكَّد أنها ستفعل الأعاجيب قريبًا. بل وإن قيل لها أن تفعل ما تَقْلِب به اليابان رأسًا على عَقِب، على الأرجح ستفعل. إذا وُصِف الرجل بأنه بطل مِغوار، فالمرأة تُوصَف بالفاعلة. إذا وُجد رجلٌ يستطيع أن يستخرج من تلك المرأة مشاعر الحب، من المؤكد أن تلك المرأة في ذلك الوقت بالذات ستنفجر.» عندما سمعَت كلمات غينكي تلك من شخص آخر لم تشعر بالاستياء مطلقًا، ولكنها قالت له في وجهه ما يلي: «إنك يا سيد غينكي لست الشخص الذي يستطيع استخراج عاطفة الحب من قلبي. فلن يفيد معي أن تأتي إليَّ وأنت ممتلِئ بثقة شديدة في النفس. أنت لديك حُسْن نظر بالناس، ولكنه لا ينفع كوسيلة لاستمالة النساء.» قال السياسي العجوز بنبرة حديث مُنفِّرة: «لا نية لديَّ مُطلقًا في استمالتك. إن وصل الأمر إلى محاولة استمالتكِ فتلك نهايتي.» ومع زيادة شعبية مطعم ستسوغوان، أنفقت كازو مبالغ كبيرة في الاعتناء بالحديقة. وثمة بِرْكة جنوبية شرقية تقع على الواجهة الجنوبية تمامًا لغرفة الضيوف المسمَّاة غرفة المكتبة الصغرى، وتصبح تلك البِركة أهم منظر في الحديقة أثناء حفلات مشاهدة القمر. تحيط الحديقة أشجار عملاقة عتيقة من النادر رؤية أشجار شبيهة لها في أنحاء طوكيو. تقف أشجار الصنوبر والكستناء والدردار والقسطل شامخة، وتختفي وجوه المباني المدنية الحديثة فلا تُشوِّه مَنظر السماء الزرقاء التي يمكن التَّلصُّص إليها من بين تلك الأشجار. يسكن زوج من الحدأة منذ زمن طويل على أغصان الصنوبر العالية. ويزور الحديقة جميع أنواع الطيور من وقت لآخر. ولكن بصفة خاصة في مواسم هجرة الطيور، لا تُقارن كثرة وضوضاء الطيور التي تنزل لتقف على الأرض تلتقط الحشرات من فوق حشائش النجيل الرحبة، وحبات ثمار الناندين بأي شيء آخر. تخرج كازو كل صباح للنزهة في الحديقة، وفي كل مرة تعطي للجنائني تنبيهات ما. تكون تنبيهاتها أحيانًا صائبة، وأحيانًا لا تكون. فقط مجرد أنها تعطيه تنبيهات أصبح أحد مهماتها اليومية، وجزءًا لا يَتجزَّأ من حالتها المعنوية المرتفِعة؛ ولذلك كان الجنائني العجوز الخبير على العكس لا يعارضها. تمشي كازو في الحديقة، وكانت تلك فرصتها في التفكير بصمت وفي متعة كاملة بأنها عزباء وبمفردها. فهي تقضي أغلب اليوم إما تتحدث أو تُغنِّي، ولا تسمح لها ظروف العمل أن تكون بمفردها، ومهما كانت معتادة على التعامل مع الزبائن إلا أن ذلك يُجهدها. كانت نزهة الصباح هي الدليل على سكينة القلب الذي لا تقوم فيه الرغبة في الوقوع في الغرام. لن يُعكِّر الحب صَفْو حياتي بعد الآن … كان هذا هو اليقين الذي شعرت به بنشوة وهي تنظر إلى أشعة الشمس المهيبة المتسلِّلة من بين الأشجار التي علق بها الضباب، والتي تجعل الطحالب الخضراء في الطريق أمامها، تلمع في روعة. لقد مر وقت طويل منذ ابتعدت كازو عن الحب. ولقد أصبح آخر حب لها في ذاكرة بعيدة. وأصبح لا يمكن زعزعة شعور الأمان التي تحس به تجاه خطر المشاعر المتنوعة. كانت نزهة الصباح تلك، قصيدة شعر آمنة لكازو. وبالرغم من تخطيها الخمسين من العمر إلا أن جمال جسدها المحتفظ ببشرة خلابة وعيون متألِّقة، يخلب بلا شك قلب كل من يراها تتنزه هكذا كل صباح في الحديقة الرحبة، ويجعله يُمَنِّي نفسه بقصة حب. ولكن كانت كازو نفسها تعلم أكثر من أي شخص آخر بانتهاء القصة وموت الشِّعر. بالطبع كازو نفسها تشعر داخلها بقوة جامحة لا تُقاوَم، وفي نفس الوقت تعرف جيدًا أن تلك القوة انثَنَت بالفعل وسُيْطِر عليها ولن تستطيع التخلص تمامًا من القيود. هذه الحديقة الرحبة الغنَّاء، وتلك المباني المحيطة، وحساب البنك، والسَّنَدات المالية، والأسهُم، وزبائنها من كبار رجال عالم المال والاقتصاد ذوي السُّلْطَة والقوة، كان كل ذلك كافيًا ليعطي كازو حياة آمِنة في شيخوختها. إذا وصلت لتلك الحالة فما من قلق لديها أو خوف من أن يكرهها الناس أو يُطلِقوا حولها الشائعات من خَلْف ظهرها. إن جذورها ضاربة بعمق في هذا المجتمَع، وتحظى باحترام الجميع، وتنغمس في الهوايات الراقية تمامًا، وتستطيع في نهاية الأمر إيجاد الشخص المناسب لِيخلُفها في إدارة المطعم ثم تقضي عُمرها المتبقِّي بدون أية نواقص وهي تذهب في رحلات ترفيهية وتُوزِّع هدايا التهنئة في المناسَبات الاجتماعية. تَسبَّب امتداد تلك الأفكار داخل قلب كازو، في تباطؤها عن الحركة، فجلست فوق الأريكة التي بجوار بوابة الحديقة، وتأمَّلَت بعمق الأرض المكشوفة المليئة بالفطريات الخضراء، وتأمَّلَت كذلك أشعة شمس الصباح المتساقِطة هناك، وحركات الطيور الدقيقة. عندما تكون كازو في الحديقة فهي لا تسمع مُطلَقًا تردُّد صدى القطارات ولا أبواق السيارات. يصبح العالم لوحة صامتة. لا تَعرف كازو سَبب اختفاء عاطفة حُب وصَلَت مَرَّة لأوج اشتعالها دون أن تترك أي أثر. لا تعرف إلى أين يذهب حب اخترق قلبها لِمَرَّة بشكل مؤكَّد، ثم تَركَها ورحل. بعد تراكُم خبرات متنوعة يكبر الإنسان حتى لدرجة أن يعتقد أن نموه ذلك نوع من الكذب. إن الإنسان عبارة عن مجرى ماء مُغطًّى تمر به أشياء عديدة، بل يُعتقد أنها مجرد طريق مرصوفة بالأحجار في تقاطع تَمرُّ عليه أنواع متعدِّدة من السيارات التي تترك كل منها آثار عَجلاتها على الطريق. يَبْلى مجرى الماء المغلق وتتآكل الطريق المُعبَّدة. ولكن كان ذلك التقاطع لمرةٍ هو تَقاطُع في يوم المهرجان. لم تخُض كازو تجربة الحب الأعمى منذ وقت طويل. يبدو كل شيء مثل هذه الحديقة في أشعة شمس الصباح، واضحًا جليًّا بلا أي غموض، كل شيء يُرى جيدًا مع حواف لا تحتمل اللبس، فما من شيء واحد في هذا الكون مبهمًا. بل وتعتقد أنها يمكنها النظر بوضوح إلى كل ما داخل البشر. فما من أشياء كثيرة تثير لديها الدهشة. إن قيل إن الإنسان يخون أصدقاءه من أَجْل مصلحته الشخصية فهذا أمر يحدث كثيرًا، ولو سمعت أن فلانًا فَشِل في تجارته بسبب امرأة، فهذا أمر كثير الحدوث. ولكن الأمر المؤكَّد أنها هي فقط لا يمكن أن يحدث لها ذلك. عندما يأتي أحد لاستشارة كازو في مسألة عاطفية، تعطيه بلباقة إرشادات جيدة وصائبة. إن علم النفس الإنساني مُقسَّم بشكل مُنتظِم إلى عشرات الأدراج، ومَهْمَا كانت الأسئلة صعبة وعويصة كانت الإجابات تخرج بمجرَّد تجميع خلطة من عدة عواطف. وما من شيء في حياة الإنسان أعقد من ذلك؛ فهي تتكون من عدد محدَّد من التكتيكات، وهي تُمثِّل لاعبًا مخضرَمًا محترِفًا اعتزل اللعب وهو في موقف أنه يستطيع إعطاء أي شخص نصائح مثالية مُؤكَّدة. ولذلك كانت بالطبع تحتقر «الزمن». هل يمكن للإنسان مَهْمَا رغب في التجديد، أن يكون استثناءً لقواعد الشَّغَف الموجودة منذ قديم الأزل؟ كثيرًا ما تقول كازو: «إن شباب هذه الأيام تختلف ملابسه فقط ولكن لا يختلف جوهره عن الماضي. يظن الشباب خطأً أن تجربته الأولى هي كذلك تجربة المجتمع الأولى. إن أي انحراف هو نفسه كما كان في الماضي، ولكن لم تَعُد عين المجتمع تثير ضجة مثل الماضي؛ ولذا يتجه الانحراف إلى أن يكون أكبر وأكثر جذبًا لعيون الناس.» كان ذلك رأيًا بسيطًا وعاديًّا، ولكن عندما يخرج من فم كازو يكتسب قوة وإقناعًا. أخرجت كازو وهي جالسة سجائر من جيبها ثم دخَّنَتها بتلذذ. ارتفع ذلك الدخان مع أشعة الصباح، ثقيلًا لامعًا مثل حرير مزدوج لعدم وجود رياح. كانت متعة ذلك الطَّعم بها اعتداد بالنفس لمعيشة مريحة لا تعرفها المرأة المتزوجة بالتأكيد. كانت صحة كازو الجسدية جيدة لدرجة أنها لا تتذكر قط أنها شعرت برداءة طعم السجائر التي تُدخِّنها في الصباح مَهما بالغت في الشراب في الليلة السابقة. كانت مناظر الحديقة الكاملة محفورة في قلب كازو حتى لو لم تكن تراها من مكانها إلا أن ذاكرتها تحتفظ بكل ركن من أركانها كما لو كانت تحفظ راحة يدها. شجرة السنديان العملاقة ذات اللون الأخضر الداكن التي تَتمركَز في منتصف الحديقة، وتجمع أوراقها الصغيرة السميكة ذات البريق، العنب الجبلي المتدَلِّي حول أشجار الجبل الخلفي، … ثم المناظر التي تُرى من قاعة المكتبة، قناديل مشاهدة الثلوج المَهيبة في المدخل الرئيس مع برج المراقبة ذي حشائش النجيل الرحبة، الخيزران الكثيف في الجزيرة الوسطى التي وُضع بها برج الباغودا الخماسي القديم. وأية زرعة نباتات مهما صغرت في الحديقة، حتى أصغر زهرة، لم تَتفتَّح أو تنبت عن طريق الصدفة. أحست كازو أثناء تدخين السجائر، أن منظر تلك الحديقة المُفصَّل هذا، غَطَّى تمامًا على ذكريات عديدة ومتنوعة لديها. إن كازو تواجه الآن الناس والمجتمع مثلما تواجه هذه الحديقة الآن. ليس هذا فقط. بل إنها تمتلك كل ذلك.
يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا. يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام؛ فأعطى لها ذلك مظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت «كازو» منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب.»اتَّسمت السيدة «كازو فوكوزاوا» ذات الخمسين عامًا بالبراءة الريفية والمظهر الجمالي الذي يفيض قوة وحماسًا، وكانت تُدير مطعمًا لها بمهارة فائقة معتمِدة على ذكائها ولَباقتها، فعاشت حياتها في هدوء متناغم يدعمه الوضع المادي الذي تعيشه ورواج مَطعمها، فضلًا عن علاقات الصداقة التي تمكَّنت من إقامتها مع الكثير من ذوي السُّلطة والقوة الذين يَتردَّدون كثيرًا على المَطعم. لكن هذه الحياة لم تَبقَ على حالها عندما قرَّرت أن تتزوَّج من السيد «يوكِن نوغوتشي» وزير خارجية اليابان الأسبق. ماذا حدث للسيدة «كازو»؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الممتعة.
https://www.hindawi.org/books/81493928/2/
نادي كاغِن
أبلغ أحد الوزراء كازو أنه يريد إقامة اجتماع نادي كاغِن الدوري هذا العام في مطعم ستسوغوان. وهو نادٍ من نوادي الطبقة العليا يضم سفراء كانوا متزامِنِين في فترة العمل في الماضي، ويقيمون اجتماعهم مرة واحدة في السابع من نوفمبر من كل عام. ولكنهم حتى ذلك الوقت لم يُسعفهم حَظُّهم بمكان جيد لإقامة الاجتماع؛ لذا قام الوزير بالتوسط لديها من أجل ذلك. قال الوزير لها: «إنهم جميعًا من الطبقة العليا المثقَّفة الذين تَقاعَدوا عن العمل.» ثم أضاف: «ثمة شخص واحد فقط لا يقدر على التقاعد بأي حال. أنتِ أيضًا تعرفينه بلا شك. العجوز نوغوتشي. ذلك الرجل الشهير الذي شغل منصبًا وزارِيًّا في الماضي عدة مرات. هذا الرجل لسببٍ ما أصبح في فترة نائبًا برلمانيًّا لحزب الإصلاح، ولكنه هذه المرة خسر في الانتخابات.» كان هذا أثناء حفل في الحديقة تحت رعاية ذلك الوزير؛ ولذا لم تستطع كازو معرفة تفاصيل أكثر من ذلك. في ذلك اليوم كانت حديقة ستسوغوان ممتلئة بعدد كبير من الأجانب رجالًا ونساءً، بما يشبه أن تُغِير أسراب من الطيور العملاقة المزعجة المتنوعة الألوان على الحديقة بديلًا عن مجموعات العصافير الرقيقة التي تأتي في المعتاد. ومع اقتراب يوم السابع من نوفمبر، كانت كازو قد نَوَت على نية ما في قَلْبها. إذا كان الزبائن من هذا النوع، يجب أولًا أن تبدي احترامًا عميقًا لهم. فمن هو ملء السمع والبصر في المجتمَع الآن معتاد على المزاح السمج ويمكن أن يَتقبَّله بصدر رحب، وعلى العكس يمكن أن يعتبره شائقًا، ولكن بالنسبة إلى مَن كان في دائرة الضوء ثم تَقاعَد واعتزل العمل العام، ربما يكون نفس المزاح سببًا لجرح كرامته. ومن الأفضل عند صحبة هؤلاء العجائز الاقتصار على لعب دور المستمِع لهم، ثم مداهنتهم بحديث رقيق الحاشية يجعلهم يَظنُّون أن سُلطاتهم السابقة عادت لتتفتَّح زهورها من جديد في هذه الجلسة. كانت قائمة طعام ستسوغوان في ذلك اليوم كما يلي: الحساء: رَوْب الصنوبر، طوفو فول الصويا بالسمسم، وحساء الميسو الأبيض. الساشيمي: شرائح السبيط الحي مع بقدونس صيني وخل الأترج. الطبق الرئيس: سالمون مع حساء القواقع الحمراء، وخل الأترج، والفلفل الأخضر الحلو. المقبِّلات: طائر سمان مشوي بالصوص، استاكوزا، محار، لفت مخلل مع جذور عرق السوس. المسلوق: بط بصوص النشا المحلَّى مع جذور البامبو. السمك المطبوخ: قطعتا شبوط ودنيس مشوي بالملح وخل الأترج. الطبق الأخير: كعكة بعجينة ذرة ونبات السرخس مع برقوق مخلل. ارتدت كازو كيمونو من طراز إيدو بلون كُحْلِي ولفَّت حول خَصرها حزامًا عتيقًا مصنوعًا من قماش قرمزي بتصميم زهرة أقحوان ماسِيَّة الشكل وزَيَّنت ماسة سوداء كبيرة الحجم رباط الحزام القرمزي اللون. تجعل طريقة اختيار الكيمونو هكذا جسدها الوافر ممشوق القوام ويساعد في جَعْلِها تبدو نحيفة. كان ذلك اليوم مُشْمسًا ودافئًا، وبعد غروب الشمس وقبل ظهور القمر في السماء أتى السيد يوكِن نوغوتشي وزير الخارجية الأسبق بمعية هيساتومو تاماكي سفير اليابان الأسبق في ألمانيا. مقارنة بتاماكي ذي الجسم الضخم المهيب، كان نوغوتشي نحيفًا وبَدا متواضع الهيئة نوعًا ما. لكن كانت عيناه تحت الشعر الفِضِّي حادَّتَين في صفاء، ووسط سُفراء اليابان السابقين في أوروبا الذين تَجمَّعوا زُرافات عَرفَت كازو سبب أنه الوحيد الذي لم يتقاعد من تألُّق عينيه تلك التي تبدو مثالية. كان الحفل صاخبًا اجتماعيًّا، ولكن كانت الأحاديث التي تدور كلها تتعلق بالماضي. وكان تاماكي هو أكثرهم حديثًا. أقيم الحفل في قاعة المكتبة المتوسِّطة بمبنى الضيافة، وكان تاماكي يجلس مستنِدًا على أحد الأعمدة على الحد الفاصل بين النافذة التي تُشبِه كأس الزهرة المصبوغة باللاكيه الأسود ولوحة الفاصل رائعة الجمال. كان القاطع به رسمة لزوجَي طاووس بألوان شديدة البَهْرَجة مع زهور الفاونيا البيضاء، ورُسم في الخلفية مياه جبلية على طراز لوحات جنوب الصين، في اندماج غريب مع طراز من عصر الإقطاعيين. وكان تاماكي يرتدي ملابس مصنوعة في لندن، ويضع في جيب صدرية البذلة ساعة جيب بسلسلة ذهبية من النادر رؤيتها في الوقت الحاضر. فوالده الذي كان سفيرًا في ألمانيا كما المتوقَّع تَسلَّمها من إمبراطور ألمانيا القيصر فيلهام الثاني وكانت تلك الساعة كثيرًا ما تُسيِّر له الأمور الصعبة حتى في عصر ألمانيا الهتلرية. كان تاماكي وسيمًا، بليغ اللغة فصيح اللسان، وكان دبلوماسيًّا من النبلاء يفخر بأنه على عِلم وافر بمعيشة وعواطف الطبقات الشعبية، ولكن اهتمامه الآن يَتخطَّى العصر الحاضر تمامًا. لم يمثل حفل استقبال يجتمع فيه خمسمائة أو ألف شخص، في ذهنه إلا بريقَ ثُريَّا في الماضي. «آه كلما تذكرتُ الأمر أُصاب بالرعب. ولكنها في الواقع حكاية شائقة.» بهذا التقديم الخالي من المتعة قدَّم تاماكي لحكايته بطريقة الحاكم الإقطاعي. «لقد جذبني السيد ماتسوياما مستشار السفارة عنوة وجعلني أركب قطار الأنفاق معه؛ لأنني لم أركب قطارًا ولو مرة واحدة بعد أن أصبحت سفيرًا. كنا في العربة الثانية، لا بل كانت الثالثة من الخلف. وبعد أن رَكِبْنا، كان الازدحام قليلًا، وعندما نظرتُ أمامي، رأيتُ غورينغ.» وعند هذا الحد نظر تاماكي لكي يرى ردَّ فعل المستمعِين، ولكنهم جميعًا وكأنهم سمعوا تلك الحكاية عشرات المرات، فلم يُبدِ أحد أي ردة فعل. ولكن كازو فقط قالت ما يلي موافِقة على كلامه: «أليس ذلك رجلًا رفيع المنصب وقتها؟ لو قلنا اليابان فهو مثل كيوماسا كاتو. هل كان يركب قطار الأنفاق؟» «بالطبع. إنه غورينغ الذي كان يسقط أي طائر في السماء. كان يركب قطار الأنفاق مُتنكِّرًا في ملابس العمال الواسعة، ويلف ذراعيه حول خصر فتاة صغيرة الحجم جميلة جمالًا يبهر الأنظار في السادسة أو السابعة عشرة من العمر. لقد اعتقدتُ أنني أخطأت النظر فَدلكتُ عيني ولكنه كان غورينغ ذاته بلا جدال. فلقد كنتُ أراه كل يوم تقريبًا في الحفلات الرسمية. وعلى العكس أنا الذي تَوتَّرتُ وكان هو رابط الجأش. كانت المرأة على ما أعتقد بائعة هوى، ولكنني للأسف لستُ خبيرًا في هذا المجال.» «لَكنَّك لا تبدو كما تقول.» «في الواقع كانت فتاة حسنة الوجه، ولكن كانت مساحيق الوجه كثيفة وخاصة أحمر الشفاه، وكان العامِل غورينغ يعبث بشحمة أذنها ويُداعبها في ظهرها وكأن شيئًا لم يكن. وعندما نظرتُ بجانبي رأيتُ عيني ماتسوياما على وسعهما من الدهشة، ولكن بعد محطتين تقريبًا نزل غورينغ والفتاة … حسنًا، لم يعد أمامنا نحن الذين بَقينا شيء. وبعد ذلك التصقَتْ برأسي صورة غورينغ في قطار الأنفاق ولم تبرح من ذهني. ولكن في الليلة التالية كان ثمة دعوة لحفل يقيمه غورينغ. اقتربتُ أنا وماتسوياما من بعضنا البعض وأخذْنَا نتأمَّل. كما هو متوقَّع إنه هو الرجل الذي رأيناه في اليوم السابق دون أي اختلاف.» وأخيرًا لم أعد أستطيع كبح جماح الفضول، ونسيتُ دون وعي مكانتي كسفير، فوجهت إليه السؤال التالي: «لقد ركبنا أمس قطار الأنفاق من أجل التعرف على أحوال الشعب. وأعتقد أنها وسيلة ذات فائدة كبيرة، فهل تفعلون ذلك أحيانًا؟» وعندها ابتسم غورينغ ابتسامة خفيفة وأجاب بردٍّ ذي معنًى عميق. «نحن بالفعل مع الشعب دائمًا. نحن جزء من الشعب؛ ولذا ما من ضرورة لي لكي أركب قطار الأنفاق.» قال السفير السابق تاماكي رد غورينغ ذلك بلغة ألمانية موجزة، ثم أتبعها على الفور بترجمتها باللغة اليابانية. كان السفراء خلافًا لما يُشاع غير دبلوماسِيِّين بالمرة ولا يُنصِتون لأحاديث الآخرِين. ولقد انتظر السفير السابق لدى إسبانيا انتهاء حديث السفير تاماكي وكأنه لا يصبر على الانتظار، فبدأ يحكي عن حياته في عاصمة جمهورية الدومينيكان الجميلة سانت دومينغو عندما كان قُنصلًا فيها. طريق التنزُّه تحت غابات النخيل المحاذية لشاطئ البحر، منظر غروب البحر الكاريبي الذي يشبه الاحتراق، بشرة بنات الجزيرة الهجين السمراء التي تعكس شمس الغروب … نسي العجوز نفسه وأخذ يصف تلك الأشياء بالتفاصيل، ولكن سَحب منه السفير تاماكي الثَّرثار البساط ووجَّه دَفَّة الحديث إلى لقائه مع ديترتش في شبابه. فبالنسبة إلى تاماكي ما من قيمة لبنت جميلة مجهولة، وأن ثمة ضرورة لأسماء العظماء والأسماء التي تَلْمَع مثل الذهب لكي تُجمِّل الحديث. كانت كازو تَستَاء من تَطايُر الكلمات الأجنبية المتنوعة في حديث الضيوف وبصفة خاصة قولهم الجملة الأهم من حديثهم الفاحش بلغة أجنبية دائمًا، ولكنها مع ذلك تَولَّد عندها فضول تجاه بيئة الدبلوماسيِّين الذين لا يظهرون في مطعمها إلا نادرًا. فقد كان الجميع بالفعل «مُتقاعِدِين من الطبقة العليا في المجتمع»، وحتى وإن كانوا فقراء اليوم إلا أنهم من العُصبة التي لمست بأصابعها المجد الحقيقي في الماضي ولو لمرة. والمحزِن أن تلك الذاكرة تستمر طوال العمر تصبغ أصابعهم بالتبر. كان يوكِن نوغوتشي فقط هو الذي يلفت الأنظار من بينهم. كان في وجهه الرجولي براءة تلقائية لا تخبو دائمًا، وما مِن تفاخُر أو مَيل نحو الأناقة في مَظهره بخلاف الآخرِين. يَبرُز فوق عينيه الحادَّتَين الصافيتين حاجبان كأنهما بَقايا اندفاع ريشة رسام، تنبعج ملامح الوجه المهيبة تلك كل منها على حدة، واحدة بعد أخرى، مما يزيد من تنافُرِها مع جسده النحيف. وعلاوة على ذلك لم ينسَ نوغوتشي الابتسام، وعلامة على حماية نفسه دائمًا، لا يومئ موافقًا إلا في النادر. جَذَب ذلك التميُّز عَين كازو حتى وإن لم ترغب في ذلك، ولكن الذي لفت نظر كازو في أول لقاء لها به من النظرة الأولى هو اتساخ ضئيل جدًّا خلف ياقة قميصه الأبيض. «يا للهول! هل يرتدي وزير سابق مثل هذا القميص؟ أما من أحد يعتني به؟» أثار ذلك اهتمامها فأخذَتْ تنظر إلى ياقة قمصان باقي الضيوف من دون أن تثير الانتباه. كانت ياقات العجائز الأَنيقِين تتألق جميعها ناصعة البياض، وتقبض بصرامة على بشرتهم الذابلة. كان نوغوتشي هو الوحيد الذي لم يتحدَّث عن الماضي. قبل أن يعود إلى وظيفته بوزارة الخارجية، تولَّى منصب سفير في دولة صغيرة، ولكن كانت تلك الحياة الباذخة بعيدة تمامًا عن اهتمامه. وربما كان عدم حديثه عن الماضي دليلًا على أنه الوحيد بينهم الذي لم يَمُت بعد. بدأ السفير تاماكي الحديث مرة أخرى عن إحدى حفلات الماضي الليلية. كان حفلًا ليليًّا بالغ الفخامة أقامه القصر الملكي، تجمَّع تحت أضواء الثريا العظيمة، النبلاء من الأسر الملكية في أنحاء أوروبا. وكان ذلك الحفل يُعد معرضًا للأوسمة والنياشين والجواهر من جميع أنحاء أوروبا، وتحت انعكاسات المجوهرات الكثيفة العدد شحبت خدود النبيلات العجائز المليئة بالتجاعيد والبُقع مثل ورود بيضاء ذابلة. ثم بعد ذلك تَطرَّق الحديث إلى الأوبرا في الماضي. فبدأ أحدهم يشرح بحماس روعة مشهد التمرد في أوبرا «لوسيا» لمغنية الأوبرا أمليتا غالي غورتشي. فأَصر شخص آخر على أن أمليتا تَخطَّت ذروة عطائها؛ ولذلك فإن دور لوسيا الذي شاهده هو للمغنية توتي دال مونتي أفضل بكثير. وأخيرًا تحدث نوغوتشي قليل الكلام. «لنتوقف عن الحديث عن الماضي. إننا ما زلنا شبابًا.» قال نوغوتشي ذلك بمرح ولكن كانت نبْرَته بها اندفاع قوة جامحة فصَمَت الجمع تمامًا. غزَت تلك الكلمة قلب كازو تمامًا. والأصل في مثل هذه الحالة أن تقول مالكة المطعم قولًا غبيًّا تنقذ به الموقف وتنهي الصمت، ولكن لشدة صواب كلمة نوغوتشي ولأنها تولَّت عنها قول ما كانت تحس به حقًّا، لدرجة نسيانها لموقفها وما يجب عليها فعله. قالت كازو لنفسها: «إن هذا الرجل يستطيع قول ما يصعب قوله بطريقة رائعة». وبكلمته تلك شحب بَهاء المكان، مثل مجمرة فحم رُشت بالماء، فلم ينبعث منها إلا الرماد الأسود الرطب. سعل عجوز من الحاضرين فمَرَّ صوت البلغم المؤلم الطويل الذي تَبِع السُّعَال بين صمت الجميع وهو يجر أذياله. ويُفهم من لون أعينهم جميعًا أنهم فَكَّروا للحظة في المستقبل، أي في الموت. في تلك اللحظة انتشرت في الحديقة إضاءة القمر الباهرة. لفتت كازو انتباه الجميع إلى هذا الظهور المتأخر للقمر؛ ولأن خمر الساكي قد دار عليهم كثيرًا، فلم يُبدِ الرجال خوفًا من البرد وطلبوا أن يأخذوا جولة في الحديقة التي لم يتسنَّ لهم رؤيتها أثناء النهار. أصدرت كازو أوامرها إلى العاملات لِيُجهِّزن القناديل. وحتى العجوز الذي سعل وَضَع قناعًا أبيض كبيرًا على وجهه وخرج معهم خوفًا من أن يُترك وحيدًا. كانت أعمدة قاعة المكتبة الوسطى دقيقة ورقيقة، وصُنعت حافة الدرابزين التي تصل إلى الحديقة صناعة رشيقة مع المعبد العتيق. حملت العاملات القناديل وأضَأْن المنطقة المحيطة بأقدام الضيوف حيث بحث كل منهم عن قبقاب الحديقة فوق عتبة المطعم الحجرية؛ لأن القمر الذي ظهر فوق الجزء الشرقي من السطح، جعل تلك المنطقة في ظلام حالك. كان لا بأس من بقائهم فوق النجيلة الواسعة، ولكن عندما قال تاماكي لنذهب إلى الطريق التي خلف البركة، ندمت كازو على أنها لفتت انتباههم إلى قمر شهر نوفمبر. سقطت ظلال خمسة من الضيوف على النجيلة فبدت مضمحِلَّة جدًّا وكأن الهواجس تنتابها. «إن هذا المكان خطر. انتبه إلى موضع قدمك.» كلما حذَّرتْهم كازو بذلك القول، عانَد الضيوف الذين لا يعجبهم أن يُعامَلوا معاملة العجائز، وأرادوا الذهاب إلى طريق المنحَدَر باتجاه الغابة. هناك كانت ظلال القمر المتسرِّبة في منتهى الجمال، وأي شخص يخرج للتنزُّه ومُشاهدة القمر، ويأتي إلى البركة، يريد الذهاب إلى الطريق الخلفي للبركة وسط الأشجار. اجتهدَت العاملات تحت إمرة كازو في إنارة ما يمكن أن يُسبِّب سهولة الانزلاق مثل الصخور الخطرة، وقِطَع الأشجار، والطحالب سهلة الانزلاق، وأخَبَرْن بها الضيوف بكل وُدٍّ ودماثة خُلق. قالت كازو وهي تلف كُمَّي الكيمونو حول صدرها: «إن الليل أصبح باردًا. مع أن اليوم كان دافئًا في النهار.» كان نوغوتشي وقتها بجوارها، وبَدَا الزفير الذي يخرج من تحت شاربه أبيض تحت ضوء القمر. ولم يحاول أن يوافِقَها على كلامها بسهولة. سارت كازو في المقدمة؛ لكي تَدلَّهُم على الطريق، وبدون وعي سبَقَتْهم أكثر من اللازم. تحرَّكت قناديل الناس خلْفَها بنشاط بالِغ تحت ظلال الغابة التي تحيط بالبركة، فانعكست أضواء تلك القناديل مع القمر على سطح البركة في منظر ممتع. وفي لمح البصر أصبحَتْ كازو نفسها مثل الأطفال أكثر استثارة من الرجال المتقاعدِين من الطبقة العليا. فصرخت بصوت عالٍ من الجهة المقابلة من البركة. «إنه منظر جميل. انظروا إلى البِركة! انظروا إلى البركة!» برزت ابتسامة على وجه نوغوتشي ثم قال لها: «إنك تُصدِرِين صوتًا بكل هذا العلو! وكأنك طفلة صغيرة.» انتهت نزهة الحديقة بسلام، وبعد أن عاد الجميع إلى المكتبة الوسطى، حدثت الكارثة. زادت كازو من قوة المدفأة التي تعمل بالغاز بسبب حِرصها الكبير، وتجمَّع حول النار العجائز الذين بردت أجسامهم من ليل الخارج، كلٌّ مسترخٍ بالشكل الذي يهواه. وجاءت الفاكهة، ومعها الحلوى والشاي؛ ولأن تاماكي أصبح قليل الكلام، قلَّت الحيوية والضوضاء إلى النصف تقريبًا، وعندما جاء الوقت لكي يستعد الجميع للرحيل، ذهب تاماكي إلى المرحاض. وعندما نهض الجميع للرحيل أخيرًا، انتبَهوا إلى أن تاماكي لم يَعُد من المرحاض بَعْد. وقرر الجميع الانتظار قليلًا حتى يعود. ولكن كان الصمت في المكان ثقيلًا ولا يُطاق، وأصبح الخمسة رجال وكأنهم لديهم موضوع لا يريدون الحديث عنه. وأخيرًا وقَعَت الأحاديث على تحدُّث كل واحد منهم على حدة عن حالته الصحية، وبدأ كل منهم يشتكي من كثرة البلغم، أو مَرَض المعِدة أو الضغط المنخفِض. وظل نوغوتشي بوجه متجهِّم لا يريد الاشتراك في مثل هذا الحديث. نهض نوغوتشي وقال بنبرة هادئة: «سأذهب لأتفقَّد الوضع.» وكأن كازو حصلت على تلك الكلمة شجاعة النهوض، سبَقَته لكي ترشده إلى المكان. هرعت كازو مسرعة في الممَرِّ الذي صُقل ونُظِّف بعناية بالِغة. وعثَرَا على السفير تاماكي فاقدًا وعيه داخل المرحاض.
يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا. يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام؛ فأعطى لها ذلك مظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت «كازو» منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب.»اتَّسمت السيدة «كازو فوكوزاوا» ذات الخمسين عامًا بالبراءة الريفية والمظهر الجمالي الذي يفيض قوة وحماسًا، وكانت تُدير مطعمًا لها بمهارة فائقة معتمِدة على ذكائها ولَباقتها، فعاشت حياتها في هدوء متناغم يدعمه الوضع المادي الذي تعيشه ورواج مَطعمها، فضلًا عن علاقات الصداقة التي تمكَّنت من إقامتها مع الكثير من ذوي السُّلطة والقوة الذين يَتردَّدون كثيرًا على المَطعم. لكن هذه الحياة لم تَبقَ على حالها عندما قرَّرت أن تتزوَّج من السيد «يوكِن نوغوتشي» وزير خارجية اليابان الأسبق. ماذا حدث للسيدة «كازو»؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الممتعة.
https://www.hindawi.org/books/81493928/3/
رأي السيدة تاماكي
لم يسبق لكازو أن واجهَت مثل هذا الموقف بعد أن أصبحت مالكة مطعم ستسوغوان. استدعت الناس بصوتٍ عالٍ. وتجمَّع حولها العاملات. فأمرتهن بتجميع كل الرجال في المطعم على الفور. وفي ذلك الوقت تجمَّع أعضاء جماعة كاغِن في الممر مُقترِبِين منها. استمعت كازو بجانب أذنها نوغوتشي يتحدَّث بصوت رابط الجأش إلى أحد الأعضاء: «لا بد وأنه نزيف في المخ. سيكون ذلك مزعجًا لهذا المطعم ولكن أعتقد أنه يجب عدم تحريكه، واستدعاء طبيب هنا ليراه. دعوا الأمر لي جميعكم لديكم أسر في انتظاركم؛ ولأنني الوحيد الذي ليس له عائلة وأستطيع الحركة بحرية.» ومن العجيب أن كلمة نوغوتشي تلك هي التي ظلت باقية بوضوح في أذن كازو وسط تلك الحادثة الكبرى التي حدثت. من المؤكد أن نوغوتشي قال: «الوحيد الذي ليس له عائلة»، ومعنى تلك الجملة ظل يطلق شعاع ضوء داخل قلب كازو وكأنه بالضبط مثل سِلك فضي انقطع فظل يرتجف بلا نهاية. بذلت كازو كل جهدها بإخلاص من أجل تاماكي الذي أصيب بالمرض فجأة، ولكن بين أوقات الانشغال تلك، كانت كلمة نوغوتشي فقط هي التي ظلت محفوظة في وعيها بألوان زاهية. أسرعت زوجة تاماكي بالحضور للمطعم فَبكَت كازو أمامها وهي تعتذِر لها لإحساسها العظيم بالمسئولية تجاه إهمالها. ومع أن مشاعرها لم يكن بها أي نوع من الكذب، إلا أن كلمة نوغوتشي كانت تحيا في عقلها الباطن بوضوح تام. «إنك تُفرِطين في تحميل نفسك المسئولية. إن تاماكي يأتي لأول مرة، ولا تعرفين أنت أي شيء عن حالته الصحية، وتاماكي ذاته هو الذي اقترح التَّنزُّه في الحديقة الباردة.» هكذا دافع نوغوتشي عن كازو وهو يقف بجوارها. استمر تاماكي في إصدار شخير بصوت عالٍ. كانت زوجة تاماكي سيدة متوسِّطة العمر ترتدي ملابس غربية جميلة أصغر من عمرها بكثير جدًّا. ولكنها كانت باردة المشاعر تجاه حالة زوجها. ثم عقدت حاجبيها بخفة تجاه صوت عزف الشاميسن المتألق الذي يأتي من وقت لآخر من القاعة الكبرى. ووصل قرار الزوجة إلى قمة الهدوء عندما رفضت بعناد رأي الطبيب بضرورة إبقائه بحالته تلك لمدة يوم كامل قائلة سببًا في منتهى الوجاهة للرفض. «إن زوجي كان يُكرِّر دائمًا كلمة لا يجب إزعاج الآخرين. ولا أدري إلى أي مدى سيعنفني بعد شفائه إن أزعَجْنا ستسوغوان أكثر من ذلك. وعلاوة على ذلك فهذا مطعم يأتيه العديد من الزبائن. وإن كان لنا صداقة قوية منذ زمن طويل ربما يمكن تقبل ذلك، ولكنني لا أستطيع أن أجعل مالكة المكان تنزعج أكثر من ذلك. يجب نقله إلى المستشفى بأسرع وقت ممكن …» كرَّرَت الزوجة نفس القول بنبرة كلام راقية، وكررت شكرها أكثر من مرة لكازو التي تقف بجوارها. وعلى العكس من ذلك كرَّرَت كازو رأيها قائلة: «لا داعي للتحفُّظ أو الخجل، سأتولى رعاية المريض هنا حتى يسمح الطبيب له بالحركة.» وظل الاثنان يتبادلان تلك المجاملات الجميلة بجوار رأس المريض الذي يصدر شخيرًا عاليًا ولا يعرف متى ينتهي ذلك التنازل المتبادَل. ثم مهما مضى من وقت لا تفقد الزوجة هدوءها وسَكينتها، وكازو كذلك لا تفقد دماثتها التي تفرضها بنقاء، مما جعل الطبيب السمين يضجر. كان المكان الذي حُمل إليه المريض غرفة متوسطة الحجم معزولة لا تستخدم في المعتاد. وبمجرَّد وجود المريض ونوغوتشي والسيدة تاماكي والطبيب والممرضة وكازو فقط أصبحَت تلك الغرفة تعاني بالفعل من الازدحام والفوضى. غمز نوغوتشي بعينه إلى كازو لتخرج من الغرفة. أطاعته كازو وخرجت إلى الممر. مشى نوغوتشي أكثر وأكثر في الممر. وأثناء رؤيتها لمنظر ظهره هذا، ولأن طريقة مشيه كانت تمتلئ بثقة بالغة بالنفس؛ شعرت كازو على العكس أن هذا هو بيت نوغوتشي وأنها مجرد ضيفة جاءته صُدفة. ظل نوغوتشي يمشي بعشوائية ودون تخطيط. ويَعْبُر الممر المنحني للخلف قليلًا والذي يتخذ شكل الجسر. ثم مشى أكثر في الممر وانعطف يسارًا. وخرج إلى الحديقة الخلفية التي تمتلئ بزهور الأقحوان البيضاء. وبينما الحديقة الأمامية لا يُزرع بها زهور، كانت الحديقة الخلفية لا تنقطع عنها الزهور في الفصول الأربعة. كانت الغرفتان الصغيرتان المتتابعتان اللتان تطلان على تلك الحديقة هما غرفتي كازو. كانت الإضاءة مطفأة في الغرف. من أجل المعيشة الشخصية لها عندما تغادر العمل، كانت كازو تحتاج إلى مثل تلك الحديقة الصغيرة التي يمكن أن نطلق عليها رَثَّة وغير مرتبة. وحتى الزهور والحشائش ليست مزروعة بطريقة نظامية في غاية الصرامة، ولم تضع بها أحجار الحدائق ولا حوض الماء للتطهُّر كما تقتضي الطريقة المثلى، بل بالضبط مثل مُنتَجع صيفي مُؤجَّر صغير، تريد حديقة مثل هذه مخطَّطة بأصداف القواقع حَوْل زهور رجلة الصنوبر؛ ولذلك فالأقحوان الأبيض لهذه الحديقة، غير متماثل، بعض الأقحوان طويل، وبعضه قصير وفقير. وتصبح هذه الحديقة في بداية الخريف عبارة عن حديقة زهور الكوزموس الفوضوي. تعمدت كازو ألا تدعو نوغوتشي إلى غرفتها، ولم تظهر له أن تلك الغرفة هي محل إقامتها؛ لأنها كانت تَكْره أن تبدي له أُلفة بشكل ملحوظ. دَعَت نوغوتشي إلى الجلوس على المقاعد التي وُضعت بحيث تطل على منظر الحديقة بالكامل. وبعد أن جلس هناك تحدث نوغوتشي على الفور. – «أنتِ عنيدة حقًّا! بهذا العناد لن يصبح الحنان الذي تُظهرينه حنانًا.» – «أجل! حتى وإن كان زبونًا يأتي لأول مرة، لو فرضًا ظهر عليه مرض في مطعمي، يجب عليَّ أن أرعاه في مرضه.» – «هذا ما تريدين أنتِ أن تنفذِّيه؟ إنك لستِ طفلة صغيرة، وتعرفين أن رفض زوجة تاماكي ليس مجرَّد الرفض المعتاد، ألا تفهمين ما تحاول قوله؟» – «أفهم ذلك جيدًا.» ابتسمت كازو وقد جمعت بعض التجاعيد الطفيفة حول حافة عينيها. – «إذا كنتِ تفهمين فما تفعلينه يُسمى عنادًا.» هذه المرة لم تضحك كازو. «ألا ترين أن تلك الزوجة التي أُبلغت أن زوجها سقط مريضًا بشكل مفاجئ، لم تَظهَر إلا بعد أن أخذت وقتًا في التزين على أكمل وجه؟» – «إذا كانت المرأة زوجة سفير، فهذا هو الأمر الطبيعي.» – قال نوغوتشي: «لا يمكن القول إنه من الضروري فعل ذلك.» وهذه المرة هو الذي صَمَت. استمتَعَت كازو بذلك الصمت متعة كبيرة. يُسمع صوت أغاني الموسيقى الوترية في خفوت قادمًا من القاعة الكبرى. أحست كازو وقتها أنها أُنقذت من القلق والحيرة أخيرًا بعد تلك الحادثة. استند نوغوتشي بتُؤدة على مقعده وأخرج سجائره. فوقفت كازو وأشعلتها له. فقال نوغوتشي لها بصوت حازم. «شكرا لكِ.» فهمت كازو جيدًا أن كلمة الشكر تلك كان لها صدى يَتردَّد من موقع يختلف عن علاقة مالكة مطعم بزبون. «أحس بالاعتذار للسيد تاماكي ولكني الآن أشعر بحالة من البهجة. تُرى هل جاء أثر السُّكر من شرب الخمر بعد كل تلك المدة؟» «حقًّا!» قال نوغوتشي ذلك بنبرة غير مَعْنية بالأمر ثم أضاف: «كنت أفكر الآن في حب المرأة للمظاهر الفارغة. سأدع نفسي أتكلم بصدق أمامك أنتِ بالذات، السيدة تاماكي ترى أنه إن حان أَجَل زوجها فهي تريد أن يموت على سرير المستشفى وليس في قاعة مطعم حتى إن أدى ذلك إلى التسريع بوفاته. إذا تحدثتُ عن مشاعري أنا، فأنا في أشد الحسرة على فقدان صديق قديم. وكانت مشاعري أنني أريد أن أطلب منكِ بقاءه هنا حتى تتحسن حالته ويمكننا نقله إلى المستشفى … ولكن أمام حب الْمَظاهر الفارغة التي تتمتع به زوجة صديقي لن يمكن أن أفرض مشاعر الصداقة مهما كانت قوة تلك الصداقة.» «ذلك يعني أنك لا تمتلك فعلًا محبة صادقة له.» قالت كازو ذلك وهي تشعر أنها أصبحت تستطيع قول أي شيء لنوغوتشي. ثم أضافت: «أنا أنفذ ما أشعر به مهما كان قول الآخرين. ولقد فعلت ذلك في حياتي حتى الآن. حقًّا، لقد نفذت رغبتي بتلك الطريقة.» «والليلة أيضًا تصرين على تنفيذ تلك الطريقة، أليس كذلك؟» قال نوغوتشي ذلك بنبرة حديث جادة جدًّا. وأصبحت كازو التي أحست أنه يغار منها بقمة الابتهاج. ولكن المرأة ذات الفطنة أسرعت بالتفسير الجيد. «كلا. فأنا اندهشتُ جدًّا وأحسستُ أيضًا بالمسئولية. فلست أحمل أية مشاعر تجاه السيد تاماكي.» «هل كان ذلك مجرد عناد فقط؟ إذن يجب أن ننقل المريض بأسرع وقت.» كانت كلمات نوغوتشي تلك التي قالها وهو ينهض من مقعده، باردة برودًا قاطعًا وغير ودودة مطلقًا، فقضت تمامًا على أوهام كازو. وخرج منها رد تلقائي بدون أن تختلط به أية مشاعر، وكان ذلك يوضح ثقة كازو الشديدة بنفسها: «حاضر. لنفعل ذلك. كما تريد السيدة تاماكي.» عاد الاثنان خلال الممر دون أن يَنبِسا بكلمة. وأخيرًا في منتصف الطريق كان نوغوتشي هو الذي بدأ الحديث قائلًا: «إن أدخلناه المستشفى الليلة، فسأعود للبيت. وأذهب في ظهيرة الغد لزيارته. فعلى كل حال أنا لا عمل لدي.» انتهت الضجة التي كانت تأتي من القاعة الكبرى ولذا يبدو أن زبائنها قد رحلوا. وسيطر ليل هادئ يشبه سكون الكهوف المميز لمطعم ستسوغوان بعد الولائم. أرشدت كازو نوغوتشي واخترقت معه القاعة الكبرى؛ لأن ذلك سيكون طريقًا أقصر. انحنت العاملات اللائي يقمن بترتيب القاعة عند مرور الاثنين. ومر الاثنان من أمام القاطع الذهبي الكبير المكون من ستة تواءم والذي يصنع خلفية لخشبة مسرح الرقص. ترسب اللون الذهبي للقاطع بعد الوليمة، محتفظًا ببعض السخونة، لدرجة الشعور بظلام كئيب. سألت كازو إحدى العاملات قائلة: «هل قال أشار أحد الزبائن في نهاية الحفل إلى عدم وجودي هنا؟» رفعت تلك العاملة الماهرة متوسِّطة العمر وجْهَها في رِيبة. فقد كانت عادة كازو ألا تلقي مثل هذا السؤال الوظيفي أمام أحد الزبائن مطلقًا، ولأن نوغوتشي كان زبونًا بما لا شك فيه. أجابت العاملة: «كلا. فَوَقْت نهاية الحفل كان الجميع في حالة مزاجية جيدة.» فتح نوغوتشي وكازو باب الغرفة بهدوء. نظرت السيدة تاماكي نظرات حادة إليهما. كانت حواجبها الرفيعة مرسومة في غاية الدقة، وكان الدبوس الذي يُثبت القبعة السوداء على وشك الخلع، وكان ذلك الدبوس البلاتيني يستقبل إضاءة الممر ويجعلها تهتز.
يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا. يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام؛ فأعطى لها ذلك مظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت «كازو» منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب.»اتَّسمت السيدة «كازو فوكوزاوا» ذات الخمسين عامًا بالبراءة الريفية والمظهر الجمالي الذي يفيض قوة وحماسًا، وكانت تُدير مطعمًا لها بمهارة فائقة معتمِدة على ذكائها ولَباقتها، فعاشت حياتها في هدوء متناغم يدعمه الوضع المادي الذي تعيشه ورواج مَطعمها، فضلًا عن علاقات الصداقة التي تمكَّنت من إقامتها مع الكثير من ذوي السُّلطة والقوة الذين يَتردَّدون كثيرًا على المَطعم. لكن هذه الحياة لم تَبقَ على حالها عندما قرَّرت أن تتزوَّج من السيد «يوكِن نوغوتشي» وزير خارجية اليابان الأسبق. ماذا حدث للسيدة «كازو»؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الممتعة.
https://www.hindawi.org/books/81493928/4/
صحبة فارغَيْن
نُقل السفير تاماكي على الفور إلى مستشفى جامعي. في ظهيرة اليوم التالي عندما ذهبت كازو لزيارته، قيل لها إن حالة الغيبوبة مستمِرَّة. وأرسلَت كازو سلة الفاكهة فقط إلى غرفة المريض، وتراجعَتْ إلى مقعد بعيد جدًّا في المَمر تنتظر نوغوتشي؛ ولأنها مهما انتظرت لم يأتِ نوغوتشي، عرفت كازو أنها أحبَّت نوغوتشي مَعرِفة مُؤكَّدة. ومع أن كازو ذات شخصية قوية، إلا أنها لم يسبق لها أن أحبت رجلًا أصغر منها سنًّا. إن الشباب يرزحون معنويًّا وبدنيًّا تحت أعباء كثيرة، وخاصة عندما يعشقون امرأة أكبر منهم سنًّا، يزداد غرورهم ولا يُعرف إلى أي مدى يصل. وغير ذلك السبب كانت كازو لا تحب الشباب جسديًّا. فمن وجهة نظر المرأة، فإنها تشعر شعورًا أكثر حدة من الرجل نفسه بعدم التوازن الْمُخجل بين روحه وجسده، ولذا لم تقابل كازو فتًى يحقق ذاته الشابة بمهارة. وكذلك كانت تشعر بالاستياء من لمعان بشرة الشباب النضرة. كانت كازو تُفكِّر في هذا الأمر وهي تنتظر في ممر المستشفى الكئيب الْمُعتِم. يمكن معرفة مكان غرفة تاماكي في نهاية الممر بوضوح من هذا المكان البعيد؛ لأن باقات الزهور التي أحضرها الزائرون فاضت إلى خارج الغرفة بالفعل. انتبهت كازو إلى عُلو نباح كلاب فجأة، فنظرَت من النافذة إلى الخارج. كانت كلابًا ضالَّة حُبِسَت من أَجْل استخدامها في التجارب داخل قَفص معدني واسع تحت سماء غائمة باردة قليلًا. يَصطفُّ داخل ذلك القفص عدد مَهول من بيوت الكلاب وكانت أشكال تلك البيوت في الواقع غير مُنتظِمة. منها ما يُشبِه سلسلة من أقفاص الدجاج، وهناك الأكواخ التي تُستَخدم كبيوت كلاب الحراسة العادية. وبيوت الكلاب العادية تلك موزعة بعشوائية فمنها المائل ومنها الساقط على جانبه. لا ريب أن ذلك بسبب أن الكلاب التي رُبِطَت بالسلاسل تجذب الأقفاص وتَلفُّ بها. ثمة كلاب مكشوط جلدها، وكلاب في نحافة شديدة جنبًا إلى جنب مع كلاب سمينة. وكلها تنبح في وقت واحد نباحًا حزينًا وكأنها تشتكي حالها. ويبدو أنَّ عمال المستشفى قد تَعوَّدوا على تلك الحالة، فلا يَأْبَه أحد بالقفص الحديدي. وتَصطَفُّ على الجانب الآخر من القفص نوافذ صغيرة كئيبة لمبنى مركز أبحاث قديم مُكوَّن من ثلاثة طوابق. يبدو زجاج النوافذ الذي يعكس السماء الغائمة كأنه عيون مُتعكِّرة فَقدَت الفضول. … أصبح قلب كازو أثناء سماعها ذلك النباح المتزامن من الكلاب؛ يمتلئ بمشاعر التعاطف الحارَّة معها. ولقد اندهشت كثيرًا من أن قَلْبَها أصبح بهذه الحالة من سهولة التأثر والتعاطف. ثم بكت متأثرة وهي تقول: يا لها من كلاب بائسة! يا لها من كلاب بائسة! وفلتت من معاناة الانتظار عندما بدأت تفكر بجدية هل من وسيلة لإنقاذ تلك الكلاب؟ وشاهد نوغوتشي الذي جاء وجه كازو الباكي؛ ولذا عندما رأى وجهها سألها على الفور: «هل مات؟» أسرعت كازو بالنفي، ولكن كان الوقت سيئًا فلم تَعثُر على فرصة ملائمة لشرح سبب دموعها. فلقد سألها نوغوتشي بِتعجُّل سؤالًا طفوليًّا ضحلًا. «هل تنتظرين أحدًا في هذا المكان؟» أجابت كازو بوضوح: «كلا.» وعندها فاضت الابتسامة أخيرًا على خدودها الغنية. فقال لها نوغوتشي: «إن كان الأمر كذلك، فلقد جئتُ في الوقت المناسب. انتظريني هنا، سأنتهي سريعًا من زيارة المريض وأعود. فأنا رجل خالي العمل وأنت خالية في الظهر أليس كذلك؟ ولأننا هكذا لدينا وقت فراغ فلنذهب لتناول الغداء معًا في المدينة.» ••• عندما كان الاثنان يهبطان طريق المنحدَر المعبَّدة بالأحجار خلف المستشفى الجامعي، تَمزَّقت الغيوم، وسقطت منها أشعة شمس بجراءة وكأنها ماء سلسال فوق المشهد. اقترح نوغوتشي عليها المشي، فأعادت كازو السيارة التي كانت تنتظر. كانت نبرة نوغوتشي التي اقترحت المشي معًا بها قوة أخلاقية، لدرجة إرجاع السيارة خصوصًا من أجل ذلك. وأخذت كازو انطباعًا أنه ينتقد رفاهيتها بطريقة غير مباشرة. ولقد جاءت كازو بعد ذلك أكثر من فرصة لتصحيح ذلك الانطباع، ولكن لأن طريقة كلام نوغوتشي وسلوكه في الحياة اليومية كانت نبيلة وراقية بدرجة شديدة، حتى لدرجة أن أنانيته ونزوته الضئيلة تبدو وكأنها أخلاقية. حاول الاثنان عبور الطريق للذهاب إلى حديقة إيكينوهاتا. كانت الطريق تعج بالسيارات ومع ذلك كانت كازو لديها ثقة في قدرتها على عبور الطريق إلا أن نوغوتشي كان حريصًا ولا يحاول العبور، وعندما تحاول كازو الإسراع بالعبور يقول لها: «ليس بعد. ليس بعد» ويوقفها. فتضيع فرصة من كازو هباء. كلما حانت فرصة وجود مسافة بين السيارات يُفترض أنها تستطيع العبور أثناءها، تذهب تلك الفرصة هباء في لمح البصر أمام عينها من خلال تَدفُّق السيارات المقترِبة التي تعكس شمس الشتاء على نوافذها الأمامية. وأخيرًا نَفد صبرها من الانتظار فأمسكت يد نوغوتشي بقوة وأسرعت بالعبور وهي تقول: «الآن. الآن.» وبعد أن عبرا إلى الجهة الأخرى من الطريق، ظلت كازو تمسك يد نوغوتشي. كانت تلك اليد جافة جدًّا ورفيعة وكأنها تشبه عينة النباتات. ولكن باستمرار قَبْض كازو عليها، أفلت نوغوتشي يده من يدها أخيرًا خلسة وكأنه يسرقها. كانت كازو تستمر في مسك يده بدون وعي تمامًا، ولكن تجاه سحب نوغوتشي يده بتلك الطريقة المتخوِّفة جَعلَها تَنتبِه إلى طَيشها. كانت يده بالضبط مثل حالة طفل مُتعكِّر المزاج يَتلوَّى بجسده ويهرب من حماية الكبار له. نظرت كازو دون وعي إلى وجه نوغوتشي. كانت العين التي تحت الحاجب المتجَهِّم صافية صفاء حادًّا وفي سلام تام وكأن شيئًا لم يَكن. وصل الاثنان إلى حديقة إيكينوهاتا وسارَا يسارًا في الطريق المحاذي للبِركة. كانت نسائم الهواء التي تأتي عَبْر البركة باردة على الأغلب وتجعل سطح الماء مجعدًا مثل قماش الكريب. تمتزج ألوان سماء الشتاء الزرقاء والغيوم البيضاء، مع الماء المرتعش، ويصل لون السماء الأزرق من بين ثقوب الغيوم لِيتلألأ على حافَّة الضفة المقابِلَة للبِركة. وخرجت خمسة أو ستة مراكب للتنزُّه في البِركة. غُطِّيت ضفة البركة بأوراق الصفصاف الرقيقة التي سقطت من أشجارها، وكانت ألوان تلك الأوراق الساقطة تتراوح بين لون أصفر تمامًا وبين لون أصفر غلب عليه اللون الأخضر. وكانت ألوان الأوراق الساقطة أكثر بهرجة من الأشجار الواقفة المليئة بالأتربة والتي غُطيت بأوراق القمامة. ظهر من الاتجاه المقابِل مجموعة من تلاميذ المدارس المتوسِّطة يُمارسون رياضة الجري. وكانوا يرتدون سراويل التدريب البيضاء القصيرة الموَحَّدة، وبَدا أنهم أَنهَوا دورة أو دورتين حول البِركة، وحالتهم وهم يعقدون حواجبهم وتهتاج أنفاسهم بمعاناة كالتي تُميِّز الشباب الصغار، تجعل المرء يتذكَّر تمثال أشورا في معبد كوفوكوجي. غادروا مُسرعِين من جانب الاثنين دون إلقاء نظرة جانبية إليهما وتَبقَّى فقط صوت الحذاء الرياضي الذي يضرب الأرضية. ظهرت المنشفة الوردية التي يلفها أحدهم حول عنقه بوضوح تام تحت أشجار الطريق الذابلة حتى بعد ذهابه لمسافة بعيدة. وبدا نوغوتشي لا يحتمل عدم التحدث عن المسافة العُمْرِية بينه وبين هؤلاء الأشبال التي تكاد أن تصل إلى نصف قرن من الزمان وإبلاغ كازو بها فقال: «إنهم رائعون. إن الصغار رائعون حقًّا. إن صديقًا لي يَتولَّى منصب رئيس اتحاد الكشافة، أنا أعتقد أنه عمل غبي، ولكنني أَتفهَّم شعور مَن يغرق لأذنيه في عمل مثل هذا.» وافقته كازو قائلة: «إن الأطفال في منتهى البراءة.» ولكن تلك البراءة عندما تراها على الجهة المقابِلة من البركة لم تكن من النوع الذي يُسبِّب لها شعورًا بالغيرة، علاوة على أن كازو أَحسَّت أن انطباع نوغوتشي في مُنتهى المباشَرة والاعتيادية. نظر الاثنان في الاتجاه الذي جرى فيه الشباب مُبتعدِين بمحاذاة البركة ويُلقُون عليها بظلالهم. تتابع تجمعات البنايات في حي هيروكوجي أوينو بكآبة، ويرتفع بالونان للدعاية بلون ثمار الحرنكش فوق السماء التي تَغبَّشَت بالدخان والسُّخام. اكتشفت كازو أن طَرف مِعطف نوغوتشي بالٍ، وأصبح كل ما تراه كأنه يُوجِّه لها الانتقاد. كانت كازو لا يمكنها فعل شيء تجاه كل تلك الاكتشافات البائسة التي تَعثُر عليها. وتشعر أنها ترفض تَطفُّلها من البداية، ثم أظهر نوغوتشي حساسية غير متوقعة تجاه نظراتها فقال: «هذا؟ إنه معطف اشتريته من لندن عام ١٩٢٨م. ألا تعتقدين أنه كلما كانت روحك شابة كانت الملابس العتيقة أفضل؟» اخترق نوغوتشي وكازو جزيرة بنتن التي تحيط بها أوراق اللوتس، وصَعدَا تَلَّة أوينو من مدخل معبد غوجوتِن الشنتوي، ثم وَصَلا إلى المدخل العتيق لمطعم سيوكن وهُمَا يتأمَّلان سماء الشتاء الزرقاء التي تبدو وكأنها لوحة زجاجية على الجانب الآخر من لوحة الظلال الرقيقة للأشجار الذابلة. كان مطعم المشويات ذلك خاليًا تقريبًا مع أنه وقت تناول وجبة الغداء. طلب نوغوتشي وجبة غداء كاملة وطلبت كازو نفس طلبه. بدا برج الناقوس القديم من الواجهة من خلال تلك المائدة التي تطل على النافذة. قالت كازو صراحةً وقد فرحت بالمدفأة داخل المطعم: «كانت نزهة في جو بارد، ألا ترى ذلك؟» ولكن مع ذلك كانت تلك النُّزهة تَصطَبِغ بألوان لم تَكُن كازو المشغولة في حياتها اليومية بعملها في معاملة الزبائن تعرفها مُطلَقًا، أعطتها تلك النزهة القليل من الدهشة؛ فكانت من صفات كازو ألا تُحلِّل ما تفعله الآن تحليلًا مزعجًا، وأن تؤجل ذلك لتفعله فيما بعد مجمعًا. مثلًا تذرف دموعها فجأة وهي تتحدث مع أحد الأشخاص. هي لا تعرف وقتها سَببَ تلك الدموع، بل تبكي ولا تعرف هي نفسها سبب مشاعرها تلك. وحتى بعد أن قالت كازو إن النزهة كانت في جو بارد، لم يقل نوغوتشي أعتذر لك؛ لأنني جعلتُك تمشين؛ ولذا كانت كازو لا تتحمل البقاء صامتة دون أن تشرح بالتفصيل لمَ كانت تلك النزهة ممتِعة رغم برودة الجو. وأخيرًا واستغلالًا لقدوم أطباق المقبِّلات قال نوغوتشي هامسًا: «كانت ممتِعة.» ولكن بانت السعادة على نوغوتشي رغم عدم إظهاره أية تعبيرات على وجهه. لم يسبق أنْ رأت كازو رجلًا بتلك الصفات من قبل. بالطبع كان هناك الكثير من الزبائن قليلي الكلام، وكازو هي دائمًا مَن يتحدث كثيرًا، ولكن بدا أن نوغوتشي بقِلَّة كلامه تلك هو الذي يجذب كازو ويدور بها. ولا تعرف كازو لِمَ يمتلك هذا العجوز المتواضِع للغاية مثل تلك القوة. بعد أن انقطع الحديث، تأمَّلَت كازو طيور الجنة المحَنَّطة داخل صندوق زجاجي، والستائر المغزولة غزلًا رفيع الذوق، والإطار الذي كُتب عليه عبارة «لتمتلئ القاعة بالضيوف الصالحين.» ولوحة البارجة إيسه القديمة التي صنَعَتها شركة كاواساكي لصناعة السفن. وكانت تلك اللوحة بالفعل، تُظهر تمامًا أنها من إبداع فنان الرسم على النحاس في نهاية عصر إيدو «دينزن أوُدو» ورُسمت بنفس أسلوبه. تمخر البارجة إيسه عباب البحر وهي تدفع خط الأفق المائي الأحمر من بين أمواج البحر المرسومة بدقة. ثمة ما يهيج قَلْب كازو الذي يحب حيوية وطاقة كل شيء مُزدَهر ونشط حاليًّا، من شدة التوافق التام مع وزير سابق يرتدي ملابس إنجليزية قديمة ويتناول وجبة غداء في مطعم غربي من عصر ميجي مثل هذا. وفجأة قال نوغوتشي: «إن وظيفة الدبلوماسي هي رؤية الناس، وأنا أعتقد أنني على مدار حياتي جعلت قدرتي على رؤية الناس فقط هي مهارتي. إن زوجتي الراحلة كانت امرأة عظيمة، ولكنني رأيتها بعينيَّ هاتين مرة واحدة فقط وحسَمْتُ قراري على الفور، ولكن لأنني لستُ عرَّافًا فليس لي علم بالآجال. لقد أصاب زوجتي المرض بعد نهاية الحرب مباشرة وتُوفِّيَت؛ ولأننا لم ننجب أطفالًا أصبحتُ وحيدًا تمامًا … آه، عندما تقل كمية الحساء يُشرب بإمالته إلى الجهة الأخرى. أجل بتلك الطريقة.» فوجئت كازو بشدة ولكنها أطاعته بتلقائية. لم ينتقد رجل حتى الآن طريقة أكلها للطعام الغربي. واصل نوغوتشي كلامه دون أية مبالاة لتعبيرات وجه كازو قائلًا: «في ربيع العام القادم، سأذهب إلى نارَا مدعوًّا من صديق لمشاهَدة طقس النار المقدس في قاعة الشهر الثاني. لم يسبق لي رؤية ذلك المهرجان من قبل رغم هذا العمر الطويل. وأنتِ؟» – «وأنا أيضًا نفس الأمر. مع كثرة دعوتي من كثيرين. ولكن حتى النهاية …» – «ما رأيك؟ أَلَا تأتين معي؟ مع أني أعتقد أنك مشغولة في عملك.» – أسرعت كازو بالقول: «موافقة»، على الفور. ومع أنه وَعْد لا يزال أمامه ثلاثة أو أربعة أشهر، إلا أنها بمجرد أن أجابت «نعم» اهتاجت مشاعرها، وفاضت تَخيُّلاتها، ولم تستطع كازو أن تُخفي تدفق الدماء إلى رأسها بعد أن اقترن دخولها من مكان بارد إلى غرفة بها مدفأة مع تصاعد الحرارة إلى وجهها. قال نوغوتشي وهو يحرك السكين المخصَّص لتقطيع الأسماك والذي نُقش عليه نقش دقيق: «إن بكِ ما يشبه اللهب.» بدا نوغوتشي في قمة الرضا وهو يفرض ملاحظاته على الآخرين بثقة في النفس. «لهب» كرَّرت كازو الكلمة؛ لأنها كانت في قمة السعادة عندما قِيلَت لها. «تقول لهب؟ ولكن تُرى كيف يكون ذلك؟ إن الجميع يسخرون مني بالقول إنني كُرة من اللهب، مع أنني شخصيًّا لا أعتقد ذلك.» – «أنا لا أقول ذلك بغرض السخرية.» سكتت كازو لأن كلمة نوغوتشي بدت لها وكأنه قالها وهو في منتهى الانزعاج. بدأ الحديث الذي انقطع مرة أخرى من الحديث عن زهرة الأوركيد. وكان هذا الحديث أيضًا لا تعلم عنه كازو شيئًا، وكان يجب عليها أن تَصمُت وتُصغِي أذناها لهذا المسن الذي أمام عينيها وهو يَتفاخَر مثل مُراهِق صغير بما يملك من معلومات لا تفيد. وأمكنها تخيل نوغوتشي من بضع عشر سنة مضت يُظهر بفخر واعتزاز كل ما يملك من معلومات أمام إحدى الفتيات التي يعجب بها. – «انظري إلى هناك. هل تعرفين ذلك النوع من زهور السحلبية ماذا يُسمى؟» لفت كازو عنقها وشاهدت سريعًا أصيص الزرع الذي وُضع فوق قاعدة خلفها، ولكن لأنها لم يكن لديها أي اهتمام، أعادت عنقها للأمام دون أن تراه تقريبًا وأجابت بأنها لا تعرف. وكانت تلك الإجابة أسرع من اللازم بعض الشيء. فقال نوغوتشي بمزاج سيئ: «اسمها دندربيون.» وهنا لفَّت كازو رأسها مرة أخرى واضطرت هذه المرة لأن تشاهدها بالتفصيل الدقيق. كانت سحلبية غربية من نوع زهور البيوت الزجاجية مزروعة في أصيص بلون اللازورد موضوع فوق قاعدة، ولم تكن زهورًا بها ندرة بصفة خاصة. الزهور المَطلية بجسيم أحمر متنِّوع في حافَّتها من ساق تشبه سيقان الكنباث الشتوي تلتصق بها وكأنها تطفو لاعبة. بدا الشكل المعقَّد الذي يشبه سحلبية من أعمال طي الورق؛ ولأنه ما من ريح تهزه، كأنه صناعي أكثر وأكثر. في مركز الزهور القرمزية الغامقة، وكلما حَمْلَقت كازو أكثر، وبدت لكازو شيئًا يبعث على السخرية بشكل، شيئًا قبيحًا لا يتناسب مع هذا الظهر الشتوي الهادئ.
يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا. يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام؛ فأعطى لها ذلك مظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت «كازو» منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب.»اتَّسمت السيدة «كازو فوكوزاوا» ذات الخمسين عامًا بالبراءة الريفية والمظهر الجمالي الذي يفيض قوة وحماسًا، وكانت تُدير مطعمًا لها بمهارة فائقة معتمِدة على ذكائها ولَباقتها، فعاشت حياتها في هدوء متناغم يدعمه الوضع المادي الذي تعيشه ورواج مَطعمها، فضلًا عن علاقات الصداقة التي تمكَّنت من إقامتها مع الكثير من ذوي السُّلطة والقوة الذين يَتردَّدون كثيرًا على المَطعم. لكن هذه الحياة لم تَبقَ على حالها عندما قرَّرت أن تتزوَّج من السيد «يوكِن نوغوتشي» وزير خارجية اليابان الأسبق. ماذا حدث للسيدة «كازو»؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الممتعة.
https://www.hindawi.org/books/81493928/5/
تفسير كازو للحب
افترقَت كازو عن نوغوتشي في تلك الظُّهرية وعادت إلى ستسوغوان، ثم خافت من تضييع وقت سعادة ذلك الغداء كما هي في خضم ساعات العمل الهام. أول ما أسعد كازو كان إبداء شخص غريب عنها اهتمامًا غير عادي بها. وبسبب تلك السعادة انتبهت كازو للمرة الأولى إلى الوحدة التي كانت تعيش فيها حتى الآن. ومع أنه عندما كانت مع نوغوتشي لم يحدث شيء تقريبًا، ولكن بعد أن افتَرَقا حدثت على الفور مشاعر مُتنوِّعة وكأنها الريح التي نشأت من انفجار ضخم. فأولًا، غرقت بحماس في تخيل أنها تُلبس نوغوتشي قميصًا نظيفًا دائمًا غُسِل وكُوِي لِتَوِّه، وتُلبسه ملابس غربية جديدة صُنعت لِتَوِّها من أَجْله. وعندما تتدخل في تلك المشكلة، تصل المشكلة على الفور إلى ما هو مشاعر نوغوتشي تجاه كازو؟ فلا يمكن أن تتدخل كازو في رعاية شئون نوغوتشي من دون التأكد من مشاعره. ولكنها لا تعرف عن مشاعره تلك شيئًا. شَعرَت كازو بالدهشة من وقوعها في حالة عدم فهمها مُطلَقًا لمشاعر الطرف الآخر القلبية مرة أخرى في حياتها. ليس دهشة فقط بل كان أمرًا خارج نطاق تفكيرها. وعندما تفكر كازو لِمَ يرتدي نوغوتشي مثل تلك الملابس البائسة حتى وإن كانت جيدة، قَلقَت كثيرًا بشأن حالة ذلك الرجل المادية. إنه على أي حال يعيش على مُرتَّب التقاعد، ولا يمكن مطلقًا القول عنه إنه دَخْل كافٍ. بالنسبة إلى شخص عمل في الماضي وزيرًا، يجب القول إن الظروف الحالية في غاية الانحطاط. أثناء الاختلاط بالزبائن ليلًا، كانت كازو لا تفكر إلا في هذا الأمر، وبحثَتْ عن طريقة لمعرفة ذلك الرقم بالتحديد. وعندما اقتربت صدفة من مَقاعد جَمْع من موظَّفِي الدولة ولأن الجميع كانوا يتحدثون عن فترة التقاعد، سألتْ كازو السؤال التالي بدون أن تلفت الانتباه: «لو قمتم أنتم في حكومة الدولة بِتولِّي إدارة المطاعم فعلى الأغلب أن عجوزًا مثلي ستتقاعد على الفور. ولكن بدلًا من هذا العمل الشاق، يا لها من حياة رائعة أن أحصل على مُرتَّب تقاعد وأعيش في لعب وَلَهْو. لو كنتُ أنا كم تعطونني مُرتَّب تقاعد؟» – «مالكة مطعم بدرجة وزير؛ ولذا على الأرجح يكون مرتب التعاقد ثلاثين ألفًا شهريًّا.» – «حقًّا! هل تعطونني كل هذا؟» أجابت كازو تلك الإجابة الصارخة وأضحكَت الجميع. وفي تلك الليلة عندما هجعَت في غرفتها الصغيرة، تَخيَّلت كازو العديد من الأمور في رأسها الذي لم يستطع النوم. كانت غرفة كازو غرفة متواضعة كئيبة لا يمكن أن يتخيلها زبائنها مقارنة بستسوغوان. وُضع بجوار وسادتها هاتف منزلي، وتتراكم حوله بعشوائية المجلات التي انتهت كازو من قراءتها. ولا تضع أية قطع فنية من أي نوع، وفي ركن الزينة وضعت عددًا من الأدراج الصغيرة الحجم. وتحس كازو عندما ترقد فوق الفراش المعد لها في تلك الغرفة أنها عادت أخيرًا إلى جسدها. لقد عرفت أن دَخْل ذلك الرجل الشهري ثلاثون ألف ين. وإن كان الأمر كذلك فتكلفة دعوتها على غداء اليوم ليست هينة، ولكن لتلك الدرجة بقي الجميل في أعماق قلبها؛ ولأنها حصلت على معلومات محددة، حصل خيال كازو على أجنحة لأول مرة. مَرتبَة الرجل الاجتماعية السابقة، وفقره الحالي، ثم سلوكه العنيد، … تبدو تلك المعلومات نوعًا من الرومانسية في عالم لا تتعامل فيه إلا مع زبائن من نجوم العصر الزاهرة. أُجِّل خبر في ركن من الجريدة التي فتحتها لقراءتها قبل القيام بالنزهة الصباحية اليومية المعتادة من عادتها تلك. كان الخبر هو موت تاماكي، لقد لفظ تاماكي أنفاسه الأخيرة في المستشفى في الساعة العاشرة ليلة أمس. وكُتِب أن الجنازة ستقام في الساعة الواحدة من بعد ظهر بعد غد في معبد تسوكيجي هونغانجي. أخرجت كازو ملابس الحِداد بِنيَّة الذهاب للتعزية على الفور، ولكنها أَحجمَت عن ذلك عندما فكَّرَت في سلوك زوجة تاماكي تلك الليلة. وكان استمرارها في الصبر والتحمل لمدة يومين منذ ذلك الوقت، يُشعل النار في قلب تلك المرأة المتَّقِدة المشاعر. كان يجب على نوغوتشي أن يخبر كازو بموت تاماكي بغض النظر عن إعلان الخبر في الجرائد من عدمه. فهذا الاتصال الهاتفي منه يُعتَبر معيارًا لمشاعر الحب، أو على الأقل الصداقة التي يحملها تجاهها. ولكن مع ذلك لم يَأتِها منه أي اتصال. كلما تردَّد صدى دقات الهاتف في أنحاء المكان، تَرتعِد كازو وكأنها فتاة مراهِقة، وتبدو كأن أنفاسها تنقطع. فلقد كانت تخشى إن كان ذلك الاتصال من نوغوتشي، ألا تقدِر على إخفاء المرح من صوتها عندما يخبرها الرجل الحزين بموت صديقه الحميم. لم يسبق لكازو أن انتظرَت مأتم عزاء شخص بمثل هذا الشوق. وفكَّرَت في الذهاب إلى الكوافير في اليوم السابق ولكنها قررت أن تؤجل ذلك إلى صباح اليوم نفسه. في النزهة الصباحية لليوم السابق ليوم الجنازة، جعلت عيون عمال الحديقة تَبْرُق من الدهشة. فقد دارت دورة كاملة تَتنزَّه في الحديقة بدون تحية الصباح وبلا توبيخ ورأسها متدلٍّ لأسفل، بل بدت هيئة المالكة وكأنها قد جُنَّت وهي تدور دورة أخرى حول الحديقة وهو الأمر الذي لم تفعله من قبل. قال البستاني العجوز الذي يعمل في المكان منذ عهد المالك السابق: إن هذه الهيئة تشبه هيئة جِنِّيَّة الجبال وهي تدور حول الجبال. لم يأتِ اتصال من نوغوتشي حتى مع مجيء اليوم السابق للجنازة؛ ولذا تَذوَّقت كازو نوعًا من أنواع الإحساس بالهزيمة. ولكن حتى تَذوُّق إحساس الهزيمة ذلك أشعل مشاعرها؛ فهي لم تفكِّر مثلًا في أن الرجل تَولَّى مسئولية رئيس لجنة تنفيذ جنازة صديقه الحميم وليس لديه وقت فراغ لكي يَتَّصل بأحد. لا تنظر مُطلَقًا إلى مثل هذه التخمينات التي تجعلها تطمئِن. بل هي فقط تشتعل غضبًا لإحساسها أنها أُهملَت. وجعل شعور الانتقام من كل من نوغوتشي والسيدة تاماكي كازو تجهِّز من الليلة السابقة مبلغَ التعزية بقيمة مائة ألف ين. وهي تُفكِّر أن المبلغ أكثر من ثلاثة أضعاف مُرتَّب تقاعد هؤلاء القوم. ومع أنه شخص ليس بينها وبينه معروف أو جميل، أَحسَّت كازو أنه ما من شيء يُعبِّر عن مشاعرها سوى مبلغ التعزية الضخم هذا. كان طقس يوم الجنازة نفسه مشمسًا رائعًا ودافئًا بما يليق ببداية الشتاء وكانت الرياح خفيفة. وامتنعت كازو عن النزهة الصباحية، واستغرق ارتداء كيمونو الحِداد وقتًا طويلًا، وجَعلَت سائقها يَتَّجِه بها إلى الكوافير في غينزا. كانت ترى الشباب يسيرون في طُرُقات المدينة من خلال زجاج النافذة التي تتسلط عليها أشعة الشمس. أَبعدَت كازو عينيها عن ملابس الحداد التي ارتدتها على عَلَّاقة الصدر ووجَّهَت عينها بحماس معروف السبب إلى هؤلاء الشباب. كانوا وكأنهم يسيرون بأجساد شفَّافة. رأت كازو بوضوح مشاعرهم وطموحاتهم وألاعيبهم الصغيرة ودموعهم وضحكاتهم. مَرَّ طالبان وطالبَتَان معًا يحرِّكون أياديهم بمبالغة شديدة لا تتناسب مع طبيعة اليابانيين، ويضع طالِب منهم يرتدي الزِّيَّ الموحَّد مع قبعة موحدة يدَه على كتف طالبة منهما وظل بهذه الحالة على الدوام. كانت الطالبة ترتدي معطفًا نِصفِيًّا مُزغبًا بلون وردي. ولا تلتفت إلى يد الطالب الموضوعة على كتفها، بل تضيق من عينيها في ذلك اليوم المشمس الذي يُبشِّر ببداية الربيع، وتنظر شاردة إلى الطريق التي يسير فيها مترو البلدية. في تلك اللحظة تَحوَّلت إشارة المرور إلى اللون الأخضر، وفي اللحظة التي أسرعت فيها السيارات بالتحرُّك رأت كازو شيئًا غريبًا، الفتاة التي بالمِعْطَف النِّصْفِي ذي اللون الوردي، خَطفَت فجأة قبعة الزِّيِّ الموحَّد للطالب، وألقَتْ بها في عرض الطريق. نظرت كازو بحركة لا إرادية إلى ذلك المشهد من زجاج السيارة الخلفي، وكانت تلك اللحظة التي دَهسَت فيها السيارات القادِمة تلك القُبَّعة، ورأت الطالب على الجانب الآخر من الطريق وهو يَركُل الأرض غضبًا. وكان السائق كذلك يرى تلك الحادثة بعين جانبية. قال السائق وهو ينظر إلى الخلف وعلى وجهه ابتسامة مريرة ورزينة: «تبًّا! تبًّا لفتيات اليوم! لا أفهم ماذا يَفعَلْن؟ تُرى لِمَ فَعلَت ما فَعلَت؟ تبًّا لها.» أجابت كازو بملابس الحداد: «مجرد مزاح ثقيل.» ولكن كان قَلبُها يخفق على غير المتوقَّع، وأُعجبت بفعل تلك الفتاة الطائش التي خطفت قبعة الفتى وجعلت السيارة تدهسها. كان ذلك فعلًا بلا أي معنى على الإطلاق. ولكنها تأثَّرت تأثُّرًا غريبًا من ذلك الفعل، لدرجة أنها رأت للحظة شعر الطالب المشعث بعد أن نُزِعَ من القبعة. تركت تلك الحكاية ظلالها في قَلْب كازو لفترة طويلة أثناء وجودها في الكوافير حيث حَجَزت وقتًا طويلًا لكي يصفف لها شعرها بعناية بالغة. كان من عادتها الدائمة في الكوافير أن تكون مَرِحة كثيرة الحديث، ولكنها كانت في ذلك اليوم تميل إلى الصمت. وكان وجهها المنعكس في المرآة جميلًا غنيًّا، ولكن المجامَلَة التي تقولها مُصفِّفَة الشعر دائمًا لها كانت كذبًا. فلم يَكُن ذلك الوجه شابًّا بأية معايير. كانت جنازة معبد تسوكيجي هونغانجي فخمة جدًّا. استمر طابور المعزِّين بمحاذاة باقات الورود الدائرية العملاقة. انضمَّت كازو إلى ذلك الطابور بعد أن سلَّمَت المائة ألف ين مبلغ التعزية لمكتب الاستقبال؛ ولأنها رأت وجوه عدد من زبائن ستسوغوان، ألْقَت عليهم كازو التحية بأدب بالغ. كانت رائحة دخان البخور الذي يتدفق داخل أشعة شمس بدايات الشتاء، مُنعِشة، وكان أغلب المعزِّين عجائز، ويُصْدِر عجوز أمام كازو مباشرة صوت احتكاك طقم أسنانه عند انطباق فَكَّيه بعضهما على بعض بلا انقطاع. مع تقدم الطابور للأمام، وعندما تُفكِّر كازو في اقتراب لحظة لقائها مع نوغوتشي، يضطرب قلبها، ولا تستطيع التفكير في أي شيء. أخيرًا استطاعت كازو رؤية زوجة تاماكي. كانت عيناها بها شراسة أكثر منها حزنًا، ونظراتها التي تنظر بها أثناء رَفْع وجهها بعد الإيماء المؤدَّب الطويل وكأنها تعود إلى نقطة محددة في الهواء مجذوبة بخيط. أخيرًا ظهر نوغوتشي. يرتدي بذلة سموكن صارمة الضيق، ويلف حول ذراعه قماش شاش أسود، يرفع فَكَّه لأعلى قليلًا، ووجهه بلا أي تعبير مُطلَقًا. بعد أن انتهت كازو من طقس حَرْق البخور، نظرت كازو مباشرة إلى نوغوتشي من قريب. ولم تجفل عينا نوغوتشي ولو قليلًا، بل نظر إلى كازو بنفس الوجه بلا أي تعبير، ثم خفض رأسه لها في احترام. ••• لا يمكن القول عن لحظة طقس حرق البخور تلك خارج توقُّعاتها تمامًا. بعد أن تَتبَّعَت السبب غير المنطقي؛ لأنه في اللحظة التي تلاقَت عَيْنَا كازو مع عَيْنَي نوغوتشي اللتين بلا تعبير هاتين، شعرت كازو أنها وَقَعَت في حب نوغوتشي. بعد عودتها مباشرة إلى ستسوغوان، كَتبَت كازو الخطاب الطويل التالي على ورق الخطابات المطوي. «تحية طيبة، بعد رؤيتي لكَ اليوم في خير، وإن كانت نظرة واحدة، شعرت بمشاعر ملأَت فؤادي. لا يمكن لي نسيان دَعوتك لي على وجبة الغداء في تلك الظهيرة، والنزهة التي قَبْلَها وأتذكَّرُهما مِرارًا، فلم أتقبل مثل تلك الضيافة والكرم المسبِّب للسعادة من أحد في الفترة الماضية، وأنا عملي استضافة الناس، يجب عليَّ أن أقول إن استقبال كَرَم من الآخَرِين شيء يجلب السرور، فقط أريد إبلاغك أنني أشعر بالسرور من أجل رعايتك لي. شيء واحد يدعو للأسف وهو أن خبر وفاة السيد تاماكي عَلِمتُ به من الصحف وأُصِبتُ بدهشة بالغة. وهو الأسف من أنك لم تَتصِل ولو باتصال هاتفي سريع. ولي كلمة لا بد أنك شعرت بها، يجب أن أقولها دون إخفاء، منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، كنتُ في انتظار أن أسمع صوتك طوال ذلك اليوم، إن كنتَ أخبرتني بذلك الأمر، كان ذلك سيكون دليلًا على اهتمامِك بي، ولكن للأسف يظل الأسى مُتبقِّيًا من ذلك. وسبب أنني أُكرِّر قولي المزعج هذا لك، حتى وإن كان بدون قصد أو نية، هو عبارة عن طيش واندفاع لفرط احترامي لك، أتمنى أن تَتخلَّص منه بإلقائه إن أردتَ، وأبلغك أن هدفي في الحياة هو أنني أتمنى أن ألتقي بك في أقرب فرصة ممكنة.» في اليوم التالي، ذهبت كازو كواجب اجتماعي لها لمشاهدة حفل غنائي راقص، دَمعت عيناها عندما سمعت افتتاحية أغنية «ياسونا»: «يا حُب أَيَا حب، يا حُب خُذني إلى السماء.» وقرب ظهيرة اليوم التالي، جاء اتصال هاتفي من نوغوتشي. تحدث حديثًا عاديًّا، ولم يَتطرَّق مُطلَقًا إلى اللوم الذي وجَّهَته له في الخطاب. كان صوته في الهاتف بلا مرح بل كانت كل كلمة مُفعَمة بالهيبة والجلال، واستمر في الحديث طويلًا وهو يَتوقَّف من حين لآخر. وتواعد الاثنان على اللقاء مجددًا. وفي النهاية نفد صبر كازو فقالت بحقد وغل ضئيل: «لماذا لم تخبرني بنفسك بالأمر؟» سكت نوغوتشي على الجانب الآخر من الهاتف، ثم قال قولًا غامضًا اختلط فيه الضحك المحتوي على الارتباك الذي يُجرُّ شيئًا ما: «في النهاية، ما من سبب لذلك. مجرد أنني استثقلت الأمر فقط.» لم تستطع كازو مطلقًا فهم تلك الإجابة. «استثقل» كانت تلك الكلمة كلمة عجائز بوضوح تام.
يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا. يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها وحركاتها، وكانت ذاتها لا تعرف الخُنوع أو الاستسلام؛ فأعطى لها ذلك مظهرًا جميلًا بسيطًا. وكانت «كازو» منذ شبابها تُفضِّل أن تُحِب على أن تُحَب.»اتَّسمت السيدة «كازو فوكوزاوا» ذات الخمسين عامًا بالبراءة الريفية والمظهر الجمالي الذي يفيض قوة وحماسًا، وكانت تُدير مطعمًا لها بمهارة فائقة معتمِدة على ذكائها ولَباقتها، فعاشت حياتها في هدوء متناغم يدعمه الوضع المادي الذي تعيشه ورواج مَطعمها، فضلًا عن علاقات الصداقة التي تمكَّنت من إقامتها مع الكثير من ذوي السُّلطة والقوة الذين يَتردَّدون كثيرًا على المَطعم. لكن هذه الحياة لم تَبقَ على حالها عندما قرَّرت أن تتزوَّج من السيد «يوكِن نوغوتشي» وزير خارجية اليابان الأسبق. ماذا حدث للسيدة «كازو»؟ هذا ما سنعرفه في هذه الرواية الممتعة.
https://www.hindawi.org/books/81493928/6/
حتى موعد الرحيل
بعد ذلك تَقابَل الاثنان من وقت لآخر، وزارت كازو بيت نوغوتشي. كان نوغوتشي يعيش بمفرده في بيت قديم في حي شيينا، واطمأنَّت كازو أن الخادمة التي ترعى شئونه كبيرة في السن وقبيحة الوجه. وعلى الفور بدأت كازو تهتم برعاية نوغوتشي وترتيب حياته الخاصَّة. وأرسلَت له عشاء العام الجديد بشكل كامل من مطعم ستسوغوان. وكانت رفوف مكتبة نوغوتشي تمتلئ بالكتب الأجنبية، وشعرت كازو بالاحترام تجاه لغة لا تستطيع قراءتها. وكان نوغوتشي كذلك يعلم جيدًا تلك الفاعلية والتأثير، فكان كُلَّما جاءت كازو لزيارته قابلها في غرفة المكتبة. سألته كازو ببراءة وهي تحوم بعينيها حول رفوف الكتب. «هل قرأتَ كل تلك الكتب؟» – «أجل، قرأتُ أغلبها.» – «ثمة بينها كتب مريبة بالطبع.» – «ما من كتاب واحد من تلك النوعية.» تعجَّبَت كازو من أعماقها لهذا القول القاطع. كان العالم الذي يستقيم فيه العلم بمجرد أنه علم فقط، خارج نطاق فَهْمِها. أليس من المفترض أن لكل أمر وجهًا آخر؟ ولكن يبدو أن الذي يعطيها انبهارًا طازجًا لا يتوقف في السيد نوغوتشي أن تلك الشخصية ليس لها وجه آخر وأنه لا يملك إلا الوجه الذي يُريها إياه. بالطبع كازو بشكل مبدئي لا تؤمن بوجود مثل هذا الإنسان. لا تؤمن بوجوده ولكن مثل ذلك النوع النافد الصبر، ذو الهيئة غير المكتملة من المثالية بدأت تنطبق شيئًا فشيئًا على نوغوتشي. وعندما حدث ذلك، أصبحت تشعر تدريجيًّا أن طريقة نوغوتشي المتكلَّفة بها نوع من السحرية والجاذبية التي لا يمكن وصفها بالكلمات. وخلال العلاقة من نوغوتشي، اكتشفَت كازو أن المجتَمَع نَسِي تقريبًا وجود نوغوتشي، وأَحسَّت بالدهشة من عدم تأثر نوغوتشي بذلك مُطلقًا. ولم تُبدِ كازو اهتمامًا بالمثالية السياسية الإصلاحية التي يؤمن بها نوغوتشي حاليًّا، وفكَّرَت كازو أنه يجب تصحيح عدم التوافق بأسرع وقت بين جدة تلك المثالية ونسيان المجتمع له. تُرى كيف تعيش المثالية المليئة بالنشاط والحيوية مع حياة الموتى؟ حتى بعد هزيمة نوغوتشي للمرة الثانية في انتخابات مجلس النواب، ظَلَّ اسمه على قائمة مستشاري حزب الإصلاح، ولكن عندما عَلمَت كازو أن الحزب لم يكن يُرسل له سيارة من أجل حضور الاجتماعات، فيضطر إلى الخروج واستخدام القطار، شعرت بالغضب الشديد. في كل مرة تروز كازو فيها بيت نوغوتشي ترى شيئًا جديدًا يثير حَنَقها بنفس الطريقة التي حَنقت فيها لأول مرة على نوغوتشي بسبب البُقع التي كانت على قميصه أو تَهرُّؤ أطراف أكمامه. الآن هي قد لاحظت عدم تَماثُل جانبَي باب المدخل الأمامي، وكثرة الأتربة وتقشير البوية في البيت الخشبي الذي على الطراز الغربي، أو براعم نبات الكبدية المائية التي بداخل البوابة، أو الجرس في مدخل الباب المتروك مُعطَّلًا. لم تَكُن كازو لديها الحرية في عمل الإصلاحات من نفسها، وكان نوغوتشي ما زال حريصًا على ألا يَقترِب من كازو أكثر من درجة مُعيَّنة. كان موقِفُه محافظًا، ولكن ذلك الموقف يثير رغبة كازو في الاقتراب أكثر وأكثر. ذهبَا إلى مسرح الكابوكي في يناير بناءً على اقتراح من كازو. بَكَت كازو بحرية في اللحظات الحزينة، بدون أن تفقد أيًّا منها، ولكن نوغوتشي جلس بدون تأثُّر أو تفاعُل طوال العرض بأكمله. سألها بلهجة يبدو عليها الاستمتاع عندما كانا يقفان في الردهة أثناء الاستراحة: «ما الذي يجعلك تبكين بمجرد رؤية ذلك التمثيل السخيف؟» – «ما من سبب مُعيَّن. ولكن الدموع تنهمر بشكل طبيعي.» – «إن طبيعتك تلك ممتِعَة لي. حاوِلي أن تشرحي لي بشكل أكثر تحديدًا ماذا تعنين؟» سخر نوغوتشي من كازو بنبرة صوت مهيبة كما لو كان يَتنمَّر على فتاة صغيرة. لم يكن لدى كازو نِيَّة التظاهُر بالبراءة ولكنها أحست في تلك اللحظة، كما لو أنه يسخر منها بشكل مُتعمَّد، مما أصابها بالخوف. في ذلك اليوم سقطت قَدَّاحة نوغوتشي ماركة دانهيل في المسرح. كان ارتباكه عندما اكتشف فُقدان القدَّاحة في المسرح مذهلًا، تَبخَّر كل وقار وهدوء اللحظة السابقة. لقد اكتشَفَ فُقدان القَدَّاحة في مُنتَصف المسرحية الثانية لتلك الليلة. وعندها رفع نصفه الأعلى قليلًا ليبحث في كل جيب من جيوبه. واختلف تمامًا التعبير الذي ظهر على ملامح وجهه يَغمغِم قائلًا: «ليس هنا. وليس هنا أيضًا.» عن تعبيرات نوغوتشي الطبيعية. سألته كازو: «ماذا حدث؟» ولكنه لم يَرُد. أخيرًا جَثا نوغوتشي على ركبتيه ودفع برأسه تحت المقعد. وأثناء ذلك انتبه فجأة وتحدث إلى نفسه بصوت عالٍ جدًّا قائلًا: «إنها الردهة. تلك هي. لا شك أنها سقطت مني في الردهة.» التفت الجمهور حوله ناحيته، بِتجهُّم وغَمغَمة مُستاءة. أخذَت كازو المبادرة ونهضَت وتَبِعَها نوغوتشي للخارج. ولحظة أن أصبَحَا في الخارج عند الردهة، سألَته كازو تلك المرة بمنتهى الهدوء: «أَلَا أخبرتني ما الذي فقَدْتَه؟» – «قداحة دانهيل. إن أردتُ شراءها اليوم فلن أعثر أبدًا على هذا النوع القديم.» «هناك حيث كُنَّا نتحدث أثناء الاستراحة، أليست هذه؟» «هذا صحيح. إنها هناك.» شَعرَت كازو بالأسف لنوغوتشي؛ لأنه كانت أنفاسه تقريبًا تلهث. ذهبَا إلى ذلك المكان، فلم يجدَا شيئًا فوق السجادة القرمزية البرَّاقة. اقتربت منهما موظفة مكتب الاستقبال التي في منتصَف العمر والتي يبدو أن لديها وقت فراغ أثناء العرض قائلة: «أتساءل هل هذه ما تبحثان عنه؟» وهي تمسك في يديها قَدَّاحة نوغوتشي بلا أي ريب. ستتذكر كازو طويلًا تلك الفرحة البريئة على وجه نوغوتشي عندما رأى القَدَّاحة، وتسخر منه بعد ذلك مرارًا قائلة: «أتمنى لو تُظهر ذلك الوجه للناس أيضًا وليس للقدَّاحة فقط» ولكن لم تصبح تلك الحادثة سببًا لخيبة أمل كازو مُطلَقًا. فهي لا تحمل نظرة مُتحيِّزة، فمجرد أنها رأت فقط تَعلُّق نوغوتشي البريء بما يمتلك كالأطفال. ••• لم تَتوقَّف الحوادث المشابهة عند هذا الحد. لقد قال نوغوتشي في اجتماع نادي كاغِن: «لنتوقف عن الحديث عن الماضي. إننا ما زلنا شبابًا.» وذلك في الواقع يعبر عن موقفه حقيقة تجاه الذكريات القديمة بعد انتهاء المجد، ولكنه مع ذلك يتعلق بأشياء ذلك الماضي تعلُّقًا شديدًا. وكلما اقتربت كازو من نوغوتشي أكثر، تراه من وقت لآخر يحمل معه مُشطًا قديمًا يمشط به شعره الأشيب. عندما سألته عن ذلك المشط، أكد لها أنه يستخدمه منذ ثلاثين عامًا. قال لها إنه عندما كان شابًّا ذا شعر كثيف وأشعث كانت أسنان الأمشاط العادية تنكسر غالبًا. وأنه صنع ذلك المشط خصوصًا من شجر البَقس القوي للأمشاط. لا يمكن أن يُقال عن ذلك ببساطة إنه بخل شديد أو فقر. ولكن نوغوتشي محتفِظ بعناد بالأناقة الإنجليزية التي تلتزم بالتقاليد العتيقة، لمقاومة الأناقة الضحلة بملاحقة الجديد التي أولدها الاقتصاد الاستهلاكي على الطريقة الأمريكية. وكذلك ترتبط جيدًا روح الكونفوشيوسية في التوفير مع ذلك الذوق الأرستقراطي. وكانت كازو تجد صعوبة في فَهْم أناقة نوغوتشي تلك التي تبالغ في الاحتفاء بالقديم. كانت كازو أحيانًا تفكر في حيرة عندما تخرج للتنزُّه الصباحي الذي لم تنقطع عنه قط حتى في عز الشتاء، وهي تدهس بقدميها إبر الجليد التي تنبت في الأرض، ما الذي يُشْعِرها بالجاذبية أكثر، وما الذي تُعجَب به أكثر في نوغوتشي، أعَملُه الأرستقراطي كوزير سابق، أم الفكر التقدُّمي الإصلاحي الذي يؤمن به الآن؟ يحيط بالأُولى بريق ذهبي يسهل أن يستمع إليه العامة، والثانية رغم عدم فَهْمِها جيدًا إلا أنها تعطي إحساسًا بشيء حي يسير قُدمًا نحو المستقبل. صارت كازو تفكِّر في الأمرَين كما لو كانَا صِفتَين قريبتَين من الصفات الجسمانية ولا يمكن التفريق بينهم، وكأنها تسأل؛ هل تحب أنفه ذا الرأس الحاد أم أذنه المتميزة. تطوَّر حبهما ببطء شديد جدًّا وكانت أول قُبلة بينهما عندما ذهبت كازو إلى بيته للاحتفال برأس السنة. كانت كازو ترتدي كيمونو مصنوعًا من خيط واحد بقماش يشبه خزف السيلادون صُبغ عليه جداول بيضاء وضفاف صناعية فضية وأشجار صنوبر خضراء، وربطت حزام الأوبي بأرضية ألوانها فضية رمادية، وطُرز عليها حيوان استاكوزا كبير باللونين الأحمر والذهبي. وخلعت فرو المنك وتركته في السيارة. ظل بيت نوغوتشي كئيبًا مُوحِشًا مُغلَق الأبواب حتى مع بداية العام. ولكن عرفت كازو أن ذلك الجرس المعطوب قد أُصلح أخيرًا. وانتبهَت كازو إلى أن الخادمة التي في منتصف العمر والتي ظهرَت أخيرًا بعد أن جعلَتها تنتظر طويلًا، تنظر إليها نظرة احتقار. في أحد الأوقات قال سيدها لها اسم كتاب باللغة الألمانية وجعل تلك الخادمة تُحضر ذلك الكتاب من رف المكتبة. كرَّرَت الخادمة اسم الكتاب بلا تلعثُم، وبحثَت بعينيها سريعًا على رفوف الكتب وأخرجت ذلك الكتاب في التوِّ والحال. ومنذ ذلك الوقت كرِهَت كازو تلك الخادمة. ما من صوت بتلك المنطقة المنفصلة عن الطريق الرئيسة إلا صوتًا جافًّا صافيًا للعب الأطفال بالمضرب الخشبي يأتي من بعيد. كانت كازو تشعر في كل مرة بالخِزي والخجل مِن جَعْلِها تنتظر طويلًا أمام سائقها بعد أن تنزل من السيارة وتضغط على جرس البوابة. وكانت أشجار صنوبر البوابة التي أنارتها أشعة شمس شتوية صافية مائلة هي الوحيدة الجديدة في هذا البيت. ظلَّت كازو تنظر بثبات على الطريق أمام البوابة الخالية من البشر. تبرز تحت أشعة الشمس بوضوح الأجزاء المحدَّبة والمقعَّرة المعقَّدة للطريق المُعبَّدة التي نُزع أسفلتها. تسقط على الطريق هناك ظلال الأشجار وأعمدة الكهرباء. تلمع آثار الإطارات العريضة التي نُقِشت فوق التربة السوداء اللامعة التي ظهرت بها إبر الصقيع في أجزاء الطريق تلك. أصغت كازو أذنيها إلى صوت المضارب الخشبية، يبدو أنه يأتي من حديقة بيت قريب، ولكن لا يُرى الأطفال الذين يلعبون، ولا يُسمع صوت ضحكاتهم. توقف الصوت. فكرت كازو: لقد سقطت. ثم بعد ذلك يستمر الصوت بنبرة اندفاع جيدة. ثم يتوقف … أثناء ذلك التكرار المسبب للضجر، رَسمَت كازو في مخيلتها كُرة ذات أجنحة مزدهرة الألوان تُضرَب بالمضارب وتسقط على الأرض المُوحِلة من ذوبان الصقيع. وبفعل ذلك بدا لها على الفور اللعب الذي يواصل الانقطاع ثم الاستمرار داخل السور غير المرئي وكأنه مداعبة خفية اختبأت من عيون الناس. سمعت كازو صوت قبقاب خشبي يقترب من البوابة. وبسبب التوتر من ملاقاة الخادمة الكريهة اتَّخذ جسم كازو وَضْع الاستعداد. فُتِحَت البوابة؛ ولأن الذي فتح الباب كان نوغوتشي نفسه فقد تَورَّدت خدود كازو من الدهشة غير المتوقَّعة. قال نوغوتشي الذي ارتدي زي هاكاما بشعار عائلته: «لقد أعطيتُ الخادمة عُطلة لترفِّه عن نفسها؛ ولذا أنا بمفردي اليوم في البيت.» – «مبارك عليك العام الجديد. إن ارتداء الزِّي ذي الشعار يجعلك عظيمًا.» أحسَّت كازو بالغيرة على الفور وهي تدخل من الباب من حسن هندام نوغوتشي. تُرى مَن ساعده في ارتدائه؟ وتعكر مزاجها أثناء تفكيرها في ذلك وهي تَعبُر الممر لتصل إلى غرفة المعيشة. كان نوغوتشي دائمًا يتجاهل تَعكُّر مزاج كازو في هذه الحالة. أخذ قِنِّينة الخمر المعتَّق الخاص برأس السنة في يده، وحاوَل أن يعرض على كازو أن تشرب. وعندما فكَّرَت أنها يجب ألا تبدأ العام الجديد بتجرُّع كأس المرارة، أَبدَت كازو من نفسها كما هي العادة علامة على غضبها. وعندها قال لها نوغوتشي ما يلي: «يا للغباء! إن الخادمة هي من ساعدني في ارتدائه. إنها لا نفع منها في الملابس الغربية ولكن إن كان زي الكيمونو فهي تعمل بكل هِمَّة.» – «لو كنتَ تُفكِّر في أمري، لكنتَ طردتَ تلك الخادمة، وأنا سأجلب لك خادمة كأحسن ما يكون، وإذا لم تطردها.» بدأت كازو في قول ذلك ثم أجهشت بالبكاء وأكملت: «حتى عندما أكون في البيت فأنا أغرق في القلق ولا أستطيع النوم.» قاومها نوغوتشي بالصمت عن الكلام. فأخذ يحصي ثمار نبات لحية التنين التي تشبه حجر الفيروز تحت أشجار البرقوق في الحديقة. بعد أن استمع لفترة إلى شكاوى كازو، رفع القِنِّينة مرة أخرى وكأنه تَذكَّرها فجأة. أخذت كازو الكأس الخشبي الذي قُدِّم لها عنوة ووضعته فوق المنديل الذي تبلل بدموعها، ولكنها ألقَت به على الفور فوق حصير التاتامي، وبكت بعد أن خبأت وجهها في ركبة نوغوتشي التي يرتدي سروال هاكاما من منطقة سنداي. ووقتها حرصت على أن تبسط المنديل الجاف الآخَر فوق سروال الهاكاما حتى لا يتسخ. داعبَت يد نوغوتشي بهدوء ربطة خلفية الحزام. وأثناء فعله ذلك، كانت كازو تعرف بيقين أن عيون نوغوتشي قد انجذبت إلى ظَهرِها اللامع الذي يمكن اختلاس النظر إليه قليلًا من فتحة ياقة الكيمونو المشدودة للخلف، والذي يمتلئ بلحم قوي مَرِن برائحة البياض المحبَّبة. كانت حركة يد نوغوتشي التي تُداعبها وَسط الهدوء الذي يشبه الذهول، بها ما يشبه لحنًا موسيقيًّا تعرفه كازو جيدًا. وبعد ذلك تَبادَل الاثنان قُبلتَهما الأولى.
يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا. يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، وانتحر بطريقةِ الساموراي المروِّعة. وُلد «يوكيو ميشيما» عام ١٩٢٥م في إحدى زوايا حي يوتسويا في طوكيو، تَعلَّم في مدرسة غاكوشوئين المُخصَّصة لأطفال العائلات النبيلة، ثم التَحق بكلية الحقوق عام ١٩٤٤م في جامعة طوكيو، وبعد تخرُّجه بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخزانة، لكنه تخلَّى عن وظيفته بعد تسعةِ أشهرٍ فقط؛ ليَتفرَّغ بعدها للكتابة وتحقيقِ حُلمه بأن يُصبِح كاتبًا. بدأ الكتابة في سنٍّ مبكِّرة؛ فقد كانت قراءةُ قصص الأطفال والكتب المُصوَّرة هي الملاذ الذي يَهرب إليه في طفولته، التي قضى جزءًا كبيرًا منها في المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. وفي داخل المستشفى أطلق «ميشيما» لخياله العِنانَ ليكتب أولى قصصه في سِن العاشرة، وهي قصة «عجائب العالَم»، وفي سن السادسة عشرة نشَر روايته الأولى «غابة الزهور» عام ١٩٤٤م، لتتوالى بعدها أعمالُه الروائية والقصصية التي تُرجِمت إلى مختلِف لغات العالم، والتي كانت سببًا في ترشُّحه لجائزة نوبل ثلاثَ مرات، ومن أبرزها رواية «اعترافات قناع» ١٩٤٩م، و«ألوان محرَّمة» ١٩٥٣م، و«صوت الأمواج» ١٩٥٤م، و«شبكة حب بائع سمك السردين» ١٩٥٤م، و«مجموعة في النو الحديث» ١٩٥٦م؛ وهي عبارة عن مسرحيات حديثة لفن النو (فن تقليدي في اليابان)، و«المعبد الذهبي» ١٩٥٦م، و«منزل كيوكو» ١٩٥٩م، وأخيرًا رباعيته «بحر الخصوبة» التي عبَّر فيها عن فلسفته للحياة، والتي بدأ في كتابة أجزائها ونشرها بدايةً من عام ١٩٦٥م وحتى عام ١٩٧٠م؛ إذ سَلَّم النصَّ النهائي للجزء الأخير منها إلى المحرِّر قُبيل انتحاره لتُنشَر عام ١٩٧١م بعد انتحاره مُباشَرة. كانت حادثة انتحار «يوكيو ميشيما» من أكثر حوادث الانتحار شُهرةً في العالم بأسره بسبب الظروف التي انتحر فيها، وطريقة الانتحار؛ ففي ٢٥ نوفمبر ١٩٧٠م توجَّه «ميشيما» برفقةِ مجموعةٍ من أصدقائه ورجاله اليمينيِّين في زِيِّهم العسكري إلى قاعدة للجيش في طوكيو، واختطَف القائد وأمَره بأن يَجمع الجنود، في مُحاوَلة لانقلابٍ عسكري، فدعا الجنودَ للتمرُّد على الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة والدستور، لكنَّ هُتافات السُّخرية والاستهزاء طَغَت على صوته، فانسحب «ميشيما» إلى الداخل وجثا على ركبتَيه وانتحر على طريقة «الساموراي» ببَقْر بطنه، لتنتهي حياة أهم أدباء اليابان في القرن العشرين عن عمرٍ يناهز ٤٥ عامًا.
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
"«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها و(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/7/
طقس النار المقدَّس في قاعة الشهر الثاني
"كانت رحلة الذهاب إلى طقس النار المقدَّس في نارا هو الو(...TRUNCATED)
"يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة ن(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
"«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها و(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/8/
حفل الزواج
"بعد مرور أسبوع من عودتها من طقس النار المقدَّس، لم تست(...TRUNCATED)
"يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة ن(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
"«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها و(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/9/
ما يقال عنه «الحياة الزوجية الجديدة»
"لم يتوقَّع نوغوتشي، وكذلك كازو أن تحدُث تلك الجلبة وال(...TRUNCATED)
"يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة ن(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/
بعد الوليمة
يوكيو ميشيما
"«كانت صفات «كازو» الشخصية مَرحة بشوشة في كل سَكناتها و(...TRUNCATED)
https://www.hindawi.org/books/81493928/10/
ضيوف مُهمُّون
"على أي حال كان من الواضح أن نوغوتشي يعتقد أن ذلك الزواج(...TRUNCATED)
"يوكيو ميشيما: أحدُ أشهر أدباء اليابان، رُشِّح لجائزة ن(...TRUNCATED)
YAML Metadata Warning: The task_categories "conversational" is not in the official list: text-classification, token-classification, table-question-answering, question-answering, zero-shot-classification, translation, summarization, feature-extraction, text-generation, text2text-generation, fill-mask, sentence-similarity, text-to-speech, text-to-audio, automatic-speech-recognition, audio-to-audio, audio-classification, voice-activity-detection, depth-estimation, image-classification, object-detection, image-segmentation, text-to-image, image-to-text, image-to-image, image-to-video, unconditional-image-generation, video-classification, reinforcement-learning, robotics, tabular-classification, tabular-regression, tabular-to-text, table-to-text, multiple-choice, text-retrieval, time-series-forecasting, text-to-video, image-text-to-text, visual-question-answering, document-question-answering, zero-shot-image-classification, graph-ml, mask-generation, zero-shot-object-detection, text-to-3d, image-to-3d, image-feature-extraction, other

Dataset Card for "Mixed Arabic Datasets (MAD) Corpus"

The Mixed Arabic Datasets Corpus : A Community-Driven Collection of Diverse Arabic Texts

Dataset Description

The Mixed Arabic Datasets (MAD) presents a dynamic compilation of diverse Arabic texts sourced from various online platforms and datasets. It addresses a critical challenge faced by researchers, linguists, and language enthusiasts: the fragmentation of Arabic language datasets across the Internet. With MAD, we are trying to centralize these dispersed resources into a single, comprehensive repository.

Encompassing a wide spectrum of content, ranging from social media conversations to literary masterpieces, MAD captures the rich tapestry of Arabic communication, including both standard Arabic and regional dialects.

This corpus offers comprehensive insights into the linguistic diversity and cultural nuances of Arabic expression.

Usage

If you want to use this dataset you pick one among the available configs:

Ara--MBZUAI--Bactrian-X | Ara--OpenAssistant--oasst1 | Ary--AbderrahmanSkiredj1--Darija-Wikipedia

Ara--Wikipedia | Ary--Wikipedia | Arz--Wikipedia

Ary--Ali-C137--Darija-Stories-Dataset | Ara--Ali-C137--Hindawi-Books-dataset | ``

Example of usage:

dataset = load_dataset('M-A-D/Mixed-Arabic-Datasets-Repo', 'Ara--MBZUAI--Bactrian-X')

If you loaded multiple datasets and wanted to merge them together then you can simply laverage concatenate_datasets() from datasets

dataset3 = concatenate_datasets([dataset1['train'], dataset2['train']])

Note : proccess the datasets before merging in order to make sure you have a new dataset that is consistent

Dataset Size

The Mixed Arabic Datasets (MAD) is a dynamic and evolving collection, with its size fluctuating as new datasets are added or removed. As MAD continuously expands, it becomes a living resource that adapts to the ever-changing landscape of Arabic language datasets.

Dataset List

MAD draws from a diverse array of sources, each contributing to its richness and breadth. While the collection is constantly evolving, some of the datasets that are poised to join MAD in the near future include:

Potential Use Cases

The Mixed Arabic Datasets (MAD) holds the potential to catalyze a multitude of groundbreaking applications:

  • Linguistic Analysis: Employ MAD to conduct in-depth linguistic studies, exploring dialectal variances, language evolution, and grammatical structures.
  • Topic Modeling: Dive into diverse themes and subjects through the extensive collection, revealing insights into emerging trends and prevalent topics.
  • Sentiment Understanding: Decode sentiments spanning Arabic dialects, revealing cultural nuances and emotional dynamics.
  • Sociocultural Research: Embark on a sociolinguistic journey, unraveling the intricate connection between language, culture, and societal shifts.

Dataset Access

MAD's access mechanism is unique: while it doesn't carry a general license itself, each constituent dataset within the corpus retains its individual license. By accessing the dataset details through the provided links in the "Dataset List" section above, users can understand the specific licensing terms for each dataset.

Join Us on Discord

For discussions, contributions, and community interactions, join us on Discord! Discord

How to Contribute

Want to contribute to the Mixed Arabic Datasets project? Follow our comprehensive guide on Google Colab for step-by-step instructions: Contribution Guide.

Note: If you'd like to test a contribution before submitting it, feel free to do so on the MAD Test Dataset.

Citation

@dataset{ 
title = {Mixed Arabic Datasets (MAD)},
author = {MAD Community},
howpublished = {Dataset},
url = {https://huggingface.co/datasets/M-A-D/Mixed-Arabic-Datasets-Repo},
year = {2023},
}
Downloads last month
6,008
Edit dataset card