text
stringlengths 0
254k
|
---|
ترجمة الحافظ المنذري صاحب كتاب الترغيب والترهيب (581 – 656هـ) (1) هو: الحافظ الكبير أبو محمد عبد العظيم زكي الدين بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة بن سعد، المنذري، الشامي ثم المصري، الشافعي، صاحب التصانيف النافعة المفيدة. ( ۲) ولد في غرَّة شعبان من سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وقرأ القرآن الكريم على أبي عبد الله الأَرْتاحِي، وتفقه على أبي القاسم عبد الرحمن بن محمد القرشي، وتأدب على أبي الحسين بن يحيى النحوي، وسمع من عبد المجيب بن زهير ومحمد بن سعيد المأموني والمطهر بن أبي بكر البيهقي، وغير هؤلاء من أفاضل علماء عصره، وارتحل لسماع الحديث إلى مكة ودمشق وحرَّان والرها والإسكندرية، ولزم أما الحسن على بن المفضل مدة. (3) تخرَّج عليه قوم صاروا بعدُ من أساطين العلماء، وذاع صيتهم، ونَبُه ذكرهم: منهم الحافظ أبو محمد الدمياطي، وأبو الحسين اليونيني، وإسماعيل بن عساكر، وعلم الدين الدواداری، وتقي الدين ابن دقيق العيد، وغير هؤلاء. (4) درَّس بالجامعِ الظَّافري بالقاهرة مدَّةً، ثم وَلِي دار الحديث الكاملية، وانقطع بها نحو عشرين سنة. ( 5) قال ابن ناصر الدين: «كان حافظًا كبيرًا، حجةً، ثقةً، عُمدةً». وقال الشريف عزُّ الدِّينِ: «كان عديمَ النَّظير في معرفةِ علومِ الحديثِ على اختلاف فنونِه، عالمًا بصحيحه وسقيمه، ومعلوله وطرُقِه، متبحِّرًا في معرفةِ أحكامِه ومعانيه ومشكله، قيِّمًا بمعرفةِ غريبهِ، وإعرابه واختلاف ألفاظِه، ماهرًا في معرفة رُوَاته وجَرْحِهم وتعديلهم، ووفياتهم ومواليدهم، وأخبارهم، إمامًا، حُجَّة، ثَبَتًا، وَرِعًا، متحرِّيًا فيما يقولُه، متثبِّتًا فيما يرويه. وقال الذهبي: «لم يكن في زمانِه أحفظَ منه». (6) صنَّف قبلَه في التَّرغيبِ والتَّرهيبِ قومٌ: منهم أبو مُوسى المدِينيُّ، وابن زَنْجُويَه حُميد بُن مَخلدٍ بن قتيبة الأزدي، والشيخ الإمامُ قوَّامُ السُّنَّةِ أبو القاسمِ إسماعيل بنُ محمدٍ الأصبهاني المتوفي في سنة خمس وثلاثين وخمس مئة. وقد نصَّ الحافظ المنذريُّ على أنه اطلع على كتاب الأصبهاني ونقل عنه، قال: «واستوعبت جميع ما في كتاب أبي القاسم الأصبهاني ما لم يكن في الكتب المذكورة [1] ، وهو قليل، وأضربت عن ذكر ما فيه من الأحاديث المتحققة الوضع»، وقد أخمل كتاب المنذري غيره من الكتب التي وضعت من قبله في موضوع كتابه، ببركة ورعه وتقواه، وبواسع معرفته وتحرِّيه الدقة، ثم بحسن اختياره وتبويبه، فلم يعد أهل العلم يعرفون من كتب الترغيب والترهيب من الحديث النبوي غير كتاب الحافظ المنذري، وصار هو وحده مراجع الطالبين، وتحط رحال الواعظين، يَرِده السَّغبُ الصَّادِي ثم يصدر عنه وقد أشبع نهمته وبلَّ أوامه. ( ۷) وللحافظ المنذري - غير كتاب «الترغيب والترهيب» هذا - كتبٌ كلُّها يدلُّ على واسع الحفظ ودقة التَّحرِّي، وعلى شديد الورع. ♦ من ذلك: "مختصر صحيح الإمام مسلم بن الحجاج"، وقد شاركه في هذا العمل معاصره أبو الفضل محمد بن عبد الله المريسي المتوفي في سنة 655 من الهجرة، ولكن العلماء عُنوا بمختصر الحافظ المنذري وتلقوه بالقبول ثم قاموا بشرحه، وممن شرحه العلامة عثمان بن عبد الملك الكردي المصري المتوفي في سنة ۷۳۸ هـ، ومنهم العلامة محمد بن أحمد الأسنوى المتوفى في سنة 763هـ من الهجرة. ♦ ومن ذلك: "مختصر سنن أبي داود الذي سماه «المجتبى»، وقد شرحه الحافظ جلال الدين السيوطي شرحًا وسطًا وسماه «زهر الرُّبى على المجتبى» وهذَّبه الإمام محمد ابن أبي بكر، المعروف بابن قيم الجوزية الحنبلي المتوفي سنة 751هـ. ومن هذا الحديث الوجيز عن هذه الكتب الثلاثة تعرف مقدار حرص العلماء على مصنفات الحافظ المنذري؛ فقد تلقَّف كل كتاب من كتبه جماعة من مشاهير العلماء؛ فعنوا بشرحه والتعليق عليه، ويقول الحافظ الذهبي: «ومن تصانيفه "مختصر مسلم"، و"مختصر سنن أبي داود"، وله عليه حواش مفيدة، وكتاب "الترغيب والترهيب"، وهو كتاب نفيس». اهـ. (8) وقد انتقل إلى رحمة الله تعالى ورضوانه في اليوم الرابع من شهر ذي القعدة من سنة ست وخمسين وستمائة، رحمه الله تعالى ورضي عنه. (9) وتجد للحافظ المنذري ترجمة في المراجع الآتية: ♦ «شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي، المتوفي في سنة 1089هـ (5 /277). ♦ «فوات الوفيات» لمحمد بن شاكر بن أحمد الكتبي المتوفي في سنة 764هـ ( 1 /610). ♦ «النجوم الزاهرة» لابن تغري بردي المتوفي في سنة 874هـ (7 /63). ♦ تاريخ الحافظ ابن كثير المسمى «البداية والنهاية» المتوفي في سنة 774هـ (13 /212). ♦ «طبقات الشافعية الكبرى» لابن السبكي المتوفي في سنة 771هـ (5 /108). ♦ «تاريخ ابن الوردي» المتوفي في سنة 749هـ (2 /200). المصدر: مقدمة تحقيق «الترغيب والترهيب» تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد [1] انظر: ثبت المراجع التي نقل المنذري عنها في ص 4 من هذا الكتاب. |
المصنف الفريد في علم أصول الفقه في ثوبه الجديد لعبدالحكيم مالك صدر حديثًا كتاب " المصنف الفريد في علم أصول الفقه في ثوبه الجديد "، تأليف: د. " عبد الحكيم مالك "، الأستاذ المشارك بقسم أصول الفقه- كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة الملك خالد، من إصدارات " مكتبة المتنبي ". و تناول الكتاب كليات علم أصول الفقه، بشكل مختصر عصري، اعتمد المؤلف في غالبه على ثلاثة كتب معاصرة: " علم أصول الفقه " للشيخ " عبدالوهاب خلاف "، وكتاب " أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله" للأستاذ الدكتور " عياض بن نامي السلمي "، وكتاب " المهذب في علم أصول الفقه المقارن " للأستاذ الدكتور عبدالكريم النملة. حيث ارتأى المؤلف جمع مباحث علم أصول الفقه بأسلوب سهل بسيط، مع الاهتمام بضرب الأمثلة لكل موضوع زيادة في البيان، وتحرير محل النزاع في المسائل التي وقع فيها خلاف، دون أن يغفل بيان الثمرة التي نتجت عن الخلاف في مختلف القواعد الأصولية. وقد تميز هذا الكتاب عن غيره من المصنفات في فن أصول الفقه بأن الكاتب قام بوضع خلاصة بعد كل موضوع من مواضيعه لتعين الطالب على استيعاب مباحث هذا العلم، كما بذل جهدًا معتبرًا لإخراجها على شكل تشجير مسائلها؛ لما في ذلك من سهولة حفظها وتيسير استحضارها بسبب التناسق في عرضها. أما عن منهجه في الخلاصة الفقهية التي وضعها عقب كل موضوع فكان على النحو التالي: • اقتصر في التعاريف على التعريف الاصطلاحي دون التعريف اللغوي. • إذا كان عرَّفَ أمرًا أصوليًا بأكثر من تعريف اصطلاحي، يقتصر في الخلاصة على تعريف واحد هو أحسنها عنده. • لا يعيد ذكر الشرح الذي ورد على بعض التعاريف، ولا المحترزات منه إلا إذا اقتضى الأمر ذلك. • إذا وضع في أصل الكتاب أكثر من مثال لموضوع معين، في الخلاصة يقتصر على مثال واحد ينتقيه من باب الإيجاز. • يقتصر في المسائل الخلافية على ذكر الآراء الواردة فيها من غير تحديد أسماء العلماء الذين اختاروا كل رأي فيها إلا في المواطن التي يجد فائدة من ذكر أصحاب بعض الآراء كالتصريح برأي جمهور العلماء، أو تعيين أقوال المذاهب. • يقتصر أيضًا في المسائل الخلافية أو حتى في القواعد الأصولية المتفق عليها على ذكر الآراء من غير الإشارة إلى أدلته أو مناقشة هذه الأدلة، إلا إذا وجدَ فائدة من بيان أهم الأدلة. • زيادة في الفائدة وضع الكاتب خلاصة جميع المواضيع في نهاية الكتاب أيضًا لمن أراد أن يقتصر على الاطلاع عليها، ومن باب المراجعة. ويتألف هذا الكتاب من مقدمة وخمسة فصول: أما المقدمة: فهي في تعريف علم الفقه، وعلم أصول الفقه، وغايتهما، ونشأة علم أصول الفقه، وتطوره. الفصل الأول: الحكم الشرعي وما يتعلق به من أحكام التأليف. الفصل الثاني: الأدلة الشرعية، المتفق عليها والمختلف فيها. الفصل الثالث: طرق استنباط الأحكام من النصوص الشرعية (دلالات الألفاظ). الفصل الرابع: التعارض بين الأدلة وكيفية إزالته. الفصل الخامس: الاجتهاد والإفتاء والتقليد والاستفتاء. |
تعاون علمي جميل ألَّفَ الحافظ السخاوي كتابه " القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع صلى الله عليه وسلم" وفرغَ منه في القاهرة في شهر رمضان سنة ٨٦٠ أو ٨٦١، وذكرَ في آخره مصادرَه الخاصة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم –وتكلَّم عليها وصفاً ونقداً-، ثم ساق مصادرَه العامة. وذكرَ من الكتب الخاصة التي لم يقف عليها: كتابَ أبي القاسم ابن بشكُوال الحافظ، قال: "وهو في جزء لطيف أسماه "القربة إلى ربِّ العالمين بالصلاة على سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين". ثم علَّل ذكْرَهُ ما لم يقفْ عليه فقال: "والغرضُ بإيراد مثل هذا أنْ يعلمَ الواقفُ على كتابي بما لم أظفر به من ذلك، فيحسن بعارية ما لعله يظفر به إنْ أمكن، وإلا فلينظرْ ما في ذلك مِن زائد إنْ وجد فيلحقه بعد إمعان النظر، لئلا يكتبه ويكون موجوداً في الأصل" [1]. ثم قال: "ولما انتشرتْ نسخُ هذا الكتاب [القول البديع] أرسلَ إليَّ محدِّثُ مكة وحافظها وهو ممَّنْ يسارع إلى الخير بالمقصد الصالح -نفع الله به- بنسخةٍ من كتاب ابن بشكُوال، فوجدته في كراستين مع كونه ساقه بإسناده، فألحقتُ منه ما أحتاج إليه" [2] . ومن هو محدث مكة وحافظها هذا؟ قال محقِّقُ الكتاب الأستاذ الشيخ محمد عوامة: "غالبُ الظن أنه يريد تقيَّ الدين ابنَ فهد المتوفى سنة ٨٧١ رحمه الله تعالى، وهو صاحبُ الذيل على "تذكرة الحفاظ" المسمّى لحظ الألحاظ". قلتُ: • ما أجملَ مبادرة محدِّث مكة بإرسال كتاب ابن بشكُوال من مكة إلى القاهرة حين علم أن السخاوي لم يقف عليه! لقد هزَّه حبُّ التعاون واستكمالِ العمل العلمي فقام بذلك، ولم يتواكلْ ولم يدع الفرصة تفوت، ولم يمنعه بُعْدُ المسافة مِن مد يد العون. وهل أرسل الكتابَ عارية أو هدية؟ لا ندري، ولكن يبدو أنه هدية. • وأجملُ منه اعترافُ السخاوي بفضل المرسل، وثناؤه عليه، ووصفُه بأنه ممَّنْ يسارع إلى الخير بالمقصد الصالح، ولعله لم يصرِّح باسمه لشهرته آنذاك بأنه محدِّث مكة وحافظها. تلك هي أخلاقُ العلم الرفيعة [3] . [1] القول البديع ص 480. [2] القول البديع ص 480-481. [3] كتب يوم الأربعاء السابع عشر من ذي القعدة سنة 1441. |
التصرفات الناشئة عن ردة الفعل (دراسة فقهية أصولية تأصيلية) صدر حديثًا كتاب " التصرفات الناشئة عن ردة الفعل ( دراسة فقهية أصولية تأصيلية )"، تأليف: د. " عمر شاكر عبدالله الكبيسي "، من إصدارات " مكتبة ابن القيم الإسلامية "، أبو ظبي. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله، من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الشارقة - الإمارات، وذلك تحت إشراف أ.د. "نجم الدين الزنكي" وذلك عام 2018 م. وتعالج هذه الدراسة مسألة التصرفات الناشئة عن رد الفعل في الشريعة الإسلامية من خلال التعريف بالتصرف المبني على رد الفعل بوصفه انفعالًا يؤثر في المكلف قد يفقده التوازن في القرار. وقد جاءت الشريعة الإسلامية لتهذيب النفس، وتربيتها، وتهذيب المشاعر وتنقيتها، وتنحية العناصر المذمومة في النفوس، والتأكيد على استجلاب وجذب وتركيز وتأسيس العناصر الجيدة المفتقدة أو المفتقر إليها. وقد جاءت هذه الشريعة أيضًا بقواعد وضوابط للمشاعر والعواطف، ومراعاة رد الفعل، والموازنة بين القرارات، والتحكم في الانفعالات؛ لذا كانت هذه الدراسة دراسة تأصيلية لبيان ما هي الضوابط والقواعد التي جاءت بها الشريعة لتهذيب ومواجهة انفعالات النفس البشرية؟ وما يترتب على ردود الفعل الخارجة عن منطلق الشريعة ومسارها القويم. ويتناول البحث زاوية الانفعال وأسبابه فيما إذا كانت غريزية غير مقصودة أو كان الانفعال أمرًا مخططًا له بإثارة مفتعلة للوصول إلى غاية ما، وقد استقى الكاتب من نصوص الشريعة ما يخدم مبحث مراعاة التصرف الانفعالي وإيلائه ما يناسب من الاعتبار والإلغاء، مما يؤكد ضبط الشرع له في المجالات المختلفة. وقد أصلت الدراسة مدى اعتبار الفقهاء للتصرفات إذا كان منشؤها رد الفعل وكيف أنهم يثبتون آثاره للمصلحة تارة، ويهملونها للمفسدة تارة، ويوازنون بين اعتبار المهمات، واعتبار المهم والأهم. وقد اتخذت الدراسة منهجًا استقرائيًا تحليليًا، وتوصلت إلى عدد من النتائج العامة منها: • أنه لابد من الاعتقاد أن الأصل تشريعية التصرفات النبوية، وذلك بسبب ما حظى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عناية ورعاية إلهية، وما خصه الله به تعالى من عصمة، وما حفه به من رقابة على تصرفاته، فكان بذلك يسدده ويوجهه تارة أو يقومه ويصوبه أخرى، كما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة لعموم المؤمنين، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. • كما أنه لابد في اعتبار التصرف برد الفعل مشروعًا من توفر ضوابط، تحميه من الجنوح والشطط، وذلك كاستقامته مع النص الشرعي وموافقته للقواعد والمقاصد الشرعية وأدائه إلى مآل منضبط مشروع. • كما أن رد الفعل إذا كان من أعمال الجبلة لم يتعلق بها تكليف؛ وإنما يتعلق بالتكليف بالتصرفات الزائدة عن اقتضاء أصل الجبلة والفطرة، وذلك أن المكلفين لا يحاسبون على جبلاتهم التي فطروا عليها، وإنما كلفوا تهذيب أعمالهم وتوجيه سلوكهم، فمن كان مقصرًا في ذلك جوزي عن تقصيره، ومن كان محسنًا جوزي عن إحسانه، ولذلك تتعلق برد الفعل أحكام باعتبار الباعث والمآل، وباعتبار الأعمال الظاهرة والقصود والنيات. |
نُسخة «صحيح البخاري» بخطِّ عالمٍ بنغاليٍّ (في بداية القرن العاشر الهجري) وقفتُ على معلومةٍ نادرةٍ، وهي أنَّ عالمًا بنغاليًّا نَسَخَ بيده « صحيح البخاري » كاملًا في بداية القرن العاشر الهِجري، وذلك من خِلال كتاب «تاريخ علم الحديث في البنغال » (باللغة البنغالية) للشيخ نور محمَّد الأعظمي رحمه الله تعالى، فجعلتُ أتتبَّع عن تفاصيل هذه النسخة الفريدة، وعن مكان وجودها إن لم تفقد خلال القُرون الخمسة الماضية. فاكتفى الشيخ نور محمَّد الأعظمي في كتابه بِذكر أن النسخة موجودة في مكتبة باقيبور، بِبَتنة، الهند. وهي المسمَّاة الآن بـ( مكتبة خُدابَخْش). وبعد البحث عنها في مَوقع مكتبة خُدابَخْش وجدتُ أنها موجودةٌ إلى يومنا هذا، والحمد لله ربِّ العالمين. ومن الجدير بالذِّكر أنَّ دولة بنغلاديش الحالية كانت جزءًا من الهند القديمة، وهذا الاسم -أعني بنغلاديش- أيضًا جديدٌ؛ فإن بنغال كان مُلكًا كبيرًا مشتملًا على مناطق عِدَّة، وبعد ما انفصلت الدَّولتان: الهند وباكستان في سنة 1947 م ألحق جزءٌ من بنغال إلى دولة باكستان، ثم استقلَّ هذا الجزء من باكستان في سنة 1971 م، وصار له الاسم الجديد: بنغلاديش. فنظرًا إلى هذا التاريخ الجغرافي يمكن أنْ نصل إلى هذه النتيجة أنَّ تُراث علماء بنغال العلمي القديم انتقل كثيرٌ منه إلى مكتبات الهند الجديدة، وبالتالي انتقلت نسخةُ «صحيح البخاري» هذه أيضًا إلى مكتبة خدابخش في الهند. ونعود إلى الحديث عن هذه النسخة، فأقول: إنَّ هذه النسخة حسب علمي وتتبعي هي النسخة الوحيدة -من نُسَخ « صحيح البخاري » الكثيرة في العالم- التي قام بِنَسْخِها عالمٌ بنغاليٌّ، ولا نجد له مُشارِكًا في هذه الصّنعة من علماء بنغال قديمًا ولا حديثًا. فالناسخ هو الشيخ محمَّد بن يَزْدان بَخْش الشِّرواني البنغالي، المعروف بـ خواجكي، رحمه الله تعالى. ولم أعثر على تفاصيلَ عن حياته، غير أنَّ بعض المصادر التاريخية البنغالية تُسعفنا أنه كان يدرس بمدرسة دَرَاسْباري في بنغال، وهذه المدرسة قد اندرستْ عبر القرون، ولكن توجد بقايَا بعض آثارها إلى الآن في فيروزفور من دولة بنغلاديش. وتعد تلك المدرسة من أقدم المدارس في بنغال، أسَّسَها مَلِك بنغال علاء الدين شاه في الأوَّل من رمضان، سنة 1502 م، وكانت هذه المدرسة بمثابة جامعةٍ دوليةٍ، كان يجتمع فيها الطلبة من داخل بنغال وخارجه، وكان من المقرَّرات الدِّراسية فيها تدريس الكُتُب الست الحديثية المشهورة. فكان الشيخ محمَّد بن يَزْدان بَخش عُضو هيئة التدريس في تلك المدرسة العريقة، ونسخة «صحيح البخاري» التي نسخها هو كانت أوَّل نواةٍ لمكتبة تلك الجامعة، أعني مدرسة دَرَاسْباري. وأمَّا تفاصيل هذه النسخة -مما حصلتُ عليها إلى الآن- فهي أنها نُسِخت بخطِّ النَّسخ، في سنة 911 هـ، في كُدالة عاصمة الخلافة لبنغال آنئذ، وتقع النسخة في ثلاث مجلَّدات كبار، توجد في مكتبة خُدابَخْش تحت الأرقام التالية: فالمجلَّد الأوَّل تحت رقم 130، عدد صفحاته 228 صفحةً، وفي كل صفحةٍ 21 سطرًا، وقياسه 17: 12؛ 11:5. والمجلَّد الثَّاني تحت رقم 131، عدد صفحاته 242 صفحةً، وفي كل صفحةٍ 21 سطرًا، وقياسه 17: 12؛ 11:5. والمجلَّد الثَّالث تحت رقم 132، عدد صفحاته 320 صفحةً، وفي كل صفحةٍ 21 سطرًا، وقياسه 17: 12؛11:5. وقد كَتَب الناسخ في نهاية النسخة خاتمةً، ذكر فيها تاريخ نَسْخها، وبالَغ فيها في الثناء على مَلِك بنغال علاء الدين شاه (زمان خلافته 905-927 هـ)، وأطنب في ذكر أوصافه. [1] [1] الكاتب: أستاذ الحديث الشريف بكلية المدني (المعهد الشرعي) بمدينة لندن، بريطانيا. |
صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها الحمدُ لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَي هي إحدى أمهات المؤمنين؛ قال الله تعالى عنهم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فأحببتُ أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم والنسب: هي صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ بْنِ أَبِي حَبِيبِ بْنِ النَّضِيرِ، مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ سَبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ صلى الله عليه وسلم. أُمُّهَا: بَرَّةُ بِنْتُ سَمَوْءَلٍ أُخْتُ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْءَلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8 صـ95). كَانَتْ صَفِيَّةُ تَزَوَّجَهَا سَلَّامُ بْنُ مِشْكَمٍ الْقُرَظِيُّ، ثُمَّ فَارَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا كِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ النَّضْرِيُّ، فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ خَيْبَرَ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8 صـ95). قال الإمام الذهبي (رحمه الله): كَانَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ شَرِيْفَةً، عَاقِلَةً؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2 صـ232). زواج صفية بالنبي صلى الله عليه وسلم: روى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَقَدَمِي تَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ حِينَ بَزَغَتِ الشَّمْسُ وَقَدْ أَخْرَجُوا مَوَاشِيَهُمْ، وَخَرَجُوا بِفُؤُوسِهِمْ، وَمَكَاتِلِهِمْ، وَمُرُورِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ، وَالْخَمِيسُ (أيْ الجيش)، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ ﴿ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ ﴾ [الصافات: 177]، قَالَ: وَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَوَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، فَاشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تُصَنِّعُهَا؛ (أي تزينها) لَهُ وَتُهَيِّئُهَا، وَتَعْتَدُّ (أي تحيض) فِي بَيْتِهَا، وَهِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالَ: وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالْأَقِطَ وَالسَّمْنَ، فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ، وَجِيءَ بِالْأَنْطَاعِ، فَوُضِعَتْ فِيهَا، وَجِيءَ بِالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَشَبِعَ النَّاسُ، وَقَالَ النَّاسُ: لَا نَدْرِي أَتَزَوَّجَهَا، أَمِ اتَّخَذَهَا أُمَّ وَلَدٍ؟ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ حَجَبَهَا، فَقَعَدَتْ عَلَى عَجُزِ الْبَعِيرِ، فَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ تَزَوَّجَهَا، فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ، دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَفَعْنَا، قَالَ: فَعَثَرَتِ النَّاقَةُ الْعَضْبَاءُ(أي الناقة المشقوقة الأذن، وهي ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، وَنَدَرَ (أَيْ سَقَطَ) رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَدَرَتْ، فَقَامَ فَسَتَرَهَا، وَقَدْ أَشْرَفَتِ النِّسَاءُ، فَقُلْنَ: أَبْعَدَ اللهُ الْيَهُودِيَّةَ؛ (مسلم ـ كتاب النكاح - حديث: 1365). قال الإمامُ النووي (رحمه الله): قَوْلُه: (فُحِصَتِ الْأَرْضُ أَفَاحِيصَ)؛ أَيْ: كُشِفَ التُّرَابُ مِنْ أَعْلَاهَا وَحُفِرَتْ شيئًا يسيرًا؛ ليجعل الْأَنْطَاعِ فِي الْمَحْفُورِ، وَيُصَبَّ فِيهَا السَّمْنُ، فَيَثْبُتَ وَلَا يَخْرُجَ مِنْ جَوَانِبِهَا؛ (مسلم بشرح النووي جـ5 صـ242). تزوجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ سنة سبع من الهجرة. روى ابنُ سَعدٍ عَنْ آمِنَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الغِفَارِيَّةِ، قَالَتْ: أَنَا إِحْدَى النِّسَاءِ اللاَّئِي زَفَفْنَ صَفِيَّةَ يَوْمَ دَخَلَتْ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهَا تَقُوْلُ: مَا بَلَغْتُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً يَوْمَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ102). علم صفية: روت صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ عَشْرَةَ أَحَادِيْث،منها حديثٌ واحدٌ متفقٌ عليه عند البخاري ومسلم، وحَدَّثَ عَنْهَا: عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ، وَإِسْحَاقُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ الحَارِثِ، وَكِنَانَةُ مَوْلاَهَا، وَآخَرُوْنَ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ238،232). مناقب صفية: روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالكٍ، قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ، قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَبَكَتْ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ»؟ فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟» ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَةُ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:3055). وفاة صفية: مَاتَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ رضي الله عنها سَنَةَ خَمْسِينَ فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبي سُفْيَانَ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ102). رَحِمَ اللهُ تعالى صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ رحمةً واسعةً ورضي عنها، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
الحافظ أبو بكر ابن أبي داود السجستاني اسمه ونسبه: هو: عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن إسحاق، أبو بكر الأزدي السجستاني، المعروف بـ (ابن أبي داود)، وأبو داود: هو صاحب "السنن". مولده ونشأته: وُلِدَ ابن أبي داود بسجستان سنة (230 هـ)، في بيت علم ودين، وقد اعتنى به والده عناية خاصة منذ الصغر فطاف به الأرض شرقًا وغربًا؛ ولهذا سمع عن جم غفير من أهل العلم، وبلغ - رحمه الله - شأوًا كبيرًا في العلم، وكان صاحب همة عالية من الصغر، ومن علامات هذه الهمة قوله عن نفسه: «دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مُدَّ بَاقِلاء، قال: فكنت آكل منه مدًّا وأكتب عن أبي سعيد الأشج فكتبت عنه ألف حديث يعني في يومٍ واحدٍ فلما كان الشهر حصل معي ثلاثون ألف حديث ما بين منقطع ومرسل» [1] . شيوخه: تتلمذ على يدي عدد من أهل العلم المشاهير، منهم: والده سليمان ابن الأشعث، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري، ومحمد بن عبد الرحيم المعروف بـ صاعقة، ومحمد بن بشار بندار، وغيرهم. تلاميذه: تلاميذه كُثُر ومن أشهرهم: أبو أحمد الحاكم، وابن حبان صاحب الصحيح، وعمر بن شاهين، وأبو الحسن الدارقطني، وعبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو عبد الله بن بطة، وعيسى بن علي الوزير، وغيرهم. عقيدته ومذهبه: كان الناظم ابن أبي داود - رحمه الله - على عقيدة أهل السنة والجماعة، ولا أدل على ذلك من نظمه الذي بين أيدينا، الذي أوضح فيه عقيدة السلف الصالح، وقد جاء عنه في بعض نسخ هذه المنظومة أنه قال في نهايتها: «هذا قولي، وقول أبي، وقول أحمد بن حنبل - رحمه الله -، وقول من أدركنا من أهل العلم، وقول من لم ندرك من أهل العلم ممن بلغنا قوله، فمن قال عليَّ غير ذلك فقد كذب» [2] . ومما يؤكد سلامة عقيدته شهادة كثير من العلماء له بذلك كالآجري، وابن أبي يعلى، وابن القيم، والذهبي، وغيرهم. وقد اتُّهِم - رحمه الله - بالنصب - أي: نصب العداء لآل النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكن هذه التهمة عرِيَّة من الصحة، بل الثابت عنه - رحمه الله - خلاف ذلك، حيث نجده يثني على أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ويذكر فضائلهم ومآثرهم. وقد برأ نفسه من هذه التهمة في حياته ولم يجعل من رماه في حِلٍّ، حيث قال: «كلُّ مَنْ بيني وبينه شيء، أو ذكرني بشيءٍ فهو في حلٍّ، إلا من رماني ببغض علي بن أبي طالب» [3] . وجاء في هذه المنظومة ما يشهد على براءتِه من هذه التهمة، حيث قال في البيت السادس عشر: وَرَابِعُهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَهُمْ *** عَلِيٌّ حَلِيفُ الخيْرِ بِالخَيْر مُنْجِحُ وأما مذهب ابن أبي داود الفقهي فهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل؛ ولذلك ترجم له الحنابلة في طبقاتهم، كابن أبي يعلى، وابن مفلح، وغيرهما. مكانته العلمية وثناء العلماء عليه: تُعْرَف مكانة الشخص العلمية بشيوخه ومؤلفاته، فالناظم - رحمه الله - تتلمذ على أكابر العلماء في وقته، وقد سبق ذكر بعضهم. وقد تبوّأ - رحمه الله - مكانة علمية في حياته، فكان فقيهًا عالمًا حافظًا، متمكنًا في علوم القرآن، مع مشاركة في مختلف علوم الشريعة. قال أبو محمد الخلال: «كان ابن أبي داود إمام العراق، وعلم العلم في الأمصار، نصب له السلطان المنبر فحَدَّث عليه لفضله ومعرفته... وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو» [4] . وقال الخطيب البغدادي: «وكان فهمًا عالمًا حافظًا» [5] . وقال الذهبي: «كان من بحور العلم بحيث أن بعضهم فضله على أبيه» [6] . مؤلفاته: صنَّف - رحمه الله - جملة من الكتب منها: المصاحف، والقراءات، ونظم القرآن، وفضائل القرآن، والناسخ والمنسوخ، وشريعة التفسير، والمصابيح في الحديث، والبعث والنشور، وغيرها. وفاته: توفي ابن أبي داود - رحمه الله - ببغداد في شهر ذي الحجة سنة (316 هـ) عن سبعة وثمانين عامًا [7] . المصدر: مقدمة كتاب نثر الورود شرح حائية ابن أبي داود لعبدالرحمن العقل، طـ مركز النخب العلمية، الطبعة الرابعة، 1439 هـ - 2018 م [1] ينظر: تاريخ بغداد (11/ 136)، وطبقات الحنابلة (2/ 52). [2] ينظر: طبقات الحنابلة (2/ 54). [3] ينظر: تاريخ بغداد (11/ 136). [4] ينظر: تاريخ بغداد (11/ 136)، وطبقات الحنابلة (2/ 52). [5] تاريخ بغداد (11/ 136). [6] سير أعلام النبلاء (13/ 136). [7] ينظر في ترجمته: طبقات المحدثين لأبي الشيخ (3/ 533)، وتاريخ نيسابور ص (48)، وتاريخ أصبهان (2/ 27)، والإرشاد في معرفة علماء الحديث (2/ 610)، وتاريخ بغداد (11/ 136)، وطبقات الحنابلة (2/ 51)، وسير أعلام النبلاء (13/ 221). |
كتاب المحنة بتحقيق أبي جنة الحنبلي صدر حديثًا " كتاب المحنة " ذكر محنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رواية ابن عمه: أبي علي الشيباني حنبل بن إسحاق بن حنبل، تحقيق: أبي جَنَّة الحنبلي، مصطفى بن محمد صلاح الدين بن منسي القبَّاني، من منشورات "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية". ويتناول الكتاب محنة إمام السنة "أحمد بن حنبل " في الفتنة التي حدثت أيام خلافة المأمون ومن تلاه من الخلفاء العباسيين المعاصرين للإمام أحمد من قبل المتكلمة والزنادقة في قضية " خلق القرآن " وذلك من رواية ابن عم الإمام أحمد بن حنبل، وهو حنبل بن إسحاق بن حنبل (ت 273 هـ)، حيث نجد أن تلك المحنة استمرت في خلافة ثلاثة خلفاء، وكان بطلها أحمد بن حنبل، فوقعت مع المأمون و المعتصم والواثق حيث نجد الأول أمر بامتحانه ومات قبل أن يراه الإمام أحمد، والثاني هو من جلده، والثالث هو من كان السبب في تواريه واختفائه عن الناس، أما الخليفة المتوكل فهو الذي رفع المحنة وأخرج الإمام أحمد بن حنبل من حبسه، ويروي أبو علي الشيباني ملابسات تلك المحنة وما تعرض له الإمام أحمد بن حنبل من ضغط ومساومات، وخروج الإمام أحمد من محبسه رافعًا لواء مذهب أهل السنة، ويختم المؤلف كتابه بذكر وفاة الامام أحمد وما حدث في جنازته. وفي ثنايا كتابه نَقلَ محنة بعض العلماء مثل عفان وبشر بن الوليد والقواريري وغيرهما ممن عاصروا تلك المحنة، إلى جانب بيان لزومه مذهب أهل السنة في وجوب التمسك بالجماعة والصبر عند البلاء والصدع بالحق في ساعة الفتن. وتعد هذه الرواية من أوسع الروايات للمحنة وأحداثها، وهي من أصدقها أيضًا، كما أنها وصلتنا كاملة بخلاف غيرها من الروايات، إلى جانب أن بها نقول مباشرة قالها أحمد بن حنبل رحمه الله لابن عمه أبي علي الشيباني راوي الكتاب بصفته شاهد عيان. كما أورد فيها المحقق أقوال معاصري الإمام أحمد بن حنبل فيه، وغيرهم، وبيان مواقفهم من تلك الفتنة، فمن ضمن تلك الشهادات: قال إسماعيلُ بن خليل: "لو كانَ أحمدُ بن حنبل في بني إسرائيلَ لكانَ آية" [مقدمة كتاب المحنة صـ١٠]. قال هلال بن العلاء الرَّقِّي: "مَنَّ الله على هذه الأمَّة بأربعة في زمانهم، بأحمد بن حنبل ثبت في المحنة، ولولا ذلك لكفر الناس". قال بِشر بن الحارث: "ما أظنُّ أنَّ حياة أحمد إلَّا أمانًا لأهل الأرض، وخاصَّة أهل بغداد، فإذا مرَّ أحمد استوت الأقدام". قال سهل بن عبدالله: "كان أحمد بن حنبل سهمًا من سِهام الله، أهلك الله به أهل الزَّيغ والضَّلال". قال أبو إبراهيم المُزني: "أحمد بن حنبل يوم المحنة: أبو بكر يوم الرِّدة، وعمر يوم السَّقيفة، وعثمان يوم الدَّار، وعلي يوم صفِّين" [مقدمة كتاب المحنة صـ١١، 12]. ومما نقله أبو علي الشيباني عن عمه، قول الإمام أحمد: "ما رأيتُ أحدًا على حداثة سِنِّه، وقلَّة عِلمِه، أقومُ بأمرِ الله من محمد بن نوح، وإنِّي لأرجو أن يكون الله قد ختم له بخير، قال لي ذاتَ يوم وأنا معه خِلْوَين: يا أبا عبدالله، اللهَ اللهَ اللهَ، إنك لست مثلي، ولستُ مثلك، إن الله ابتلاني فأجبتُ فلا تقتاس بي، فإنك لستَ مثلي، أنتَ رجلٌ يُقتَدَى بك، وقد مدَّ هذا الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتقِ الله، واثْبُت لأمرِ الله. فعجبتُ من تقويته لي وموعظته إياي" [كتاب المحنة صـ90]. وقال أبو علي حنبل: بلغني أنَّ الإمام أحمد قال: "لي ولهم موقفٌ بين يدي الله عزَّ وجل" [كتاب المحنة صـ124]. وقد جاء تحقيق الباحث أبي جَنَّة الحنبلي جابرًا للطبعات السابقة لهذا الكتاب الهام، وبيان ما فيها من سقط استكمله في تلك الطبعة المحققة؛ نتيجة لخبرته وتخصصه مع كتب المذهب الحنبلي، حيث اعتمدَ في تحقيقه على كل ما وقع في يده من مخطوطة الكتاب مع بيان وجود تآكل في المخطوطات الأصلية، وقال أنه اعتمد على نسختين خطيتين للكتاب، وقدم للكتاب بمقدمة ضافية تحدث فيها عن ترجمة المؤلف وحياته ثم مصادره في كتابه وأهمية كتابه ونحو ذلك، ثم بعد الانتهاء من النص المحقق، تحدث عن علماء المحنة وموقف الامام أحمد منهم باختصار كما تحدث عن سند المخطوطتين إلى حنبل وحال رواتها وصحة المخطوطتين، ثم ذكر شجرة أسانيد العلماء لرواية حنبل للمحنة مثل إسناد ابن الجوزي وعبدالغني المقدسي والخطيب البغدادي وابن عبدالهادي وغيرهم. كما قام بتحقيق أغلب الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب مع بيان حكمها، مع خدمة الكتاب لغويًا وعلميًا. وينقسم الكتاب إلى خمسة أقسام: القسم الأول ترجمة المؤلف، ويشتمل على فصلين؛ الفصل الأول حياته الشخصية واسمه وكنيته ومولده وأسرته ووفاته، والفصل الثاني حياته العلمية ويذكر شيوخه وتلاميذه ومؤلفاته والثناء عليه. والقسم الثاني دراسة رواية حنبل رحمه الله للمحنة، ويبين المحقق فيه مصدر تلقّي أخبار المحنة، وتحقيق اسم الكتاب وإثبات نسبته إلى مؤلفه، وأهمية رواية حنبل للمحنة ومصادرها، والكلام على طرق إسناد الكتاب وحال الطبعة السابقة، ووصف النسختين الخطيتين المعتمدتين في التحقيق، والعمل في التحقيق. أما القسم الثالث فهو قسم التحقيق، وفيه ذكر أحداث محنة الإمام أحمد بن حنبل، وما جرى له إبانها، وذكر وفاته. إضافة إلى القسم الرابع وهي الملاحق التي ألحقها المحقق بالكتاب؛ ويضم علماء المحنة وموقف الإمام أحمد منهم. فيما يشتمل القسم الخامس على المصادر والمراجع والكشافات والفهارس. أما راوي الكتاب فهو أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني (... - 273 هـ =... - 886 م)، ولد قبل المائتين، هو ابن عم الإمام أحمد، وتلميذه، وكان أحد حفاظ الحديث، أخذ العلم عن أحمد بن حنبل، وسليمان بن حرب، وأبي نعيم، وعفان بن مسلم، والحميدي، وأبي الوليد الطيالسي، وحجاج بن منهال، ومسلم بن إبراهيم، وقبيصة بن عقبة، وأبي سلمة، وعاصم بن علي، وسريج بن النعمان، وعلي بن الجعد، وأباه، وحدث عنه: ابن صاعد، وأبو بكر الخلال، ومحمد بن مخلد، وأبو جعفر ابن البختري، وعثمان بن السماك، وآخرون. قال عنه الخطيب البغدادي: كان ثقةً ثبتًا. وقال الذهبي: له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد، ويغرب. وقال أحمد بن المنادي: كان حنبل قد خرج إلى واسط، فجاءنا نعيه منها، في جمادى الأولى، سنة ثلاث وسبعين ومائتين. وله من المؤلفات كتاب ( التاريخ )، وكتاب ( الفتن )، وكتاب ( محنة الإمام أحمد بن حنبل ). |
العلامة ابن هشام النحوي هو الإمام الذي فاق أقرانه، شأى من تقدمه، وأعيا من يأتي بعده، الذي لا يشق غباره في سعة الاطلاع وحسن العبارة وجمال التعليل، الصالح، الورع، أبو محمد عبد الله جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري المصري. ولد في القاهرة في ذي القعدة عام ثمان وسبعمائة من الهجرة (عام 1309 من للميلاد). ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وسمع على أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى المزني، ولم يلازمه، ولا قرأ عليه غيره، وحضر دروس التاج التبريزي، وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة، وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتفقه على مذهب الشافعي، ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقي قبيل وفاته. وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البارع، والاطلاع المفرد، والاقتدار على التصرف في الكلام، وكانت له ملكة يتمكن بها من التعبير عن مقصوده ما يريد مسهبًا وموجزًا، وكان - مع ذلك كله - متواضعًا، برًّا، دمث الخلق، شديد الشفقة، رقيق القلب. قال عنه ابن خلدون: «مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه». وقال عنه مرة أخرى: «إن ابن هشام على علم جم يشهد بعلو قدره في صناعة النحو، وكان ينحو في طريقته منحاة أهل الموصل الذين اقتفوا أثر ابن جني واتبعوا مصطلح تعليمه، فأتى من ذلك بشيء عجيب دالٍّ على قوة ملكته واطلاعه» اهـ. ولابن هشام مصنفات كثيرة كلها نافع مفيد تلوح منه أمارات التحقيق وطول الباع، وتطالعك من روحه علائم الإخلاص والرغبة عن الشهرة وذيوع الصيت، ونحن نذكر لك من ذلك ما اطلعنا عليه أو بلغنا علمه مرتَّبًا على حروف المعجم، وندلك على مكان وجوده إن علمنا أنه موجود، أو نذكر لك الذي حدَّث به إن لم نعلم وجوده، وهاكها: 1) «الإعراب عن قواعد الإعراب»: طبع في الآستانة وفي مصر، وشرحه الشيخ خالد الأزهري. 2) «الألغاز»، وهو كتاب في مسائل نحوية، صنفه لخزانة السلطان الملك الكامل: طبع في مصر، وفي الآستانة. 3) «أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك»: طبع مرارًا، وشرحه الشيخ خالد، ولنا عليه ثلاثة شروح: أولها شرح وجيز مطبوع، وثانٍ متوسط، طبع أيضًا، وثالث مبسوط لم يطبع. 4) «التذكرة»: ذكر السيوطي أنه كتاب في خمسة عشر مجلدًا، ولم نطلع على شيء منه. 5) ((التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل»: ذكر السيوطي أنه عدة مجلدات. 6) «الجامع الصغير»: ذكره السيوطي، ويوجد في مكتبة باريس. 7) «الجامع الكبير»: ذكره السيوطي. 8) «رسالة في انتصاب "لغةً" و"فضلًا" وإعراب "خلافًا" و"أيضًا" و"هلُمَّ جرًّا » وهي موجودة في دار الكتب المصرية وفي مكتبة برلين ولیدن، وهي برمتها في كتاب «الأشباه والنظائر النحوية» للسيوطي، المطبوع في الهند. 9) «رسالة في استعمال المنادي في تسع آيات من القرآن الكريم»: موجودة في مكتبة برلين. 10) «رفع الخاصة، عن قراء الخلاصة»: ذكره السيوطي، وذكر أنه يقع في أربعة مجلدات. 11) «الروضة الأدبية، في شواهد علوم العربية»، يوجد بمكتبة برلين، وهو شرح شواهد كتاب "اللمع"، لابن جنی. 12) «شذور الذهب، في معرفة كلام العرب»: طبع مرارًا، ولنا عليه شرح مطبوع. 13) «شرح البردة»: ذكره السيوطي، وربما كان هو «شرح بانت سعاد» الآتي. 14) «شرح شذور الذهب» المتقدم، طبع مرارًا، ولنا عليه شرح، طبع مرارًا. 15) «شرح الشواهد الصغرى»: ذكره السيوطي أيضًا، ولا ندري: أهو كتاب "الروضة" السابق أم هو كتاب آخر؟ 16) «شرح الشواهد الكبرى»: ذكره السيوطي أيضًا، ولا ندري حقيقة حاله. 17) «شرح قصيدة "بانت سعاد"»: طبع مرارًا. 18) «شرح القصيدة اللغزية في المسائل النحوية»: يوجد في مكتبة ليدن. 19) «شرح قطر الندى وبل الصدى»: طبع مرارًا، ولنا عليه شرح، طبع مرارًا أيضًا. 20) «شرح اللمحة لأبي حيان»: ذكره السيوطي. 21) «عمدة الطالب في تحقيق صرف ابن الحاجب»: ذكره السيوطي وذكر أنه في مجلدين. 22) «فوح الشذا في مسألة "كذا"»، وهو شرح لكتاب «الشذا، في مسألة كذا»، تصنيف أبي حيان: يوجد في ضمن كتاب والأشباه والنظائر النحوية، للسيوطي. 23) «قطر الندى وبل الصدى»: طبع مرارًا، وهو متن الشرح السابق ذكره، ولنا عليه شرح مطبوع. 24) «القواعد الصغرى»: ذكره السيوطي. 25) «القواعد الكبرى»: ذكره السيوطي. 26) «مختصر الانتصاف من الكشاف»، وهو اختصار لكتاب صنفه ابن المنير في الرد على آراء المعتزلة التي ذكرها الزمخشري في تفسير الكشاف، واسم كتاب ابن المنير "الانتصاف من الكشاف"، وكتاب ابن هشام، يوجد في مكتبة برلين ومكتبة الأزهر. 27) «المسائل السفرية في النحو»: ذكره السيوطي. 28) «مغني اللبيب عن كتب الأعاريب»: طبع في طهران والقاهرة مرارًا، وعليه شروح كثيرة طبع منها عدد وافٍ، ولنا عليه شرح مبسوط، نسأل الله أن يعين على طبعه. 29) «موقد الأذهان، وموقظ الوسنان»، تعرض فيه لكثير من مشكلات النحو: يوجد في دار الكتب المصرية ومكتبتي برلين وباريس. وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في ليلة الجمعة - وقيل: ليلة الخميس - الخامس من ذي القعدة سنة إحدى وستين وسبعمائة من الهجرة (سنة 1360 من الميلاد). وقد ذكر حاجي خليفة في غير موضع من كتابه « كشف الظنون» أنه توفي في عام اثنين وستين وسبعمائة من الهجرة، وهو مالم أجده لأحد سواه. رضي الله تعالى عنه وأرضاه [1] !! المصدر: مقدمة تحقيق ((شرح شذور الذهب)) [1] تجد لابن هشام هذا - رحمه الله تعالى ؛ - ترجمة في "الدرر الكامنة" لابن حجر (2/ 308) وفي "بغية الوعاة" للسيوطي (293) وفي "حسن المحاضرة" للسيوطي أيضًا (1 /247)، وفي "المنهل الصافي"، وفي "المنهج الأحمد" للعلیمي (255)، وفي "دائرة المعارف الإسلامية" (1 /295) وفي مواضع متفرقة من كشف الظنون. وقد اشتهر بهذا الكنية قبل المؤلف جماعة: منهم الإمام عبد الملك بن هشام بن أيوب المعافري الذي هذب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي ألفها ابن إسحاق، وقد توفي بمصر في عام 213، وقيل: في عام 218 وقد ترجمه ابن خلكان (الترجمة رقم 353 بتحقیقنا). ومنهم العلامة أحمد بن عبد الله بن أحمد بن هشام بن إبراهيم بن خلف اللخمي السبتي، النحوي، اللغوي، أحد أعيان القرن السادس، وتجد له ترجمة في بغية الوعاة للسيوطي (19) وفي ابن خلكان (الترجمة رقم 86 بتحقيقنا) ومنهم محمد بن يحي ابن هشام الخضراوي، ويعرف بابن البردعي، وكان رأسًا في العربية، وتوفي بتونس سنة 646، وله ترجمة في "بغية الوعاة" للسيوطی (115)، وابن هشام صاحبنا ينقل عنه كثيرًا في كتابه «أوضح المسالك» و«مغني اللبيب». واشتهر بهذه الكنية من أسرة المؤلف: حفيده محمد بن عبد الرحمن المتوفي في عام 866 من الهجرة. وله ترجمة في: "الضوء اللامع" للسخاوي (7 /91) واشتهر بها أيضا محب الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن، وهو ابن الحفيد السابق، وكانت وفاته في سنة 89 من الهجرة، وله ترجمة في "الضوء اللامع" (9 /92). |
مدى اعتبار الرأي المخالف عند الفقهاء صدر حديثًا كتاب " مدى اعتبار الرأي المخالف عند الفقهاء "، تأليف: د. " مصطفى مؤيد حميد " ود. " ضياء يوسف حالوب "، من إصدارات " دار النور المبين للنشر والتوزيع ". وهو بحث في تعريف الرأي المخالف ونشأته في الفقه الإسلامي، وضوابط قبوله ومراعاته في الأحكام القضائية، والعمل به عند الفقهاء. ويرى الباحثان أنه ينبغي النظر إلى المذاهب الإسلامية أنها مذهب واحد من حيث الاعتبار، والأخذ من كل مذهب بما يوافق الأدلة، ويناسب روح العصر، والوقت والحال والمكان والضرورة؛ لأن تقليد الضعيف عند الضرورة فيما لا يخالف أصلًا من أصول الشريعة سائغ للجميع. كما نبه المؤلفان أن الرحمة والسعة التي قصدها أهل العلم في قولهم: اختلاف الأئمة رحمة وسعة للأمة هي فتح باب الاجتهاد، أو اجتهاد الرأي، وليس الاختلاف في حد ذاته؛ لأن الحق واحد. كما أن اختلاف وجهة نظر الأئمة رضوان الله عليهم في فهم الشريعة الإسلامية وتطبيقها دلالة على أنها صالحة لكل زمان ومكان، فإذا ترتب على أحد الرأيين مشقة في وقت من الأوقات، وجب الرجوع للرأي الآخر ما دام لا يخالف أصلًا من أصول الشريعة، فكلا الرأيين حسن والعمل به مقبول ومعقول. كما أن قبول الرأي المخالف سبيل للوصول إلى الحق والصواب الذي هو غاية كل مجتهد أو فقيه، ولم يصل أئمة المذاهب إلى ما وصلوا إليه إلا بعد النظر والتدبر في آراء غيرهم من السابقين لهم والمعاصرين، ووضعها في ميزان القواعد المستنبطة من الأدلة الشرعية. كما أن اختلاف الفقهاء في المسائل الاجتهادية من قبيل التضاد السائغ التي يسوغ أن يكون فيها قول آخر، ولا يؤدي إلى النزاع والخصومة. كما رجح البحث أن مسائل الخلاف لا يترتب عليها ولاء وبراء، لأنها تدور في دائرة الظن، سواء أكان في ثبوت الدليل، أم في احتمالاته. كما أن أخذ المقلد بقول مذهب آخر غيرَ مذهبه؛ لقوة الدليل أو اقتضاء المصلحة أو رفعًا للحرج، لا يعد خروجًا عن المذهب، بل هو إعمال للدليل، سيما أن أئمة المذاهب جميعًا اتفقوا على أن مذهبهم في إعمال النص وعدم مخالفته. كما أن تخير القاضي أو الحاكم من أقوال الفقهاء منوط بالمصلحة، وقضاء القاضي يرفع الخلاف. وأوصى الباحثان في نهاية بحثهما بالتركيز على أقوال أئمة المذاهب الفقهية المتبعة في عدم الطعن بآراء الغير وأنها تحتمل الصواب، كما يريان ضرورة تدريس مناقب أئمة المذاهب الفقهية وسيرتهم، وبيان أن اختلافهم في الفروع لم يفسد الود بينهم. وجاءت الرسالة في مقدمة وأربعة مباحث وخاتمة مذيلة بفهرس المصادر والمراجع، على النحو التالي: المبحث الأول: مفهوم الرأي والرأي المخالف، ونشأته. المبحث الثاني: ضوابط قبول الرأي المخالف. المبحث الثالث: الأسس التي نشأت عليها المذاهب الفقهية. المبحث الرابع: مراعاة الخلاف وأثره في قبول الرأي المخالف. المبحث الخامس: قضاء القاضي وأثره في إعمال الرأي المخالف. المبحث السادس: اعتبار الفقهاء قبول الرأي المخالف والعمل به. |
آراء وأنباء في العلوم المزاج التجريبي: جمعتني المصادفة في بلد ناءٍ بخبير في اللاسلكي أجنبي، وفي إبان المجلس عرض عليه موظف مصري كبير مشروع نظام للإذاعة اللاسلكية يراد أتباعه في مصر حينما تتم المحطة المصرية الموعودة في يناير القادم [يناير 1934م]. وكان المشروع طويلًا عريضًا كثير التفاصيل دقيق الأجزاء كثير الفروض، كثير الردود، معجبًا في انسجامه، مقنعًا في تلاوته، ولا شك أن كاتبه استغرق في مكتبه ساعات عديدة لتدبيره، واستهلك كثيرًا من الورق والحبر قبل الانتهاء على صيغتِه الأخيرةِ. ولما فرغ صاحبنا المصري من عرضه سأل الخبير رأيه فيه وعن القدر الذي يتاح له من النجاح، فسكت الخبير هنيهة ثم قال: ابدءوا بعُشر هذا فستجدون أن معالجة هذا العُشر الأوَّلِ سترسم لكم الطريق إلى معالجة التسعة الأعشار الباقية. لا أدري إن كان خبيرنا المذكور تثقف بثقافة علمية خاصة ولكن الذي أدريه أن عقليته لا شك علمية ورأيه الذي ارتآه صدر عن نفسية مزاجها تجريبي، والمزاج التجريبي وليد المران العلمي. فالعلم يتشكك في كل ما ينتج عن الفكرة الخالصة وعن نشاط الفكر البحت الذي لا يتعدى حدود الجمجمة. والعالِمُ الحديث كالسفسطائي القديم في فقدانه الثقة بالمنطق الصرف باعتباره أداة كافية لكشف الحقيقة. والعالِمُ الحديث يبالي بالنتيجة العملية أولًا فإن فسرتها النظرية فقد حصل توافق محمود، وإن كان خصام فالنظرية مخصومة مرفوضة. وكثيرًا ما تجد هذا المزاج التجريبي في رجال ليس العلم صناعةً لهم، فتجده في التجار وأرباب الصناعة وفي الساسة، وقد يكون طابعًا خاصًا في أمَّةٍ، وقد وجدته في الأمة الإنجليزية طابعًا لها، لا سيما في رجال تثقفوا بثقافة خاصة كثقافة كمبردج أو أكسفورد، والخبير الأجنبي المذكور من هؤلاء. ولو أنك عرضت هذا المشروع اللاسلكي المنمَّق على مصري ذي ثقافة قاهرية لكان سريعًا إلى نقده ونقاشه بكل ما وهب من مزاج نظري ومقدرة فائقة في التخريج المنطقي، ولحَسب بعد الفراغ أنه أتى بنتاج صائب لا يأتيه الباطل من أي جوانبه، إذا هو طُبِّق ونُفِّذ فلن تجرؤ قوانين الطبيعة ولا سنن المجتمع أن تعترضه أو تخالفه. ولقد لَبِسْنَا معشر المصريين هذا المزاج النظري ضيِّقا لِصق أجسامنا حتى ليصعب علينا خلعه، حتى بعض الذين تدرَّبوا منا تدربًا علميًّا خاصًا يميل بهم هذا المزاج حينًا فينسون التجربة وخطرها في أمور العلم وأمور الحياة. قص لي صديق عالم مصري أختصه الله من بين العلماء بنعمة الثراء لسر لا يعلمه سواه، فكانت له أرض واسعة مَرِضت فأتعبه تسميدها فذهب إلى خبير مصري عالم في السِّماد فسأله رأيه، وبعد أخذ ورد وفحص وصف له الدواء، فذهب صديقنا إلى أرضه بسِنٍّ ضاحك ورجاءٍ وافر، ولكنه بعد فترة التجربة عاد إلى صاحبه السَّمَّاد بوجه كاشر وأملٍ خائب، فسأله أعندك أرض، قال لا، قال نصيحتي للدولة أن تفصل من خدمتِها كلَّ سمَّاد لا أرض له ثم تولَّى. فقلت لصاحبي لقد كان أقربَ إلى الإنصاف وأدنى إلى الإحسان أن تتمنى على الدولة أن تهب أرضًا لكل سمَّادٍ لا أرض له، فنسى صاحبي الأرض وابتسم راضيًا عن هذا الحل الموفق. سفينة في معمل: والحق أن هناك وجهًا قد يخفي حتى على من يقضون أصباحهم وأمسائهم في المعامل، فإن تجربة المعمل محدودة وأوجه الشبه التي بينها وبين ظاهرة طبيعية تحدث في العراء الواسع قد تكون قليلة مبتورة، فقد تكون في تجربة المعمل صفاتٌ منجحة لا تكون في الطبيعة، وقد تكون فيها صفات مخيِّبة ليست في الطبيعة، وقد يكون في الطبيعة ما ليس في تجربة المعمل، وليس من الهين كل حين إدراك هذه الفروق في الصفات ولا سيما في شئون الحياة ومناطق العرفان التي لا يزال العلم يمشي فيها بخطى محذورة ثقيلة، مستهديًا في حُلكتها الكثيفة بفتيل ضئيل من زيت قنديل. وكثيرًا ما أدرك العلماء هذه الحقيقة إدراكًا قويًّا خرج بهم عن حدود العمل المعروفة وعن طرائقه المألوفة. مثال ذلك: أن التفاح من أكثر الفواكه عبرًا للمحيطات، وأطولها سفرًا وأكثرها اختلافًا بين مناطق الأرض الباردة والحارة، فكانت تتلف منه في تلك الأسفار مقادير هائلة، ففحصوا أسباب هذا التلف فاهتدوا إلى أن من أسبابه الحرارة التي تكون في قاع السفينة ولا سيما في الأقطار الاستوائية، فكان من ذلك أن أودعوه مخازن بالسفينة تبرد تبريدًا صناعيًّا طول السفرة. ثم ارتأوا بعد ذلك أن الهواء المحبوس سبب قوي في الفساد الحادث، وإن التفاحة تحيا خلاياها وتموت، فهي مثلي ومثلك في حاجة إلى الأكسجين النقي لتبقى حية صالحة، وكذلك في حاجة إلى شيء من الضياء. فمهدوا للتفاح المسافر وسائل الحياة والترف احتفاظًا بحيويته، فنقص مقدار العادم إلى نسبة قليلة هي خمسة في المئة. ولكن التفاح تبلغ التصديرة الواحدة منه ثلاثة الملايين من الصناديق. فالخسارة في هذه وحدها تبلغ مائة وخمسين ألف صندوق. من أجل هذا اعتزم معهد الأبحاث بـ (إيست مالنج) بمقاطعة ( كنت ) بإنجلترا أن يقوم بدراسة حاسمة لا هوادة فيها لخلاص تلك البقية الباقية من العدم. (وإيست مالنج) محطة لبحث النبات عالمية، لها معامل واسعة تبلغ المئة من الفدادين، ولها في تربية النبات وانتقاء جذور الأشجار ولا سيما أشجار الفواكه سمعة واسعة، وهي فوق ذلك غنية قادرة، فأرادت أن تلم بكل الظروف المحيطة بالتفاح أثناء سفره، فابتنت في معاملها ما يشبه السفينة، وأقامت فيها كل ما يقوم في السفينة، وجهزتها بجهاز يزيد في حرارتها أو ينقصها حسب المراد، وأتت بحمولة التفاح فأودعتها عنبر ( السفينة ) وأودعت بين صناديق (البضاعة المسافرة ) مئتين وخمسين ترمومترا لرصد الحرارة، وبما أن العنبر سيظل مغلقًا طيلة (السفرة) فقد وصَّلوا الترمومترات بأسلاك كهربائية ليستطيعوا رصد الحرارة من بعيد وبخاصة إذا هاج ( البحر ) نعم إذا هاج البحر فإنهم أحاطوا السفينة بأكياس منفوخة بالهواء تعوم فيها عومها في الماء، وأقاموا على الأكياس آلات دافعات جاذبات تحرك السفينة مثل حركتها بين الأمواج المصطخبة والرياح العاصفة، أو من أثر التيارات الخبيئة تحت سطح البحر الهادئ. وكان هذا الجهد وكل تلك النفقة حرصًا على أن تمثل تجربة المعمل تجربة المحيط بحذافيرها وحتى لا يفلت حذفور غير منظور قد يكون له خطره في النتيجة الحاصلة. ولا يزال القوامون على هذه التجربة قائمين فيها، صكوا أبواب العنبر على التفاح وتدرجوا في رفع حرارته وبدلوا له الهواء إلى غير ذلك من أمور، وأهاجوا عليه (البحر) حينًا وهدءوه حينًا، وستصل البضاعة في يناير القادم إلى غايتها، وعندئذ يفتح العنبر وتمتحن البضاعة. ثم تشحن السفينة بضاعة جديدة وترحل رحلة جديدة تحت ظروف جديدة، وهكذا حتى يصل التفاح إلى مقره الأخير سليمًا كلُّه من كل عطب، وعندئذ تتعين الشرائط التي لا بد منها لسلامته، وعندئذ يهدم هذا الهيكل الكبير ويباع حطامًا رخيصًا وسلعة بائرة بعد أن يكون قد أكسب الإنسان سرًا من أسرار الطبيعة قد يكون في ذاته هيّنًا في العلم، إلا أنه في الاقتصاد خطير، فهو يردُّ إلى الإنسانية على مر السنين ملايين الجنيهات، وهذه بدورها تمثل طاقة إنسانية تنفق في الزرع والجني وتعهد النبات، وطاقة أخرى طبيعية مما بذلته الأرض من عناصرها والهواء من غازه والشمس من أشعتها، طاقات يعزّ على العلم والعلماء أن يروها تهدر هكذا كاللبن الصبيب والدم المسكوب. روعة في البرتغال: في ليلة اليوم التاسع من أكتوبر في بلاد البرتغال تساقطت من السماء السوداء رجوم بيضاء بلغت الملايين فروَّعت الناس كأنهم حسبوا أن عقود السماء انفطرت فأخذت النجوم تهوي بغير حساب. وهذه ظاهرة كانت منتظرة في هذا العام الذي نحن فيه [1933م] وقد تكرر إلى ختام العام. أما سببها فالمذنَّب المعروف بمذنب ( تمبل ) وهو من مذنبات أسرة الكوكب السيار ( أورانوس ) وهذا المذنب يطوف حول الشمس في مسار بيضاوي متطاول يقطعه في ثلث قرن، وبما أنه لا يطوف في دائرةٍ نجده في ساعة ما من سنة ما في موضع أقرب ما يكون من الشمس، ثم نجده بعد هذه الساعة بسدس قرن قد حل أبعد مواضعه منها. ثم ينصرم سدس قرن فإذا به في موضعه الأول الأدنى من الشمس، أعني الأدنى من الأرض، فهو باقترابه من الشمس يقترب منا، وهو كالمذنبات يجر وراءه ذيلا من غاز وتراب وأجسام صلبة منها الكبير ومنها الصغير. والمذنب وذنبه يسيران في الفضاء بسرعة هائلة. فإذا مس هذا المذنب بمادته هواء أرضنا بتلك السرعة المروعة احتك به فاحترق فتكونت من ذلك الشهب التي نراها. وقد أدرك هذا المذنب الأرض ورأى الرقباء شهبه في أكتوبر أو نوفمبر من أعوام: (902، 934، 1002، 1101، 1202، 1366، 1533، 1602، 1698، 1799، 1833، 1866، 1901) وتجد بامتحان تلك الأرقام أن الفترات بلغت ثلث قرن أو ثلثين أو قرنًا بتمامه، وقد فات الرقباء - لا شك - ظهور هذا المذنب في السنوات الساقطة من سلسلة السنوات المذكورة. أو لعل الأصح أن نقول أن الذي فاتهم إنما هو رؤية الشهب التي تظهر عنه فتدل عليه، فالمذنب نفسه صغير لا تراه العين اكتشفه مكتشفه بالتلسكوب عام 1866، وعندئذ.. وعندئذ فقط، دُرس هذا المذنب ودرست دورته ودرس زمنها وانكشفت العلاقة بينه وبين شهب سجَّل التاريخ حدوثها في الأزمان الخوالي. ومنذ حل عام 1930 والعلماء في ارتقاب الرسول الوافد، رسول العلم، رسول الإيمان في حسابات الرياضة وقواعد الفيزياء، رسول الثقة في العقل البشري بنَّاءً لقواعد الإيمان النفسي، وقد أتى الرسول وألقى برسالته، فوقعت هذا العام في البرتغال فارتاع لها الجهال. وقديمًا خاف الناس الشهب وراعتهم المذنبات، أليس أبو تمام يقول: وخَوَّفوا النَّاسَ من دَهياءَ مُظلمةٍ إذا بَدا الكوكبُ الغربيُّ ذو الذَّنَبِ وصَيَّروا الأبْرُج العُليا مُرتَّبةً ما كان مُنقَلِبًا أو غيرَ مُنقَلِبِ تَخرُّصًا وأحاديثًا ملفَّقةً ليسَتْ بِنَبعٍ إذا عُدَّتْ ولا غَرَبِ ليتَ شعري أيُّ مذنَّبٍ كان هذا؟ وفي أي سنةٍ ميلادية بالضبط كان؟ وهل هو مما سجله علماء الفلك؟ وهل في حسبان تاريخه التقريبي نفع؟ جماد يبصر حيث تعمى العين: نزلتُ في الصيف الماضي بضَيعةٍ من ضِياع الريف بإنجلترا في دار رجل طيب الخلق سمح كريم إلا أنه شديد على كل من مس ماله وثروته، كان يذكر ذلك ويفخر به ويعلله بأنه كسب ما كسب من عرق جبينه، لا عرق جبين والد أو عم. لذلك أغمه وأهمه ونحن نزول عنده أنَّ لِصًّا ماكرًا لحوحًا ألح على بيت للدجاج له يقع بعيدًا عن الدار فكان يحمل منه كل ما وجد به من البيض، وغاظ صاحبنا منه أمران: أولهما أنه كان يختلف إلى بيت الدجاج والشمس في السماء ومع هذا يفلت، وثانيهما أنه كان يلبس حذاء من قش حذَرَ أن تنطبع قدمه في الأرض فتدل عليه. وفي ذات يوم ونحن جلوس إلى المائدة يحدَّثنا صاحبنا الريفي للمرة العاشرة عن السارق ويشكو، إذا بأساريره تُبرق وعينه تلمع وأسنانه تتحرّق تحرق المغيظ جاءه النصر على غير انتظار. فسألناه عن خطبه، فقال فخ سأنصبه للوغد، وعن قريب تسمعون عن رقم قياسي للبيض سيدفعه هذا الكلب النذل عن كل بيضة سرقها. وفي ذات مساء والشمس تغيب والمطر رذاذ كنتُ عند الباب الخلفي للدار أتفقد السماء، فلمحت صاحبنا يهرول من بعيد، قد انكشفت نواجذه بابتسامة عريضة، وتأبط شيئًا صغيرًا ملفوفًا في جريدةٍ. فلمَّا اقترب سألته عما جرى فقال صدت السارق، فقلت فأين هو؟ قال هنا، وأشار إلى الصندوق الذي تحت إبطه، ثم سألني أتعرف تحميض الصور؟ قلت نعم، قال فهلم إلى معونتي فخبرتي بذلك قديمة منسية. وما كادت تظهر الصورة السالبة على لوح الزجاج الأسود حتى اختطفها يحملق فيها وكأنه تبين ملامح السارق. ولم يُضْح صباح اليوم التالي حتى كان اللص في دار الشرطة ولم يسعه وقد واجهوه بالصورة إلَّا الاعتراف. وخلاصة الأمر أنَّ صاحبنا الفلاح خبَّأ الكاميرا داخل بيت الدجاج ووصلها بسلك بالباب. وكانت في مواجهة الداخل، فلما دخل اللص فتح الباب فانكشفت العدسة فارتسم المنظر فكانت شهادة لجماد لا تعْدِلها شهادة الأحياء. خطر لي بعد هذا الحادث أن مضيفنا كان لا شك رجلا فطنًا، وأن صاحبنا اللص كان على حيلته غبِيًّا لأنه خالف عرف اللصوص فزار البيت نهارًا، وسألتُ نفسي وماذا كانت الحيلة لو أنه زار الدار ليلًا، وأخذت أداور حلولًا في رأسي للتسلية. ثم انتقل فكري من هذا كله حتى كان هذا الأسبوع فوجدت سؤالي يجاب في بعض أنباء العالم، ذلك أن رجلًا استخدم لالتقاط الصورة في الظلام مصباحًا كهربائيًّا يشع بالنور البنفسجي المعروف، إلا أنه استبدل بزجاجة المصباح الشفافة زجاجة خاصة سوداء تحجب من الضوء البنفسجي كل إشعاعات الطيف المرئي وهي الشعاعات التي تحسها عين الإنسان وبها تبصر، ولكنها لا تحبس ما فوق تلك من إشعاعات كيميائية تؤثر في الأفلام الفوتغرافية، فأنت إذا نظرت مثل هذا المصباح في حجرة مظلمة فأنت لا تراه، ولكن إذا كان بيدك كاميرا ففتحتها ارتسمت فيها صورته وارتسم كذلك المكان. فلو أن لِصًّا زار بيت الدجاج ليلا وكان به مصباح كالذي نحن بصدده لما أفادته الظلمة شيئًا. المصدر: «مجلة الرسالة»، العدد: 20، أول نوفمبر 1933م |
الاستدلال بالقواعد الفقهية عند الشافعية لعبد الرحمن بن عبدالله السقاف صدر حديثًا كتاب "الاستدلال بالقواعد الفقهية عند الشافعية "، تأليف: د. " عبد الرحمن بن عبدالله بن عبد القادر السقاف "، رئيس قسم الفقه وأصوله بكلية الشريعة والقانون - جامعة الأحقاف باليمن، وذلك عن دار الأصالة للنشر والتوزيع- مصر، ودار الضياء للنشر والتوزيع- الكويت. و تناول الكتاب منهج الاستدلال بالقواعد الفقهية، وبين أن ماهيته تقوم على القياس، ثم أورد نقولًا عن الفقهاء في كيفية الاستدلال بالقواعد الفقهية وتطبيقات حول ذلك. وعلم القواعد الفقهية هو العلم بالأحكام الشرعية الكلية التي ترد إليها الفروع، وموضوعه: القواعد والفقه من حيث استخراجه من القواعد. وهو من أهم أنواع علم الفقه، إن لم يكن أكملها وأتمها، وهو السبيل لنيل الملكة الفقهية. ويعرفه الكاتب بأنه: «الأمر الكلي الفقهي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تُفْهَم أحكامها منه». ورَصدَ الكاتب تفعيل الاستدلال بالقواعد الفقهية من خلال مؤلفات الأئمة الشافعية حيث بين أن الشافعية وعلى رأسهم الإمام " الشافعي " - رحمهم الله - كان لهم دور كبير في وضع مدلول "النظريات الفقهية" وهي تطور في الصياغة للقواعد الفقهية، ولما اشتملت عليه كتب الأشباه والنظائر، بدليل النظريات الفقهية الكثيرة المرتكزة في بنائها على القواعد الفقهية. وبين الكاتب في دراسته أن الاستثناء من القواعد الفقهية لا يقدح في كلية العقيدة؛ إذ ما من مستثنى إلا وله سبب، إما النص، وأما أصل آخر اندرج تحته. كما بين أن القاعدة الفقهية تشتمل على العلة التي هي الجامع المشترك بين الأصل والفرع. وبين من خلال دراسة مناهج الاستدلال لدى الفقهاء والتخريج أن الاستدلال بالقواعد الفقهية هو أحدها، وأنه لا أحد من المتقدمين نفى الاستدلال بالقواعد، وأن القول بأنهم ينفون الاستدلال بالقواعد هو فهم خاطئ. كما بين أن ماهية الاستدلال بالقواعد الفقهية هو القياس؛ إذ هو رد فرع لأصل بمعنى يجمعهما، وقد ذكر الباحث نصوص الأئمة المؤيدة لما ذهب إليه مع التمثيل. كما وضحت هذه الدراسة فيما يتعلق بالقواعد الفقهية الكبرى أن القواعد المندرجة تحت القواعد الكبرى لا تنحصر في الموجود في كتب القواعد، كما أن الفروع الفقهة المندرجة تحت القواعد الفقهية لا تنحصر في الموجود في كتب القواعد، بل هناك فروع كثيرة أبرزتها هذه الدراسة ليست موجودة في كتب القواعد. كما بينت هذه الدراسة كيف استخدم فقهاؤنا القواعد الفقهية في الإجابة على نوازل عصرهم من خلال تحليل نماذج من فتاوى الأئمة الشافعية واستدلالاتهم. |
الآيات القرآنية التي أجاب بها الإمام أحمد في مسائله جمعا ودراسة صدر حديثًا كتاب " الآيات القرآنية التي أجاب بها الإمام أحمد رحمه الله في مسائله - جمعًا ودراسة "، استنباطات الإمام أحمد من الآيات في كتب المسائل، تأليف: "ي وسف أحمد محمد خليفة "، نشر " دار طيبة الخضراء ". وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في قسم التفسير وعلوم القرآن بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تحت إشراف د. " علي بن غازي التويجري "، وذلك عام 1435 هـ. وهذا البحث يتعلق بتراث تفسيري فريد لإمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله، مأخوذ من أجوبته وفتاويه، وما نقله عنه طلابه وملازموه، وذلك أنه رحمه الله أجاب عن أسئلة كثيرة متنوعة فقام طلابه بجمعها وتهذيبها وتقييدها والعناية بها، والنقل عنها في مؤلفاتهم واستدلالاتهم، وقد شملت هذه المسائل جميع أبواب الدين من الاعتقاد وأبواب الفقه وعلم الحديث والرجال والآداب وغير ذلك، ومن جملة ما تضمنته مسائله ما اشتملت عليه من معاني آيات القرآن، حيث ظهر فيها علمه بالتفسير، ودقة استدلاله بالآيات القرآنية، وقوة استنباطه للمعاني من تلك الآيات، فقام الكاتب بجمع تلك الآيات التي أجاب بها الإمام أحمد رحمه الله في مسائله من مظان شتى، مولفًا بينها ومرتبًا إياها على أبواب الفقه. ويتلخص عمل الكاتب فيما يلي: 1) جمع الآيات من كتب مسائل الإمام أحمد رحمه الله. 2) نقل أجوبته وأقواله على تلك الآيات مع عرض ما استنبطه الإمام أحمد رحمه الله منها من المعاني والأحكام. 3) القيام بدراسة هذه الآيات والأجوبة البينات دراسة علمية منهجية تحليلية. إلى جانب أهمية الموضوع لتعلقه بتفسير كلام الله تعالى، وجمع ما دق من علم وفقه مستخرج من كتابه، مع دراسة ذلك من كتب أهل الشأن والعرفان وعلماء السنة، إذ خير العيش ما كان مع كتاب الله تعالى. ويجمع الكاتب ما جاء من أقوال الإمام أحمد بن حنبل في كل مسألة فقهية من أبواب الفقه، مع توثيق النقل في الهامش، ثم يبين بأبسط عبارة وأوجزها شرح المسألة، وبيان أقوال أهل المذاهب الأخرى، ومدى موافقة أقوالهم لقول الإمام أحمد، ثم يبين وجه استدلال الإمام أحمد ومناط الحكم الذي بنى عليه استدلاله. وقد اشتمل البحث وحوى دراسة (١٤٠) آية اُستنبط منها (٢٣٠) حكمًا فقهيًا. |
الأنس بالله تعالى لأحمد بن ناصر الطيار صدر حديثًا كتاب " الأنس بالله تعالى "، تصنيف: " أحمد بن ناصر الطيار" ، وذلك عن مكتبة " دار الحجاز للنشر والتوزيع ". ويتناول الكاتب سبل ومعينات التوصل إلى الأنس بالله تعالى، فالأنس بالله تعالى من أعمال القلوب، وخفايا النفوس، وبه يتذوق العبد لذة العبادة، وحلاوة الإيمان، وأنس الخلوة بالله تعالى، وقد ملأ الكاتب رسالته بالمواعظ والتأملات، والخواطر والاستنباطات، مما جاء في صحيح السنة ومحكم الآيات، وقصص المعاصرين الذين أكرمهم الله تعالى بالإقبال عليه، والأنس به. يقول الكاتب: «الأنس بالله تعالى أعظم لذة وحلاوة في هذه الحياة، به تطيب النفس، وينشرح الصدر، ويقوى المؤمن على تحمل مصائب الدنيا، ويسهل عليه القيام بالعبادات والطاعات... وهو مقام رفيع عظيم، ومنزلة شريفة كريمة، ويقصد به الفرح والسرور والطمأنينة بالله تعالى، وهو أعلى من الأنس بما يرجوه العابد من نعيم الجنة... وهو حالة وجدانية، وهي من مقامات الإحسان... » صـ5. وبين الكاتب أن الأنس بالله يقوى بثلاثة أشياء: 1) دوام الذكر. 2) وصدق المحبة. 3) وإحسان العمل. كما أن قوة الأنس وضعفه تعتمد على حسب القرب، فكلما كان القلب من ربه أقرب، كان أنسه به أقوى، وكلما كان منه أبعد، كانت الوحشة بينه وبين ربه أشد. ويرى الشيخ "أحمد بن ناصر الطيار" أن طريق الوصول إلى الأنس بالله تعالى يمر عبر ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: سلامة القلب من الأمراض. المرحلة الثانية: التعلق بالله والإقبال عليه. المرحلة الثالثة: إحسان العمل، والمسارعة إلى الخيرات والأعمال الصالحة. وبعدها سيفتح الله للمؤمن - بإذن الله - بابين عظيمين: الباب الأول: خفة العبادات عليه، وراحته عند القيام به. الباب الثاني: اليقين بالله، والرضا به، وحب لقائه، وفرحه به، وحبه له. "وهذان البابان مغلقان عن جميع العباد، إلا عمن سلم قلبه من كل ما يغضب الله تعالى، وامتلأ بما يحبه ويرضاه، وأشرق بالحكمة المأخوذة من كلام الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم" صـ8. وقد بين الكاتب ثمانية أمراض تمنع القلب أن يكون سليمًا، لابد أن يجتنبها المسلم من أجل صلاح قلبه، وقبول عمله؛ وهي: 1) الشرك. 2) الحقد وبغض المسلم. 3) الحسد. 4) الشُّحّ. 5) الكِبْر. 6) حب الدنيا. 7) حب الرِّيَاسَة. 8) حب الشهرة. وأجمل الكاتب - في ختام عرضه لتلك الأمراض - بأن جماع هذه الأمراض في مرض واحد، وهو اتباع الهوى، وجماع صلاح القلب في مخالفة الهوى، إيثارًا لمرضاة الرب عز وجل. ومن جملة وسائل صلاح القلب وتزكية النفس وطهارتها من تلك الأمراض: • العناية بقوة الإيمان وزيادته. • ازدراء النفس والصبر على الأذى. كما بين الكاتب أهم الأمور التي تعين على التعلق بالله والإقبال عليه، ومنها: 1) الإخلاص التام في العبادة لله. 2) خشوع القلب. 3) النظر إلى المُنعِم لا إلى النعمة فقط. كما وضع الكاتب بعض الوصايا التي يستعين بها المسلم بعد الله تعالى على إحسان العمل والمسارعة في الخيرات والأعمال الصالحات، وهي: 1) الصبر على عبادة الله تعالى. 2) العناية بحسن العمل لا بكثرته. 3) "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه". 4) "استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم". 5) إقامة الصلاة وقراءة القرآن بتدبرهما أعظم مصدري الهداية والإيمان. 6) "بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين". 7) "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين". 8) داوم على عبادات تقوم بها، وإنْ قلَّت. 9) عناية المؤمن بأصول العبادات البدنية. كما زين الشيخ "أحمد بن ناصر الطيار" كتابه بقصص من ذاق لذة اليقين بالله والرضا به، وذلك في عدة مباحث تحت عناوين رئيسة هي: 1) ذوق حلاوة وطعم الإيمان. 2) اليقين بالله تعالى. 3) رضا العبد بربه سبحانه. 4) الصدق مع الله تعالى. 5) حب الله تعالى. 6) لا حياة أحسن وأكمل من الحياة التي يعيشها المحبون لله. 7) سر شدة محبة الأولياء والصالحين لله تعالى. 8) استيلاء ذكر الله تعالى على القلب واللسان. 9) حسنات الأبرار سيئات المقربين. 10) حب لقاء الله تعالى. يقول الكاتب في مقدمة كتابه: "الأحوال القلبية من الإخلاص، والصدق، والتوكل، والخشوع، والرجاء، والخوف، والإنابة، وسلامة الصدر، والبعد عن التكلف والتصنع، والتواضع، وهضم النفس: فإنه لا يزال المسلم يتعلمها ويستحضرها إلى أن يموت، ويجدد عهده بها، ولو غفل عنها بعض الوقت لفسد قلبه.. فإذا أدرك المسلم أهمية هذا الأمر: علم أنه بحاجة إلى من يذكره به دائمًا، وهذا هو معنى تجديد الإيمان، الذي كان السلف الصالح يقومون به، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث يقول: "والله إني إلى الآن أجدد إسلامي في كل وقت!". |
مقتطفات طبية من كلام ابن القيم في هذا المقال اخترتُ لكم بعض الفوائد الطبية التي وجدتها من خلال مطالعتي لكتاب " الطب النبوي لابن قيم الجوزية" ، وهي تتناول طبيعة الداء وفعالية الدواء، وستجدون مدى مطابقتها لأصول وقواعد الطب الذي توصل إليه العلماء حديثًا، ويعملون بها الآن، وقد قسمتها إلى أربع فوائد: الفائدة الأولى: الغذاء قبل الدواء والبسيط قبل المركب: يقول ابن القيم: "وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالغذاء، لا يُعدَل إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط، لا يعدل إلى المركب". يبيِّن ابن القيم في كتابه أهمية العلاج بالغذاء، والبَدء به في كل الأمراض، لكن إن لم يفلح ذلك، فإنه يدعو الشخص إلى أن يلجأ للعلاج بالأدوية، ثم يبين للطبيب المعالج أن يستخدم الأدوية المكونة من مركبات بسيطة، فإن لم يفلح ذلك استخدم الدواء ذو المكونات المعقدة، وهذا التدرج الذي يوضحه ابن القيم هو الذي يستخدمه الطبيب الحاذق؛ وكمثال من واقعنا اليوم: أمراض انسداد الشرايين والدهون الثلاثية تُدفَع بالحمية، وتناول الغذاء الصحي المليء بالخضروات والفواكه الخالي من الدهون والدسم، فإن لم يستطع الشخص أن يغير نظامه الغذائي، فسيضطر إلى تناول الدواء الذي يعمل على إذابة الدهون لمنع انسداد الشرايين، فإن زادت حالته، اضطر إلى أدوية أكثر تعقيدًا أو إلى إجراء عملية، وهكذا في معظم الأمراض. الفائدة الثانية: التقليل من استخدام الأدوية: يقول ابن القيم: "ولا ينبغي للطبيب أن يُولَعَ بسقي الأدوية؛ فإن الدواء إذا لم يجد في البدن داء يحلله، أو وجد داءً لا يوافقه، أو وجد ما يوافقه فزادت كميته عليه أو كيفيته - تشبَّث بالصحة وعبث بها". وهنا نبَّه ابن القيم الأطباء في هذا النص إلى الحذر من وصف الدواء لكل مرض؛ فبعض الأمراض يشفى المريض بمجرد مقاومته الداخلية من جهاز المناعة الذي وهبه الله إياه، أو بمجرد تعديل نظامه الغذائي كمرض السكري في بداياته مثلًا، وقال أنه إذا شرب المريض ذو المرض الخفيف دواءً لا يحتاج إليه، أو يمكنه الاستغناء عنه، فإنه قد يتلف أي عضو يواجهه داخل الجسم. الفائدة الثالثة: أمراض أهل المدن والبادية وعلاجها: يقول ابن القيم: "الأمة والطائفة التي غالب أغذيتها المفردات أمراضُها قليلةٌ جدًّا، وطبُّها بالمفردات، وأهل المدن الذين غلبت عليهم الأغذية المركبة يحتاجون إلى الأدوية المركبة؛ وسبب ذلك أن أمراضهم في الغالب مركبة، فالأدوية المركبة أنفع لها، وأمراض البوادي والصحاري مفردة، فيكفي في مداواتها الأدوية المفردة". وفي هذا الموضع من الكتاب يوضح ابن القيم الفرق بين الأمراض التي تصيب أهل البادية وأهل المدن، وكيف أن أهل البادية تصيبهم الأمراض البسيطة؛ وذلك بسبب غذائهم السليم الذي لا يحتوي عادة على المكونات الموجودة في غذاء أهل المدن، فهم يشربون ويأكلون مما ترعاه وتحصده أيديهم، أما أهل المدن فبسبب ما يملكون من حضارة وازدهار، فإن نظامهم الغذائي يحوي العديد من المواد التي بينها ما يضر بالجسم؛ لذا فإنه ينصح أهل البادية باستخدام الأدوية البسيطة عند المرض، أما أهل المدن فينصحهم باستخدام الأدوية المركبة؛ لكونها أكثر تأثيرًا وقضاء على المرض، وهذا الاختلاف بين أهل البادية وأهل الحضر ملاحظ في كل زمان. الفائدة الرابعة: أهمية تحديد الجرعة الدوائية: يقول ابن القيم: "أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء، إن قصر عنه لم يزله بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوى، فأحدث ضررًا آخر". وهنا ذكر ابن القيم أهمية المقدار والجرعة المناسبة التي يجب أن يسقيَها الطبيب للمريض، فذكر قصة الرجل الذي أصابه داء في بطنه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمره الرسول بشرب العسل، فلم يبرأ من مرضه حتى شرب المقدار الذي يستوجب الشفاء بإذن الله، كما ينبه القارئ إلى ضرورة الانتباه لعدم زيادة الجرعة لاستعجال الشفاء مثلًا؛ فقد تُحدِث مرضًا آخر بدلًا من أن يبرأ من مرضه الحالي. هذا ما أحببتُ مشاركتكم به من الفوائد، ومن أراد الاستزادة، فعليه بكتاب " الطب النبوي لابن قيم الجوزية "، ففيه ما يغني الشخص عن مطالعة الكثير مما كُتب في الطب البديل، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى. |
الذيل على ذيل العبر للحافظ العراقي وعبد الغني المرشدي صدر حديثًا كتاب " الذيل على ذيل العِبر " للحافظ زين الدين العراقي (ت ٨٠٦ هـ)، ويليه: " تذييل الذيل " لنسيم الدين عبدالغني بن عبدالواحد المُرشدي (ت ٨٣٣ هـ)، تحقيق: " أحمد عبدالستار "، (يطبع لأول مرة)، وذلك عن " دار الذخائر ". وهما تحقيقان جديدان ينشران لأول مرة، ظلا حبيسا خزائن المخطوطات فترة طويلة من الوقت لم يكشف عنهما اللثام حتى أتاحهما لجمهور القارئين المحقق الأستاذ "أحمد عبدالستار"، أولهما "ذيل العبر" للحافظ "زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي" (ت 806 هـ)، والذي عده البعض مفقودًا إلى وقت قريب، رغم أنه معروف مشهور بين علماء عصره، واغترف كثيرون ممن جاءوا بعده، خاصةً ممن تشاركوا في مادته العلمية، أو فترته التاريخية. وثانيهما، "ذيل على الذيل" لنسيم الدين عبد الغني بن عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي (ت 833 هـ)، يشترك مع "ذيل" الحافظ "ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي". وكلا الذيلين يستكملان حلقة من حلقات كتاب "العبر" للإمام الذهبي، إذ ذيَّل عليه مؤلفه من سنة 700 هـ حتى سنة 740 هـ، وعليه ذيلان استكملا تاريخه بداية من سنة 741 هـ، وهما "ذيل" الحافظ شمس الدين محمد ابن علي الحسيني (ت 765 هـ)، وذيل الحافظ العراقي الأب، انتهى أولهما سنة 763 هـ، وثانيهما انتهى إلى سنة 764 هـ. وذيَّل على "ذيل" الحافظ العراقي الأب، ذيلان أو "مذيِّلان": أولهما للحافظ العراقي الابن، ابتدأ "ذيله" من سنة مولده، سنة 762 هـ، فاتفق مع أبيه في ذكر وفيات سنتين ثم أكمله حتى انتهى به إلى سنة 786 هـ. وثانيهما "ذيل" المرشدي، وابتدأه من سنة 764 هـ، وسقط منه وفيات سنة 775 هـ، إذ لم يعنون لها، ووصلنا من هذا الذيل إلى وفيات سنة 778 هـ، ولعله توقف عندها، أو أكمله إلى بعد ذلك، ولم يستدل المحقق إلى ما يدعم أي الظنين. وبذلك تكون مادة الكتاب المحقق هي مجموعة من التراجم من سنة 741 هـ، وحتى سنة 778 هـ، قام المحقق بالجمع بين الذيلين معًا مرتبة على السنوات، وقد بيَّنَ الأستاذ "أحمد عبدالستار" أنه لا يكاد يوجد اختلاف في منهج المؤلفين في التأليف، فقد اتبعا منهج من سبقهما، وهو مؤلف الكتاب الأصل، الإمام الذهبي، والذي دارت حول فلكه هذه النجوم. فهما يذكران لقب المُترجَم له، وعادة ما يسبقه كلمة: "وفيها"، في ذكر تراجم السنة، وقد يحددان تاريخ وفاة صاحب الترجمة إن علماه، أو يؤخران هذا التاريخ بعد الاسم، ثم يذكران الاسم كاملًا، ثم شيوخه، وما سمعه منهم، وأحيانًا يحددان مسموعه على شيوخه، وإن كان التلميذ لم يتم سماع الكتاب المذكور، حددا قدر سماعه، ثم يذكران تلاميذه، وما سمعوه عليه، وإن كان صاحب مصنفات يحددان عددها. وهو مذهب الحوليين من المؤرخين قبل "الذهبي" رحمه الله، وعليه سار هو ومن تبعه من بعده، وقد جمع الكتاب تراجم لطوائف مختلفة من المجتمع، ففيه تراجم للعلماء والحفاظ والقضاة والملوك والأمراء والساسة. وبمقارنة بين "ذيل" العراقي وكتاب الوفيات له، فإننا نلاحظ كبير تشابه، وإن زادت "الوفيات" بعض التراجم ممن توفي أصحابها خلال الفترة التاريخية التي تصدى لها المصنف في "الذيل". و"ذيل" العراقي نلاحظ فيه مدى استيعاب صاحبه كمًا وكيفًا لوفيات الفترة التاريخية التي تصدى لها، كما تعد مادته المادة الأساسية لعدد من المصنفات التي تلته، واعتمدت عليه في تأريخ أعلامها، وهو ما يبرز أهميته الببليوجرافية، ومادته الدسمة. والحافظ العراقي (725 - 806 هـ، 1325 - 1404 م). هو أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم، الكردي الرازناني الأصل، المهراني، المصري، الشافعي. • يقال له: العراقي نسبة إلى العراق لأن أصله كردي من بلدة من أعمال أربيل يقال لها: رازنان، ثم تحول والده لمصر وهو صغير، ونشأ هناك، وتزوج بامرأة صالحة عابدة ولدت له عبد الرحيم بالمنشية بمصر. • حفظ القرآن وهو ابن ثمان. واشتغل في بداية طلبه للعلم بالقراءات، وكان من شيوخه فيها ناصر الدين بن سمعون، وتقي الدين الواسطي. ونظر في الفقه وأصوله، فأخذ الفقه عن ابن عدلان، والبلبيسي، والإسنوي. • ثم أشار عليه العز بن جماعة بالإقبال على علم الحديث، فأخذ بمشورته فطلب على ابن التركماني والعلائي والسبكي وغيرهم. وتتلمذ عليه عدة من المشهورين، منهم ابنه أبو زرعة أحمد، والهيثمي، وابن حجر وغيرهم. • وكان قد اشتغل بالتدريس والإملاء، وجاور الحرمين، وتولى قضاء المدينة وخطابتها وإمامتها، وكان كثير الحياء والعلم والتواضع، وافر المهابة، وكان ينفق معظم وقته إما في تصنيف أو إسماع، وكان كثير الكتب والأجزاء وله محاسن كثيرة. • توفي بالقاهرة بعد أن ترك مصنفات كثيرة منها: ♦ ألفيته في مصطلح الحديث. ♦ وشرحها. ♦ وعدة تخاريج منها: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. ♦ كتاب في المراسيل. ♦ تقريب الأسانيد. وغير ذلك من المصنفات. |
نور الشمعة في بيان ظهر الجمعة لابن غانم المقدسي صدر حديثًا كتاب " نور الشمعة في بيان ظهر الجمعة "، تأليف: " علي بن محمد بن غانم المقدسي "، (ت 1004 هـ)، تحقيق وتعليق: " أحمد رامي مروان الشويلة الدمشقي "، من إصدارات " دار أصول الدين ". حوت هذه الرسالة دراسة متعمقة في المذهب الحنفي لمسألة صلاة الظهر عقب صلاة الجمعة، مع مقارنة للمذاهب الفقهية الأخرى، وتحقيق علمي مميز، وضمت نفائس ودررًا تتعلق بخصائص يوم الجمعة وفضائلها، وهي أحد المصادر التي اعتمد عليها العلامة ابن عابدين في " حاشيته " الشهيرة. والكتاب عبارة عن إجابة فقهية عن مسألة هامة وهي "الأربع ركعات التي تصلى بعد صلاة الجمعة بنية آخر ظهر أدركه ولم يصله"، حيث يقول ابن غانم في مقدمتها: «وبعد فقد ورد على سؤال في الأربع التي بعد الجمعة تصلى وينوي بها المصلي آخر ظهر أدرك وقته ولم يحقق له فعلًا، هل فعلها أو تركها أولى؟ وأشار إليّ بعضُ الأماثل وجمع من الأفاضل أن أوضح ذلك عقلًا وأفصح فيه نقلًا حتى ينكشف الحق للعيان بلائح البيان، ويتجلى ويصير ما يعرض لبعض الأذهان بواضح البرهان مضمحلًا، واجتنب في ذلك إيجازًا مخلًا وإطنابًا مملًا. وبعد فشرعت فيه على الله متوكلًا وبنور هدايته مستدلًا... ». وذكر ابن غانم المقدسي أنه ألفه ورتبه في مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة، حيث تحدث عقب بحث هذه المسألة في ترغيب ظهر الجمعة، وترهيب تاركها، وختمها بأحكام وفوائد ثرية ومسائل فقهية كثيرة تخص أحكام الجمعة مع إحالتها إلى كتب مصادر الحنفية مقارنةً بينها وبين المذاهب الفقهية الأخرى، مع ترجيحاته بعد عرض المسألة ذاكرًا سبب ترجيحه واختياره بالرغم من أنه حنفي المذهب حيث كان لا يأخذ بلازم المذهب، بل يرجح ويوازن ما بين الآراء ويأخذ أقربها للصواب ولظاهر السنة. والمؤلف أحد أئمة الإسلام في القرن العاشر الهجري، وهو العلامة ابن غانم المقدسي، الذي لُقب بـ(مجدِّد المئة العاشرة). قال العلامة "علي بن أمر الله الحنَّاني" مادحًا هذه الرسالة الماتعة: لقد آنسَت عيناي لمحةَ شمعة تُوَقَّد من مشكاة علم وإيقانِ جلا نُورُها الوضَّاح أُفقَ كمالِه غَيَاهِبَ شكٍّ كان في ليلِ نقصانِ والرسالة مهمة كون "ابن غانم" يكثر من الإحالات للكتب، بعضها ما يزال حتى الآن مخطوطًا يصعب الحصول عليه أو البحث في بطونها، إلى جانب تنوع الموضوعات التي قام ببحثها في الاستطراد في مسألة ظهر الجمعة وفضائل يوم الجمعة، إلى جانب أن "ابن غانم" كان كثيرًا ما يذكر أعلام رسالته دون اسم آبائهم أو شهرتهم مما يصعب على الباحث تمييزها بين الأسماء المتشابهة، والرسالة تتجلى أهميتها في الكشف عن شخصية مقدسية فقهية مغمورة، وإماطة اللثام عن جهودها ومنهجها الفقهي والأصولي، وآثارها وآراؤها العلمية. إلى جانب إحياء التراث الفقهي النافع وتقديمه للمهتمين بأبهى حلة؛ عن طريق هذا التحقيق لهذه الرسالة، مع رفد المكتبة العربية بنص تراثي مهم وإخراجه من الظلمات إلى النور، وتحقيقه علميًا مفهومًا بلغة العصر مع الحفاظ على روح النص وإظهاره بأفضل ما يكون. وقد انقسم عمل الباحث في هذا المخطوط إلى قسمين: القسم الدراسي، وقسم التحقيق؛ أما القسم الدراسي: فقد تحدث فيه عن كل ما يتعلق بصاحب الكتاب وبالكتاب، فقام في المبحث الأول بترجمة لصاحبها ابن غانم المقدسي، عرضَ فيها شيئًا من حياته، وأشهر مؤلفاته، مع ما أولاه الله إياه من تدرجاته التعليمية، كما ذكر شيوخه، وأشهر تلاميذه. وأما المبحث الثاني فبين فيه النسخ التي رجع لها أثناء تحقيق الكتاب، والتي اعتمد عليها مبينًا سبب اعتمادها، وبين أنه اعتمد على ثلاثة مخطوطات كمَّل بعضها بعضًا في المعنى، وخاصةً أن إحداهن فيها نقص كبير، محاولًا أن يجعل إحداهن الأصل وهي المخطوطة من جامعة الملك سعود والتي رمز لها بالرمز (أ) وهي الأكثر نقصًا، والمخطوطة الثانية من المكتبة الأزهرية والتي رمز لها بالرمز (ب)، والثالثة وقف لأهل العلم بالأزهر الشريف ممهورة بذكر اسم مفتي الديار المصرية وقتذاك وهو الشيخ "محمد بخيت المطيعي" الحنفي رحمه الله والتي رمز لها بالرمز (ج)، فولف بينها وأكمل مواضع النقص من الأخرى، وذكر مواطن الزيادة والنقص بالإشارة إليها في التعليقات. إحدى مخطوطات الرسالة وأما القسم التحقيقي: فقد قام فيه بتحقيق المخطوط بحسب الشروط والقواعد المتعارف عليها عند أهل فن تحقيق النصوص. وجاءت تعليقات المحقق على الرسالة في توثيق الأقوال التي ذكرها المؤلف مسندًا إياها إلى قائليها في كتبهم، وحل الرموز الفقهية التي جاء عليها المصنِّفُ عابرًا، بالإضافة إلى الإطناب في ذكر الأدلة التي أدلاها المصنِّف دون توثيق، مع تمييز غثها من سمينها، من خلال الحكم على رواتها ومحدثيها. كما أن هذه الرسالة جمعت كمًا هائلًا من أسماء الفقهاء الأحناف، فترجم لهم الباحث ترجمة مختصرة، مع ذكر الألقاب المشتهرة لبعضهم عند إطلاقها في المذهب الحنفي. وابن غانم المقدسي هو علي بن محمد غانم الخزرجي السعدي المقدسي الأصل، القاهري المولد والمسكن، رأسَ الحنيفية بعصره. انتفع من " الغنيمي " و" الخفاجي " و" الطالوي "، وكان إمامًا للأشرفية ومشيخة مدرسة سليمان باشا، ومشيخة الإقراء بمدرسة السلطان حسن، وتدريس الصرغتمشية. رحل إلى القدس ثلاث مرات، وألَّف في الفقه كتابًا سمَّاه " الرمز "، وشرح "الأشباه والنظائر" ، وله " الشمعة في أحكام الجمعة "، وتوفي عام ١٠٠٤ هجرية. |
دفع الحيض واستجلابه واضطراباته (دراسة فقهية) صدر حديثًا كتاب " دفع الحيض واستجلابه واضطراباته (دراسة فقهية) "، إعداد: " تهاني بنت عبدالله الخنيني "، وذلك عن دار " كنوز إشبيليا " للنشر والتوزيع. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الماجستير في قسم الفقه وأصوله من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عام 1428هـ- 2007م وذلك تحت إشراف د. " عبد العزيز بن علي الغامدي " ود. " عادلة بنت أحمد البابطين ". وقد تحدثت الكاتبة في الرسالة عن الدماء الخارجة من المرأة والفرق بينها.. وعن دفع واستجلاب واضطراب الحيض وآثاره من الناحية الفقهية.. حيث هدفت الكاتبة من بحثها لهذا الموضوع جمع كل المسائل المستجدة المتعلقة بكتاب الحيض، حيث أن الباحثين لم يتطرقوا بشيء من التفصيل والاستقصاء لأغلب مسائل الحيض المستجدة مع أهميتها للنساء. كما أرادت الكاتبة من رسالتها الاستفادة من البحوث الطبية وأقوال الأطباء المتخصصين في معرفة الأمور المتعلقة بالحيض، سواء كانت تفسيرات لهذه الدماء، أو اكتشافات تؤثر عليها، وتوظيفها في الحكم الشرعي. كما قامت الكاتبة بتتبع وجمع أسباب اضطراب الحيض مع إيضاح كيفية تأثيرها عليه، ومن ثم محاولة إيجاد الحكم الشرعي لذلك مع مراجعة ما كتبه الفقهاء في مسائل الحيض، ومقارنتها بما توصل إليه الطب الحديث وترجيح ما تبين لها رجحانه في خاتمة الرسالة. وترى الباحثة أن اضطراب نزول الدم واستمراره على المرأة مما ابتليت به النساء بخاصة في هذا العصر، وقلّ من النساء من تسلم من هذه الأمور خاصةً بعد التقدم الطبي في وسائل منع الحمل. إلى جانب توصل الطب إلى اكتشاف عقاقير فعالة في التحكم بالحيض دفعًا واستجلابًا، وسهولة استخدامها وكونها في متناول النساء، جعل الإقبال عليها متزايدًا مما أثر في انتظام الحيض، وهذا يؤثر على الحكم الفقهي المترتب على الحيض مما يوقع المرأة في الحيرة والتردد . ونوهت الكاتبة أن الطب الحديث كشف النقاب عن كثير من أسباب اضطراب دورة الحيض الشهرية لدى المرأة، من أدوية، أو أمراض، مما أرادت تناوله في هذا البحث، بخاصة وأن المؤلفات في أحكام الحيض لم توفِ هذا الجانب حقه من الدراسة والبحث فيما اطلعت عليه. وقسمت الكاتبة دراستها إلى مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة. المقدمة: وتتضمن: أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهداف بحثه، والدراسات السابقة له، وخطة البحث، والمنهج المتبع فيه. التمهيد: وفيه مبحثان: المبحث الأول: الدماء الطبيعية للمرأة، والفرق بينها. وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: أنواع الدماء الطبيعية للمرأة. المطلب الثاني: الفرق بين دم الحيض وغيره من الدماء. المطلب الثالث: قبول رأي الطب في تحديد نوع الدم الخارج من المرأة. المطلب الرابع: مراحل دورة الحيض الشهرية في جسم المرأة. المبحث الثاني: وقت الحيض ومدته: وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تحديد بداية السن لمجيء الحيض ونهايته. المطلب الثاني: أقل الحيض وأكثره. المطلب الثالث: أقل الطهر بين الحيضتين. المطلب الرابع: أقسام النساء بالنسبة للحيض. المطلب الخامس: علامة الطهر. الفصل الأول: دفع الحيض: وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: المقصود بدفع الحيض. المبحث الثاني: طريقة دفع الحيض. المبحث الثالث: أسباب دفع الحيض، وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: دفع الحيض لأجل الصوم. المطلب الثاني: دفع الحيض لأجل الاعتكاف. المطلب الثالث: دفع الحيض لأجل أداء المناسك. المطلب الرابع: دفع الحيض لأجل حق الزوج. المطلب الخامس: دفع الحيض لتطويل العدة وإيجاب النفقة على الزوج. المطلب السادس: دفع الحيض لمصلحة طبية. المبحث الرابع: حكم دفع الحيض. المبحث الخامس: الآثار المترتبة على دفع الحيض. المبحث السادس: الشعور بأعراض الحيض بعد دفعه. الفصل الثاني: استجلاب الحيض: وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: المقصود باستجلاب الحيض. المبحث الثاني: طريقة استجلاب الحيض. المبحث الثالث: أسباب استجلاب الحيض. وفيه تسعة مطالب: المطلب الأول: استجلابه لتعجيل البلوغ. المطلب الثاني: استجلابه لأجل ترك الصلاة. المطلب الثالث: استجلابه لأجل ترك الصوم. المطلب الرابع: استجلابه لترك الاعتكاف. المطلب الخامس: استجلابه لترك طواف الوداع. المطلب السادس: استجلابه لمنع حق الزوج. المطلب السابع: استجلابه لمن ارتفع حيضها وأراد زوجها تطليقها الطلاق السني. المطلب الثامن: استجلابه لتعجيل العدة. المطلب التاسع: استجلابه لمصلحة طبية. المبحث الرابع: حكم استجلاب الحيض. المبحث الخامس: الآثار المترتبة على الاستجلاب. الفصل الثالث: اضطراب الحيض: وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: المقصود باضطراب الحيض. المبحث الثاني: أسباب اضطراب الحيض. وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: اضطراب الحيض بسبب المرض. المطلب الثاني: اضطراب الحيض بسبب استخدام الأدوية. المطلب الثالث: اضطراب الحيض بسبب استخدام موانع الحمل. المطلب الرابع: اضطراب الحيض بسبب الإرضاع. المطلب الخامس: اضطراب الحيض عند سن اليأس. المطلب السادس: اضطراب الحيض لأسباب أخرى. المبحث الثالث: استخدام ما يغلب على الظن اضطراب الحيض معه. المبحث الرابع: مظاهر اضطراب الحيض والحكم في ذلك: وفيه عشرة مطالب: المطلب الأول: اضطراب الحيض عند المبتدأة. المطلب الثاني: اضطراب الحيض عند سن اليأس. المطلب الثالث: تأخر نزول الحيض وتقدمه عن وقته. المطلب الرابع: زيادة الحيض عن العادة ونقصانه. المطلب الخامس: تكرر نزول الدم خلال الشهر متقطعًا، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: النقاء أثناء الحيض. المسألة الثانية: الدم العائد بعد الطهر. المطلب السادس: النزيف الدموي المستمر. المطلب السابع: الصفرة والكدرة قبل الحيض وبعده. المطلب الثامن: الدم الخارج بعد العمليات الجراحية. المطلب التاسع: الدم الخارج بعد الفحص المهبلي. المطلب العاشر: الدم الخارج مع موانع الحمل بأنواعها. وفيه مسائل: المسألة الأولى: الدم الخارج مع اللولب. المسألة الثانية: الدم الخارج مع استعمال أقراص منع الحمل. المسألة الثالثة: الدم الخارج مع استعمال حقنة منع الحمل. المبحث الخامس: الآثار المترتبة على اضطراب الحيض. وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: أثر اضطراب الحيض على العبادات. المطلب الثاني: اعتبار اضطراب الحيض من عيوب النكاح. المطلب الثالث: أثر اضطراب الحيض على حق الزوج. المطلب الرابع: حكم إيقاع الطلاق في وقت اضطراب الحيض. المطلب الخامس: أثر اضطراب الحيض على وقوع الطلاق المعلق على نزول الحيض. المطلب السادس: أثر اضطراب الحيض على انقضاء العدة. الخاتمة: وأشارت فيها إلى أهم النتائج والتوصيات التي توصلت إليها من خلال البحث. ومن النتائج التي خرجت بها الكاتبة من بحثها أن أنواع الدماء الخارجة من المرأة ثلاثة: الحيض، والاستحاضة، والنفاس، ولا فرق بين دم الفساد ودم الاستحاضة، وكلاهما مسمى لمعنى واحد. وأنه يجوز الرجوع إلى أهل الخبرة من الأطباء لتحديد نوع الدم الخارج من المرأة، لمسيس الحاجة إلى ذلك، ولتقدم الطب في الكشف عن ذلك، وفي ذلك تخفيف على المرأة، وإعانة لها على أداء الواجبات. وترى الكاتبة أن دفع الحيض إذا تحقق ضرره بالمرأة فإنه لا يجوز الإقدام عليه باتفاق أهل العلم، وإن كان لا يتحقق الضرر بل وقوعه محتمل فإنه يكره ذلك فيما يتعلق بالصوم والاعتكاف. أما دفع الحيض لأجل أداء المناسك فإذا علم عدم الضرر بسؤال أهل الخبرة فإنه يجوز ذلك إذا كانت المرأة مسافرة مع رفقة تخشى إعاقتهم، ولا تستطيع العودة فيما بعد لإتمام المناسك، وذلك رفعًا للحرج. ويكره دفع الحيض لأجل منع الحمل للمباعدة بين فتراته لما في ذلك من تقليل للنسل وإضعاف للأمة، وللضرر في استخدام ما يمنع نزول الحيض لأجل منع الحمل. ويرى الفقهاء أنه لا يجوز استجلاب الحيض لأجل تعجيل البلوغ إلا إن تأخر لمرض لوجود الضرر في ذلك والضرر يزال في الشرع. أما استجلاب الحيض لأجل مصلحة التداوي من مرض، أو في حالة ارتفاع الحيض، أو انقطاعه جائز، لأن التداوي في أصله مشروع ولأنه إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفهما، أما استجلابه من أجل تركيب اللولب لمنع الحمل، أو لإجراء عملية الحمل عبر الأنابيب، فإن حكمه يترتب على حكم هذين السببين. كما ترجح الدراسة أن الدم المستجلب في حال تأخر نزول الحيض عن وقته يعتبر حيضًا يعتد به، وتترتب عليه أحكامه، وكذلك الدم المصاحب لاستخدام الهرمونات الأنثوية البديلة في حالة قصور الغدة النخامية، والتي تتسبب في انقطاع الحيض، لأن هذه الهرمونات تساعد في تنشيط المبيض ليعمل طبيعيًا ويفرز الهرمونات المسؤولة عن إنزال الحيض. كما أن لاضطراب الحيض أسبابًا كثيرة منها: المرض كالخلل في أعمال المبيض، أو إصابته بالتكيسات، أو الأورام، أو إصابة الرحم بالأورام الحميدة والخبيثة، والأورام الليفية، والالتهابات الشديدة، أو انتباذ بطانة الرحم، أو إصابة عنق الرحم بالأورام، أو ارتفاع هرمون اللبن، أو إصابة المرأة بالقصور الكلوي أو قصور الكبد، أو القصور في نشاط الغدة النخامية، أو الغدة الدرقية. ومن هذه الأسباب أيضًا استخدام بعض الأدوية والعقاقير، أو استخدام موانع الحمل، وكذا الإرضاع لارتفاع هرمون البرولاكتين، وكذلك مشارفة المرأة دخول سن اليأس، وقد تسبب البدانة عند بعض النساء أيضًا اضطرابًا للحيض، وكذلك ممارسة الرياضة العنيفة، أو الحميات القاسية، وكذلك اضطراب الحالة النفسية للمرأة، أو تأثرها ببعض أنماط الغذاء المضاف إليه الهرمونات المركبة. ويجوز استخدام بعض الأدوية التي تسبب اضطرابًا للحيض لعلاج بعض الحالات المرضية، لأن مصلحة دفع المرض أعظم من مصلحة انتظام الحيض. وترى الكاتبة أنه لا يجوز استخدام موانع الحمل من الأقراص واللولب والحقن إذا تحقق معها اضطراب الحيض أو الضرر، وكان ذلك لمجرد منع الحمل بلا ضرورة تدعو إلى ذلك، لأن حصول الحمل أخف أضرارًا وآثارًا في الحالات الطبيعية من الآثار المترتبة على استخدام هذه الموانع. وتستنتج الكاتبة أن الدم الخارج بعد العمليات الجراحية التي يمتنع بعدها نزول الحيض كعمليات استئصال المبيضين جميعًا أو الرحم، ليس بحيض بل استحاضة، أما الدم الخارج بعد العمليات الجراحية التي لا يمتنع بعدها نزول الحيض إن كان مصادفًا لعادة المرأة فهو حيض، وإن لم يكن مصادفًا لها فالأظهر أنه استحاضة، ويرجع في ذلك إلى قول الأطباء لأنهم أخبر بذلك. أما الدم الخارج بعد الفحص المهبلي دم استحاضة لأن مصدره المهبل وجرح بعض أوعيته الدموية. ويرى الفقهاء أنه إذا طالت العادة الشهرية في حال استخدام حقنة منع الحمل فإن المرأة تغتسل فيما بعد العادة وتكون مستحاضة، وإن تقطع الدم عليها بعد الطهر والغسل فإن أتمت عادتها فإنها لا تلتفت إلى هذا الدم، وإن لم تتم عادتها فإنها تلفق أيام عادتها ثم تغتسل وتصلي وتكون مستحاضة فيما عدا ذلك. وما ينزل من إفرازات كالكدرة ونحوها وقت الطهر مدة الاستعمال فلا يلتفت إليه أيضًا وليس بحيض. وتوصي الكاتبة في ختام دراستها بإقامة ملتقيات دورية تجمع بين أهل الفقه، وأهل الطب وطرح الموضوعات التي لا يستغني الفقيه فيها عن معرفة رأي الطبيب، وكذلك الطبيب لا يستغني فيها عن حكم الشرع، ومن ذلك أمور الحيض. مع ضرورة إقامة دورات شرعية لطبيبات النساء والولادة وتدريسهن الأحكام الشرعية الخاصة بالحيض والحمل ومنعه، والأجنة، وكشف العورات، ونحو ذلك مما يخدمهن في مجال العمل مع دعوة المؤسسات العلمية المتخصصة كالجامعات ووزارة الصحة إلى إقامة وتبني أمثال هذه اللقاءات والدورات. كما توصي الكاتبة بمحاولة التوصل إلى حقيقة الدم النازل بفعل الهرمونات الأنثوية البديلة، وموانع الحمل ومصدر هذا الدم، بعمل دراسة تطبيقية مخبرية على مجموعة من النساء، وفحص مكونات هذا الدم ومقارنته بدم الحيض الطبيعي. |
كيف نقرأ التاريخ؟ قراءة التاريخ لغير المتخصصين صدر حديثًا كتاب " كيف نقرأ التاريخ؟ قراءة التاريخ لغير المتخصصين "، تأليف: " تركي بن فهد بن عبد الله بن عبد الرحمن آل سعود ، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الملك سعود، نشر " دار جداول للنشر والترجمة والتوزيع ". يتناول هذا الكتاب لمحات تاريخية، ومناقشات توثيقية تستهدف في المقام الأول القارئ العام غير المتخصص في علم التاريخ، وهي بمثابة قراءة تاريخية مغايرة لبعض القضايا التي تمس القضية التاريخية بالمقام الأول، وتناقش أيضًا موضوعات فرعية تتماس بشكل أو بآخر مع الرؤية التاريخية. حيث يناقش الكاتب قضية المصدر التاريخي، والاختلاف بين المصادر، وعلاقتها بموثوقية المادة التاريخية. كما يعرج على فن التراجم والسير، ليعطي لنا نبذة ببليوغرافية عن كتب التراجم، وكتب السير الذاتية، وأهميتهما تاريخيًا. كما يتناول مبدأ "الحيادية والموضوعية" أثناء عرض أي مادة تاريخية، وهل فعلًا لا يوجد مؤرخ متعصب أو منحاز إلى قضية ما؟! ثم يعرج على مبحث هام وهو: كيف ينبغي أن نقرأ للمؤرخ؟ حيث يبين من هو المؤرخ، والفرق بين المدوِّن والمؤرخ؟ والفرق بين القاص والمؤرخ؟ وكيف يتسنى لنا معرفة المؤرخ، وما الذي يؤثر فيه وفي رؤيته للتاريخ؟ وأبعاد التأثير الثقافي والتأثير السياسي على كتاباته التاريخية، وأين تكمن الحقيقة في البحث التاريخي؟ كما يوجهنا الكاتب لمجموعة من الأسئلة الشهيرة في تاريخ العالم، ويحاول الإجابة عليها؛ مثل: • هل يعيد التاريخ نفسه؟ • هل المنتصر هو من يكتب التاريخ؟ • ماذا نستفيد من قراءة التاريخ؟ ويعطي الكاتب قائمة بالكتب المقترحة لقراءة تاريخية مغايرة وبعيدة عن عيوب الكتابة التاريخية. والمؤلف: هو تركي بن فهد بن عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود. الدرجة العلمية: • بكالوريوس: كلية الآداب - قسم التاريخ، جامعة الملك سعود (1419هـ). • ماجستير: جامعة بوسطن ( Boston University )، الولايات المتحدة الأمريكية (2002م)، تاريخ وديانة. • دكتوراه: جامعة بوسطن ( Boston University )، الولايات المتحدة الأمريكية (2008م)، تاريخ وديانة. السجل الوظيفي: • أستاذ مساعد بجامعة الملك سعود (1430- 1434 ). • رئيس قسم التاريخ (1431 - 1433). • أستاذ مشارك (1434 - 1438). • أستاذ (1438). من أهم منشوراته ومؤلفاته: • «كيف نقرأ التاريخ: قراءة كتب التاريخ لغير المتخصصين». • تحقيق كتاب «النجم الزاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحق أبي سعيد جقمق». • تحقيق كتاب «المقتفي لتاريخ أبي شامة». |
ترجمة يونس بن حبيب تهدف هذه السلسلة إلى التعريف بالأعلام، ممن عرفوا بالاسم الواحد كـ( يونس بن حبيب )، أو حملوا اللقب نفسه كـ( الأخفش )، أو تشابهت أسماؤهم في الخط كـ( ابن عساكر وابن عسكر )، وذلك لرفع اللبس والتفريق بينهم، وهي ترجمة لطيفة، لكنها تقف عند أهم الجوانب في الترجمة عند كل علم: الاسم، واللقب، والعصر الذي عاش فيه، شيوخه، تلاميذه، اهتماماته، مؤلفاته، وبيان ما يميز كل عَلَم عن آخر أو ما اشتهر به. (1) "يونس بن حبيب النحوي" اسمه ونسبه وكنيته: يونس بن حبيب الضَّبي البصري أبو عبدالرحمن وقيل أبو محمد [1] . مولده: ذكر ياقوت الحموي مولده في سنة ثمانين للهجرة [2] ، وقيل: سنة تسعين للهجرة [3] . شيوخه سمع يونس بن حبيب من العرب كما سمع مَن قبله، وحملت الكتب بعضًا من شيوخه أبرزهم: أولًا: عبدالله بن إسحاق الحضرمي (ت117هـ)، يقول: الذهبي: "وقد لقي عبدالله بن أبي إسحاق، فسأله عن لفظة" [4] ، وحكي عنه أنه قال: "لم أسمع من عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي، ولكنِّي سألته هل يعلم أحد يقول الصويق مكان السويق" [5] . ثانيًا: رؤبة بن العجاج (ت145هـ)كان رأسًا في اللغة، وهو من أعراب البصرة، وكان يونس بن حبيب شديد الاختصاص به [6] . ثالثًا: أبو عمرو بن العلاء (ت150هـ) من فصحاء العرب، وهو أحد القراء السبعة، وعنه أخذ النحو والأدب [7] . رابعًا: حماد بن سلمة (ت167هـ)، وكان أسنَّ من يونس بن حبيب وعنه أخذ العربية [8] ، وقد قال يونس: "أول من تعلَّمت منه النحو حمَّاد بن سلمة" [9] . خامسًا: أبو علي الأسواري (ت 201هـ)، وكان يونس يسمع منه كلام العرب، ويحتج به [10] . سادسا: زياد بن عثمان بن زياد بن أبي سفيان [11] . تلاميذه: كان ليونس حلقة ينتابها أهل العلم من الطلبة والأدباء وفصحاء الأعراب الحاضرين والغرباء، منهم: أولًا: خلف الأحمر (175هـ)؛ قال أبو زيد: "جلست إلى يونس بن حبيب عشر سنين، وجلس إليه خلف الأحمر عشرين سنة" [12] . ثانيًا: سيبويه (ت180هـ)، وقد روى عنه في كتابه، وقيل قد ذكر شيخه في (الكتاب) مائتي مرة [13] . ثالثًا: أبو الحسن الكسائي (ت189هـ)، قال الحموي: جاء البصرة، "فوجد الخليل قد مات وجلس في موضعه يونس النحوي، فمرَّت بينهما مسائل أقرَّ له يونس فيها وصدَّره موضعه" [14] . رابعًا: أبو زكريا الفراء (ت207هـ)، وقد استكثر من الأخذ عنه [15] . خامسًا: أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت208هـ)، قال: "اختلفت إلى يونس أربعين سنة، أملأ كل يوم ألواحي من حفظه" [16] . سادسًا: أبو عمر الجرمي (ت225هـ)، وعن يونس أخذ العربية [17] . سابعًا: أبو زيد الأنصاري (ت225هـ)، قال: "جلست إلى يونس بن حبيب عشر سنين" [18] . مؤلفاته: تحمل الكتب التي تناولت يونس بن حبيب بالترجمة بعض مؤلفاته في القرآن واللغات، وهي: كتاب معاني القرآن الكبير، معاني القرآن الصغير، كتاب اللغات، كتاب النوادر، كتاب الأمثال، وهذه الكتب ضاعت لم يصلنا منها غير أسمائها المبثوثة في الكتب [19] . وفاته: تذكُر كتب التراجم وفاته سنة اثنين وثمانين ومائة وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وقيل في: ثلاث وثمانين ومائة في خلافة هارون الرشيد [20] . فيونس بن حبيب علَمٌ من أعلام النحو البصري في القرن الثاني الهجري، كان إمام النحاة ومرجع الأدباء والنحويين في المشكلات، وله مذاهب وأقيسة خاصة، ومما اشتهر من أقواله: "رد المحذوف في التصغير، وإثبات التاء في النسبة لبنت، وإلحاق نون التوكيد الخفيفة للمثنى في نحو اضربان" [21] . ومع تميُّز يونس بن حبيب في النحو، وبروزه في غريب اللغة، فإنه كان منفتحًا على الشعر عالِمًا به، مميزًا لجيده عن رديئه، ناقدًا للشعراء حافظًا لأشعارهم، تفرَّغ للعلم حتى قيل: إنه لم يتزوج ولم يتسر، ولم يكن له همَّة إلا لطلب العلم ومحادثة الرجال [22] . (2) "يونس بن حبيب المحدِّث" اسمه ونسبه وكنيته: يونس بن حبيب بن عبدالقاهر بن عبدالعزيز بن عمر بن قيس بن أبي مسلم الماصر الأصبهاني العِجْلِي أبو بشر [23] . شيوخه: أخذ أبو بشر عن كثيرين؛ منهم: أولًا: أبو داود الطيالسي (ت204هـ) صاحب المسند، وكان من أروى الناس عنه [24] . ثانيًا: الحسين بن حفص بن الفضل الهمداني (ت212هـ) [25] . ثالثًا: قتيبة بن مهران أبو عبدالرحمن الأزاذني، صاحب الكسائي، أخذ عنه القراءة، قال ما رأيت خيرًا منه [26] . رابعًا: بكر بن بكار (ت207هـ) [27] من أعلام أصفهان. خامسًا: عامر بن إبراهيم بن واقد الأصبهاني (ت221هـ) [28] . سادسًا: محمد بن كثير الصنعاني (ت216هـ) [29] . تلاميذه: أولًا: أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت316هـ) [30] . ثانيًا: أبو بكر بن أبي عاصم (ت287هـ) [31] . ثالثًا: أبو بكر بن أبي داود السجستاني [32] . رابعًا: علي بن رستم [33] . خامسًا: أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) [34] . سادسًا: عبدالله بن جعفر بن فارس [35] . وفاته: مات سنة سبع وستين ومائتين. فيونس بن حبيب من محدثي القرن الثالث الهجري، يفصله زمنيًّا عن يونس بن حبيب النحوي ما يزيد عن ثمانين سنة، روى مسند أبي داود الطيالسي، وبه عرف في أصبهان، وثَّقه ابن أبي حاتم، وكتب عنه [36] ، وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان مقبول القول [37] ، وكان من المعروفين بالستر والصلاح. [1] الفهرست، ابن النديم، تح: رضا تجدد، (دت، دط)، ص:47. [2] معجم الأدباء إرشاد الأديب إلى معرفة الأريب، ياقوت الحموي، تح: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامي، ط:1، 1993م، 6/ 2850. [3] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان، تح: إحسان عباس، دار صادر، بيروت، لبنان، 1398هـ 1978م، 7/ 244. [4] سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، تح: صلاح السمر، مؤسسة الرسالة، ط:1، 1403هـ 1983م، 8/ 192 ط:7. [5] الفهرست، ص: 47. [6] مراتب النحويين، أبو الطيب اللغوي، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط:1430هـ 2009م، ص:34. [7] الفهرست، ص:31، معجم الأدباء، 6/ 2850، البداية والنهاية، ابن كثير، ص 774مكتبة المعارف، بيروت، ط:8، 1410هـ 1990م، 10/ 184. [8] معجم الأدباء، 3/ 1199. [9] طبقات النحويين واللغويين، الزبيدي، لأبي بكر الزبيدي، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط:2، ص: 51. [10] البيان والتبين، الجاحظ، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط:7، 1418هـ 1998م، 1/ 369. [11] الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:1، 1372هـ 1953م، 9/ 237. = يعرف بابن أبي سفيان البصري، ترجم له الذهبي قال: مجهول، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تح: محمد علي البجاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 2/ 93. [12] مراتب النحويين، أبو الطيب اللغوي، ص:34-35، وفيات الأعيان،7/ 245. [13] سيبويه إمام النحاة، علي النجدي ناصف، مطبعة عالم الكتب بالقاهرة، ط 2، 1399هـ - 1979م، ص:93. [14] معجم الأدباء، 4/ 1738. [15] نفسه، 6/ 2813. [16] مراتب النحويين، ص:34، وفيات الأعيان، 7/ 245. [17] الفهرست، ص:62. معجم الأدباء، 4/ 1443. [18] مراتب النحويين، ص:34. وفيات الأعيان، 7/ 245. [19] الفهرست، ص: 37، معجم الأدباء، 6/ 2850. [20] نزهة الألباء في طبقات الأدباء، ابن الأنباري، تح: إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الزرقاء، الأردن، ط:3، 1405هـ 1985م، ص:50، يذكره ابن كثير في الأعيان الذين توفوا في 183هـ، البداية والنهاية، 10/ 180. [21] تاريخ النحو العربي في المشرق والمغرب، محمد المختار ولد اباه، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط:2، 1429هـ 2008م، ص:69. [22] الفهرست، ص:47، سير أعلام النبلاء، 8/ 192. [23] الماصر: بفتح الميم وكسر الصاد، وأخذ هذا اللقب من قيس بن أبي مسلم الماصر الذي كان أول من مصر الفرات؛ أي: جعل منها مدينة؛ ينظر: طبقات المحدثين بأصفهان، لأبي محمد عبدالله ابن حبان،354 تح: عبدالغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،2/ 5، الأنساب، أبو سعد عبدالكريم السمعاني، تح: محمد عبدالقاهر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 5/ 53. [24] تاريخ أصبهان، 2/ 324. [25] تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، 852، دار الكتاب الإسلامي، القاهرة، مصر، 2/ 337. [26] طبقات النحويين واللغويين، ص:135. الأنساب، 1/ 56. [27] تهذيب التهذيب،1/ 479. [28] نفسه، 5/ 61. [29] الجرح والتعديل، 8/ 69. [30] الأنساب،1/ 148 [31] سير أعلام النبلاء، 15/ 596. [32] نفسه. [33] نفسه. [34] الأنساب، 5/ 54. [35] نفسه، 1/ 184. [36] الجرح والتعديل، 9/ 237، سير أعلام النبلاء، 12/ 596. [37] تاريخ أصبهان، 2/ 324. |
رسالتان في أصل النحو لأحمد بابا التنبكتي في تحقيق جديد صدر حديثًا رسالتان في أصول النحو للعلامة "أبي العباس أحمد بابا التنبكتي " (963- 1036 هـ) وهما رسالة " إمتاع الأسماع بما قيل في إجراء ألفاظ رواة الحديث مجرى السماع " ورسالة " وسِيلتِي وشَافعِي في ثبوتِ الاستدلال بألفاظِ الإمام الشافعِيّ " وذلك بتحقيق الباحث أحد فتحي البشير وتعليقاته على أصل الرسالتين، وبذيلهما للمحقق " الحصيلة في بيان ما أغفله التنبكتي في الوسيلة "، وذلك عن دار " تراث " للنشر والتوزيع. والعلامة أحمد بابا التنبكتي هو أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن عمر التكروري التنبكتي السوداني، أبو العباس: مؤرخ وفقيه مالكي من أعلام غرب إفريقيا الإسلامي، من أهل تنبكت " تمبكتو " في إفريقية الغربية. أصله من صنهاجة، من بيت علم وصلاح. وكان عالمًا بالحديث والفقه. وعارض في احتلال المراكشيين لبلدته (تنبكت) فقبض عليه وعلى أفراد أسرته واقتيد إلى مراكش سنة 1002هـ، وضاع منه في هذا الحادث 1600 مجلد، وسقط عن ظهر جمل في أثناء رحلته فكسرت ساقه، وظل معتقلًا إلى سنة 1004هـ وأطلق فأقام بمراكش إلى سنة 1014هـ، وقد ألف أثناء فترة نفيه بمراكش مصنفات كثيرة جليلة بلغ ما وجد منها لحد الآن أكثر من ستين مصنفًا، وتتلمذ عليه عدد مهم من المغاربة والشناقطة وغيرهم.. مما بوأه مكانة رفيعة بين علماء المنطقة، وكان تأثيره في المغرب الأقصى كبيرًا. وقد أُذنَ له بالعودة إلى وطنه بعد ذلك؛ حيث عاد " إلى تنبكت " بعد إذن " السلطان زيدان " له حيث استمر في اصدار الفتاوي، والرسائل والإجازات، وتوفي بها سنة 1036 هـ / 1627م. وكان شديدًا في الحق لايراعي أحدًا رحمه الله. ومن آثاره العديدة التي لا يزال معظمها مخطوطًا: " نيل الابتهاج بتطريز الديباج "، و" كفاية المحتاج لمعرفة من ليس في الديباج "، و" معراج الصعود إلى نيل حكم مجلب السود" ، أو " الكشف والبيان لأصناف مجلوب السودان ". والرسالة الأولى موضع التحقيق بعنوان: ( إمتاع الأسماع بما قيل في إجراء ألفاظ رواة الحديث مجرى السماع ). وفيها يعرض أحمد بابا الخلاف الحاصل حول الاستشهاد بالحديث النبوي، فيذكر أقوال معظم النحاة الذين تكلموا في هذه المسألة ويناقشها. ويرجع المحقق " أحمد فتحي البشير " أهمية الرسالة إلى: 1- أنه سلك مسلك المانعين في وقت ساد فيه مذهب المجوزين الاحتجاجَ إلا ما كان من السيوطي. 2- أنه أورد كل ما احتج به المجوزون وناقشه، لا سيما كلام ابن خالدون والبلقيني والدماميني، وكلام ابن خلدون والدماميني من أدق الكلام في هذه المسألة للمجوزين. 3- اعتنى بنقل كلام بعض شراح الحديث في هذه المسألة وكلام أحد الأصوليين وناقشه. 4- نقل مذهب ابن هشام في هذه المسألة من كتابه الذي لم يصلنا، وهو ( شرحه على التسهيل )، ومذهبه فيه مخالف لظاهر مذهبه في ( مغني اللبيب ). أما الرسالة الثانية: (وسيلتي وشافعي في ثبوت الاستدلال بألفاظ الإمام الشافعي). فهي رسالة نفيسة نادرة، وذلك لعدة أسباب يوردها المحقق: 1- ليست هي على نمط ما سلكه الأزهري والبيهقي وغيرهما من أن الشافعي عربي، وأن ما أُخِذ عليه من ألفاظ له وجه وشواهد تؤيدها، بل تكلم في إيرادات واردة على أصل كونه عربيا يُحتَج بكلامه، فقد أورد أحمد بابا أن هناك من لم يحتج بكلام الشافعي، لأنه ولد 150 وقد ذكر النحاة أن أول المحدَثين الذين لا يُحتج بهم هو بشار بن برد المتوفى سنة 167هـ فأحرى بأن لا يُحتج بالشافعي. وكذلك الشافعي حضري، وقد نصوا على عدم الأخذ من القبائل الحضرية، وممن قال بهذا ورد كلام الشافعي من أجله أبو حيان، وكذلك الشافعي ذكر أنه طلب اللغة عشرين عامًا ليستعين بها على الفقه، وشرط العربي المحتج بكلامه أن يكون كلامه سليقةً لا تعلُّمًا، كل هذه الإيرادات أوردها أحمد بابا على أصل الاحتجاج بكلام الشافعي. ولهذا نص أحمد بابا أنه كتب هذه الرسالة من غير أن يقف فيها على كلام لأحد. 2- نقل أحمد بابا في أثناء مناقشة هذه الإيرادات عن كتاب مفقود في أصول النحو وضوابط الاحتجاج لابن أبي الربيع وذكر اسمه، وهو (نهاية المستفيد)، ونقل منه ضوابط هذه المسألة وهي في غاية النفاسة والندور. 3- تعرض أحمد بابا فيها إلى أمر في غاية الأهمية وهو العصر الذي توقَّف عنده الاحتجاج بلغة أهله، ونص على ذلك الزمن صراحة ونقل الإجماع عليه.. 4- نقل أحمد بابا كلام ابن الربيع في احتجاج الزمخشري بشعر أبي تمام ورده القراءات، وهو نقل نفيس وإن كنت قد ناقشتُ ابن أبي الربيع فيه في هامش الرسالة في موضعه. وهذه الرسالة عن الشافعي أنفس من الرسالة الأولى من جهة النفاسة وجدة الموضوع بخلاف الرسالة الأولى فقد طُرق موضوعها في الجملة، بالإضافة إلى أن رسالة الشافعي قبل الرسالة الأولى في المجموع الذي يضمهما، لكن المحقق آثر أن تكون الرسالة الأولى هي الأولى في العمل؛ لشرف المتكلَّم عن ألفاظه صلى الله عليه وسلم. وقد ذيل المحقق الرسالة الثانية لأحمد بابا برسالة ثالثة عنونها بـ ( الحصيلة في بيان ما أغفله التنبكتي في الوسيلة )؛ فقد ذكر أحمد بابا الخلاف حول الاحتجاج بكلام الشافعي، ولم يذكر أسماء أحد من الفريقين، فقام المحقق "أحمد فتحي البشير" في هذه الرسالة بذكر أسماء من يقول بعدم الاحتجاج مع أقوالهم وكذلك أسماء من يقول بالاحتجاج مع أقوالهم. وفي المطلب الثاني أورد أربعة إيرادات على القول بحجية كلام الشافعي غير التي ذكرها أحمد بابا، رأى بعضها في كلام المنتسبين إلى العربية وبعضها من عنده مع مناقشتها وتعليلها، وهي: 1- أن الشافعي تعلم لغة يونان حتى أتقنها كما رواه عنه البيهقي والآبري والرازي، وقد ترك النحاة الاحتجاج بكلام من خالط العجم، فكيف بمن تعلم لغتهم حتى أتقنها؟! 2- أن النحاة تركوا الاستشهاد بكلامه، ولم يعتنوا بنقله كما هو الحال مع أقوال العرب وأشعارها وسائر الكلام العربي الفصيح. 3- أن ثمة نحاة وفقهاء ولغويين لحَّنوا الشافعي صراحة وأخذوا عليه كلمات. 4- أن كثيرًا ممن يقولون بحجية كلام الشافعي هم متأخرو الشافعية. والمطلب الثالث جعله المحقق لدرء التعارض الذي قد يُتوهَّم من قولنا بحجية كلام الشافعي مع قول النحاة إنه قد توقف الاحتجاج عند منتصف القرن الثاني وأنه لا يؤخذ عن أهل الحضر، وتعرض في أثناء ذلك إلى مناقشة ما يُسمَّى بـ(الفوائت الظنية) التي يقول بها بعض المعاصرين. وفي النهاية ذكر المحقق ما يترتب على القول بحجية ألفاظ الشافعي من جهة العربية والأصول والتفسير. وختم الكتاب بالكشافات لخدمة متن رسائل الكتاب. |
ثبات في زمن المتغيرات يتَّضح من خلال استقراء الأدلة والملاحظة والتأمل في دورس التاريخ وعِبَر الغابرين - أن هناك فرقًا طفيفًا بين الثبات على الموقف والثبات على المبدأ، فالموقف قد يتغير من خلال اتضاح الجانب الآخر من الحقيقة، أو لدفع الضرر الأصغر مَخافة الضرر والشر والأكبر، والموقف لا يتغير تغيرًا فجائيًّا بلا مبررات ولا بدليل، وبيِّنة ظاهرة، أو نضوج فكري، أو رجوع للحق، أو نقد بنَّاء يعيد الفكرة والموقف إلى مكانها الصحيح. فالموقف الفقهي مثلًا فيه باب الاجتهاد الواسع الذي يجعل مثلًا الموقف الفقهي يتغير، ليس ليواكب الواقع سلبًا أو إيجابًا، لكن ليجعل من هذا الدين العظيم صالحًا لكل زمان ومكان، ولإيجاد حلول لما يصادف المؤمن والإنسان من ظواهر وحوادث يتطلب تفسيرها، وإبداء الحكم الشرعي، وبيان الموقف الفقهي منها. وكذلك الموقف من بلد ما أو فكرة معينة تتغير، وللتغير عوامله ودوافعه، فالموقف قد يطرأ عليه تغيير بظرف يحيط به زمانيًّا أو مكانيًّا أو فكريًّا، ولكن المبدأ والقيم ثابتة لا تتغير فمبدأ ( العدل ) على سبيل المثال مبدأ ثابت، فلن يكون (الظلم) يومًا فضيلة، ومبدأ قول (الصدق) وتبيان الحقيقة، فلن يصبح الكذب والحيلة دليلَ دهاء وحنكة، والكرم والشجاعة، والنبل وصفاء النية ومكارم الأخلاق عمومًا، فهذه مبادئ وقيم تغرس غرسًا في الناشئة، وتنمَّى في الشباب، وتثبت على مدى الدهر في النفوس الأصيلة، وكان مبعثه عليه الصلاة والسلام إتمامًا لمكارم الأخلاق وهو في الأربعين من عمره. أما الارتباط بين المبدأ والموقف في جانب أن المبدأ يعبر عنه بالموقف، فالكرم مثلًا يعبر عنه بالعطاء في موقف الحاجة وعند حضور الضيف، ومبدأ العدل يعبر عنه بالإنصاف وعدم هضْم حقوق الآخرين، ومبدأ الصدق يعبر عنه بقول الحق ولو كلَّف الكثير ثمنًا لذلك، وهكذا وبعد هذه المقدمة يمكن لنا أن نفصِّل فيما يخص الثبات على الدين ومبادئه لأهميته وعظيم شأنه، فقد خصص عليه الصلاة والسلام موضع السجود الذي هو أقرب ما يكون العبد من ربه للثبات وبالدعاء المأثور: (اللهم يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على طاعتك)، لاحِظ ثبات القلب على الطاعة إنما يأتي بتمكُّن الإيمان في قلب المؤمن، وعادة القلوب المليئة بالإيمان وحب الخير والبذل في دروب الخير أن تكون ثابتة على الحق، فالقلب محل نظر الرب، وهو ملك الأعضاء وسيد الجوارح، لذا عليك الحذر مِن تغيُّر موقفة وميله عن الحق. عَنِ المقداد بن الأسود قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ تَقَلُّبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اجْتَمَعَ غَلْيًا"، وصح عنه عليه الصلاة والسلام في الحديث الطويل كما رواه الشيخان أنه قال: (إنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخْتَمُ له عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ يُخْتَمُ له عَمَلُهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ. ويرجع أهل الشروح في هذا الحديث إلى أن الاخلاص وصدق النية المصاحب للعمل، هو السبب الأساس في ثبات القلب وزيغه، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]. وفي سورة إبراهيم يعرض الله تبارك وتعالى مثالًا عظيمًا في ثبوت الكلمة الطيبة؛ كثبوت الشجرة الطيبة في الأرض ثبوتًا راسخًا، وعلى النقيض منها الكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة أصلها رثٌّ، وقلعُها يسير، ويختم الآيات بالتذكير بأهمية الثبات؛ قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 27]؛ قال أهل التفسير: الثبات على لا إله إلا الله، وبعضهم أوضح أنه بالثبات في القبر عن السؤال، ويَجدُر بنا في هذا المقام تبيان أهم العوامل التي يجب التمسك بها في سبيل الثبات على المبادئ: أولًا: الاعتصام بكتاب الله تعالى يُمسك الغريق الطالب للنجاة من طوفان الفتن المضلة والشهوات المزلة للأقدام، ويكون الاعتصام قراءةً وتدبرًا وعملًا. ثانيًا: اقتفاء سنة سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، فقد ذكر في غير موطن من سنته أن النجاة والسلامة من الضلال والثبات على المنهج هو في سلوك سنته عليه الصلاة والسلام. ثالثًا: طلب العلم الشرعي، وحضور مجالس العلماء الربانيين الذين بذلوا أعمارهم في طلب العلم وبذله. رابعًا: قراءة سير وتراجم الثابتين، والأعلام القدوات الذين ثبَّتهم الله تعالى، فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، إنما من مات على الحق، وضحى في سبيل مبدئه، جديرٌ بأن تُقرَأَ سِيَرُهم وتُدرَّس مواقفهم. خامسًا: الاعتبار من سير الناكصين على الأعقاب الذين ضلوا بعد أن عرَفوا طريق الهداية، وحادوا بعد عرفوا سبيل النجاة، ففي ذلك العظة والعبرة. قال أبو فراس الحمداني: عَرَفتُ الشَرَّ لا لِلشَرِّ لَكِن لِتَوَقِّيهِ وَمَن لَم يَعرِفِ الشَرَّ مِنَ الخَيرِ يَقَع فيهِ سادسًا: توقي أسباب الوقوع في الفتن والحذر من أصحاب الشبهات، وحضور مجالسهم ومنتدياتهم ومواقعهم، خاصة مع حداثة السن وضَعف التجربة وقلة العلم، فقد يزغ القلب وتنقلب المفاهيم. سابعًا: الدعاء بالثبات، فكما بيَّنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام يكثر مِن يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على طاعتك، وفيه دليل لنا وإشارة إلى أمته عليه الصلاة والسلام بأهمية الدعاء بالثبات حتى الممات، وفي القبر وعلى الصراط، فليس للعبد في ذلك حول ولا قوة للثبات، إلا ما رسخ في قلبه من الإيمان، وما قدَّمه من أعمال صالحة يرجو ثوابها عند الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وخلاصة القول: الثبات في زمن المتغيرات أقضَّ مضاجع الصالحين، وأقلق قلوبَ الصادقين، ولا سبيل لذلك إلا بتوفيق الله تعالى وإعانته لعبده، فنسأل الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد. |
مجموع رسائل العلامة محيي الدين الكافيجي تصدر محققة تباعا صدر حديثًا كتاب " مجموع رسائل العلامة محيي الدين الكافيجي المتوفى سنة (٨٧٩) هـ "، المجلد الأول منه، وفيه رسائل حديثية: ♦ «خلاصة الأقوال في حديث: إنما الأعمال». ♦ «المختصر في علم الأثر». وهو مختصر في مصطلح الحديث اعتمد فيه على كتاب ابن الصلاح. تحقيق: " حسام صلاح الضرغامي " و" أحمد فتحي البشير "، من منشورات " المكتبة العمرية" و" دار الذخائر ". والعلامة " محيي الدين الكافيجي " كان من الأعلام الموسوعيين المكثيرين من التصنيف، ولا تخطئ عين الناظر الأريب والباحث الدرب من بروز التنوع الفكري والمعرفي في هذه التصانيف، ووضوح الوحدة الموضوعية في أغلب تلك المصنفات، فأغلبها يتناول مسألة واحدة أو جزء مسألة أحيانًا بالبحث والتحليل، ومنها هذه الرسائل الحديثية، إلى جانب ما للكافيجي يد طولى وعناية تامة بانتقاء مباني الألفاظ وما ترمي إليه من معان. إضافة إلى أن الكافيجي كان يصنف في فنون قل من يتناولها من علماء الشريعة كعلم الهندسة والهيئة مثلًا،، بل ربما اخترع بعض العلوم!. فقد كان رحمه الله تعالى بارعًا في جل العلوم عامة، والعلوم العقلية خاصة من أمثال: علم الكلام، وأصول الفقه، والنحو والصرف، والإعراب، والبلاغة والبيان، والمنطق والفلسفة. قال عنه السيوطي: «لزمته أربع عشرة سنة، فما جئت من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك؛ قال لي يومًا: أعرب "زيد قائم"، فقلت: قد صرنا في مقام الصغار ونسأل عن هذا، فقال لي: في "زيد قائم" مائة وثلاثة عشر بحثًا فقلت: لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها، فأخرج لي تذكرته فكتبتها منها). وقد قام المحققان بانتقاء بعض هذه الأجزاء والمسائل الحديثية للعلامة الكافيجي، وحصلاها من خزائن المخطوطات وضمن نسخ المجاميع الخطية بالمكتبات وقاما بتحقيقها وخدمتها علميًّا، وبدأا بالرسائل الحديثية كالتوطئة لهذا المجموع، ومنه هاتان الرسالتان الحديثيتان: 1- «خلاصة الأقوال بالحجج والبينات في شأن قول النبي - عليه أفضل الصلوات وأزكى التحيات -: إنما الأعمال بالنيات»، وهي من أنفس الكتب المصنفة في شرح حديث «إنما الأعمال بالنيات»؛ فقد أتى عليه المصنف بالدراسة والبحث من جميع جوانبه، بأسلوب علمي رصين، وضمن الكتاب فوائد وتقريرات عزيزة جدًّا، وقدَّم به بمقدمة أرسى فيها قواعد وكليات فن الحديث النبوي الشريف. 2- «المختصر في علم الأثر» وهو يعد كما قال السيوطي من مختصرات "علوم الحديث" لابن الصلاح، وقصد منه المصنف رحمه الله استيعاب أصول المسائل التي يحتاج إليها المحدث رحمه الله استيعاب أصول المسائل التي يحتاج إليها الحدث دون غيرها مع البعد عن الحشو والتطويل، واعتنى فيه للغاية بتحرير المصطلحات الحديثية، يقول الكافيجي في مقدمته: «...إِن من أعظم الْعُلُوم على الْإِطْلَاق وأعلاها بِالِاسْتِحْقَاقِ عِلم الحَدِيث الباحث عَن أَقْوَال سيد الْمُرْسلين وأفعاله الكاشف عَن سيرته وأحواله الْحَاوِي على آثَار أَئِمَّة الْهدى وسماتهم الْمُشْتَمل على مَذَاهِب أَرْبَاب التقى وصفاتهم إِذْ بِهِ تعرف حقائق التَّنْزِيل وأنواره وَبِه تكشف دقائق التَّأْوِيل وأسراره. وَإِن الْأَئِمَّة الْكِرَام البررة قد صنفوا فِيهِ كتبا مُعْتَبرَة لَكِن لما ظهر تقاصر اللَّهُمَّ عَن فحص مَا دونوا وَعَن الإطلاع على مَا بينوا وَصَارَ قصارى أَمر النَّاس فِي هَذِه الْأَيَّام وَغَايَة الِاشْتِغَال بَين الْأَنَام أَن يحوموا حول المختصرات ويقتصروا على ظواهر الْعبارَات ألفت هَذَا الْمُخْتَصر فِي علم الْأَثر منبع الدُّرَر المتضمن لما يحْتَاج إِلَيْهِ على وَجه مُعْتَبر المشتل على مُقَدّمَة فِيهَا تصفية للفكر وعَلى بَابَيْنِ وخاتمة بهَا تدقيق للنَّظَر... ». وقد عثر المحققان على نسختين خطيتين من كتاب «خلاصة الأقوال» إحداهما كتبت في حياة المصنف، وبخط أحد أشهر تلاميذه، وهو العلامة المؤرخ "علي بن داود الصيرفي" (ت 900 هـ) صاحب كتاب "نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان" وغيره، وكذا عثرا على نسختين نفيستين من كتاب "المختصر" كتبتا في حياة المصنف، وإحداهما عليها حواش وتعليقات بخطه. وقد قاما بالتقديم للكتاب بالتعريف بالعلامة محيي الدين الكافيجي، ومكانته بين المؤلفين والمحدثين، ثم قدما للرسالة الأولى "خلاصة الأقوال" بالتعريف بالكتاب وموضوعه ثم تقديم النص محققًا مع ملحق بكشافات الرسالة الأولى ويتضمن: كشافًا للفوائد وآخر للموضوعات، وهو ما طبقاه على الرسالة الثانية "المختصر في علم الأثر"، إلى جانب كشاف بأهم المصادر والمراجع التي رجعا إليها في دراستهما. والكافيجي هو الإمام محيي الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود، الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي؛ ولقب بذلك لكثرة اشتغاله بكتاب "الكافية" في النحو لابن الحاجب فنسب إليها بزيادة الجيم. ولد في بلاد صروخان من ديار ابن عثمان سنة 788 هـ، واشتغل بطلب العلم، ورحل إلى بلاد العجم، والتقى بالعلماء الأجلاء، وقدم الشام، ثم ذهب إلى القدس، وبعدها إلى القاهرة، فأقام في مدرسة البرقوقية سنين، والتقى في القاهرة بكثير من الأئمة المحققين، وظهرت فضائله بين العلماء الأجلاء. وكان من أبرز شيوخه: "شمس الدين الفنري"، و"حافظ الدين البزازي"، و"ابن فرشتا ابن ملك"، و"عبد الواجد الكوتائي". ولما استقر الكافيجي في القاهرة ظهرت مكانته واشتهر بين العلماء الأفاضل بعلمه وتقواه، وأقبل عليه طلاب العلم من كل مكان، وكثر تلامذته، ومن أبرز من أخذ عنه: جلال الدين السيوطي، وابن أسد، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وابن مزهر، وعبد القادر الدميري، ومحمد بن محمد السعدي، ومحمد بن جمعة، وغيرهم الكثير. وقد تولى من الوظائف: مشيخة تربة الأشرف برسباي، ومشيخة زاوية الأشرف، ثم مشيخة التدريس بتربته، وتولى رئاسة المذهب الحنفي بمصر، وتصدى للتدريس والإفتاء. كما اشتهر بالتقوى والورع والخوف من الله عز وجل، فضلًا عن كرمه وجوده وكثرة عطاياه. وقد مدحه كثير من الشعراء منهم الشهاب المنصوري قائلًا: يا عين أعيان الزمان ويا محيي - بمصر - سنة الشرع ما قرع الباب عليك امرؤ إلا وذاق حلاوة القرع وكثرت مؤلفاته حتى زادت عن المائة. من أهمها: • الأنموذج في الاستعارة بالكناية، والاستعارة التخييليّة، وفي بيان تلازمهما. • أنوار السعادة في شرح كلمتي الشهادة. • بنات الأفكار في شأن الاعتبار. • التيسير في قواعد علم التفسير. • حاشية على تفسير البيضاوي. • حاشية على المطوّل. • رسالة متعلقة بعلم التفسير ووجوه القراءات. • سيف الحق والنصرة على رقاب أهل البغي والفتنة. • حاشية على الكشاف. • شرح الإستعارة. • شرح الإعراب عن قواعد الإعراب. • شرح كتاب تهذيب المنطق والكلام لسعد الدين التفتازاني. • شرح القواعد الكبرى في النحو لابن هشام. • الكافي الشافي. وغيرها كثير. وتوفي رحمه الله ليلة الجمعة الرابع من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثمانمائة، وشهد الصلاة عليه السلطان "سيف الدين الأشرف قايتباي"، وحزن الناس على موته حزنًا شديدًا، رحمه الله رحمة واسعة. وقد رثاه كثير من الشعراء منهم: الشهاب المنصوري الذي رثاه بمرثية طويلة منها قوله: بَكَتْ عَلَى الشَّيخِ مُحيي الدِّينِ كافيجِي **** عيونُنا بدموعٍ من دمِ المُهجِ |
المنتقى من مغازي الواقدي لابن حجر العسقلاني تحقيق علاء عوض عثمان صدر حديثًا كتاب "المنتقى من مغازي الواقدي " للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: 852 هـ)، قرأه وعلق عليه: " علاء عوض عثمان "، من منشورات " المكتبة العمرية" و" دار الذخائر ". وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير، وتعد مغازي محمد بن عمر الواقدي (ت 207 هـ) من المصادر الأولى المؤلفة في "المغازي"، وترجع أهميته لدقة الواقدي في اختياره مادة الكتاب، وتنوع مصادر تلقيه فيها، وتقدمه تاريخيًا. وقد قام على اختصار الكتاب الإمام "ابن حجر العسقلاني"، فاختصر الكتاب، أو بالأصح انتقى منه، ولم ينل هذا الكتاب حظه من الشهرة أو التحقيق العلمي الرصين بما يليق به، ولعل السبب الرئيسي في ذلك عدم اشتهار الكتاب أو طبعه من قبل، لذا كانت الحاجة إلى طبعه محققًا من الأهمية بمكان في حقل الدراسات العلمية. ونجد إنَّ الحافظ ابن حجر أعدَّ ملخصًا جيدًا لأحداث المغازي عند الواقدي، فإذا أطال الواقدي أطال الحافظ وأسهب في ذكر التفاصيل، وإذا أجمل الواقدي الكلام اختصر الحافظ الكلام، واقتصر على ما لا بدَّ منه. ومن ذلك الغزوات الرئيسة الكبرى التي شارك فيها النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أطال فيها الواقدي، وذكر فيها تفاصيل كثيرة، فنجد أن الحافظ قد أطال فيها كما أطال الواقدي، خصوصًا غزوتي بدر وأحد، بل إننا نلاحظ أنَّ ما ذُكر من تفاصيل عن غزوة أُحد عند الحافظ أكثر مما ذكر عن غيرها من الغزوات، بينما كانت التفاصيل الواردة عن غزوة بدر عند الواقدي أكثر من الواردة عن غزوة أحد. وقد ذكر الحافظ ابن حجر ذلك كله باختصار، بطريقة سلسة ومرتبة، بحيث إنَّ الناظر في مادة الاختصار لا يصيبه الملل، ويستطيع أن يُلمَّ بتفاصيل الغزوات إجمالًا. ونجد أن ابن حجر رغم اختصاره للكتاب لا يغفل ضعف الواقدي عند جمهور المحدثين حيث يقول في أثناء عرض اختصاره للمغازي: "...هذا تعليق مما وقفت عليه من المغازي لأبي عبد الله محمد بن عمر بن واقد، مع حذف إسناده؛ لأن الرجل في نفسه مضعَّفٌ عند أهل العلم، وإن كان مُقدَّمًا في المغازي، فيما لم يخالف فيه غيره"، وبذلك حدد ابن حجر منهجه في الاختصار، وهو حذف الأسانيد، أي الاقتصار على الأخبار المنتقاة من كلِّ غزوة. كما أنَّه علل حذفه للأسانيد بأنَّ الواقدي ضعيف عند أهل العلم؛ كأنَّه يرى ألَّا فائدة مرجوة من وراء سوق الأسانيد وكلُّها مبدوءة بالواقدي وهو ضعيف، إلَّا أنَّ ابن حجر يستدرك فيقول: "إنَّه في المغازي ثقة، ما لم يخالف غيره" كأنه قطع الطريق على من سيأتي منتقدًا له، ما دام أنَّ الرجل ضعيف؛ فلا فائدة من سوق الأخبار التي رواها أصلًا. ولا يُخلي ابن حجر مختصره للمغازي من ذكر الفوائد التي يجدها في كتاب الواقدي، فأحيانًا يذكرها بقوله: إنَّ هذه الغزوة حدث فيها.. كذا، أو يفرد عنوانًا بذكر الفوائد، وأحيانًا أخرى يعبر بقوله: ويستفاد منه.. كذا، وهذه المواضع ليست كثيرة. ويرى المحقق أنَّ الحافظ ابن حجر كان عالمًا ذا ملكة نقدية، فقد استنكر بعض الأشياء التي ذكرها الواقدي، بل لا يفوته أن يذكر تضعيفها بعد ذكره لها، وقد نوَّع العبارة في إظهار استنكاره لذلك. وبذلك يعد هذا المختصر أو المنتقى من باب التنخيل لتلك "المغازي"، وبيان مواضع القبول بها، وكأنه استدراك على رواية الواقدي المتقدمة المهمة كذلك. كما بين المحقق أن مغازي الواقدي على شهرتها لم تصل إلينا إلا من خلال روايات الرواة عن الأصل، ولا تمثل النص الأصلى للكتاب وأنَّ الرواية المتداولة منه مختصرٌ من الأصل، وهو منتقى صنعه أبو عمر بن حيّويه (ت: ٣٨٢ هـ)، الذي روى الكتاب عن عبد الوهاب بن عيسى بن أبي حيّة البغدادي (ت: ٣١٩ هـ)، عن ابن الثلجي عن الواقدي، وهذا ظاهرٌ في الثلث الأخير من المطبوع خاصَّة، وفيه اختصارٌ في مواضع، وحذفٌ للأسانيد في مواضع أخرى، وعبارات زائدة، أدخلها الرواة والشُّراح في النص الأصلي للكتاب على ما يبدو. وقد قام الأستاذ "علاء عوض عثمان " بتحقيق منتقى ابن حجر للمغازي على نسخة واحدة فريدة للكتاب، وهي بخط الحافظ ابن حجر، وهي موجودة في "دار الكتب المصرية"، ضمن مجموع أوله: "مختصر البداية والنهاية" لابن كثير، ثُمَّ "المنتقى من مغازي الواقدي" ثُمَّ "أخبارٌ منتقاة من تاريخ ابن عساكر"، وكلُّ هذه الكتب للحافظ ابن حجر، كما أشار إلى ذلك مترجموه. ويحمل المخطوط رقم [٥٢٢] بدار الكتب المصرية، ويقع كتابنا "المنتقى من مغازي الواقدي" في أول الورقة رقم (٨٢) إلى الورقة رقم (١٥٩ )، ويليه "تعليق من تاريخ ابن عساكر"، وهذا يعني أنَّ عدد أوراق النسخة (٧٧) ورقة، إلَّا أنِّ فيه بعض الأوراق المكررة في تصوير النسخة مما يعني أنَّ عدد أوراق المخطوط الفعلية (٧٣) ورقة. أول ورقة من المخطوط اللوحة الأخيرة من منتقى المغازي والوجه الاني منها أول تعليق الحافظ من تاريخ ابن عساكر سماع على ابن حجر في أول النسخة وقد قام الأستاذ "علاء عوض عثمان" بخدمة الكتاب علميًا على النحو التالي: ١- نسخ المخطوط. ٢- مقابلة المخطوط بعد نسخه. ٣- مقابلة المنسوخ على أصل كتاب "المغازي" لإبراز الفروق. ٤- أثبتَ نص ابن حجر، وفي حالة ما خالف أصل " مغازي الواقدي " أشار إلى مخالفته له في الهامش، وأثبتَ في الأصل نص ابن حجر وإن لم يكن صوابًا، وهناك بعض المواضع التي بين لنا أنه لم يستطع قراءة كلام ابن حجر فيها، فوضع مكانها نقاطًا هكذا: (..) ثُمَّ يشير في الهامش إلى عدم استطاعته قراءة هذه الكلمة أو تلك الكلمات. ٥- عزو الآيات القرآنية. ٦- اختار في تخريج الأحاديث والآثار والوقائع منهجًا يلائم النص، فالنص ليس حديثيًا، ومع ذلك فهو يحمل أحاديث ليست قليلة؛ لذلك اتبع الآتي: 7- قام بتخريج أحداث الغزوة الإجمالية، متتبعًا فيها أهل المغازي وكتبهم المتقدمة زمانيًا، واقتصر من تلك الكتب على المشهور منها، أو على مستخرجات تلك التي لم تصل إلينا، ومنها "مرويات الزهري في المغازي " للدكتور محمد العواجي، ومستخرج د " سهيل زكار" لمغازي الزهري، و" مستخرج مغازي موسى بن عقبة" جمع د. محمد باقشيش، و "مغازي معمر" ، و" سيرة ابن هشام "، و" طبقات ابن سعد "، و "مغازي ابن أبي شيبة ". 8- يقوم الحافظ ابن حجر -في كثير من الأحيان- باختصار الأحاديث النبوية، فيذكر مطلع الحديث أو طرفه ثُمَّ يقول "الحديث" فقام المحقق في هذه الحالات بوضع نقاط، هكذا: [...] بين طرف الحديث وبين قوله: "الحديث" ثُمَّ يقوم بتخريجه في الهامش. 9- عرَّفَ المحقق بغريب الألفاظ وبعض الأماكن وترجمة رواة الأخبار من شيوخ الواقدي، الذين ذكرهم الحافظ ابن حجر. 10- وضع كشافات علمية للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمغازي والسرايا، وختمها المحقق بالأعلام. |
لمحات تاريخية من حياة ابن تيمية هذه لمحات خاطفة ونظرات عابرة عن حياة إمام جليل وعبقري حكيم أقام الدنيا وأقعدها في عهده بالعلم والفكر والجهاد طول حياته، وأحيا تراثًا عظيمًا للأمة الإسلامية كاد أن يذهب وينطمس بين الفلسفة وحذلقة علم الكلام، وبين الشعوذة والفرق الباطنية القتالة. في هذه اللمحات العابرة نحاول أن نضع أيدينا على مفتاح هذه الشخصية العظيمة وكنه حقيقتها وبعض خصائصها وجهادها العظيم المتواصل ضد أعداء الإسلام بكل أصنافهم وأشكالهم.. نشأته وطلبه للعلم: ولد ابن تيمية بحران من أعمال أورفه في تركيا سنة 661 هـ وهاجر أبواه به وبإخوانه إلى دمشق تخلصا وفرارا من ظلم التتار، وقد لاقوا في هجرتهم متاعب ومصاعب كثيرة لولا عناية الله عزَّ وجلَّ أن وصّلهم بالسلامة. وصل بن تيمية إلى دمشق وهو طفل صغير وكان والده من كبار علماء الحنابلة، فسارع إلى حفظ القرآن الكريم وطلب العلوم الشرعية على اختلاف أنواعها من كبار الشيوخ والمحدثين الذين أدهشهم بقوة ذهنه وفرط ذكائه، ولم يكد يبلغ من العمر بضعة عشر عاما حتى أتقن معظم فنون الشريعة، وحاز قصب السبق فيها، قرأ مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات عديدة، وسمع الكتب الستة الكبار، ومن مسموعاته: (معجم الطبراني الكبير). وأفتى وله من العمر بضعة عشر عامًا. ولم يكتف بالفنون الإسلامية بل تعدى إلى غيرها من الفنون التي كانت سائدة في ذلك العصر، فدرس الفلسفة وعلم الكلام وتعمق فيهما وردّ على أصحابها، والديانات المسيحية واليهودية وكتب فيها كتبا عظيمة، ومن أروع كتبه في المسيحية كتابه العظيم: (الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح) في أربع مجلدات الذي نقض فيه عقائد المسيحية من أساسها، هذه العقلية الجبارة التي أوتيت هذا الذكاء الخارق كان ورائها سر عظيم وهي مراقبة الله في السر والعلانية، والوقوف عند حدوده مع الجد والنشاط والرغبة المخلصة في طلب العلم وإظهاره للأمة على حقيقته. وهذا ما يعبر عنه ابن تيمية عن بنفسه بقوله: "إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل عليّ فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينحل إشكال ما أشكل، وقد أكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي". وهكذا أمضى ابن تيمية حياته في طلبه للعلم حتى أصبح من كبار العلماء يشار إليه بالبنان. ثناء العلماء عليه: كان موضع الإعجاب والإجلال من المنصفين وبمن اجتمع بهم، ويشهد له كبار علماء عصره بالعلم والفضل والجهاد. قال المحدث ابن دقيق العيد - حين رآه واجتمع به وقد كان حجة عصره في الحديث - قال: "رأيت رجلا جميع العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع مما يريد". وقال الحافظ أبوالحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742 هـ: "ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتبع لهما منه". وقال الحافظ كمال الدين الزملكاني - قاضي قضاة الشافعية المتوفى بالقاهرة سنة 727هـ-: «كان ابن تيمية إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لايعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحدًا لا يعرف مثله، وكان من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا من مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين، وقد ألان الله له العلوم كما ألان لداود الحديد».. إلى أن قال فيه: مَاذا يَقولُ الواصِفونَ له وصِفاتُه جلَّت عَنِ الحَصرِ هو حُجَّةٌ للهِ قاهرةٌ هو بيننا أُعجوبةُ الدَّهرِ هو آيةٌ في الخلقِ ظاهرةٌ أنوارُها أَرْبَتْ على الفجرِ [1] وقال فيه شيخ النحاة أبوحيان حين اجتمع به: لمَّا أتانا تقِيُّ الدِّينِ لاحَ لَنا دَاعٍ إِلَى اللهِ فَردٌ ما له وَزَرُ علَى مُحيَّاه مِن سِيما الأُلَى صَحِبُوا خَيرَ البرِيَّةِ نُورٌ دُونَه القَمَرُ حَبْرٌ تَسرْبلَ منه دَهرُه حِبْرًا بَحرٌ تَقاذفُ مِنْ أمْواجِه الدُّررُ قَامَ ابنُ تَيمِيَّةَ فِي نَصْرِ شِرْعتِنا مَقَامَ سَيِّدِ تَيْمٍ إذْ عَصَتْ مُضَرُ وَأظهرَ الحقَّ إذْ أثَارُه دَرَسَتْ وأَخْمدَ الشَّرَّ إذْ طَارتْ له شَرَرٌ كنَّا نُحدَّثُ عَنْ حَبْرٍ يَجِيءُ فَهَا أنت الإِمامُ الَّذِي قَدْ كانَ يُنْتَظرُ وقد أثنى عليه معظم أهلِ عصره أعظم الثناء، والذين ظهر لهم الحق على يديه وحسبنا ما ذكرنا، ولولا ضيق المجال لطال بنا الكلام، ومن أراد التوسع والوقوف على ترجمة هذا الإمام الجليل المجدد العظيم فعليه أن يقف على بعض من ترجم له من معاصريه، مثل: ابن الوردي في "تاريخه"، وابن كثير في "تاريخه" (البداية والنهاية)، وابن الألوسي في "جلاء العينين"، وابن رجب في "طبقاته"، ومحمد بن شاكر الكتبي في "فوات الوافيات"، وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب"، والحافظ الذهبي في كتبه العديدة التي أفاض فيها عن حياته وجهاده والذي وصف مصنفاته بأنها بلغت إلى خمسمائة مجلد. دراسات عن ابن تيمية: وفي القرن الأخير ظهرت دراسات مستقلة وكتب مستفيضة عن هذا الإمام الجليل، بعضها تتناول نواحي معينة من حياته، وبعضها تلم جميع حياته وسيرته وآرائه الفقهية وفتاويه، وممن كتب على سبيل المثال لا الحصر: ♦ العلامة الشيخ رشيد رضا. ♦ الشيخ طاهر الجزائري. ♦ الشيخ منير الدمشقي. ♦ الشيخ حامد الفقي. ♦ الشيخ محب الدين الخطيب. ♦ الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة. ♦ الشيخ محمد نصيف. ♦ الشيخ عبد الصمد شرف الدين. ♦ الشيخ سليمان الصنيع. ♦ الشيخ محمد أبوزهرة. ♦ الشيخ عبد العزيز الراعي. ♦ الشيخ محمد خليل هراس. ♦ الشيخ محمد بهجة البيطار. ♦ الشيخ عبد المالك بن إبراهيم. ♦ الأستاذ الدكتور علي سامي النشار. ♦ الدكتور محمد يوسف موسى. ♦ الأستاذ محمود مهدي الإستانبول. وحتى المستشرفين قد اعتنوا به عناية كبيرة وفي مقدمتهم المستشرق الفرنسي (هنري لاوست) الذي خصه بعناية كبيرة، والذي جعل آرائه السياسية والاجتماعية موضوعًا لإحدى الرسالتين اللتين حصل بهما على الدكتوراه من باريس، كما ترجم بعض مؤلفاته إلى اللغة الفرنسية مع دراسة وتقديم لها، كما تحصل على الدكتوراه من جامعة كمبردج بإنجلترا الدكتور محمد رشاد سالم برسالته التي كان بعنوان «موافقة العقل للنقل عند ابن تيمية»، وقد سافر الدكتور رشاد سالم إلى هولندا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا والهند واطلع على ما أمكنه الإطلاع عليه من مخطوطات ابن تيمية هناك، وصوّر كثيرًا من هذه المخطوطات، ولقي عناءًا كبيرًا في رحلاته وبحوثه هذه، كما مكث مدة طويلة في دمشق نقل كثيرًا من مخطوطات ابن تيمية، وهو عازم على نشر تراث ابن تيمية إن مدَّ الله في أجله وأعانه على مهمته أن يقف جزءًا كبيرًا من جهده على نشر هذه المؤلفات بعد تحقيقيها وإخراجها في أحسن صورة، وتكون مقسَّمةً على ثلاثة أقسام - حسب تقسيمه -: القسم الأول: مؤلفات ابن تيمية وهو المخصص لنشر كل ما ألفه، وهو ينقسم إلى فرعين: الأول: لنشر الكتب الكبيرة. والثاني: لنشر الرسائل والقواعد المختلفة. القسم الثاني: تراجم ابن تيمية ويحاول في هذا القسم نشر كل ما كتب عن سيرة شيخ الإسلام. القسم الثالث: دراسات عن ابن تيمية وفي هذا القسم يتناول آراه المختلفة بالدراسة والتحليل ويهتم بوجه خاص بما يتعلق بالعقيدة والرد على المتكلمين والفلاسفة والفرق المختلفة والصوفية على اختلافها [2] . فنسأله تعالى أن يعين الدكتور على هذا المشروع العظيم، ويبارك في جهوده حتى يخرجه في أحسن صورة، ولا يفوتني هنا أن الحكومة السعودية - وفقها الله - طبعت مؤخرًا " فتاوى ابن تيمية " في خمسة وثلاثين مجلدًا بمطابع الرياض وهذا مشروع عظيم لا يستهان به. [1] العقود الدرية من مناقب بن تيمية للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المتوفى سنة 744هـ. [2] انظر مقدمة كتاب (منهاج السنة) لابن تيمية تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم ص10. |
عرض كتاب: الموت الأسود لجوزيف بيرن • الكتاب: الموت الأسود. • المؤلف: جوزيف بيرن. • ترجمة: عمر سعيد الأيوبي. • الناشر: هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة - مشروع " كلمة ". • سنة النشر: 1436 هـ- 2014 م. • • • • • ضربت أوروبا طوال تاريخ تشكلها موجة من الأوبئة والطاعون ساهمت بشكل كبير في تغير مفاهيم الحياة والموت في المجتمع الأوروبي خلال العصر الحديث، ومن ضمن تلك الجوائح ظاهرة تفشي الموت الأسود أو " الطاعون الدملي " في أوروبا والعالم خريف عام 1347م وهو ما يعرف بالجائحة الثانية للوباء، حيث ضرب الوباء القسطنطينية والإسكندرية ومسينا في صقلية، ثم بدأ بالانتقال إلى أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، وساهم في إبادة الملايين من سكان العالم وقتها. لم تكن الحياة اليومية في أثناء تفشي الطاعون، أو الموت الأسود، طبيعية البتة. فطوال القرون الثلاثة والنصف التي شكّلت ما يعرف بالجائحة الثانية للطاعون الدملي، بين سنتي 1348 و1722، تعرَّضت أوروبا لهجمات الأوبئة المنتظمة التي أعملت فيها الفتك والقتل دون هوادة. وعندما يضرب الطاعون مجتمعًا ما، تنقلب جميع جوانب الحياة رأسًا على عقب، من العلاقات داخل الأسر إلى الهيكل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وفي هذا الكتاب، يحلل " جوزيف بيرن " مسار الجائحة الثانية، وأسباب الطاعون الدملي وطبيعته، ووجهات النظر المتبانية حيال حقيقة الموت الأسود، وأسبابه، وكيف انتشر في أوروبا وشوارعها، ويعرض ظاهرة الطاعون بحسب الموضوعات بالتركيز على الأماكن التي عاش فيها الناس، وعملوا وواجهوا الأهوال في البيت، والكنيسة والمقبرة، والقرية، ومشافي الطاعون، والشوارع والطرقات. ويقود القارئ إلى صفوف كليات الطب التي تدرَّس فيها النظريات الخاطئة بشأن الطاعون، وعبر مهن الأطباء والصيدلانيين الذين حاولوا معالجة الضحايا من دون جدوى، إلى مبنى البلدية ومجالسها التي سعى قادتها للتوصل إلى طرق للوقاية من الطاعون ومعالجته. كما يبحث الأدوية، والأدعية، والصلوات، والأدب، والملابس الخاصة، والفنون، وممارسات الدفن، والجريمة التي تفشّت مع تفشي الوباء. والطاعون الدملي هو مرض جرثومي ينتقل من براغيث القوارض والفئران إلى البشر، وكانت الجائحة الأولى منه التي عرفها العالم باسم "طاعون جستنيان" تفشت في حوض البحر المتوسط، وأودت بحياة ملايين البشر، وتكررت على نحو متقطع بين منتصف القرن السادس ومنتصف القرن الثامن، ونشأت الجائحة الثانية في مكان ما من آسيا الوسطى وظهرت وانتقلت إلى الغرب في سنة 1347م. وبذلك نجد أن نطاق الطاعون الأسود شمل مساحات شاسعة من العالم، وساهم في تغيير خريطة مراكز القوى في العالم، إلى جانب سعة امتداده زمنيًّا، فقد ضربت تلك الموجة العاتية من الطاعون العالمين الإسلامي والمسيحي معًا ما يزيد عن ثلاثة قرون، وانحسرت عن أوروبا في أواخر القرن السابع عشر، لكنها مكثت في شمال أفريقيا والشرق الأدنى حتى وقت متقدم من القرن التاسع عشر. يصف الكاتب الحياة اليومية حال انتشار الطاعون؛ فيقول: «أخذ الموت اليومي يوازن الحياة اليومية التي آلت إلى ما آلت إليه. فاختفت المعارف وظهرت إشارات على الأبواب الأمامية تحذر الزوار وتبعدهم. وحلت النداءات الخشنة « أخرجوا الموتى » محل أصوات البائعين المتجولين في الشوارع الذين يعلنون عن بضائعهم. وسُمع صرير العربات المحملة بجثث الموتى والمحتضرين على طول الشوارع بدلًا من العربات المليئة بالمواد الغذائية الطازجة والسلع الأخرى. ولم تعد النيران توقد للطهي أو التدفئة، وإنما لإحراق أمتعة الضحايا، أو معاقبة المجرمين، أو استدخان ( التعقيم بالدخان ) الجو ( المسموم ) على ما يفترض. وفي مواجهة الوباء، انحسرت الثقة بالأطباء والكهنة الكاثوليك، وتحول كثيرون إلى كتب المساعدة الذاتية الطبية وإلى البروتستنتية. ومع ذلك استمرت الحياة رغم سيادة الموت الأسود، فعدَّل الناس عاداتهم، وافتراضاتهم، واهتماماتهم، وإجراءاتهم المتبعة للتكيف مع الأوقات الاستثتائية. وحافظت الكنائس والمنازل والشوارع والطرقات والأديرة ومباني البلديات والمستشفيات ومشاهد ( الحياة اليومية ) على قدر من حيويتها، على الرغم من التحولات التي طرأت عليها بفعل الجثث، والباحثين، وحاملي الجثث، والمستدخِنين، وأطباء الطاعون، والمحتالين، وحفاري القبور، والساكنين الآخرين في زمن الطاعون. وهذه ( الأماكن ) هي نقاط الاهتمام الرئيسية في جولتنا بالغرب الذي عاث فيه الطاعون تخريبًا وتدميرًا.. وقد نُظّمت فصول الكتاب حول الأنشطة المرتبطة بها، وطرق تحول هذه الأنشطة نتيجة الطاعون وتكرر حدوثه. وهي تستعرض الحياة اليومية في زمن الطاعون بالتجول في أماكن انتشاره وترداد أصداء أموات قاطنيها، من الأطباء إلى الموظفين الحكوميين، ومن كُتَّاب المسرحيات إلى اللاهوتيين، ومن إمبراطور ما إلى دباغ عادي. فالمرض لم يهدد عالم هؤلاء فحسب، وإنما أحدث فيه تغييرًا دائمًا أيضًا»؛ صـ16-18. ونجد الكاتب قد قسَّم كتابه عن الموت الأسود زمنيًّا، برواية أحداث الطاعون الأسود، وتأثيره على الحياة العامة، حيث قسمه إلى تواريخ وإلى أبواب عدة، وأبرز فيه دور الطوائف المختلفة من المجتمع وعلى رأسهم الساسة ورجال الدين، وأبرز طغيان الفكر الكهنوتي في أوروبا في تلك الفترة، ويقدّم " بيرن " أمثلة حيوية من جميع أنحاء أوروبا ويعرّج على العالم الإسلامي أيضًا، ويعرض نصوصًا لشهود عيان وللضحايا أنفسهم حيثما أمكن. وتتناول فصول الكتاب بمزيد من التفصيل مختلف أنواع ممارسي الطب، ومكانة الأطباء في المجتمع، وطرق تعامل هؤلاء الممارسين مع الجائحة الثانية بناء على ما توافر لهم من فهم أو سوء فهم لأسباب الوباء وطبيعته. يقول الكاتب: «تضرع الأتقياء والتقيات، وقدم الكهنة والأطباء الرعاية للمرضى والمحتضرين، وانتقد الأساقفة خطايا البشر التي أغضبت الرب واستنزلت سخطه المتمثل في الطاعون. وبعد انحساره تاب قسم من الناس، واستغل آخرون الضعفاء بلا رحمة، وتنفس الجميع الصعداء بانتهاء البلوى. لكن أهوال الفترة الممتدة بين سنتي 1347 و1352م لم تكن إلا البداية فحسب، ومع أن الطاعون لم يصل ثانية البتة إلى هذا الحد من الانتشار والفتك، فإنه ظل يتفشى بين الحين والآخر بينما أشرفت القرون الوسطى على نهايتها في الغرب، ويبدو حيث تكون السجلات موثوقة أن الطاعون كان يتفشى كل عشر سنين تقريبًا، وأن الوفيات تراوحت بين 10 و20 بالمئة بدلًا من 40 أو خمسين بالمئة. ويبدو أن الموت كان أشد فتكًا بالفتيان من البالغين، وبالنساء من الرجال، مع أنه لم يكن أحد يتمتع بالمناعة، وقد أدى هذا الوضع إلى عدم تزايد السكان لمدة قرن ونصف القرن، لكنه حث أيضًا على إدخال العديد من التغييرات على السياسة العامة التي ترمي إلى التقليل من احتدام الطاعون - أو حتى الوقاية منه، وتراوح ذلك من تحسين المرافق الصحية والرعاية الصحية إلى الحجر الصحي والإنذار المبكر، وتكيّف الحكومات المحلية والملكية مع النظام الجديد الذي يتكرر فيه تفشي الوباء، وحاولت مهنة الطب أيضًا التعامل مع المرض، لكن نظرياتها ومعالجاتها كانت قديمة بالفعل وعديمة الجدوى، مع ذلك واصل كل جيل ثقته في الأطباء وأنظمتهم الغذائية وأدويتهم وتدابيرهم. وعلى الرغم من فشل رجال الدين في درء غضب الرب، فقد واصل الناس ثقتهم أيضًا في المسيحية والإسلام. وللإصلاح الديني الذي أدى إلى انقسام الكاثوليكية في أوائل القرن السادس عشر جذور عميقة في الاستياء الذي أعقب الطاعون، لكنه لم يتطور إلا بعد مرور قرن ونصف القرن على تفشي الوباء لأول مرة». وينتهي الكتاب بإلقاء نظرة وثيقة على طاعون مرسيليا (1720 – 1722)، آخر تفشٍّ رئيسي للطاعون في أوروبا، والإنجازات التي حققتها الأبحاث في نهاية القرن التاسع عشر وأدَّت إلى هزيمة "الطاعون الدملي " في نهاية المطاف . و" جوزيف بيرن " أستاذ مشارك للتاريخ الأوروبي في جامعة بلمونت، ناشفيل، ولاية تنيسي، أجرى العديد من الأبحاث ونشر الكثير من المقالات في مختلف الموضوعات، من الأضرحة الرومانية إلى العمران الأمريكي، غير أنه متخصص في التاريخ الإيطالي في فترة الموت الأسود، ومن كتبه: "موسوعة الطواعين والأوبئة والجوائح "، و" موسوعة الموت الأسود "... وغيرها. |
التِّبيان لما سمعه الإمام النَّووي أو قُرئ عليه أو صنَّفه في شهر رمضان الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فإنَّ إحياء مجالس العلم النَّافع قراءةً وسماعًا وتعلُّمًا وتعليمًا، والاشتغال بالتَّحصيل والإفادة والتَّصنيف؛ نصيحةً لعامَّة المسلمين، يُعدُّ من أسمى مراتب الجُود في شهر رمضان المبارك، اقتداءً بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الذي كان (أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) [متَّفق عليه]. ومن النَّماذج المشرقة التي وقفتُ عليها في هذا الباب: الإمام أبو زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شرف بن مِرَى الحِزَامي النَّووي الدِّمشقي (631 هـ-676 هـ) [1] رحمه الله تعالى وإيَّانا، الذي حضر مجالس علميَّة خلال شهر رمضان الفضيل، وأقام فيه مجالس قراءة وسماع لمصنَّفاته، وابتدأ فيه أو فرغ من تأليف بعض مصنَّفاته القيِّمة. أوَّلًا: من المجالس العلميَّة التي حضرها في شهر رمضان المبارك: مجلسٌ في سماع (كتاب فضائل شهر رمضان وما فيه الأحكام والعلم وفضل صُوَّامه والتَّغليظ على من أفطر فيه متعمِّدًا من غير عذر) [2] للإمام أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين (المتوفَّى 385 هـ) : فقد سَمِعَ هذا الكتاب مع جماعة يوم الثُّلاثاء الخامس من شهر رمضان المبارك سنة 662 هـ في مجلسٍ واحدٍ بجامع دمشق على: الشَّيخ أبي البقاء زين الدِّين خالد بن يوسف بن سعد المقدسي النَّابُلُسِي الدِّمشقي (585 هـ - 663 هـ) ، ورواه عنه بسنده المتَّصل إلى المصنِّف. مجاميع المدرسة العمريَّة بالظَّاهريَّة، رقم (20) ، [203/ أ] بخطِّ أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري ثانيًا: من مجالس العلم والقراءة والسَّماع لمصنَّفاته التي أقامها في هذا الشَّهر المبارك: 1- مجلس سماع لكتابه «الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام»: فقد قرأ العلَّامة أبو الحسن علاء الدِّين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي (المتوفَّى 724 هـ) على شيخه الإمام النَّووي جميع كتابه: «الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام» -وهو ذائع الصِّيت المعروف بـ: «الأربعين حديثًا النَّوويَّة»-، وذلك يوم الثُّلاثاء 12 من شهر رمضان المبارك سنة 673 هـ، فحبَّر له طبقة سماع نفيسة مقرونة بالإجازة [3] ، إليكم صورة عنها ونصّها بحروفها: مكتبة المسجد الأقصى، رقم (62) (ف 95) ، [35/ أ] بخطِّ عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقِي نقل الطَّبقة من خطِّ الإمام النَّووي وبذيلها طبقة سماع بخطِّ ابن العطَّار للدُّقَيقِي [نصُّ طبقة السَّماع التي كتبها الإمام النَّووي لتلميذه العلاء ابن العطَّار يوم الثُّلاثاء 12 رمضان 673هـ] «قَرأَ عَلَيَّ جميعَ هذا الجُزء، صاحبُهُ، كاتبُهُ: الفقيهُ، الفاضلُ، المُحصِّلُ: علاءُ الدِّين، أبو الحَسن، عليُّ بن إبراهيم بن داود الدِّمشقي، المعروف بابن العَطَّار الشَّافعي، وفَّقهُ الله لطاعتهِ، وتولَّاهُ بكرامتهِ، وزيَّنه بالتَّقوى، وجَمعَ لهُ خيراتِ الآخرةِ والدُّنيا، قِراءةً مُجوَّدةً، مُهذَّبةً. وأَنا مُقابل بنُسختي مَعَهُ، في مجلسٍ واحدٍ، يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وستّمائة بالمدرسة الرَّوَاحِيَّة بدمشق، حمَاهَا الله. وأَجزتُ لهُ رواية كُلّ ما يجوزُ لي تَسميعُهُ. كَتَبَهُ، مؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف بن مِرَا [4] بن حَسن بن حُسين بن [محمَّد] [5] بن حِزام النَّواوي، عفا الله عنه، في التَّاريخِ المذكورِ. والحمد لله ربِّ العالمين. اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ، وسلِّم » . 2- مجلس سماع لكتابه «رياض الصَّالحين»: فقد سمع العلَّامة علي ابن العطَّار على شيخه الإمام النَّووي جميع كتابه: «رياض الصَّالحين»، بسماعه لبعضه بقراءة الشَّيخ شهاب الدِّين أحمد بن يحيى المالقي، وبقراءته لباقيه، وسمعه جماعة كاملًا، وآخرون بفوات، وذلك في مجالس آخرها: 28 من شهر رمضان سنة 674 هـ، وكتب ابن العطَّار طبقة سماعه عليه -كما في نسخةٍ خطِّيَّة منقولة عن نسخة عبد الله بن أحمد بن خليل البانياسي الشَّافعي عن نسخة العلَّامة علي ابن العطَّار التي سمعها وقرأها على المصنِّف، ثمَّ أقرأها بدار السُّنَّة النُّوريَّة بمدينة دمشق-، وإليكم صورة عنها ونصّها بحروفها: مكتبة حسين باشا أمجازاده، رقم (279) ، [168/ ب] [نصُّ صورة طبقة سماع رياض الصَّالحين على الإمام النَّووي كتبها ابن العطَّار في 28 رمضان 674 هـ] «الحمد لله ربِّ العالمين. سمعتُ جميع هذا الكتاب -وهو: «رياض الصَّالحين « - من أوَّله إلى باب بيان جماعة من الشُّهداء، بقراءة: الفقيه شهاب الدِّين أحمد بن يحيى بن علي بن أحمد المالقي، والباقي بقراءتي على مصنِّفه شيخنا وسيِّدنا الإمام العالم الرَّباني شيخ الإسلام مفتي الشَّام ناصر السُّنة أبي زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَا النَّووي، أعاد الله علينا بركته. وسمعه جماعة كاملًا، وآخرون بفوات. وصحَّ ذلك في مُدَّة آخرها: الثَّامن والعشرين من شهر رمضان المعظَّم سنة أربع وسبعين وستمائة بدمشق المحروسة. كَتَبَهُ: علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي، عُرف بابن العطَّار، عفا الله عنهم » . ثالثًا: من مصنَّفاته القيِّمة التي ابتدأها أو فرغ منها في هذا الشَّهر المبارك: 1- «إرشاد طلَّاب الحقائق إلى معرفة سنن سيِّد الخلائق صلَّى الله عليه وسلَّم» المعروف اختصارًا بـ:«الإرشاد»: التَّقريب والتَّيسير، مكتبة تشستربيتي، رقم (3271) [38/ أ] فرغ من تصنيفه: ظهر يوم السَّبت 11 رمضان سنة 663 هـ. قال الإمام النَّووي: (فرغتُ منه: الظُّهر يوم السَّبت حادي عشر من شهر رمضان سنة ثلاث وستين وستمائة بالمدرسة الرَّواحيَّة بدمشق، حماها الله وصانها وسائر بلاد الإسلام، أجزتُ رواية هذا الكتاب عنِّي لجميع المسلمين، أجزتُ روايته لجميع المشتغلين بعلم الحديث أو سماعه، أجزتُ روايته لجميع المشتغلين بالفقه من الطَّوائف، كتبه مصنِّفه: يحيى بن شرف النَّواوي، وتلفَّظ بالإجازة، عفا الله عنه، وذلك يوم الخميس الثَّاني والعشرين من شعبان سنة خمس وستين وستمائة) ا.هـ، كما بخطِّ الشَّيخ القاضي شمس الدِّين محمَّد بن عيسى بن محمود ابن المجد البعلي الشَّافعي (المتوفَّى 730 هـ) ، عن حاشية بخطِّ المصنِّف على كتابه (الإرشاد) المختصر منه كتاب (التَّقريب والتَّيسير) . 2- «حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار » المعروف اختصارًا بـ:«الأذكار»: مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524) ، [1/ أ] بخطِّ الجمال داود ابن العطَّار ابتدأ تصنيفه: يوم الخميس 24 رمضان سنة 666 هـ. قال الإمام النَّووي: (ابتدأتُ فيه: يوم الخميس الرَّابع والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وستمائة) ا.هـ، كما بخطِّ تلميذه المجاز منه الشَّيخ أبي سليمان جمال الدِّين داود بن إبراهيم ابن العطَّار (المتوفَّى 752 هـ) ، نقلًا عن نسخة أخيه العلَّامة العلاء علي ابن العطَّار (المتوفَّى 724 هـ) التي قابلها مع المصنِّف ونسخته، وأجازه. 3- «منهاج الطَّالبين»: مكتبة آل عبد القادر بالأحساء، رقم (88/ أ) ، [158/ ب] مكتبة الفاتح، رقم (2184) ، [178/ ب] فرغ من تصنيفه: يوم الخميس 19 رمضان سنة 669 هـ. وُجد على نسخة المصنِّف: (قال مختصره يحيى: فرغتُ منه يوم الخميس التَّاسع عشر من شهر رمضان سنة تسع وستين وستمائة) ا.هـ. ورآه كذلك بخطِّه في آخر الكتاب: الإمام ابن الملقِّن في «عمدة المحتاج إلى شرح المنهاج » (1/ 229) ، والحافظ السُّيوطي في «المنهاج السَّوي » (ص 68) ، والحافظ السَّخاوي في «المنهل العذب الرَّوي » (ص 76) . 4- «رياض الصَّالحين من كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّد العارفين»: مكتبة آيا صوفيا، رقم (1835) ، [261/ ب] بخطِّ الجمال داود ابن العطَّار فرغ من تصنيفه: يوم الاثنين 4 رمضان سنة 670 هـ. قال الإمام النَّووي: (فرغتُ منه: يوم الاثنين رابع [6] شهر رمضان سنة سبعين وستمائة) ا.هـ، كما بخطِّ تلميذه المجاز منه الشَّيخ أبي سليمان جمال الدِّين داود بن إبراهيم ابن العطَّار (المتوفَّى 752 هـ) ، نقلًا عن نسخة أخيه العلَّامة العلاء علي ابن العطَّار (المتوفَّى 724هـ) التي قابلها مع المصنِّف ونسخته، وأجازه. 5- «الإيجاز في المناسك»: مكتبة الإمام نور الدِّين السَّالمي، رقم ( AS 60 ) فرغ من تصنيفه: في أواخر شهر رمضان سنة 670 هـ. قال الإمام النَّووي: (فرغتُ منه: في أواخر شهر رمضان سنة سبعين وستمائة) ا.هـ. ••• تنبيه: قال الجلال السُّيوطي في (المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي) (ص 64) أثناء حديثه عن كتاب (روضة الطَّالبين ومنهاج المفتين) : (ورأيتُ بخطِّه فيها أنَّه ابتدأ في تأليفها: يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستِّين وستمائة) ا.هـ. قلتُ: هذا وَهْمٌ منه رحمه الله تعالى في نقْل الشَّهر، والصَّحيح أنَّه ابتدأ فيه يوم الخميس 25 من شهر شعبان سنة 666 هـ، كما نَقَلَ ذلك ناسخ (الرَّوضة) عبد الكريم بن أبي بكر بن محمَّد بن محمَّد الشَّافعي من خطِّ المصنِّف وأصله في نسخته المحفوظة في المكتبة الظاهرية رقم (2152) [1/ أ]، وجاء في نسخة محفوظة منه في مكتبة آيا صوفيا رقم (1188) [1/ أ]، وهي مقابلة بنسخة قوبل أصلها بنسخة المصنِّف، وورد هذا التَّاريخ بعينه في قيد سماع لكتاب (المجموع) عليه منقول عن خطِّه، ويرجِّح ذلك أنَّ الخامس والعشرين من رمضان تلك السَّنة لا يقع إلَّا يوم الجمعة، بخلافه في شهر شعبان الذي يوافق الخميس، والله أعلم. روضة الطالبين، المكتبة الظاهرية، رقم (2152) [1/ أ] روضة الطالبين، مكتبة آيا صوفيا، رقم (1195) [247/ أ] المجموع، مكتبة آيا صوفيا، رقم (1295) [243/ أ] ••• وهكذا ينبغي للمُسلِم الموفَّق أن يغتنم جميع أوقاته بالعلم النَّافع والعمل الصَّالح لا سيَّما في المواسم المفضَّلة، كما كان شأن علمائنا الرَّبَّانيِّين، جزاهم الله تعالى عنَّا خير الجزاء. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعل سائر أيَّامنا وشهورنا عامرةً بذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجود علينا بما ينفعنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا، وأن ينفع بنا ويجري الخير على أيدينا، بمنِّه وفضله وجوده وكرمه وإحسانه. والحمد لله ربِّ العالمين. [1] أفرده جماعة من المتقدِّمين والمتأخِّرين بالتَّرجمة في تصنيفٍ مستقلٍّ، كـ: «تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين« لتلميذه الخاص ابن العطَّار، وهو عُمدة كل من أتى بعده، و«ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي« لتقي الدِّين اللَّخْمي، و«بغية الرَّاوي في ترجمة الإمام النَّواوي« لابن إمام الكامليَّة، و«المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي« للسُّيوطي، و«المنهل العذب الرَّوي في ترجمة قطب الأولياء النَّووي« للسَّخاوي، و«الإمام النَّووي« لعلي الطَّنطاوي، و«الإمام النَّووي شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدِّثين وصفوة الأولياء والصَّالحين« لعبد الغني الدقر، و«الإمام النَّووي وأثره في الحديث وعلومه« لأحمد الحداد، و«الإمام النَّووي شيخ المحدِّثين والفقهاء« لكامل عويضة، أما من ترجم له ضمن كتاب من غير إفراد، فـ (استيفاء الكلام في هذا المعنى يَعسُر) ا.هـ كما نصَّ السَّخاوي في «المنهل العذب الروي« (ص 198). [2] من المؤسف حقًّا أنَّ النُّسخة الخطِّيَّة أعلاه لهذا الكتاب تتضمَّن سماعات نفيسة أغفلتها جميع الطَّبعات. [3] من المصادفات أنَّ الذي نقل لنا هذه الطَّبقة -وهو الشَّيخُ مجد الدِّين عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقِي الواسطي، نقلها من خطِّ الإمام النَّووي على نسخة علي ابن العطَّار- قد فرغ من نَسخِهِ لكتاب: «الأربعين حديثًا النَّووية» في يوم السَّبت 3 رمضان سنة 706 هـ، وقرأ جميعه على شيخه ابن العطَّار، وقابله بأصله المسموع على الإمام النَّووي، في مجلس واحد يوم الأحد 14 رمضان سنة 706 هـ، وأجازه بجميع ما يجوز له روايته. [4] (مِرَى، مِرَا): بكسر الميم، وفتح الرَّاء الـمُهملة المخفَّفة، بعدها ألِف مقصورة تارةً، وألِف ممدودة تارةً أُخرى، وهو الضَّبط الصَّحيح لاسم جدِّه الذي لا يحتمل غيره، كما فصَّلتُ ذلك في مقالة مُفردة بعنوان: (رفع المِرَا عن ضبط اسم جَدِّ الإمام النَّووي: مِرَا). [5] في الأصل (محمود)، والمثبت أعلاه بين معقوفتين هو الصَّواب كما بخطِّ تلميذه العلاء ابن العطَّار في نسخه لكتاب «روضة الطَّالبين»، و«تحفة الطَّالبين» (ص 39). [6] هذا هو التَّاريخ الصَّحيح الذي وصلنا بخطِّ تلميذه المجاز منه الجمال داود بن إبراهيم ابن العطَّار نقلًا عن نسخة أخيه العلَّامة العلاء علي التي قابلها مع المصنِّف ونسخته وأجازه، وهو المطابق لليوم والتَّاريخ من السَّنة، أمَّا ما ورد في بعض النُّسخ الخطِّيَّة -مثل: نسخة مكتبة حسين باشا أمجازاده، رقم (279)، [168/ ب]، ونسخة مكتبة قليج علي باشا، رقم (702)، [202/ أ]، ونسخة مكتبة آيا صوفيا، رقم (1836)، [232/ ب]، وغيرها- أنَّه فرغ منه في الرَّابع عشر، فهو غلطٌ بيقين، تصحَّفَت فيه (شهر) إلى (عشر)، ويرجِّح ذلك أنَّ الرَّابع عشر من رمضان تلك السَّنة لا يقع إلَّا يوم الخميس، بخلاف الرَّابع منه الذي يوافق الاثنين، وهو اليوم المتَّفق عليه بين سائر النُّسخ، والذي أوقعهم في هذا التَّصحيف هو الاختلاط بين (شهر) و(عشر)، فَهُمَا متشابهتان من حيث الرَّسم وعدد الحروف وشكلها، والله أعلم. |
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ودعوة إلى قراءته هذا كتابٌ مهمٌّ جمعَ مِنْ علوم القرآن قدراً وفيراً، واستقاه مؤلِّفُه من مصادر كثيرة تجاوزتْ (٥٠٠) مصدر. وقد فرغ منه يومَ السبت ١٣ من شوال سنة (٨٧٨)، (ولم يبلغ الثلاثين من عمره) سوى أشياء ألحقها بعد ذلك، كما جاء في نسخة تلميذه العلامة الداودي، التي هي أصلُ النسخة الموجودة في وزارة الأوقاف بالكويت. وقد كُتبتْ منه نسخٌ في حياة مؤلفه، وطُلب من البلاد [1] . ومن النُّسخ التي وصلتْ إلينا نسخة كتبها تلميذُ المؤلف جَرامُرْد الناصري -وهو مِنْ مماليك السلطان الأشرف قايتَباي-، وكان مِنْ محبي السيوطي وطلابه وملازميه والأوفياء له، وقد قرأ عليه "ألفية الحديث"، و"اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة" (في إبرازته الثانية)، وكان حاضراً عند السيوطي حين أملى آخر كتابٍ له -وهو "التنقيح في مسألة التصحيح"- قبل موته بأيام، (كما جاء في نسخة جستربيتي)، وكانت وفاته (أعني السيوطي) سنة (٩١١). ♦♦♦♦♦ سقتُ هذا لأقول: إنَّ جَرامُرْد الناصري هذا قرأ كتابَ "الإتقان في علوم القرآن" على مؤلِّفه في (٦٩) مجلساً، وأجاز له روايته عنه، وإجازةً عامةً في ذي القعدة سنة (٨٨٣)، ووصفه بأوصاف عالية، منها أنه نادرةُ أبناء جنسه. وتقع نسخته في (٤٧٢) صفحة، في كل صفحة (٢٩) سطراً، فيكون قرأ في كل مجلس (٧) صفحات تقريباً. وقد طُبِعتْ في (٢٤٥٧) صفحة -مع التعليق- فيكون نصيب كل مجلس (٣٥) صفحة ونصفاً. وعلى حواشي النسخة زياداتٌ، يبدو أنها التي كان المؤلِّفُ يلحقها، وهذا يدلُّ على حرصِ جَرامُرْد ودقتهِ ومتابعتهِ لمسيرة الكتاب. ♦♦♦♦♦ آلتْ هذه النسخةُ النفيسةُ بخط جَرامُرْد إلى المكتبة الآصفية بحيدر آباد في الهند، (وسيرُ المخطوطات في الأرض عجيبٌ)، واتخذَها مركزُ الدراسات القرآنية في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة أصلاً في طبعتهم، ومنها أفدتُ وصفَها. وأدعو نفسي وإخواني إلى قراءة هذا الكتاب في شهر رمضان، ولنعتمدْ هذه الطبعة فهي أفضلُ طبعاتهِ. ♦♦♦♦♦ وأعودُ إلى وصول هذه النسخة إلى (الهند) فأقول: إنَّ وزير ملك الهند العالم نعمة الله اليزدي سافر إلى مصر سنة (٨٨٩)، وبقي إلى سنة (٨٩٠)، وزارَ السيوطي في بيته في "الروضة" -على شاطئ النيل-، وقرأ عليه، واشترى (الإتقان) وأخذَه معه، فهل يُحتمل أن تكون النسخة التي اشتراها هي نسخة جَرامُرْد؟ رُبما، والله تعالى أعلم. ♦♦♦♦♦ وأقولُ أخيراً: رحمَ اللهُ السيوطي وتلميذَه المخلصَ جَرامُرْد، وكتب لهما أجرَ بثِّ العلم ونشرهِ. [2] [1] ومن أفضل الدراسات عنه ما كتبه الشيخ الدكتور حازم سعيد حيدر في رسالته للدكتوراه: "علوم القرآن بين البرهان والإتقان". [2] ليلة الخميس ٧ من شهر رمضان المبارك ١٤٤١ه. |
ترجمةُ العلاَّمةِ المفسِّرِ الأصُوليِّ محمَّدِ الأمينِ الشَّنْقيطيِّ [1] أولًا: اسْمُه ونسبُه: هو محمدُ الأمينُ بنُ محمدِ المختارِ بنِ عبدِ القادرِ بنِ محمدِ بنِ أحمدَ نوحِ بنِ محمدِ بنِ سَيِّدِي أحمدَ بنِ المختارِ. من أولادِ الطالبِ أوبك، الذي هو من أولادِ كريرِ بنِ الموافِي بنِ يعقوبَ بنِ جاكن الأبر، جد القبيلةِ المعروفةِ بالجكنيين، والتي يَرْجِعُ نَسَبُهَا إلى حِمْيَرَ. ثانيًا: مَوْلِدُهُ وَنَشْأَتُهُ: وُلِدَ الشيخُ (رحمه الله) سنةَ (1325هـ) عندَ ماءٍ يُسَمَّى (تَنْبَة) من أعمالِ مديريةِ (كيفا) من موريتانيا. وقد نشأ الشيخُ (رحمه الله) يَتِيمًا؛ إذ تُوُفِّيَ والدُه وهو صبيٌّ صغيرٌ لا زَالَ يقرأُ في جزءِ عمَّ من القرآنِ الكريمِ. فَتَرَعْرَعَ الغلامُ في بيتِ أخوالِه الذين هُمْ من بَنِي عمومته؛ ذلك أن والدتَه كانت ابنةَ عمِّ أبيه، وكان ذلك البيتُ الذي تَرَبَّى فيه الشيخُ (رحمه الله) يزخرُ بمزيدٍ من العلمِ فضلًا عمَّا يكتنفُ تلك البيئةَ من قُطْرِ شنقيطَ عمومًا من انتشارٍ للعلمِ وَذَوِيهِ، والأدبِ وأربابِه، والفروسيةِ ورجالاتها. وكان أبوه قد خَلَّفَ له ثروةً من المالِ والحيوانِ، ولم يُخَلِّفْ وَلَدًا سِوَاهُ. يقول الشيخُ (رحمه الله) متحدثًا عن بعضِ أيامِ الصِّبا: «كنتُ أَمِيلُ إلى اللَّعِبِ أكثرَ من الدراسةِ، حتى حفظتُ الحروفَ الهجائيةَ، وبدؤوا يُقْرِئُونَنِي إياها بالحركاتِ (ب فتحة بَا، ب كسرة بِي، ب ضمة بُو) وهكذا.. فقلتُ لهم: أَوَكُلُّ الحروفِ هكذا؟ قالوا: نَعَمْ، فقلتُ: كفى، إني أستطيعُ قِرَاءَتَهَا كُلَّهَا على هذه الطريقةِ؛ كي يتركوني، فقالوا: اقْرَأْهَا. فقرأتُ بثلاثةِ حروفٍ أو أربعةٍ، وتنقَّلْتُ إلى آخِرِهَا بهذه الطريقةِ، فعرفوا أني فهمتُ قَاعِدَتَها، واكتفوا مني بذلك، وتركوني، ومن ثم حُبِّبَتْ إِلَيَّ القراءةُ» اهـ. ولما أتم العاشرةَ من عمرِه فَرَغَ من حفظِ القرآنِ الكريمِ على خالِه عبدِ اللَّهِ بنِ محمدٍ المختارِ بنِ إبراهيمَ بنِ أحمدَ نوحٍ. ثالثًا: طَلَبَهُ لِلْعِلْمِ: بعدَ أن أَتَمَّ حفظَ القرآنِ في سِنِّ العاشرةِ تَعَلَّمَ رسمَ المصحفِ العثمانيِّ على ابنِ خالِه، وهو سيدي محمدِ بنِ أحمدَ بنِ محمدٍ المختار، كما قرأَ عليه التجويدَ في مَقْرَأِ نافعٍ، بروايةِ وَرْشٍ، من طريقِ أبي يعقوبَ الأزرقِ، وقالون من روايةِ أبي نشيطٍ، وأخذَ عنه سَنَدًا بذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وكان قد بلغَ من العمرِ ستةَ عشرَ عامًا. كما دَرَسَ أثناءَ تلك القراءةِ بعضَ المختصراتِ في الفقهِ على مذهبِ الإمامِ مالكٍ، كرجزِ ابن عَاشِرٍ، كما درسَ الأدبَ مع شيءٍ من التوسعِ على زوجةِ خالِه، وأخذَ عنها إضافةً إلى الأدبِ: مبادئَ النحوِ كالآجرومية، وبعضِ التمرينات، كما أخذَ عنها بتوسعٍ: أنسابَ العربِ وأيامَهم، والسيرةَ النبويةَ، ونظم الغزوات لأحمد البدوي الشنقيطي- وهو يَرْبُو على خمسمائة بيتٍ مع شَرْحِهِ لابنِ أختِ المؤلفِ المعروفِ بحماد- ودرسَ عليها أيضا نظمَ عمودِ النسبِ للمؤلفِ نفسِه، وهو نظمٌ طويلٌ يُعَدُّ بالآلافِ، بالإضافةِ إلى شرحِه لابنِ أختِ المؤلفِ (القدر المتعلق بالعدنانيين). كُلُّ ذلك حَصَّلَهُ في بيتِ أخوالِه!! وقد أَخَذَ عن غيرِهم الفقهِ المالكيِّ من مختصرِ خليلٍ، والنحوَ من ألفيةِ ابنِ مالكٍ وغيرِها، والصرفَ، والأصولَ، والبلاغةَ، وشيئًا من الحديثِ، والتفسيرِ. أما المنطقُ وآدابُ البحثِ والمناظرةِ فكان تحصيلُه لها عن طريقِ المطالعةِ. يُحَدِّثُنَا الشيخُ (رحمه الله) عن بدايةِ الطلبِ فيقول: «وَلَمَّا حَفِظْتُ القرآنَ، وأخذتُ الرسمَ العثمانيَّ، وتفوَّقْتُ فيه على الأقرانِ، عُنِيَتْ بي والدتي وأخوالي أَشَدَّ عنايةٍ، وعزموا على توجيهي للدراسةِ في بقيةِ الفنونِ، فجهَّزَتْنِي والدتي بِجَمَلَيْنِ، أحدهما عليه مَرْكَبِي وَكُتُبِي، والآخَرُ عليه نَفَقَتِي وَزَادِي، وصحبني خادمٌ ومعه عدةُ بقراتٍ، وقد هَيَّأَتْ لي مركبي كأحسنِ ما يكونُ من مركبٍ، وملابسَ كأحسنِ ما تكونُ، فَرَحًا بي، وَتَرْغِيبًا لي في طلبِ العلمِ، وهكذا سَلَكْتُ سبيلَ الطلبِ والتحصيلِ» اهـ. رَابِعًا: هِمَّتُهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ: كان الشيخُ (رحمه الله) يتمتعُ بهمةٍ عاليةٍ في طلبِ العلمِ، فَلَمْ يكن يُفَوِّتُ مسألةً مما دَرَسَ دونَ استيعابٍ وتمحيصٍ، وإن كَلَّفَهُ ذلك جهودًا مضنيةً وأوقاتًا طويلةً، وإليك هذه الواقعةَ التي تُنَادِي بما ذكرتُ، يقولُ الشيخُ (رحمه الله): «جِئْتُ للشيخِ في قراءتِي عليه، فَشَرَحَ لي كما كان يشرحُ، ولكنه لم يَشْفِ ما في نفسي على ما تَعَوَّدْتُ، ولم يَرْوِ لي ظَمَئِي، وقمتُ من عنده وأنا أَجِدُنِي في حاجةٍ إلى إزالةِ بعضِ اللبسِ، وإيضاحِ بعضِ المُشْكِلِ، وكان الوقتُ ظُهْرًا، فأخذتُ الكتبَ والمراجعَ، فَطَالَعْتُ حتى العصرِ، فلم أَفْرَغْ من حاجتِي، فعاودتُ حتى المغربِ، فلم أَنْتَهِ أيضًا، فَأَوْقَدَ لِي خَادِمي أعوادًا من الحطبِ أقرأُ على ضَوْئِهَا، كعادةِ الطلابِ، وواصلتُ المطالعةَ، وأتناولُ الشاي الأخضرَ كُلَّمَا مَلِلْتُ أو كَسِلْتُ، والخادمُ بجواري يوقدُ الضوءَ، حتى انبثقَ الفجرُ وأنا في مجلسي لم أَقُمْ إلا لصلاةِ فرضٍ أو تناولِ طعامٍ، وإلى أن ارتفعَ النهارُ وقد فَرَغْتُ من درسي وزالَ عني لَبْسِي، ووجدتُ هذا المحلَّ من الدرسِ كغيره في الوضوحِ والفَهْمِ» اهـ. هكذا كان يصنعُ (رحمه الله) حينما يعرضُ له إشكالٌ!! بالإضافةِ إلى ما كانَ يكابدُه من سهرٍ في تَتَبُّعِ كلامِ الشُّرَّاحِ للكتابِ الذي يشتغلُ بدراستِه طَلَبًا لاستيفاءِ كُلِّ ما قِيلَ في المسألةِ أو البابِ. خَامِسًا: غَزَارَةُ عِلْمِهِ وَسِعَةُ اطِّلاَعِهِ: حَبَا اللَّهُ الشيخَ (رحمه الله) ذكاءً مُفْرطًا، وحافظةً نادرةً، وهمةً عاليةً، فَسَخَّرَ ذلك كُلَّهُ في تحصيلِ العلمِ وجَمْعِه بمختلفِ فنونِه وصنوفِه، من عقيدةٍ، وتفسيرٍ، وحديثٍ، وأصولٍ، وعربيةٍ وكان كلامُه في العلمِ يَشُدُّ كُلَّ مَنْ سَمِعَهُ، حتى يُخَيَّلَ للسامعِ أن الشيخَ أَفْنَى عمرَه في ذلك الفنِّ ولا يُحْسِنُ غيرَه! وهذه ليست من المبالغةِ في شيءٍ، وَمَنْ قَرَأَ كتابَه: "الرحلة"، أو سَمِعَ شيئًا من محاضراتِه ومناظراتِه، سواءً في المدينةِ النبويةِ، أو ما سُجِّلَ له إبِّانَ زيارتِه لعشرِ دولٍ إفريقيةٍ على رأسِ وَفْدٍ من الجامعةِ عَرَفَ حقيقةَ ما ذَكَرْتُ، كما أن دروسَه الْمُسَجَّلَةَ في التفسيرِ أكبرُ شاهدٍ على ذلك. ولقد صدقَ (رحمه الله) حينما قال: «لاَ توجدُ آيةٌ في القرآنِ إلا دَرَسْتُهَا عَلَى حِدَةٍ» اهـ. وقال: «كُلُّ آيَةٍ قال فيها الأَقْدَمُونَ شيئًا فهو عِنْدِي»!! ولما قال له أحدُ الأشخاصِ: «إن سليمانَ الجَمَلِ- صاحبَ حاشيةِ الجَمَلِ على الجَلاَلَيْنِ- لم يَقُلْ هَذَا». قال: «أَحْلِفُ لكَ باللَّهِ أني أعلمُ بكتابِ اللَّهِ من سليمانَ الجملِ بكذا؛ لأني أخذتُ المصحفَ من أَوَّلِهِ إلى آخِره، ولم تَبْقَ آيةٌ إلا تَتَبَّعْتُ أقوالَ العلماءِ فيها، وعرفتُ ما قالوا». وكان (رحمه الله) يحفظُ من أشعارِ العربِ وشواهدِ العربيةِ الآلافَ المؤلفةَ من الأبياتِ، كما كان يحفظُ أكثرَ أحاديثِ الصحيحين، وألفيةَ ابنِ مالكٍ، وَمَرَاقِي السعودِ، وألفيةَ العراقي، وغيرَ ذلك من المنظوماتِ في السيرةِ النبويةِ، والغزواتِ، والأنسابِ، والمتشابِه من ألفاظِ القرآنِ، وشيئًا من المتونِ في الفقهِ نَثْرًا ورَجَزًا. وَمَنْ سَمِعَ شيئًا من دروسِ التفسيرِ لم يَسْتَكْثِرْ ذلك عليه. سَادِسًا: عَقِيدَتُهُ: إن من الأمورِ البارزةِ التي تَشُدُّ انتباهَ المستمعِ لدروسِ الشيخِ (رحمه الله) أو القارئِ لهذا المكتوبِ منها، كثرةَ تقريرِه لاعتقادِ أهلِ السنةِ والجماعةِ في جميعِ الأبوابِ الاعتقاديةِ- خاصةً ما يتعلقُ بالأسماءِ والصفاتِ- فهو يُقَرِّرُ ذلك كُلَّهُ بعبارةٍ واضحةٍ على قواعدَ راسخةٍ مع حشدٍ من الأدلةِ النقليةِ والعقليةِ، حتى إن المستمعَ لكلامِه أو القارئَ له يُخيَّلُ إليه أن الشيخَ (رحمه الله) لا يُحْسِنُ غيرَ هذا البابِ من العلمِ. وَمَعَ تَوَسُّعِ الشيخِ (رحمه الله) في تقريرِ عَامَّةِ هذه المسائلِ وإفاضتِه في الاحتجاجِ للمعتقَد الحقِّ فيها، كانَ لا يَكِلُّ ولا يَمَلُّ من تَكْرَارِ ذلك عند كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، فنجدُ أنه يتكلمُ في بيانِ الأُسُسِ الثلاثةِ التي يُبْنَى عليها المعتقدُ الصحيحُ في الصفاتِ في ثمانيةِ مواضعَ من هذه الدروسِ التي وَصَلَتْ إلينا، وهكذا كلامُه على موضوعِ التشريعِ وَالْحُكْمِ بغيرِ ما أنزل اللَّهُ، وكذا عند بيانِ اختصاصِ اللَّهِ تعالى بعلمِ الغيبِ، كما نجدُ الردَّ على القدريةِ في سبعةِ مواضعَ، وكذا عَرْضُ المناظرةِ بين الإسفرائيني والقاضي عبدِ الجبارِ في الْقَدَرِ، وفي ستةِ مواضعَ يُقَرِّرُ صفةَ الاستواءِ، وفي مِثْلِهَا يذكرُ المحاورةَ التي وَقَعَتْ بين الأعرابيِّ وعمرِو بنِ عُبَيْدٍ في القدرِ، إلى غيرِ ذلك مما يتكررُ في هذه الدروسِ المباركةِ من مسائلِ الاعتقادِ. وهذا التقريرُ لمسائلِ الاعتقادِ لا يقتصرُ على الدروسِ التي كان يُلْقِيهَا في التفسيرِ في مسجدِ رسولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- بل نَجِدُهَا مبثوثةً في كُتُبِهِ، لا سيما «أضواء البيان» [2] . ولم يكن تَمَكُّنُ الشيخِ (رحمه الله) مُقْتَصِرًا على اعتقادِ أهلِ السنةِ، بل هو راسخُ المعرفةِ بمذاهبِ المتكلمين ووجوهِ بُطْلاَنِهَا، وهذا ظاهرٌ بجلاءٍ فيما يُقَرِّرُهُ في هذه الدروسِ وفيما ذَكَرَهُ في كُتُبِهِ، وقد قال (رحمه الله) عندَ تفسيرِ الآيةِ رقمِ (54) من سورةِ الأعرافِ، وهي قولُه تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ [الأعراف: آية 54] [يونس: 3] بعد تقريرِه للمعتقدِ الصحيحِ في بابِ الصفاتِ وبيانِ بُطْلاَنِ مذهبِ المتكلمين في ذلك: «ونحنُ نقولُ لكم هذا وَنُقَرِّرُ لكم مذهبَ السلفِ على ضوءِ القرآنِ العظيمِ مع أنَّا ما دَرَسْنَا دراسةً شديدةً مثل علومِ الكلامِ والمنطقِ، وما تَنْفِي به كُلُّ طائفةٍ بَعْضًا من صفاتِ اللَّهِ، ونحن مُطَّلِعُونَ على جميعِ الأدلةِ وعلى تَرْكِيبِهَا التي نُفِيَ بها بعضُ الصفاتِ، عارفونَ كيف جاءَ البُطْلاَنُ، ومن الوجهِ الذي جاءَ البُطْلاَنُ، واسمُ الدليلِ الذي تُرِدُ به، ولكن ذلك لا يَلِيقُ في هذا المجلسِ الحافلِ؛ لأنه لا يَعْرِفُهُ إلا خَوَاصُّ الناسِ، فبعدَ النظرِ العامِّ الطويلِ في علمِ الكلامِ وما يستدلُّ به طوائفُ المتكلمين، وما تَرُدُّ به كُلُّ طائفةٍ على الأخرى، والأقيسةِ المنطقيةِ التي رَتَّبُوهَا وَنَفَوْا بها بعضَ الصفاتِ، ومعرفتنا من الوحيِ ومن نَفْسِ الكلامِ والبحوثِ والمناظراتِ كيف يَبْطُلُ ذلك الدليل، ومن أين جاء الخطأُ، وَتَحَقَّقْنَا من هذا كُلِّهِ، بعد ذلك كُلِّهِ تَحَقَّقْنَا كُلَّ التحققِ أن السلامةَ كُلَّ السلامةِ، والخيرَ كُلَّ الخيرِ في اتباعِ نورِ هذا القرآنِ العظيمِ، والاهتداءِ بِهَدْيِ هذا النبيِّ الكريمِ...» إلخ. وبعدَ هذا العرضِ بَقِيَ أن تعلمَ أن الشيخَ (رحمه الله) لم يَحْصُلْ له هذا الرسوخُ في هذا البابِ في أُخْرَيَاتِ حياتِه بل تجدُ ذلك أيضا في بعضِ مؤلفاتِه القديمةِ قبل استقرارِه في هذه البلادِ، ومن ذلك ما كَتَبَهُ في كتابِه: (رِحْلَةُ الْحَجِّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ) جوابًا على سؤالٍ وُجِّهَ إليه عَنْ مذهبِ أهلِ السنةِ في الصفاتِ فأجابَ بنفسِ الأسلوبِ والمستوى الذي كان يُقَرِّرُ فيه اعتقادَ أهلِ السنةِ في هذا البابِ في أخرياتِ حياتِه. فَرَحِمَهُ اللَّهُ رحمةً واسعةً. سَابِعًا: الْوَظَائِفُ وَالأَعْمَالُ الَّتِي تَقَلَّدَهَا فِي بِلاَدِهِ: تَصَدَّى الشيخُ (رحمه الله) للتدريسِ وَالْفُتْيَا، كما اشْتُهِرَ بالقضاءِ، وكانت طريقتُه فيه أن يَسْتَكْتِبَ الْمُتَقَاضِيَيْنِ رَغْبَتَهُمَا في التقاضِي إليه، وقبولهما ما يَقْضِي به، ثم يستكتبُ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ، ويكتبُ جوابَ الْمُدَّعَى عليه أسفلَ كتابةِ الدَّعْوَى، ثم يكتبُ الحكمَ مع الدعوى والإجابةَ، ثم يُحِيلُهُمَا إلى مَنْ شَاءَا من المشايخِ أو الحكامِ للتصديقِ عليها وتنفيذِها. وكان يقضي في كُلِّ شيءٍ إلا في الدماءِ والحدودِ؛ إِذْ كان للدماءِ قضاءٌ خاصٌّ، وكان الحاكمُ الفرنسيُّ في البلادِ يقضي بالقصاصِ في القتلِ بعدَ محاكمةٍ وَمُرَافَعَةٍ، وبعدَ تمحيصِ القضيةِ وإنهاءِ المرافعةِ، وصدورِ الحكمِ يُعْرَضُ على عَالِمَيْنِ من علماءِ البلادِ للمصادقةِ عليه، ويطلقُ على الْعَالِمَيْنِ: لجنةُ الدماءِ، وكان (رحمه الله) أحدَ عُضْوَيْ هذه اللجنةِ. ولم يَخْرُجِ الشيخُ (رحمه الله) من بلادِه حتى عَلاَ قَدْرُهُ، وذاعَ صِيتُهُ، وَعَظُمَتْ مَنْزِلَتُهُ بين الخاصِّ والعامِّ والقاصِي والدَّانِي، وصارَ عَلَمًا من أعلامِ البلادِ، وموضعًا لثقةِ الجميعِ. ثَامِنًا: سَفَرُهُ إِلَى الْحَجِّ وَاسْتِقْرَارُهُ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَثَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاحِيَةِ الْعِلْمِيَّةِ: سَافَرَ الشيخُ (رحمه الله) من بلادِه لسبعٍ مَضَيْنَ من جُمَادَى الآخرةِ، من سنةِ سبعٍ وستين وثلاثِمائةٍ وألفٍ، قاصدًا الحجَّ عن طريقِ البرِّ على نيةِ العودةِ بعدَ ذلك إلى البلادِ، وقد كانت تلك السَّفْرَةُ حافلةً بالفوائدِ والمباحثاتِ العلميةِ القَيِّمَةِ التي تُبَرْهِنُ على رسوخِ الشيخِ في العلمِ، وطولِ بَاعِهِ فيه، يُسلِّمُ بذلك كُلُّ مَنْ قَرَأَ ما دَوَّنَهُ في تلك الرحلةِ بعنوانِ: «الرِّحْلَةُ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ». وبعدَ فراغِ الشيخِ من مناسكِ الحجِّ تَوَجَّهَ صوبَ المدينةِ النبويةِ، ثم عزمَ على البقاءِ والاستقرارِ فيها، وكان (رحمه الله) يقول: «لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ أعظمَ من تفسيرِ كتابِ اللَّهِ في مسجدِ رسولِ اللِّهِ- صلى الله عليه وسلم-». وقد كان لاستقرارِه في هذه البلادِ أثرٌ ظاهرٌ في زيادةِ اطِّلاَعِهِ، وتوسيعِ دائرةِ عِلْمِهِ؛ ذلك أن الدراسةَ في بلادِه كانت مُنْصَبَّةً على الفقهِ في مذهبِ الإمامِ مالكٍ خاصةً دونَ غَيْرِهِ من المذاهبِ، إضافةً إلى علومِ العربيةِ، والأصولِ، والسيرةِ، والتفسيرِ، والمنطقِ، ولم تَكُنْ دِرَاسَةُ الحديثِ تَحْظَى بما يَحْظَى به غيرُها؛ لاقتصارِ الناسِ على مذهبِ مَالِكٍ (رحمه الله). فلما بدأ الشيخُ (رحمه الله) يزاولُ التدريسَ في المسجدِ النبويِّ، وخالطَ العامةَ والخاصةَ أَلْفَى مَنْ يُمَثِّلُ المذاهبَ الأربعةَ، وَمَنْ يُنَاقِشُ فيها، ويبحثُ عن الدليلِ ويتطلبُه، كما وجدَ الدراسةَ في المسجدِ النبويِّ لا تَقْتَصِرُ على مذهبٍ مُعَيَّنٍ، فكان من الْمُتَعَيَّنِ على مَنْ تَصَدَّرَ للتدريسِ في مثلِ هذه البيئةِ الاطلاعُ على سائرِ المذاهبِ الْمُعْتَبَرَةِ، والوقوفُ على أقوالِ العلماءِ في المسألةِ، مع التضلعِ بعلومِ الكتابِ والسنةِ، فَدَأَبَ الشيخُ (رحمه الله) في تحصيلِ ذلك، وقد سَاعَدَهُ على هذا التوسعِ تَمَكُّنُهُ من علومِ الآلةِ. وإن هذا الأثرَ المشارَ إليه تَجِدُهُ بارزًا في كتابِه: «أَضْوَاءُ الْبَيَانِ» عندما يتعرضُ للمسائلِ الفقهيةِ. تَاسِعًا: الأَعْمَالُ الَّتِي زَاوَلَهَا (رَحِمَهُ اللَّهُ) بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِي بِلاَدِ الْحَرَمَيْنِ: 1- تفسيرُ القرآنِ الكريمِ في المسجدِ النبويِّ، وقد أَتَمَّ تفسيرَ جميعِ القرآنِ، ثم شَرَعَ في تفسيرِه ثانيةً- كما ذكر ذلك في بعض دروسه- إلا أن المنيةَ وافته، فَمَاتَ (رحمه الله) ولم يُجَاوِزْ سُورَةَ بَرَاءَةٍ. 2- تدريسُ التفسيرِ في (دَارِ الْعُلُومِ) في المدينةِ النبويةِ منذ عامِ (1369 هـ) إلى أن انتقلَ إلى الرياضِ عامَ (1371 هـ). 3- تدريسُ التفسيرِ والأصولِ منذُ سنةِ (1371 هـ) حينما افْتَتَحَتِ الإدارةُ العامةُ للمعاهدِ والكلياتِ بالرياضِ معهدًا عِلْمِيًّا، تَلاَهُ عدةُ معاهدَ، وَكُلِّيَّتَا الشريعةِ واللغةِ العربيةِ، وكان الشيخُ (رحمه الله) ممن اخْتِيرَ للتدريسِ هناك، فانتقلَ إلى الرياضِ، وبقي يُدَرِّسَ هناك حتى انتقلَ إلى المدينةِ كما سيأتي. ♦ تدريسُ بعضِ مؤلفاتِ شيخِ الإسلامِ (رحمه الله) حيثُ خَصَّصَ الشيخُ (رحمه الله)- إضافةً إلى ما سَبَقَ- دَرْسًا لِمُدَرِّسِي المعهدِ في بعضِ كتبِ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ (رحمه الله)، وكان ذلك في صَحْنِ المعهدِ بِدَخْنَةَ بين العِشَاءَيْنِ. ♦ تدريسُ الأصولِ، وذلك في مسجدِ الشيخِ محمدِ بنِ إبراهيمَ (رحمه الله) حيث كان الأمينُ (أكرمَ اللَّهُ مَثْوَاهُ) يُدَرِّسُ الأصولَ لكبارِ الطلبةِ. ♦ تدريسُ الأصولِ لخواصِّ تلامذتِه في بَيْتِهِ بعدَ العصرِ، كما أَمْلَى على أَحَدِ تلامذتِه شرحًا لـ «مَرَاقِي السُّعُودِ». 4- التدريسُ في الجامعةِ الإسلاميةِ منذ سنةِ (1381 هـ) حينما افْتُتِحَتِ الجامعةُ الإسلاميةُ بالمدينةِ النبويةِ، فانتقلَ الشيخُ (رحمه الله) للتدريسِ فيها، إضافةً إلى كَوْنِهِ عضوًا في مَجْلِسِهَا، وقد اسْتَمَرَّ على ذلك يُدَرِّسُ التفسيرَ والأصولَ حتى وَافَاهُ الأَجَلُ، كما دَرَّسَ فيها آدابَ البحثِ والمناظرةِ. 5- السَّفَرُ في الدعوةِ إلى اللَّهِ (تعالى) وذلك في عامِ (1385 هـ) حيث سَافَرَ الشيخُ (رحمه الله) على رأسِ بعثةٍ من الجامعةِ الإسلاميةِ إلى عشرِ دولٍ إفريقيةٍ، بَدَأَتْ بالسودانِ، وانتهت بموريتانيا، وكانت سفرتُه هذه حافلةً بالدروسِ والمحاضراتِ، واللقاءاتِ العلميةِ، والمباحثاتِ النافعةِ، وقد كانت مدةُ تلك السفرةِ تزيدُ على الشهرين، وقد سُجِّلَتْ هذه المحاضراتُ في عدةِ أشرطةٍ، وفُرِّغَتْ واعْتُنِيَ بها وَطُبِعَتْ بعنوانِ: "الرِّحْلَةُ إِلَى أَفْرِيقْيَا". 6- التدريسُ في المعهدِ العاليِ للقضاءِ منذُ افتتاحِه سنةَ (1386 هـ) في مدينةِ الرياضِ، وكانت الدراسةُ فيه آنذَاك على نظامِ استقدامِ الأساتذةِ الزائرين، فكان (رحمه الله) يذهبُ هناك لإلقاءِ المحاضراتِ المطلوبةِ في التفسيرِ والأصولِ. 7- في (8/ 7/1391 هـ) تم تَشْكِيلُ هيئةِ كبارِ العلماءِ من سبعةَ عشرَ عضوًا، وكان الشيخُ (رحمه الله) واحدًا من هؤلاء الأعضاءِ. 8- كان الشيخُ (رحمه الله) أحدَ أعضاءِ المجلسِ التأسيسيِّ لرابطةِ العالمِ الإسلاميِّ. عَاشِرًا: زُهْدُهُ وَوَرَعُهُ: إن الْعَالِمَ بِحَقٍّ مَنْ حَمَلهُ عِلْمُهُ على خشيةِ اللَّهِ (عز وجل) وَمُرَاقَبَتِهِ، مع مجانبةِ أعمالِ السفهاءِ من التكالبِ على الدنيا، والتهارشِ عليها، والتشاغلِ بها عن اللَّهِ والدارِ الآخرةِ. وإن المرءَ ليشتدُّ عَجَبُهُ حينما يقفُ على حالِ الشيخِ (رحمه الله) في هذا البابِ، حتى يُخَيَّلَ إليكَ أن المترجمَ واحدٌ من أولئك السلفِ الصالحِ الْمُقْتَدَى بهم في العلمِ والعملِ والزهدِ والورعِ. كان الشيخُ (رحمه الله) يقول: «الَّذِي يُفْرِحُنَا أنه لو كانت الدنيا مَيْتَةً لأباحَ اللَّهُ منها سَدَّ الخَلَّةِ» «ويُحَذِّرُ ابنَه مِنْ جَمْعِهَا والحرصِ عليها بحجةِ التصدقِ، وبناءِ المدارسِ والأربطةِ؛ لأنها كالماءِ الملحِ، وَاللَّهُ عز وجل لم يُوجِبْ على العبدِ جمعَ المالِ من أجلِ التصدقِ به، مع أن الواقعَ في الغالبِ أن العبدَ إذا جَمَعَ المالَ لا يُعْطِيهِ للناسِ» [3] . وقال الشيخُ (رحمه الله): «وأنا أَقْدَرُ الناسِ على أن أكونَ أَغْنَى الناسِ، وَتَرَكْتُ الدنيا لأني أعلمُ أنه إذا تلطخَ بها العبدُ لا يَنْجُو منها، إلا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ». وكان الشيخُ (رحمه الله) لا يُبْقِي عندَه من المالِ إلا ما يَكْفِيهِ في الشهرِ، ويوزعُ ما زَادَ على ذلك على فقراءِ الطلبةِ والعجزةِ والأراملِ من قرابتِه، وكان يقول: «وَاللَّهِ لو عندي قوتُ يَوْمِي ما أخذتُ رَاتِبًا من الجامعةِ، ولكنني مُضْطَرٌّ، لا أعرفُ أشتغلُ بيدي، وأنا شايبٌ ضعيفٌ». ولم يكن الشيخُ (رحمه الله) يبيعُ كُتُبَهُ التي أَلَّفَهَا، وكان يقول: «عِلْمٌ نَتْعَبُ عليه ويباعُ وأنا حَيٌّ؟ لا يمكنُ هذا، ولكن أنا أَدْفَعُ العلمَ، وواحدٌ يدفعُ الفلوسَ، وَيُوَزِّعُ للناسِ مجانًا، وأنا أعلمُ أنه سيصلُ إلى مَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهُ، ولكن سيصلُ أيضا إلى مَنْ لاَ يستطيعُ الحصولَ عليه بالفلوسِ» [4] . بل كان الشيخُ (رحمه الله) لا يميزُ بَيْنَ فئاتِ العملةِ الورقيةِ، وكان يقول: «لقد جئتُ من البلادِ ومعي كَنْزٌ قَلَّ أن يوجدَ عند أحدٍ، وهو القناعةُ، ولو أردتُ المناصبَ لَعَرَفْتُ الطريقَ إليها، فإني لا أُوثِرُ الدنيا على الآخرةِ، ولا أبذلُ العلمَ لنيلِ المآربِ الدنيويةِ». والشيخُ (رحمه الله) مِنْ أَبْعَدِ الناسِ عنايةً بالمظهرِ، وربما خَرَجَ بِنَعْلَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ أَحَدُهُمَا أحمرُ والآخرُ أخضرُ. يقول الشيخُ محمدُ العثيمين (رحمه الله): «كُنَّا طُلاَّبًا في المعهدِ العلميِّ في الرياضِ، وكنا جَالِسِينَ في الفصلِ، فإذا بشيخٍ يدخلُ علينا إذا رأيتَه قلتَ: هذا بَدَوِيٌّ من الأعرابِ، ليس عندَه بضاعةٌ مِنْ عِلْمٍ!! رَثُّ الثيابِ، ليس عليه آثارُ الهيبةِ، لا يهتمُّ بمظهرِه، فَسَقَطَ مِنْ أَعْيُنِنَا، فتذكرتُ الشيخَ عبدَ الرحمنِ السعديَّ، وقلتُ في نفسي: أتركُ الشيخَ عبدَ الرحمنِ السعديَّ وأجلسُ أمامَ هذا البدويِّ؟! فلما ابْتَدَأَ الشنقيطيُّ دَرْسَهُ انْهَالَتْ علينا الدُّرَرُ من الفوائدِ العلميةِ من بحرِ عِلْمِهِ الزَّاخِرِ، فَعَلِمْنَا أننا أمامَ جَهْبَذٍ من العلماءِ، وَفَحْلٍ من فحولها، فَاسْتَفَدْنَا من عِلْمِهِ وَسَمْتِهِ وَخُلُقِهِ وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ» [5] اهـ. وَقَدِمَ إلى الرياضِ في بعضِ زياراتِه لمعهدِ القضاءِ، وعليه ثوبٌ مبتذلٌ، فَلَمَّا كَلَّمَهُ أحدُ تلامذتِه في ذلك أجابه بقوله: «يَا فُلاَنُ، القضيةُ ليست بالثيابِ، وإنما ما تحتَ الثيابِ من العلمِ» وقد صَوَّرَ الشافعيُّ (رحمه الله) هذا المعنَى بقوله: عَلَيَّ ثَيِابٌ لَوْ تُبَاعُ جَمِيعُهَا بِفِلْسٍ لَكَانَ الفِلْسُ مِنْهُنَّ أَكْثَرَا وَفِيهِنَّ نَفْسٌ لَوْ تُقَاسُ بِبَعْضِهَا نُفُوسُ الْوَرَى كَانَتْ أَجَلَّ وَأَكْبَرَا وَمَا ضَرَّ نَصْلَ السَّيْفِ إِخْلاَقُ غِمْدِهِ إِذَا كَانَ عَضْبًا حَيْثُ وَجَّهْتَهُ فَرَى فَإِنْ تَكُنِ الأَيَّامُ أَزْرَتْ بِبَزَّتِي فَكَمْ مِنْ حُسَامٍ فِي غِلاَفٍ تَكَسَّرَا [6] الْحَادِي عَشَرَ: مُؤَلَّفَاتُهُ: ترك لنا الشيخُ (رحمه الله) مجموعةً من المؤلفاتِ، وهي من جهةِ التعلقِ بزمنِ التأليفِ على ثلاثةِ أقسامٍ: القسمُ الأولُ: ما أَلَّفَهُ في بلادِه وهي: 1- نَظْمٌ فِي أنسابِ العربِ، سَمَاهُ: (خَالِصُ الْجُمَانِ فِي ذِكْرِ أَنْسَابِ بَنِي عَدْنَانَ). وقد أَلَّفَهُ قبلِ البلوغِ، ثم دَفَنَهُ بعدَ ذلك، مُعَلِّلًا هذا الصنيعَ بأنه كَتَبَهُ على نيةِ التفوقِ على الأقرانِ. وقد قال فيه: سَمَّيْتُهُ بِخَالِصِ الْجُمَانِ فِي ذِكْرِ أَنْسَابِ بَنِي عَدْنَانِ. 2- رَجَزٌ فِي فُرُوعِ مَذْهَبِ مَالِكٍ (رحمه الله)، يختصُّ بالعقودِ من البيوعِ والرهونِ، وهو يُعَدُّ بِالآلاَفِ. (مَخْطُوطٌ). 3- أَلْفِيَّةٌ فِي الْمَنْطِقِ (مَخْطُوطٌ). 4- نَظْمٌ فِي الْفَرَائِضِ (مَخْطُوطٌ). الْقِسْمُ الثَّانِي: ما كَتَبَهُ أو أَمْلاَهُ في طريقِه إلى الحجِّ وهو قادمٌ من بلادِه: 1- شَرْحٌ عَلَى سُلَّمِ الأَخْضَرِيِّ في المنطقِ (مخطوطٌ). 2- رحلةُ الحجِّ إلى بيتِ اللَّهِ الحرامِ (طُبِعَ بعدَ وفاتِه بعشرِ سنواتٍ). الْقِسْمُ الثَّالِثُ: ما كَتَبَهُ في هذه البلادِ: 1- مَنْعُ جَوَازِ الْمَجَازِ في الْمُنَزَّلِ لِلتَّعَبُّدِ وَالإِعْجَازِ (مَطْبُوعٌ). 2- دَفْعُ إِيهَامِ الاِضْطِرَابِ عَنْ آيِ الْكِتَابِ (مَطْبُوعٌ). وقد كَتَبَهُ الشيخُ (رحمه الله) في خمسَ عشرةَ ليلةً، وهي إجازةُ الامتحاناتِ عامَ (1373 هـ). 3- مذكرةُ أصولِ الفقهِ على روضةِ الناظرِ (مَطْبُوعٌ). وقد أَمْلاَهَا على طلابِه في كُلِّيَّةِ الشريعةِ التي افْتُتِحَتْ في الرياضِ عامَ (1374 هـ) فَأَمْلاَهَا في السنواتِ الأُولَى من تدريسِه في الرياضِ. 4- آدَابُ البَحْثِ والمناظرةِ (مَطْبُوعٌ). وقد فَرَغَ من الجزءِ الأولِ بتاريخِ (28/ 03/1388 هـ) كما فَرَغَ من الجزءِ الثانِي بتاريخِ (14/ 05/1388 هـ). 5- أَضْوَاءُ الْبَيَانِ في إيضاحِ القرآنِ بالقرآنِ (بلغَ فيه سورةَ: قَدْ سَمِعَ) وهو أكبرُ كُتُبِهِ وأعظمُها (مَطْبُوعٌ). 6- بَيَانُ الناسخِ والمنسوخِ في آيِ الذكرِ الحكيمِ (مَطْبُوعٌ فِي آخِرِ أَضْوَاءِ الْبَيَانِ). وهي رسالةٌ صغيرةٌ تقعُ في نحوِ أربعِ صفحاتٍ وَنِصْفٍ، وهي عبارةٌ عن شرحٍ للأبياتِ العشرةِ التي ذَكَرَهَا السيوطيُّ في "الإتقانِ" في الآياتِ المنسوخةِ. 7- شَرْحٌ على مَرَاقِي السعودِ (مَطْبُوعٌ). أَمْلاَهُ على أحدِ تلامذتِه، وهو الشيخُ أحمدُ بنُ محمد الأمين الشنقيطيُّ، وقد فَرَغَ منه بتاريخِ (22/ 07 /1375 هـ) وكان قد شَرَحَ جميعَ الْمَرَاقِي، لَكِنَّ قِطْعَةً من النظمِ تقربُ من أربعةٍ وستين ومائةِ بيتٍ لم يُدَوَّنْ شَرْحُهَا. وقد طُبِعَ هذا الكتابُ بعنوانِ: «نَثْرُ الْوُرُودِ عَلَى مَرَاقِي السُّعُودِ» وهذه التسميةُ من مُحَقِّقِهِ لأَنَّ المؤلفَ لم يُسَمِّهِ. وللشيخِ (رحمه الله) عددٌ من الفتاوى والأجوبةِ على أسئلةٍ وُجِّهَتْ إليه، فَمِمَّا عُرِفَ منها: 8- فتوى في التعليلِ بالحكمةِ والسائلُ هو الشيخُ عبدُ الله بنُ منيع. 9- وجهةُ نظرٍ في حُكْمِ السَّعْيِ فوقَ سقفِ الْمَسْعَى. 10- رسالةٌ فِي حُكْمِ الصلاةِ في الطائرةِ (مَخْطُوطٌ). وهي رسالةٌ صغيرةٌ تقعُ في سِتِّ صفحاتٍ، كَتَبَهَا عَامَ (1385 هـ). 11- رسالةٌ في جوابِ سؤالٍ وَرَدَ إليه مِنْ أَحَدِ أمراءِ بلادِ شنقيطَ، يسألُه عن العَالَمِ هل هو مخلوقٌ ومرزوقٌ من بركةِ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم-، أو ذلك بأسبابٍ أُخْرَى؟ ويقعُ الجوابُ في سِتَّ عشرةَ صفحةً. 12- رسالةٌ في جوابِ سؤالاتٍ ثلاثةٍ، مُقَدَّمَةٌ من الشيخِ محمدِ الأمينِ ابن الشيخِ محمد الخضر، والسؤالاتُ هي: أ- أَيْنَ مَقَرُّ العقلِ في الإنسانِ؟ ب- هَلْ يشملُ لفظُ (المشركين) أهلَ الكتابِ؟ ج- هَلْ يجوزُ للكافرِ أن يدخلَ مساجدَ اللَّهِ غيرَ المسجدِ الحرامِ. ويقعُ الجوابُ في إحدى عشرةَ صفحةً. وللشيخِ (رحمه الله) العديدُ من المحاضراتِ، وقد طُبِعَ بعضُها، ومن ذلك: 13- مَنْهَجُ التشريعِ الإسلاميِ وَحِكْمَتُهُ. أَلْقَاهَا عامَ (1384). 14- الْمُثُلُ الْعُلْيَا. 15- الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ. 16- الإسلامُ دينٌ كاملٌ، وهي شرحٌ لقوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ﴾ الآيةَ، وكانت بالمسجدِ النبويِّ عامَ (1378)، بحضورِ محمدٍ الخامسِ مَلِكِ المغربِ. 17- مَنْهَجٌ ودراساتٌ لآياتِ الأسماءِ والصفاتِ. وقد أَلْقَاهَا (رحمه الله) في الجامعةِ الإسلاميةِ بتاريخِ (13/ 09/1382هـ). 18- محاضرةٌ حولَ شبهةِ الرقيقِ، ألقاها نيابةً عنه تلميذُه الشيخُ عطيةُ سالم في الموسمِ الثقافيِّ بالجامعةِ الإسلاميةِ. الثَّانِيَ عَشَرَ: تَجَافِيهِ عَنِ الْفُتْيَا فِي أُخْرَيَاتِ حَيَاتِهِ: غَلَبَ على الشيخِ (رحمه الله) في السنواتِ الأخيرةِ من حياتِه التحرزُ الشديدُ من الْفُتْيَا والتباعدُ عنها، وكان إذا اضْطَرَّهُ أحدٌ إلى الجوابِ يقولُ: «لاَ أَتَحَمَّلُ فِي ذِمَّتِي شَيْئًا، العلماءُ يقولونَ كَذَا وَكَذَا». وَلَمَّا سُئِلَ عن ذلك أجابَ بقولِه: «إن الإنسانَ في عافيةٍ ما لم يُبْتَلَ، والسؤالُ ابْتِلاَءٌ؛ لأنكَ تقولُ عن اللَّهِ ولا تدري أتصيبُ حُكْمَ اللَّهِ أم لا؟ فما لم يكن عليه نَصٌّ قَاطِعٌ من كتابِ اللَّهِ أو سنةِ رسولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- وَجَبَ التحفظُ فيه». وكان يتمثلُ بقولِ الشاعرِ [7] : إِذَا مَا قَتَلْتَ الشَّيْءَ عِلْمًا فَقُلْ بِهِ وَلاَ تَقُلِ الشَّيْءَ الَّذِي أَنْتَ جَاهِلُهْ فَمَنْ كَانَ يَهْوَى أَنْ يُرَى مُتَصَدِّرًا وَيَكْرَهُ «لاَ أَدْرِي» أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهْ ولاَ يَخْفَى أن هذا الصنيعَ- أَعْنِي التحرزَ من الفُتْيَا- هو حالُ السلفِ الصالحِ، والمنقولُ عنهم في هذا المجالِ كثيرٌ لا يسعُ المقامُ نقلَه، فَلْيُرَاجَعْ فِي مَظَانِّهِ [8] . الثَّالِثَ عَشَرَ: رُجُوعُهُ لِلْحَقِّ إِذَا ظَهَرَ لَهُ ذَلِكَ: لم يكن الشيخُ (رحمه الله) مِمَّنْ يأنفُ من إعلانِ رجوعِه إلى الحقِّ إذا تَبَيَّنَ له ولو كان القولُ الذي رَجَعَ عنه قد أَذَاعَهُ وَنَشَرَهُ وانتصرَ له سنينَ متطاولةً، وهذا نَجِدُهُ جَلِيًّا عندَ كلامِ الشيخِ (رحمه الله) على الآيةِ رقمِ (5) من سورةِ براءةٍ حين تَعَرَّضَ للكلامِ على القتالِ في الأشهرِ الْحُرُمِ حيث يقولُ: «وكنا نَرَى هذا القولَ - وهو نسخُ تحريمِ القتالِ فيها - مَكَثْنَا كثيرًا من الزمنِ ونحنُ نَنْصُرُ هذا القولَ ونقررُ أنه الأصوبُ، ثم ظَهَرَ لنا بعدَ ذلك أن أصوبَ القولين وَأَوْلاَهُمَا بالصوابِ أن تحريمَ الأشهرِ الْحُرُمِ بَاقٍ لم يُنْسَخْ» اهـ. وقال عندَ تفسيرِ الآيةِ رقم (34) من السورةِ نفسِها: «وَقَدْ ذَكَرْنَا أن الذي كانَ يظهرُ لنا وننصرُه أن تحريمَ الأشهرِ الحرمِ قد نُسِخَ، وأن الذي تَحَقَّقْنَاهُ بعدَ ذلك وَصِرْنَا نجزمُ به أنها باقيةُ التحريمِ إلى الآن...» اهـ. ومن ذلك عدةُ مسائلَ كان يُقَرِّرُهَا في "شرحِ مَرَاقِي السعودِ" ثم يُخَالِفُهَا ويتراجعُ عنها في "أَضْواءِ الْبَيَانِ". الرَّابِعَ عَشَرَ: وَفَاتُهُ: تُوُفِّيَ الشيخُ (رحمه الله) ضُحَى يومِ الخميسِ، السابعَ عشرَ من شهرِ ذِي الحجةِ، عامَ ثلاثٍ وتسعينَ وثلاثِمائةٍ وألفٍ، في منزلِه في مكةَ المكرمةِ، وقد صَلَّى عليه سماحةُ الشيخِ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ بعدَ صلاةِ الظهرِ من ذلكَ اليومِ، ودُفِنَ بمقبرةِ المَعْلاَة برِيْعِ الحَجُونِ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً. المصدر: مقدمة كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير للشنقيطي، ط دار عالم الفوائد مكة المكرمة، الطبعة الثانية 1426 هـ [1] مصادر الترجمة: ترجمة تلميذه الشيخ عطية سالم، وهي مطبوعة في آخر أضواء البيان، «علماء ومفكرون عرفتهم» للمجذوب (1/ 171)، «ترجمة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي» للسديس، «جهود الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف» للطويان (رسالة ماجستير مقدمة في الجامعة الإسلامية عام 1412هـ ثم طُبِعت في مجلدين عن مكتبة العبيكان) وغيرها. [2] وقد جُمع في ذلك رسالة علمية مقدمة إلى الجامعة الإسلامية. [3] هذا الكلام خلاصة لبعض كلام الشيخ (رحمه الله) رواية ابنه الشيخ عبد الله. [4] قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "فقه النوازل- رسالة حق التأليف": (2/ 183): "قلت له- أي للشيخ الشنقيطي- لو طُبع أضواء البيان طبعة تجارية لكان أكثر لانتشاره, فقال: "لا أُتاجر في البيان لكتاب الله تعالى, وما أظن أحدًا يجترئ على كتابي فيبيعه فأدعو عليه إلا أن تصيبه الدعوة. هكذا شافهني وأنا بجانبه في المسجد النبوي الشريف- رحمه الله تعالى- " اهـ. [5] مجلة الحكمة، العدد الثاني، ص22. [6] الأبيات في ديوانه ص43- 44 سوى الأخير، وهو في الحلية (9/ 131). [7] البيت الأول في جامع بيان العلم (2/ 842)، بلا نسبة. [8] انظر: الفقيه والمتفقه (2/ 165 - 175)، جامع بيان العلم (2/ 826 - 843). وَلَمَّا حاولَ أحدُ تلامذتِه- وهو أحمدُ بنُ محمد الأمين الذي شَرَحَ له مَرَاقِيَ السعودِ- ثَنْيَهُ عن الحجِّ في العامِ الذي تُوُفِّيَ فيه لِضَعْفِ صِحَّتِهِ أَجَابَهُ بقوله: «دَعْ عَنْكَ المحاولةَ، سَفَرِي إلى لَنْدَنَ أريدُ الشفاءَ بها لا بدَّ أن أُكَفِّرَ عنه بِحَجٍّ». وماتَ الشيخُ (رحمه الله) ولم يُخَلِّفْ شيئًا من حُطَامِ الدنيا، فَرَحِمَهُ اللَّهُ رحمةً واسعةً. |
صور خالدة من بطولة المرأة العربية نسيبة بنت كعب المازنية سيدة امتلأت كرمًا ونبلًا، وفاضت شجاعةً وحماسةً، وازدانت بكل ما يزين المرأة من قلب رقيق وحساسة قوية وعطف شديد، كما تحلت بإقدام الرجال وحزمهم. خرجت هي وزوجها زيد بن عاصم وولداها عبد الله وحبيب في ذلك النيف والسبعين من الأنصار يوم العقبة الثانية يريدون رسول الله المصطفى يبايعونه مستخفين لئلا يؤذيهم الجاهلون، فبايعوه والناس نيام في ثلث الليل الأخير في اليوم الأوسط من أيام التشريق من السنة الثالثة للبعثة؛ وعادوا إلى المدينة ووجوههم تطفح بالبشر بما نالوا من خير، وقلوبهم ترقص طربًا بما نفحهم الحق سبحانه من نوره، من نعمة الإيمان ونور الهدى. كان يوم أحد - يوم تلك الغزوة التي كاد أن يقضى فيها على المسلمين - فأظهرت نسيبة - رضوان الله عليها - من رباطة الجأش والاستبسال في القتال ما لم يكن للأبطال المذاويد من فرسان العرب المغاوير. فقد التحم الجيشان وكانت الدائرة - أول الأمر - على المشركين فمال المسلمون على الغنائم وشغلتهم الأسلاب؛ فتجمع المشركون ثانية وزحفوا عليهم زحفة أطارتهم كلَّ مطارٍ، ولم يبق حول رسول الله إلا نفر قليل فيهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وسعد، وطلحة، والزبير، ونسيبة هذه، وزوجها، وابناها. وما أن رأت نسيبة دم المصطفى يسيل على وجهه، ورباعيته قد كسرت ودخلت حلقة المغفر في رأسه حتى طرحت قربتها التي كانت تسقي منها العطاش وانتضت مهنَّدًا تقاتل دون الرسول ببسالة وإقدام فائقين حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: «ما ألتفتُ يمينًا وشمالًا إلَّا وأنا أراها تقاتل دوني». ولقد جُرح ابنها عمارة في عضده اليسرى ضربه رجل كأنه الرقل ( النخلة ) ومضى عنه فجعل الدم ينزف فقال رسول الله، اعصب جرحك فأقبلت أمه ومعها حقائب في حقويها قد أعدتها للجراح والنبي واقف ينظر فضمدت جرحه وقالت انهض بني فضارب القوم! فجعل النبي يقول: «ومن يطيق ما تطيقين يا أم عمارة»، وإذا بضارب ابنها يظهر فقال المصطفى: «هذا ضارب ابنك». فاعترضت له وضربت ساقه فبرك فابتسم الرسول وقال: «استقدتِ يا أمَّ عمارة»، ثم أخذت تعل الرجل بالسلاح حتى أتت عليه. فقال الرسول: «الحمد لله الذي ظفرك، واقرَّ عينك من عدوك، وأراك ثأرك بعينك». وقد جُرِحت اثني عشر جرحًا وهي لا تعنى حتى ضربها ابن قمئة ضربةً غائرة في عنقها، فنادى رسول الله عمارة: «أمُّك! أمُّك، أعصبْ جرحَها، بارك الله عليكم من أهل البيت، مقامُ أمِّك خير من مقامِ فلان وفلان» فلما سمِعتْه قالتْ: «ادعُ الله أن نرافقَك في الجنَّة»، فقال: «اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة». فقالت: «ما أبالي ما أصابني في الدنيا». ولنستمع إليها تحدثنا عن بلائها ذلك اليوم، قالت: خرجتُ أول النهار وأنا انظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء فانتهيتُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزتُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقمتُ أباشر القتال عنه بالسيفِ وأرمي عن القوس حتى خلَصتِ الجراحُ إليَّ. قالت راوية الحديث: فرأيتُ على عاتقِها جرحًا أجوف له غور فقلت من أصابك بهذا؟ قالت: ابن قمئة أقمأه الله لما ولىَّ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يقول دلوني على محمدٍ فلا نجوتُ إن نجا، فاعترضتُ له أنا ومصعب بن عمير وأناس ممن ثبت مع رسول الله فضربني بهذه الضربة، ولقد ضربته ضربات ولكن عدو الله كانت له درعان. وهناك موقف آخر من مواقف بطولتها الخالدة يوم خرج خالد بن الوليد في جيش فيه ولداها لقتال مسيلمة الحنفي. فأسر مسيلمة ابنها حبيبًا فعذبه وأراد فتنته عن دينه، ولكن أنى لهذا الشهم الكريم سلسل تلك السيدة الكريمة الباسلة التي غرست فيه الشمم وقوة الإيمان يوم إن أرضعته. أنى له أن يفتن في دينه أو يصبأ عن عقيدته. روى ابن هشام في " السير " ما نصه: «... وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة صاحب اليمامة، فجعل يقول له: أتشهد أن محمَّدًا رسول الله؟ فيقول: نعم، فيقول: أفتشهد إني رسول الله؟ فيقول: لا اسمع. فجعل يقطع منه عضوًا عضوًا حتى مات في يده لا يزيد على ذلك: إذا ذُكر رسول الله آمن به وصلى عليه، وإذا ذُكر مسيلمة قال: لا اسمع، فلما بلغها هذا خرجت إلى اليمامة مع المسلمين فباشرت الحرب بنفسها حتى قتل الله مسيلمة ورجعت وبها اثنا عشر جرحًا ما بين طعنة وضربة. هذه هي نسيبة بنت كعب التي كانت مثلًا عاليًا في التضحية والإقدام، والبسالة والنبل. على أنها ما كانت لتقتصر على هذا فقد كان لها نصيب وافر من العلم فقد روت عن النبي وحدثت كما في "الإصابة". فهلَّا تحذوها أوانسُ اليوم اللائى نسين واجباتهنَّ وفرَّطنَ في كل شي عدا زينتهن وترفهنَّ. فلتأتسِ الشابات الكرائم بنُسَيبة ذلك العصر، ولطيفة هذا الوقت ليقمن بما عليهنَّ لهذا البلد الأمين فينشئن له من فلذات أكبادهنَّ رجالًا أولي قوَّةٍ، شدادًا صلابًا ينقذونه مما هو فيه. المصدر: مجلة الرسالة، العدد: 29 - بتاريخ: 22 - 01 – 1934 م |
تفسير القرآن لمحمد بن سعد كاتب الواقدي صدر حديثًا كتاب "تفسير القرآن" ، لأبي عبدالله محمد بن سعد كاتب الواقدي (ت250هـ على الصحيح)، جمعه ورتبه وخرج أحاديثه وآثاره: "أبو الحسن علي بن أحمد الرازحي "، من إصدارات "دار أجيال التوحيد "، و "دار الدليقان" . وهذا التفسير منتخب من طبقاته المطبوعة بملحقاتها، ومجلداتها كلها 13 مجلدًا، ويعتبر لبنة مهمة في التفسير بالمأثور حيث بلغ أحاديثه وآثاره 435 حديثًا وأثرًا مرتبة محكومًا عليها بما تستحقه. وهذا التفسير ليس تفسيرًا مأثورًا لابن سعد صاحب كتاب " الطبقات " الشهير، وإنما هو جمع لما روى ابن سعد في " طبقاته " عمن روى لهم روايات تفسيرية، وطريقة المحقق أن يأتي بالسورة، ثم يأتي بموضع الأثر من كتاب " طبقات ابن سعد " ثم يذكر الأثر بإسناده كاملًا كما هو، ثم يعلق عليه ما يحتاجه ويعضده من الناحية الحديثية، كأن يبين إسناده أو أن به علة وما شابه ذلك، وإذا كان الحديث طويلًا، يختصر على محل الشاهد، وكامل الكتاب فيما يتعلق بالمنقولات الأثرية في " الطبقات " لابن سعد. ومما لا شك فيه أن ابن سعد - رحمه الله - قد حاز مكانة عليّة، وحظى بالقبول والرضا لدى أهل العلم، متقدّمين ومتأخرين، ووصفه غير واحد منهم بأنه من أهل العلم والفضل، وأحد المصنّفين المجيدين، وأحد الحفّاظ الكبار، وكتابه ( الطبقات الكبرى ) خير شاهد على ذلك. ومكانته عند المحدّثين من حيث الجرح والتعديل، مقبولة حيث لم يوجد من تكلم فيه سوى يحيى بن معين، وهو من شيوخه المباشرين له، غير أن العلماء لم يحملوا عبارة يحيى بن معين على ظاهرها، ووجهوها توجيهات أخرى ودافعوا عن ابن سعد - رحمه الله - بما يليق بحاله. فقال الخطيب البغدادي: "ومحمد بن سعد عندنا من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته، ولعل مصعبًا الزبيري ذكر ليحيى عنه حديثًا من المناكير التي يرويها الواقدي فنسبه إلى الكذب". وقال السمعاني: "لعل الناقل عن ابن معين غلط أو وهم؛ لأنه من أهل العدالة، وحديثه يدل على صدقه، فإنه يتحرى في كثير من رواياته". وقال الذهبي: "هذه لفظة ظاهرها عائد إلى الشئ المحكي، ويحتمل أن يقصد بها ابن سعد، لكن ثبت أنه صدوق". ولعلّ ابن سعد - رحمه الله - أُوتي من قبل شيخه الواقدي، وإكثاره من الرواية عنه - ومعلوم حال الواقدي عند المحدّثين -، كما أشار إلى ذلك الخطيب في جوابه السابق، وقد أفصح ابن الصلاح عن ذلك بقوله: "هو ثقة، غير أنه كثير الرواية عن الضعفاء، ومنهم الواقدي، وهو محمد ابن عمر". وقال السخاوي عند ذكره لابن سعد: "وهو في نفسه ثقة... والمرء قد يضعف بالرواية عن الضعفاء مثل هؤلاء، لا سيما مع عدم تمييزهم، ومع الاستغناء عنهم بمن عنده من الثقات الأئمة". وفي الجملة فإن كلام ابن معين في ابن سعد مُجملٌ غير مفسّر، ومعلوم أن ابن معين من المتعنتين في الجرح، وقد قابل كلامه توثيق أئمة معتبرين في هذا الشأن، وعلى رأسهم أبو حاتم الرازي حيث قال: "يصدق، رأيته جاء إلى القواريري، وسأله عن أحاديث، فحدّثه". قال تلميذه الحسين بن الفهم - في ترجمته التي أضافها إلى الطبقات -: "كان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه". وقال ابن النديم: "كان ثقة مستورًا عالمًا بأخبار الصحابة والتابعين". وقال النووي: "وهو ثقة، وإن كان شيخه الواقدي ضعيفًا". وقال ابن خلكان: "كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلاء، وكان صدوقًا ثقة". وقال الذهبي: "الحافظ العلامة الحجة". وقال أيضًا: "كان من أوعية العلم، ومن نظر في الطبقات خضع لعلمه". وقال مرّةً: "الإمام الحبر". وقال ابن الجزري: "حافظ مشهور". وقال الحافظ ابن حجر: "أحد الحفاظ الكبار الثقات المتحرّين". وقال ابن تغري بردي: "كان إمامًا فاضلًا عالمًا حسن التصانيف". وكتاب "الطبقات الكبير" له، من أهم الكتب التي ألفت في الطبقات وتراجم الرجال، ولم يسبقه في هذا الموضوع إلا "كتاب الطبقات" لشيخه الواقدي، غير أن كتاب الواقدي لم يصل إلينا، ويُقال إن ابن سعد أفاد منه كثيرًا. ويعد كتاب الطبقات الكبير مرجعًا في السيرة النبوية والتراجم والتواريخ، حيث تناول فيه مصنفه السيرة النبوية المطهرة، عارضًا لمن كان يفتي بالمدينة المنورة، ولجمع القرآن الكريم، ثم قدم تراجم للصحابة ومَن بعدهم من التابعين وبعض الفقهاء والعلماء. وقد بلغ عدد الأعلام المترجم لهم 4725 علمًا، ويُعد هذا الكتاب من أقدم الكتب التي وصلت إلينا من كتب التواريخ الجامعة لرواة السنة النبوية من ثقات وضعفاء، وهو مرتب على الطبقات، وقد تكلم على الرواة جرحًا وتعديلًا. وتظهر أهمية كتاب الطبقات في كونه حوى كثيرًا من الفنون العلمية في شتى الميادين المتخصصة، مما أهّله ليكون مرجعًا أساسيًّا لدى العلماء والباحثين، فهو مرجع أساسي في سيرة المصطفى وغزواته، ومعرفة دلائل نبوّته وشمائله، وهو مرجع أساسي في معرفة السنن والآثار لاشتماله على كمّ هائل من أقوال الصحابة والتابعين - بالإضافة إلى الأحاديث -، وهو مرجع أساسي في معرفة تراجم الرواة وأحوالهم وأنسابهم، ومنزلتهم في ميزان الجرح والتعديل، هذا فضلًا عن كونه مرجعًا أصليًا في علم الطبقات. فهو كتاب ينهل منه المحدّث والفقيه والمفسّر والمؤرخ والنسّابة والواعظ والداعية، وغيرهم. ولأجل هذا وغيره فقد اهتم العلماء بكتاب الطبقات اهتمامًا كبيرًا، ولم يترددوا في النقل عنه والاعتماد عليه على نطاق واسع كل حسب تخصصه وحاجته. كما تظهر أهمية الكتاب في تنوُّع مادته، وفي دقة المؤلف بذكر الأسانيد - وفق منهج المحدثين - للروايات الحديثية، والتأريخية، والتفسيرية، وحتى الأخبار المتعلقة بالأوصاف الشخصية. ومحمد بن سعد هو أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع، الكاتب، الزهري، مولى بني هاشم، البصري مولدًا ونشأة، البغدادي إقامة ووفاة، عرف بـ: كاتب الواقدي، وغلام الواقدي، وبصاحب الواقدي، أو من أصحاب الواقدي. وُلد بعد الستين ومائة، على الترجيح. أخذ عن أعلام القراء في عصره منهم: رُوَيْم بن يزيد المقرئ البصري نزيل بغداد (211هـ)، ومحمد بن سَعْدان الضرير النحوي (229هـ). وأخذ عن أعلام الحديث وحفاظه منهم: إسماعيل بن عُلية (193هـ)، ومَعْن بن عيسى القَزَّاز (198هـ)، وعبد الرحمن بن مَهْدي (198هـ)، ويحيى بن سعيد القطان (198هـ)، والفضل بن دُكَيْن (219هـ)، وعفان بن مسلم الصَّفَّار (220هـ)، وعيسى بن أبان القاضي (221هـ)، وعَارِم بن الفضل (224هـ)، وأبي الوليد الطَّيَالسي (227هـ)، وعلي بن المديني (234هـ)... وفي السير والمغازي والتاريخ والوقائع والأنساب أفاد من شيوخه: هشام بن محمد بن السائب الكلبي (204هـ)، ومحمد بن عمر الواقدي (207هـ) واختص به. كما اتصل بالنحويين واللغويين منهم: أبي زيد الأنصاري (215هـ) الذي أكمل على يديه العلوم النحوية واللغوية. ولم يقتصر على هؤلاء؛ بل أخذ عن علماء آخرين، وصفهم ابن حجر بقوله: "وخلق كثير يطول ذكرهم". وتتلمذ على ابن سعد جم غفير من الطلاب، وصفهم "ابن تغري بردي" في " النجوم الزاهرة " بقوله: "روى عنه خلائق لا تحصى"، ومن أشهر تلاميذه: الحافظ المسند أبي بكر بن أبي الدنيا البغدادي (281هـ)، والحافظ المسند الحارث ابن أبي أسامة البغدادي (282هـ)، والحافظ النسابة الحسين بن فهم البغدادي (289هـ)، والنحوي ابن عصيدة البغدادي (270هـ). خلف ابن سعد مصنفات عدة وصفها العلماء بالكثرة والجودة منهم: تلميذه الحسين بن فهم (289هـ) قال: "كان كثير العلم، كثير الحديث والرواية، كثير الكتب، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه"، وابن تغري بردي قال: "كان إمامًا، فاضلًا، عالمًا، حسن التصانيف، ونقلنا عنه كثيرًا من الكتب". ومما وصلنا من كتبه: ( الطبقات الكبرى )، (و الطبقات الصغير )، وأما ما هو في حكم المفقود الذي يرجى له وجود نذكر: كتاب ( الحيل )، وكتاب ( القصيدة الحلوانية في افتخار القحطانيين على العدنانيين ). حاز ابن سعد المكانة السامقة عند العلماء، وعدوه من الثقات الأثبات، وشهد له الكثير من العلماء بأنه من أهل الجرح والتعديل. وتوفي ابن سعد رحمه الله ببغداد يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاثين ومائتين (230هـ)، ودفن في مقبرة باب الشام، وهو ابن اثنتين وستين سنة. |
شرح المقنع لبهاء الدين المقدسي تحقيق د. نصف بن عيسى العصفور صدر حديثًا " شرح المقنع "، للإمام " بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي " (555-624 هـ)، تحقيق ودراسة: د. " نصف بن عيسى بن نصف العصفور "، في ثلاثة مجلدات، نشر " دار ركائز للنشر والتوزيع ". و أصل الكتاب رسالة علمية تقدم بها المحقق إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، كلية الشريعة - قسم الفقه، وذلك لنيل درجة الدكتوراه في الفقه عام 1440 هـ/ 2019 م، وذلك تحت إشراف د. " خالد بن سعد الخثلان ". وكتاب " المقنع " لموفق الدين ابن قدامة (ت 620هـ)، من أشهر المتون في المذهب الحنبلي بعد مختصر الخرقي. قال المؤلف في مقدمته: «فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه، اجتهدت في جمعه وترتيبه، وإيجازه وتقريبه، وسطًا بين القصير والطويل، وجامعًا لأكثر الأحكام، عريَّة عن الدليل والتعليل، ليكثر علمه، ويقل حجمه، ويسهل حفظه وفهمه، ويكون مقنعًا لحافظيه، نافعًا للناظر فيه». وقال عنه البرهان ابن مفلح في مقدمة المبدع: «وهو من أجلها تصنيفًا، وأجملها ترصيفًا، وأغزرها علمًا، وأعظمها تحريرًا، وأحسنها ترتيبًا وتقريرًا». وقال المرداوي في مقدمة الإنصاف: «فإن كتاب المقنع... من أعظم الكتب نفعًا، وأكثرها جمعًا، وأوضحها إشارة، وأسلسها عبارة، وأوسطها حجمًا، وأغزرها علمًا، وأحسنها تفصيلًا وتفريعًا، وأجمعها تقسيمًا وتنويعًا، وأكملها ترتيبًا، وألطفها تبويبًا، قد حوى غالب أمهات مسائل المذهب، فمن حصلها فقد ظفر بالكنز والمطلب، فهو كما قال مصنفه فيه: جامعًا لأكثر الأحكام. ولقد صدق وبر ونصح، فهو الحبر الإمام، فإن من نظر فيه بعين التحقيق والإنصاف، وجد ما قال حقًا وافيًا بالمراد من غير خلاف... ». وقد عدَّد مؤلفه فيه الرواية، وجرده من الدليل، وهو عمدة الحنابلة من زمانه إلى يومنا هذا، فقد انكب عليه الطلبة حفظًا ودرسًا ومذاكرة، واهتم به العلماء واعتنوا به أيما عناية، ودارت حوله كثير من التصانيف ما بين شرحٍ، وحاشية، واختصار، ونظم، وتصحيح، وتنقيح، وزيادةٍ عليه، وبيانٍ لغريبه، وذكرٍ لدليله. ومنه شرح بهاء الدين المقدسي المسمى بـ"شرح المقنع". وتلقى علماء الأمة هذا الرشح بالقبول، ويتميز بسهولة الشرح والتعليقات النافعة على متن المقنع، قال المحب أحمد بن نصر الله البغدادي عنه: "وشرحه للمقنع محقق، وهو عندي في ثلاث مجلدات كبار". وقد ذكره الذهبي في " السير " (22/ 271) نقلًا عن الضياء المقدسي. وكذا ابن طولون في "القلائد الجوهرية" (ص 475). ولم يتحقق ابن رجب ذلك فقال في "الذيل" (2/ 170): ويقال: إنه شرح "المقنع" أيضًا. وكذا قال العليمي (4/ 186). ومخطوطة الكتاب ناقصة، فالشرح حتى باب الكفالة فقط، وهذا القدر هو الموجود من المخطوط، وقد قام بتحقيقه، ودراسة المخطوط دراسة وافية علمية د. " نصف بن عيسى العصفور "، وذلك على نسخة المخطوط، وقام بالتعليق على أعلامه، وتخريج أحاديثه، وشرح مرادات المتن وشارح المتن. وبهاء الدين المقدسي (556 – 624هـ) هو الإمام العالم، المفتي المحدث بهاء الدين أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بن منصور بن عبد الرحمن السعدي الأنصاري المقدسي الدمشقي الحنبلي. ولد بقرية السَّاويا من أعمال نابلس بفلسطين في سنة ست وخمسين وخمس مائة من الهجرة (556 هـ)، بعد استيلاء الصليبيين عليها بسنوات. ولما هاجر به أبوه من حكم الإفرنج إلى دمشق بدأ البهاء بحفظ القرآن الكريم، وختمه وهو لم يتجاوز الخمس عشرة سنة من عمره، وكان ذلك سنة سبعين، وبعد ذلك تنبه البهاء إلى علماء دمشق فبدأ يطلب العلم عن علمائها، وبعد سنتين - أي سنة اثنتين وسبعين - قرر المسير إلى بغداد لطلب العلم على علمائها، فجمعوا له فطرة واشتروا له بهيمة وسار إلى بغداد لطلب العلم الشريف. وتفقه البهاء في دمشق على الإمام الشيخ موفق الدين المتوفى سنة (620هـ) وهو مؤلف "العمدة" وقد لازمه وأخذ عنه الفقه واللغة، وسمع أيضًا من الشيخ أبي عبد الله محمد بن حمزة بن أبي الصقر القرشي الدمشقي المتوفى سنة (580هـ)، وفي بغداد تفقه على فقيه العراق شيخ الإسلام أبي الفتح نصر بن فتيان بن مطر الشهير بابن المني البغدادي المتوفى سنة (587هـ)، وسمع أيضًا فيها من الشيخ الثقة أبي الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي المتوفى سنة (575هـ)، كما سمح فيها من فخر النساء مسندة العراق الكاتبة العابدة شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري المتوفاة سنة (574هـ)، وفي حرَّان سمع من أبي الفتح أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن الصائغ المتوفى منة (576هـ). وأخذ العلم منه وسمع منه البرزالي، والضياء، وابن المجد، والشرف بن النابلسي، والشمس بن الكمال، والعز بن الفراء، والعماد عبد الحافظ، وست الأهل بنت الناصح، وأبو جعفر بن الموازيني وغيرهم كثير. وقيل إن للبهاء كتبًا كثيرة، منها كتاب العدة شرح العمدة، وكتاب شرح فيه المقنع وغيرها. وتوفي رحمه الله تعالى يوم سابع ذي الحجة سنة 624هـ ودفن من يومه بسفح قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله. |
سعيد بن المسيب (15 هـ - 93 هـ) شريف من أشراف بني مخزوم من قريش رهط خالد بن الوليد، وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة. ولد في المدينة المنورة في السنة الثانية لخلافة عمر بن الخطاب، وكان أبوه وجدُّه من أصحاب رسول الله، أسلما عام فتح مكة. وهو: سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي. كان مثال النباهة والاستقامة من طفولته، لزم وهو صغير مجالس عمر أمير المؤمنين، وسمع منه ومن عثمان وعلى وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمر وكثير من الصحابة. وهو الحجة في الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن سعيد بن المسيب كان صهره زوج ابنته. عاش حريصًا على فهم أحكام القرآن وتبين مقاصده، كما كان يفهمها الصحابة. وعلى تلقى أحاديث الرسول وسماعها من أفواه الذين سمعوها من النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كان يسافر الأيام والليالي ليسمع حديثًا واحدًا من فم صحابي لا يحفظ غيرُه ذلك الحديث. وبذلك صار رأس أهل المدينة المقدَّم عليهم في الفتوى وعلوم الشريعة. ويعد من تلاميذه أمثال عطاء بن أبي رباح، ومحمد الباقر بن على زين العابدين، وعمرو بن دينار، وابن شهاب الزهري. جاء رجل إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب ليسأله عن مسألة، فقال له عبد الله بن عمر: ائت ذاك - وأشار إلى سعيد بن المسيب - فاسأله، ثم ارجع إلى فأخبرني. ففعل الرجل وأخبره، وكان سعيد لا يزال شابًا، فقال عبد الله بن عمر لمن حوله: ألم أخبركم أنه أحد العلماء؟ وقال فيه عبد الله بن عمر أيضًا: لو رأى هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لسرَّه. وسعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين وهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير بن العوام، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وخارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري، وسليمان بن يسار الهلالي، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب. ووافقت خلافة عبد الملك بن مروان (65-76هـ) زمن النضوج من حياة سعيد بن المسيب، وكانت شهرة سعيد في العلم والتقوى قد ملأت أرجاء العالم الإسلامي، وكان عبد الملك لا يرى نفسه أقل من سعيد فقهًا في علوم الشريعة، ولا أقل حرصًا منه ومن أمثاله على إقامة أحكامها وإعزاز كلمة الله، ويمتاز بما اختصه الله به من توسيع دائرة الفتوح. وجميع المشتغلين يومئذ بعلوم الشريعة كانوا يعملون أن عبد الملك كان قبل ولايته الخلافة من رؤوسهم النابهين، وإن إمام دار الهجرة مالك بن أنس اعتبر أقضية أمير المؤمنين عبد الملك مرجعًا في أحكام الإسلام فدوَّنها في كتاب الإسلام الذي سماه (الموطأ): لكن أهل الصلابة في العلم والفقه كانوا يؤاخذون أمثال عبد الملك بن مروان بأنهم وإن تمسكوا بالشريعة في كل الأحوال وأقاموا أحكامها كما يجب، إلا أنهم تساهلوا في الأمور التي تتصل بالملك والسياسة، وكان يجب عليهم أن لا يتساهلوا في ذلك اقتداء بسيرة الخلفاء الأربعة الراشدين. وأمثال عبد الملك كانوا يرون أن ما كان عليه الخلفاء الراشدون إنما كان فوق مستوى البشر، وأن من يلي الملك بعدهم إما أن يتساهل من الناحية التي تتصل بالملك والسياسة فقط أو أن يعم تساهله جميع النواحي، فهم يرون أنفسهم من أهل الخير والصلاح لأنهم لم يتساهلوا إلا من الناحية السياسة، فإذا أمنوا على ملكهم ولم ينازعهم أحد فيه فإنهم مستقيمون على طريق الشرع في جميع الأحوال الأخرى. فهذه النقطة كانت موضع الخلاف بين أمثال عبد الملك بن مروان وأمثال سعيد بن المسيب. يريد سعيد أن يكون أئمة المسلمين من الخلفاء المعاصرين كالخلفاء الراشدين، ويريد عبد الملك أن يكتفي الناس منه بالاستقامة على الشرع في كل شيء بشرط أن يتسامحوا معه فيما يتخذه من الوسائل لاستبقاء الملك واستتبابه في أسرتهم وبنيهم. وهو - بينه وبين نفسه - يعتذر لنفسه بأن رعيته لا تبلغ مستوى رعية أبي بكر وعمر في التقوى وإقامة سنن المجتمع الإسلامي، وليس للخفية في زمان التابعين مثل الأعوان على الحق والخير الذين كانوا في الصدر الأول، وكما تكون الأمة يكون ولاتها. هذا إذا قارنا زمن التابعين - ولاته ورعيته - بزمن الصدر الأول، أما إذا قارناه بمن بعدهم، أو بالمجتمع الإنساني في أية أمة أخرى فلا شك أنه من أروع العصور الذهبية في تاريخ البشر. أراد عبد الملك أن من قدر كبير أولاده (الوليد) فعقد له البيعة بولاية العهد بعده ثم لأخيه سليمان، وخطب للوليد بنتَ سعيد بن المسيب لما بلغه من علمها وتقواها وجمالها، مضافًا إلى ذلك نسبها في قريش. وكان سعيد يومئذ في وطنه مدينة الرسول، وعبد الملك في عاصمة ملكه دمشق، وكان أمير المدينة لعبد الملك صهرًا له من وجهاء بني مخزوم وهو هشام بن إسماعيل بن هشام (أخي خالد) بن الوليد. وهشام بن إسماعيل خال هشام بن عبد الملك وباسمه سمى هشام بن عبد الملك. فاجتمع هشام بن إسماعيل المخزومي أمير المدينة بابن عمه سعيد بن المسيب المخزومي فقيهها وقال له: إن أمير المؤمنين عبد الملك عقد البيعة لابنيه الوليد وسليمان، وقد بايعهما على ذلك وجوه أهل الحل والعقد في جميع الأمصار، وأراد أن يزيد ابنه الوليد تكريمًا فخطب له ابنتك ليجعله صهرك. فكان جواب سعيد بن المسيب على ذلك أن رفض قبول الوليد بن عبد الملك صهرًا له، وأبي أن يشترك في البيعة له بولاية العهد. وقد حاول هشام بن إسماعيل أمير المدينة أن يتلافى هذا الموقف بكل وجوه الحكمة ففشل، ومن ذلك أنه وسَّط بينه وبين سعيد طائفة من كبار أصحاب سعيد، وفيهم من هم بمنزلته في العلم والصلاح، مثل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله بن عمر (وهؤلاء الثلاثة من الفقهاء السبعة)، وعرضوا على سعيد بن المسيب أن يقرأ عليه أمير المدينة كتاب أمير المؤمنين بولاية العهد لابنيه وأن يسكت سعيد فلا يقول لا ولا نعم، أو أن يجلس في بيته يوم البيعة العامة فلا يشترك فيها، أو أن يغير مجلسه في المسجد فيكتفي الأمير بأن يرسل إليه من يبحث عنه في مجلسه المعتاد فلا يجده فيه، فأبى أن يجيب إلى شيء من ذلك وجلس في مجلسه المعتاد ودُعِي للبيعة فرفض، فعوقب بالجلد، وأبى أن يصاهر ولي العهد. وكان له عطاء سنوي من بيت المال مثل الذي يعطى لمن هم في طبقته من أبناء الصحابة، ولم يكن يتناوله قط، ويعيش من تجارة له في الزيت يستعمل فيها نقودًا له تبلغ أربعمائه دينار. وعُرِض عليه مرَّة عطاءً من بيت المال يبلغ نيفًا وثلاثين ألفًا فقال: لا حاجة لي فيها! وقال تلميذه أبو وداعة: كنت أجالس سعيد بن المسيب في مسجد المدينة، ففقدني أيَّامًا، ثم جئته فقال لي: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلتُ بها. فقال: هلا أخبرتنا فشهدناها؟ قال أبو وداعة: ثم أردت أن أقوم، فقال لي: هل أحدثت امرأة غيرها؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني؟ وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة! فقال: إن أنا فعلت تفعل؟ قلت: نعم. فحمد الله، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجني بنته على درهمين - أو قال: ثلاثة - وهي البنت التي أبى سعيد بن المسيب أن يزوجها لولي عهد الخلافة. قال أبو وداعة: فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح. فصرت إلى منزلي، وجعلت أتفكر ممن آخذ وأستدين، وصليت المغرب وكنت صائمًا، فقدمت عشاي لأفطر - وكان خبزًا وزيتًا - وإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد! ففكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب فإنه لم ير منذ أربعين سنة إلا ما بين بيته ومسجد رسول الله. فقمت وخرجت وإذا بسعيد بن المسيب، فظننت أنه قد بدا له - أي ندم على تزويجي - فقلت: يا أبا محمد، هلا أرسلت إلى فأتيتك؟ قال: لا، أنت أحق أن تؤتى. قلت: فما تأمرني؟ قال: رأيتك رجلًا عزبًا قد تزوجتَ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك (فإذا بنته قائمة خلفه، في طوله ). ثم دفعها في الباب، ورد الباب، فسقطت الفتاة من الحياء. قال أبو وداعة: فاستوثقت من الباب، ثم صعدت السطح فناديت الجيران، فجاءوني، وقالوا: ما شأنك؟ فقلت: زوجني سعيد بن المسيب اليوم ابنته، وقد جاء بها على غفلة، وها هي في الدار: فنزلوا إليها، وبلغ أمي الخبر فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام. فأقمت ثلاثًا، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظه لكتاب الله تعالى، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج. قال أبو وداعة: فمكث سعيد شهرًا لا يأتيني ولا آتيه، ثم أتيته بعد شهر وهو في حلقته، فسلمت عليه، فرد عليَّ ولم يكلمني حتى انفض من في المسجد، فلما لم يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: هو على ما يحبُّ الصديق ويكره العدو. فانصرفت إلى منزلي... المصدر: «مع الرعيل الأول»، المطبعة السلفية، القاهرة، ط 10، سنة 1403هـ |
الإخلال بالنقل في مسائل أصول الفقه لمحمد طارق بن علي الفوزان صدر حديثًا كتاب " الإخلال بالنَّقل في مسائل أصول الفقه (الاجتهاد والتقليد والفتيا والتعارض والترجيح ) دراسة استقرائية تحليلية"، تأليف: " محمد بن طارق بن علي الفوزان "، وذلك في ثلاثة مجلدات. وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات " دار أسفار " لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وأصل الكتاب أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه، ويتناول البحث دراسة الأقوال المنقولة في مسائل أصول الفقه في مباحث الاجتهاد والتقليد والفتيا والتعارض والترجيح، دراسة تعتمد على جمع الأقوال الواردة في مسائل الأبواب المذكورة باستقراء ما أمكن من المصنفات الأصولية أو مظان المسألة من غيرها، ثم اختبار تلك النقول بمعارضة بعضها ببعض وبغيرها من طرق الكشف عن الإخلال الآتي بيانها في الفصل التأصيلي، وذلك للخلوص إلى الأقوال التي وقع في نقلها خطأ، مبيِّنًا وجه الإخلال، مع الإشارة إلى الأقوال التي وقع في نقلها خطأ، مبينًا وجه الإخلال مع الإشارة إلى سببه وصوابه ما أمكن. وينقسم البحث إلى: مقدمة تأصيلية، وثلاثة أبواب؛ باب في الاجتهاد، وباب في التقليد والفتيا، وباب في التعارض والترجيح. أما المقدمة التأصيلية فاشتملت على بيان مفهوم الإخلال بالنقل، وأنواعه، وأسبابه، وطرق الكشف عنه، وآثاره، وجهود العلماء في بيانه. وأما الأبواب فتندرج تحتها عدة فصول، كل فصل يمثل مسألة أصولية أو أكثر، ثم يندرج تحت كل فصل من تلك الفصول: أربعة مباحث: مبحث فيمن ذكر المسألة من العلماء، وموضع ذكرها، ووجه اندراجها تحت هذا الموضع، ومبحث في الخلاف الواقع في الترجمة، وما يتصل بذلك، ومبحث فيه سرد لأقوال المسألة حسب ما جاء في مصنفات أهل العلم، والمبحث الأخير وهو لب لباب الفصل: تحرير الأقوال المختلة وبيان محل الإخلال فيها، مع الإشارة إلى سببه وصوابه ما أمكن، ثم يختم الكاتب الفصل بتلخيص ما ورد فيه في صورة نقاط، وذكر الكاتب - في أسباب الإخلال وطرق الكشف عنه في الدراسة التأصيلية -: علة اندراج هذه المباحث تحت كل فصل، وأثرها في كشف الإخلال بالنقل. وبذلك يكتسب هذا الموضوع أهمية بالغة من جهة عدم اقتصار البحث على جمع منصوصات العلماء في التنبيه على الإخلال بالنقل، بل يتعدى ذلك إلى استقراء أقوال المسألة، ثم مراجعة ما أمكن من مصادرها، ومعارضة ذلك بعضه ببعض، للخلوص إلى ما وقع في نقلها من إخلال. ويرجو الكاتب أن تكون هذه الدراسة أنموذجًا لبحث الإخلال بالنقل في علم الأصول وغيره، وفق منهج معتمد على الاستقراء والتحليل والنقد، وأن تنبه الباحثين والدارسين جميعًا إلى أهمية العناية بتصحيح النقل، وإلى كثرة ما يقع في المصنفات على جلالة قدر مصنفيها من إخلال، وقد أشار إلى ذلك جملة من العلماء. ويندرج هذا البحث تحت صنف البحوث النقدية، وهو من أهم أنواع العلم، قال الأستاذ محمود شاكر: «فإن جودة العلم لا تتكون إلا بجودة النقد، ولولا النقد لبطل كثير من العلم، ولاختلط الجهل بالعلم اختلاطًا لا خلاص منه ولا حيلة فيه». |
منهج الطلاب في الفقه الشافعي للعلامة زكريا الأنصاري صدر حديثًا كتاب " منهج الطلاب "، تأليف: شيخ الإسلام " أبو يحيى زين الدين زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي " (ت 926هـ)، تحقيق: " حسن معلم داود حاج "، من منشورات " متون "، إصدارات جائزة الشيخ " صالح بن عبدالله المحيسن " للمتون العلمية ودراساتها بالجامعة الإسلامية. و قد حصل هذا التحقيق للكتاب على المركز الأول بجائزة "متون" (الدورة الثانية - مسار التحقيق ). وهذا الكتاب تلخيص لكتاب " منهاج الطالبين وعمدة المفتين " للنووي، مع إضافات وزيادة تقسيمات، مع وضوح لفظه وجزالة عبارته مما جعله متداولًا بين العلماء وطلبة العلم حفظًا وشرحًا ونظمًا. وهو في فروع مذهب الإمام الشافعي، ونجد أن " منهاج " النووي ذاته هو شرح على ( الْمُحَرَّر في فروع الشافعية ) في الفقه الشافعي للإمام أبي القاسم الرافعي المتوفى سنة (623 هـ ) والذي قال النووي عنه وعن مؤلفه: «ذِي التَّحْقِيْقَاتِ، وَهُوَ كَثِيْرُ الْفَوَائِدِ؛ عُمْدَةٌ فِي تَحْقِيْقِ الْمَذْهَبِ؛ مُعْتَمَدٌ لِلْمُفْتِي وَغَيْرِهِ مِنْ أُوْلِى الرَّغَبَاتِ؛ وَقَدِ الْتَزَمَ مُصَنِّفُهُ رَحِمَهُ الله عَلَى مَا صَحَّحَهُ مُعْظَمُ الأَصْحَابِ وَوَفِّى بِمَا الْتَزَمَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أَوْ أَهَمُّ الْمَطْلُوبَاتِ». أما عن سبب تصنيف الإمام النووى رحمه الله للمنهاج على "محرر" الرافعي فجاء في قوله في مقدمة " المنهاج ": إنَّ «فِي حَجْمِهِ - أي المحرر - كِبَرٌ يَعْجَزُ عَنْ حِفْظِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعَصْرِ إِلاَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِنَايَاتِ، فَرَأَيْتُ اخْتِصَارَهُ فِي نَحْوِ نِصْفِ حَجْمِهِ، لِيَسْهُلَ حِفْظُهُ مَعَ مَا أضُمُّهُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى مِنَ النَّفَائِسِ الْمُسْتَجِدَّاتِ». وقال أيضًا: «وَقَدْ شَرَعْتُ فِي جَمْعِ جُزْءٍ لَطِيْفٍ عَلَى صُورَةِ الشَّرْحِ لِدَقَائِقِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ». ويعد متن "منهاج" شيخ الإسلام النووي من أحسن المتون وأدقها، وهو العمدة في الفتوى، عكف عليه العلماء الأعلام تدريسًا وشرحًا. وهو كتاب جليل القدر عظيم الفائدة، صغير الحجم كبير الفحوى، لم يؤلف مثله في المذهب. ولله در القائل: الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ هُوْ الْقُطْبُ الَّذِي بَزَغَتْ شُمُوسُ الْعِلْمِ مِنْ أَبْرَاجِهِ لا يَرْتَقِي رُتَبَ الْمَعَالِي وَالتُّقَى إِلَّا فَتى يَمْشِي عَلَى "مِنْهَاجِهِ" وقال آخر: قَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ وَاخْتَصَرُوا فَلَمْ يَأْتُوا بِمَا اخْتَصَرُوهُ ك "الْمِنْهَاج" جَمَعَ الصَّحِيحَ مَعَ الْفَصِيحِ وَفَاقَ بِالتَّ رجِيحِ عِنْدَ تَلاطُمِ الأَمْوَاجِ وقال الفقيه السيد أحمد مَيْقَري شُمَيْلة الأهدل رحمه الله تعالى: «ولم يزل كلٌّ من العلماء والأئمة الأعلام قديمًا وحديثًا مذعنًا لفضل "المنهاج" المذكور، ومشتغلًا بإقرائه، فالإقراء فيه مقدم على غيره عند كثير من أولي الفضل، وقد كثر الاعتناء به؛ لموقع العناية فيه، وصوب صوابه آثارُ نهج مقتفيه». قال الشاعر: حَوَى فِي الشَّرْحِ "مِنْهَاجُ النَّوَاوِي" بِتَصْحِيحِ الشَّرِيعَةِ وَالْفَتَاوِي كِتَابٌ لا يُعَادِلُهُ كِتَابٌ يَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ كُلِّ رَاوِي رَوَى سَبْعِينَ أَلْفًا بِاخْتِصارٍ وَكَمْ مِنْ كَامِنَاتٍ فِي الْفَحَاوِي فَحَسْبُكَ دَرْسُهُ فِي كُلِّ حِينٍ فَهْوَ يَكْفِيكَ عَنْ "بَحْرٍ" وَ"حَاوِي" ولذلك كثرت الأعمال حول هذا المتن المبارك المفيد؛ من شرح وتحشية ونظم واختصار، وشرحِ بعضه، وكتابةِ النكت عليه، وهناك علماء رحمهم الله تعالى بدؤوا بشرحه ولكن وافتهم المنية قبل استكماله، فبلغت هذه الأعمال ما يقرب من مئتين وخمسين عملًا مما عُلم إلى الآن.. ومن ضمن هذه الشروح والمختصرات "منهج الطلاب" للعلامة "زكريا الأنصاري"، وهو من ضمن مؤلفاته في الفقه الشافعي المشهود لها بالفضل في تحرير مذهب السادة الشافعية، وكانت مصنفاته ولا تزال ملجأ لعلماء المذهب في تحرير مسائله، وبيان عويصاته ومشكلاته، حيث وصل شيخ الإسلام مرحلة أن أصبح فيها العلم المشار إليه في المذهب، فهو رافع لوائه المدافع عنه في عصره، حيث تميز العلامة زكريا الأنصاري أن انفرد بعلو الإسناد، فما من أحد في تلك الفترة في مصر من الشافعية وغيرهم إلا روى عنه، إما مباشرة أو بواسطة. وقد توطدت مكانة شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في المذهب بتلك المؤلفات، واعتمد المتأخرون آرائه، وبلغ الشيخ زكريا الأنصاري مرتبة مجتهد الفتوى والترجيح في المذهب، ومهام هذه المرتبة تنحصر في الترجيح بين الأقوال والأوجه في المذهب، وتحرير المسائل وتقريرها، وهو ما فعله العلامة زكريا الأنصاري في مصنفه "منهج الطلاب". وذكر العلامة "زكريا الأنصاري" في المقدمة أن عمله في كتابه كالآتي: 1- اختصار منهاج الطالبين. 2- ضم إليه بعض الزيادات على ما يراه المصنف. 3- إبدال غير المعتمد به. 4- حذف الخلاف رومًا لتيسيره على الراغبين. ويعود سبب اختصار شيخ الإسلام للمنهاج هو التسهيل على طلبة العلم الذين يعتنون بحفظ منهاج النووي ودراسته، ولكن غزارته واحتواءه على الخلافيات جعله صعبًا على الطلبة المبتدئين، فقرر شيخ الإسلام اختصاره في هذا المتن الصغير موجز العبارة غزير المعاني، حيث حذف فيه الخلاف وقرر فيه معتمد المذهب، وحرر مسائله بدقة، بحيث يستطيع طلبة العلم حفظه وفهمه بسهولة، ثم صنع له شرحًا لطيفًا آخر يبين معانيه الغامضة، ويضم إليها تحريرات وفوائد نفيسة ساهمت في وصول "المنهج" و"شرحه" لهذه المرتبة العلمية العالية في المذهب، وقد نضجت معرفة شيخ الإسلام الفقهية بشكل واضح في هذين الكتابين خاصةً، ويبدو أن "المنهج" و"شرحه" هو من آخر مصنفات شيخ الإسلام الفقهية بعد "شرح التحرير"؛ لذا جاءت خلاصة معرفة شيخ الإسلام الفقهية وخبرته متمثلة فيه. وقد تم تحقيق الكتاب على سبع نسخ خطية نفيسة عتيقة، مع ضبط ألفاظه ضبطًا دقيقًا، وتقسيم فقراته وجمله، والتقديم للكتاب بدراسة وافية عن الكتاب والمؤلف. والشيخ زكريا الأنصاري هو: زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا السنيكي المصري الشافعي، شيخ الإسلام. قاض مفسر، من حفاظ الحديث. • ولد في سنيكة (بشرقية مصر) بَيْن سنة 823ه وسنة 824 هـ وتعلم في القاهرة وكف بصره سنة 906 هـ. • نشأ فقيرًا معدمًا، وأخذ العلم عن كثير من علماء مصر، بلغ شيوخ القاضي زكريا الأنصاري كثرة كاثرة، قيل أنهم زادوا على المئة والخمسين شيخًا، أذنوا له بالتدريس والإفتاء. • ومن جملة مشايخه: ابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام شمس الدين القاياتي، وزين الدين الزركشي، والكافيجي، وابن المجدي، وابن الفرات، والبلقيني، وابن الظهيرة، والكمال بن الهمام، والسبكي، وابن الخشاب.. وغيرهم الكثير. • ولما ظهر فضله تتابعت إليه الهدايا والعطايا، بحيث كان له قبل دخوله في منصب القضاء كل يوم نحو ثلاثة آلاف درهم، فجمع نفائس الكتب وأفاد القارئين عليه علمًا ومالًا. • ونجد أنه بعد أن استكمل القاضي "زكريا الأنصاري" الأدوات التي مكنته من مزاولة نشاطه العلمي، وبعد أن تبوأ الصدارة بين معاصريه ومنافسيه، فقد أسندت إليه مهمات عدة، وهي: ♦ التدريس بمقام الإمام الشافعي. قال العيدروسي: ولم يكن بمصر أرفع منصبًا من هذا التدريس. ♦ مشيخة خانقاه الصوفية. ♦ مشيخة مدرسة الجمالية. • وولاه السلطان قايتباي الجركسي (826 - 901) قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد مراجعة وإلحاح. ولما ولي رأى من السلطان عدولًا عن الحق في بعض أعماله، فكتب إليه يزجره عن الظلم، فعزله السلطان، فعاد إلى اشتغاله بالعلم إلى أن توفي عام 926 هـ. وقد أثنى عليه كثير من العلماء وانطلقت ألسنتهم بالثناء عَلَيْهِ، وذكر محاسنه وشيمه، ومن ضمن هذه الشهادات: قَالَ الغزي: الشَّيْخ الإِمَام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدّثين، الحَافِظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم العامل، والولي الكامل. وَقَالَ العيدروسي: الشَّيْخ الإِمَام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة. وَقَالَ السخاوي: لَهُ تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع، وعمله في التودد يزيد عَن الحد، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إِلَى الفتوى تعدُّ من حسناته. وَقَالَ أَيْضًا: وَلَمْ ينفك عَنْ الاشتغال عَلَى طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة، والانجماع عَنْ بني الدنيا مَعَ التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة. وَقَالَ العيدروسي: ويقرب عندي أنه المجدد عَلَى رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع بِهِ وبتصانيفه. وقَالَ السيوطي: لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبلَ عَلَى نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفًا، مَعَ الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت. وَقَالَ ابن حجر الهيتمي: وقدّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ مَنْ وقع عَلَيْهِ بصري من الْعُلَمَاء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عَنْهُ رويت من الفقهاء والحكماء المسندين، فَهُوَ عمدة الْعُلَمَاء الأعلام، وحجة الله عَلَى الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعِيّ عَلَى كاهله، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد، كيف وَلَمْ يوجد في عصره إلا من أخذ عَنْهُ مشافهة أَوْ بواسطة أَوْ بوسائط متعددة، بَلْ وقع لبعضهم أنه أخذ عَنْهُ مشافهة تارة، وعن وغيره مِمَّنْ بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير لَهُ في أحد من عصره، فنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْدَ الأئمة أولى وأحرى؛ لأنَّه حاز بِهِ سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عَنْهُ ودوام الانتفاع. وَقَالَ ابن العماد: شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحَافِظ. وَقَالَ الأدنروي: مفتي الشافعية العالم الفاضل الْقَاضِي. وله تصانيف كثيرة، قال عنها الشوكاني: «له شروح ومختصرات في كل فن من الفنون»، ومنها: • (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن) في التفسير. • (تحفة الباري على صحيح البخاري). • (فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل) تعليق على تفسير البيضاوي. • (المطلع شرح إيساغوجي) في المنطق. • شرح ألفية العراقي بعنوان: (فتح الباقي بشرح ألفية العراقي) في مصطلح الحديث. • (شرح شذور الذهب) في النحو. • (تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر) في التجويد. • (اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم) رسالة. • (الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية) في القراآت. • (فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام). • (تنقيح تحرير اللباب) فقه. • (غاية الوصول إلى شرح لب الأصول) في أصول الفقه. • (لبّ الأصول) اختصره من جمع الجوامع. • (أسنى المطالب في شرح روض الطالب) فقه، أربعة أجزاء. • (الغرر البهية في شرح البهجة الوردية) فقه، خمسة أجزاء. • (بهجة الحاوي) شرح على "الحاوي الصغير" للقزويني في الفقه. • (منهج الطلاب) في الفقه. • (الزبدة الرائقة) رسالة في شرح البردة. • (الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة) شرح طائفة من الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين، مع تعريفها اللغوي وحدها الشرعي. |
طبعة منقحة من الوافي في شرح الشاطبية للشيخ عبد الفتاح القاضي صدر حديثًا طبعة جديدة من كتاب "الوافي في شرح الشاطبية " ، تأليف: الشيخ العلامة " عبد الفتاح القاضي " رحمه الله (ت 1403هـ)، باعتناء: د. "حذيفة صلاح الخالدي "، وذلك عن " دار القلم " بدمشق. وتناول الكتاب شرح قصيدة " حرز الأماني ووجه التهاني " المعروف " بالشاطبية " في القراءات السبع للإمام أبي القاسم الشاطبي، حيث "يحل رموزه، ويبرز كنوزه، ويفتح مغلقه، ويقيد مطلقه، ويفصل مجمله، ويوضح مشكله، ويزيل مبهمه، ويميط اللثام عن عباراته، ويكشف النقاب عن إشاراته. وضعته خدمة لطلاب المعاهد الأزهرية في ديارنا المصرية، ولطلاب المعاهد الدينية في البلاد الإسلامية الشقيقة المقرر عليهم تدريس متن الشاطبية" كما بين ذلك في مقدمة الكتاب العلامة عبد الفتاح القاضي. وقصيدة " حرز الأماني" ، هي بدورها نظم للشاطبي اختصر فيها كتاب " التيسير " في القراءات السبع للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني. والقصيدة بلغ عدد أبياتها 1173 بيتًا، نظم فيها الشاطبي القراءات السبع المتواترة عن الأئمة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي. وهي من أوائل القصائد التي نظمت في علم القراءات إن لم تكن أولها على الإطلاق، وفضلًا عن أنها حوت القراءات السبع المتواترة، فهي تعتبر من عيون الشعر بما اشتملت عليه من عذوبة الألفاظ ورصانة الأسلوب، قال عنها العلامة ابن الجزري: «ومن وقف على قصيدته علم مقدار ما آتاه الله في ذلك، خصوصًا اللامية التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقها. ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن، بل أكاد أن أقول ولا في غير هذا الفن فإنني لا أحسب بلدًا من بلاد الإسلام يخلو منه، بل لا أظن أن بيت طالب علم يخلو من نسخة به». وقد كثرت شروح الشاطبية، حيث تم رصد أكثر من ستين شرحًا على متن القصيدة وكثيرٌ منها ما زال حبيس المتاحف ودور المخطوطات، فضلاً عما فُقِدَ وضاع ولم يقف عليه العلماء. وشرح الشيخ عبد الفتاح القاضي يعتبر من أيسر تلك الشروح وأفضلها للطالب المبتدئ في علم القراءات حيث بان من خلال هذا الشرح كفاية معلوماته, وسهولة عباراته, والتجربة العلمية العالية لصاحبه, ودرايته الفائقة بعلم القراءات. وقد اعتنى بهذا الكتاب وإخراجه في صورة مفهرسة علمية مع ضبط مفرداته وتشكيل عباراته د. " حذيفة صلاح الخالدي "، وقدم للكتاب بمقدمات مفيدة في التعريف بالكتاب ومؤلفه. وصاحب الكتاب هو الشيخ العلامة عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي من العلماء المبرزين في القراءات وعلومها وفي العلوم الشرعية والعربية. ولد في مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة بجمهورية مصر العربية في 25 من شعبان سنة 1325هـ، الموافق 14 من أكتوبر سنة 1907م، وحفظ المترجم القرآن الكريم ببلده مدينة دمنهور على المرحوم الشيخ علي عياد، وجوَّده على كلٍّ من الشيخين الفاضلين: الشيخ محمود محمد غزال، والشيخ محمود محمد نصر الدين، وقرأ القراءات ببلده، ثم انتقل إلى القاهرة، ودرس في الأزهر حتى حصل على إجازة التخصص القديم (تعادل الدكتوراه حاليا) سنة 1355هـ، وتولى مناصب كثيرة، منها رئاسة قسم القراءات التابع لكلية اللغة العربية بالأزهر حينذاك، وعين مفتشًا عامًّا بالمعاهد الأزهرية، ثم وكيلًا عامًّا للمعاهد الأزهرية، ثم رحل إلى المدينة النبوية المنورة، فشارك في إنشاء كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية، وتولى رئاسة قسم القراءات فيها إلى وفاته سنة 1403هـ. مؤلفاته: 1- كتاب الوافي شرح على الشاطبية في القراءات السبع. 2- كتاب الإيضاح شرح على الدرة في القراءات الثلاث المتممة للقراءات العشر. 3- كتاب البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدرة. 4- النظم الجامع لقراءة الإمام نافع. 5- شرح النظم الجامع لقراءة الإمام نافع من الشاطبية. 6- نظم السر المصون في رواية قالون الشاطبية. 7- شرح السر المصون في رواية قالون من الشاطبية. 8- شرح " منحة مولى البر فيما زاده النشر للقراء العشرة " للعلامة الإبياري. 9- القراءات في نظر المستشرقين والملاحدة. 10- شرح ناظمة الزهر المسمى (بشير اليسر) في علم الفواصل. 11- الفرائد الحسان في عد آي القرآن "نظم". 12- نفائس البيان شرح الفرائد الحسان في عدِّ أي القرآن. 13- من علوم القرآن. 14- منظومة نفيسة للغاية في علم الميراث مشروحة. 15- الصيام وأحكامه وسننه. وله تحقيقات على عدة كتب مطبوعة منها: أ- دليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم وضبط القرآن للعلامة المارغني. ب- شرح العقيلة للعلامة ابن القاصح في رسم القرآن الكريم. ت - شرح المقدمة الجزرية للشيخ خالد الأزهري. ث- تحبير التيسير في قراءات الأئمة العشرة للحافظ ابن الجزري وغير ذلك من التحقيقات. وتوفي الشيخ عبد الفتاح القاضي بالقاهرة - إثر مرض ألَمَّ به في المدينة المنورة - يوم الاثنين في الخامس عشر من شهر محرم سنة 1403هـ، الموافق 1 /11 /1982م، ودفن في القاهرة رحمه الله. |
مقدمات العقاد جمعها واعتنى بها د. عبد الرحمن قائد صدر حديثًا كتاب " مقدمات العقاد " ، جمعها وقدَّمَ لها واعتنى بها: د. عبد الرحمن بن حسن قائد، وذلك عن دار آفاق المعرفة. وهي تضم مقدمات الأستاذ الكبير عباس العقاد، التي قدّم بها لـ(٩٩) كتابًا في مختلف المعارف، لجمهرة من الأدباء والمفكرين، من الشرق والغرب. يقول "عبد الرحمن قائد" في مقدمته الماتعة لمقدمات العقاد: «... ويتفاوت المقدِّمون في إجادة تقديمهم لكتب غيرهم، بحسب منازلهم من التحري والتثبت، والعلم والمعرفة، والبصر والعناية بموضوع الكتاب خاصة، فمنهم الظالم لنفسه المتكلف ما ليس له به شأن، ومنهم المقتصد القائم بحق التقديم كما ينبغي له، ومنهم السابق بالإحسان الذي ربما كانت مقدمته أهمَّ من الكتاب الذي يقدِّم له وأكثر غناءً ونفعًا، ومن أولئك السابقين الأستاذ عباس محمود العقاد، كما أشار لذلك أخي الأديب المثقف المتفنن الشيخ عبد الله الهدلق، وأخبر أنه ذكره للشيخ العلامة بكر أبو زيد فأعجبه، وقد أسف على إكثاره من كتابة المقدمات في آونته الأخيرة». وقد تنوَّعت موضوعات الكتب التي قدَّم لها العقاد ما بين ديوان شعر، وقصة، ورواية، ومسرحية، ودراسة نقدية، ومقالات مجموعة، في فنون اللغة، والأدب، والاقتصاد، والسياسة، والتاريخ، والتراجم، والرحلات. وما بين نصوص عربية أصيلة، ونصوص مترجمة عن اللغات الإنجليزية والروسية والهندية وغيرها. وهي تعكس تنوع معارفه، ووفرة موارده، وتشهد بسعة دائرته في الاطلاع على العلوم والآداب، ومشاركته القوية فيها. وبيَّنَ د. " عبدالرحمن قائد " أننا نجد في مقدمات العقاد مادة تاريخية ومعرفية مجهولة تتصل بحياته وآرائه وتطوره الفكري، ومواقفه من قضايا الأدب والسياسة والاقتصاد، ونقده للكتب والمؤلفين والمذاهب. «ومن فوائدها التعريف ببعض الأعلام المغمورين الذين نسيهم الناس على جلالة منازلهم وعظيم آثارهم، كالشاعر علي شوقي الذي يرى العقاد أنه كان "نسيج وحده في نهضة الإحياء العربية، وكان خليقًا بديوانه أن يشغل بين الدواوين المنشورة مكانه الذي لا يغني عنه غيره». والمتأمل في تواريخ مقدمات العقاد يرى أن معظمها كُتِب في الثلث الأخير من حياته بعد بلوغه الخمسين (1939- 1964م)، وهي أخصب سنوات عمره وأكثرها إنتاجًا وتأليفًا. وقد عانى د. " عبدالرحمن قائد" من صعوبات جمع تلك المادة الثرية حيث أرهقه الحصول على بعض المقدمات؛ لندرة كتبها وعدم إعادة طباعتها، فلم يجد مقدمات " شعاب قلب " للزحلاوي و" ديوان الكاظمي " إلا في بعض المكتبات الخاصة بمركز جمعة الماجد، ولم يستطع تصوير مقدمة "هواتف وأحلام" لطاهر الجبلاوي إلا من مكتبة الأزهر. ومن جملة تلك المقدمات المذكورة في تلك الموسوعة: • مقدمة لديوان عبد الرحمن شكري "لآلئ الأفكار". • مقدمة "الغربال" لميخائيل نعيمة. • مقدمة كتاب "الإفصاح في فقه اللغة" لعبد الفتاح الصعيدي وحسين موسى. • مقدمة "المثاني" لعبد الوهاب عزام. • مقدمة "الصحاح ومدارس المعجمات" لأحمد عبد الغفور عطار. • مقدمة كتاب "الاستعمار الاقتصادي" لترابرومان، ترجمة محمد عاشور. • مقدمة "الموسوعة التيمورية" لأحمد تيمور باشا. • مقدمة "مقال عن الحرية" لجون ستيوارت مِل. • مقدمة كتاب "الإنسان والإنسان الأسمى" لبرناردشو. • مقدمة قصة "النفوس الميتة" لجوجول. • مقدمة مسرحية "هملت" لشكسبير. • مقدمة كتاب "التقدم والفقر" لهنري جورج. • مقدمة "صقر قريش" لعلي أدهم. • مقدمة "فرتر" لجيته. قال د. "عبدالرحمن قائد ": «وقد عرف الناس قدر مقدمات العقاد في زمانه، وحرصوا على أن يتوجوا كتبهم بها، لما في ذلك من الشهادة لها والتعريف بفضلها؛ إذ لم يكن ممن يلقي القول على عواهنه، ويجري القلم في ثناء من لا يستحقه». |
قوة العرب المعطلة ما ذلَّ الشرق، وانقطعت صلته بينبوع قوته، ومادة حياته، إلَّا يوم جهل الناطقون بالضاد قدر أنفسهم، ونسوا رسالتهم العُلويةَ، التي كانوا بها ملح الأرض؛ فرفعوا يدهم عن دفة السفينة، وتعطلت ألبابهم عن هداية القافلة؛ وهنالك استعجم الإسلام. ولا تعود إلى الشرق قوتُه وحياته إلَّا إذا عاد إلى اغتراف إيمانه المحمدي من ينبوعه الأول، من بين الصخور التي انفجرت عن معينه، وصفَّق عليها برحيقه السَّلْسل. ولا يكون ذلك إلا إذا اشتركت في حمل مشعله سواعدُ العرب، وسُمع في حُداء صوت أبناء العرب. بالإسلام يلمُّ الشرق شَعثه، ويستعيد قوَّته، وتنمو فيه أخلاق الرجولة، ويتأهل لمشاركة الأمم في حمل عبء الحضارة، واحتلال المحلِّ الشريف من صفِّ القيادة. وإذا دبَّت في الإسلام روح الحياة، فعاد إلى ما كان عليه من صفاء وبهاء، وصراحة في عصر السعادة وفي أيام التابعين - فستجد فيه الإنسانية دواءها من أوصابها، وسيتَّقي به البشر طغيان القوميات، الذي يتمخَّض بمذبحة جهنمية تحترق بها الأرض. وإذا بقيت منها بقية بعد الحرب المقبلة فستستعدُّ لشرٍّ منها. وإذا أبطأ على الناس شرُّ القوميات وملاحمها، فسيكتسحهم وباء الشيوعية، الذي يتغلغل في أحشاء الأُمم، وتقاومه الأُمم بالعصبيات الحقودة الباغية. وهكذا يستشفي الناس من داء بداء، ما لم يهتدوا إلى الإسلام، ويستشفوا به. وكيف يهتدون إلى الإسلام، والمسلمون واقفون في طريقه، يصدُّون الأُمم عنه بمخازيهم، وجرائمهم، وضعفهم، ونفاقهم، وشحهم، وحسدهم، وشحنائهم، وكذبهم على الإسلام بأنهم أهله ودعاته؟! تجربة جرَّبها آباؤنا مرَّةً يوم باعوا نفوسهم للهداية المحمدية، ووقفوا عليها مداركهم، وأفئدتهم، وسواعدهم، ونقودهم، وأسلحتهم، وسَرَوْا على ضوئها إلى مقاصدهم، ورجعوا إلى ميزانها في تقدير الأمور، فنجحت تلك التجربة النجاح كلَّه، وما لبثوا أن رأوا النفوس التي باعوها لله، وكانت نفوس رجال من عامة الناس، عادت إليهم وهي نفوس ملوك، ورأوا مداركهم التي وقفوها في سبيل الله، صارت من أغزر ينابيع الحكمة، وأفئدتهم التي عمروها بالإيمان بالله، أهَّلتهم لاقتحام العقبات، واختراق الآفاق، وسواعدهم التي حملوا بها ألوية الإسلام إلى أُمم الأرض، تقدمت أُمم الأرض لمصافحتها ومسالمتها، ونقودهم التي بذلوها لإعلاء كلمة الحقِّ عوَّضهم الله منها كنوز كسرى وقيصر، وأسلحتهم التي جردوها لنصرة اليقين، غدت ملاذ العزِّ، وعنوان الفوز، ونقمة الله على الظالمين. وقف الحكيم الفرنسي غوستاف لوبون يراقب بعض ما استطاع أن يراقبه من تصرفاتهم في أدوار التاريخ، فهتف بملء فيه يقول: ما عرفت الإنسانيةُ فاتحاً أحكم ولا أعدل من العرب. تركوا وراءهم في آفاق الأندلس من بدائع الفن، وآيات العمران، وآثار الحضارة ما يشهد لهم بأنهم أدقُّ الأمم حسًّا، وألطفهم ذوقًا، وأبعدهم نظرًا، وأقلهم غطرسةً ودعوى. تركوا وراءهم في مكتبة الإنسانية معارف في كلِّ ضرب من ضروب الحكمة، والتفكير، والعلم، عجزت جهالة أعدائهم من التتار والصليبيين والأسبانيين عن تبديدها في مياه دجلة، ونيران طرابلس، والقدس، ومحاكم التفتيش؛ فبقيت من بقاياها أثارة، لا تزال مطابع المستشرقين في أوربا، وهِمم الشرقيين في الهند، وإيران، وبلاد الغرب، تجدُّ في نشر الألوف منها في أكثر من مائة عام، وكلُّ ما نُشر منها لا يساوي قطرةً من بحر علم العرب، الذي لا يزال مطويًّا في مخطوطات دور الكتب الشرقية والغربية، مما عرفه الناس، ومما لم يسمعوا به. وتركوا وراءهم هداية لو تجرَّد الغرب من تعصُّبه الأعمى للكنيسة، وأخذ بهداية الإسلام - لشفاه الله من كلِّ أمراضه، ولتمتع بالسعادة التي يبحث عنها في الظلام، ولا يجدها. بل لو تجرَّدنا - نحن أحفاد العرب - من جهالتنا الكسيحة، ووطَّنَّا النفوس على العمل بقواعدها، وعملنا على إحياء تكاليفها الاجتماعية، التي لا تكون الأُمَّة أُمَّة إلا بها- لظهرت حقيقة الإسلام في سيرتنا وسريرتنا، وتجلَّت محاسنه في أعمالنا ومعاملاتنا. ويومئذ نكون حجة للإسلام لا عليه، ومبشرين به لا منفرين عنه، وقبل أن ينتفع الإسلام بنا ذيوعًا وانتشارًا، ننتفع به نحن تقدمًا واعتلاء. هنالك تعرف الأُممُ الإسلامَ بنا، وتعرِّفنا بالإسلام، وهنالك تُقبل شعوب الأرض على الإيمان به أُمَّة بعد أُمَّة؛ كما يقبل الأفراد الآن على الدخول فيه واحدًا بعد واحد. في أعناقنا - نحن العرب- جريمةُ إعراضِ أُممِ الأرض عن معرفة هداية الإسلام، وفي أعناقنا- نحن العرب- جريمة خذلاننا وضعفنا واستخذائنا لكثير من أمم الأرض، حتى اليهود. وما دام ناشئ الفتيان منا ينشأ على حب الشهوات، والظنِّ بأنَّ الإسلام دين لا فائدة له في سعادة الدنيا، ويجهل نفسه بأنَّه من سلالة أمة اختصَّها الله بالرسالة إلى الإنسانية، لو أهَّلت نفسها لأدائها لتغيَّرت الأرض بذلك غير الأرض؛ ما دام ناشئ الفتيان منا ينشأ على ذلك- فبطن الأرض أولى له من ظهرها. نحن العرب نصلح لأن نكون خير الأمم أو شرَّ الأمم، أما التوسط بين ذاك وهذا فلم يقع في دور من أدوار التاريخ. نكون في سبات عميق، وفي غفلة تأخذ علينا السبل؛ فإذا استيقظنا قفزنا قفزتنا من سَمْت القدم إلى سمت الرأس، وأصبحنا ملح الأرض، وتاج الإنسانية، وقادة الدنيا. ولكن كيف نستيقظ؟ ومن الذي يوقظنا؟ المصدر: كتاب (الحديقة) لمحب الدين الخطيب، اعتنى به: سليمان الخراشي، الناشر: المكتبة السلفية، القاهرة. دار العاصمة، الرياض. (ص: 1428) بتصرف. |
طبعة منقحة من "أصول الفقه النشأة والتطور" ليعقوب الباحسين صدرت حديثًا نسخة مزيدة ومنقحة من كتاب "أصول الفقه، النشأة والتطور"، تأليف: د. يعقوب عبدالوهاب الباحسين، عضو هيئة كبار العلماء وعضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عن مكتبة الرشد. ويتناول الكتاب نشأة علم أصول الفقه، وتتبع الأقوال في أصل مصطلح "أصول الفقه"، ومناقشة ما عَرضَ من أقوال بهذا الشأن، مع تفصيل تاريخي لتاريخ التأليف والتدوين في هذا العلم، بأشكاله المختلفة، سواء كان بصورته الجامعة موضوعات الأصول المختلفة، أو بصورته المتناولة للمسائل الجزئية، ولا سيما المختلف فيها، ومناقشة وتحليل ما ذكر من أقوال، وادعاءات بهذا الشأن. ونجد أن البحث في تاريخ أيِّ علمٍ من العلوم من الأمور التي تجلي للدارس صورة هذا العلم، وتوضِّح كثيرًا من المراحل التي تقلَّبَ فيها منذ كان بذرة صغيرة، أو جنينًا يتقلَّب في أطوار النشأة الأولى؛ حتى يصيرَ خَلقًا مستويًا، ثم ما مرَّ به من تطورات مع تقلُّب الحِقَب وكَرِّ الدهور. والذي لا ريبَ فيه أنَّ أصول الفقه وُجِد مع نشأة الفقه نفسِه، ولكنَّ تخصيصه بالتدوين والكتابة وتحرير المسائل لم يكتمل إلا مع نهاية القرن الثاني الهجري عندما كتب الشافعي رسالته الأصوليَّة "الأم" التي كانت الأساس الأول لهذا العلم. وقد أجاد البحث في تحديد الفترة التي تكوّن بها أصول الفقه، واكتملت أهم موضوعاته وأبوابه، ودور العلماء في تحديد هذه الموضوعات، واختلافتهم واستدلالاتهم على ذلك. وقد بين البحث أن القرن الخامس يكاد يكون خاتمة هذه الجهود البناءة، وإن كان لبعض علماء القرن السادس، لا سيما في نصفه الأوّل، إسهام في ذلك واعتبر الباحث أن العلماء فيما بعد ذلك حتى العصر الحديث، كانوا يرددون ما قاله السابقون واقتصرت جهودهم على الاختصار، أو النظم، أو الشرح، أو كتابة الحواشي والتقريرات، دون أن يكون لهم أي إسهام فعلى، في تطوير أصول الفقه. وقد وضع الباحث ثبتًا وتعريفًا بأهم العلماء الذين ساهموا في تطور علم أصول الفقه، من المذاهب الأربعة، وساهموا بمؤلفاتهم في التأثير في بلورة وتشكيل علم أصول الفقه، وكانت لهم تأثيرات في من جاء بعدهم وحذا حذوهم في العصور التالية. وشرح الكاتب طريقة هؤلاء العلماء في تحرير المسائل واستنباط الأحكام الشرعية وإقامة الأدلة عليها في التشريع الإسلامي، وما تشمله من الحكمة، ورعاية المصالح والمفاسد، وتحقيق المقاصد الأصيلة، وإظهار محاسن الشريعة. وقد انتهي البحث إلى أن تدوين أصول الفقه لم يتطور شكلًا وموضوعًا إلا في عصر النهضة الحديثة، وبسبب المدارس الدينية، والجامعات التي اتبعت النظام الحديث في التعليم، وبسبب التطور العلمي المجتمعات العالم الإسلامي، والعربي بوجه خاص، وبسبب تطوّر الفقه، وشيوع حركة التقنين الفقهي، وقد كان هذا التطور يشمل مجالين: الأول: عرض مادة أصول الفقه بطريقة ميسرة وسهلة، دون إطناب في ذكر المناقشات والاستدلالات، وعرض المادة بموضوعية غالبًا، لم تتأثر بالاتجاهات المذهبية، فصار علم أصول الفقه في ميسور الطلبة، حتى الذين لم تكن لهم خلفيات في الدراسات الشرعية، كطلبة كليات الحقوق وغيرها. الثاني: الكتابة في الموضوعات الجزئية، سواء كانت هذه الجزئيات من الأدلة الشرعية، كالكتاب وما تفرع عنه من المباحث، وكالسنة وأنواعها، وحجية هذه الأنواع، وكالإجماع وما يذكر له من التفرّعات، وتخصيص كل منها ببحث يشمله، وكالقياس والبحث في بعض أنواعه، أو البحث في علته، وما يشترط فيها، وكالقوادح في العلة، وتكون العلة قاصرة أو متعدية وما يترتب على كل منها أو كانت من الأحكام، وكالأهلية وعوارضها، وتخصيصها، أو تخصيص كل نوع منها بدراسة، أو كانت في مباحث الألفاظ ودلالاتها.. وقد بلغت الكتب المؤلفة في هذين المجالين عددًا كبيرًا جدًا مما يصعب الإلمام به وإحصاؤه وتضمن البحث مقدمة وثمانية فصول وخاتمة أجمل فيها أهم نتائج البحث. والمؤلف هو الشيخ العلامة الدكتور يعقوب بن عبد الوهاب بن يوسف الباحسين التميمي، ولد في الزبير بالعراق سنة 1928م، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس مدينة البصرة، ثم أكمل دراسته في كلية الشريعة في الجامع الأزهر، وقد تخرج في الكلية سنة 1951م. زاول التدريس في المدارس الثانوية ومعاهد المعلمين في البصرة، فدرّس اللغة العربية وآدابها، وعلم نفس الطفل، وعلم النفس التربوي، وطرق التدريس، ثم تابع دراسته العليا في الأزهر فحصل على دبلوم الدراسات العليا في تاريخ الفقه سنة 1966م. ثم انتقل إلى جامعة البصرة محاضرًا فدرّس في كلية الحقوق، ثمّ في كلية هيئة القانون والاقتصاد، أحكام الأوقاف، وأحكام الوصايا، وأحكام الميراث، وأصول الفقه. ثم حصل بعد حصوله على إجازة دراسية من الجامعة على الدكتوراه من كلية الشريعة والقانون في الأزهر الشريف سنة 1972م. عاد بعد ذلك إلى جامعة البصرة، فعين في كلية الآداب، ثم ترك العراق سنة 1400هـ وعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية منذ 1402هـ في قسم أصول الفقه، وأحيل للتقاعد سنة 1409هـ ثم استمرّ عمله في الجامعة متعاقدًا في كلية الشريعة، ثم في المعهد العالي للقضاء، حتى الآن سنة 1438 هـ، وقد اقتصر عمله في هذه الفترة على الإشراف على الرسائل العلمية وتدريس طلبة وطالبات الدراسات العليا. وهو حاليًا عضو لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. وقد حصل د. يعقوب الباحسين على جائزة الملك فيصل للدراسات الإسلامية، لعام 1424هـ/ 2005م، وموضوع الجائزة "الدراسات التي عنيت بالقواعد الفقهية"؛ لبحوثه المتميزة في مجال الدراسات الفقهية؛ حيث كَتَب في مجال القواعد الفقهية كتابات تتصف بالتأصيل والتجديد. وله العديد من المؤلفات والمذكرات في علوم الفقه وأصوله منها: المؤلفات المطبوعة: • مدخل إلى أصول الفقه. مطبعة حداد بالبصرة، عام 1968م. • رفع الحرج في الشريعة الإسلامية (رسالة دكتوراه). طـ دار النشر الدولي بالرياض، 1416هـ. • أصول الفقه: الحد والموضوع والغاية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، 1408هـ/ 1988م. • التخريج عند الفقهاء والأصوليين: دراسة نظرية، تطبيقية، تأصيلية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، 1414هـ. • قاعدة اليقين لا يزول بالشك: دراسة نظرية، تأصيلية، تطبيقية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، عام 1416هـ/ 1996م. • القواعد الفقهية: (المبادئ، المقومات، المصادر، الدليلية، التطور): دراسة نظرية، تحليلية، تأصيلية، تاريخية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، عام 1418هـ/ 1998م. • الفروق الفقهية والأصولية: (مقوماتها، شروطها، نشأتها، تطورها): دراسة نظرية وصفية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، عام 1419هـ/ 1998م. • قاعدة الأمور بمقاصدها: دراسة نظرية، تأصيلية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، عام 1419هـ/ 1998م. • طرق الاستدلال ومقدماتها عند المناطقة والأصوليين. طـ مكتبة الرشد بالرياض، عام 1421هـ/ 2000م. • قاعدة العادة مُحَكّمة: دراسة نظرية، تأصيلية، تطبيقية. طـ مكتبة الرشد بالرياض، عام 1423هـ/ 2002م. هذا إلى جانب العديد من المحاضرات والبحوث المنشورة والندوات القيمة والحلقات الدراسية التي أشرف عليها أو شارك فيها. |
الشيخ عبد الرحمن البراك اسمه ونسبه: عبد الرحمن بن ناصر بن براك بن إبراهيم البراك، ينحدر نسبه من بطن العرينات من قبيلة سبيع. ميلاده ونشأته: ولد الشيخ في بلدة « البكيرية » من منطقة « القصيم » في شهر ذي القعدة سنة 1352هـ. وتوفي والده وعمره سنة، فنشأ في طفولته في بيت أخواله مع أمه، فتربى خير تربية. ولما بلغ الخامسة من عمره سافر مع أمه إلى «مكة»، وكان في كفالة زوج أمه « محمد بن حمود البراك ». وفي « مكة » التحلق الشيخ بالمدرسة « الرحمانية »، وهو في السنة الثانية الابتدائية قدَّر الله أن يصاب بمرض في عينيه تسبب في ذهاب بصره، وهو في العاشرة من عمره. طلبه للعلم ومشايخه: عاد من « مكة » إلى « البكيرية » مع أسرته، فشرع في حفظ القرآن على عمه « عبد الله بن منصور البراك »، ثم على الشيخ « عبد الرحمن بن سالم الكريديس » رحمهم الله، فحفظ القرآن وعمره عشر سنين تقريبًا وفي حدود عام 1364 - 1365هـ بدأ في حضور الدروس والقراءة على العلماء، فقرأ على الشيخ « عبد العزيز بن عبد الله السبيل » رحمه الله جملة من كتاب « التوحيد »، و« الآجرومية »، وقرأ على الشيخ محمد بن مقبل رحمه الله « الأصول الثلاثة ». ثم سافر إلى « مكة » مرة أخرى في عام 1366هـ تقريبًا، ومكث بها ثلاث سنين، فقرأ في « مكة » على الشيخ «عبد الله بن محمد الخليفي» رحمه الله إمام المسجد الحرام في « الآجرومية ». وهناك التقى بعالم فاضل من كبار تلاميذ العلامة « محمد بن إبراهيم »، وهو الشيخ « صالح بن حسين العلي العراقي » رحمه الله، وكان من أصدقاء العلامة « عبد العزيز ابن باز» رحمه الله، فجالسه واستفاد منه، ولما عُيِّن الشيخ « صالح » مديرًا للمدرسة « العزيزية » في بلدة « الدلم » أحب الشيخ « صالح » أن يرافقه الشيخ « عبدالرحمن » حفاوة به، فصحبه لطلب العلم على الشيخ « ابن باز » حين كان قاضيًا في بلدة « الدلم »، فرحل معه في ربيع الأول من عام 1369هـ، والتحق بالمدرسة «العزيزية» بالصف الرابع، وكان من أهم ما استفاده في تلك السنة الإلمام بقواعد «التجويد» الأساسية. وفي نفس السنة سافر مع جمع من الطلاب مع الشيخ « ابن باز » إلى الحج، وبعد عودته ترك الدراسة في المدرسة « العزيزية »، وآثر حفظ المتون مع طلاب الشيخ « ابن باز »، ولازم دروسه المتنوعة، فقد كان يُقرأ عليه رحمه الله في « الأصول الثلاثة »، و« كتاب التوحيد »، و« عمدة الأحكام »، و« بلوغ المرام »، و« مسند أحمد »، و« تفسير ابن كثير »، و« الرحبية »، و« الآجرومية ». ومكث في « الدلم » في رعاية الشيخ «صالح العراقي»، فقد كان مقيمًا معه في بيته، ودَرَس عليه علم « العَروض ». وحفظ في « الدلم » « الأصول الثلاثة »، « كتاب التوحيد »، « والآجرومية »، و« قطر الندى »، و« الرحبية »، وقدرًا من « ألفية ابن مالك » في النحو، و« ألفية العراقي » في علوم الحديث. وبقي في « الدلم » إلى أواخر عام 1370هـ، وكانت إقامته هناك لها أثر كبير في حياته العلمية. وثم التحق الشيخ بـ « المعهد العلمي » في الرياض حين افتتاحه في محرم 1371هـ ثم تخرج فيه عام 1374هـ، ثم التحق بـ «كلية الشريعة» بالرياض، وتخرج فيها سنة 1378هـ. وتتلمذ في المعهد، والكلية على مشايخ كثيرين من أبرزهم: العلامة « عبد العزيز ابن باز »، والعلامة « محمد الأمين الشنقيطي »، ودرسهم في « المعهد » « التفسير »، و« أصول الفقه »، والعلامة « عبدالرزاق عفيفي » ودرسهم « التوحيد »، و« النحو »، و« أصول الفقه »، والشيخ « محمد عبدالرزاق حمزة »، و« عبد العزيز بن ناصر الرشيد » وغيرهم، رحمهم الله جميعا. وكان في تلك المدة يحضر بعض دروس العلامة «محمد بن إبراهيم» آل الشيخ في المسجد. وأكبر مشايخه عنده، وأعظمهم أثرًا في نفسه العلامة «عبد العزيز ابن باز» رحمه الله فقد أفاد منه أكثر من خمسين عامًا بدءًا من عام 1369 هـ إلى وفاته في عام 1420 هـ، ثم الشيخ «صالح العراقي» الذي استفاد منه حب الدليل، ونبذ التقليد، والتدقيق في علوم «اللغة» من «نحو»، و«صرف»، و«عَروض». الأعمال التي تولاها: عمل الشيخ مدرسًا في « المعهد العلمي » في مدينة الرياض سنة 1379 هـ وبقي فيه ثلاثة أعوام، ثم نُقل إلى «كلية الشريعة» بالرياض، وتولى تدريس العلوم الشرعية، ولما افتتحت « كلية أصول الدين » عام 1396 هـ نقل إليها في قسم « العقيدة والمذاهب المعاصرة »، وتولى تدريس العقيدة في الكُليتين إلى أن تقاعد عام 1420 هـ، وأشرف خلالها على عشرات الرسائل العلمية. وبعد التقاعد رغبت « الكلية » التعاقد معه؛ فعمل مدة ثم تركه، كما طلب منه الشيخ «ابن باز » رحمه الله أن يتولى العمل في الإفتاء مرارًا؛ فتمنَّع، ورضي منه شيخه أن ينيبه في « رئاسة الإفتاء » في الرياض في فصل الصيف حين ينتقل المفتون إلى مدينة « الطائف »، فأجاب الشيخ حياءً؛ إذ تولى العمل مرتين، ثم تركه. وبعد وفاة العلامة « ابن باز » رحمه الله طلب منه المفتي العام الشيخ « عبد العزيز آل الشيخ » أن يكون عضو إفتاء، وألح عليه في ذلك؛ فامتنع، وآثر الانقطاع للتدريس في المساجد. جهوده في نشر العلم: جلس الشيخ للتعليم في مسجده الذي يتولى إمامته « مسجد الخليفي بحي الفاروق »، ومعظم دروسه فيه، وكذلك التدريس في بيته مع بعض خاصة طلابه، وله دروس في مساجد أخرى، وله مشاركات متعددة في الدورات العلمية المكثفة التي تقام في الصيف، إضافة لإلقائه لكثير من المحاضرات، كما تعرض على الشيخ بعض الأسئلة من عدد من المواقع الإسلامية في الشبكة العنكبوتية. طلابه: طلاب الشيخ كثيرون يتعذر على العاد حصرهم، وكثير من أساتذة الجامعات، والدعاة المعروفين قد تتلمذوا عليه، وغيرهم من طلاب العلم. وبعد توفر الوسائل الحديثة يسر الله لكثير من طلاب العلم في خارج البلاد من متابعة دروس الشيخ عبر الشبكة على الهواء مباشرة عن طريق موقع « البث الإسلامي » « www.liveislam.net ». احتسابه: وللشيخ جهود كبيرة في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومناصحة المسؤولين والكتابة لهم، وتحذير الناس من البدع وسائر الانحرافات والمخالفات.. وله في ذلك فتاوى ومقالات كثيرة، وله مشاركة مع بعض المشايخ في عدد من البيانات والنصائح الموجهة للعموم المسلمين. اهتمامه بأمور المسلمين: للشيخ حفظه الله اهتمام بالغ بأمور المسلمين في جميع أنحاء العالم، فيتابع أخبارهم فهو كثير الحزن والتألم لما يحدث لهم في كثير من البلاد وهو متابع لأخبارهم، وفي أوقات الأزمات يبادر بالدعاء لهم، والدعاء على أعدائهم، ويبذل النصح والتوجيه لهم، وللمسلمين فيما يجب نحوهم. إنتاجه العلمي: انصرف الشيخ عن التأليف مع توفر آلته، وبذل معظم وقته في تعليم العلم، والإجابة عن الأسئلة، وقد قرئت عليه عشرات الكتب في مختلف الفنون، وقد سُجل بعضها وما لم يسجل أكثر. وقد صدر للشيخ من المطبوعات « شرح الرسالة التدمرية »، و« جواب في الإيمان ونواقضه »، و« موقف المسلم من الخلاف »، و« التعليقات على المخالفات العقدية في فتح الباري » لابن حجر، و« شرح العقيدة الطحاية »، و« توضيح المقصود في نظم ابن أبي داود »، « والفوائد المستنبطة من الأربعين النووية ». وفي حياة الشيخ جوانب كثيرة مشرقة أعلم أنه يكره ذكرها، أسأل الله أن يبارك في عمره، ويمد فيه على طاعته، وينفع بعلمه. المصدر: مقدمة كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية للبراك، طـ دار التدمرية، الطبعة الثالثة، 1432هـ |
الأسرة وإذاعة القرآن الكريم مما لا شك فيه أن الأسرة تحتاج إلى التزود التربوي والعلمي والإيماني والاجتماعي، وغير ذلك مما يجعلها مترابطة ومتكاتفة ومتواصلة، وهي تستقي هذا الزاد من مشارب كثيرة منتقاة من مقروء ومسموع ومرئي، وإن من أهم تلك السبل والمجالات التي يمكن للأسرة أن تبذل حرصها عليه هو إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية؛ حيث بُذلت فيها جهود حثيثة وبرامج متنوعة من تلاوات وفتاوى، واستضافات ولقاءات، وجولات دعوية، وحوارات ومشاركات مجتمعية، وغير ذلك، فهي بحق المعلم الرائد في الإعلام، والمجال البارز في التربية، مما يجعل الأسرة مضطرة إلى متابعة برامجها المتميزة، والتي تزداد حسنًا وجمالًا كل يوم، وذلك بتوفيق الله تبارك وتعالى، ثم بجهود المخلصين فيها من إداريين ومشرفين وعاملين، فلهم من الجميع جزيل الشكر والعرفان، وقد لا يعرفهم الكثير، ولكن الله تعالى يعرفهم، وسيكون لنا مع هذه الإذاعة المباركة عشرون وقفة سائلًا الله تعالى أن ينفع بها الجميع. الوقفة الأولى: إن للإعلام دورًا بارزًا في التوعية والتوجيه؛ حيث يسمعه ويراه الأكثرون؛ فهو المجال السائد والجانب الغالب في مجالات التوجيه، فكان علينا الاستفادة من برامج بناءة تهم أسرنا؛ تصحيحًا وتوجيهًا وتثقيفًا وتربية، مما يجعل الأسرة تستثمر تلك الجهود المبذولة في صلاحها وإصلاحها، وعلى رأس القائمة تلك الإذاعة المباركة إذاعة القرآن الكريم، فما أجمل أن تهتم بها الأسر سماعًا ومناقشة وتطبيقًا في الحياة العملية؛ مما يصحح المفاهيم، ويعزز الإيجابية، ويعالج السلبية. الوقفة الثانية: هذه الإذاعة المباركة لها تاريخ عريق، فانطلاقًا من عناية واهتمام المملكة العربية السعودية حرسها الله بالقرآن وعلومه، ودعم مشروعاته في الداخل والخارج - جاء توجيه جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله بتأسيس تلك الإذاعة، وذلك في اليوم الثاني من شهر صفر من عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمنذ ذلك التاريخ بدأت الإذاعة المباركة بثها، وارتفع صوتها بالقرآن يتلى عبر أثيرها، فهي تقارب الآن السبعين عامًا بحمد الله تبارك وتعالى. الوقفة الثالثة: هذه الإذاعة واكبت التطور الإعلامي الكبير في دخولها إلى منصات التواصل، وأسست بداخلها إدارة خاصة تحت مسمى إدارة الإعلام الرقمي، ومهمتها نشر تلك البرامج في وسائل التواصل، فجاءت بحمد الله تعالى على النحو الآتي: أولًا: قناة الإذاعة على اليوتيوب؛ ليتسنى للجميع أن يسمعوا ما يشاؤون من البرامج، وتحتوي هذه القناة على أكثر من خمس عشرة ألف مادة إذاعية، ويشترك فيها أكثر من مائتي ألف مشارك. ثانيًا: حساب الإذاعة على التويتر، وعليه أيضًا تستقبل المقترحات والملاحظات، ويتابعه قرابة نصف مليون. ثالثًا: صفحة الإذاعة على الفيس بوك ويتابعها أكثر من ستمائة وستين ألفًا، وهي على مستوى العالم العربي والإسلامي. وهذه الإحصائيات بحق إنها مشرفة لهذا البلد المبارك المعطاء. الوقفة الرابعة: الإذاعة وهي بهذا المستوى العالي تضم برامج شامخة يجملها التنوع، ويحسنها الإخراج المبدع، ويرفع مستواها الطرح الجيد، وإن شيئًا بهذا المستوى لحقيقٌ بالمتابعة والتتبع تفقهًا وثقافة وطلبًا للعلم، فهنيئًا للأسر الذين عرفوا وتفقهوا في كثير من مسائل دينهم عبر هذه الإذاعة المباركة، فلجميع العاملين منا الشكر والعرفان، ومن الله تعالى الثواب الجزيل والأجر العظيم. الوقفة الخامسة: إن من الجميل جدًّا أن تختار الأسرة برنامجًا يناسبهم، فيجتمعون عليه فيستمعونه ويناقشون فيه، فإن ذلك يضيف إلى تلك الأسرة معارف ومفاهيم جليلة، وهي كأنها دورة علمية تربوية لهم، ولربما اتسع الحديث في ذلك البرنامج بين أفراد الأسرة إلى مسائل أخرى جديرة بالطرح والمناقشة، فعلى الآباء والأمهات العمل على تحقيق ذلك مشكورين. الوقفة السادسة: الإذاعة معك دائمًا في بيتك وسيارتك وجوالك، وحلك وترحالك، فاستفد من برامجها؛ فقد أُعدَّت بعناية، وروجعت بسداد وكفاية، وكانت في المتناول، فأي ساعة من ليل أو نهار تطلبها، فهي حاضرة معك بتلاوة أو فتاوى، أو طرح اجتماعي أو فقهي أو إخباري، فتنوعها هو سر جمالها، فهي صديقك الخليل وجليسك ومؤنسك، فهي بحق صرح شامخ ونعمة كبرى نشكر الله تبارك وتعالى عليها. الوقفة السابعة: لتستثمر الأسرة تلك الإذاعة من خلال الأسئلة في برامج الفتاوى، فما عليك إلا المهاتفة فيأتيك الجواب غضًّا طريًّا من علماء محققين؛ فتستفيد ويستفيد الملايين بسببك. الوقفة الثامنة: شارك في حساباتهم على التويتر والفيس بوك وغيرهما؛ لتأتيك البرامج في مكانك وعلى جهازك، لتستمع إليها متى شئت وكيف شئت. الوقفة التاسعة: إن مما يجمل تلك الإذاعة ويجعل الإقبال عليها كثيرًا أنها لم تخاطب فئة معينة، وإنما خاطبت جميع الشرائح في المجتمع من الرجال والنساء، والصغار والكبار، وفي جميع الفنون الفقهية، والعقدية، والفكرية، والقرآنية، والسلوكية، وغيرها، فمن "بك أصبحنا"، إلى إصباحها به في اليوم التالي، وهي تتنقل من زهرة إلى أخرى إعدادًا وعرضًا وإخراجًا بذله المشرفون والمبدعون، كل ذلك قد بذلوه لي ولك، فلنستفد منها كما أرادوا هم منا. الوقفة العاشرة: قامت بعض الأسر مشكورة بالتمديد الكهربائي لتلك الإذاعة في مجالسهم وفي مكان طهيهم؛ ليستفيدوا جميعًا، فهم يسمعونها وكأنهم حاضرون في أحد المساجد أو الصالات التربوية، فهي طريقة جميلة وجليلة ورائعة. الوقفة الحادية عشرة: يقترح على الأسر وضع مسابقة للأبناء على بعض برامج الإذاعة؛ ليتابعوها عن كثب، فالمادة العلمية جاهزة، وما على الآباء والأمهات إلا المناقشة والتكريم لأولادهم عند تفاعلهم مع تلك المناقشات والفوز بها. الوقفة الثانية عشرة: إن كنا نقول: إن عدد المشاركين فيها كبير، والمتابعين لها لا يُحصون كثرة - فثمة أناس في المجتمع ربما لا يعلمون كثيرًا عن هذه الإذاعة المباركة، فعلينا جميعًا الإشادة بها بين أسرنا وجلسائنا؛ ليعم الخير هؤلاء المباركين الحريصين على طلب المعرفة. الوقفة الثالثة عشرة: مما يقترح على أفراد الأسرة تجاه تلك الإذاعة المباركة أن يكون لأحدهم برنامج في طلب العلم؛ فإنها باب كبير في هذا المجال في فنون متنوعة مع علماء أجلاء أفاضل محققين، وقد سلكت بعض الأسر ذلك المسلك فاستفادت وأفادت. الوقفة الرابعة عشرة: علينا جميعًا نقل ما نستفيد من هذه الإذاعة المباركة على جلسائنا وأهلنا وقراباتنا؛ حتى يكون ما يتم طرحه له نصيب من كلامنا وطرحنا ومناقشاتنا؛ ليستفيد الجميع. الوقفة الخامسة عشرة: على المشاركين في وسائل التواصل مع تلك الإذاعة نشر المواد العلمية وغيرها مما يردهم منها فيما يرونه مناسبًا للإرسال؛ نشرًا للخير ودلالة عليه. الوقفة السادسة عشرة: كم هو جميل أن ينظر أفراد الأسرة في تلك البرامج المطروحة، فيُنتخب لكل برنامج منها فرد من أفراد الأسرة يتابعه، ويفيد أهله منه! وبهذا يكون الجميع قد استفاد من عموم البرامج المطروحة فيها. الوقفة السابعة عشرة: قد يكون لدى كثير من المتابعين مقترحات وملاحظات ونحو ذلك، فالكادر الإذاعي والإداري يرحبون مشكورين بالملاحظات والمقترحات المدروسة، مما يعزز الجانب الإعلامي والعلمي فيها. الوقفة الثامنة عشرة: في موقف عجيب ونادر، اختلف الرجال في مجلسهم في موسم الحج حول مسألة شرعية عن الحج يتناقشون فيها، فلما اختلفوا، ذكروا ذلك لجدتهم وهي كبيرة في السن، ولا تقرأ ولا تكتب، فذكرت لهم الخلاف في المسألة والراجح ودليله، وقالت بأنها عرفت هذا كله من خلال متابعتها لبرنامج نور على الدرب، ونرجو أن يكون كذلك كثير من الرجال والنساء. الوقفة التاسعة عشرة: إن مما يهم الأسرة كثيرًا متابعة البرامج الآتية: • أولًا: بك أصبحنا، وهو منوع ومفتوح للمشاركات. • ثانيًا: برنامج مع القرآن، وهو تلاوات وما يتيسر من معاني تلك الآيات. • ثالثًا: سؤال على الهاتف، وهو غاية في الأهمية للأسرة. • رابعًا: محاضرة الأسبوع؛ بحيث يتم اختيار أبرز وأنفع المحاضرات لنشرها. • خامسًا: اقرأ القرآن، وهو يُعنى بالتلاوة والتصحيح للمشاركين، وغير هذه البرامج كثير. الوقفة العشرون: أشاد سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بالحرص على متابعة هذه الإذاعة، والتفقه من خلالها، والاستفادة من برامجها والمشاركة فيها، فرحمه الله رحمة واسعة، وشكرًا مرة أخرى للقائمين عليها، وأجزل الله تعالى لهم الأجر والثواب. إن هذه اللمحات السريعة حول هذه الإذاعة يجعلنا نهتم بها تربية وتعلمًا وتعليمًا لنا ولأولادنا، مستفيدين ومشاركين في الرأي والطرح والملاحظة والمقترح، فالكل نافع ومفيد، وأختم بمقترح وهو أن كثيرًا من الرجال والنساء له رغبة في طلب العلم، والحضور في المساجد أو غيرها، لكنه مشغول بظروف تعيقه عن ذلك، فيمكن له أن يسلك هذا المسلك مع الإذاعة، وهو أن يوفر ذلك المتابع أو المتابعة بهذا البرنامج كراسة كبيرة مقسمة على برامج الإذاعة، أو عدة كراسات لكل برنامج كراسة خاصة به، ويحرر ما يسمعه من الفوائد الجمة في تلك الكراسات، ولا يكتفي بالاستماع فقط، بل يحرر ويكتب تلك الفوائد، فهو بذلك سيجني فوائد عديدة جدًّا يراها أمامه متى أرادها؛ فهي قريبة منه، بخلاف من اكتفى بالاستماع فقط، فهو وقتي، وقد يكون عرضة للزوال والنسيان، فتلك الفكرة هي من أسباب دخول الجنة؛ لأنها من طرق كسب العلم؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقًا إلى الجنة))؛ [حديث صحيح]. آمل مراعاة ذلك من أحبابي الكرام، أسأل الله تبارك وتعالى للجميع من العاملين والمستمعين السدادَ والرشاد، والهدى والتقى، والقبول والإخلاص، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
صناعة خطيب ماهر للشيخ أحمد بن ناصر الطيار صدر حديثًا كتاب "صناعة خطيب ماهر "، تصنيف: " أحمد بن ناصر الطيار "، وذلك عن " مكتبة دار الحجاز للنشر والتوزيع ". و تناول الشيخ " أحمد بن ناصر الطيار " في هذا الكتاب المهارات الأساسية وأسس تكوين الخطيب الناجح، حيث يورد في تلك الصفحات العوامل التي تعين الخطيب على إجادة الإلقاء، وفي كيفية إعداد الخطيب لخطبته، وتقدير مدى أثرها على الناس. والخطابة ليست مهارة عادية بل منها السحر والبيان كما في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال: «قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ من البيانِ لسحرًا». فبين الكاتب في رسالته أهمية الخطبة في الإسلام، ومدى تأثيرها في الناس، وعن أثر الارتجال في الخطبة، وكيفية تنمية هذه المهارة من زاد الخطيب ومخزونه مما تعلمه من علوم الكتاب والسنة، وكيفية الوصول إلى تلك المهارة قليلة الندرة في الخطباء، وبيان أساليب تطوير فن الخطابة. كما بين الكاتب في باب الارتجال بيان مزايا ارتجال الخطبة، وآفات قراءتها من الورقة وما شابه ذلك، فالخطيب الناجح يقوم بتنسيق تلك المعلومات التي يملكها في باب الدعوة وترتيبها وَفق الأولويَّة، فيقدم ما حقُّه التقديم، وهو آيات القرآن وأحاديث المصطفى - عليه الصلاة والسلام - أي: نُصوص الوحيَين، ففيهما الشِّفاء، ثم يُتْبِع ذلك بالشَّرح والتوضيح حسب الترتيب المنطقي، والغرض هو مُتابعة الجمهور واستيعابه لما يقوله الخطيب، والتسلسل في طرح المعلومات. والارتجال يعطي ثقة في النفس، وثقةً من المصلين في الخطيب، وتأثيرًا نفسيًّا عميقًا في إيصال الموعظة وتركيزها في نفوس المستمعين. ووضعَ الكاتب وصفة عملية مجربة في خمس خطوات توصلك للارتجال. كما بيَّنَ ست خطوات تعين على ارتجال الخطب بلا توتر. ووضح أيضًا - على الجانب الآخر - سلبيات ارتجال الخطابة، وسبل الخلاص من تلك السلبيات. وفي سبيل تعزيز ثقة الخطيب بنفسه وبمادته أرشد إلى أفضل حل للانتقادات الخاطئة التي تأتي للخطيب من جانب المستمعين، وكيفية تحويل تلك الانتقادات لما يفيد خير الخطيب والمستمعين للخروج بخطبة ناجحة. كما أجملَ الكاتبُ عدة مهارات في تحسين الذاكرة، والتغلب على عادة النسيان وانقطاع الكلام أثناء الخطبة، بحيث يعيش الخطيب في جو خطبته، دون أي شعور بالتهيب أو الحيرة، كما وضع الكاتب عدة وصايا للخطيب قبل الخطبة وأثنائها وبعدها. ولم يغفل الكاتب المظهر الخارجي للخطيب فوضع 23 نصيحة عامة للخطيب ولكل داع إلى الله تتعلق بشخصية الخطيب، والاعتناء بمظهره، وتحسين خطبته ومنطقه. ونجد أن الجاحظ كان أول من اهتم بالخطابة وصفات الخطيب في كتابه "البيان والتبيين"، حيث كان في رأي الجاحظ أنه لا ينبغي للمرء أن يُقدِم على الخطابة مقتحمًا، دون تدبُّرٍ وطول استعداد ومرانة؛ فقال: «فإن أردت أن تتكلَّف هذه الصناعة، وتُنسب إلى هذا الأدب، فقرَضت قصيدةً، أو حبَّرت خطبةً، أو ألَّفت رسالةً، فإياك أن تدعوك ثقتك بنفسك، أو يدعوك عجبك بثمرة عقلك إلى أن تَنتحله وتدَّعيه، ولكن اعْرضه على العلماء في عرض رسائل أو أشعار أو خطبٍ، فإن رأيت الأسماع تُصغي له، والعيون تَحدِج إليه، ورأيت من يطلبه ويَستحسنه، فانتَحله، فإن كان ذلك في ابتداء أمرك، وفي أول تكلُّفك، فلم ترَ له طالبًا ولا مستحسنًا، فلعله أن يكون ما دام ريِّضًا قضيبًا، أن يحلَّ عندهم محلَّ المتروك، فإذا عاوَدت أمثال ذلك مرارًا، فوجَدت الأسماع عنه منصرفةً، والقلوب لاهيةً، فخُذ في غير هذه الصناعة، واجعل رائدك الذي لا يكذبك حِرصهم عليه، أو زُهدهم فيه... قال البعيث الشاعر - وكان أخطب الناس -: إني والله ما أرسل الكلام قضيبًا خشيبًا، وما أريد أن أخطب يوم الحفل إلا بالبائت المحكك»؛ أي: إنه لم يكن يرتجل الخطبة ارتجالًا، بل كان يعدها من قبلُ، وينظر فيها مرات قبل أن يَرضى عنها. والخطيب الناجح الماهر هو لسان أُمته المعبر، وترجمانها المؤثر، وقلبها النابض، وعمليَّة الخطابة عند فقهائِنا الأجلاَّء كانت تسدُّ أكثر الثَّغرات في المجتمع المسلم، وتُعالج معظم الانحِرافات العقديَّة والاجتِماعيَّة، وهذه الرسالة في كيفية أخذ الخطيب دوره المؤثر في مجتمعه من جديد، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. |
صفي الدين الحلي (2) هذه هي الناحية اللفظية، وأما خصائص معانيه فإنها تتمثل في شدة اتصالها بعلوم البيان من كثرة التشبيه واستعمال المجاز والكنايات، وقد ساعده على الإجادة في ذلك ما وهبه من قوة الخيال ودقة المشاهدة كما سنعرف ذلك حين التحدث عن وصفه. وتتمثل أيضًا في طغيان الإشارات والمصطلحات العلمية عليها إذ تراه يستغل معارفه في علوم الفقه والحديث والفلسفة والتصوف في استعارة معانيه لأي موضوع شاء، وكثيرًا ما يضرب الأمثال بحوادث التاريخ أو يستشهد بالقصص العامة الشائعة كأنه يدرك قاعدة التربية الحديثة في إظهار المعقول بثوب المحسوس. وتعد معانيه فوق ذلك من النوع الممتلئ الدسم، فهي تتدفق قوية في طريقها إلى الغاية من غير تفكك أو فضول أو تدنس بالمعاني العامية المبتذلة، ويحس قارؤها بروح الصدق سارية بين أجزائها في أغلب الأغراض لأن الشعر كان قطعة من نفس صفي الدين لا علمًا يحرك به لسانه، أما في غير الغالب فقد كان يقحم نفسه في أغراض متكلفة لا صلة بينه وبينها غير حب المحاكاة والصنعة كما أنه انحدر إلى أعماق الابتذال حين خاض في المجون. وقد قال صفي الدين بهذه المعاني في جميع الميادين التي عرفها الشعر العربي إلى وقته، حائزًا قصب السبق في كثير منها فتناول الفخر والمدح والوصف والغزل، وهي أركان شعره الكبرى ثم الحكم والخمر والزهد والألغاز والمجون، وهي العمد الثانوية، ونحب قبل أن نستعرض هذه الميادين أن نسجل هنا شهادة أحد المعاصرين له وهو صاحب (الفوات) المتقدم ذكره إذ قال: تعجبك ألفاظه المصقولة ومعانيه المعسولة ومقاصده التي كأنها سهام راشقة وسيوف مسلولة)! وما أثمنها شهادة من معاصر كان أجدر به الجحود والنكران. لم يكن صفي الدين شاعرًا قوالًا فحسب، وإنما كان بطلًا مغوارًا يعرف كيف يكتب بالسيف على الرقاب كما يخط بالقلم على الطرس، وذلك لأنه نشأ من أسرة نبيلة قوية كانت هي صاحبة الولاية على (الحِلة) وبعض بلاد العراق المحيطة بها، وكان بجانبها أعداء وحُسّاد كثيرون يحاولون أن ينزلوها من المكانة السامية بكل الوسائل من غدر دنيء أو قتال صريح، حتى أن أحد أخوال هذا الشاعر قد قُتل وهو بين يدي ربه في المسجد العام، فكان هذا الموقف الخطر داعيًا إلى تنشئة أبناء الأسرة نشأة حربية باسلة، ليستطيعوا أن يأخذوا من أعدائهم بالثأر، ويردوا في نحورهم كيدهم؛ ولهذا كان أول الدواعي التي حدت بشاعرنا إلى الشدو والغناء ذلك الشعور القوي الذي كان يجيش في خلايا قلبه شعور العزة القومية والمجد والكرامة، وقد غرس فيه هذا الشعور طموحًا وثَّابًا إلى مشارف العلا فظل يضرب على وتر الفخر والحماسة بأروع الأغاني الشجية التي تبرئ صدر الجبان وتلهب عزيمة الشجاع المقدام، فشعره في ذلك مثل من أمثلة الأدب الحي القوي الذي ننشده اليوم في عصر انحلال العزائم وخمود الشهامة! وإذا شئت فترنم معه وهو يشيد بذكر قومه: قَومٌ إذا اسْتَخْصمُوا كانوا فَرَاعنةً يومًا وإن حَكمُوا كانو موازِينا تدرَّعوا العقلِ جِلْبابًا فإن حَمِيتْ نارُ الوَغَى خِلْتَهم فيها مَجانِينا إذا ادَّعوا جاءَتِ الدُّنيا مُصدِّقةً وإنْ دَعَوا قالتِ الأيَّامُ آمِينا إذا جَرينا إلى سَبْقِ العُلا طلقا إن لم نكنْ سبقًا كنَّا مُصلِّينا تدافعُ القَدَر المحتومَ همَّتُنا عنَّا ونخصمُ صرفَ الدَّهرَ لو شِينا عزائمُ كالنجومِ الشُّهبِ ثاقبةٌ مازال يحْرِق منهنَّ الشَّياطينا ولم يقصر الشاعر همه على مجرد الفخر بهذه الإرادة التي تدافع القدر المحتوم وتخصم الدهر؛ بل كان بين قومه في منزلة الشاعر الجاهلي في قبيلته يشترك عملًا في تدبير سياستهم، ويحرضهم قولًا على الحرب إذا ثلمت كرامتهم وينعى عليهم لو أحجموا يومًا عن أداء الواجب، وكأنما كان شعره جريدةَ (الحِلة) القومية، تشير عليهم كلَّ آنٍ بسديد الرأي وماضي العزم وفي نار هذه المواقع المشبوبة تلقى الشاعر دروسًا من الحكمة جديرة أن توضع بين عيني كل من يحلم بالمجد أو يطمح إلى العلياء، فهو رجل عملي لا يؤمن بالحظ والخيال الكاذب، ولكنه يرى طريق النجاح مرصوفًا بالكدِّ والعناء لا تذلِّـله إلا الإرادة الجبارة والنفس التي لا تلين. وهو رجل نستنكف أن جري ماء الحياة بين جنبيه ثم لا يسعى ويقدم ويصعد حتى يدرك قمة الشرف والسمو، وكم يسخر ويثور على هؤلاء القوالين الذين يقتنعون بالألفاظ الرنانة والأصوات الجوفاء، ألا تراه يقول: لسْتُ ممنْ يُدلُّ مع عدَمِ الجدِّ بفضلِ الآباءِ والأجدادِ ما بَنيتُ العلياءَ إلَّا بجدِّي وركوبي أخطارَها واجتهادِي وبلفْظِي إذا نطقتُ وفضْلِي وجدالي عن منْصِبي وجِلادِي غيرَ أنِّي وإنْ أتيتُ من النَّظـ ـمِ بلفظٍ يُذيبُ قلبَ الجَمادِ لستُ كالبُحتريِّ أفْخرُ بالشِّعـ ـرِ، وأثْنِي عِطْفي في الإيرادِ وإذا ما بَنيْتُ بيتًا بَخْتَر تُ كأنَّي بنيتُ ذاتَ العِمادِ إنَّما مفخَري بنفسِي وقومِي وقناتي وصَارمِي وجوادِي ومن منَّا لا يحفظ قوله السائر: لا يمتَطي المجدَ مَنْ لم يركبِ الخَطَرا ولا ينالُ العلا من قدَّم الحذَرا ومَنْ أرادَ العُلا عفوًا بلا تَعَبٍ قضَى ولم يَقْضِ من إدْراكِها وَطَرا وله غير ذلك الشعر الجيد المصقول يصور فيه همته وتفضيله الموت على الذل والنفور من اليأس حتى في ساعة الفشل والاستهزاء بالعِدا والأخطار، ويالها من مبادئ يبتسمُ لها المجدُ. ولكنه ما كاد القرنُ الثامن يذر في الأفق حتى أحاطت بالعراق خطوبٌ وفتنٌ بانشقاق أهله على أنفسهم، وبإيغال المغول في أنحائه فاتحين متجبرين، فاضطرت الولايات الصغيرة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها إلى الاجتماع بما حولها من الدول الحصينة القوية. وهكذا اعتمدت أسرة الحلي على الدولة الأرتقية المقيمة بماردين وعلى رأسِها الملك المنصور نجم الدين غازي وقد كانت تتمتع باستقلالٍ داخلي وراثي، ولكنها تعترف بسيادة مصر، وفي عاصمتها هذه يقول ياقوت في "معجمه": «إنه ليس في الأرض أحسن من قلعتها ولا أحصن ولا أحكم»، فدخل الشاعر إلى بلاط هذا الملك يحرضه بادئ الأمر على مساعدة قومه والانتصار لهم على أعدائهم، ثم ما لبث أن صار شاعرًا رسميًّا له، يهتف بمناقبه وينث ذكراه. وعند ذلك ابتدأ ظهور النوع الثاني من شعره وهو المدح. حدَّث صفي الدين الحلي عن نشوء هذا الانقلاب في شعره فقال: «كنتُ عاهدت نفسي ألا أمدح كريمًا وإن جلَّ، ولا أهجو لئيمًا وإن ذلَّ، ولكن الحوادث ألجأتني إلى هجر عريني.. فحططت رحلي بفِناءِ فخر الأواخر والأوائل ملوك ديار بكر بن وائل فمذ ثبَّتوا بالإحسان قدمي، وصانوا عن بني الزمان وجهي ودمي، حمدت لقصدهم مطايا الآمال، وقلت لا خيل عندك ولا مال، «فليُسعدِ النُّطقُ إن لم تُسعِد الحالُ»، فمن ذلك الحديث نرى أن مدحه لم يكن نفاقًا أو رياءً يتخذه وسيلة للاستجداء والسؤال، وإنما كان نتيجة عاطفة محمودة هي عاطفة الشكر وعرفان الجميل. ويدل كذلك على أنه كان يفهم غاية الشعر حقَّ الفهم ويؤمن بقدسيته الفنية، فكان يربأ به أن يكون عبدَ الغرض ورسول الحاجة، ولا غرو فقد عرفنا صفي الدين شاعرًا مطبوعًا لا مصنوعًا. وإذا أحصينا المدائح التي نظمها وهي كثيرة مستفيضة ألفيناها تكاد تنحصر في أربعة مسالك: مدح الرسول وآله، ومدح الأسرة الأرتقية المذكورة، وبني قلاوون، وبيت المؤيد، وكلها تسير على نمط متحد في عدم الوصول إلى المدح إلا بعد مقدمات طويلة في موضوع آخر يسترسل فيها ثم يبذل جهده في اختراع وسائل التخلص إلى غرضه. غير أنه كان يتصرف في أنواع هذه المقدمات بألوان شتى، فتارة تكون غزلًا وأخرى وصفًا لرحلة فتارة تكون فخرًا أو خمرًا، وقد تكون رسمًا لمنظر طبيعي جميل، فكأن كل قصيدة منقسمة إلى شقين لكل منهما غايته وصورته ولا يلتقيان إلا بذلك الرابط الواهن الذي يسمونه ( حسن التخلص ). وأوضحُ ما نراه في معاني المدح النبوي ظاهرتان تشير إحداهما إلى مذهبه والأخرى إلى خُلقه: فقد عهدناه محبًّا مخلصًا لآل البيت والسلالة العلوية يذكرهم كلما ذكر النبي تقربًا إليه بأهله، ويناضل تحت لوائهم كل من عرض لهم بمذمة أو نقيصة، مرددًا أنهم أجدر الناس بالخلافة، مسجلًا على بني العباس طغيانهم واغتصابهم لذلك الحق الثابت. وقد سأله نقيب الأشراف بالعراق أن يجيب عبد الله بن المعتز عن قصيدته التي غضَّ فيها من قدر العلويين، فأجابه بقصيدة دامغة الحجة كأنها جدال علمي لولا ما فيها من صور العاطفة الثائرة. وهذه العاطفة الشيعية تدل على حقيقة تاريخية كبيرة، هي أن العلويين كانوا لا يزالون يثيرونه دعاتهم في العراق أملًا في أن يخلفوا العباسيين بعد زوال دولتهم. أما الظاهرة الثانية: فهي اعترافاته الخطيرة أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بما جنى في حياته من عبث وجور على الشريعة يصفها بأنها جرائم تندك منها الجبال، ولا نحسبها مبالغة منه لأنا نعرفها حقيقة ثابتة في خُلقه، إذ كان حي الشيطان واهي الزمام في بيداء هواه يعطي لنفسه ما تشتهي ثم يعود إلى ربه معتقدًا دائمًا أن الله غفور رحيم، ولذا نظنُّ أنه لم يفكر في هذا الندم إلا بعد أن وخطه المشيب وآذنت شمس حياته بالمغيب. وأما مدائحه في بني أرتق فبحسبنا أن نقول عنها إنها جمعت كل ما انبتت القرائح في الأدب العربي من أوصاف الخلق الحميد، ففيها كرم حاتم، ووفاء السموءل، وحكمة لقمان وشجاعة خالد وهكذا حتى تطوف على ذرى الفضائل الإنسانية، فهي مليئة حقًا بالمبالغة والإغراق إلى أبعد مدى. ويظهر أن الشعراء كانوا لا يعدون بلاغة المدح في تصوير الحقيقة الواقعة وإنما يقبسونها بعظم المثل الأعلى الذي يتخيله الشاعر ثم يرسمه في شعره. وهذه القصائد قسمان: قسم متفرق مرتبط بالمناسبات العارضة، وقسم آخر مجتمع الأجزاء كديوان مستقل يحتوي على تسع وعشرين قصيدة كل منها تسعة وعشرون بيتًا وقد أسماه «درر النحور في مدح الملك المنصور». (له تكملة) مجلة الرسالة، العدد 28، بتاريخ: 15 - 01 - 1934م |
صدر حديثًا ترجمة لدراسة ألمانية بعنوان: "لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟ الشرق وتراث العصور العتيقة"، تأليف: "توماس باور"، ترجمة: د. "عبد السلام حيدر"، وذلك عن "دار الجمل". وتتناول تلك الدراسة خطأ الدارسين الغربيين لما يعنونه بالعصور الوسطى الإسلامية، وبيان أن العصور الوسطى في أوروبا والتي اتسمت بالظلامية والتخلف كانت تقابلها حضارة إسلامية ملأ السمع والبصر في تلك الفترة، وأنه من الظلم وعدم الحيادية بمكان أن يعمم الدارسون مصطلح "العصور الوسطى" على كل من أوروبا وإمبراطورية الإسلام في تلك الفترة الزمنية تحديدًا، يقول الكاتب: «لقد تعلمنا أن نزن المصطلحات التي نستخدمها في الحديث عن الناس والثقافات بحساسية أكبر، الكثير من الأوصاف القديمة مثل "زنجي" أو "المحمديين" يتم الآن تجنبها وبدقة، ومع ذلك فإن مصطلح "العصور الوسطى الإسلامية" غير قابل للنقاش إلى حدٍّ كبير، على الرغم من أن "مارشال هودجسون" قد شكك به في السبعينيات وبشكل تأسيسي، لكن ماذا يعني مصطلح "العصور الوسطى الإسلامية"؟ وما هي آثاره على إدراكنا للثقافات الإسلامية في فترة ما قبل الحداثة؟ وأية نتائج يتركها على الدراسات الحضارية المقارنة؟». ويرى الكاتب أن الصورة الغربية عن الإسلام "في العصور الوسطى" في حاجة إلى الإصلاح. حيث أنه لقرون طويلة كانت المدن القديمة في الشرق تزخر بمظاهر الحضارة النابضة بالحياة في المكتبات والمساجد والدور الفسيحة ذات الحمامات وغيرها من المباني الحجرية الكبيرة، بينما سقطت الحضارة في أوروبا تحت الأنقاض وحظائر الخنازير. فالأزمنة الحضارية الكلاسيكية كاليونانية والرومانية القديمة والتي كافحتها المسيحية طويلًا على اعتبار أنها حضارات وثنية الدلالة، جرى قبول مواريثها الثقافية والعلمية والحضارية لدى المسلمين، وبلورها المسلمون لتتناسب مع معتقداتهم الدينية، وتطورت بشكل هائل، بدأ نقله وانتقاله إلى أوروبا في القرن الثاني عشر وربما قبل ذلك. هذه الاستمرارية الحضارية ظهرت آثارها في كل شيء: العمارة، وسكّ النقود، وبناء المساجد، وأنظمة الري، وبحوث الفلك والإسطرلاب، والطب، والهندسة، وحتى التفكير الديني والبحث اللغوي والأدبي. يصف "توماس باور" بوضوح كيف استمرت الثقافة الحضارية القديمة من الأندلس إلى شمال إفريقيا وسوريا إلى بلاد فارس ولماذا شكل القرن الحادي عشر نقطة تحول في كل أنحاء أوراسيا، من هندو كوش إلى أوروبا الغربية، والتي سرعان ما تبعها العصر الحديث في العالم الإسلامي. والكتاب في نسخته الألمانية صدر بعنوان "لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية، تراث العصور القديمة والشرقية"، عن دار "سي. إتش بيك فيرلاغ"، لعام 2018، وترشح لجائزة الشيخ زايد للكتاب في قائمته القصيرة لفرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى. |
تحقيق المناط وأثره في اختلاف الفقهاء لحفيظة لوكيلي صدر حديثًا كتاب "تحقيق المناط وأثره في اختلاف الفقهاء (فقه الأموال نموذجًا) دراسة تنظيرية تطبيقية" ، تأليف: د. " حفيظة لوكيلي "، وذلك عن " دار الأمان " - الرباط، و" دار الكتب العلمية " ببيروت. وتندرج هذه الدارسة ضمن سلسلة الرسائل والدراسات الجامعية حيث كانت أطروحة الباحثة لنيل درجة الدكتوراه تحت إشراف أ.د. " الجيلالي الميران ي". وتتجه تلك الدراسة إلى الإحاطة الكاملة الشاملة بجميع المباحث والمفردات التي تتصل بموضوع تحقيق المناط، ذلك أن العديد من هذه المباحث ما زالت مغمورة في ثنايا توجيه الأصوليين، ولم تحظ بالقدر اللازم من الدراسة والبيان من مثل: أقسام تحقيق المناط، وأدواته، وأهميته، ومنهجيته، وغيرها من المباحث والمطالب التي يلزم استخلاصها من ثنايا عبارات الأصوليين وإبرازها بشكل مستقل منظم، بحيث تقدم للدارسين تصورًا كليًّا عامًا لموضوع تحقيق المناط، متناولًا من خلاله كل ما ينبثق عنه من مباحث ومفردات. وترى الكاتبة في مقدمة كتابها أن تحقيق المناط يعتبر العمود الفقري لعملية الاجتهاد في التطبيق، ذلك أن الحكم التكليفي يتسم بالتجريد والعموم: أما كونه متسمًا بالتجريد، فلأنه يقع في الذهن متعقلًا بمدركه. وأما كونه عامًا فلأنه لا يختص بواقعة معينة، أو شخص معين بالذات، بل يشمل المخاطبين على الإطلاق والعموم. فالحكم التكليفي قبل مرحلة تطبيقه يكون عامًا مجردًّا، وإنما يتم تطبيقه على جزئياته بعد النظر في تحقيق مناطه في الوقائع والجزئيات المعروضة، حتى إذا تحقق المجتهد أن المناط في الواقعة المعينة، أمكنه بعدها أن يطبق الحكم على عين تلك الواقعة، ليكون الحكم التطبيقي بذلك مساويًا للحكم التكليفي. وبما إنه لتحقيق المناط أهمية كبيرة، في تنزيل النصوص الشرعية من أفقها التنظيري إلى واقعها التطبيقي، فإنه يؤمل من هذه الدراسة أن تظهر كيفية تعامل فقهاء الأمة مع الواقع الذي يرومون تنزيل الحكم الشرعي عليه، وأن تفيد في تسليط الضوء على المنهج الذي التزموه ورسموه في سبيل بسط الدين على الواقع، وعن مقدار مراعاتهم للظروف الخاصة التي تحيط ببعض الوقائع والجزئيات والأعيان، فتجعل لها مناطًا خاصًا مختلفًا عن المناط العام الذي تشترك فيه مع وقائع وجزئيات أخرى. إلى جانب عناية الدراسة بإبراز أثر تحقيق المناط في اختلاف الفقهاء، ذلك أن الاختلافات الفقهية كما تكون بسبب الاختلاف في القراءات القرآنية أو عدم الاطلاع على الحديث النبوي أو الشك في ثبوت الحديث أو الاختلاف في فهم النص وتفسيره، أو الاختلاف في القواعد الأصولية التي يعتمدها كل مجتهد فإنها تكون في بعض الفروع والمسائل بسبب الاختلاف في تحقيق المناط، وقلة من الدارسين من أشار إلى أثر الاختلاف في تحقيق المناط في اختلاف الفقهاء. وبذلك يتناول هذا البحث بيان الأصول والقواعد التي تتعلق بالنظر في مآلات الأفعال والتي يُبنى عليها الحكم على الأفعال بما يضمن تحقيق مقاصد التشريع. واعتنت الباحثة في دراستها بالجانب التطبيقي حيث أنه يربط القواعد الأصولية بفروعها الفقهية وذكر الآثار الفقهية، لا سيما ما يتعلق بالنوازل المستجدة، وهذه هي الثمرة العملية المقصودة من الاجتهاد في تحقيق المناط، وطلب التوفيق بين النظري والتطبيقي هو غاية هذا البحث وذلك إيمانًا بصدق النظرية وصدق مضمونها، علمًا بأنه من الأمور الصعبة جدًا التوفيق بين النظري والتطبيقي، والإسلام يفرق بين النظري والتطبيقي، ويعتبر التطبيق هو الأساس وعليه مدار الأمور، والنظري مجرد وسيلة للوصول إليه، وأكثر ما يشكل على من يحاول ترجمة النظري إلى التطبيقي، وإدراك كيفية الربط بينهما، فالربط عنصر مهم لنقل ما هو نظري إلى الميدان العملي، وهو عمدة تحقيق المناط، وعليه مدار البحث. والدراسة تحاول أن تطبق ذلك على اجتهاد الفقهاء في جانب من الجوانب الحيوية في الفقه الإسلامي، وهو جانب المعاملات المالية. وهذا البحث كما تقول الكاتبة "إنما يعبر عن الرغبة الذاتية في الكشف عن بعض ملامح ومعالم هذا المنهج الاجتهادي الجزئي - منهج تحقيق المناط - في حقل يعتبر من أعظم حقول المعرفة الإسلامية الراسخة وهو الفقه الإسلامي وأصوله". وقد اشتملت الرسالة على قسمين: نظري وتطبيقي على النحو التالي: أولًا: القسم النظري للرسالة، واشتمل على أربعة أبواب: الباب الأول: خصصته الكاتبة للتعريف بماهية تحقيق المناط ومكانته في العملية الاجتهادية وذلك من خلال أربعة فصول: الفصل الأول: اعتنى ببيان مفهوم تحقيق المناط وعلاقته بالألفاظ ذات الصلة. الفصل الثاني: اعتنى ببيان مكانة تحقيق المناط ضمن الاجتهاد القياسي والتنزيلي. الفصل الثالث: اعتنى ببيان أهمية تحقيق المناط وأدلة مشروعيته. الفصل الرابع: اعتنى بذكر أنواع تحقيق المناط، ثم بيان مسلك العلماء في تقسيماتهم. الباب الثاني: مدار البحث فيه عن منهجية المجتهد في تحقيق المناط والشروط الواجب توافرها فيه، والوسائل والأدوات المساعدة له عند تحقيق مناط النازلة، وذلك في ثلاثة فصول: الفصل الأول: يخصص الكلام فيه عن المنهج المتبع من طرف المجتهد في تحقيق المناط مع ذكر المراحل التي تمر منها عملية تحقيق المناط والصعوبات التي تعترض المجتهد عند تنزيل الحكم. الفصل الثاني: اعتنى بذكر الوسائل والأدوات المعينة للمجتهد في تحقيق المناط. الفصل الثالث: فخصصته لاستعراض الشروط الواجب توافرها في المجتهد وبيان مدى حاجته لفهم الواقع والعرف، ومدى حاجته للتشبع بالعلوم الإنسانية المعاصرة. أما الباب الثالث: فمدار البحث فيه عن مفهوم مبدأ تغير الحكم الشرعي وعن أسبابه وضوابطه، وذلك من خلال فصلين: الفصل الأول : خصصته لكشف اللثام عن ماهية مبدأ تغير الحكم الشرعي وعن أسبابه وضوابطه. الفصل الثاني: تناول دراسة قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان وعلاقتها بتحقيق المناط. أما الباب الرابع: فأفردته الكاتبة لبيان حقيقة أصل اعتبار المآل وذكر أهميته وضوابطه مع بيان علاقة تحقيق المناط بالمآل وقواعده وذلك من خلال فصلين: الفصل الأول: خصصته للتعريف بالمآل وأهميته وضوابطه. الفصل الثاني: فاستعرض علاقة تحقيق المناط بقواعد الفقه وقواعد المآل المتمثلة في قاعدة المصلحة - الاستحسان - الذرائع - الحيل - مراعاة الخلاف - الضرورة - رفع الحرج - ثم التعليل بما يؤول إليه الحكم. وفي الأخير جاء القسم التطبيقي تتويجًا لما جاء في القسم النظري في أبوابه الأربعة لأنه سيتضمن الجانب التطبيقي لمفهوم وأدوات تحقيق المناط. ثانيًا: ووعيًا من الكاتبة بكثرة التطبيقات واختلافها فقد سعت إلى التنويع ما أمكن ذلك، وبناءً عليه وزعت القسم التطبيقي إلى بابين: الباب الأول: أبرز أهمية الخلاف الفقهي وعلاقته بتحقيق المناط وذلك من خلال فصلين: الفصل الأول: أبان عن أهمية الخلاف الفقهي وعن أنواعه وأهميته. الفصل الثاني: فمداره حول أسباب الخلاف الفقهي وضوابطه وعلاقته بتحقيق المناط. أما الباب الثاني فجاء مشتملًا على نماذج تطبيقية من فقه الأموال موزعة في أربعة فصول: الفصل الأول: خصصته الكاتبة لعرض نماذج من باب البيوع أجملت فيه إحدى عشر نموذجًا في البيوع في مباحث منفردة لكل نموذج. أما الفصل الثاني: فأفردته للمعاملات المصرفية واقتصر على دراسة الأسهم والسندات والصرف في مبحثين مستقلين مع بيان علاقتها بتحقيق المناط. أما الفصل الثالث: فتناول الشركات والإجارات وذلك من خلال خمسة مباحث اشتملت على أحكام الشركة والإجارة والمساقاة والمزارعة والجعل والمضاربة مع بيان علاقة كل منها بتحقيق المناط. أما الفصل الرابع: والأخير فتضمن دراسة الهبة والكفالة مع بيان علاقتها بتحقيق المناط في مبحثين مستقلين. أما الخاتمة: فسجلت أهم الخلاصات والنتائج العلمية التي توصلت إليها الكاتبة من خلال أبواب هذه الدراسة وفصولها. |
♦ عنوان الكتاب: النجم العلي في الصحابة من بلي. ♦ المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان. ♦ عدد الصفحات: 66. الكتاب عبارة عن جمع لكل من ذكر من الصحابة رضي الله عنهم أنه من قبيلة بلى، أو أنه ينسب ويقال له: البلويّ، أو أنه كان حليفًا لها، أو يرجح أنه كان بلويًا، وأحاول قدر استطاعتي أن أذكر منهم من كان منصوصًا عليه في كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر رحمه الله وهو الأصل. |
تحقيق جديد لكتاب الموطأ لصفوان داوودي صدر حديثًا تحقيق جديد لكتاب " الموطأ "، للإمام مالك بن أنس، برواية محمد بن الحسن، تحقيق د. " صفوان داوودي "، وذلك عن دار القلم - دمشق. وتمتاز هذه الطبعة عن مثيلاتها من تحقيقات بأن الكتاب مقابل على أربع نسخ خطية نفيسة، مع الرجوع إلى عشر نسخ أُخر احتياطية في مواضع الإشكالات، وبالهامش وجه المقابلة بين تلك النسخ، وبيان موضع الأصح في المتن. وتم استدراك السقط من جميع النسخ المطبوعة، وهو حديثان كاملان، إضافة إلى سقط كلمات كثيرة في عدة مواضع. مع تصحيح لكثير من التصحيفات والتحريفات التي تخل بالمعنى في السند والمتن. إلى جانب أن المحقق قد جمع مسائل الخلاف بين الإمامين مالك ومحمد بن الحسن، وعددها (167) مسألة. مع ذكر مسائل الخلاف بين الإمام محمد بن الحسن وأبي حنيفة وعددها (29) مسألة. وقد خرج د. صفوان داوودي بلاغات الإمام محمد بن الحسن في الكتاب وعددها (106) والتي لم يتعرض لوصلها أحد من الشراح. مع استنباط مسائل وقواعد أصول الفقه من كلام الإمام محمد بن الحسن وعددها (64) مسألة وقاعدة. وقد حرر المحقق سند الكتاب من زماننا إلى الإمام أحمد، هذا إلى جانب خدمة الكتاب بتخريج الأحاديث الواردة فيه وتحقيقها مع وضع أحد عشر فهرسًا فنيًا جامعة لفوائده لخدمة جمهور القراء والدارسين. وقد نال موطأ مالك القبول من جمهور أهل العلم، وتواردت رواياته، فقد روى الموطأ عن مالك جمع غفير من الرواة منهم: معن بن عيسى، ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وابن بكير وابن غفير، والصوري، ويحيى بن يحيى، وعلي بن زياد، ويحيى بن يحيى المصمودي الليثي، وهي أشهر رواية عن الإمام مالك، وعليها بنى أغلب العلماء شروحاتهم.. وغيرهم من الرواة. قال القاضي أبو بكر بن العربي في " شرح الترمذي ": «الموطأ هو الأصل واللباب، وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب، وعليهما بنى الجميع كمسلم والترمذي». وقال البخاري "أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر"، وكثيرًا ما ورد هذا الإسناد في الموطأ. وقد سمي الموطأ بهذا الاسم لأن مؤلفه وطَّأَهُ للناس، بمعنى أنه: هذَّبَه ومهَّدَه لهم. وكان سبب تأليفه ما ذكره ابن عبد البر رحمه الله، في كتاب الاستذكار (1 /168) أن أبا جعفر المنصور قال للإمام مالك: (يا مالك! اصنع للناس كتابا أحْمِلُهم عليه، فما أحد اليوم أعلم منك) فاستجاب الإمام مالك لطلبه، ووضع موطأه، ولكنه رفض أن يُلزِم الناس جميعًا به. وكان مالك شديدًا في السنة، متحريًّا ما استطاع الصحيح في مصنفه، ولعل الإمام مالك هو أسبق علماء الحديث في وضع ما عرف بفن الحديث، فإنه لا يكاد يعرف من سبقه في نقد الرواة والتشدد في الأخذ عنهم، عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول: كان مالك إذا شك في الحديث طرحه كله. وقال سفيان بن عيينة: رحم الله مالكًا، ما كان أشد انتقاده للرجال. |
البيان لعلوم سور القرآن لفرح بنت عبد الفتاح صدر حديثًا كتاب "البيان لعلوم سور القرآن" ، تأليف: "فرح بنت عبد الفتاح حسام الدين" ، تقديم: د. "مصطفى مسلم" ، وذلك عن " دار الهدى" . وتناول الكتاب علوم ومناسبات سور الأجزاء العشرة الأول من كتاب الله، من سورة الفاتحة إلى التوبة، ملحق بها مقاصد السور وموضوعاتها الفرعية، والصحيح من أسباب النزول، مع بعض الفوائد والمتشابهات؛ لتعين حفاظ كتاب الله على فهم الآيات، وتثبيتها، ونوهت الكاتبة أنه قريبًا تصدر باقي السور في أجزاء أخرى بإذن الله لاحقًا. وهذا النوع من التفسير يدخل ضمن مباحث " التفسير الموضوعي " لكتاب الله، والتفسير الموضوعي هو نوع من أنواع التفسير التي تهتم بالموضوع القرآني وموضعه في السياق القرآني للسورة، وتتضح أهمية التفسير الموضوعي من خلال اهتمامه بالهدايات القرآنية حيث يحاول الكشف عنها من خلال السياق والسباق للآيات القرآنية، ومن خلال تتبع الكلمة واستعمالاتها، ومن خلال التعرف على المناسبات والروابط بين السور والآيات، وبين بدايات الآيات وفواصلها وافتتاحيات السور وخواتيمها. ونجد أن فكرة التفسير الموضوعي تنبع من تقسيم الموضوع إلى عناصرَ مرتبطةِ الأجزاء، مع تقديم الأهمِّ على المهم، ولا بد أن تكون هذه العناصر منتزَعةً من المعاني القرآنية، ومرتبطةً بينها برباط علميٍّ يجعل من الموضوع وَحدةً أو سلسلةً منتظمة الجواهر والدُّرر، ثم وضعُ الآيات المناسبةِ تحت العنصر المناسب لها، وتفسيرُها بما يناسب العُنصر الذي تم إدراجُها تحته، مع الاقتصار على محل الشاهد من الآية، خاصةً عندما تكون الآيات متعددة المعاني والموضوعات، مع الاهتمام بالرد على الشبهات المتعلقة بالموضوع وانتزاع هذه الردود من الآيات نفسها، مع التقديم للسورة للتعريف بها، وذِكر سبب نزولها - إن وُجِد - وتحديد المرحلة التي نزَلت فيها السورة، وذكر المناسبات في السورة، مع التعرُّف على محور السورة من خلال اسم السورة؛ فكثيرًا ما يكون اسم السورة مُعبرًا عن مضمونها وهدفها، والمحور هو: الأمر الجامع الذي يجمع موضوعات السورة وجزئياتها في نسق واحد. وهذا المنهج التفسيري يهدف لبيان الوحدة الإجمالية لآي الذكر الحكيم وترابط السور القرآنية، مع الالتزام بالمنهج العلمي في الاستدلال والاستنباط، مع التركيز على إبراز الهدايات القرآنية، وحِكَمِ التشريع للموضوع مجال البحث، بأسلوب بياني يتناسَب مع جلالة القرآن وعظمته. وقامت الكاتبة باتباع هذا الأسلوب في تفسير كل سورة من خلال بيان عد الآي لكل سورة، مع ترتيب السور من حيث النزول، وبيان فضائل السور، ومقاصدها العامة، وتوضيح علم المناسبات بين السور وعلاقة كل منها بالأخرى، مع بيان أسباب النزول، ثم التفسير والتأويل لموضوعات كل سورة. وألحقت الكاتبة موضوع السورة وموضوعاتها الفرعية سردًا وفي مخططات تفصيلية للتسير على القارئ وحافظ القرآن، وقد نوه د. "مصطفى مسلم" في كثير من بحوثه القرآنية أنه قد كُتبت دراسات متفرقة عن المصطلح القرآني، والموضوع القرآني، لكن نادرًا ما وجد تفسير قرآني يقوم بتفسير شامل لجميع سور القرآن الكريم على منهج التفسير الموضوعي، وأن التفسير الموضوعي صار من مباحث التفسير المفيدة لأهل القرآن، وتم الاتفاق على منهجية واضحة في هذا التفسير، إلى جانب صلة التفسير الموضوعي بالأنواع الأخرى من التفسير؛ كالتفسير التحليلي، والتفسير المقارن، والتفسير الإجمالي، وبيَّن أن هذه الأنواع من التفسير تُشكِّل الخُطوات الأولى للمفسر للوصول إلى التفسير الموضوعي، الذي يُعتبر قمة الجهد البشري في بيان المراد في الآيات الكريمة، كما أن جوانبَ جديدة ووجوهًا مستحدثة لإعجاز القرآن، تَظهر لنا من خلال تفسير القرآن تفسيرًا موضوعيًّا. |
(رجال صدقوا.. رثاء ووفاء) كتاب للشيخ صالح بن حميد صدر حديثًا كتاب " رجال صدقوا.. رثاء ووفاء "، تأليف: د. " صالح بن عبدالله بن حميد" ، إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء. وتناول المؤلف عبر مقالات راقية تضمنت مواقف نبيلة وذكريات جميلة مع (٣٦) علمًا ممن تجمعه علاقة بهم.. وصدرَّهُم بذكر والديه الكريمين، ذكرى وفاء لهم، ورثاء على رحيلهم. ولم يكن لدى الكاتب قاعدة أو ضابط في اختيار هذه الشخصيات ولم يكونوا هم وحدهم الأثيرين لديه، ولكنها بنات ظروفها، ولحظة بواعثها، وإن كان بعضهم ظاهر العلاقة لزمالة في العلم والتحصيل، أو في العمل والإدارة، وبعضهم شيوخ وأساتذة لهم مكانتهم وتأثيرهم على الكاتب، وكلهم لم يكتب فيهم الكاتب ما كتب إلا بعد رحيلهم وفراقهم جميعًا، إلا واحدًا رحمهم الله. وهو رثاء لستة وثلاثين عَلمًا دوَّنه الكاتب مرتبًا حسب تاريخ وفاتهم مقدمًا والديه لعظم حقهما رحمهما الله، ولا يزعم الباحث أنه قد وفاهم حقهم، فحقهم أكبر من ذلك وأوسع. يقول الكاتب في مقدمة كتابه: «وانطلاقًا من هذه المعاني وتأسيًا بمن سلف اجتهدَ القلم أن يخط بعض خلجات المشاعر، لعلها أن تعبر عن بعض الوفاء في قالب الرثاء مقالات في سير وتراجم عدد من أهل العلم، والفضل، والرأي في علمهم وعملهم، وسياستهم وإدارتهم من الذين شاركوا في البناء المعرفي، والتربوي، والإداري، وعددٍ من الخاملين المتواضعين الذين كانوا نماذجَ للثبات في زحمة المتغيرات". وهؤلاء الأعلام مرتبين على النحو التالي: • أمي نورة بنت محمد الوهيبي رحمها الله. • الوالد سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رحمه الله. • شيخي الشيخ محمد الصالح المطوع رحمه الله. • شيخنا سليمان بن محمد الرزقان رحمه الله. • الأستاذ أحمد محمد جمال رحمه الله. • الشيخ صالح بن علي بن غصون رحمه الله. • سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله. • شيخي الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي (أبو حنيفة الصغير) رحمه الله. • الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله. • الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير رحمه الله. • الشيخ الإمام أبو أنس عمر بن محمد السبيل رحمه الله. • الشيخ عبدالله البسام رحمه الله. • الدكتور فريد ياسين قرشي رحمه الله. • رثاء في معالي الأمين العام د. صالح المالك رحمه الله. • معالي المهندس محمود بن عبد الله طيبة رحمه الله. • شيخي الحافظ المتقن محمد أكبر شاه رحمه الله. • معالي الدكتور محمد عبده يماني رحمه الله. • العلامة الشيخ الفقيه عبد الله بن عبد العزيز العقيل رحمه الله. • الأمير سلطان بن عبد العزيز رحمه الله. • سماحة العلامة محمد الحبيب بن الخوجة رحمه الله. • صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله. • الدكتور عثمان بن إبراهيم المرشد رحمه الله. • العالم الإمام الشيخ محمد بن عبد الله السبيل رحمه الله. • معالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين رحمه الله. • الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين رحمه الله. • خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله. • الشيخ صالح بن عبد الله الرشيد الفرج رحمه الله. • الشيخ عودة بن عبدالله السعودي رحمه الله. • العالم الدكتور: عبد العزيز بن سعد الحلاف رحمه الله. • شيخي الأعظمي رحمه الله. • شيخي وأستاذي محمد بن عثمان البشر رحمه الله. • محمود علي عبد المجيد رحمه الله. • أستاذي محمود السليمان الشبل رحمه الله. • معالي الدكتور: حمود بن عبد العزيز البدر. |
لمحات الأنوار ونفحات الأزهار في ثواب قارئ القرآن صدر حديثًا نسخة محققة جديدة لكتاب " لمحات الأنوار ونفحات الأزهار وري الظمآن لمعرفة ما ورد من الآثار في ثواب قارئ القرآن" تأليف الإمام أبي القاسم محمد بن عبدالواحد الغافقي الأندلسي، تحقيق "أحمد مهدلي" ، وذلك عن دار الكتب العلمية في مجلد واحد. ويعد كتاب " لمحات الأنوار ونفحات الأزهار " من أجمع الكتب في فضائل القرآن، فقد جمع فيه مؤلفه ما يقرب من ألفي رواية في ثلاثمائة وأربعة وثلاثين بابًا من أبواب فضائل القرآن الكريم، معتمدًا في ذلك على سبعين كتابًا، كما ذكر ذلك في المقدمة، وذكرها أيضًا في أسانيده إلى هذه الكتب في آخر هذا الكتاب، بل إن بعض هذه الكتب قد أودع معظمه في هذا الكتاب ككتاب "فضائل القرآن" لأبي عبيد. ونجد أن كثيرًا من هذه الكتب السبعين في عداد ما هو مفقود كما يبدو لنا الآن، أو لا يعلم أين يكون، ككتب أبي ذر الهروي، وابن صخر، وابن حبيب، وغيرهم، مما يزيد من أهمية الكتاب وقيمته العلمية. وللكتاب نسخ خطية عديدة منها نسخة محفوظة بزاوية طولقة - بسكرة، كاملة، بخط مغربي مقروء، وعناوينها بالمداد الأحمر، وتاريخ نسخها 20 ذو الحجة 1212هـ، وعدد أوراقها 299 لوحة، أولها: «وبعد: فإنه لما كان كتاب الله تعالى ذي العرش المجيد... »، آخره: «وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله، كمل السفر المبارك بعون الله وتوفيقه وتسديده في يوم الاثنين في 20 ذي الحجة سنة 1212». وهناك نسخة أخرى محفوظة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، برقم 7829، وعدد أوراقها 102 ورقة، كتبت بقلم مغربي في 16 صفر 1285 هـ. وهناك نسخة مخطوطة ذكرها الزركلي في الأعلام (6 /255) بأنها محفوظة بالإسكندرية (ن 1158 - ب). مخطوطة بسكرة مخطوطة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أما مؤلف الكتاب فهو أبو القاسم محمد بن عبد الواحد بن إبراهيم بن مفرج الغافقي الأندلسي الملاحي، عالم مسلم ومؤرخ ومحدث وأديب عربي أندلسي. من أهل غرناطة. يعد من أعلام المالكية في عصره وحدّث وأخذ عنه علماء وانتفعوا به. سمع من: أبيه عبد الواحد الغافقي، وأبي الحسن بن كوثر، وأبي خالد بن رفاعة، وعبد الحق بن بونه، وأبي القاسم بن سمجون، وطبقتهم. وأجاز له: أبو عبد الله بن زرقون، وأبو زيد السهيلي، وأبو الطاهر بن عوف الإسكندراني، والخشوعي. قال عنه ابن الأبار: «كتب عن الكبار والصغار، وبالغ عمره في الاستكثار، وكان حافظًا للرواة، عارفًا بأخبارهم، وجمع تاريخًا في علماء إلبيرة، وكتاب "الأنساب"، و"الأربعين حديثًا"، بلغ فيها غاية الاحتفال». وقال تلميذه الرعيني: «كان سنيًا متورعًا، ثقة في نقله، عارفًا بالطرق، منقبضًا عن الناس.. وقال: وهو من أهل الضبط والنقد والإتقان، والتوسع في الرواية والافتتان». ومن مصنفاته: • كتاب الأربعين: وسماه الرعيني "الأربعون، عن أربعين شيخًا، من أربعين قبيلة، في أربعين بابًا من العلم، من أربعين ما بين مسند ومصنف، مسندة إلى أربعين رجلًا ما بين صحابي وتابعي بأريعين اسمًا من أربعين قبيلة" قال فيها: هذه أعجوبة محجوبة حجبها الله تعالى، فلم يقع لأحد في علمي عليها. • كتاب "المجالس في فضائل الخلفاء الأربعة". • كتاب "الأنساب" وهو المعروف بالشجرة، وفيه أنساب العرب والعجم. وتوفي رحمه الله في شعبان، سنة تسع عشرة وست مائة. |
نظرية الضرورة الطبية في الفقه الإسلامي لأحمد ذيب صدرت حديثًا دراسة بعنوان "نظرية الضرورة الطبية في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها المعاصرة"، تأليف: "أحمد ذيب"، وذلك عن دار المقتبس. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير في الفقه الإسلامي من كلية الشريعة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، الجزائر، وذلك عام 1435 هـ/ 2014 م، بعنوان: "أحكام الضرورة الطبية في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها المعاصرة - دراسة تأصيلية تطبيقية -" وأشرف على الرسالة أ.د. "كمال لدرع". وتناولت هذه الرسالة أحكام الضرورة الطبية في الفقه الإسلامي تأصيلًا وتطبيقًا، انطلاقًا من استجلاء حقيقتها ودلالتها، ومرورًا ببدائلها الاصطلاحية، والتأصيل لها من الناحيتين الطبية والشرعية، وانتهاءً بجلب نماذج تطبيقية عن آخر ما استجد من المسائل الطبية، مستصحبة في ذلك كله ضرورة المزاوجة بين الضرورتين الشرعية والطبية لتعطي في النهاية مفهومًا متكاملًا لنظرية الضرورة الطبية. وقد اعتنى العلماء والباحثون ببيان حقيقة الضرورة الشرعية وأهم تطبيقاتها الفقهيّة، إنطلاقًا من النصوص الشرعية الواردة في ذلك، ومع تطوّر البحث الطبي في عصرنا هذا استجدّت مسائل كثيرة تحتاج إلى إجابات شرعية. ومن هنا، تبدأ الإشكالية الأساسية للبحث: وهي: ما مدى إمكانية توظيف نظرية الضرورة الشرعيّة في الإجابة عن التساؤلات الطبيّة المعاصرة؟؛ وللإجابة عن هذه الإشكالية حاول الكاتب الكشف عن التساؤلات الآتية: ♦ ما الفرق بين الضرورة الشرعية والضرورة الطبيّة؟. ♦ ما أهمية نظرية الضرورة في الإجابة عن أهم التساؤلات المعاصرة للأعمال الطبيّة؟. ♦ وما هي طبيعة العلاقة التي يُمكن تصوُّرها بين الحكم الشرعي والأعمال الطبيّة المعاصرة؟. ♦ وما مدى إمكانية المزاوجة بين الضرورتين: الشرعية والطبيّة لحل التساؤلات الطبيّة المعاصرة؟. ♦ وما هو الدور الذي يُمكن أن تؤديه الضرورة الشرعية في تطور العلوم الطبيّة وتيسير سبل العلاج؟. وتكمن أهمية البحث في حاجة الطب الحديث بنوازله ومستجداته المعاصرة شديدة التسارع في التطور كل يوم إلى القواعد الشرعية والاجتهاد الفقهي، وإعمال آلة الاجتهاد الفقهية من جديد لوضع حلول لأغلب المستجدَّت الطبية وبيان حكمها الشرعي وذلك من باب تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وتحقيق ما فيه خير للبشرية. ونجد أن مفهوم الضرورة الشرعية اصطلاحًا وتشريعًا لا ترفع المؤاخذة ولا الإثم على الإطلاق، مع حصول الإكراه أو حدوث الضرر لأنه تعارض مفسدتان، روعي أشدهما بارتكاب أخفهما، ومن ثم كان الاكتمال بين مفهومي الضرورة الشرعية والضرورة الطبية في الدراسة جابرًا لنقص مهم في مجال الدراسات الطبية الشرعية المعاصرة. والمؤلف هو د. "أحمد ذيب" أستاذ بمعهد الإمام البيضاوي للعلوم الشرعية ( مادة القواعد الفقهية) ، وأستاذ بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، ويشغل منصب أستاذ الفقه الإسلامي بالمعهد الوطني لتكوين الإطارات الدينية بالجزائر، وعضو في المجلس العلمي للإفتاء بمديرية الشؤون الدينية بأم البواقي. من مؤلفاته: ♦ "المدخل لدراسة الفقه المالكي". ♦ "التفكير الفقهي المعاصر بين الوحي الخالص وإكراهات التاريخ". ♦ "قضاء الوطر في بيان أحكام زكاة الفطر". ♦ "استثمار النص الشرعي بين الظاهرية والمتقصدة: دراسة في المنهج الأصولي في فقه النص". |
خالد الكسم من معلِّمي العربيَّة للأعاجم بأمانةٍ واقتدار (1378- 1436هـ/ 1958- 2015م) جرَت عادة المؤرِّخين وكتَّاب السِّيَر غالبًا أن يُعنَوا بالترجمة للمشاهير من العلماء والأعلام، والوجهاء والكُبَراء، وذوي الأثر البعيد في الأمَّة عمومًا وفي مجتمعاتهم خصوصًا. ومن توفيق الله لي أن ضربتُ بسهم في هذا الميدان، فأنشأت غيرَ قليل من التراجم والسِّيَر لأعلام كبار، ظاهري المكانة رفيعي المنزلة. بيدَ أن هناك فضلاءَ لم يبلغوا تلك المرتبةَ من الشهرة، ولكنَّهم قضَوا أعمارهم في استقامة وجِدٍّ وعطاء، فكان من حقِّهم علينا أن نُبرزَ مآثرَهم، ونُعليَ فضائلَهم، ونشكرَ أياديَهم. ومن هؤلاء أخٌ حبيب فاضل، لو لم يكن من جميل شمائله سوى رفعِه رايةَ العربية، والشغَف بالتضلُّع من علومها، والصَّبر على لأواء تبليغها وتعليمها، والذَّود عن حِياضها وحِماها، لكفاه شرفًا وفخرًا، وأنعِم به من شرف! إنه الأخُ الكريم الأستاذ الدمشقيُّ خالد الكسم ، الذي أحسَبه من أهل العربية الأكفياء، الذين أخلصوا في تعلُّمها وتحصيلها، وصدَقوا في تعليمها والتحبيب بها، ولا سيَّما للناطقين بغيرها من إخواننا الأعاجم، في معاهد دمشقَ الشرعية. وقد كنت عرفتُه أولَ ما عرفتُه في مجالسَ علميَّةٍ بين يدَي أستاذنا الجليل العالم النحويِّ المربِّي محمد علي حمد الله (ت 1433هـ/ 2012م) تغمَّده الباري برحمته، وكان الأستاذُ خالدٌ من صفوة أصحابه الأوفياء المقرَّبين. ودونكم سيرةً موجَزةً للأستاذ خالد الكسم؛ وفاء لأخوَّة صادقة غبَرَت، وصداقة قديمة رحلَت، وتقديرًا لما بذلَ في تعليم العربية من جهود، تقبَّل الله عمله وأثابه خيرًا جمًّا. سيرته الموجَزة اسمه ونشأته: هو أبو عمر، خالد بن محمد فوزي، بن محمد زكي، بن علي، بن إبراهيم، بن ياسين، بن أحمد عمر الكسم، من أبناء حيِّ القَيمرية الدمشقي. ولد بدمشقَ في الرابع والعشرين من جُمادى الآخرة 1378هـ يوافقه 24/ 12/ 1958م، لأسرة عريقة خرجَ منها عددٌ من العلماء الجِلَّة، والإداريين الكبار، وروَّاد الصناعة. وامتهنَت أسرته صناعةَ الصابون من نحو عام 1300هـ واشتَهرت بها في دمشق. ومن رؤوس أسرتهم العلَّامةُ الشيخ محمد عطاء الله الكسم مفتي الشام وشيخُ الحنفية (ت 1357هـ/ 1938م) رحمه الله، وهو ابن عمِّ جدِّه محمد زكي، وهو أي (محمد عطاء الله) والدُ رئيس الوزراء السوريِّ السابق عبد الرؤوف الكسم. نشأ الأخ خالدٌ في كنف والدَين فاضلين، أما أبوه فهو محمد فوزي، ولد بدمشق عام 1914م، وحضر مجالسَ للمحدِّث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسَني (ت 1354هـ/ 1935م) رحمه الله، وكان يروي بعضَ ما سمعه منه لجلسائه. وهو من رجال الصناعة، صاحبُ معمل للصابون، وباتت ألواح الصابون المصنَّعة من زيت الزيتون الخالص والمدموغة باسمه مشهورةً لدى العامَّة والخاصَّة بجودتها واعتدال ثمنها، توفي عام 1999م رحمه الله. وقد اكتسب الأستاذ خالد صنعةَ أبيه وأجداده، وأتقنها ومهَر بها ومارسها سنوات، حتى رأى أن يتفرَّغَ تفرغًا تامًّا لتعليم العربية في عام ٢٠٠٧م. وأما أمُّه فمن أسرةٍ دمشقية قديمة شهيرة، وهي المرأةُ الفاضلة نور الهدى الطبَّاع (ت 1436هـ/ 2014م) (نسبة إلى طبع السيوف وصناعتها، لا إلى طبع الورق). دراسته وتحصيله: حُبِّب إلى الأستاذ خالد دراسةُ العربية، ولم يُتَح له دراستُها في الشام فاتجه إلى المملكة العربية السعودية، وانتسَب إلى كلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بمدينة الرياض، ومنها حصلَ على الإجازة في اللغة العربية وآدابها (بكالوريوس)، عام 1409هـ/ 1989م. ثم تابع دراستَه في معهد تعليم اللغة العربية بجامعة الإمام، وحصَل منه على الإجازة في تعليم العربية للناطقين بغيرها (دبلوم)، عام 1412هـ/ 1991م. ثم رغب في متابعة دراسته العليا فسجَّل في كلية الإمام الأوزاعيِّ ببيروت في مرحلة (ماجستير) بيدَ أن الظروف لم تُسعِفه للمتابعة. وكان للأخ خالد عنايةٌ بعلوم الشريعة فأخذ في دمشقَ عن عدد من مشايخها منهم الشيخ حسين خطَّاب شيخ قرَّاء الشام حينئذ (ت 1408هـ/ 1988م)، وفي الرياض انتفع بعدد من العلماء الصالحين، منهم شيخنا العالم الربَّاني الجليلُ عبد الرحمن الباني (ت 1432هـ/ 2011م)، وشيخنا الفقيه المحدِّث محمد بن لطفي الصبَّاغ (ت 1439هـ/ 2017م)، وحضر دروسَ نخبة من علماء المملكة وعلى رأسهم سماحةُ المفتي الشيخ عبد العزيز ابن باز (ت 1420هـ/ 1999م)، رحمهم الله جميعًا. في ميدان التعليم: صرف الأستاذ خالد همَّته إلى التربية والتعليم، فانقطعَ لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في الرياض ودمشق، قبل تخرُّجه في الجامعة وبعد التخرُّج. ففي الرياض درَّس في مكاتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات، وفي دمشق درَّس في أبرز معاهدها الشرعية؛ ومنها: معهد التهذيب والتعليم (القَلبَقْجِيَّة) في سوق الحرير، ومعهد المدرسة الأَمِينيَّة (المعهد الشرعيُّ لطلاب العلوم الإسلامية) في حيِّ المِزَّة، الذي أُطلق عليه بعد ذلك اسم معهد المحدِّث الأكبر الشيخ محمد بدر الدين الحسَني، ومعهد الفتح الإسلامي في دوَّار البَيطَرة، ومعهد المَجمَع العلمي العالي في حيِّ السادات. وكان من المعلِّمين الذين اجتمع لهم حبُّ الطلَّاب واحترامُهم؛ لما كان يبذل لهم من نصح بيِّن في التعليم، وهو من قلَّةٍ قليلة ممَّن يعلِّم العربية للأعاجم وفقَ منهج علميٍّ وتربويٍّ رصين، كيف لا وهو المتخصِّص في تعليمها لغير الناطقين بها، والحاصل على شهادة (دبلوم) فيها؟! وكان يحرِص حرصًا شديدًا على اختبار الطلَّاب الأعاجم المتقدِّمين للدراسة في المعاهد الشرعية، وتحديد مستوياتهم وفقَ معاييرَ علميةٍ دقيقة، وكان في تدريسه يتابع تحصيلَ طلَّابه طالبًا طالبًا، ويتحرَّى تطوُّرَهم في كل مهارة من مهارات المقرَّر. ومما كان يَسوءُه جدًّا الفوضى الحاصلةُ في مجال تعليم غير الناطقين بالعربية، والتهاونُ في تحديد مستوياتهم، وأولويات ما يحتاجون إليه، مع شدَّة امتعاضه من جُلِّ الكتب المقرَّرة في هذا المجال! ومن هنا أن وضعَ في معهد التهذيب والتعليم بالتعاون مع رئيس لجنة الإشراف على المعهد يومئذٍ فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب الحسَني أسُسَ قسم الإعداد اللغويِّ لغير الناطقين بالعربية، وهو قسم خاصٌّ قبل المعهد مدَّته سنتان، لم يكن له شبيهٌ في المعاهد الشرعية حينئذٍ. واعتمدوا للتدريس أكثرَ الكتب التي تضمُّها سلسلةُ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وهي أكبرُ سلسلةٍ في هذا المجال تتألَّف من اثنين وخمسين كتابًا، وقد كانت النتائج ممتازةً بفضل الله وتوفيقه. سَمتُه وصفاته: عُرف الأستاذ خالد برقَّة الحاشية، ولطف المعشر، والرزانة وهدوء الطبع، وهو رجل اجتماعيٌّ يحبُّ الناس ويحرِص على لقاء العلماء والمشايخ وأهل العربية ومجالستهم، ومن دأَبه حملُ جُزازات (وُرَيقات) يدوِّن فيها بعضَ ما يقتنصُه من فوائد المجالس، وكان يسأل أسئلةً ذكية لمَّاحة عن مسائل العلم وحوادث التاريخ وشؤون الثقافة. وربما حضَّر أسئلتَه قبل لقاء العالم وأملاها عليه بتلطُّف، رغبةً منه في التعلُّم والازدياد من المعرفة والاطِّلاع. وكان رجلًا جادًّا، ديدنه التثبُّت والتدقيق الشديدُ في كل شأنٍ من شؤون حياته العامَّة والخاصَّة، إلى درجة المبالغة أو الوسوسة! وقد كلَّفه ذلك من أمره عُسرًا، وشقَّ عليه مشقَّة. حتى إنه في حديثه تراه يتخيَّر ألفاظَه وعباراتِه بدقة، ويزعجُه إن جنحَ محاورُه عن الموضوعية يَمنةً أو يَسرة، أو أدخلَ في حديثه ما ليس من الموضوع، فكان يستوقفُه ويستنكر عليه إقحامَ ما ليس منتظمًا في السِّياق، وما كان يمرِّر مثلَ هذا البتَّة! على أن انتقاده لا يعدو الدماثةَ واللطف مَشوبَين بغير قليل من حزم. وكان كذلك طُلَعةً يغشى المراكزَ الثقافية والمنتدياتِ الأدبية، وكثيرًا ما كنت ألقاه هناك، بل إن صلتي استحكمَت به في تلك المناسبات. وما زلتُ أذكر حين أُقيمَ عام 1994م حفلٌ كبير في المكتبة الوطنية بدمشق، بمناسبة مرور خمسة وسبعين عامًا على إنشاء مَجمَع اللغة العربية الدمشقي، حضره أعلامُ العربية من كلِّ صَوب= أنه كان كالفراشة تتنقَّل بين الأزهار بنشاط وهمَّة، فتراه يقتنصُ كل فرصةٍ سانحة للحديث إلى رؤساء مجامع اللغة في أقطار العربية، يوجِّه إليهم أسئلةً محضَّرة، وكنت لصيقًا به في تلكم الأيام؛ إذ كنت من موظَّفي المَجمَع، وتسنَّى لنا التواصلُ مع كثير من الكُبَراء، ومن أمتع تلكم اللقاءاتِ يومئذٍ لقاؤنا العلَمَ الجزائريَّ الأصيل، والوزيرَ المثقَّف النبيل، د. أحمد طالب الإبراهيمي ابنَ العلامة محمد البشير الإبراهيمي (ت 1385هـ/ 1965م) رحمه الله، وقد كان لحديثه عن أبيه الإمام نصيبٌ وافٍ في تلك الجلسة. ومن خِلاله الكريمة البادية أنه كان كريمًا مضيافًا، يُكثر دعوةَ أصدقائه من أهل العربية إلى داره في حيِّ المِزَّة مقابلَ مشفى الرازي، وإلى دار أبيه في مَصِيف بلودان، وكانت مجالسه عامرةً بالعلم والأدب والأُنس. وما أكثرَ أن يهديَ إلى أصحابه وخُلَّانه من منتجات معملهم من الصابون بأريحيَّة وسماحة نفس. وممَّا لا يعرفُه كثيرون عن أخينا الأستاذ خالد أنه كان مولَعًا برياضة كرة السلَّة، ومحبًّا لأنشطة الجوَّالة الكشفية، وفي إبَّان دراسته الجامعية في الرياض انضمَّ إلى فريق جوَّالة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قُرابةَ سنتين، بإشراف أستاذنا الفاضل د. محمد منير الجِنباز (الحمَوي) رائدِ حركة الجوَّالة الكشفيَّة في جامعة الإمام بالرياض. زوجه وأولاده: تزوَّج أولًا في الرياض ابنةَ شيخنا العلَّامة الأصوليِّ محمد أديب صالح (ت 1438هـ/ 2017م) رحمه الله تعالى، إلا أن زواجهما لم يدُم سوى مدَّةٍ قصيرة. ثم تزوَّج بدمشقَ ابنةَ الأستاذ القدير القاضي الشرعيِّ الأول والمستشار القانونيِّ سعدي أبو جيب حفظه الله، الأخت ملك أبو جيب، عام ١٩٩٠م، وله منها أربعُ بنات وابنٌ واحد، سلَّمهم الله جميعًا وبارك فيهم. وهو عديلُ فضيلة الشيخ العالم المحقِّق عبد القادر الخطيب الحسَني، شقيقِ الشيخين الفاضلين المهندس أحمد معاذ الخطيب والمحدِّث مجير الخطيب. وهو كذلك ابنُ خالة الأخ الفاضل الأستاذ محمد بن مصطفى السِّباعي. أما ابنُه الوحيد، فهو: عمر بن خالد الكسم، ولد بدمشق عام ٢٠٠١م، طالبٌ في السنة الأولى بجامعة القلَمون في تخصُّص هندسة ميكاترونكس (ميكانيك وكهرباء وبرمجة). وهو شابٌّ نابه، وممَّا ورثه عن أبيه الشغَفُ بكرة السلَّة والكشَّافة، فهو لاعب متميِّز، وعضوٌ بكشَّافة سوريا الفرقة ٢٤. وأما بناتُه، فهنَّ: ♦ لبابة بنت خالد الكسم، ولدت بدمشق عام ١٩٩١م، تخرَّجَت في كلية التربية بجامعة دمشق، تخصُّص رياض أطفال، وهي متزوِّجة وتقيم مع زوجها أحمد عرقاوي في ألمانيا. ♦ وسَلمى بنت خالد الكسم، ولدت بدمشق عام ١٩٩٥م، طالبةٌ جامعيَّة في السنة الثالثة بكليَّة العلوم في جامعة دمشق، قسم الفيزياء. ♦ وميمونة بنت خالد الكسم، ولدت بدمشق عام ١٩٩٨م، تخرَّجَت في معهد طبِّ الأسنان بدمشق. ♦ وأسماء بنت خالد الكسم، ولدت بدمشق عام ٢٠١١م، وهي طالبةٌ في الصفِّ الثالث الابتدائي. وفاته ورحيله: ابتُليَ الأستاذ خالد في السُّنيَّات الأخيرة من عمره بداء عَياء (سرطان الدم) أمضَّه وأدنفَه، وما زال صابرًا محتسبًا، راضيًا بقضاء الله وقدَره، حتى لقيَ وجه ربِّه سبحانه، يوم الخميس السابعَ عشرَ من شعبانَ 1436هـ يوافقه 4/ 6/ 2015م، عن ثمانٍ وخمسين سنة تقريبًا، وشُيِّع من مشفى جمعيَّة المواساة بدمشق، وصُلِّيَ عليه عقبَ صلاة عصر يوم الخميس في جامع بدر بحيِّ المالكي، ثم وُوريَ في الثَّرى بمقبرة الباب الصغير. رحمه الله تعالى وجعله في علِّيين، وغفر لنا وله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. كتبها: أبو أحمد الميداني أيمن بن أحمد ذو الغنى الرياض 18 شعبان 1441هـ مصادر الترجمة: • مذكِّراتي الشخصية وسجِلُّ محفوظاتي (أرشيفي الخاص). • سيرة ذاتية بخطِّ المترجَم له، كتبها بتاريخ 22 من رجب 1424هـ يوافقه 18/ 9/ 2003م. • سيرة ذاتية أخرى بخطِّه فيها اختصارٌ يسير عن السابقة، كتبها بتاريخ 12 المحرَّم 1428هـ يوافقه 30/ 1/ 2007م. • مراسلاتٌ مع ولده العزيز عمر بن خالد الكسم، سلَّمه الله، وقد وقفَني مشكورًا على وثائق أبيه وصوره، وأفادني كثيرًا. • مراسلاتٌ مع ابن أخيه الأستاذ الباحث باسل الكسم، وفقه الله. • مراسلاتٌ مع صديقه القديم أخي الحبيب د. أحمد صوَّان، حفظه الله. • مراسلاتٌ مع عديله فضيلة الشيخ عبد القادر الخطيب الحسَني، حفظه الله. • مراسلاتٌ مع صديقه القديم أخي الفاضل الأستاذ خير الله الشريف، حفظه الله. • ورقةُ نعيه المطبوعة. • موسوعة الأسر الدمشقية، للدكتور محمد شريف الصوَّاف 3/ 279. والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات صورة شخصية في كلية الآداب بجامعة دمشق، صيف 2000م. من اليمين خالد الكسم (رحمه الله)، إياد عمار، حسام حميدان (رحمه الله)، ضياء الدين القالش، أستاذنا محمد علي حمد الله (رحمه الله)، كاتب الترجمة أيمن ذو الغنى. خالد الكسم (رحمه الله) في أحد أنشطة جوَّالة جامعة الإمام بالرياض، في نحو عام 1988م، بجوار أستاذنا د. منير الجِنباز (الحمَوي) رائد الحركة الكشفية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض. في منزل والد خالد الكسم بمصيف بلودان، شتاء 1994م الجلوس من اليمين خالد الكسم (رحمه الله)، أستاذنا محمد علي حمد الله (رحمه الله)، أحمد نتوف. الوقوف من اليمين محمود صوان (رحمه الله)، شفيق بَيطار، خير الله الشريف، مازن نابلسي، الشيخ أسامة الرقوقي إمام جامع علي بن أبي طالب. تصوير أحمد صوان. عند بحيرة زرزر صيف 1995م من اليمين أستاذنا محمد علي حمد الله (رحمه الله)، أستاذنا الدكتور عبد الله الدنان، خالد الكسم (رحمه الله). تصوير الأستاذ غسان النحاس. |
صفي الدين الحلي (1) 677 - 750هـ (شاعرٌ أتى بما أخجل زهرَ النجومِ في السماء، كما قد أزْرَى بزهرِ الربيع في الأرض) هكذا يصف ابنُ شاكر صاحب " فوات الوفيات " بلبل الحِلَّة وحَماة والقاهرة: صفي الدين. وكأنه إذ يفاخر به الطبيعة في جمال أرضها وسمائها على ما حوى ذلك الجمال من نور وشذا وألوان وسحر، يريد أن يسجل لنا باعترافه دليلًا دامغًا على أولئك الذين يزعمون أن الأدب العربي قد أخذته الصيحةُ يومَ حطَّم التتار عرش المستعصم في بغداد! نعم هناك أناس يعتقدون أن الأدب العربي بعد سقوط بغداد قد أجْدَبت أرضُه وهوت نجومه، فأصبح لا ينتج إلا دنيء النبات، ولا يستضيء إلا بخافت الذبالة، وإنه قد ضل عن منابع الوحي فانزوى تحت قبة ذلك العصر المظلم المغمور الذي يسمونه « عصر المغول والأتراك » أو « عصر الدول المتتابعة »، ولكن هذا الزعم مبني على نظرية مخطئة ذاعت في مبدأ دراسة الأدب، ثم أخذت معاول الآراء الحديثة تهدمها من كل جانب، وهي التي كانوا يعبرون عنها بقولهم الأدب ظل السياسة، فحيثما ولت السياسة وجهها تبعها خيالها، وكلما ألم بها سقم تقاسمته مع خدينها، ولهذا جعلوا عصور الأدب من حيث القوة والضعف مطابقة التقسيم لعصور السياسة، كأن الأدب شخص قابع تحت عرش الملك يحين أجله إذا انقض عليه العرش فهشم أضلاعه! لم يمت الأدب بعد أن ماتت بغداد، وإنما ألجأته السياسة فقط إلى الفرار من مجال الفوضى والوهن، فهام على وجه قليلًا، ثم ألقى العصا في معاقل حصينة يستطيع فيها أن ينصب رايته وينشر بساطه بعد ذلك اللغب والإعياء. كانت هذه المعاقل منبثة في الأقطار العربية ولكنها ترجع جميعًا إلى ثلاثة مراكز قوية: مصر كما تمثلها القاهرة، والشام كما تمثلها حماة، وجزيرة العراق كما تمثلها ماردين. وبين هذه المراكز ظل الأدب العربي يتنقل طليقًا حيًّا معلنًا عن نفسه بأفذاذ نوابغ لا يقل بعضهم عن أعلام العصر العباسي في ريعان شبابه، ومن هؤلاء ابن نباتة المصري، وصلاح الدين الصَّفَدي، وابن حجة الحموي، وعلاء الدين ابن الأثير، وصفي الدين الحِلِّي الذي نتكلم اليوم عنه من حيث هو شاعر. نشأ صفي الدين بالحِلَّة من مدن العراق مهد الوحي الشعري الغامر شاعرًا بفطرته: يحب الشعر ويَطْرَب لما فيه من موسيقى وانسجام، فأكبَّ على حفظ كثير من مقطوعاته وهو لم يزل بعدُ غلامًا غض الإهاب، وأخذ ينظم من أمثاله ما توحيه خواطره وميوله في غير تصنُّعٍ أو كلفة كما يقول هو عن نفسه: «كنتُ قبل أن أشِبَّ عن الطوق، وأعلم ما دواعي الشوق، بَهِجًا بالشعر نظمًا وحفظًا، متقنًا علومه معنى ولفظًا، وامقًا بسَبْكِ القريض، كارها للكسب بالتقريض»، فكانت هذه الفطرة أول عامل في إيجاد تلك القوة الشعرية النابغة، وأكبر مؤثر في توجيه نفسه بعد إلى التغني بالعواطف الصادقة الطبيعية المتصلة بأعماق النفس ورغبات الحياة. ثم اجتمع له عامل آخر شحذ هذه الفطرة وعاونها على السير في اتجاهها وهو ولادته من أسرة راقيةٍ ذات قدم في المجد نفخت فيه من روح العظمة فجعلته يهتف بمآثرها ويغرد بمفاخرها، وربته كما ينشأ ولد النبلاء آخذًا بقسط وافر من الثقافة العربية السائدة في ذلك الوقت، أو بالأحرى من الثقافة العباسية، لأن تراث الفكر العباسي كان لا يزال هو المثل الرفيع الذي يحتذيه كل من أراد أن يرتوي من مناهل العلم والأدب بالرغم مما أصابه من القضاء السياسي. وإلى هذين العاملين كان هناك سبب ثالث ساعد كثيرًا في بناء ذلك الصرح الشعري الباذخ وهو ما ألجأته الحياة إليه من التنقل بين عواصم البلاد العربية: فقد فارق الحلة وهي مسقط رأسه حول عام سبعمائة من الهجرة إلى (ماردين) أكبر قلاع الجزيرة حيث نزل على صاحبها الملك المنصور نجم الدين غازي ثم ابنه الملك الصالح، وهما من أمراء البيت الأرتقي الخاضع لسيادة مصر في عهد السلاطين، ورحل بعد ذلك حول عام 727 إلى مصر نفسها فنزل بالملك الناصر قلاوون، ثم عاد إلى حماة بالشام فاتصل بالسلطان المؤيد عماد الدين الأيوبي وهو المؤرخ الشهير بأبي الفداء وابنه الأفضل، وقد كانا واليين من قبل سلطان مصر أيضا، وذهب إلى الحجاز مرارًا لأداء فريضة الحج والزيارة، فكان لهذه الرحلات آثار قوية في إحياء شعره واستغلال قريحته وفي تنمية ثقافته ومقدرته الأدبية. وإذا كان الرجل قد اجتمع له نقاء الغاية ورقي الأسرة وملاءمة البيئة فماذا تنتظر منه إلا أن يكون شاعرًا فحلا يرفع منار الأدب ويحتل له من الخلود مكانًا؟! هكذا كانت دواعي الشعر مهيأة لصفي الدين، فأخذ يصعد إلى قمَّته حتى أشرف على الغاية وصار أمير الشعر بلا منازع في أقطار الشرق ما عدا مصر التي كانت معتزة إذ ذاك بأميرها الذي لا يباري وهو: (ابن نباتة)، ولما كان العصر الذي نشأ فيه الحلي هو الوارث لآثار الفكر العباسي بالعراق، وثمرات العصر الأيوبي بمصر، فقد ظهرت طوابع هذين العهدين في شعره، وأصبح مرآة حاكية لصورتيهما، ونستطيع على ضوء هذا الحكم أن نعرف الخصائص التي تميز بها شعره من ناحية الأسلوب وناحية المعاني. أما أسلوبه فقد كان على نمط كبار الشعراء العباسيين في العصر الثاني متين الديباجة شديد الأسر مصوغًا من الألفاظ القوية الرنانة المألوفة التداول، إذ كان يواجه كثيرًا من عنايته إلى الناحية اللفظية، ويأبى إلا أن يعارض المتنبي والطغرائي والحمداني وأضرابهم من الفحول، فلا يقصر خطوه عن مداهم ولا يقع دون علاهم. وقد احتذى مع ذلك طريقة القاضي الفاضل التي نشرها بمصر وسرت منها إلى الأدب العربي جميعه، فملأ شعره بالطباق والجناس والتورية والاقتباس وغيرها من أنواع الصناعة البديعة حتى كاد أسلوبُه يُعدُّ مثلا كاملا لهذه الطريقة، وأوشك كلُّ مُحَسَّنٍ بديعي - على كثرة فروع هذه الأنواع - أن يأخذ حظه من شعره. ومن الحق أن نقرر أن هذه الظاهرة كانت تعد في ذلك العصر من الأمثلة العليا للشعر، بحيث تقاس منزلة الشاعر بقدرته على تطبيقها واستخدامها في كلامه وخلق المناسبات لها كلما استطاع، كما يتضح لنا ذلك من كتب النقد التي ألفت حينذاك، كـ " خزانة الأدب " لابن حجة الحموي، و" الوافي " للصفدي وغيرها، ولهذا لا يجوز لنا أن ننظر إلى تلك الصناعة نظرة فتور أو سخط، بل على العكس ينبغي أن نحكم على كل شاعر بروح عصره ونقيسه بمقياس زمانه لئلا نصدم القديم بالجديد، ونخلط الماضي بالحاضر. وعلى هذه القاعدة يمكننا أن نحكم لصفي الدين بأنه شاعر قدير مفتن استطاع أن يتلاعب بالألفاظ في مجال البديع بمهارة يفوق بها كثيرًا من نابهي الشعراء الذين عاصروه أو سبقوه، بل إن الباحث العصري قد لا يملك نفسه أحيانًا من الإعجاب بهذه الصناعة التي ينعى عليها لما يبدو له من لطف التقابل والتطابق واللمح والإيماء في معان منسجمة وخيال منتظم، وإذا شئت فانظر إلى قوله: وَمَا ذاكَ إلَّا أنَّ يومَ وَدَاعِنا وَقَدْ غَفَلتْ عَيْنُ الرَّقِيبِ علَى رُغْمِ ضَممتُ ضَنَي جِسْمِي إِلى ضَعْفِ خَصْرِهَا لجِنْسِيةٍ كانتْ لَه عِلَّةُ الضَّمِ رَبيبةُ خِدْرٍ يجرَحُ اللَّحظُ خَدَّهَا فَوَجْنتُها تَدْمِى وأَلْحاظُهَا تُدْمِى إِذَا ابْتَسَمتْ والفاحِمُ الجَعْدُ مُسْبَلٌ تُضِلُّ وتَهْدِي مِن ظَلامٍ ومِنْ ظُلْمِ تَغَزَّلتُ فيها بالغَزَالِ فَأعْرَضَتْ وَقَالتْ لَعمْرِي هذه غَايَةُ الذَّمِ وَكَمْ قد بَذَلتُ النَّفسَ أَطْلبُ وَصْلَهَا وَخَاطَرْتُ فيها بالنَّفيسِ علَى عِلْمِ فلَمْ تَلِدِ الدُّنيا لنَا غيرَ ليلةٍ نَعِمْتُ بِها ثُمَّ اسْتَمَرَّتْ علَى العُقْمِ! وقد بلغ من قدرته وتجليته في هذه الحلبة أنه ألف قصيدةً طويلة عدتها مائة وخمسون بيتًا تشتمل على مثل هذا العدد من أنواع البديع المختلفة كأنها كتابٌ علمِيٌّ وُضِع لضبط هذا الفن بالقاعدة والمثال، ومع ذلك فهي قطعة أدبية قيمة تجمع بين الغَزَلِ الرقيق والمدح الرائع والاستعطاف والوصف في سياق مخاطبة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي يتوسَّل إليه الشاعر بعد مرضٍ عضال شفاه الله منه! ومن أبياتها هذه الأربعة التي جمع فيها أنواعَ التَّوشيحِ والمقابلة واللَّفِ والنَّشر والتذييل والالتفات: هُمُ أرْضَعوني ثَديَ الوَصْلِ حَافِلَةً فكيْفَ يحسُنُ منها حالُ مُنْفَطِمِ؟ كانَ الرِّضَا بِدُنُوِّي مِنْ خَواطِرِهِمْ فصَارَ سُخْطِي لِبُعدِي عَنْ جِوَارِهِمِ وَجْدِي حَنِيني أَنِيني فِكْرتي وَلَهِي مِنْهم إِلَيْهم عَلَيْهِم فِيهِمُ بِهِمِ للهِ لَذَّةُ عيْشٍ بالحبيبِ مَضَتْ فلَمْ تَدُمْ لِي وغَيْرُ اللهِ لم يَدُمِ! ومع أن صفي الدين عارض كثيرًا من الشعراء في العصرين الجاهلي والأموي، وشاهد كثيرًا من مظاهر حياتهم في البادية أثناء رحلاته الطويلة، فإننا لم نره يتناول الأوصاف الجاهلية الغربية أو يختار غير الشائع في عصره من الألفاظ السهلة الجارية على الألسن الفصيحة، متأثرًا في ذلك شعراء العصر الأيوبي في مصر، وإن كان لم ينزل معهم إلى الذوق الشعبي العام، فكأنه وقف وسطًا بين الأسلوب القديم الغامض، والأسلوب الحديث الواضح، ومن أجل موقفه هذا رماه أحدُ النقاد في عصره بسهم حاد إذ عاب عليه ضعف شعره من الوجهة اللغوية وقلة استخدامه للألفاظ الغريبة، فأخذ يرد عليه بهذا البيان القوي الحاسم: إنما الحيزبون والدردبيس والطخا والنقاخ والعلطبيس والحراجيح والشقحطب والصع قب والعنقفير والعنتريس لغة تنفر المسامع منها حين تروى وتشمئز النفوس وقبيح أن يذكر النافر الوح شي منها ويترك المأنوس أين قولي: هذا كئيب قديم ومقالي: عقبقل قدموس؟ لم نجد شاديا يغني: (قفا نب ك) على العود إذ تدار الكؤوس لا ولا من شدا (أقيموا بني أم ي) إذا ما أديرت الخندريس خلي للأصمعي جوب الفيافي في نشاف تخف منه الرؤوس إنما هذه القلوب حديد ولذيذ الألفاظ مغناطيس فهذه دعاية ثائرة للتجديد تدل على أن شاعرنا لم يكن يحب التقليد الأعمى للأقدمين، وإنما يرى من الواجب أن تتحول اللغة إلى أشكال شتى بحسب ما يقتضيه العصر ما دامت محافظة على قواعدها الأساسية، وقد ذكرنا أن هذه الدعوة ليست إلا صدًى لمذهب الشعر المصري سرى في بلاد الشرق العربي حين كان منضويًا تحت لواء مصر السياسي والاجتماعي في عهد الأيوبيين والسلاطين. (يتبع) مجلة الرسالة، العدد 27، بتاريخ: 08 - 01 - 1934م |
تعارض البينات القضائية وأثره في الفقه الإسلامي لناصر مريواني صدر حديثًا دراسة بعنوان " تعارض البينات القضائية وأثره في الفقه الإسلامي، دراسة فقهية مقارنة "، تأليف د. " ناصر عبد القادر مريواني "، وذلك عن " دار المقتبس ". وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله من كلية الشريعة جامعة دمشق بسوريا وذلك عام 1430 هـ/ 2009م، وأشرف على الرسالة أ.د. "محمد فاروق العكام" ، ود. "محمد توفيق رمضان" . وتناولت هذه الرسالة طرق الإثبات أو الوسائل الشرعية لإثبات الحقوق أمام القاضي، وهي من أبرز ما عني الإسلام به، فالقاضي لا يتمكن من الفصل في الخصومات بين الناس دون اللجوء إلى وسيلة من وسائل إثبات الحقوق التي قررها الإسلام كالبينة والإقرار ونحو ذلك، فهو إذن بأمس الحاجة لبيان ومعرفة هذه الوسائل لتحقيق العدل بين الناس. والقاضي يقف أمام شخصين، كل منهما يدعي الحق، ويدعم قوله بالحجة والبرهان والدليل، فإذا أراد أن يحكم لأحدهما بحجته برزت حجة الآخر ودليله حائلًا دون ذلك، فيخرج النزاع من صورته الأولى على المدعي به، إلى صورة ثانية وهي النظر في الأدلة المتعارضة لفحصها والتأمل فيها والحكم عليها، ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن معظم الأدلة ظنية ترجيحية. وقد وضع الفقهاء القواعد والضوابط في تعارض البينات وترجيحها، وبينوا طرق الترجيح إجمالًا. وهذه الرسالة في بيان قواعد الترجيح وأصول الأدلة التي يرجع إليها القاضي في حكمه حال تعارض البينات وكيفية الترجيح بين أقربها للعدل والحق، وذلك في إطار دراسة علمية فقهية أصولية مقارنة. وقد قام الكاتب بالمقارنة بين المذاهب الفقهية الإسلامية المعتمدة في بيان تلك الأصول الترجيحية وذلك عن طريق التتبع والاستقراء لكثير من أمهات كتب الفقه في كل مذهب، إلى جانب الاهتمام بالمنهج الأصولي الذي يعتمد على بيان كيفية الاستدلال من هذه الأدلة، ربطًا بين الفقه وأصوله. والمقارنة بين النظر الفقهي للموضوع، ثم بيان المواد القانونية الموجودة في قانون البينات السوري. وقد جاءت الدراسة في مقدمة وفصل تمهيدي وسبعة فصول وخاتمة على النحو التالي: الفصل التمهيدي: القضاء والدعوى، وهو فصل في تعريف مصطلحات الرسالة كتعريف القضاء والدعوى لغةً وشرعًا، وفي علاقة الدعوى بالحق وصلتها بالقضاء. الفصل الأول: معنى التعارض، وقام الكاتب فيه بتعريف التعارض لغةً وشرعًا عند الأصوليين، وبيان شروطه، وأركانه، ومحل وقوع التعارض. الفصل الثاني: معنى البينات، وفيه قام الكاتب بتعريف البينة لغةً واصطلاحًا، ومعنى تعارض البينات، وعبء الإثبات وأهميته وتنقله، والقواعد التي يخضع لها عبء الإثبات، وبيان معنى المدعي والمدعى عليه. الفصل الثالث: في بيان أنواع البينات وترتيبها حسب اختلاف الفقهاء، في ستة مباحث: المبحث الأول: الإقرار. المبحث الثاني: الشهادة. المبحث الثالث: اليمين. المبحث الرابع: الكتابة. المبحث الخامس: القرائن. المبحث السادس: المعاينة والخبرة. الفصل الرابع: في حكم التعارض وطرق التعارض: وذلك في بيان موقف الفقهاء (القاضي) حول البينات المتعارضة، وحقيقة الجمع بين تلك البينات، وصور الجمع بين المتعارض بينها، وتعريف الترجيح لغةً واصطلاحًا، وبيان شروطه وحكمه. الفصل الخامس : صور الترجيح عند التعارض، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: الترجيح بزيادة العدالة وأدلتها. المبحث الثاني: الترجيح بزيادة العدد. المبحث الثالث: الترجيح باليد. المبحث الرابع: الترجيح بقوة الحجة. المبحث الخامس: الترجيح حسب التاريخ. المبحث السادس: الترجيح بزيادة الإثبات والعلم. المبحث السابع: حكم اليمين مع البينة الراجحة. الفصل السادس: في عدم استعمال الجمع أو ترجيح البينات، في بيان أسباب عدم الجمع والترجيح، وفي حكم استعمال البينات المتعارضة، وفي القرعة ومشروعيتها، والقسمة: تعريفها ومشروعيتها وأنواعها. الفصل السابع: في إجمال القواعد الفقهية للبينات القضائية (للإثبات والترجيح)، مع بيان الفارق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي، والفارق بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية. وفي الخاتمة أجمل الكاتب أهم نتائج البحث وترجيحاته، والتوصيات بشأن التوسع في بحث تلك القواعد الفقهية في باب القضاء، بصفتها أدوات رئيسة من أدوات القاضي في الحكم بين الناس. |
التعليم في العصر العباسي الأول لآلاء خالد العزاوي صدر حديثًا كتاب " التعليم في العصر العباسي الأول (132 - 232 هـ / 749 - 847 م) "، تأليف: " آلاء خالد إبراهيم العزاوي "، من منشورات " مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ". وأصل الكتاب رسالة علمية نالت بها المؤلفة درجة الماجستير من جامعة الشارقة، قسم التاريخ والحضارة الإسلامية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية- الإمارات. ويسلط الكتاب الضوء - كما تقول المؤلفة في مقدمتها - على جانب التعليم في العصر العباسي الأول؛ حيث ركزت أغلب الدراسات السابقة على العصر العباسي الثاني. ويقتصر على التعليم في المشرق الإسلامي: الشام، والعراق، والحجاز، ومصر، في الفترة من سنة 132 إلى 232هـ. وقد عرَّفت المؤلفة بأهم المصادر العربية التي استفادت منها، مثل: كتاب " تاريخ الرسل والملوك " للطبري، و" عيون الأخبار " لابن قتيبة، و" تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي، و" الأغاني " للأصفهاني، و" آداب المعلمين " لابن سحنون، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر، و" كتاب الوزراء والكُتاب " للجهشياري. وقد انطلقت الدراسة في معالجتها لهذا الموضوع الهام من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية: ♦ ما الدور الذي لعبه حكام الدولة العباسية في التعليم؟ ♦ كيف كان نظام التعليم في العصر العباسي الأول؟ ♦ ما الوسائل المعينة على التعلم؟ ♦ كيف ساهمت الرحلة في نشر العلم والمعرفة في العصر العباسي الأول؟ ♦ ما أشهر المكتبات التي ظهرت في العصر العباسي الأول؟ وكيف تطورت صناعة الكتاب؟ ♦ ما مخرجات التعليم في العصر العباسي الأول؟ وجاءت الإجابة عن هذه التساؤلات محور الموضوع في أربعة فصول مسبوقة بمقدمة وتمهيد ومذيلة بخاتمة وملاحق وثبت بأسماء المصادر والمراجع على النحو التالي: جاء التمهيد بلمحة حول التعليم في العصر الأموي، وتناول الفصل الأول الخلفاء العباسيين والتعليم، وتشجيعهم للعلم والتعلم، وتعليم الأسرة العباسية لأبنائها، ومجالس الخلفاء وإسهاماتها في نشر العلم. وأما الفصل الثاني الذي كان بعنوان (نُظُم التعليم عند العباسيين )، وفيه ذكر فئات المعلمين ومستوياتهم المهنية، وطرق ووسائل وأماكن التدريس، والإجازات العلمية. والفصل الثالث جاء بعنوان ( الوسائل المُعِينة على التعلم )، فجاء فيه الحديث عن أدوات الكتابة المستخدمة في العصر العباسي الأول، وأثر صناعة الورق في نشر المعرفة وصناعة الكِتَاب، وأشهر المكتبات في العصر العباسي الأول. والفصل الرابع الذي عنوانه ( مخرجات التعليم في العصر العباسي الأول )، تحدثت فيه المؤلفة عن الرحلة العلمية وإسهاماتها في نشر المعرفة، وازدهار حركة الترجمة، وازدهار العلوم النقلية والعقلية. أما منهج البحث الذي ارتكزت عليه الدراسة فكان منهج الاسترداد التاريخي القائم على النقد والتحليل والمقارنة فضلًا عن استخدام الأسلوب الكمي، كما حرصت الدراسة على الترجمة للأعلام والمدن وتعزيز الدراسة بالرسوم والأشكال التوضيحية، فضلًا أن البحث يقتصر من الناحية المكانية على الحديث عن التعليم في المشرق الإسلامي (الشام والعراق والحجاز ومصر). وقد خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج من أهمها: أن التعليم في العصر العباسي كان تعليمًا شموليًا، لا يوجد فيه إقصاء أو إلغاء أو تهميش لأي شريحة من شرائح المجتمع، أو لأي إقليم من الأقاليم، ولعل ذلك يعد مظهرًا من مظاهر الوعي الثقافي الذي ساهم في ازدهار الحضارة الإسلامية في العصر العباسي على العموم، والعصر العباسي الأول على الخصوص. كما ساهمت حركة الترجمة على تطوير الحياة الفكرية في العصر العباسي، وذلك باطلاع العرب المسلمين على علوم كانوا هم بأمس الحاجة إليها، كما أسهمت الترجمة في إحداث تفاعل بين الثقافات لمختلف الأمم المتحضرة والثقافة العربية. كما كان العصر الذهبي للحياة الأدبية في مجالس الخلفاء العباسيين كان في عهد الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق. كما كان لثراء البيئة العباسية بما تشتمل عليه من ثقافات وأعراق وأجناس أثره الواضح في تقدم التعليم والعلوم في ذلك العصر. كما نجد أن بعض الخلفاء العباسين نبغوا في الفقه والشعر، وكانوا أحيانًا يتفوقون على كبار عصرهم وأدبائه. |
كيف نوجه الجهود الوقائية ضد كورونا نحو أفضل مردود يمكن قياسه وتطويره؟ (أفكار متدرجة مكثفة وعاجلة) 1) كل الجهود والموارد محدودة. 2) الوقت محدود. 3) كورونا لا يعمل وفق أهوائنا. 4) لكل مشروع عادةً نسبةُ جهدٍ لا تصيب الهدف وتضيع الموارد. 5) مردود الجهود الوقائية لا يُقاس بالنية الحسنة، والتعب والسهر، وعدد العاملين، والضجة والتغطية الإعلامية. 6) فريق العمل ينفذ فقط. 7) لا بد من بناء فريق علمي للبحث والتفكير، واختيار الأهداف وترتيبها وجدولتها، ثم إعطائها للمنفذين، مع معايير للتنفيذ والمتابعة. 8) الأجدى البدء بهدف وقائي محدد علميًّا: مكانًا وزمانًا، وماهيةً وأثرًا، وله صلة علمية موثقة ومباشرة بعدد كبير من المنتفعين أو المتضررين. 9) لا يكون العمل مركزًا إلا إذا كان الهدف محددًا علميًّا ومركزًا. 10) العمل على هدف محددٍ علميًّا سلفًا، ومركزٍ يحتاج جهدًا موجهًا ومركزًا، وله فائدة عالية؛ مثال تحقق: توجيه الجهود الوقائية والتشخيصية نحو بؤر تكثف الإصابات المبلغ عنها وزيادة احتمالاتها؛ مثل: مساكن العمالة المكتظة وغير المهيأة صحيًّا. مقترح: توجيه جزء ممنهج من الجهود الوقائية على الفئات التي تتحرك بحرية، وتختلط بكثير من الناس؛ مثل: إخواننا عمال النظافة، والسائقين، وخدمات التوصيل، ومثيلاتها. 11) العمل المركز والمحدد على هدف علمي محدد ومركز، يمكن قياس أثره ومردوده. 12) العمل على هدف غير محدد علميًّا وغير مركز سيحتاج جهدًا كبيرًا وفضفاضًا ومكلفًا، وغير محدد الوجهة، وستكون فائدته قليلة أو غير ملموسة. مثال: رش أبواب المنازل والمتاجر وواجهاتها والشوارع - جهدٌ يشكرون عليه، ولكنه - أمانةً - هدف غير محدد وجهد ضخم، وهو أكبر بكثير جدًّا من مساحة مقابض الأبواب التي تلمسها الأيدي بكثرة، ويحتمل نقل المرض خلالها. 13) العمل غير المركز وغير المحدد على هدف غير علمي، وليس محددًا ومركزًا - لا يمكن قياس أثره ومردوده، فيستحيل قياس ما لا نعرف تحديدًا، كما يصعب قياس أثر جبهة تنفيذ عريضة وضخمة. 14) انطلاق العمل من فريق علمي مفكر يحدد ويرتب الأهداف ذات الأثر النوعي والشمولي والمردود العالي، ثم يعطيها لفرق تنفيذ مع معايير تنفيذ ومتابعة - سيكون له مردود عالٍ، ويسهل قياس أثره، والإفادة من تجربته وتطويرها. 15) سيفيد فريق البحث والتفكير للجهود الوقائية من الجمهور؛ عن طريق فتح قنوات إليكترونية فاعلة لجمع الأفكار والمقترحات، والتأكد من فرزها وتصنيفها، والإفادة مما يناسب منها. |
شرح عمدة المفيد وعدة المجيد في معرفة لفظ التجويد لابن محمود المقرئ صدر حديثًا كتاب " شرح عمدة المفيد وعدة المجيد في معرفة لفظ التَّجويد "، تأليف: الإمام شمس الدين أحمد بن محمود الأديب (من علماء القرن السابع الهجري)، حققه: "ا لسيد عبد الغني مبروك الطنطاوي "، وذلك عن دار " خير زاد للنشر والطباعة ". والكتاب شرح لمنظومة ( عمدة المفيد) للإمام علم الدين السخاوي (ت: 643هـ)، وهو يعد - فيما يقول المحقق - أول شرح على هذه المنظومة وأقدمه. ومنظومة السخاوي هي منظومةَ في جريِها علىٰ تصحيحِ التّلاوةِ، والتّنبيهِ على الأخطاءِ الّتي يقعُ فيها التّالونَ، مرتَّبةً علىٰ حروفِ الهجاءِ، حيث أنّها في ذٰلك مقتدِيةٌ بطرائقِ الأئمَّةِ في التّدوينِ في هٰذا الفنِّ، ومِن أشهرِ مَن تكلّم في ذٰلك الإمامُ الدّانيُّ في كتابِه " التّحديد "؛ فقد خصَّ فيه بابًا طويلًا (ص: 116-168) في (ذكر الحروفِ الّتي يلزمُ استعمالُ تجويدِها، وتعمُّل بيانِها وتلخيصِها؛ لتنفصل بذٰلك مِن مشبِهها علىٰ مخارجِها)، وفعل مثلَه مكّيٌّ القَيسيُّ في "ا لرّعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التّلاوة" ، وجماعةٌ كثيرةٌ، ومِمّن أتقن ذٰلك في اللّاحقين " الصّفاقُسيُّ " التّونسيُّ صاحبُ "تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عمّا يقع لهم مِن الخطإِ حال تلاوتِهم لكتابِ الله المبين". وهذه المنظومة لجودتها ووجازتها حَظِيت بالشّرحِ والبيانِ، وقد ضمّن النّاظمُ معانيَها في " جمال القرّاء" ، في كتابِ ( منهاج التّوفيق إلىٰ معرفةِ التّجويدِ والتّحقيق )، ثمّ ذيّلها بالمنظومة؛ لِيُعلِمك أنّها تلخيصٌ لفحواه. واتّفق أن شرحها أيضًا بعد ابن محمود الأديب، العلّامةُ ابنُ أمِّ قاسمٍ المراديُّ سنة ثمانٍ وأربعين وسبع مئة بشرحٍ نافعٍ، لطيفٍ، سهلٍ، وهو كفيلٌ ببيانِ معانيها، والإفادةِ عليها، إلّا يسيرًا مِن مباحثِ الألفاظِ والإعرابِ واللّغةِ. وعلى المنظومةِ تعليقٌ خفيفٌ لبعضِهم، وهو مخطوط في المكتبةِ الأزهريّة. وشرحها بعضُ المغاربة المعاصرين في كتابٍ سمّاه " رخيم الحواشي ". وبعضُ مدرّسي الجامعة الإسلاميّة بالمدينةِ علّق عليها في مجلسين مسجَّلين. وكان هذا الشرح لابن محمود المقرئ في التعليق وبيان معاني أبيات هذه المنظومة النونية ذات الأربعة ستين بيتًا، مع التدليل والتمثيل. ويبدأ السخاوي أبياته في منظومته قائلًا: 1- يَا مَن يَرُومُ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَيَرُودُ شَأْوَ أَئِمَّةِ الْإِتْقَانِ 2- لَا تَحْسِبِ التَّجْوِيدَ مَدًّا مُفْرِطًا أَوْ مَدَّ مَا لَا مَدَّ فِيهِ لِوَانِيْ 3- أَوْ أَن تُشَدِّدَ بَعْدَ مَدٍّ هَمْزَةً أَوْ أَن تَلُوكَ الْحَرْفَ كَالسَّكْرَانِ 4- أَوْ أَن تَفُوهَ بِهَمْزَةٍ مُتَهَوِّعًا فَيَفِرَّ سَامِعُهَا مِنَ الْغَثَيَانِ 5- لِلْحَرْفِ مِيزَانٌ؛ فَلَا تَكُ طَاغِيًا فِيهِ، وَلَا تَكُ مُخْسِرَ الْمِيزَانِ أما المؤلف فذكر عنه "فهرس الخزانة التيمورية" لأحمد تيمور باشا (3 /12) أنه أحمد بن محمود، الشيخ شمس الدين أحمد بن محمود الأديب الحكيم، لم نقف له على تاريخ وفاة، والأغلب أنه عاش في القرن السابع الهجري، وذُكِرَ كذلك في " كشف الظنون " في الكلام على شرح "عمدة المفيد" للإمام السخاوي، ولا يوجد كثير معلومات عنه وعن زمنه. |
قطع الأرض المتجاورات وظواهرها (3) مد وتقطيع الأرض إعجاز علمى للقرآن كانت الأرض قطعت واحدة تسمى بانجيا (شكل:1-3أ), فصارت قطعتان تسمى الجنوبية منها جندوانا وتسمى الشمالية إيوراسيا ثم تباعدت اليابة عبر الزمن نتيجة لدحو (شكل1-3ب)(تباعد الأرض) الأرض لتأخذ الأرض وضعها الحالى (شكل1-4).وقد أصبح معلوما الآن أن ذلك الغلاف الصخرى يتكون من بضع قطع كبيرة تمثل قارات وبحار العالم , وعدد كبير من القطع الصغيرة. ومن القطع الكبيرة على سبيل المثال قطعة أفريقيا وقطعة أوروبا وآسيا , وقطعة الهند واستراليا , وقطعة أمريكا الشمالية وقطعة أمريكا الجنوبية , وقطعة المحيط الهادى وكذلك الأطلسى. وتبدو إشارات القرآن عن تقطيع الأرض جلية فى سورة الرعد وغيرها من السور. وسطية مكة لليابس مع تقطيع الأرض عبر الزمن إعجاز قرآنى: يخبرنا القرآن أن مكة أم القرى وأن النبى محمد صلى الله عليه وسلم بعث نذيرا لأم القرى ولمن حولها. ولما كانت بعثة النبى صلى الله عليه وسلم للناس كافة, فمن المحتم أن تكون مكة فى وسط المعمورة, وهى الأماكن اليابسة التى يعيش عليها الناس. ومن العجيب أن تتوسط مكة جميع خرائط العالم الجغرافية عبر الزمن منذ ملايين السنين (شكل1-1:1-25). يقول تعالى: ﴿ وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [الأنعام: 92]. ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ﴾ [الشورى: 7] شكل1-5: وسطية مكة للأرض اليابسة الآن. شكل1-6: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 10 مليون سنة من الآن. شكل1-7: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 20 مليون سنة من الآن. شكل1-8: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 30 مليون سنة من الآن. شكل1-9: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 40 مليون سنة من الآن. شكل1-10: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 50 مليون سنة من الآن. شكل1-11: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 60 مليون سنة من الآن. شكل1-12: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 70 مليون سنة من الآن. شكل1-13: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 80 مليون سنة من الآن. شكل1-14: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 90 مليون سنة من الآن. شكل1-15: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 100 مليون سنة من الآن. شكل1-16: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 110 مليون سنة من الآن. شكل1-17: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 120 مليون سنة من الآن. شكل1-18: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 130 مليون سنة من الآن. شكل1-19: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 140 مليون سنة من الآن. شكل1-20: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 150 مليون سنة من الآن. شكل1-21: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 160 مليون سنة من الآن. شكل1-22: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 170 مليون سنة من الآن. شكل1-23: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 180 مليون سنة من الآن. شكل1-24: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 190 مليون سنة من الآن. شكل1-25: وسطية مكة للأرض اليابسة منذ 200 مليون سنة من الآن. |
كتاب العرش للإمام الذهبي صدر حديثًا "كتاب العرش"، تأليف: الحافظ "أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي" (673- 748 هـ)، تحقيق : أ.د. "محمد بن خ ليفة التميمي"، نشر "دار منار التوحيد للنشر". يبحث الكتاب في مسألة عظيمة من مسائل الصفات، دار حولها جدل كبير وعميق، وتشعبت فيها المذاهب وزلت فيها أقدام كثير من الناس قديمًا وحديثًا، واستمر الخلاف فيها من بداية القرن الثاني. وهذه المسألة هي علو الله، وهي من أهم مسائل الصفات وأكبرها؛ لتعلقها الوثيق بوجود الله تعالى، وقد نتج عن هذا الخلاف نشوء فرق مستقلة بذاتها من جراء ما ذهب إليه البعض من أقوال في المسألة، وقد جلى الذهبي في كتاب "العرش" جوانب هذا الموضوع، وجمع في سبيل ذلك العشرات من الأدلة والأقوال المأثورة التي توهي أدلة المعطلة. ويعد "كتاب العرش" للذهبي مرجعًا من المراجع المهمة التي تبين موقف السلف في قضية العلو والاستواء وما يتعلق بذلك من المسائل، كما يمكن اعتباره مرجعًا في علم الحديث لاحتوائه على العشرات من الأحاديث والآثار وبيان حكمها ودرجتها. وقد استهل المصنف كتابه هذا بمقدمة قصيرة ضمنها الحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم عقد فصلًا ذكر فيه أن الأدلة التي يستدل بها على إثبات علو الله وارتفاعه فوق عرشه هي نصوص الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين والأئمة المهديين. ثم شرع في ذكر الآيات القرآنية الواردة في إثبات صفة العلو، وبدأ بذكر آيات الاستواء ونصوص العلماء في تفسيرها، ثم سرد عددًا من الآيات في المسألة. وبعد ذلك شرع في ذكر الأحاديث في الباب بعد أن قال: "وأما الأحاديث المتواترة المتوافرة عن رسول الله، فأكثر من أن تستوعب فمنها: ...". ومنهج المصنف في إيراده للأحاديث أنه يعزوها للكتب التي أخرجتها، وقد يروي بعضها بأسانيده، وغالبًا ما يعلق على الحديث ويبين درجته من الصحة والضعف، أو يشير إلى بعض طرقه إذا لزم الأمر، وقد يتكلم على بعض رجال الإسناد وغير ذلك من المسائل والتعليقات المفيدة، وهذه الأحاديث تبدأ من الفقرة (13-100). وبعد ذلك أورد المصنف جملة من الآثار المحفوظة عن الصحابة من أقوالهم بأن الله سبحانه في السماء على العرش، وبين أن تلك الأقوال لها حكم الأحاديث المرفوعة، وسرد جملة من تلك الآثار تبدأ من (101-120)، متبعًا الأسلوب ذاته من حيث العزو والحكم عليها. ثم أعقب المصنف ذلك بأقوال التابعين وذكر جملة صالحة من أقوالهم بدايتها من الفقرة (121-149) وسلك فيها نفس المسلك من عزوها والحكم عليها. ثم عقد فصلًا استهله ببيان وقت ظهور مقالة التعطيل وأنها ظهرت في أواخر عصر التابعين وأن أول من تكلم فيها الجعد بن درهم، وذكر أن تلميذه جهم بن صفوان أخذ عنه هذه المقالة وقام بالاحتجاج لها بالشبه العقلية، وذكر موقف أئمة ذلك العصر من مقالته وإنكارهم لها. ثم ذكرَ أقوال أتباع التابعين في المسألة. وهكذا استمر المؤلف يذكر أقوال العلماء طبقة بعد طبقة مع عزو أقوالهم والحكم على أسانيد آثارهم مع إعقاب ذلك بالكلام على منزلتهم العلمية، وذكر طرف من سيرة بعضهم وتواريخ وفاتهم ونحو ذلك، مع ما يتخلل ذلك من فوائد وتعليقات. وقد سلك المصنف منهج وطريقة العرض في توضيح المسائل العقدية، وذلك بالاكتفاء ببيان الحق في المسألة والاستدلال لها بنصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح وأئمة هذا الدين، دون التعمق في عرض أقوال المخالفين، وذكر شبههم، وإيراد اعتراضاتهم. ونجد أن المصنف استشهد بأقوال بعض متقدمي الأشاعرة لكونهم وافقوا الحق في هذه المسألة وأثبتوا العلو لله على خلقه، وهذا لا يعني أنهم موافقون لأهل السنة في كل المسائل. وهذه الطريقة سار عليها من قبله ابن تيمية في "الفتوى الحموية الكبرى"، وسار عليها كذلك ابن القيم في "اجتماع الجيوش الإسلامية". وقد قام المحقق بتحقيق متن الكتاب على ثلاثة نسخ خطية، وراعى الفروق بينه وبين كتاب آخر مشتبه معه دومًا عند مفهرسي الكتب بعنوان كتاب "العلو" للإمام الذهبي أيضًا. وقد قدم للكتاب بمقدمات نفيسة في التعريف بالكتاب، ومذاهب الفرق الإسلامية في باب الصفات، ووصف النسخ الخطية، ومنهجه في التحقيق. والمؤلف هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قيم، أبو عبد الله، شمس الدّين المعروف بالذهبي، ولد الذهبي في عام 673 للهجرة، في دمشق حيث كانت كلّ عائلته هناك منذ عهد جدّه عثمان، وكان يُعرف أحيانًا باسم ابن الصّائغ، في إشارة إلى مهنة والده الذي كان يصنع الذّهب. بدأ الذهبي دراسة الحديث الشّريف وهو في الثّامنة عشر من عمره، ولم يدرس في دمشق فقط، بل انتقل إلى بعلبك، وحمص، وحماة، ونابلس، والقاهرة، والإسكندريّة، والقدس، والحجاز، وغيرها. عاد بعد رحلاته إلى دمشق ليُدرّسَ ويقوم بتأليف العديد من الأعمال، ويكوّن شهرة واسعة كخبيرٍ في تدقيق الحديث، ومؤرّخ موسوعيّ، وعالمًا في القراءات القرآنيّة الأساسيّة. من أبرز تلاميذه في القراءات هما: ابن ناصر الدّين الدّمشقيّ، وابن حجر العسقلانيّ. قبل وفاة الذهبي بسنتين، فقد بصره، وقد ألّف الذهبي حوالي مئة كتاب، وبعضها كان كبير الحجم. ألّف الذهبي في الطّبِّ النّبويّ، وصنّفه على أنّه طبٌّ بديل، وقارن بينه وبين معرفة العرب قبل الإسلام بالطّبِّ اليونانيّ البديل، وكان ينقلُ الكثير من أفكار ومصطلحات أبقراط، وابن سينا. ومن مؤلّفاته: • كتاب الكبائر. • سير أعلام النّبلاء. • ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية. • إثبات الشّفاعة. • ميزان الاعتدل. • السّيرة النّبويّة من كتاب تاريخ الإسلام. • أهل المئة. • تذكرة الحُفّاظ. • الموقِظة في علم مصطلح الحديث. • مُختصر العلوم. • العِبر من فوائد السِّيَّر. • تاريخ الإسلام الكبير. • الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب السّتّة. • طبقات القراء. قال عنه ابن حجر العسقلانيّ: كان الذهبي أغنى علماء عصره، وكان النّاس يتوقون للحصول على كتبِه، والسّفر إليه لهذا الغرض، ونشر كُتُبه من خلال قراءتها ونسخها، إنّه من بين أولئك الذين لديهم إتقان تامٌّ في مجال علم السّند والرّواية. قال عنه السخاوي: لكي نفهم عظمة رُتبة الذهبي، يكفي أن نعرف أنّ الشّيخ ابن حجر العسقلانيّ، دعا عند شُرب ماء زمزم أن يوصله الله إلى مرتبة الذهبي في علوم الحديث. قال السّيوطيّ: علماء الحديث اليوم يعتمدون على أربع شخصيّات في مجال نقد الرّواي والمجالات الأخرى ذات الصّلة بعلم الحديث، وهم: المزّي، الذهبي، العراقيّ، ابن حجر. قال الشّوكانيّ: جميع كُتب الذهبي تلقى استحسانًا جيّدًا، ويسعى النّاس إليها، أمّا المؤرّخون فمنذ وقته وصاعدًا، فلإنّهم يعتمدون على كُتُبه بشكل عامٍّ، ولم يجمع أيٌّ منهم بقدر العلم الذي جمعه الذهبي. قال عنه ابن ناصر الدّين الدّمشقيّ رحمه الله في سيرته: الذهبي شيخ وإمام، ونجم سوريا، ومؤرّخُ الإسلام، وباحث كبير في تقييم روايات الحديث، وتعلم على يد أكثر من ألف وثلاثمئة شيخ، وكان عالمًا في أصول الفقه، وقائدًا في التّلاوة القرآنيّة، وكان لديه معرفة عميقة بالمذاهب الأربعة، وكان يدعو إلى العودة إلى السّنّة الصّحيحة، وطريقة السّلف. قال الصّفديّ رحمه الله: كان الذهبي في الحديث عالمٌ لا مثيل له في علمه، وكان على دراية جيّدة في الحديث والرّواية، وفحص الحديث، والسّير الذّاتيّة للرّواة، وإزالة أيّ غموض أو ارتباك حول التّسلسل الزّمنيّ لها، وكان شديد الشّهرة، واسمه مناسبٌ له تمامًا، واكتسب قدرًا كبيرًا من المعرفة، واستفاد الكثير من النّاس منه، وكتب العديد من الكتب، وكانت كُتبه موجزة ومفيدة للغاية. وتوفّي الذهبي رحمه الله ليلة الاثنين في الثّالث من شهر ذي القعدة من عام 748 للهجرة، ودفن في اليوم التّالي في مقبرة الباب الصّغير في دمشق. |
أسماء بنت أبي بكر الصديق مهاجرة جليلة؛ وسيدة كبيرة بعقلها وعزة نفسها وقوة إرادتها؛ ولدت سنة 27 قبل الهجرة وهي أكبر من أختها لأَبيها عائشة أم المؤمنين بعشر سنين، وهي شقيقة عبدالله بن أبي بكر، ودعيت بذات النطاقين لأنها أخذت نطاقها [1] فشقته شطرين فجعلت واحدًا لسفرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر عصامًا لقربته ليلة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق إلى الغار، وكان أهل الشام يعيرون ابن الزبير بذات النطاقين يوم كانوا يقاتلونه، فقالت لابنها عبدالله: عيروك! قال: نعم. قالت: فهو والله حق. وقالت أسماء لما قابلت الحجاج: وكيف تعير عبدالله بذات النطاقين، أجل قد كان لي نطاق لا بد للنساء منه ونطاق أغطي به طعام رسول الله. أسلمت أسماء قديمًا بمكة بعد إسلام سبعة عشر إنسانًا، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت به إيمانًا قويًا؛ فمن حسن إسلامها أن قتيلة بنت عبدالعزَّى قدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر الصديق وكان أبو بكر طلقها في الجاهلية - بهدايا زبيب وسمن وقرط، فأبت أن تقبل هديتها أو تدخل بيتها، فأرسلت إلى عائشة: سلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: لتدخلها بيتها ولتقبل هديتها. واحتمل أبو بكر معه ماله كله لما خرج رسول الله صلى الله عليه مهاجرًا وقدره خمسة آلاف درهم أو ستة آلاف فانطلق بما معه، ثم دخل جدها أبو قحافة على أسماء وقد ذهب بصره فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله كما فجعكم بنفسه، فقالت له: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا. فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت الذي كان أبوها يضع ماله فيها ثم وضعت عليها ثوبًا ثم أخذت بيده فقالت: - يا أبت! ضع يدك على هذا المال، فوضع يده عليه وقال: لا بأس إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا بلاغ لكم، والحقيقة أن أبا بكر لم يترك لعياله شيئًا، ولكنها أرادت بعملها هذا أن تسكن روع ذلك الشيخ. وتزوجها الزبير بن العوام وماله في الأرض مال ولا مملوك ولا شيء غير فرسه، فكانت تعلف فرسه وتكفيه مؤونته وتسوسه وتدق النوى الناضحة وتسقيه الماء وتعجن... وكان الزبير شديدًا عليها، فأتت أباها فشكت ذلك إليه فقال: يا بنية اصبري، فإن المرأة إذ كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تزوج بعدها جمع بينهما في الجنة. وجاءت أسماء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ليس في بيتي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فهل عليَّ جناح في أن أرضخ مما يدخل عليَّ به؟ فقال: ارضخي بما استطعت ولا توكي فيوكي عليك، فكانت امرأة سخية النفس. وشهدت أسماء وقعة اليرموك مع زوجها الزبير وأبلت فيها بلاءً حسنًا. واتخذت خنجرًا زمن سعيد بن العاص في الفتنة فوضعتها تحت مرفقها، فقيل لها: ما تصنعين بهذا؟ قالت: إن دخل عليّ لص بعجت بطنه؛ وفرض عمر بن الخطاب لأسماء ألف درهم. وروت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم 58 حديثًا [2] ، وفي رواية 56 حديثًا اتفق البخاري ومسلم على أربعة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بأربعة، وانفرد مسلم بمثلها [3] ؛ وفي رواية أخرج لأسماء من الأحاديث في الصحيحين اثنان وعشرون المتفق عليه منها ثلاثة عشر وللبخاري خمسة ولمسلم أربعة [4] وكانت أسماء شاعرة ناثرة ذات منطق وبيان فقالت في زوجها الزبير لما قتله عمرو بن جرموز المجاشعي بوادي السباع وهو منصرف من وقعة الجمل: غدر ابن جُرْموز بفارس بُهمة يوم الهياج وكان غير معزد يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشًا رعش الجنان ولا اليد ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما حلَّت عليك عقوبة المتعمد [5] وقالت وهي ترقص ولدها عبدالله بن الزبير: أبيض كالسيف الحسام الأبريق بين الحواري وبين الصديق ظني به ورُب ظن تحقيق والله أهل الفضل أهل التوفيق إن يحكم الخطة..... ويفرج الكربة في ساعة الضيق إذا نبت - بالمقل الحماليق والخيل تعدو..... وقالت لما قتل ابنها عبدالله بن الزبير: ليس لله محرم بعد قوم قتلوا بين زمزم والمقام قتلتهم جفاة عك ولخم وحمير وجذام وكانت أسماء ذات جود وكرم لا تدخر شيئًا لغد، فكانت تمرض المرضة فتعتق فيها كل مملوك لها وكانت تقول لبناتها ولأهلها: أنفقوا أو أنفقن وتصدقن ولا تنتظرن الفضل فإنكن إن انتظرتن الفضل لم تفضلن شيئا ًوإن تصدقن لم تجدن فقده. وأما مضاء عزيمتها وعزة نفسها وشجاعتها فتنبؤنا عنها كلماتها لابنها عبدالله لما دخل عليها وهي عمياء وقد بلغت مئة سنة قال لها: يا أماه ما ترين! قد خذلني الناس وخذلني أهل بيتي قالت: لا يلعبن بك صبيان بني أمية، عش كريمًا ومت كريمًا والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسنًا بعد أن تقدمتني وتقدمتك فإن في نفسي منك حرجًا حتى أنظر إلى ما يصير أمرك قالت: اللهم ارحم طول ذاك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبره بأمه، اللهم! إني قد سلمت فيه لأَمرك ورضيت فيه بقضائك فأثبني في عبدالله ثواب الشاكرين. فرد عنها وقال: أماه! لا تدعي الدعاء لي قبل قتلي ولا بعده. قالت: لن أدعه لله، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق. فخرج. وفي رواية أن عبدالله دخل ليودعها وكان يكره أن يأتيها فتعزم عليه أن يأخذ الأمان، فدخل عليها وقد كف بصرها فسلم، فقالت: من هذا؟ فقال: عبدالله. فتشممته ثم قالت: يا بني! مت كريمًا. فقال لها: إن هذا قد أمنني (يعني الحجاج) قالت: يا بني! لا ترضى الدنية، فإن الموت لا بد منه. قال: إني أخاف أن يمثل بي، قالت: إن الكبش إذا ذبح لم يأمن السلخ، فخرج، فقاتل حتى قتل. وفي رواية أخرى أن عبدالله بن الزبير دخل على أمه حيث رأى من الناس ما رأى من خذلانهم إياه فقال: يا أماه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي فلم يبق معي إِلا اليسير ممن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من دنيا فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له، فقد قتل عليه أصحابك ولا تُمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك وأهلكت من قتل معك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا؟ القتل أحسن. فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال: هذا والله رأيي والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن يُستحل حرمه، ولكني أحببت أن أعلم رأيك فزدتيني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أماه إني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر لله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر ولا عملًا بفاحشة، ولم يجزه في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتق ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به، بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضى ربي، اللهم إِني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي أنت أعلم بي، ولكني أقوله تعزية لأمي لتسلو عني؛ ثم جاءها مودعًا وقال لها: إني لأرى أن هذا آخر يوم من الدنيا. يمر بي واعلمي يا أماه أني إن قتلت فإنما أنا لحم لا يضرني ما صنع بي. قالت: صدقت يا بني أتمم عليك بصيرتك، وادن مني أودعك فدنا منها فقبلها وعانقها، ثم خرج فدفع أهل الشام دفعة منكرة، وقتل منهم ثم انكشف وأصحابه؛ ثم قاتل ثانية أشد قتال لم ير مثله حتى قتل. ثم أتت أسماء الحجاج فقالوا لها: ليس هو هاهنا. قالت: فإذا جاء فقولوا له: يأمر بهذه العظام أن تنـزل وأخبروه أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن في ثقيف رجلين كذاب ومبير). وقيل إن الحجاج حلف أن لا ينـزله من تلك الخشبة حتى تشفع فيه أمه، فبقي سنة. ثم مرت تحته أمه فقالت: أما آن لهذا الراكب أن ينـزل! فيقال: إن هذا الكلام قيل للحجاج إن معناه الشفاعة فيه فأنـزله. وفي رواية أن أحد أنصار عبدالله بن الزبير دخل على عبدالملك بن مروان فسأله إنـزال عبدالله بن الزبير من الخشبة، فأمر بإنـزاله وكانت أسماء قبل ذلك تقول: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته، فما أتى عليها بعد ذلك جمعة حتى ماتت؛ ويقال لما جيء بعبدالله إِلى أمه أسماء وضعته في حجرها فحاضت ودر ثديها. وقال ابن مليكة: كنت ممن تولى غسله، فجعلنا لا نتناول عضوًا إلا جاء معنا فنغسله ونضعه في أكفانه ونتناول العضو الذي يليه فنغسله فنضعه في أكفانه حتى فرغنا منه، ثم قامت أمه أسماء فصلت عليه. وذكروا أن الحجاج دخل على أسماء بنت أبي بكر فقال لها: إن ابنك ألحدّ في هذا البيت: إِن الله قد أذاقه من عذاب أليم وفعل به وفعل. فقالت له: كذبت، كان برًا بالوالدين صوامًا قوامًا [1] النطاق: ما تشد به المرأة وسطها عند معاناة الأشغال لترفع به ثوبها. [2] مطالع الأنوار للكازروني (خط). [3] الكمال في معرفة أسماء الرجال للحافظ المقدسي (خط). [4] المجتنى لابن الجوزي (خط). [5] قيل إن هذه الأبيات لقائلتها عاتكة بنت زيد زوجته، فليحرر. |
العبث بالأرزاق قبل سبع سنين استعدَّ الناس لاستقبال القرن الحادي والعشرين [1] ، هذا الاستعداد ملأ الصُّحف والدوريات والخطب والمحاضرات، بل إنَّ هناك كتبًا مهمَّة، تخصَّصت في الحديث عن هذا القرن، ويؤكِّد المؤرِّخون الاجتماعيون استحالةَ التحديد الزَّمني الصَّارم للتحوُّلات والتغييرات، إلَّا أنْ تكون تحوُّلات ماديةً واضحةً؛ مثل البدء في تطبيق نظام، أو الانتقال من مكانٍ إلى مكان، أو البدء في تغيير نمط من الأنماط، وما عدا ذلك فالتغيير متعذِّر قطعًا [2] . من الأمور المهمَّة التي يركِّز عليها الداعون إلى الاستِعداد للقرن الحادي والعشرين الميلادي مسألة السكَّان والتفجُّر السكَّاني، والخوف من عدَم توفُّر العيش للمليارات المنتظرة من الناس، ممَّا يعني التوكيد على التخفيض من السكَّان؛ باتِّخاذ السبل والوسائل المشروعة نظامًا، وغير المشروعة نظامًا كذلك؛ مثل تحديد النَّسل والإجهاض، وربَّما قيل -أيضًا - للهروب من مدلولات هذه الوسائل: السَّعي إلى تنظيم الأسرة، والاكتفاء بعدد محدَّد من الأولاد، حتى سعَت الصين إلى الحدِّ من الولادات، واتَّخذَت إجراءات غير إنسانيَّة للحوامل، الراغبات في زيادة النَّسل. في القرآن الكريم نصوص صريحة في عدَم القتل، بأيِّ شكل من أشكال القتل؛ إنْ بسبب الفقر، أم بسبب الخوف من الفقر: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 151]، ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31]، وعلينا أنْ نتأمَّل هاتين الآيتين، مع الأخذ في الحسبان التفصيل في ذلك. اتَّخذَت الهند لهذا إجراءات إنسانيَّة، منعَت فيها الأشعة فوق الصوتيَّة، التي تعين على التعرُّف على جنس الجنين، سعيًا إلى الحدِّ من الإجهاض الذي سرى - كما مرَّ الحديث عنه - إذا ما تبيَّن أنَّ الجنين أنثى، والذي وصل مليوني (2،000،000) حالة إجهاض في سنة واحدة [3] ، في هذا كله اتِّكال على الأسباب، يُفاقم من المشكلة، ولا يسعى إلى حلِّها، في منظورنا نحن المسلمين؛ ذلك أنَّ الله تعالى يَكتب رِزق المرء قبل ولادته، بل إنَّ مصيره في الحياة مكتوب. في لحظة من لحظات التأمُّل والتفكُّر، ينظر المرء من حوله، فيجد نفسَه بين أهله وذويه الأعلين والأسفلين، فيحمد اللهَ تعالى على هذا الجمع المبارك، ثم يحصل على قدر من المال، بالطرق المشروعة الحلال؛ لينفِق منه على نفسه، وعلى أهله، وعلى مَن يراه من المستحقِّين، فيحمد اللهَ تعالى على هذه الوفرة من المال، مهما قلَّ مبلغها، ثم يتذكَّر قوله تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]. أرأيتم أنَّه يقلق كثيرًا على هذه الزينة، وقد أُشرب حبَّ الحفاظ عليها، وفطره الله تعالى على التمسُّك بها؟ فتأتي الآيات الأخرى تحذِّر من الإفراط في التعامُل معها، أو التفريط في الاتِّكاء عليها، فما هي إلَّا زينة زائلة، وما هي إلَّا تشويق إلى الزينة الدَّائمة والنعيم المقيم. لذا يطالَب مَن وهَبه الله تعالى هذه الزِّينة أن يعطيَها حقَّها، أو يؤدِّي حقَّها عليه، فيُحسن تربية الأولاد؛ بدءًا من اختيار والدتهم، ويسهَر على سلامتهم من كلِّ مَكروه، في العقل قبل الجسم، ويتوكَّل على الله، بعد أن يبذل الجهد. ويطالَب من وهبه الله المال أنْ ينفقَه في طرقه المشروعة، وأنْ يظهره على نفسه أوَّلا، ثم على مَن يعول، ثم يؤدِّي حقَّه عليه؛ من زكاة تؤخذ منه وتردُّ على فقراء الأمَّة، ليزيد مالُه بهذه النفقة، فلا ينقص، وتكتمل لديه الزِّينة؛ من صلاحٍ للأولاد، وطيب في المال. لا تقتصر هذه الزِّينة على الدنيا إذا ما أحسن المرء منا التعامُل معها؛ إذ إنَّ المال المنفَق منه القليل في الخير، يعود على صاحبه بالخير في آخرته، وقبل ذلك في مرقده الصَّغير، بين الجيران الذين لا يتزاورون، وقبل ذلك كله في حياته الدنيا، ﴿ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [البقرة: 261]. الأولاد، الذين يصلحهم الله تعالى، يبقون ذُخرًا لوالديهم، يدعون لهم بالعشيِّ والإبكار؛ وهكذا نعملُ على تطويع مَتاع الدنيا، فنأخذ منه المشروع، نَستفيد منه في دنيانا، ثمَّ نترك لأنفسِنا رصيدًا، لا نأخذه معنا، ولكنَّه يبقى لنا ذخرًا مدَّخرًا، يعيننا - بعد عون الله تعالى - على رَفع الدَّرجات، وتكفيرِ الذنوب. ما دام المالُ والبنون زينةَ الحياة الدنيا، فما الذي يمنَع الواحدَ منَّا أنْ ينظر إلى هذين العنصرين على أنَّهما كذلك، فيَسعى مَن ليس لديه مال إلى الحصول عليه، بطرقه المشروعة؛ إذ العبرة بالأهداف وبالوسائل، ويسعى اللَّذان لم يحصلا على الأولاد للحصول عليهم، باتِّخاذ الأسباب المشروعة - أيضًا - لذلك؛ من الاقتران ببِنت الحلال الوَدود الوَلود، أو بابن الحلال، ثمَّ البحث عن أسباب عدم الإنجاب، والسعي إلى علاجها، فإن لم يتحقَّق بعد ذلك كلِّه، بسببٍ من أحد الشريكين، أو كلاهما؛ فإنَّ الله تعالى لا يَظلم أحدًا من عباده، مَهما طغى العبد وتكبَّر، وتجبَّر على خالقه. يكفي المرءَ العاديَّ المؤمنَ أنْ يتَّخذ الأسباب، فلا يقلق بعد ذلك على أنَّه لم يحقِّق النتائج؛ لأنها ليست بين يديه، فيحمد اللهَ تعالى على هذا الابتلاء، ويتصرَّف في حياته بما تيسَّر له من مال وولد، ولا ينظر إلى مَن هُم فوقه في هذه الزِّينة؛ إذ إنها - مع أنها زينة - فإنها قد تكون فِتنة: ﴿ إِنَّمَا أَمْوالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [تغابن: 15]، وفي هذا عزاء كَبير لمن لم يتحقَّق له أحدهما، وفيه بيان لمن تحقَّق له أحدهما - أو كلاهما - ألَّا يُفتن بهما. [1] دخل القرن الحادي والعشرون الميلادي دون حدوث مشكلات مادِّية وكونية، إلَّا أن إطلالته استُهلَّت بقيام حروب بأنواعها، لا تزال تهدِّد المجتمع الإنساني. [2] انظر: فصل الإسلام في القرن الحادي والعشرين - ص (87 - 115). في: محمود حمدي زقزوق: الإسلام في عصر العولمة - القاهرة: مكتبة الشروق، 1421هـ/ 2001م - 119 ص. [3] انظر: صالح بن عبدالرحمن الحصين: قضايا بلا حدود - مرجع سابق - ص (69). |
نظريات الترجمة في القرن العشرين لحسن بحراوي صدر حديثًا كتاب "نظريات الترجمة في القرن العشرين"، تأليف: د. "حسن بحراوي "، نشر "دائرة ال ثقافة" - حكومة الشارقة. يبحث الكتاب في المسائل المعاصرة المتعلقة بنظريات الترجمة في وقتنا الحالي، ويرى الكاتب أن المقصود بنظرية الترجمة هي الجهود التي تناولت معالجة آليات الترجمة وأساليبها ومشاكلها كما فعل " مونان " و"ميشونيك" و" لادميرال " في فرنسا، أو إلى التأريخ لها وبيان أصنافها ورصد أهدافها كما تصدى لذلك النقاد " سافوري " و" ستاينر " و" كيلي " في العالم الأنجلوساكسوني، أو تقوم بمقاربة نوعية لمسائلها من زاوية لسانية مثلًا كما نهض بذلك " نيدا " و" جاكوبسون " و" هاليداي " و"كاتفورد" في أمريكا. ويرى الكاتب أن هناك ثلاثة أنواع من المشاكل أو المصاعب النظرية ذات الصلة بالترجمة: 1- بعض هذه المصاعب آت مما يمكن تسميته بالحواجز الحضارية أو الثقافية بالمعنى الواسع. فبعضُ الُّلغاتِ تتحدث ع ن وقائع غير لغوية لا وجود لها في لغة الاستقبال، وهذه الوقائع لا ترتبط بالحياة المادية فحسب، بل قد تكون لها علاقة بالمسائل الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الإديولوجية أو الجمالية.. إلخ. 2- وبعض المصاعب الأخرى تأتي من وجود حواجز لغوية خالصة، أي لها علاقة باختلاف البنيات اللسانية في لغتي الانطلاق والوصول؛ سواء على المستويات المعجمية أو الصرفية أو التركيبية.. وقد دافع العالم اللغوي "وورف" عن هذه الفرضية التي تقول بأن كل لغة تقطّع العالم بطريقة قبلية تفرض عليها رؤية معينة تختلف من حيثُ العمق عن تلك التي تؤسسها لغة أخرى. وإذا ما صدقنا "وورف" فإن الترجمة في هذه الحالة ليست وحدها التي ستكون مستحيلة بل ستستحيل كذلك كل أشكال التفاهم بين متحدّثي اللغات المختلفة. ولكن عمل "فيناي" و"داربلني" أثبت وجود معادلات دلالية بين بنيات لغوية مختلفة كليًّا، كما توصل نيدا إلى وجود كليات لغوية des universeaux linguistiques مشتركة بين جميع اللغات والحضارات.. وكل هذه المعطيات تسمح لنا بمباشرة عملية الترجمة. 3- أما النوع الثالث من العوائق فيمكن وصفه بالعوائق الأسلوبية، أي تلك المشكلات المتعلقة بالاستعمال الأدبيِّ الخاص للغة، فإذا كانت ترجمة الشعر مثلًا تفترض الاهتمام بالوزن والإيقاع وباقي الجوانب الصوتية، وتدعو إلى نقل مميزاتها النوعية إلى لغة الوصول، فإن ترجمة القصيدة ستكونُ حينئذٍ شبه مستحيلة. والملاحظُ أن اللسانيات الحديثة تجيب على هذا الإشكال بالإحالة على الخصائص البلاغية مُقابلَ الخصائص الجمالية التي يتوفر عليها كل عمل على حدة، وعندها أن الخصائص البلاغية عنصر مشترك بين جميع اللغات والحضارات، وليست قطعًا هي التي تمنح الأعمال قيمتها الجمالية النوعية. ونرى أن مشكلات الترجمة لم يتناولها المترجمون، فقلما نظر المترجمون أنفسهم لممارستهم، أو تأملوا في خبايا مهنتهم، ويرى "أنطوان بيرمان" أن إحدى إشكاليات وضع نظرية للترجمة ما يلي: • بقيت الترجمة في وضع دوني ومعتبَرة ممارسةً تحتية لأنها لا تقوم بالتعبير عن نفسها. • جرى التفكير فيها من خارج مجالها أي بواسطة الأدب والنقد أو اللسانيات التطبيقية. • التحليلات المطبقة عليها من طرف غير المترجمين حصرًا تضمنت - رغم اختلاف مزاياها - العديد من النقط الغامضة وناقصة الوجاهة. لذا تبحث هذه الدراسة في بعض أسباب تأخر نشوء نظرية للترجمة على وجه العموم، وتبرز أهم الآراء التي وردت في تنظير عملية الترجمة من باب الممارسة على وجه الخصوص، وأهم مشكلاتها المعاصرة. وتضمنت الدراسة عدة مباحث مختصرة: تضمن المبحث الأول المقصود بمفهوم نظرية الترجمة، وأهم المجالات التي تختص بها تلك النظرية إن وُجدَت، بينما تضمن المبحث الثاني الجواب على سؤال: ما أسباب تأخر وضع نظرية للترجمة؟ ثم ذكرَ الكاتب أسباب الخلاف بصدد " المفهوم والاصطلاح " في عملية الترجمة في المبحث الثالث ، ويبحث المبحث الرابع في الفترة التي شهدت صياغة أول نظرية للترجمة، ويتناول تاريخ المدارس العربية والغربية للترجمة في إجمال سريع. بينما يناقش الكاتب في المبحث الخامس ملمح من ملامح التعثر الذي شاب نظرية الترجمة، وهو سيادة التأملات العامة بشأن عملية الترجمة والمترجمين، حيث اعتبروا ممارسة الترجمة تقع لديهم في حكم "التمرين الأدبي" ليس إلا. كما تناول الكاتب مشكلة أخرى من مشاكل التنظير للترجمة وهي مشكلة "تنازع الملكية بصدد التنظير للترجمة" في المبحث السادس ، فالترجمة تقع في ملتقى طرق تتنازعه مجموعة من المعارف والعلوم الإنسانية، كاللسانيات والمنطق وعلم النفس والتربية، مما يصعب من ازدهار وضعها كبحث مستقل ينظر له النقاد بعين الاحترام. وفي المبحث السابع يتناول الكاتب "محدودية مصادر التنظير للترجمة" فنجد أنه حتى القرن التاسع عشر ظلت التنظيرات للترجمة تأتي من ثلاث آفاق: الفصاحة والشعر والدين، مما كان يعني محدودية المجال المتوقع أن ينتج لنا تنوعًا في التنظير، وتراكمًا في وجهات النظر بصدد ممارسة الترجمة، وبيان آلياتها واتجاهاتها ومقاصدها. وقد أبرز الكاتب أنه منذ أواسط القرن العشرين احتكر علم اللسانيات مجال التنظير للترجمة وذلك في المبحث الثامن، حيث شرعت - من أواخر الخمسينات - في الظهور طائفة من المقاربات تدرس الترجمة من منطلقات لغوية صرفة. ويرى الكاتب بعد تناول تاريخ التنظير للترجمة وأهم المشكلات والعوائق التي واجهت صوغ نظرية محترمة لها، بأنه "في ضرورة التنظير للترجمة" بأنه لابد من الإدراك بأن الترجمة نشاط متحرر باسم الجدوى والإبداعية، وأن الترجمة طوال تاريخها الطويل لم تكن تنطوي على تأمل نظري معد بعنايةٍ ويتوفر على الانسجام والوضوح الضروريين، وأن غاية ما كان رائجًا هو نتيجة حاجة المترجمين القائمة إلى تأمين وتبرير ممارستهم حيال أنفسهم وحيال قرائهم. ومن هنا يمكن القول أن البحث عن نظرية للترجمة لابد أن يمر عبر فعل الترجمة نفسها، أي عبر الممارسة التي ستقود إلى النظرية. ويورد الكاتب في المباحث الأخيرة من الكتاب أهم رواد النظريات "الترجمية" - إن جاز لنا التعبير - وأهم المقاربات التي هدفت لوضع إطار تنظيري عملي يستند إليه المترجمون في تنفيذ آليات الترجمة، وفهم ديناميكيتها وهم: • الألماني والتر بنيامين ومقدمته عام 1923 لترجمة ديوان "لوحات باريزية" للشاعر الفرنسي شارل بودلير. • الفرنسي فاليري لاربو وكتابه عام 1946 تحت عنوان: Sous l›invocation de Saint-Jérome . • الفرنسي جورج مونان ومناقشاته بشأن الترجمة التي جمعها عام 1955 infidèles:1955 Les belles . • الروسي الأصل والفرنسي المنشأ إدمون كاري ودراساته بشأن الترجمة عام 1956 Revue Diogène . • الروسي رومان جاكوبسون ودراسته الشهيرة عن المظاهر اللسانية للترجمة ( OnTtranslation.1959 ). • الفرنسي هنري ميشونيك ودراسته "مقترحات من أجل شعرية للترجمة" عام 1973. • الأمريكي جورج ستاينر في كتابه "ما بعد بابل" عام 1975 After Babel . • الإسباني خوسي أورتيجا إي كاسي ومقالته الرائدة الموسومة "بؤس وعظمة الترجمة" عام 1976 Miseria y esplendor de la traduccion . • الأمريكي جان روني لادميرال في كتابه عام 1979 "مبرهنات من أجل الترجمة" Traduire: théorèmes pour la traduction. Payot.1979 . • الروسي إفيم إتكنيد في كتابه "فن في أزمة: بحث في شعرية الترجمة الشعرية" عام 1982. • الفرنسي أنطوان بيرمان في بحثه محنة الغريب عام 1984، ومساهمته في المؤلف الجماعي "أبراج بابل" عام 1985، وكتابه الأخير حول نقد الترجمات من خلال قصيدة جون دون « Pour une critique des traductions.1995 ». ويرى الكاتب في خاتمة دراسته أن الالتباس والإيهام الذي ظل يخيم على المفاهيم والمصطلحات المستعملة من طرف الخائضين في موضوع الترجمة، تقف من ورائه ظاهرة استجلاب تلك التصورات والمفاهيم من حقول معرفية متباينة وبعيدة عن المجال الترجمي كاللسانيات والمنطق وعلم النفس والسميائيات وعلوم التربية والأدب المقارن. وأنه حان الوقت لاستقلالية علم الترجمة، خاصةً مع كسب رهان التراكم النظري النوعي لنظريات الترجمة في القرن العشرين المتسم بالمنهجية والعمق معًا كما شهدنا في كتابات هؤلاء الرواد، إلى جانب ضرورة تقوية الامتداد الأفقي للترجمة باعتبارها ظاهرة تاريخية عريقة مشهود لها بالاحترام وعمق الإبداع. ود. " حسن بحراوي " باحث في الأدب الحديث والتراث الشفوي وناقد ومترجم ومدرّس للرواية في الجامعة المغربية… بدأ حياته الأدبية في السبعينات شاعرًا وقاصًا قبل أن يتفرغ للكتابة البحثية والنقدية في الرواية والمسرح. أشرف وما يزال في كلية الآداب بالرباط على رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراه في قسم الدراسات العربية. كما أدار على مدى سنوات فريقًا للبحث في الإثنوغرافيا والموروث الثقافي. له أعمال عديدة مؤلفة ومترجمة منشورة في المجلات العربية والمغربية. توجه في السنوات الأخيرة من جديد إلى الكتابة الإبداعية ، ومن مؤلفاته: • بنية الشكل الروائي: الفضاء، الزمن، الشخصية. 1990. • المسرح المغربي: بحث في الأصول السوسيوثقافية. 1994. • ذاكرة المغرب الساخر. 2001. • حلقة رواة طنجة: دراسة ونماذج. 2002. • فن العيطة بالمغرب: مساهمة في التعريف. 2002. • جدل الذات والوطن: بصدد السيرة الذاتية عند عبد الكريم غلاب. 2004. • أبراج بابل: شعرية الترجمة (من التاريخ إلى النظرية). 2010 . • مدارات المستحيل: دراسات في ترجمة الشعر. 2011. • مأوى الغريب: دراسات في شعرية الترجمة. 2013. • أستوديو الجماهير، مجموعة قصصية. 2015. • النمر الفيتنامي، رواية. 2016. |
القواعد الأصولية المؤثرة في مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة ليوسف دورانوف صدر حديثًا كتاب " القواعد الأصولية المؤثرة في مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة والرد على المخالفين فيها- دراسة تأصيلية تطبيقية "، تأليف: " يوسف رسمات دُورَانوف "، نشر " دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع ". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في أصول الفقه وذلك من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وذلك تحت إشراف أ.د. " محمد بن حسين الجيزاني "، وذلك عام 1435 هـ- 2013 م. يعمد هذا البحث إلى إظهار أثر علم أصول الفقه في تقرير مسائل العقيدة وفي الرد على المخالفين لمنهج أهل السنة فيها. ويتألف البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة. تناول الباب الأول القواعد الأصولية المتعلقة بالأدلة، ويشمل القواعد المتعلقة بالسنة والإجماع والقياس، وبالأدلة المختلف فيها. والباب الثاني: في القواعد الأصولية المتعلقة بدلالات الألفاظ وطرق الاستنباط، ويشمل القواعد المتعلقة بالأمر والنهي وبالعموم والخصوص وبالمنطوق والمفهوم. والباب الثالث: في القواعد الأصولية المتعلقة بالتعارض والترجيح وبمعاني الحروف. وختم البحث بإبراز أهم النتائج، منها: ضرورة ربط القواعد الأصولية بالعلوم الأخرى وأن لا يقتصر في الاستفادة منها في علم الفقه فقط. وبيان أن عقيدة أهل السنة والجماعة جذورها عميقة لاعتمادها على الكتاب والسنة وعلى فهم سلف الأمة، وأن أصحاب هذه العقيدة لم يخرجوا عن مقتضى قواعد أهل اللغة وأهل الأصول في الاستدلال لها. وأن التضلع من هذا العلم وربطه بعلوم أخرى لا سيما علم الاعتقاد يتمكن به الإنسان بإذن الله عز وجل من رد الشبهات المثارة حول عقيدة أهل السنة والجماعة من قِبل أهل الأهواء والبدع. |
معارك العاشر من رمضان 1393هـ - 6/ 10/ 1973م لهذه المعارك مِيزةٌ خاصة في حروب المسلمين مع اليهود في العصر الحديث، فقد خاض العرب قبلَها ثلاث حروب خاسرة، مما أعطى انطباعًا لدى العرب عن عدم قدرتهم على قهر اليهود المغتصبين لفلسطين، فمِيزتها الخاصة إذًا أنها حرب غيَّرت مفهوم التفوق اليهودي، ورفعت من قيمة الجندي المسلم إذا ما أُحسنت قيادته ودُرِّب التدريبَ الحديث، فهو بطل مِقدام، وعلى كل حال كانت هذه الحروب مختلفةً عن الحروب التي سبقتها مع اليهود؛ لأن العرب هم الذين وضعوا توقيتَها، فكانت الصدمة الأولى لهم، فباغتوا العدوَّ لأول مرة في هجوم كاسح، وسأذكر في هذه الحرب التي استمرت تسعة عشر يومًا أهمَّ معركتين من معاركها العديدة؛ فمنها ما كان على مستوى الكتيبة والسرية، ومنها ما كان على مستوى الفرق والألوية، ومنها ما كان في الجو على مستوى اشتراك السرب الواحد والأسراب التي فاقت المائتي طائرة، ومنها ما كان في البحر، ولكن على مستوى يقل عنه في البر والجو؛ لصغر حجم القوات البحرية من الطرفين المتحاربين، فالمعركة الأولى التي اخترتها معركة الضفة الشرقية لقناة السويس في 12رمضان. سببها: أن الإسرائيلين أرادوا صدَّ الهجوم المصري الذي باغتهم يوم العاشر من رمضان؛ حيث كانت معركةُ العبور لقناة السويس، والتي سجَّل فيها الجندي المسلم قدرة وشجاعة خارقة ضد العدو، فقام الجيش المصري بعبور هذا الحاجز المائي العريض، وارتقاء الضفة الشرقية للقناة التي ارتفع فوقها خطُّ بارليف بما يزيد عن عشرين مترًا، مع مواقع محصَّنة، ومدفعية متنوِّعة، ودبابات كثيرة، فدحرت القواتُ المصرية قواتِ العدوِّ في هذا الخط الدفاعي الحصين، واستولت على معظم مواقعه على طول قناة السويس، ثم مدَّت الجسور لمرور الدبابات والآليات التي أخذت مواقعها بإتقان على الضفة الشرقية للقناة؛ لتستعدَّ لقفزة جديدة وتُطوِّر هجومَها في العمق، استفاق العدو من الصدمة الأولى بعد مرور يوم، ثم حشد قوَّاته لصد الهجوم في معركة فاصلة، وزج في المعركة بأكثرَ من خمسمائةِ دبابة لاقتلاع القوات المصرية من شرقي القناة ودحرها للغرب من حيث أتَت، ودارت رحى معركة عنيفة على ضفة القناة الشرقية، شاركت فيها مختلف الأسلحة من القوات المصرية ضد هجوم الدبابات الشرسة، وقيل: إن العالم لم يشهَد في حروبه الحديثة مثل هذه المعركة وهذه الأعداد الهائلة من الأسلحة الحديثة - قد تكون هناك حروب لأعداد أكبر من الدبابات، ولكن كانت أسلحتها ليست بهذا المستوى من التدمير - ومُنيت القوات الإسرائيلية في هذه المعركة بهزيمة مُنكَرة، وفقدت أكثر من ثلاثة أرباع دباباتها، وأُسِر قائد إحدى الألوية، كما قتل قائد إحدى الفرق، وهو الجنرال ألبرت ماندلر، ومُني الهجوم الإسرائيلي بأفدح الخسائر، وتقدَّمت القوات المصرية عدة كيلو مترات لتعزيز مواقعها. المعركة الثانية: معركة الجولان يوم السبت السادس من تشرين الأول، العاشر من رمضان، وفيها حشدت سورية على خط الهجوم ما يزيد على ثمانمائة دبابة - قدَّر العدو عددها بألف ومائتي دبابة - وفاجأت إسرائيل على جبهة الجولان بهجوم مُباغِت في الساعة الثانية وعدة دقائق من بعد ظهر العاشر من رمضان 1393هـ - 1973م، وتقدَّمت هذه الأرتال المجنزرة بسرعة وهي تقتحم مواقع العدو وتدمِّره، فاجتازت خط الدفاع الأول، مُلحِقة بالعدو خسائر فادحة في الأفراد والعتاد، وواصلت القوات السورية زحفها في اليوم التالي - أي: الحادي عشر من رمضان - وكانت على ثلاثة محاور: شمالي وجنوبي وأوسط، ووصلت هذه القوات إلى خط الحدود السابق قبل حرب 1967م، وفي أثناء هذا الهجوم حدثت معارك جوية، وأصيب الطيران الإسرائيلي بخسائر غير معهودة من قبل؛ إذ كان متفوقًا في الحروب السابقة، فقد واجه مقاومة عنيفة من الطائرات السورية والصواريخ المضادة أنزلت به خسائرَ كبيرةً، ولعل المعركة الصغيرة في حجمها والمهمة في نوعيتها جديرةٌ بالتنويه هنا، وقد سبقت الهجوم الواسع الكبير بعدة ساعات، وكانت تستهدف المرصد الإسرائيلي المُقام على مرتفعات جبل الشيخ، فقد هوجم بعدد من الجنود المغاوير، ودارت فيه رحى معركة عنيفة بالبنادق والقنابل والسلاح الأبيض، وتفوَّق الجنود السوريون وسيطروا على المرصد، وحرَموا إسرائيل من اكتشاف الهجوم السوري الكبير بعد أن أزالوا مركز المراقبة، وكان هذا المرصد المرتفع كعُشِّ الصقر بمثابة حصن قوي بالغ التحصين. من الجدير بالذِّكر أنه قد دارت معارك عديدة بعد اليوم الثاني عشر من رمضان على الجبهتين السورية والمصرية، كان في بعضها النصر سجالًا، وفي بعضها الآخر لصالح الإسرائيليين بعد أن أمدَّتهم الولايات المتحدة بالسلاح الفتَّاك المطور، فحدثت ثغرات في خطوط الدفاع على الجبهة المصرية، واختراق وصل إلى مدينة السويس في غرب القناة، واختراق وارتداد للقوات السورية إلى نقطة البداية، وتعقَّدت المعارك وتداخلت نتائجها، وساهمت كثيرٌ من الدول العربية في إمداد الجيوش العربية بالرجال والسلاح؛ كالعراق، والمملكة العربية السعودية، والأدرنِّ، والكويت، والمغرب، وقوات من أبناء فلسطين، ثم أوقَف مجلس الأمن القتال، ومع كل ما حصل، فإن النتائج كانت لصالح الأمة العربية، ولم تخسر إسرائيل في جميع حروبها مع العرب مثلَ ما خسرته في هذه الحرب، فضلًا عن ارتباكها وذعرها من الضربة الأولى، وقد كانت تزعم أنها لا تُقهَر، وأن حربها مع العرب مجرَّد نزهة لجيشها. ماذا قال الإسرائيليون عن حرب العاشر من رمضان؟ قال موشي ديان وزير الدفاع الإسرائيلي في مؤتمر سري صحفي في 9/ 10/ 1973: "لقد قامت لدي قناعة أكيدة بأن العالم العربي قد استيقظ ليشهد عجزنا عن صد القوات المصرية والسورية في آن واحد". وقال أريك رولو: "إن المعارك التي أدهشت ضراوتها قضت على كثير من المعتقدات العسكرية والأساطير التي عُرِف بتعهدها الزعماء الإسرائيليون في النفوس". وقال مظلي إسرائيلي: "لقد كانت هذه الحرب تجربة قاسية جدًّا، فقد خيل إلينا على جبهة السويس بأن اجتياحًا ضاريًا ضخمًا عنيدًا يكاد يلتهمنا". وقال بارليف صاحب الخط الحصين الشهير على قناة السويس: "إن العرب كانوا مصممين هذه المرة على المجازفة". وقال تقرير لجنة شمعون التي حقَّقت في ارتباك القيادة الإسرائيلية: "لقد فاجأ بَدْء مصر وسورية الحرب - يوم الغفران - في 6/ 10/ 1973م في الساعة 14 تقريبًا الجيش الإسرائيلي؛ لأن القيادة العليا السياسية والعسكرية لم تُقدِّر حتى ساعات الصباح الباكر من ذلك اليوم أن حربًا شاملة ستبدأ". ومع هول الصدمة لدى القيادة الإسرائيلة، والنجاح في الهجوم السوري والمصري، فإن القيادة العربية لم تَستغِلَّ النجاح لمزيد من المكاسب. وبقي أن نذكر أن هذه الحروب كانت في عهد كلٍّ من الرئيس أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية، وحافظ الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية. |
الرد المبين على مَن يطعن في عائشة أمِّ المؤمنين الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا؛ أما بعد: فإن الرد بطريقة علمية قوية على الحاقدين على الإسلام، الذين يطعنون في ريحانة بيت النبوة، أم المؤمنين؛ الصديقة عائشة رضي الله عنها - إنما هو في الحقيقة دفاعٌ عن شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفاع عن الإسلام جملة وتفصيلًا، وسوف نذكر بعض الشُّبُهات والطعون التي أثارها الحاقدون على الإسلام ضد الطاهرة العفيفة أمِّ المؤمنين عائشةَ زوجةِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونذكر الرد على هذه الشبهات والطعون، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الشبهة الأولى: قال الطاعنون: "أذاعت عائشةُ سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم". الرد على هذه الشبهة: الرد من وجهين: ثبت في الصحيح عن عمر أنهما عائشة وحفصة. روى الشيخان عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: ((لم أزَلْ حريصًا على أن أسأل عمر رضي الله عنه عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4]، فحججتُ معه، فعدل وعدلت معه بالإداوة (إناء)، فتبرز حتى جاء، فسكبتُ على يديه من الإداوة فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، مَنِ المرأتان مِن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل لهما: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4]؟ فقال: وا عَجَبِي لك يا ابن عباس، عائشةُ وحفصة))؛ [البخاري حديث: 2468، مسلم حديث: 1479]. أولًا: هؤلاء الطاعنون يعمدون إلى نصوص القرآن التي فيها ذكرُ ذنوبٍ ومعاصٍ بيِّنة لمن نصت عنه من المتقدمين، يتأولون النصوص بأنواع التأويلات، وأهل السنة يقولون: بل أصحاب الذنوب تابوا منها، ورفع الله درجاتهم بالتوبة، وهذه الآية ليست بأَوْلَى في دلالتها على الذنوب من تلك الآيات، فإن كان تأويل تلك سائغًا، كان تأويل هذه كذلك، وإن كان تأويل هذه باطلًا، فتأويل تلك أبطل. ثانيًا: بتقدير أن يكون هناك ذنبٌ لعائشةَ وحفصة، فإنهما قد تابتا منه، وهذا ظاهر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ [التحريم: 4]؛ فدعاهما الله تعالى إلى التوبة، فلا يُظَنُّ بهما أنهما لم يتوبا، مع ما ثبت من علوِّ درجتهما، وأنهما زوجتا نبينا في الجنة، وأن الله خيَّرهن بين الحياة الدنيا وزينتها، وبين الله ورسوله والدار الآخرة، فاخترْنَ الله ورسوله والدار الآخرة؛ [منهاج السنة لابن تيمية، ج: 4، ص: 313، 314]. الشبهة الثانية: قال الطاعنون: "قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: ((إنكِ تقاتلين عليًّا، وأنتِ ظالمة له))". الرد على هذه الشبهة: هذا الحديث وهو قوله لها: ((تقاتلين عليًّا وأنتِ ظالمة له))، فهذا لا يُعرَف في شيء من كتب العلم المعتمدة، ولا إسنادَ معروف له، وهو كذِبٌ قطعًا؛ فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنَّت أن في خروجها مصلحةً للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أَوْلَى، فكانت إذا ذكرت خروجها، تبكي حتى تبلَّ خمارها. وهكذا عامة السابقين ندِموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندِمَ طلحة والزبير وعلي رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن يوم الجمل لهؤلاء قصد في الاقتتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم؛ فإنه لما تراسل عليٌّ وطلحة والزبير، وقصدوا الاتفاق على المصلحة، وأنهم إذا تمكنوا، طلبوا قتلة عثمان أهلَ الفتنة، وكان عليٌّ غيرَ راضٍ بقتل عثمان ولا معينًا عليه، كما كان يحلف فيقول: "والله ما قتلت عثمان، ولا مالأتُ على قتله"، وهو الصادق البارُّ في يمينه، فخشيَ القتلة أن يتفق عليٌّ معهم على إمساك القتلة، فحملوا على عسكر طلحة والزبير، فظن طلحة والزبير أن عليًّا حمل عليهم، فحملوا دفعًا عن أنفسهم، فظن عليٌّ أنهم حملوا عليه، فحمل دفعًا عن نفسه، فوقعت الفتنة بغير اختيارهم، وعائشة رضي الله عنها راكبة، لا قاتلت، ولا أمرت بالقتال؛ [منهاج السنة لابن تيمية، ج: 4، ص: 316، 317]. الشبهة الثالثة: قال الطاعنون: "خالفت عائشة أمر الله في قوله تعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33]". الرد على هذه الشبهة: عائشة رضي الله عنها لم تتبرج تبرج الجاهلية الأولى، والأمر بالاستقرار في البيوت لا ينافي الخروج لمصلحة مأمور بها، كما لو خرجت للحج والعمرة، أو خرجت مع زوجها في سَفْرَةٍ، فإن هذه الآية قد نزلت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سافر بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، كما سافر في حجة الوداع بعائشة رضي الله عنها وغيرها، وأرسلها مع عبدالرحمن أخيها فأردفها خلفه، وأعمرها من التنعيم، وحجة الوداع كانت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ثلاثة أشهر بعد نزول هذه الآية؛ ولهذا كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يحججن - كما كُنَّ يحججن معه - في خلافة عمر رضي الله عنه وغيره، وكان عمر يوكل بقطارهن عثمان أو عبدالرحمن بن عوف، وإذا كان سفرهن لمصلحة جائزًا، فعائشة اعتقدت أن ذلك السفر مصلحة للمسلمين، فتأولت في ذلك؛ [منهاج السنة لابن تيمية، ج: 4، ص: 317، 318]. الشبهة الرابعة: قال الطاعنون: "إن عائشة خرجت في ملأ من الناس تقاتل عليًّا على غير ذنب". الرد على هذه الشبهة: هذا كذب على عائشة رضي الله عنها؛ فإنها لم تخرج لقصد القتال، ولا كان أيضًا طلحة والزبير قصدهما قتال عليٍّ، ولو قُدِّرَ أنهم قصدوا القتال، فهذا هو القتال المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾ [الحجرات: 9، 10]، فجَعَلَهُم مؤمنين إخوةً مع الاقتتال، وإذا كان هذا ثابتًا لمن هو دون أولئك المؤمنين، فهم به أَوْلَى؛ [منهاج السنة لابن تيمية، ج: 4، ص: 321، 322]. الشبهة الخامسة: قال الطاعنون: "إن عائشة كانت في كل وقت تأمر بقتل عثمان، وتقول في كل وقت: اقتلوا نعثلًا، قتل الله نعثلًا، ولما بلغها قتله فرحت بذلك". فائدة: نعثل: اسم يهودي عظيم اللحية في المدينة، فشُبِّهَ عثمان به، وسُمِّيَ به. الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: أين النقل الثابت عن عائشة بذلك؟. ثانيًا: المنقول الثابت عن عائشة يكذِّب ذلك، ويبين أنها أنكرت قتل عثمان، وذمَّت مَن قتله، ودعت على كل مَن شارك في قتل عثمان رضي الله عنه؛ [منهاج السنة لابن تيمية، ج: 4، ص: 329]. (1) روى ابن سعد عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق عن عائشة، قالت حين قُتل عثمان: ((تركتموه كالثوب النقيِّ من الدَّنَسِ، ثم قربتموه تذبحونه كما يُذبح الكبش، هلا كان هذا قبل هذا؟ فقال لها مسروق: هذا عملكِ، أنتِ كتبتِ إلى الناس تأمرينهم بالخروج إليه، قال: فقالت عائشة: لا والذي آمن به المؤمنون، وكفر به الكافرون، ما كتبتُ إليهم بسوداءَ في بيضاءَ، حتى جلست مجلسي هذا، قال الأعمش: فكانوا يَرَون أنه كُتب على لسانها))؛ [إسناده صحيح، الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 3، ص: 60]. (2) روى البخاري في التاريخ الكبير عن طلق بن خشاف، قال: ((قُتل عثمان، فتفرقنا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نسألهم عن قتله، فسمعت عائشة قالت: قُتل مظلومًا، لعن الله قَتَلَتَهُ))؛ [إسناده حسن، التاريخ الكبير للبخاري، ج: 4، ص: 358، حديث: 3137]. (3) روى أحمد عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تقول (في فتنة مقتل عثمان): ((يا ليتني كنت نسيًا منسيًّا، فأما الذي كان من شأن عثمان، فوالله ما أحببتُ أن يُنتهَكَ من عثمان أمرٌ قط إلا انتُهك مني مثله، حتى لو أحببتُ قتله قُتلت، يا عبيدالله بن عدي، لا يغرنَّك أحد بعد الذي تعلم، فوالله ما احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا في عثمان، فقالوا قولًا لا يُحسِن مثله، وقرؤوا قراءةً لا يُحِسن مثلها، وصلوا صلاةً لا يصلى مثلها، فلما تدبرت الصنيع، إذًا والله ما تقاربوا أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أعجبك حسنُ قولِ امرئ، فقل: ﴿ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105]، ولا يستخفنك أحد))؛ [حديث صحيح، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، ج: 1، ص: 462، حديث: 750]. ثالثًا: ثبت أن عائشة رضي الله عنها قد روت أحاديثَ في فضائل عثمان بن عفان. (1) روى مسلم عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي كاشفًا عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر، فأذِنَ له وهو على تلك الحال، فتحدث، ثم استأذن عمر، فأذِنَ له وهو كذلك، فتحدث، ثم استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوَّى ثيابه - قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدث، فلما خرج، قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتشَّ له ولم تُبالِهِ، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسوَّيْتَ ثيابك، فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة))؛ [مسلم حديث: 2401]. (2) روى الترمذي عن النعمان بن بشير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عثمان، إنه لعل الله يقمِّصُك قميصًا، فإن أرادوك على خلعه، فلا تخلعه لهم))؛ [حديث صحيح، صحيح الترمذي للألباني، حديث: 2923]. (3) روى ابن ماجه عن قيس بن أبي حازم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ((وددت أن عندي بعض أصحابي، قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم، فجاء، فخلا به، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه، ووجهُ عثمانَ يتغير، قال قيس: فحدثني أبو سهلة مولى عثمان أن عثمان بن عفان قال يوم الدار: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهِدَ إليَّ عهدًا، فأنا صائرٌ إليه، وقال عليٌّ في حديثه: وأنا صابر عليه، قال قيس: فكانوا يَرَونه ذلك اليوم))؛ [حديث صحيح، صحيح ابن ماجه للألباني، حديث: 91]. الشبهة السادسة: قال الطاعنون: "سمُّوا عائشة بنت أبي بكر الصديق أمَّ المؤمنين، ولم يسمُّوا غيرها بذلك". الرد على هذه الشبهة: هذا من البهتان الواضح الظاهر لكل أحد، ومن المعلوم أن كل واحدة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يُقال لها: "أم المؤمنين"، وزوجات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هم: خديجة بنت خويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة بنت الصديق أبي بكر، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية، وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، وأم حبيبة رملة بنت أبي سفيان، وصفية بنت حيي بن أخطب، وميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنهن أجمعين؛ قال الله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وهذا أمر معلوم للأمة علمًا عامًّا، وقد أجمع المسلمون على تحريم نكاح هؤلاء بعد موته على غيره، وعلى وجوب احترامهن؛ فهن أمهات المؤمنين؛ [منهاج السنة لابن تيمية، ج: 4، ص: 366 – 369]. الشبهة السابعة: قال الطاعنون: "سجَّل المؤرخون على عائشة بنت أبي بكر أنها لا تريد ذكرَ اسمِ علي بن أبي طالب". الرد على هذه الشبهة: الرد على هذا الكذب من وجهين: أولًا: نحن نسأل هؤلاء الطاعنون : من هؤلاء المؤرخون؛ حتى نعرف من الصادق ومن الكاذب؟ وما المراجع التي اعتمدتم عليها في نقل هذا الكلام؟ ثانيًا: الثابت المعلوم لجميع الناس أن عائشة كانت تذكر عليًّا بكل خير. روى مسلم عن شريح بن هانئ قال: ((أتيتُ عائشةَ أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فَسَلْهُ؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلةً للمقيم))؛ [مسلم حديث: 276]. الشبهة الثامنة: قال الطاعنون: "إن عسكر عائشة لما أتَوا مدينة البصرة نهبوا بيت المال، وأخرجوا عامل الأمير عثمان بن حنيف الأنصاري مهانًا، مع أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم". الرد على هذه الشبهة: الرد من وجهين: أولًا: هذه الأمور لم تقع برضا عائشة، ولا علمت بذلك، حتى إنها لما علمت ما جرى في حق عثمان بن حنيف، اعتذرت له واسترضته. ثانيًا: مثل هذا وقع لعسكر علي بن أبي طالب مع أبي موسى الأشعري، فقد أحرقوا بيته، ونهبوا متاعه لما دخلوا الكوفة؛ [مختصر التحفة الاثنى عشرية للدهلوي، ص: 269]. الشبهة التاسعة: قال الطاعنون: "روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: ((ما غِرتُ على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها))؛ [البخاري حديث: 3818، مسلم حديث: 2435]. الرد على هذه الشبهة: أولًا: الغَيرة أمر طبيعي في النساء، ولا مؤاخذة عليهن في مثل هذه الأمور. ثانيًا: لو صدر قول أو فعل مخالف للشرع نتيجة الغيرة، فلا بد من توجيه اللوم إلى المرأة التي صدر منها ذلك. ثالثًا: روى النسائي عن أبي المتوكل عن أم سلمة: ((أنها أتت بطعام في صَحفة (وعاء) لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاءت عائشة متزرةً بكساء ومعها فِهرٌ (حجر)، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة، ويقول: كلوا، غارت أمُّكم، مرتين، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة، فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة))؛ [حديث صحيح، صحيح سنن النسائي للألباني، ج: 2، ص: 62]. في هذا الحديث لم يعاتبِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ولم يوبِّخها، فكيف نسمح لأفراد الأمة أن يجعلوا أمهات المؤمنين هدفًا لسهام مطاعنهم؟ [مختصر التحفة الاثنى عشرية للدهلوي، ص: 270]. الشبهة العاشرة: قال الطاعنون: "كانت عائشة تقول في آخر حياتها: قاتلت عليًّا، ووددت أني كنت نسيًا منسيًّا". الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: هذه الرواية غير صحيحة بهذا اللفظ، والذي صحَّ أن عائشة كانت تذكر يوم الجمل وتبكي بكاء شديدًا، حتى يبتل خمارها بالدموع، ندمًا على ذهابها إلى العراق؛ [مختصر التحفة الاثنى عشرية للدهلوي، ص: 270]. ثانيًا: كانت عائشة تحدِّث نفسها أن تُدفَن في بيتها، فقالت: ((إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثًا، ادفنوني مع أزواجه))، فدُفنت بالبقيع رضي الله عنها. قال الإمام الذهبي: "تعني بالحدث: مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامةً كليةً، وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة، قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيدالله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع"؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 193]. ثالثًا: قال ابن أبي عتيق: قالت عائشة: ((إذا مرَّ ابن عمر، فأرونيه، فلما مر بها، قيل لها: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبدالرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري (أي: إلى العراق)؟ قال: رأيت رجلًا قد غلب عليكِ؛ يعني: عبدالله بن الزبير))؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 193]. الشبهة الحادية عشرة: قال الطاعنون: "روى أحمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ((لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - وكاتبته على نفسها، وكانت امرأةً حلوةً مُلاحةً لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها))؛ [حديث حسن، مسند أحمد، ج: 43، ص: 384، حديث: 26365]، وهذا دليل على أن عائشة كانت تكره جويرية بنت الحارث". الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: قول عائشة في هذا الحديث محمولٌ على الغيرة الطبيعية التي خلق الله تعالى عليها النساء، فكَونُ عائشة تغار على زوجها من امرأة أجنبية أمر طبيعي، ولا يستطيع إنسان عاقل أن يلوم عائشة عليه. ثانيًا: هذا القول صدر من عائشة قبل إسلام جويرية بنت الحارث، وقبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم. ثالثًا: عندما أسلمت جويرية بنت الحارث، وأصبحت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم، زالت كراهية عائشة لها، وأثنت عليها أفضل الثناء. روى أحمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ((لقد أعتق بتزويجه - أي: النبي صلى الله عليه وسلم - إياها - جويرية بنت الحارث - مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأةً كانت أعظم بركةً على قومها منها)). رابعًا: لو كانت عائشة تكره جويرية بنت الحارث ما ذكرت هذا الحديث في مناقب جويرية؛ [حديث حسن، مسند أحمد، ج: 43، ص: 384، حديث: 26365]. الشبهة الثانية عشرة: قال الطاعنون:"كانت عائشة تسيء الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم"، واستدلوا على ذلك بالحديث الآتي: روى أبو يعلى الموصلي عن عائشة قالت: ((كان متاعي فيه خِفٌّ، وكان على جمل ناجٍ، وكان متاع صفية فيه ثِقَلٌ، وكان على جمل ثَقالٍ بطيء يتبطَّأ بالركب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حولوا متاع عائشة على جمل صفية، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة؛ حتى يمضيَ الركب، قالت عائشة: فلما رأيت ذلك، قلت: يا لَعبادِ الله، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أمَّ عبدالله، إن متاعك كان فيه خِفٌّ، وكان متاع صفية فيه ثقل، فأبطأ بالركب، فحوَّلنا متاعها على بعيرك، وحولنا متاعكِ على بعيرها، قالت: فقلت: ألستَ تزعم أنك رسول الله؟ قالت: فتبسم، قال: أو في شكٍّ أنتِ يا أمَّ عبدالله؟ قالت: قلت: ألستَ تزعم أنك رسول الله، فهلَّا عدلتَ؟ وسمعني أبو بكر وكان فيه غَرْبٌ - أي: حِدَّة - فأقبل عليَّ، فلطم وجهي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهلًا يا أبا بكر، فقال: يا رسول الله، أما سمعت ما قالت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغَيْرَى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه))؛ [مسند أبي يعلى، حديث: 4670]. الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: هذا الحديث ضعيف، ولا تقوم به حجة، وهو في [سلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني، حديث: 2985]. ثانيًا: لو افترضنا صحة هذا الحديث، فإن عائشة هي التي روته، وقد اعترفت بهذا الخطأ، وتابت منه، بدليل أنها ذكرت هذا الحديث. ثالثًا: النبي صلى الله عليه وسلم قد التمس لعائشةَ العذرَ بسبب غيرتها، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه)). واستدل الطاعنون أيضًا بالحديث الآتي: روى النسائي في السنن الكبرى عن النعمان بن بشير قال: ((استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع صوت عائشة عاليًا، وهي تقول: والله قد علمت أن عليًّا أحب إليك من أبي، فأهوى إليها أبو بكر ليلطمها، وقال: يا ابنة فلانة، أراكِ ترفعين صوتكِ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، كيف رأيتِني أنقذتكِ من الرجل؟ ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك، وقد اصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقال: أدخلاني في السلم، كما أدخلتماني في الحرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا))؛ [حديث صحيح، سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، حديث: 2901]. فنقول وبالله تعالى التوفيق: أولًا: عائشة رضي الله عنها ليست معصومة من الخطأ، وقد تابت من ذلك. ثانيًا: النبي صلى الله عليه وسلم قد عذر عائشة، بدليل أنه لم يعاتبها على قولها، بل أمسك أبا بكر؛ حتى لا يضربها. ثالثًا: اصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة بعد هذه الحادثة مباشرة، وهذا دليل على عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة. الشبهة الثالثة عشرة: قال الطاعنون: "زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش أحدث صراعًا بين عائشة بنت أبي بكر وزينب بنت جحش؛ مما يدل على سوء أخلاق عائشة". الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: إن الله تعالى هو الذي زوَّج زينب بنت جحش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف تعترض عائشة على أمر الله تعالى؟ قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37]. ثانيًا: كانت عائشة تغار على النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، وذلك أمر طبيعي يحدث بين زوجات الرجل الواحد، وليس في ذلك مطعنٌ على الصديقة عائشة. روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ((أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذِنَ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنَنِي إليك يسألْنَكَ العدلَ في ابنة أبي قحافة، قالت: ثم وقعت بي - أي: نالت مني - فاستطالت عليَّ، وأنا أرقب - أنظر - رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها، قالت: فلم تبرح زينب حتى عرفتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر، قالت: فلما وقعتُ بها لم أنْشَبْها - أي: لم أمهلها - حتى أنْحَيْتُ عليها - أي: قصدتها - قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم: إنها ابنة أبي بكر؛ أي: هذه الفصاحة والفطنة من ذاك))؛ [مسلم حديث: 2442]. ثالثًا: مما يرد على هذا الطعن حُسنُ موقف الصديقة عائشة ليلة بناء النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش. روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((بُنيَ - الدخول بالزوجة - على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيًا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحدًا أدعو، فقلت: يا نبي الله، ما أجد أحدًا أدعوه، قال: ارفعوا طعامكم، وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله، فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟))؛ [البخاري حديث: 4793]. رابعًا: كانت الصديقة عائشة تثني على زينب بنت جحش. (1) روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: ((أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني - أي: تساويني - منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أرَ امرأةً قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقةً، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدق به، وتقرب به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرةً من حِدَّة - سرعة الغضب - كانت فيها، تسرع منها الفيئة؛ أي: ترجع وتعتذر بسرعة))؛ [مسلم حديث: 2442]. (2) روى مسلم عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسرعكن لِحاقًا بي أطولكن يدًا، قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق))؛ [مسلم حديث: 2452]. الشبهة الرابعة عشرة: قال الطاعنون: "لقد اغتابت عائشة بن أبي بكر صفية بنت حيي بن أخطب، وهذا دليل على سوء خلقها"؛ فقد روى أبو داود عن عائشة قالت: ((قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبُك من صفيةَ كذا وكذا؛ تعني: قصيرة، فقال: لقد قلت كلمةً لو مُزجتْ بماء البحر لمزجتْهُ؛ أي: خالطته مخالطة يتغير بها طعمه أو ريحه؛ لشدة قبحها))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود للألباني، حديث: 4080]. الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: من عقيدة أهل السنة والجماعة أننا لا نعتقد العصمةَ لأحدٍ من الناس إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة رضي الله عنها تخطئ وتصيب، وقد أخطأت في هذا القول، ولكنها قد تابت منه؛ بدليل أن هذا القول لم يتكرر منها بعد هذا الموقف. ثانيًا: هذا الكلام قد صدر من عائشة رضي الله عنها نتيجة الغيرة، وهو أمر قد يحدث بين زوجات الرجل الواحد. ثالثًا: النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن لعائشةَ أن هذا القول غِيبةٌ محرمة، وقد استجابت لذلك رضي الله عنها. الشبهة الخامسة عشرة: قال الطاعنون: "إن عائشة بنت أبي بكر الصديق خدعت أسماء بنت النعمان الجونية، فقالت لها: إن أردت أن تحظي عند النبي صلى الله عليه وسلم، فتعوَّذي بالله منه، فطلَّقها النبي صلى الله عليه وسلم". الرد على هذه الشبهة: الرد من عدة وجوه: أولًا: روى ابن سعد وغيره عدة روايات خاصة بهذه القصة، وسوف نذكر روايتين منهما: (1) روى ابن سعد من طريق محمد بن عمر الواقدي، قال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس، قال: ((تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان، وكانت من أجمل أهل زمانها وأشبَّهُ، قال: فلما جعل رسول الله يتزوج الغرائب، قالت عائشة: قد وضع يده في الغرائب، يوشكن أن يصرفن وجهه عنا، وكان خطبها حين وفدت كندة عليه إلى أبيها، فلما رآها نساء النبي صلى الله عليه وسلم حسدْنَها، فقلن لها: إن أردت أن تحظي عنده، فتعوذي بالله منه إذا دخل عليكِ، فلما دخل وألقى الستر، مد يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: أمِنَ عائذ بالله، الحقي بأهلكِ))؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 145]. (2) روى ابن سعد والحاكم عن أبي أسيد الساعدي وكان بدريًّا، قال: ((تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان الجونية، فأرسلني فجئت بها، فقالت حفصةُ لعائشة: أخضِبيها أنتِ، وأنا أمشِّطها، ففعلتا، ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك، فلما دخلت عليه، وأغلق الباب وأرخى الستر، مد يده إليها، فقالت: أعوذ بالله منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بكُمِّهِ على وجهه، فاستتر به، وقال: عذتِ بِمَعاذ ثلاث مرات، قال أبو أسيد: ثم خرج إليَّ فقال: يا أبا أسيد، ألحقها بأهلها، ومتِّعْها بِرازِقِيَّيْنِ - ثياب بيض طوال من الكتان - فكانت تقول: ادعوني الشقية))؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد (ج: 8، ص: 145)، مستدرك الحاكم (ج: 4، ص: 37)]. ثانيًا: هذه الروايات موضوعة؛ لأن مدارها حول محمد بن عمر الواقدي، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي، وأبيه، وأبي صالح، وسوف نذكر أقوال العلماء فيهم. (1) قال الذهبي: "محمد بن عمر الواقدي: لم أسُقْ ترجمته هنا؛ لاتفاق العلماء على ترك حديثه"؛ [تذكرة الحفاظ للذهبي، ج: 1، ص: 254، رقم: 334]. وقال ابن حجر العسقلاني: "محمد بن عمر الواقدي متروك"؛ [تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ج: 1، ص: 498، رقم: 6175]. (2) هشام بن محمد بن السائب الكلبي: قال الدارقطني عنه: متروك، وقال ابن عساكر: رافضي ليس بثقة؛ [لسان الميزان لابن حجر، ج: 6، ص: 196، رقم: 700]. وقال الذهبي: "هشام بن الكلبي الرافضي: أحد المتروكين، ليس بثقة؛ فلهذا لم أُدخِلْه بين حفاظ الحديث"؛ [تذكرة الحفاظ للذهبي، ج: 1، ص: 250، رقم: 326]. (3) محمد بن السائب الكلبي: قال الدارقطني عنه: متروك الحديث، وقال ابن حبان: وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه؛ [الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي، ج: 3، ص: 62، رقم: 2898]. (4) أبو صالح: قال ابن الجوزي عنه: "أبو صالح لم يَرَ ابن عباس، ولا سمع منه، لا يحل الاحتجاج به"؛ [الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي، ج: 3، ص: 62]. ثالثًا: هذه الروايات - رغم أنها موضوعة - لم تصرح بأن عائشة هي التي قالت لأسماء بنت النعمان الجونية: "إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك". رابعًا: الروايات الصحيحة لهذه القصة تظهر براءة عائشة وسائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الطعن. (1) روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: ((أن ابنة الجون لما أُدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: لقد عُذْتِ بعظيمٍ، الحقي بأهلكِ))؛ [البخاري، حديث: 5254]. (2) روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: ((ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب، فأمر أبا أسيد الساعدي أن يرسل إليها، فأرسل إليها فقدمت، فنزلت في أُجُمِ بني ساعدة - بناء يشبه القصر - فخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى جاءها، فدخل عليها فإذا امرأة منكِّسة رأسها - مائلة برأسها إلى الأرض تنظر إليها - فلما كلمها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد أعذتكِ مني، فقالوا لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ليخطبكِ، قالت: كنت أنا أشقى من ذلك؛ تريد أنها كانت شقية))؛ [البخاري حديث: 5637، مسلم حديث: 2007]. (3) روى البخاري عن أبي أسيد رضي الله عنه، قال: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشَّوط، حتى انتهينا إلى حائطين، فجلسنا بينهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلسوا ها هنا، ودخل، وقد أُتيَ بالجونية، فأُنزلت في بيت في نخل في بيت أميمة بنت النعمان بن شراحيل، ومعها دايَتُها حاضنة لها، فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: هبي نفسَكِ لي - زوجيني نفسكِ - قالت: وهل تَهَبُ الملكةُ نفسَها للسُّوقة - الواحد من الرعية؟ قال: فأهوى بيده - أمالها عليها - يضع يده عليها لتسكن - لتهدأ وتطمئن نفسها - فقالت: أعوذ بالله منك، فقال: قد عذتِ بِمَعاذ، ثم خرج علينا، فقال: يا أبا أسيد، اكسُها رازِقِيَّتَيْنِ - ثياب بيض طوال من الكتان - وألحقها بأهلها))؛ [البخاري، حديث: 5255]. ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة؛ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم الكرام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
أخلاقيات الموظف في شريعة الإسلام لناصر عيسى أحمد البلوشي صدر حديثًا كتاب " أخلاقيات الموظف في شريعة الإسلام" ، تأليف: " ناصر عيسى أحمد البلوشي "، نشر " دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي " الإمارات. وهي رسالة يلقي فيها مؤلفها الضوء على الأخلاق الإسلامية التي ينبغي للموظف أن يتحلى ويلتزم بها، وقد أورد فيها عشرين أدبًا وخلقًا، وختم مؤلَّفه بمقتطفات من قصيدة "عُنْوان الحِكَمِ" للشاعر الأديب أبي الفتح علي بن محمد بن الحسن البُستي رحمه الله المتوفى سنة: 400 هـ، والتي احتوت حكمًا بليغة، وأبياتًا رائعةً بديعة، وحثت على أخلاقٍ عظيمةٍ حميدة. والرسالة مختصرة موجزة ذات فقرات سريعة، موجهة لجمهور القراء من السادة الباحثين والمثقفين والمتطلعين إلى المعرفة. يقول الكاتب في مقدمتها: «الوظيفة مسؤوليةٌ عظيمةٌ، ولها أخلاقيات وقيم وأدبيات وضوابط سلوكية، يجب على الموظف أن يتحلى ويلتزم بها؛ ليزداد إتقانًا لعمله، وسموًا في تعامله، وانضباطًا في أدائه، وولاءً لوظيفته، وشحذًا لهمته وطاقته، وأداءً للأمانة التي اؤتمن عليها، سواء أكانت هذه الأخلاق والمبادئ مستمدة من أوامر الرب الجليل أو من وصايا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أو من العادات الحسنة التي تعارف عليها الناس». ومن أهم أخلاقيات الوظيفة التي نبه عليها في رسالته الموجزة: • أداء المهام والمسؤوليات التي كلف بها بإتقان والتزام، والوفاء بالعهود والشروط التي وافق عليها في عقد العمل. • المحافظة على المال العام، والحذر من هدر موارد وممتلكات مؤسسته أو إساءة استخدامها أو الانتفاع بها لمصالح شخصية. • المحافظة على أسرار العمل من معلومات ووثائق ومستندات. • الصدق والشفافية والوضوح في التعامل مع الموظفين والمراجعين. • الحذر من أخذ الرشوة، أو قبول الهدايا والإكراميات، فالرشوة من كبائر الذنوب، عن أبي حميدٍ الساعدي قال: استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليمٍ، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هديةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فهلا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا"، ثم خطبنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هديةٌ أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحدٌ منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة"، وعن عبد الله بن عمرٍو قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي". • المحافظة على وقت الوظيفة، وعدم إضاعة الوقت فيما لا يعود على العمل بالنفع، كممارسة الأنشطة التجارية الخاصة، أو إنهاء المهام الشخصية أو الخروج من مقر العمل بدون إذن. وغيرها من الآداب والسلوكيات الخاصة بالموظف التي نبه عليها الكاتب في رسالته. والكاتب هو: ناصر بن عيسى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن ثاني بن أحمد المطوع البلوشي. حاصل على درجة الماجستير في الفقه وأصوله، من كلية الشريعة بجامعة الشارقة - دولة الإمارات العربية المتحدة، ويحضر الدكتوراه في الفقه وأصوله، جامعة ملايا ( UM ) - ماليزيا، أكاديمية الدراسات الإسلامية / قسم الفقه وأصوله. ويعمل كبير باحثين بإدارة البحوث بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بإمارة دبي. حصل على جائزة التميز بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بإمارة دبي عن فئة ( الموظف المتميز الجديد ) لعام 2015م. المؤلفات والكتب المطبوعة: 1) وصايا وتوجيهات لحجاج بيت الله الحرام، الطبعة الأولى (1435هـ-2014م)، الطبعة الثانية (1436هـ-2015م). 2) المجتبى في مظاهر محبة النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، الطبعة الأولى (1435هـ-2014م). 3) لكي تتميز في دراستك، الطبعة الأولى (1435هـ-2014م). 4) وصايا وتوجيهات للصائمين والصائمات، الطبعة الأولى (1436هـ-2015م)، الطبعة الثانية (1437هـ-2016م)، الطبعة الثالثة (1438هـ-2017م). 5) الخدمة الوطنية ولاء وانتماء، الطبعة الأولى (1437هـ-2015م). 6) تبصير الدعاة الهداة بفضل وصفات الداعية إلى الله، الطبعة الأولى (1437هـ-2015م). 7) الأمن والأمان فريضة دينية وضرورة دنيوية، الطبعة الأولى (1437هـ-2015م). 8) جني المحصول في التعريف بعلم الأصول، الطبعة الأولى (1439هـ-2017م). 9) المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية، الطبعة الأولى (1439هـ-2018م). 10) إضاءات في الحياة السعيدة، الطبعة الأولى (1439هـ-2018م). 11) الأذكار النبوية الواردة في المرض والموت وما يتعلق بهما "منتخبة من كتاب الأذكار للإمام النووي رحمه الله"، الطبعة الأولى (1440هـ-2019م). 12) أئمة الهدى ومصابيح الدجى رضي الله عنهم، الطبعة الأولى (1441هـ-2019م). 13) أخلاقيات الموظف في شريعة الإسلام، الطبعة الأولى (1441هـ-2019م). 14) أجور عظيمة على عبادات يسيرة، الطبعة الأولى (1441هـ-2019م). |
تصحيح الحاوي لابن الملقن صدر حديثًا كتاب " تحرير الفتاوي الواقعة في الحاوي "، تأليف: الإمام الحافظ الفقيه " سراج الدين عمر بن علي الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن " (723 - 804 هـ)، تحقيق: " عبد الرحمن فهمي الزواوي "، نشر " دار الفتح للدراسات والنشر ". ونجد ابن الملقن اهتم بكتاب " الحاوي الصغير " للإمام القزويني رحمه الله (ت: 665 هـ)، ففرع عليه شروحًا وتحريرًا ونكتًا على هذا الكتاب الذي يعد من نفائس الكتب الفقهية لطلاب العلم عمومًا، وطلاب الفقه الشافعي على وجه الخصوص.... وهذا العلامة ابن المقري رحمه الله تعالى يمدحه قائلًا: (لم يكن في المذهب مصنف أوجز ولا أعجز من " الحاوي " فإنه كتاب لا ينكر فضله، ولا يختلف اثنان في أنه ما صنف قبله مثله، ولقد أبدع الشيخ في تصنيفه وترصيعه). ♦ ويعتبر شرح ابن الملقن للحاوي الصغير أفضل شرح وضع عليه، قال الإمام السخاوي: "لم يوضع عليه مثله". ويتميز هذا الشرح بطريقته المختصرة في المسائل الواضحة، مع الاستفاضة في شرح المشكلات، هذا بالإضافة إلى حسن تقسيمه ووضوح عبارته. والكتاب مرجع في الفقه الشافعي، وتتميز فصول الكتاب بأنها كثيرة جدًا، وهذا من صنع الإمام ابن الملقن، وقام ابن الملقن بعد هذا الشرح بتحرير الفتاوى الواقعة في الحاوي ووضع النكات والتعليقات على متنه في هذا السفر النفيس. والمقصود بتحرير الفتاوي: تخليصها على وجه محمود، وتنقيحها وإصلاح ما خامرها من سقط، وهذا مستمد من المعنى اللغوي في قولهم: ( تحرير الكتاب )، والمقصود: تقويمه وتخليصه، بإقامة حروفه، وتحسينه بإصلاح سقطه، والتحرير أيضًا: بيان المعنى بالكتابة. والفتاوي: جمع فتوى، وعلم الفتاوى: (هو علم تروى فيه الأحكام الصادرة عن الفقهاء في الواقعات الجزئية؛ ليسهل الأمر على القاصرين من بعدهم). أما الفتوى ذاتها.. (فهي الحكم الشرعي الذي يبينه الفقيه لمن سأله عنه). وبناء على هذا: فمعنى قوله: "تحرير الفتاوي أنه يُعنَى بذكر القول الراجح، الذي يلزم الفتيا به في المذهب، لقوة دليله، ووضوح تعليله، إضافة إلى عنايته بتبيين وتقويم وإصلاح ما أبهم في عبارات القزويني، حيث كانت هناك مواضع خالف فيها القزويني كلًا من الرافعي في كتابه المسمي " فتح العزيز شرح الوجيز " والنووي في " المنهاج "، فبينها، ومواضع مطلقة قام بتقييدها، ومواضع بلا تصحيح قام بعزوها وتوضيحها، والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق منها، كما ذكر ذلك في مقدمة "تصحيحه"، مع التنبيه إلى دقائق العبارات، والغوص على لطيف الإشارات، وغير ذلك مما يظهر ملكة هذا الإمام الفقهية، والتمكن من قواعده، والتعريف بالراجح من الأقوال إذا احتدم الخلاف، وغير ذلك من الفوائد العزيزة، التي قيدتها يراعة هذا الإمام. وهذا الجزء يحقق لأول مرة على عدة مخطوطات من أبرزها نسخة خطية في دار الكتب المصرية ضمن مجموع، في 113 لوحة. وابن الملقن هو الإمام عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله، سراج الدين أبو حفص لأنصاري الوادي آشي الأندلسي التكروروي المصري الشافعي، ويعرف بابن النحوي، لأن أباه كان نحويًّا، يعد من أكابر علماء الحديث والتاريخ والفقه. أصل ابن الملقن من وادي آش بالأندلس، ثم انتقل أبوه منها إلى تكرور، ثم قدم إلى القاهرة، ولد في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 723 هـ، توفي والده بعد ولادته بعام، فنشأ يتيمًا، لكن زوج والدته الجديد وصديق والده الشيخ عيسى المغربي كان له الأثر الكبير في توجيهه لطلب العلم ونبوغه فيه، فقرأ على عامة شيوخ عصره وسمع منهم، ورحل إلى دمشق وحماة، والقدس، وبلاد الحرمين. أخذ العلم عن عدد كبير من الشيوخ منهم: " خليل بن كيكلدي العلائي "، و" عبد الرحمن الصالحي "، و" عبد الرحيم الإسنوي "، و" ابن هشام "، و" تقي الدين السبكي "، و" عبد العزيز الكناني " المعروف بـ" ابن جماعة "، و" إبراهيم المناوي ". وأخذ عنه العلم جملة منهم " عبد الرحيم بن الحسين العراقي "، و" أحمد بن عثمان الريشي "، و" أحمد بن علي المقريزي "، و" ابن حجر العسقلاني" ، و" محمد بن موسى بن عيسى الدميري ". ولابن الملقن نحو ثلاثمئة مصنف منها: • التذكرة في علوم الحديث. • الإعلام بفوائد عمدة الأحكام. • إيضاح الارتياب في معرفة ما يشتبه ويتصحف من الأسماء والأنساب. • غريب كتاب الله العزيز. • التوضيح لشرح الجامع الصحيح. • البدر المنير في تخريج أحاديث شرح الوجيز للرافعي. • خلاصة الفتاوي في تسهيل أسرار الحاوي. • كافي المحتاج إلى شرح المنهاج في علم الأصول. وتوفي ابن الملقن ليلة الجمعة السادس عشر ربيع الأول سنة 804 هـ، وله من العمر إحدى وثمانين سنة. |
أسباب زيادة العلم وثباته بسم الله، وبعد: فهذه أسباب ثبات العلم، قد جمعتها في هذا الموضع رجاء النفع لي ولإخواني من طلبة العلم، والحمد لله. السبب الأول: العمل بالعلم: العمل بالعلم هو الغاية من العلم، وهو من أعظم أسباب ثبات العلم ودوامه، وقد جاء في الحديث: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ - وفيه- وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ» رواه الترمذي وغيره. ♦ وقال الإمام سفيان الثوري رحمه الله تعالى: « العلم يهتف بالعمل، فإن أجابه، وإلا ارتحل ». "جامع بيان العلم وفضله" (ص،٧٠٧). السبب الثاني: الإخلاص في طلبه، فإن تعلم العلم من أعظم العبادات وأجل القربات التي لا بد فيها من الإخلاص لله تعالى. وثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إن أول الناس يُقضى يوم القيامة - وذكر منهم - ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمَه فعرَفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به، فسُحبَ على وجهه حتى أُلقي في النار»؛ رواه مسلم. ♦ والإخلاص سبب لثبات العلم والزيادة فيه؛ لأن الإخلاص من أعظم الهدى الذي يهتدي إليه العبد، قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: ١٧]. وذكر الإمام الطبري، في تفسيره على هذه الآية: ﴿ زَادَهُمْ هُدًى ﴾ يقول: زادهم الله بذلك إيمانًا إلى إيمانهم، وبيانًا لحقيقة ما جئتهم به من عند الله إلى البيان الذي كان عندهم. السبب الثالث: تكرار العلم ومذاكرته: فآفة العلم النسيان وعلاجها التكرار، وكلما كان التكرار أكثر، ثبت العلم أكثر. وكلمات أهل العلم في ذلك كثيرة؛ فقد روى الإمام الخطيب البغدادي عن علقمة قال: أطيلوا ذكر الحديث؛ لا يدرُس. "شرف أصحاب الحديث" (ص: ٩٧). ♦ إياك يا طالب العلم أن تمَلَّ أو تكلَّ من تكرار العلم، وتأمل في مسائل العلم من مثل مسائل الحج كيف هي واضحة وحاضرة عند العلماء، وذلك لتكرارها عليهم كل سنة. وكما قيل: لا بد للفقيه أو العالم أن يمر على أبواب العلم على الأقل كل سنة مرة. السبب الرابع: تعليم العلم والدعوة إليه ونشره، وذلك من أعظم أسباب ثباته، لأنه يدعوك إلى تكراره ومراجعته، وترسخه وفهمه أكثر. وفي ذلك يقول ، العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: زكاة العلم تكون بأمور: الأمر الأول: نشر العلم: نشر العلم من زكاته، فكما يتصدق الإنسان بشيء من ماله، فهذا العالم يتصدق بشيء من علمه، وصدقة العلم أبقى دومًا وأقل كلفة ومؤنة، أبقى دومًا؛ لأنه ربما كلمة من عالم تُسمع ينتفع بها أجيال من الناس، وما زلنا الآن ننتفع بأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم ننتفع بدرهم واحد من الخلفاء الذين كانوا في عهده، وكذلك العلماء ننتفع بكتبهم ومعهم زكاة وأي زكاة، وهذه الزكاة لا تنقص العلم بل تزيده كما قيل: يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفًّا شددت. مجموع الفتاوى والرسائل (٢١٨/٢٦). السبب الخامس: الدعاء، دعاء الله عز وجل وسؤاله من أجل ثبات العلم وعدم نسيانه، قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [ غافر: ٦٠]. السبب السادس: ذكر الله والإكثار من ذلك، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾ أي: إذا نسيت شيئا فاذكر الله يذكرْك إياه. ذكر هذا القول في تفسيره ابن الجوزي في "زاد المسير" (١٢٨/٥) وغيره. السبب السابع: تقوى الله عز وجل، وترك المعاصي، فمن أسباب ثبات العلم تقوى الله عز وجل، لأن بالتقوى يهب الله للعبد الفرقان، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [الأنفال: ٢٩]. ♦ قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى، في تفسيره على هذه الآية: الفرقان، وهو العِلم والهدى الذي يفرِّق به صاحبُه بين الهدى والضلال، والحقِّ والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة والشقاوة. انتهى. اللهم ذكرنا من العلم ما نسينا، واحفظ علينا ما علمتنا، وزدنا علما، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
دروس من مقتل الحسين رضي الله عنه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه وأتباعه، وبعد: كان مقتل الحسين رضي الله عنه يوم الجمعة يوم عاشوراء في العاشر من المحرم سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وله من العمر ثمان وخمسون سنة، ومقتله رضي الله عنه من الأحداث الكبرى في تاريخ الإسلام، وكانت لها نتائج وآثار إلى يومنا هذا، وقصة خروجه إلى العراق وما جرى بعد ذلك من أحداث مبثوثة في كتب التاريخ، وسنتناول في هذا المقال شيئًا من الدروس والعبر من مقتله رضي الله عنه، فمن تلك الدروس: أولًا: الإمساك عن ما حصل بين المسلمين في العصر الأول من المعارك والحروب لأنها من الفتن، فمن منهج أهل السنة عدم الخوض في تفاصيل تلك الأحداث، قال الإمام ابن تيمية في حديثه عما حدث بين الصحابة رضي الله عنهم: "وَلِهَذَا أَوْصَوْا بِالْإِمْسَاكِ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّا لَا نُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: "تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا يَدَيَّ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُخَضِّبَ بِهَا لِسَانِي"، وَقَالَ آخَرُ: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134]" [1] . فنمسك ألسنتنا عن الخوض في تفاصيل تلك الفتن التي حصلت بين المسلمين في العصر الأول؛ ذلك أن كتب التاريخ مملوءة بالأخبار المكذوبة والمزيد فيها، ومنها ما كتبت بأقلام طائفية أو حزبية، وتمحيص الأخبار التاريخية الصحيحة من الكاذبة أمر صعب وعسير!، قال شيخ الإسلام: "فَإِنَّهُ بِسَبَبِ مَقْتَلِ عُثْمَانَ وَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ وَأَمْثَالِهِمَا جَرَتْ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ، وَأَكَاذِيبُ وَأَهْوَاءٌ، وَوَقَعَ فِيهَا طَوَائِفُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ والمتأخرين" [2] . ثانيا: إن كل مسلم ينبغي أن يحزنه مقتل أي مسلم، فكيف إذا كان المقتول من أهل الفضل والمكانة، فكيف إن كان قد قتل مظلومًا، وكيف إذا كان من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالحسين رضي الله عنه. لذلك فإن أهل السنة والجماعة يعدُّون قتل الحسين رضي الله عنه فاجعةً عظيمة، وأن قاتليه هم من شرار الخلق وأفسق الخليقة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما مَن قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا" [3] . ثالثًا: لا يجوز إقامة المآتم في يوم قتله أو لطم الخدود وشق الثياب، والصراخ والنواح والاجتماع لذلك، كما تفعل الرافضة -أخزاهم الله- يوم عاشوراء، والعجيب من أمر هؤلاء أن أباه عليا كان أفضل منه، وقتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر، لكنهم لا يتخذون مقتله مأتمًا، وقتل عمر، وقتل عثمان -رضي الله عنهم-، ولم يتخذ الناس يوم قتلهم مأتمًا كما يفعل هؤلاء الضلال. رابعًا: اتخاذ يوم مصرع الحسين مأتمًا إنما هو لأغراض خبيثة واعتقادات فاسدة عند الرافضة، فإنهم يرفعون في مواكب العزاء والضلال شعار "يالثارات الحسين"، أي: إنهم سيأخذون الثأر له ممن قتله، ويغرسون ذلك في نفوس شبابهم وأطفالهم ويربونهم على ذلك، لكن ممن سيأخذون الثأر بعد مرور مئات السنين على هذه الحادثة؟!. إنهم يقصدون الثأر من أهل السنة جميعًا؛ ولذلك ما سيطر الشيعة على بلاد على مر تاريخهم إلا نكلوا بأهل السنة فيها، واستحلوا دماءهم وأموالهم كما هي في معتقداتهم، وهذا ثابت في التاريخ القديم والحديث، وأفعال القرامطة والعبيديين والنصيرية والباطنية والصفوية والرافضة شاهدةً على ذلك، وأما في عصرنا فخير مثال على ذلك لما انتصرت ما يسمى كذبًا وزورًا الثورة الإسلامية للخميني في إيران، استبشر الناس بها، فما إن استتب لهم الحكم حتى نكلوا بأهل السنة، وقل في مثل ذلك ما حصل في لبنان والعراق وسوريا فثارات الحسين المزعومة حاضرة في أذهان هؤلاء فيما يفعلونه بأهل السنة من الأبرياء!!. خامسًا: إن حزن هؤلاء على الحسين إنما هو حزن مصطنع؛ يفعلونه ليبعدوا عن آبائهم وأجدادهم جريمة الخيانة التي ارتكبوها بحق الحسين وآل بيته، فإن الذي قتل الحسين وآل بيته ليس فقط عسكر ابن زياد، بل إن المشاركين في هذه الجريمة ابتداءً هم أجداد هؤلاء الشيعة الذين دعوا الحسين إلى العراق، فوثق بهم وأعطوه العهود والمواثيق لنصرته، فخانوه وغدروا به وتركوه لعدوه ليقتله. والأنكى من ذلك أن يكون في عسكر ابن زياد من دعا الحسين لنصرته ثم خرجوا يقاتلونه بسيوفهم خيانةً ونقضًا للعهد، فناداهم الحسين في أرض المعركة بأسمائهم: "يا قيس بن الأشعث، يا زيد بن الحارث: ألم تكتبوا إلي أنه قد أينعت الثمار واخضر الجناب، فأقدم علينا فإنك إنما تقدم على جند مجندة؟ فقالوا له: لم نفعل. فقال: سبحان الله! والله لقد فعلتم" [4] . وتذكر مصادر الشيعة أن الحسين دعا عليهم قائلًا: "اللهم إن متعتهم إلى حين ففرِّقهم فِرَقًا، واجعلهم طرائق قِدَدًا، ولا تُرْضِ الولاةَ عنهم أبدًا؛ فإنهم دعَونَا لينصرونا، ثم عدَوْا علينا فقتلونا" [5] . وقال زين العابدين لأهل الكوفة: "هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ثم قاتلتموه وخذلتموه.. بأي عين تنظرون إلى رسول الله -صلى الله عليه وآله- وهو يقول لكم: قاتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي" [6] . وقال أيضًا عنهم: "إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم؟" [7] . ومن قبل ذلك حين تولوا عن مسلم بن عقيل رسول الحسين إليهم، وتركوه وحيدًا وخذلوه وكانت "المرأة تجئ إلى ابنها وأخيها وتقول له: ارجع إلى البيت، الناس يكفونك ويقول الرجل لابنه وأخيه: كأنك غدا بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟. فتخاذل الناس وقصروا وتصرموا وانصرفوا عن مسلم بن عقيل حتى لم يبق إلا في خمسمائة نفس، ثم تقالوا حتى بقي في ثلاثمائة ثم تقالوا حتى بقي معه ثلاثون رجلا، فصلى بهم المغرب ثم انصرفوا عنه" [8] . سادسًا: إن حفاظ الرافضة على بدعة عاشوراء وإحياء شعائرها كل سنة له هدفان رئيسَيان: "الأول: إحياء جَذْوَة التشيع في قلوب أصحابه، يقول إمامهم الخميني: "إن البكاء على الشهيد يُعَدُّ إبقاءً على اتِّقاد الثورة وتأجُّجها" [9] . أما هدفهم الآخَر فهو شحْن القلوب بغضًا على أعداء آل البيت، وهم كل من لا يؤمن بعقائد التشيع خاصة أهل السنة منهم. سابعًا: الخيانة ونقض المواثيق ونكث البيعة صفات تجري في دم الشيعة في كل زمان، ونجد في كتب الشيعة أنفسهم روايات تبين لنا ذلك، إذ كان في جيش ابن زياد رجالٌ ممن بايع الحسين ونكث بيعته، وتذكر مصادر الشيعة أن الحسين كان يناديهم قبل أن يقتلوه: "ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، وإنما تقدم على جند مجندة؟ تبًا لكم أيها الجماعة حين استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الذباب، وتهافتم إلينا كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفهًا" [10] . ويؤكد ذلك المؤرخ الشيعي محسن الأمين فيقول: "بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفًا، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، وقتلوه" [11] . ويقول محدِّث الشيعة عباس القُمِّي: "تواترت الكتب إلى الحسين حتى اجتمع عنده في يوم واحد ستمائة كتاب من عديمي الوفاء" [12] . لقد خانوا عليًا وآل بيته وهم يزعمون تعظيمهم، وهم لهم أسرع خيانةً ومكرًا، سقطت بغداد على يد التتار وقتل من فيها واستبيحت بخيانة الشيعي ابن العلقمي، وسقطت بغداد مرة أخرى في هذا العصر بخيانة وتواطئ من شيعة العراق، وسلمت لبنان للفرس الإيرانيين على يد الشيعة، ودمرت بلاد الشام وهجر أهلها وعملت فيهم المذابح المروعة بأيدي هؤلاء الشيعة من العرب والعجم الذين تجمعوا من أصقاع الأرض يحركهم ويدفعهم حقدهم الشديد على أهل السنة، وهم يسعون لمحاصرة السعودية وخنق قبلة المسلمين عبر الشيعة في اليمن. وهكذا ما وجدت هذه الفرقة الضالة إلا كانت عونًا لأعداء الإسلام على المسلمين!، ولذا قال عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية عن خبرةٍ وتجربة وواقع: "أصل كل فتنة وبليه هم الشيعة ومن انضوى إليهم وكثير من السيوف التي سلت في الإسلام إنما كانت من جهتهم " [13] . ثامنًا: ينبغي عدم الاغترار بكثرة المتحمسين الذين يجتمعون سريعًا وينفضُّون سريعًا، هؤلاء الذين ليس لهم مبدأ ثابت، وإنما تحركهم المصلحة أو العاطفة والحماس المؤقت، فإذا حان وقت الجد بانت حقيقتهم وانكشف معدنهم، كما هو حال أهل الكوفة مع الحسين. فَما أَكثَرَ الإِخوان حينَ تَعدّهُم *** وَلَكِنَهُم في النائِباتِ قَليلُ لما دخل مسلم بن عقيل رسول الحسين إلى الكوفة تسامع أهلها بقدومه، فجاؤوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفًا ثم تكاثروا، فكتب مسلم إلى الحسين ليسرع في القدوم فقد تمت له البيعة [14] ، لكنهم سرعان ما خذلوه وانصرفوا عنه ولم يبق معه واحد منهم!!. تاسعًا: إن عاقبة الظلم والبغي وخيمة ومعجلة في الدنيا قبل الآخرة، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ" [15] . وإن سفك الدم الحرام والقتل دون وجه حقٍ هو من أشد الظلم وقتل المسلم من الكبائر العظيمة، فكيف بقتل من هو بمكانة الحسين رضي الله عنه، إذ هو من قتل الصالحين وخيار الأمة، والله يقول مشنِّعًا على قتل أوليائه: ﴿ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾ [آل عمران: 21، 22] قال عبد الملك بن عمير: "دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلا حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا رأس عبيد الله بن زياد بين يدي المختار على ترس" [16] . ومعلوم من التاريخ أن كل من شارك في قتل الحسين انتقم الله منه في الدنيا إما بقتلٍ أو ببلية، قال الإمام ابن كثير: "وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنه قل من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أصيب بمرض، وأكثرهم أصابهم الجنون" [17] . وقال الزهري: "لم يبق ممن قتله إلا من عوقب في الدنيا إما بقتل أو عمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة" [18] . عاشرًا: لا ينبغي الاستدلال بخروج الحسين رضي الله عنه على جواز الخروج على ولاة الجور والظلم، فقد استقر منهج أهل السنة على عدم الخروج على الولاة والحكام وإن ظلموا، وليس ذلك من باب الجبن والخوف، ولكن لما يترتب على ذلك من البلايا والمصائب والفوضى والتناحر وإراقة الدماء، واختلال الحياة جميعا المعيشية والسياسية والوظيفية والصحية؛ لأنه باختلال الأمن وسقوط الدولة تحصل الفوضى العامة، وتفتح أبواب الفتن التي تأتي على الأخضر واليابس كما هو مشاهد اليوم في كثير من البلاد. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته" [19] . قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِي رحمه الله: "أَمَّا الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ وَقِتَالُهُمْ فَحَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً ظَالِمِينَ... قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَسَبَبُ عَدَمِ انْعِزَالِهِ وَتَحْرِيمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَتَكُونُ الْمَفْسَدَةُ فِي عَزْلِهِ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي بَقَائِهِ". وقال رحمه الله بعد الكلام عن خروج الحسين وابن الزبير رضي الله عنهم وخروج بعض التابعين رحمهم الله: " قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" [20] . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة (الحسن بن حي): "وقولهم: (وكان يرى السيف) يعني أنَّهُ كَانَ يرَى الخرُوجَ بِالسَّيْف عَلى أَئِمَّة الجوْرِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ للسَّلَفِ قَدِيمٌ، لكنَّ اسْتَقَرَّ الأمرُ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِما رَأَوْهُ قد أَفْضَى إِلَى أَشَدَّ منه؛ فَفِي وَقْعَةِ الحرّة وَوَقْعَة ابن الأَشْعَث وغيرهما عِظةٌ لمنْ تَدَبَّر" [21] . الحادي عشر: أهمية الأخذ برأي العلماء خاصة ممن كبر سنه، وعاصر الأحداث والتجارب وعرف المصالح والمفاسد ووازن بينها، وفي الحديث: "البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ" [22] ، حين علم ابن عباس رضي الله عنهما عن عزم الحسين رضي الله عنه الخروج إلى العراق نهاه وحاول أن يثنيه عن ذلك، فقال له: "يَا ابْنَ عَمِّ! إِنِّي أَتَصَبَّرُ وَلَا أَصْبِرُ، إِنِّي أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْوَجْهِ الْهَلَاكَ وَالِاسْتِئْصَالَ، إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَوْمٌ غُدُرٌ فَلَا تَقْرَبَنَّهُمْ، أَقِمْ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَإِنَّكَ سَيِّدُ أَهْلِ الْحِجَازِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُرِيدُونَكَ كَمَا زَعَمُوا فَاكْتُبْ إِلَيْهِمْ فَلْيَنْفُوا عَامِلَهُمْ وَعَدُّوَهُمْ ثُمَّ أَقْدِمْ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ فَسِرْ إِلَى الْيَمَنِ وَأَنْتَ عَنِ النَّاسِ فِي عُزْلَةٍ، فَإِنْ كُنْتَ سَائِرًا فَلَا تَسِرْ بِنِسَائِكَ وَصِبْيَتِكَ فَإِنِّي لَخَائِفٌ أَنْ تُقْتَلَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ وَنِسَاؤُهُ وَوَلَدُهُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ". [23] وكان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: "أين تريد؟"، قال: "العراق، وهذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم"، فقال ابن عمر: "لا تأتهم"، فأبى، فقال له: "إنك بضعة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله ما يليها أحد منكم أبدًا، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم"، فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: "أستودعك الله من قتيل" [24] . ويبدو من هذه المحاولات التي قام بها بعض أكابر الصحابة لثني الحسين عن الخروج للعراق أنهم قد خبروا نفسيات القوم وأنه لا يعتمد عليهم فسرعان ما ينقلبون ويتراجعون، وتجربة علي بن أبي طالب وابنه الحسن رضي الله عنهم معهم خير شاهد، وهو ما خشيه الصحابة أن يتكرر مع الحسين رضي الله عنه فقد قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "جَاءَنِي حُسَيْنٌ يَسْتَشِيرُنِي فِي الْخُرُوجِ إِلَى مَا هَاهُنَا -يَعْنِي الْعِرَاقَ-، فَقُلْتُ: لَوْلَا أَنْ يُرْزَءُوا بِي وَبِكَ لَشَبَّثْتُ يَدِي فِي شَعْرِكَ، إِلَى أَيْنَ تَخْرُجُ؟ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ وَطَعَنُوا أَخَاكَ" [25] . الثاني عشر: جاء في فضل يوم عاشوراء في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم عاشوراء، فقال: "يكفر السنة الماضية". وفي رواية: "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". فيستحب صيامه والأفضل صيام التاسع والعاشر، فعن ابن عباس قال: حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع [26] ". وصيام المسلمين ليوم عاشوراء لا علاقة له بمقتل الحسين أبدًا، وقد كان السّبب الرّئيس لتشريع صيام يوم عاشوراء هو أنّ الله تعالى نجّى فيه سيّدنا موسى عليه السّلام وبني إسرائيل من بطش فرعون، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قدم النّبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: "ما هذا؟"، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى -عند مسلم شكرًا-، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه" [27] . [1] منهاج السنة النبوية 6/ 254. [2] مجموع الفتاوى 4/ 510. [3] مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/ 487). [4] البداية والنهاية 8/ 194. [5] الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949. [6] الاحتجاج للطبرسي 2 /32. [7] المرجع السابق 2 /29. [8] البداية والنهاية 8/ 166. [9] نهضة عاشوراء ص8. [10] الاحتجاج للطبرسي 2 /24. [11] أعيان الشيعة للعاملي 1 /34. [12] منتهى الآمال للقمي 1 /430. [13] منهاج السنة النبوية 6/ 248. [14] تاريخ الطبري 5/ 348. [15] أخرجه أبو داود والترمذي. [16] البداية والنهاية 8/ 214. [17] المرجع السابق 8/ 220. [18] الصواعق المحرقة للهيتمي 2/ 572. [19] منهاج السنة النبوية 3/ 391. [20] شرح النووي على صحيح مسلم 12/ 229. [21] التهذيب في ترجمة: الحسن بن صالح بن حي. [22] رواه ابن حبان والحاكم. [23] الكامل في التاريخ 3/ 148. [24] سير أعلام النبلاء للذهبي 3/ 292. [25] مصنف ابن أبي شيبة. [26] رواه مسلم. [27] رواه البخاري ومسلم. |
شرح المنتخب من المحصول للقرافي صدر حديثًا كتاب " شرح المنتخب من المحصول" [المعروف بـ التعليقة]، تأليف: العلامة "أحمد بن إدريس القراف ي" "ت 684هـ"، تحقيق: " عدنان بن فهد العبيات "، وهي قطعة من الكتاب تمثل النصف الثاني من الكتاب. وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات " دار أسفار " لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وهو شرح على منتخب من محصول الإمام الرازي يطبع لأول مرة، وقد سبقه طباعة كتاب " التنقيح " الشهير له ضمن هذه السلسلة في علم الأصول، وهذا الكتاب كان معدودًا في المؤلفات المفقودة إلى أن وفق الله المحقق في العثور على النصف الثاني منه. ومن أبرز ميزات هذا الجزء الأصولي الفريد: ( الزوائد الأصولية ) من المسائل التي لم يوردها المؤلف كتابه: "نفائس الأصول في شرح المحصول" وقد اعتنى المحقق الفاضل بالتنبيه عليها. إلى جانب تجلي الشخصية التعليمية للقرافي من خلال هذا الشرح النفيس، فيظهر القرافي مزاولًا للتدريس، حريصًا على التحليل والمناقشة والفحص، وضم التحرير إلى التقرير، بما يرقِّي أفهام المتعلمين ويحسِّن مداركهم الأصولية. إلى جانب شهرة القرافي المالكي في علم الأصول، فعندما توفي القرافي رحمه الله قال فيه "ابن دقيق العيد ": « مات من يُرجع إليه في علم الأصول »، ولهذا سجَّله الإمام السيوطي رحمه الله ضمن طبقة من كان بمصر من الأئمة المجتهدين، إلى جانب تفرد القرافي بتحريرات نفيسة في مسائل أصولية كثيرة نتيجة لكثرة ردوده وتعقباته وتصحيحاته على كثير من كتب علماء الأصول. وقد قام المحقق "عدنان العبيات" بخدمة متن الكتاب، وتحقيقه، والتعليق على ما جاء فيه بتعليقات نافعة تبين تفرد الإمام القرافي في هذا الشرح، وركز على مواضع من استحساناته وتفرداته في هذا المتن الفريد. ومؤلف الكتاب هو الإمام أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، أبو العباس، شهاب الدين الصنهاجي القرافي (000 - 684 هـ = 000 - 1285 م)، من علماء المالكية نسبته إلى قبيلة صنهاجة (من برابرة المغرب) وإلى القرافة (المحلة المجاورة لقبر الإمام الشافعيّ) بالقاهرة، كان حافظًا مفوَّهًا منطقيًّا، بارعًا في العلوم الشرعية والعقلية، وانتهت إليه رئاسة المالكية. وهو مصري المولد والمنشأ والوفاة - أخذ العلم عن ابن الحاجب المالكي، وشمس الدين عبد الحميد الخُسْرَوْشَاهي الشافعي، والإمام المنذري، وعز الدين بعد السلام، وابن عبد الواحد المقدسي والشريف الكركي وغيرهم الكثير. وأخذ عنه العلم جمٌ غفيرٌ من العلماء منهم: ابن بنت الأعز وابن عدلان الكِنَاني الشافعي وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن راشد القَفْصي وغيرهم. وله مصنفات جليلة في الفقه والأصول، منها: (أنوار البروق في أنواء الفروق ) أربعة أجزاء، و( الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام )، و( الذخيرة ) في فقه المالكية ست مجلدات، و( اليواقيت في أحكام المواقيت ) في الرباط، و( مختصر تنقيح الفصول )، و( الخصائص ) في قواعد العربية، و( الأجوبة الفاخرة في الرد على الأسئلة الفاجرة) وغيرها الكثير.. إلى جانب براعته في علوم الرياضيات والفيزياء والهندسة والفلك وإجادته إياها ووضعه بعض المؤلفات في تلك العلوم؛ حيث جمع الإمام القرافي بين العلم الشرعي والعلم التجريبي. قال الطوفي في الإمام القرافي: « الشيخ الإمام الأوحد ». وقال الحافظ الذهبي فيه: « العالم الشهير، الأصولي... كان إمامًا في أصول الدين، وأصول الفقه، عالماً بمذهب مالك، وبالتفسير، وعلوم أخر... وصنَّف في أصول الفقه الكتب المفيدة الكثيرة، واستفاد منه الفقهاء ». وقال عنه ابن السبكي: « أستاذ زمانه في المنطق والعقليات بأسرها ». وقال عنه رئيس القضاة تقي الدين بن شكر: « أجمع الشافعية والمالكية على أن أفضل أهل عصرنا بالديار المصرية ثلاثةٌ: القرافي بمصر القديمة، والشيخ ناصر الدين ابن المنيرِّ بالإسكندرية، والشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد بالقاهرة... ». |
الإنسان بكل المعايير... (المقاييس) الإنسان مدنيٌّ بطبعه، وإيجابيٌّ إن وجد البيئة المناسبة له، وسلبيٌّ إن لم يجدها، وعاطفيٌّ بمنحًى ثالث، ومع ذلك هناك معايير؛ وهي كالآتي: المعيار الإنساني: ومن هذا المنطلق تحتَّمَ التناسل لتعمير الأرض، وإبقاء الجنس البشري، وإلا فلا معنى له. المعيار الخُلُقِيُّ: إن الله خلق الإنسان مزيجًا من الطمع والعقل؛ ومن هنا جاء مناط التكليف، ولو لم يوجد التكليف، لَما وُجد التكريم والعقل والاختيار. المعيار الخَلْقِيُّ: كذلك صوَّر الله الإنسان في أحسن صورة، وفي أحسن تقويم، وزوَّده بالعقل، بعد أن جعله خليفتَهُ في الأرض، وبعد أن فرض عليه التكليف، وحتى إن جبله على غريزة الطمع، أحكمه بشريعة سماوية. المعيار التمايزي: فهذا المعيار تكاملي للمعيار الخلقي، فلو لم يوجد الخلق، لَما وُجد التمايز بينه وبين الحيوانات، فإن امتثل التكليف، فمع النبيين، وإن قصَّر، فهو كالأنعام بل أضل. المعيار الغريزي: فالغريزة والتمايزية بينهما عموم وخصوص. فالجنس الإنساني بذكوريته وأنوثته وبتفاوته بالحياة العامة؛ كالفقر والغِنى، والعلم والجهل، كل ذلك تمايزية وغريزة في آنٍ. بينما هناك غرائزُ محضة، لا تندرج تحت التمايزية؛ فالحياة مثلًا قاسمٌ مشترك بين الإنسان والحيوان؛ فكلاهما يأكل ويشرب، وينام ويمشي، ويرى ويسمع. المعيار الفكري: فمادةُ (فكر) ومشتقاتها وردت في القرآن في أكثر من عشرين موضعًا، كذلك مادة (بصر)، فالقرآن يناجيه بالتفكير والتبصرة، والتعقل والاستماع...، وهلمَّ جرًّا، أَلَا يكفي ذلك ببرهنة ساطعة لإبطال مَن يزعم أن القرآن لا يصلح لهذا الزمن؟ المعيار العدلي: الإنصاف والعدل ينطلق من الفرد مع ربه، ومع نفسه، ومع والديه، ومع أهله، ومع ذريته، ومع رفاقه، ومع جماعته، ومع مجتمعه، ومع بيئته، ومع البشر والكون، ويوجد هذا إن وُجد التفكير والتمايز. المعيار الحضاري: منذ أن خلق الله آدم، ظهرت في الكون حضارات؛ منها: الصينية التي اندثرت في بيجين، والرومانية التي اندثرت في روما، والإغريقية التي اندثرت في أثينا، والفارسية التي اندثرت في طهران، مع كونهم يحملون سلبيات غفيرة كالاستعباد والإزاحة. أما الحضارة الإسلامية بعد أن جاءت، فقد حررت الإنسانية من الطائفية، ووحَّدتهم تحت لواء كلمة التوحيد، حتى وإن تنازع المسلمون فيما بينهم السلطة، فهم ما زالوا يحتفظون بهُوِيَّتِهم المتمثلة في شعلة الحضارة الإسلامية، وحتى إن حاول الخصوم إطفاءها، فهي ما زالت باقية، وخيرُ شاهدٍ على ذلك أنه رغم محاولة تشويه صورتها، فهم ما زالوا يحابونها، بل وهي أقوى من ماضيها. أَلَا ترى أن الوجود الحضاري للإسلام في غرب أوروبا في الأندلس ( إسبانيا والبرتغال حاليًّا ) استمر طوال ثمانية قرون، ولولا وجودها لَما تحررت أوروبا من ظلام الجهل. المعيار الجزائي: وهذا المعيار ينبثق من انصياع وقبول نتيجة المشوار الذي سلكه الإنسان في بدايته. المعيار الديني أو العَقَدِي: فالإنسان مجبول على أخذ مقدسات؛ سواء أكانت روحية أو سلوكية، ويتربى على هذا النمط ويتوارثها، بغض النظر عن صحة هذه المقدسات أو بطلانها، فهي تتحكم وجدانه الروحي والفكري، والسلوكي والانتمائي. |
الإعجاز الرباني في قوله تعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222] اعلم أنَّ بابَ الحيض من عويص الأبواب، ومما غلط فيه كثيرٌ من الكبار لدقَّة مسائله، ولكن إذا اطَّلَعْت على النصوص الشريفة الخاصة بهذا الباب، فلسوف تعلم أنَّ هذه الأحاديثَ هي وحيُ الله عز وجل لرسوله الأميِّ صلى الله عليه وسلم؛ لأنها قد اشتملت على حقائقَ طبيَّةٍ، وقواعد صحية لم يكشف النقاب عنها إلا في هذا العصر. وحسبي هنا أنْ أبيِّن حكمةَ الله تعالى في تجنُّب معاشرةِ المرأة أثناء الحيض. فما هو الحيض؟ الحيض: هو الطمث بمعنى الدم الذي يَنفُضه رحم المرأة بصورة دورية كلَّ شهر قمريٍّ غالبًا خلال فترة نشاطها الجنسيِّ، ويمتدُّ من البلوغ إلى سنِّ الإياس، ولهذا يسمَّى الحيض أيضًا بالدورة الشهريَّة، ويتوقَّف الحيض مؤقَّتًا أثناء الحمل والنفاس، وقد يتوقَّف مؤقتًا أو نهائيًّا بسبب بعض الأمراض. وسبب الحيض نشاط المبيض واستعداده لإطلاق إحدى البويضات Ovum ، ويصاحب هذا الاستعداد ارتفاع في نسبة هرمون d الأنوثة (الإستروجين والبروجسترون ) اللذين يهيئان الرحم للحمل؛ إذ ينشِّطان الغشاء المبطن للرحم، ويسبِّبان احتقان عروقِه الدموية، فإن انطلقت البويضة ( في منتصف الدورة الشهرية تقريبًا) ، ولم تلقح بنطفة الرجل؛ فإنها تتحلَّل وتموت في غضون 24ساعة، وتتراجع نسبةُ الهرمونات إلى معدَّلها الطبيعيِّ، فتتساقط في بطانة الرحم، وتخرج على هيئة دمٍ عبر عنق الرحم إلى المِهبل، ومنه إلى خارج الفرج. هذا هو الحيض الذي يأتي مباشرةً من العُروق الدمويَّة، بل من بطانة الرحم خلافًا لدم الاستحاضة، الذي هو نزف غيرُ طبيعيٍّ يخرج مباشرةً من العروق، وصَدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الذي بيَّن هذه الحقيقة العلميَّة قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، حين سألَتْه فاطمةُ بنتُ أبي حبيش رضي الله عنها: يا رسول الله، إني لا أطهر أفأَدَعُ الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما ذلك عِرْق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاةَ، فإذا ذَهَب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلِّي))؛ (أخرجه البخاري والنسائي وغيرهم). دم الحيض: يفرز الرحم في أيام الحيض كمية من الدم تتراوح ما بين 60 - 240سم3 مكعب، ويميل لونه إلى السواد، وهو يتخثر داخل الرحم، ثم يتحلَّل، ويخرج سائلًا غير قابلٍ للتخثُّر مرةً أخرى، وهذه هي إحدى أهمِّ صفات دمِ الحيض الذي يمكن بقاؤه على هذه الحال لسنوات طويلة، ولأنه دم ناتج مِن تقشُّر سطح الرحم الباطنيِّ الداخليِّ، ويشتمل على مزيجٍ من الخلايا الميتة، فيعرف دم الحيض برائحته النتنة. سن الحيض: في المعدل تبدأ الفتاةُ الحيضَ في سنِّ 12 سنة، ولكن هذا لا يعني أنَّ جميعَ الفتيات يبدأن الحيض في هذا العمر؛ حيث من الممكن أن تبدأ الحيض في أيِّ وقت بين عمر 8 سنوات و16 سنة، وطرحت نظريات كثيرة لتفسيره؛ أشهرها الاستخدام الواسع للهرمونات في الأطعمة، ويعتبر متوسط بداية الحيض وبداية الدورة الشهرية ثلاثة عشر عامًا، تختلف بين الأجناس المختلفة، وتبدأ في أعمار أقلَّ لدى الإفريقيات؛ فالبيئة لها أَثَر في ابتداء نزول دم الحيض، ويستمرُّ مع المرأة حتى سن اليأس ما بين 40 عامًا و55 عامًا، ومدة نزول الحيض تتراوح بين يومين وستة أيام، تختلف بين امرأة وأخرى، وقد فصل الفقهاء مدة الحيض في كتب الفقه. فائدة ربانية: إذا حملت المرأةُ انصرف ذلك الدم بإذن الله تعالى إلى تغذية الجنين. قوله تعالى: ﴿ هو أذًى ﴾؛ "سمَّى الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته، ومِن ثَمَّ وجب على الرجال أن يعتزلوا موضع الحيض من النساء وهو الفرج، وهذا الموضع في ذاته ليس أذًى؛ لأنه موضع استمتاعٍ للرجل والمرأة، ولكن ما يخرج منه وهو دم الحيض هو الأذى، فاعتزال الموضعِ لأجل ذلك الأذى؛ بدليل أنَّ الموضع يباح الاستمتاع به بعد ارتفاع الدم واغتسال المرأة. وإنَّ الحقَّ الذي لا مرية فيه أنَّ الله تعالى إذا أخبر عن شيءٍ أنَّ فيه أذًى، أو أَمَرَنا بشيء ونهانا عن شيء، فالأمر مقطوع بالامتثال والالتزام؛ لأنَّ ما يعلمه الله تعالى لا يمكن أن يصل البشرُ إلى معرفته، وهو سبحانه يعلم مصالحَ العبادِ، ويعلم ما ينفعهم وما يضرُّهم. وقد جاء العلماءُ وبحثوا في هذه القضية القرآنية (هو أذى)، ليثبتوا إعجاز القرآن الكريم من ناحية، وقدرة الله البالغة من ناحية أخرى، وقد أثبت الطب الحديث الأضرار المترتبة على جماع الحائض والنُّفَساء. الحكمة من تحريم معاشرة النساء أثناء المحيض. الدراسات العلمية في هذا المجال كشَفَت لنا عن شيء من الأذى الذي أشارت إليه الآيةُ الكريمة؛ فالعلم لم يصل إلى التعرُّف على جميع الأذى الذي عناه النصُّ القرآنيُّ، والعلم في تقدُّم مستمرٍّ، وفي كلِّ يومٍ اكتشافٌ جديد يؤكِّد لنا أنَّ علم البشر قاصر، والحكمة التي أثبَتَها الطبُّ أنَّ جماعَ المرأة الحائض يؤدِّي إلى اشتداد النزف الطمثي؛ لأن عروق الرحم تكون محتقنةً وسهلةَ التمزُّق كما أنَّ جدار المهبل سهل الخدش، وتصبح إمكانية حدوث التهابات كبيرة؛ ممَّا يؤدِّي إلى التهاب الرحم أيضًا، أو يحدث التهاب في عضو الرجل بسبب الخدوش التي تحصل أثناء الانتصاب والاحتكاك، كما أنَّ جماع الحائض يسبِّب استمرارَ الأذى للرجل وزوجته على السواء، بسبب وجود الدم ورائحته، وبالتالي قد يؤذي الزوج فيصاب بالبرود الجنسيِّ. ويقول بعض الأطباء: إنَّ أثناء الحيض يقذف الغشاء المبطن للرحم بأكمله، وبفحص دم الحيض تحت المجهر نجد - بالإضافة إلى كرات الدم الحمراء والبيضاء - قطعًا في الغشاء المبطن للرحم؛ مما يجعل باطن الرحم متقرِّحًا، فهو معرَّض بسهولة لعدوان البكتريا، ومن المعلوم طبيًّا أنَّ الدم هو خيرُ بيئةٍ لتكاثر الميكروبات ونموِّها، وتقلُّ مقاومةُ الرحم للميكروبات، ومِن ثَمَّ يصبح دخول الميكروبات الموجودة على سطح القضيب خطرًا داهمًا على الرحم، كما أنَّ مقاومةَ الرحم والمهبل للبكتريا تكون في أدنى مستواها أثناء الحيض؛ إذ يقلُّ إفراز المهبل للحامض الذي يقتل الميكروبات، ويصبح الإفراز أقلَّ حموضة إن لم يكن قلويَّ التفاعل، وكذلك جدار الرحم المكوَّن من طبقات عدَّة من الخلايا أثناء الحيض يصبح رقيقًا مكونًا من طبقةٍ من الخلايا، بدلًا من الطبقات العديدة التي نراها في أوقات الطُّهر. ولهذا فإنَّ إدخالَ القضيب إلى الفرج والمهبل في أثناء الحيض، ليس إلا إدخالًا للميكروبات في وقتٍ لا تستطيع فيه أجهزةُ الدفاع أن تقاوم. أهم الأضرار التي تصيب الرجل: التهابات حادة تصيب أعضاءه التناسلية؛ إذ تمتدُّ الجراثيم إلى داخل القناة البولية، بل قد تصيب المثانةَ والحالبين، بل تمتدُّ الالتهابات حتى تصيب غدَّة كوبر والبروستاتا والحويصلتين المنويتين والخصيتين والبربخ؛ فالجماع في المحيض ينذر الرجل بخطرٍ داهم هو في غنى عنه وعن مضاعفاته، وقد يؤدِّي إلى العُقْم، فليست إصابة القناة البولية بالأمر الهيِّن، فإذا أُصِيبَت هذه القناةُ أحدَثَت التهابًا شديدًا يتعذَّر معه التبوُّل الذي يُحدِث آلامًا لا تُطَاق، وهذا الالتهاب يصحبه عادةً إفرازُ (مذي) يكون مصحوبًا بأعراضٍ أخرى؛ كالحُمَّى والقشعريرة وضَعف عام، أمَّا إذا نزل الالتهاب إلى المجرى الخلفيِّ، فهناك تكون الطامَّة الكبرى؛ حيث يكثر القيح المخلوطُ بالدماء وصعوبة التبوُّل والآلام، وتقلُّ الشهيةُ للطعام، ويشتدُّ الضعف بجانب الحمى وسرعة ضربات القلب وإجهاده. إضافة إلى التهاب الحشفة والقلفة؛ ممَّا يؤدِّي إلى حدوث الغرغرينا، ويدعو إلى القيام بعملية البتر؛ أي: قطع الذَّكَر؛ حتى لا يتسمَّم سائرُ البدن، وفي بعض الحالات يمتدُّ الالتهابُ إلى الحالبين والكُليتين؛ حيث يمتنع نزولُ البول، فيترتب التسمُّم الدموي، فالموت هو أقرب النتائج لها. حكمة معنوية ربانيَّة عن النهي عن وطء المرأة في أثناء الحيض. الحكمة من هذا النهي فوق ما يترتَّب على الوطء من أذى؛ حيث يُعَوِّد الرجلَ الصبرَ على بُعْد المرأةِ عنه مدَّةً من الزمن، وهذا يناسب طبيعةَ عَمَل الرجل؛ حيث يتطلَّب منه عملُه أنْ يتغيَّب عن أهله مدَّةً، وفي هذا التحريم رحمة وتقوية لعزيمته، فيكون رجلًا ربانيًّا لا شهوانيًّا. الأضرار التي تصيب المرأة: لا يقتصر الأذى على ما ذَكَرْنا فقط، ولكن يشمل: 1- امتداد الالتهابات إلى قناتَي الرَّحِم؛ تسدُّهما أو يؤثِّر على شعيراتهما الداخليةِ التي لها دور كبير في دَفْع البويضةِ من المبيض إلى الرَّحِم، وذلك يؤدِّي إلى العُقْم أو الحمل خارج الرحم، وهو أخطر أنواع الحمل على الإطلاق؛ حيث إنَّ الحمل ينمو ويتغذَّى على أي عضو داخليٍّ (كبد أو كلى أو معدة) داخل التجويف في الحوض أو البطن، وقد يكون الحمل عندئذ في قناة الرحم الضيقة ذاتِها، وسرعان ما ينمو الجنين وينهش في جدار القناة الرقيق؛ حتى يتفجَّر ويسيل الدم أنهارًا في تجويف البطن، وإن لم تتدارك الآلام في الحال بعمليةٍ جراحيةٍ سريعةٍ، تَحْدث مضاعفات تؤدِّي إلى الموت. 2- امتداد الالتهاب إلى قناة مجرى البول؛ فالمثانة، فالحالبين، فالكلى، وأمراض الجهاز البولي خطيرة ومزمنة كما ذكرناه فيما سبق. 3- ازدياد الميكروبات في دم الحيض، وخاصة ميكروب السيلان، إضافة إلى أنَّ بطانةَ الرحم في فترةِ الحيض تتسلَّخ، وتنزف بغزارة، فيصبح الوسط داخل الرحم ملائمًا لنمو الجراثيم وتكاثرها، كما أنَّ دم الحيض يغيِّر التفاعل الكيميائيَّ داخل المهبل، فيصبح الوسط أكثر ملاءمة لنمو الجراثيم، ووجد أيضًا أنَّ بعضَ أنواع الطفيليَّات الضارَّة التي تسمَّى المشعرات trichmonos تتضاعف أعدادها أثناء الحيض أربعة أضعاف عن أيام الطُّهر. 4- يصاحب المرأةَ أثناء الحيض آلامٌ تختلف في شدَّتها من امرأةٍ إلى أخرى وأوجاع الظَّهر وأسفل البطن، وبعض النساء تكون آلامهن فوق الاحتمال؛ ممَّا يستدعي الأدوية والمسكنات. 5- يصاب كثير من النساء بحالةِ الكآبة والضيق أثناء الحيض، وخاصة عند بدايته، وتكون المرأة عادةً متقلبةَ المزاج، كما أنَّ حالتها العقلية والفكريَّة تكون في أدنى مستوى لها أثناء الحيض. 6- تصاب بعض النساء بالصداع النصفيِّ قرب بداية الحيض، وتكون الآلام مبرِّحة، وتصحبها زغللةٌ في الرؤية وقيء. 7- تقل الرغبة الجنسيةُ أثناء الحيض لدى المرأة، وخاصة عند بداية الطمث، بل إنَّ كثيرًا من النساء يكُنَّ عازفاتٍ تمامًا عن الاتصال الجنسيِّ أثناء الحيض، ويَمِلْن إلى العُزلة والسكينة، وهو أمر فسيولوجيٌّ وطبيعيٌّ؛ إذ في فترة الحيض تكون الأجهزة التناسلية بأكملها في حالةٍ شبه مَرَضيَّة؛ فالجماع في هذا الوقت ليس طبيعيًّا، ولا يؤدِّي وظيفتَه، بل على العكس يؤدِّي إلى الكثير من الأذى. 8- على الرغم من أنَّ الحيضَ ظاهرةٌ طبيعية، فإنه يسبِّب مع فِقدان الدم كلَّ شهر نوعًا من فقر الدم لدى المرأة. 9- تصاب الغدد الصماء بالتغيُّر أثناء الحيض، فتقلُّ إفرازاتها الحيويَّة المهمَّة للجسم. 10- تنخفض درجةُ حرارة المرأة أثناء الحيض درجة مئوية كاملة؛ ممَّا يؤدِّي إلى تقليل عمليات التمثيل الغذائيِّ وغيرها، ويؤدِّي إلى بُطء النبض، وينخفض ضغطُ الدم؛ فيسبِّب الشعور بالدوخة والفتور والكسل. 11- الإصابة بسرطان عنق الرحم؛ فقد ثَبَتَ علميًّا أنَّ النسيج المبطن لجدار عنق الرحم يكون في وقت نزول دم الحيض سهلَ الغزو، ومعرضًا للخدش والجروح، فبالتالي من الممكن عند الإيلاج ودخول حيوان منويٍّ في هذا النسيج - أنْ تحدث تغيُّرات في خواص الحمض النوويِّ داخله، فيكون عُرضةً للإصابة بسرطان عنق الرحم. أخي الكريم: ديننا الحنيف لم يَنْهَنا عن أمرٍ إلا وفيه الخير الكثير والفوائد الصحيَّة للبشريَّة بشكلٍ عام، فهل مِن معتبِر؟ هذه الأوامر الربانيَّة فيها من الأسرار الكثير، وفيها مِن العِبَر لمَن يعتبر، وفيها الرد القوي على الكَفَرَة المُلحدين أولادِ القِرَدة والخنازير الذين اعتبروا المرأةَ سلعةً تباع وتُشتَرى، ويشجعون الشذوذ الجنسيَّ تحت مسمَّى الحرية الشخصية، قاتَلَهم الله. فالابتعاد عن المرأة لا يعني الابتعادَ التامَّ كما يفعل اليهود الذين يغالون في نبذ الحائض ومقاطعتها أيام حيضِها؛ فلا يؤاكلونها، ولا يشاربونها، ولا يساكنونها، ولا يجالسونها، بل الصحيح أنَّ الاعتزال يعني عدمَ الوطءِ في الفرج؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((اصنعوا كلَّ شيء إلا النكاح؛ فإنَّ الانهيار الذي تُصاب به الأجسامُ والنفوس يكون بسبب شهوةٍ بهيميَّة لو صَبَر عليها صاحبُها يومًا أو يومين، لنجا مِن هذا الهلاك والدمار المحقَّق، ولكنها نزغات الشيطان والهوى. |
المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين لمحمد فريد زريوح صدر حديثًا كتاب " المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين "، تأليف: د. " محمد بن فريد زريوح "، في ثلاثة مجلدات، وذلك عن منشورات " مركز تكوين للدراسات والأبحاث ". يرى الكاتب أن دعوى الاستطالة على الصحيحين ( صحيح البخاري وصحيح مسلم ) دعوة قديمة زرعها المستشرقون وأذنابهم في فكرنا الإسلامي، وفتن بها كثير من مثقفي العصر، ولم تزل تلك العدوى في التفشي حتى أصابت بعض المنتسبين للسنة فضلًا عن غيرهم. لذا كان من اللازم التصدي لتلك الاستطالة وتتبع إفرازاتها، ومفصلَّ نُقُودها، ومعارضاتها، وهو ما قام به الكاتب في هذا البحث الهام الذي تتبع فيه الفرق المعاصرة الطاعنة في " الصحيحين "؛ فنقدَ أصول معارضاتها وأبرزَ كتاباتها في ذلك، ثم تتبع اعتراضاتها الجزئية على آحاد أحاديث " الصحيحين " فبيَّن وهاءَها وتهافت بناءاتها، مجليًا جلالة المنهج المعرفي للشيخين فيما اعتمداه في كتابيهما، مبرهنًا على أن قبول ما دلت عليه أحاديث " الصحيحين " يعد صرامة منهجية وعصمة شرعية، قلما تتوافر في أي متن من متون السنة المعتبرة. وقد قصد الباحث من هذا البحث تجلية الحق، وتحقيق إحدى كليات الاعتقاد التي لهج أهل السنة بتقريرها، وهي أن الرسل قد تأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها، وقد قام فيه المؤلف بعد المقدمة بالتعريف بالفرق المعاصرة الطاعنة في أحاديث الصحيحين، وقام بنقد أصولها وأبرز كتاباتها، ثم بين المسوغات العلمية المتوهمة عند المعاصرين للطعن في أحاديث الصحيحين، لينتقل بعد ذلك إلى نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث الصحيحين في الإلهيات، والتفسير، والغيبيات، والنبي صلى الله عليه وسلم، وسائر الأنبياء، والطبيعيات، والمرأة، ليختم بالمعارضات المدعاة أنها من الإسرائيليات. ويرى الكاتب أن الحاجة باقية إلى دراسة جامعة تحقق قدرًا من دراسة أهم ما يكتنف موضوع متون " الصحيحين " من مشكلات متنوعات معاصرات، لهج بها كثير من المتطاولين على السنة النبوية، حيث تناول بحثه جملة كبيرة من تلك المشكلات، مع الرد على وجه العلة فيها، ومناقشتها عقليًا ودلاليًا. وجاء البحث في تمهيد وثلاثة أبواب وخاتمة. وكان مدار البابين الأولين حول الجانب التأصيلي للبحث، حيث تطرق إلى دراسة أصول الفرق المعاصرة في اعتراضهم على أحاديث " الصحيحين ". حيث بدأ في نقد كلياتهم، وبيان ما فيها من فساد، ليبطل معها تبعًا لها ما ابتُني عليها من جزئيات تتعلق بأفراد الأحاديث المردودة. وأما الباب الثالث: فمخصوص للجانب التطبيقي، حيث درس فيه الباحث اعتراضاتهم الجزئية على آحاد الأخبار في الصحيحين، تكملةً للجانب التأصيلي، وبرهنة على صحة ما تضمنه من أحكام. وكان بيان خطة البحث على وجه الإجمال ما يلي: التمهيد : ويندرج تحته ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مفهوم مفردات العنوان المحددة لنطاقات البحث. المبحث الثاني: إشكالية الاستشكال المعاصر للأحاديث النبوية. المبحث الثالث: الأصل العقلي الجامع لمخالفي أهل السنة في ردهم للدلائل النقلية. الباب الأول: الفرق المعاصرة الطاعنة في أحاديث "الصحيحين"، ونقد أصولها، وأبرز كتاباتها في ذلك: الفصل الأول: الشيعة الإمامية، وموقفهم من "الصحيحين". الفصل الثاني: القرآنيون منكرو السنة، وموقفهم من "الصحيحين". الفصل الثالث: العلمانيون، وموقفهم من "الصحيحين". الفصل الرابع: العقلانيون الإسلاميون، وموقفهم من "الصحيحين". الباب الثاني: المسوغات العلمية المتوهمة عند المعاصرين للطعن في أحاديث "الصحيحين": الفصل الأول: دعواهم الخلل التوثيقي في تصنيف "الصحيحين" وتناقلهما. الفصل الثاني: اعتقادهم بظنية آحاد "الصحيحين" مطلقًا. الفصل الثالث: توهمهم إغفال الشيخين لنقد معاني المتون. الفصل الرابع: الاحتجاج بسبق نقد العلماء "للصحيحين" قديمًا وحديثًا. الباب الثالث: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة لأحاديث "الصحيحين": وفيه ثمانية فصول: الفصل الأول: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بالإلهيات. الفصل الثاني: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بالتفسير. الفصل الثالث: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بالغيبيات. الفصل الرابع: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بالنبي، صلى الله عليه وسلم. الفصل الخامس: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بباقي الأنبياء. الفصل السادس: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بالطبيعيات. الفصل السابع: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المتعلقة بالمرأة. الفصل الثامن: نقد دعاوى المعارضات الفكرية المعاصرة للأحاديث المدعاة أنها من الإسرائيليات. ثم الخاتمة بنتائجها وتوصياتها. وقد اعتمد الكاتب في بحثه المنهج الاستقرائي التحليلي، محاولًا الكشف عن أهم أسباب انحراف الفرق الفكرية المعاصرة عن السنة، وذلك بتتبع إنتاجاتهم العلمية، واستخلاص أصولهم التي أرادوا بها الطعن في صحاح الأخبار النبوية، وحصر أمات شبهاتهم المثارة على " الصحيحين " بخاصة، معززًا كل هذا لنماذج وتطبيقات واقعية متعددة من كتابات المعاصرين أنفسهم، فضلًا عن نتاجهم الإعلامي، بعضها جديد لم يلتفت إليه الدارسون بعد. |
العبث بالإرث منذ أنْ تسلَّم الخليفة الراشد عمر بن الخطَّاب رضي الله تعالى عنه مفاتيحَ بيت المقدس، في السنة الخامسة عشرة من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم - 636م - والقدس عربيَّة إسلامية، تُحكَم بالإسلام، ويتمتَّع أهلها بالحكم الإسلامي العادل، حتى مع الأعداء: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وأعداء الإسلام والمسلمين - شديدو العداوة - هم اليهود والذين أشركوا: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82]، وعليه فقد أضحت القدس إرثًا إسلاميًّا. تَمرُّ على المسلمين كلَّ سنة ذكرى احتلال فلسطين، بتحقيق وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا في العقد الثاني من القرن الميلادي العشرين المنصرم (1917م / 1336 هـ)، المبني - أصلًا - على توقُّعات هرتزل سنة 1316هـ/ 1898م بإقامة وطنٍ قوميٍّ لليهود في فلسطين، ينمِّيه الاعتقاد لدى اليهود بأنَّ الله تعالى قد اصطفاهم من بين شعوب الأرض [1] . مهما جرى الأمر فإنَّ وجود اليهود بهذه الصورة في فلسطين يحكمونها، ويستقرُّون بها، ويجتمعون بها - أمرٌ غير طبيعي، وليس مستمرًّا، مهما كان الحال، والأمر غير الطبيعي لا يتوقَّع له الاستمرار، فإذا دخل في ذلك الاستيلاء على إرث إسلامي - مثل بيت المقدس - فإنَّ مدَّة بقاء هذا الجسم المزروع لن تطول. لقد شاهدتُ برنامجًا مؤثِّرًا بمناسبة مرور ثلاث وخمسين سنة على الاحتلال، وُفِّق مُعدُّوه ومخرجوه والعاملون عليه على عرضه عرضًا وثائقيًّا علميًّا مؤثِّرًا، ووجدتُ فيه من الفقرات ما يؤكِّد - لخاصَّة الناس وعامَّتهم - أنَّ الأمل معقود على الأجيال القادمة، التي بدأت تشقُّ طريقها في الحضانة والروضة والمدرسة الابتدائية؛ إذ لا يزال هؤلاء يتحدَّثون ببراءة عن العودة إلى الأرض، إلى الإرث، ولا يزالون مصمِّمين - وهم صغار - على أنَّ الوضع الذي هم فيه غير طبيعي، وهم الصغار الذين سيستمرون في محاربة اليهود، حتى يخرجوهم من ديارهم، بهذه البساطة من الطَّرح؛ ذلك أنِّي عندما رأيتُ هؤلاء الأطفال تيقَّنتُ أكثرَ بأنَّ المسألة لن تستمر على ما هي عليه. دون الدخول في تعقيدات المحلِّلين، ودون النظر إلى العوامل الداخلية والخارجية، ودون النظر إلى القوَّة المادِّية الهائلة - فإنِّي من أولئك الذين يجزمون أنَّ هناك قوةً هي أقوى من كل قوَّة مادِّية، وهي كفيلة بتخطِّي كل شيء يقف أمامها؛ وهي قوَّة الإيمان المصحوبة بالإعداد بالقوَّة المساندة، "واشتدِّي أزمة تنفرجي" بإذن الله تعالى. هذا مع التوكيد على أنَّ الأمر ليس متروكًا لاجتهادات شخصية، قامت عليها أحزاب اختلطَت أوراقُها، وبالتالي اختلطت لديها الأولويات، فما عادت تفرِّق بين الصديق والعدوِّ، والمحارَب والمستأمن، فلجأَت إلى الغلوِّ والتطرُّف في النظر إلى القضية، فكانت عونًا للعدو على ذاتها؛ حيث فتحت له مجال التعاطُف الدولي، شرقًا وغربًا، هذا التعاطُف الذي لم يقتصر على المعنوي فحسب، بل إنَّه جلب معه المادِّي، بغير حساب؛ فالنضوج الفكري في فهم القضيَّة، وإفهامها لآخر كفيلٌ - بإذن الله تعالى - بالوصول إلى الهدف، الذي قد لا يكون للزمن فيه اعتبار. ثم مع هذا، ولعلَّه من القوَّة، أنَّ القضية قضيتنا جميعًا، وأنَّنا معها اليوم، كما كنا معها بالأمس، وكما سنكون معها غدًا - إنْ شاء الله - بالقيادة وبالقاعدة، بالدَّعم الملموس، والظاهر والواضح المحسوس، والشواهدُ على هذا الدَّعم - والحمد لله - معلومة، ولا تزال تتردَّد آثارها إلى لحظتنا هذه. [1] انظر: محمَّد جمال طحَّان: الخديعة الكبرى : هل اليهود - حقًّا - شعب الله المختار؟ دمشق: الأوائل، 2003م - 240 ص. |
شفاء الصدر بتوضيح شواهد شرح القطر للشيخ علي العدوي صدر حديثًا كتاب " شفاء الصدر بتوضيح شواهد شرح القطر "، تأليف: " الشيخ علي بن عبدالرحيم بن سلطان بن إدريس بن عبد العزيز العدوي المالكي الأزهري " المتوفى سنة 1365 هـ، تحقيق: " حسن باوزير الشافعي الأزهري "، نشر " دار الإمام الرازي "، و" دار العرفاء ". وهو كتاب شرح فيه الشيخ "ع لي العدوي " الشواهد الشعرية في "شرح قطر الندى"، وهي من أجودها وأفضلها وأحسنها. أما كتاب " شرح قطر الندى وبل الصدى " فهو كتاب في النحو، لابن هشام الأنصاري، وهو شرح للألفاظ التي صاغها المؤلف - ابن هشام - نفسه في مؤلفه المختصر المسمى: "قطر الندى"، ويتضمن معظم أبواب النحو بصورة قريبة من كتابه: "شذور الذهب في معرفة كلام العرب"، من حيث الطرح وترتيب العناوين، إلا أنه أقل منه تفصيلًا. ويتناول كتاب "شفاء الصدر بتوضيح شواهد القطر" الموضوع من خلال عدة مباحث منها: شواهد المعرب والمبني، شاهدا مبحث العمل، شاهدا مبحث الحرف، شاهد ما خرج من الأصل في الإعراب، شواهد النواصب، الجوازم، الموصول، شاهدا المعرف بالإداة، شواهد المبتدأ والخبر، كان وأخواتها، ما حمل على ليس، إن وأخواتها، شواهد ظن وأخواتها، شواهد المستغاث، شواهد المفعول له، شواهد الحال والتمييز، شواهد شواهد المخصوصات... وقد فرغ الشيخ علي العدوي من تأليفه ربيع الأول سنة 1322 هـ كما ذكر في آخره صـ 165، وطبع بمصر بمطبعة الآداب سنة 1323 هـ. ولعل الاهتمام بشرح شواهد "قطر الندى" الشعرية له ما يبرره، حيث لا يخلو أكثرها من غموضٍ في المعنى وعُسْرٍ في الإعراب لمن كان في بداية المستوى التحصيلي؛ فإنَّ هذا الكتاب إنَّما يدرسه ذوو المستوى المتوسط في هذا العلم، وهؤلاء يريدون فهم القواعد بشرحها والتمثيل لها بأمثلة واضحة. أمَّا ذكر الشواهد فإنَّما هو للبرهنة على صحة القاعدة. وهذا ينبغي أن يذكر في كتب هي أعلى من هذا المستوى. كما أن مطالع كتاب ابن هشام لابد له من دراسة شيء من علم الصرف مع الكتاب، والذين كانوا يدرسونه كانوا يفعلون ذلك، ليتمكنوا أن يدرسوا -فيما بعد- أمثال الألفية وشروحها. لذا كان هذا الشرح من أكثر الشروح ثراءًا وتوضيحًا لشواهد كتاب "قطر الندى" ومن باب خدمة المتن أيضًا ضمن الجهود الكثيرة التي بذلت في خدمة هذا السفر النحوي الذي أربت شروحه والمنظومات عليه على (130) كتابًا، وأُلِّفَ على شواهد شرحها - خاصةً - (24) كتابًا، مما يعكس أهميته وقبوله بين القارئين والدارسين في علم النحو. ونجد في شواهد ابن هشام أنه نهج في معالجة هذه الشواهد نهج النحاة الذين سبقوه، ودار في فلكهم مستعملًا شواهدهم وأدلتهم التي استخدموها لتوضيح قواعد النحو وتقرير أحكامه، فأنشد لسيبويه وثعلب وابن السراج وغيرهم من العلماء. وفي بعض الأحيان يذكر ابن هشام أكثر من شاهد على المسألة النحوية الواحدة ولا يهتم بالتعليق على الشواهد، أو ذكر موضع الاستشهاد بها. كما أن هنالك بعض الشواهد لا وجود لها في مصادر اللغة العربية، ولا كتب النحو الأخرى فلعلها مما تفرد به ابن هشام. ومن الملاحظ كثرة اختصار ابن هشام للأحكام النحوية مقارنة مع كتب النحو الأخرى، غير أنه يتميز بالدقة والبراعة في التعريف وإصدار الأحكام. وفي بعض الأحيان يذكر ابن هشام أكثر من شاهد على المسألة النحوية الواحدة ولا يهتم بالتعليق على الشواهد، أو ذكر موضع الاستشهاد بها. وقد اعتنى ابن هشام بشواهده عناية كاملة، فقد كان أكثر النحاة إيرادًا للشواهد الشعرية التي كان لها النصيب الأوفر إذا ما قورنت بشواهده من القرآن الكريم أو الحديث النبوي الشريف. فقد تنوعت شواهد ابن هشام الشعرية ولم تنحصر لشعراء عصر بعينه فقد استشهد بشعر شعراء العصر الجاهلي أمثال امرؤ القيس، ولبيد، والنابغة، وكذلك استشهد لشعراء مخضرمين أمثال حسان بن ثابت وغيرهم. وقد أورد ابن هشام اثنان وسبعون بيتًا لشعراء معروفين قد ذكرت في كتب النحو المختلفة، وثلاثة وعشرون بيتًا من شواهد سيبويه. وقد استخدمت شواهده في شتى الأغراض اللفظية والنحوية والمعنوية، وجرت على وفق منهج النحويين واللغويين. فهي لم تخرج عن دائرة الاستشهاد النحوي التي حددها النحاة، إلا اليسير الذي جاء عرضًا. وفي كثير من الأحيان لا ينسب ابن هشام الشواهد إلى قائليها فيقول: "ومن ذلك قوله..... أو قول الشاعر..... أو منه كذا..... أو قول الآخر..... وفي أغلب الأحيان يذكر البيت كاملًا، وأحيانًا يذكر شطرًا منه. وقد اعتنى الأستاذ حسن باوزير الشافعي بخدمة متن العدوي، والتعليق عليه بما يناسب سياق شرحه، كما قدم للكتاب بالمنهج المتبع في شرح تلك الشواهد، وما تفردت به. |
نظرات تحليلية في القصة القرآنية ( قصص وعبر ) آخر كتاب صدر للأديب الإسلامي والقصَّاص الكبير الأستاذ محمد المجذوب، وهو حلقة في سلسلة مباركة يعزم الأستاذ على إصدارها من مجموعة مؤلفات في موضوعات شتى، وقد كان وقوفي على هذا الكتاب مناسبة طيبة للتحدث عن الأستاذ الفاضل وأدبه، وقصصه، وعن كتابه الأخير بالذات، ولعلَّ معرفتي الوثيقة والقديمة بالأستاذ الكريم تجعلني أقدر على الكتابة من غيري في هذا الموضوع. الأستاذ المجذوب من أبرز أدباء سورية، وممن لهم الشهرة الذائعة في الأوساط الأدبية في العالم العربي، وله العشرات المؤلفات في مختلف الموضوعات، كلٌّ منها له مكانته في مكتبة القارئ العربي، ومؤلَّفات الأستاذ تعالج مختلف القضايا الأدبية والفكرية والاجتماعية في محيط الأمة الإسلامية، وكل ذلك بأسلوب أدبي رائع، وبيان بارع، وفكرة نيرة، وبصيرة نافذة. والأستاذ شاعر مطبوع وهو في مصاف شعراء الطبقة الأولى في العالم العربي اليوم، فهو على هذا فارس حلبتي النثر والنظم، وللأستاذ ديوان مطبوع وأخرى في طريقها إلى الطبع، والخيط الذي يجمع بين سائر ما كتبه الأستاذ، وما قاله من شعر ونثر هو نبل المقصد، وسمو الفكرة، وجمال الغاية إلى سحر اللفظ، وروعة البيان، وجودة الأسلوب، فمؤلفات الأستاذ على اختلاف مناحيها من قبيل الأدب الموجه الذي تفرض فيه الغاية نفسها على القارئ فرضًا، وتبدو حية بارزة خلف كل عبارة من عبارات الأستاذ، ولا يرد على الأستاذ وطريقته في الكتابة ما يقوله أهل الأدب من أن التقيد في الأدب من عيوب هذا الفن، وأن الأديب لا يعطيك ما عنده من روائع إلا إذا أطلقت له العنان وتركته على سجيته، وأزحت الحدود والقيود من أمامه، وهذا الكلام صحيح من جهة وفاسد من جهة أخرى، أو صحيح من فئة وفاسد من فئة أخرى، صحيح أنَّ الفكرة إذا فُرضت على الأديب فرضًا، وألزم الكتابة فيها تكون قيدًا له، وعيبًا في إنتاجه، ولكن الأديب إذا كان مستهامًا بفكرته التي يكتب لها، مؤمنًا بها، بل لا يملك إلا أن يكتب عنها، فحينئذ لا تكون الفكرة والغاية عيبًا في الأديب، وقيدًا في طاقته، بل يكون الخروج عن هذه الفكرة الأثيرة لدي الكاتب عيبًا فيه وفي إنتاجه؛ لأنه حينئذ يكلَّف الكتابة فيما لا يريد. وعلى هذا فالأستاذ المجذوب حينما يلتزم الفكرة الإسلامية في كتاباته كلها، ويعالج جميع القضايا التي يتطرق لها من وجهة النظر الإسلامية، وحينما يصرُّ على الكتابة في الموضوعات الأخلاقية النافعة، فإنَّ هذا الالتزام ليس عيبًا في الأستاذ وإنتاجه الأدبي، بل هو ميزته على سائر الأدباء من كتاب عصره؛ لأن الفكرة التي يلتزم بها الأستاذ في كتاباته لم تفرض عليه فرضًا من سلطة عليا تريد له أن يحب هذه الفكرة، ويدندن حولها في الوقت الذي لا يحبها هو أو لا يؤمن بها، بل إن الفكرة الإسلامية التي يتقيد بها الأستاذ في كتاباته - بمعنى ألا تخرج كتاباته عن الخلق الإسلامي، والأدب الإسلامي والقيم الإسلامية - هي (ليلاه) التي هام بها، وخالط حبها بشاشة قلبه، وسرى روحها في روحه، وآمَن بها عقله، وقلبه، ولبَّه، ولو حاول الانفكاك عنها لما استطاع إلى ذلك سبيلًا؛ لأنه لا يرى معنى للحياة بدونها، وإذا كان الأمر كل شيء في حياة الإنسان، فمن العبث الاشتغال بغيره، ولعل أعداء الأدب الموجه صنفٌ من أولئك التافهين الذين يريدون للأدب أن يبقى في وهدته التي تردَّى فيها على أيديهم، ألا وهي وهدة الجنس وحفرة الشهوة والرذيلة، فكل أدب لا يدغدغ غرائز الساقطين من الناس ويداعب شهواتهم الدنيئة، ويستثير فيهم الغرائز الحيوانية، والمعاني البهيمة الهابطة، يجعلونه أدبًا موجهًا مقيدًا قاصرًا، فعلى الأدب عند هؤلاء أن يلزم الفراش فراش الرذيلة؛ حتى يكون أدبًا حرًّا طليقًا مبدعًا، ولكن إن حاول السمو حول فكرة علوية تفتح أمام الإنسان آفاق الحياة الصحيحة، وتربأ بإنسانيته عن هذا السقوط والتردي المشين، فهو يتهم بالقصور والتقيد وتتلمس له العيوب. وبعد هذا نقول: فإن أدب الشيخ المجذوب موجه ومقيد، وجماله في توجهه وتقيُّده، موجه نحو الإسلام وبالإسلام، ومقيد بنظرته للحياة والكون والإنسان، ولأن يعيش الإنسان لخصائص الخير التي فيه، ولأن يستجيب للمعاني العلوية التي في فطرته، ولأن يلبي أشواق النفحة الربانية في رُوحه، خيرٌ من أن يسقط في حفرة الطين، وأن ينقلب في الحمأ المسنون، وقد يكون من الغريب ومما يتنافى مع اتجاه أدباء هذا العصر - وخاصة كتاب القصة فيه - أن يتجه الأستاذ المجذوب إلى القصة الإسلامية التي يعتبر رائدها بلا منازع، من الغريب في منطق أدباء اليوم أن يتجه الأستاذ إلى القصة الهادفة التي لا ينكر دورها بين وسائل التربية والتوجيه، في الوقت الذي يعكف فيه كتاب القصة على وثن الجنس، ويقصرون كل جهودهم لإثارة الغرائز الأرضية الدنيئة المستكنة في الجيل الساقط الذي يخاطبونه، ويستدرون بمثل ذلك الأدب الرخيص السحت الذي يقتاتون به، ولكن الأستاذ المجذوب نكب عن هذه الطريقة الشائنة، واختطَّ لنفسه طريقًا رشدًا آثر فيه الفضيلة على الرذيلة، وقدَّم فيه المال الحلال على المال الحرام، وفضَّل أن يسلك طريق الحق، ولا يصده عنه قلةُ السالكين، وازورَّ عن طريق الباطل دون أن تغريه كثرة الهالكين، وخاطب في الإنسان عنصر الخير والسمو في فطرته التي عملت قوى الشر مجتمعة على تلويثها، وإطفاء نورها وطمس معالم الحق فيها. فأدب الأستاذ بجملته - وقصصه بالأخص - نوع من الأدب البنَّاء الهادف، الذي يؤدي دوره في إنارة سبيل القارئ العربي في معترك الحياة في هذه الحقبة العصيبة من حياته، وقصص الأستاذ المجذوب كسائر أدبه تجمع عناصر الجمال التي نراها تنحصر في المعنى الجميل، والمبنى الجميل. ولعل آخر كتب الأستاذ وهو (قصص وعبر)، بجمع بين هذين العنصرين على الوجه الأكمل بالنسبة إلى قصصه؛ وذلك لأن موضوع الكتاب هو القصص القرآني الذي يعتبر بدون ريب ذِروة ما دون باللغة العربية من قصص، وهذا يضمن للكتاب جمال المعنى في أروع صوره، وأما أسلوب الكتاب، فهو خلاصة وحصيلة نصف قرن تقريبًا من الثروة الأدبية التي جمعها الأستاذ، وهذا يضمن له جمال المبنى. وقد تناول الأستاذ في كتابه هذا جملة كبيرة من قصص القرآن الكريم، وعالجها على الشكل التالي: أولًا: عرض القصة القرآنية عرضًا إجماليًّا يُبرز أهم معالمها دون الخوض في التفاصيل والجزئيات. ثانيًا: استنباط العبر والعظات، ومحاولة استخراج المغزى والمرمى والغاية التي سيقت لأجلها القصة. ثالثًا: تحليل لأسلوب النص القرآني، ونظرات في العبارات التي حملت تلك المعاني الكريمة. وقد استفاد الأستاذ الكريم من القرآن العظيم كثيرًا في لفظه ومعناه، وهو الذي لازم القرآن وعاش بأجوائه طيلة حياته، وأعانته ملازمة القرآن هذه على أن يغوص في أعماق القصة القرآنية ليستخرج درَّاتها الغالية، وجواهرها الثمينة، وحِكمها البالغة، كما أن ترطب لسانه المستمر بالقرآن صقل ذلك اللسان، وصبغه بصبغة القرآن، فجرى عليه البيان ينساب غضًّا طريًّا، وكذلك تدبر قلبه المستمر له جعل الحكمة تتفجر في جوانبه، والعبرة تسبق إلى فكره، والنور يشرق في بصيرته. ولقد صاحب التوفيق صاحب الكتاب في خطواته الثلاث في عرض القصة، واستنباط عبرها، وتحليل أسلوبها، وعيب هذا الكتاب هو أن الأستاذ كان مقيدًا بوقت معين محدد يناقش خلاله القصة، وذلك في حلقات إذاعية، الأمر الذي كان كثيرًا ما يجعل الأستاذ يكبح جماح القلم حتى لا يسترسل، وقد اعتذر الأستاذ عن هذا بأن قال: "إن الكتاب هو نموذج لعمل أكبر منه سيتناول القصة القرآنية بالتفصيل الأوفى في الخطوات الثلاث التي ذكرناها ...". وبعد فإن لدي نماذج كثيرة من الكتاب تبيِّن صورًا من الجمال الذي يعلو صفحاته، ويبدو من خلال عباراته وعبره، ولكني لم أرد أن أقتطع تلك النماذج من موضعها التي سكبت فيها، داعيًا القارئ إلى الوقوف عليها في أماكنها الكثيرة من الكتاب، ولأني أُومِنُ بأن الزهر في الروض أجمل منه في الآنية. |
تحكيم الأعراف والعادات القبلية (دراسة عقدية) صدر حديثًا كتاب " تحكيم الأعراف والعادات القبلية (دراسة عقدية) "، تأليف: " عبدالرحمن بن مرزوق بن محمد الهذلي "، المحاضر بمعهد الحرم بالمسجد الحرام، وذلك عن " دار طيبة الخضراء ". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير من قسم العقيدة بجامعة أم القرى، تحت نفس العنوان. ويتناول الكاتب موضوع العصبية القبلية للعادات والأعراف في بعض مجتمعاتنا العربية، والتحاكم إليها من منظور عقدي، فقد قام العلماء على مر التاريخ الإسلامي بإيضاح حكم الرجوع إلى هذه العادات بعرضها على الكتاب والسنة، وتبيين حكمها، وهي مختلفة على حسب الأزمنة والأمكنة والعشائر والقبائل، وجاء هذا البحث للبحث عقديًّا وتاريخيًّا للتنقيب عن هذه المسألة، متى بدأت؟ وما حقيقتها؟ وهل التحاكم إلى الأعراف والعادات القبلية يعتبر من الحكم بغير ما أنزل الله؟ وما أسبابها؟ وما طرق علاجها؟ وبين الكاتب أن موضوع بحثه لا يتناول العادات والأعراف القبلية بشكل عام، وإنما يتناول التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية، والرجوع إليها أثناء التنازع، وهو موضوع عقدي بحت. ويرى الكاتب أنه من دواعي اختياره لهذا الموضوع كدراسة مستقلة: ١- أن التحاكم إلى الأعراف والعادات القبلية لا زال موجودًا عند كثير من القبائل، ويجهل كثير من الناس حكم التحاكم إليها. 2- إلى جانب جهل كثير من المحكمين بموقف الشرع من هذا التحاكم. ٣- كما بين الكاتب أن هذه الأعراف والعادات القبلية تحولت إلى قوانين يحب التزامها، ولا يحوز الخروج عنها، وتقديمها على أحكام الشريعة الإسلامية عند بعض القبائل. 4- اختلاف الناس في حكم التحاكم إلى العادات والأعراف القبلية بين مجيز، ومانع، بل جعلها حكمًا بغير ما أنزل الله؛ وذلك لاختلاف تصورهم لحقيقتها، فجاء البحث لتجلية هذه المسائل المهمة لبناء الأحكام الشرعية الصحيحة عليها. وسلك الكاتب في البحث المنهج الوصفي: المتمثل في تعريف ظاهرة التحاكم للعادات والأعراف القبلية وأسبابها وطرق علاجها. والمنهج الاستقرائي: المتمثل في تتبع هذه الأعراف والعادات والأحكام القبلية في الكتب والندوات، وفتاوى العلماء والبحث الميداني. والمنهج التاريخي: المتمثل في تتبع تاريخ بعض العادات والأعراف وتطورها وظروف نشأتها والكتابات التي تؤرخ لذلك. والمنهج النقدي: المتمثل في نقد هذه القوانين والأعراف وبيان حكمها العقدي مدعومًا بالأدلة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وإزالة الشبهات إن وجدت. وبذلك تضمن البحث توضيح هذه العادات والأعراف القبلية من الجانب العقدي، متى تكون جائزة، ومتى تكون محرمة، ومتى تكون شركًا أصغر، ومتى تكون شركًا أكبر. مع ذكر مناطات هذه المسائل وتعليلها وتحليلها، فمثلًا عند القول: (الحكم بالنقا) كفر أكبر لابد من ذكر وجه كونه كفرًا أكبر، ولِمَ لم يكن كفرًا أصغر أو محرمًا أو جائزًا؟! مع ذكر شروط وموانع التكفير عند أهل السنة والجماعة. والرد على أبرز الشبهات. وقد انقسم البحث إلى مقدمة، وستة فصول، وخاتمة. أما المقدمة فتتضمن ما يلي: • أسباب اختيار الموضوع٠ • منهج البحث. • خطة البحث. الفصل الأول: الحكم بما أنزل الله، ويشتمل على عدة مباحث: المبحث الأول: المراد بالحكم بغير ما أنزل الله، ومنزلته من العقيدة. المبحث الثاني: تاريخ نشأة الحكم بغير ما أنزل الله في البلاد الإسلامية. المبحث الثالث: أقسام الحكم بغير ما أنزل الله. الفصل الثاني: التحكيم الشرعي - على عدة مباحث: المبحث الأول: تعريف التحكيم لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: مشروعية التحكيم في الإسلام. المبحث الثالث: طبيعة التحكيم. المبحث الرابع: شروط التحكيم الشرعي. الفصل الثالث: تعريف ونشأة تحكيم العادات والأعراف القبلية والتحاكم إليها، وأسبابه؛ ويشتمل على عدة مباحث: المبحث الأول: تعريف الأعراف والعادات القبلية، وعلاقتها بالعرف الشرعي. المبحث الثاني: تاريخ نشأة تحكيم العادات والأعراف القبلية والتحاكم إليها. المبحث الثالث: أسباب تحكيم العادات والأعراف القبلية والتحاكم إليها. الفصل الرابع: حكم تحكيم العادات والأعراف القبلية والتحاكم إليها ويشتمل على عدة مباحث: المبحث الأول: خطوات تحكيم العادات والأعراف القبلية والتحاكم إليها، وبيان حكمها، ويشتمل عل سبعة مطالب: المطلب الأول: المِعْدَال. المطلب الثاني: العاني. المطلب الثالث: الحق. المطلب الرابع: المرضوِي. المطلب الخامس: الكُفْلان. المطلب السادس: الملْفَى. المطلب السابع: الأسيَّة. المبحث الثاني: العقوبات القبلية، وبيان حكمها، ويشتمل عل أربعة مطالب: المطلب الأول: النَّقَا. المطلب الثاني: عقوبة السارق في العرف القبلي. المطلب الثالث: عقوبة القذف في العرف القبلي. المطلب الرابع: الجنايات في العرف القبلي. المبحث الثالث: تحكيم العادات والأعراف القبلية بين التحكيم الشروع والأخذ بالعرف المعتبر شرعًا، والحكم بغير الشريعة. الفصل الخامس: حقيقة الصلح الشرعي والعلاقة بينه ويين تحكيم العادات والأعراف القبلية والتحاكم إليها ويشتمل على عدة مباحث: المبحث الأول: تعريف الصلح لغةً واصطلاحًا. المبحث الثاني: مشروعية الصلح في الإسلام. المبحث الثالث: طبيعة الصلح. وقد ضمن الباحث رسالته صورًا لبعض تلك العادات والأعراف القبلية التي قننت في صورة أحكام، وقام بتتبعها تاريخيًا وبيان حكمها عقديًا. يقول د. "عبد العزيز بن أحمد بن محسن الحميدي" في تقدمته للكتاب: «كان هذا البحث الكريم، والكتاب المبارك، وهو كتاب" تحكيم الأعراف والعادات القبلية (دراسة عقدية) للأخ الباحث الشيخ عبدالرحمن بن مرزوق الهذلي، المحاضر بمعهد الحرم المكي الشريف، جمع فيه متفرقات هذه المسألة المهمة الخطيرة، واستدعى وقائع ووثائق ما كان يقوم به أشياخ وعرفاء وأمراء كثير من قبائل العرب في الأزمان الماضية للوقوف عل حقيقة ما كانوا به يعملون ويحكمون، ومن ثم أدرج كل هذا تفصيلًا وتحقيقًا وسبرًا وتقسيمًا في أبواب وفصول هذا الكتاب". |
قطع الأرض المتجاورات وظواهرها (1) ﴿ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ ﴾ [الرعد: 4] تساؤلات: نبدأ تلك الرسالة في التعريف بالإسلام للمسلمين عامة ولغيرهم خاصة بعدة أسئلة: السؤال الأول : أليس الغلاف الصخري للأرض في مفهوم أخطر نظرية في علم الأرض متكون من ألواح متجاورة تسمى ( Plates )؟ الجواب: بلى. السؤال الثاني : هل يتغير عدد ما يسمى بألواح الأرض على طول أزمان الأرض؟ الجواب: نعم. السؤال الثالث : هل تنشأ تلك الألواح من مد الأرض؟ الجواب: نعم. السؤال الرابع : هل ينشأ عن حركة ألواح الأرض المتجاورة نقص للأرض وتكوين ظواهر منها الجبال والصدوع؟ الجواب: نعم. السؤال الخامس : هل المفهوم الحرفي لكلمة لوح التي يستخدم في نظرية ألواح الأرض التكتونية حقيقى، بمعنى أن اللوح العربي الذي يضم أرض العرب مستوى تمامًا؟ الجواب بالنفي: لا (شكل). السؤال السادس : هل ينتج عن حركة تلك الألواح بحر مسجور؟ الجواب: نعم. السؤال السابع : هل ينشأ من حركة ألواح الأرض المتجاورة صدع الأرض؟ السؤال السابع : هل وفقًا لنظرية الألواح تمر الجبال في الدنيا؟ الجواب: نعم. السؤال الثامن : هل نظرية الألواح التكتونية حديثة؟ الجواب: نعم، فقد ظهرت مع مطلع الستينات من القرن الذى مضى. السؤال التاسع والأخير : هل مسمى "الألواح التكتونية في حاجة إلى تصحيح؟ الجواب: نعم وتصحيحه هو قطع الأرض المتجاورة. انتهت الأسئلة ونأتي لتفصيل الإجابة في النقاط التالية: الآيات البينات في موضوع تقطيع الأرض : يقول تعالى: ﴿ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الرعد: 4]. ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]. ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41]. ﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [الأنبياء: 44]. ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]. هذا أروع وجه معجز من سورة الرعد التي تشير منذ ما يزيد على 1400 سنة قمرية أن الأرض تمد، وتقطع، وتنقص من أطراف. والمتأمل لآخر آية من السورة يتبين له من الإشارات العلمية هذه وغيرها في سورة الرعد إجابة عن حقيقة رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في أنه مرسل من ربه. يقول الله تعالى في أخر آية من سورة الرعد: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]. نعم مرسل وكيف لا يكون مرسلا وهو يخبرنا بما لم يعرفه العلماء إلا حديثًا. وصدق الله حيث يقول: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33]، وحيث يقول تعالى أيضا: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14]. شكل 1-2: القطعة العربية بين مد الأرض (البحر الأحمر) وإنقاصها من القطعة، وهى ليست لوحا مستويا ولكن قطعة ذات تضاريس مختلفة. وتلك هي المكتشفات العلمية التي لم تعرف إلا بعد عام 1962م ، والتي أشار القرآن إليها القرآن قبل أن يحققها علماء الجيولوجيا بحوالي 1400 سنة. 1- البحار تتسع من منتصفاتها حيث تصعد الحمم من وشاح الأرض من تحت قشرتها. 2- الأرض يكتنفها صدع هائل ينتظمها عبر حيد وسط المحيط (ق عند المفسرين). 3- الغلاف الصخري للأرض يتكون من قطع " ألواح" متجاورة. 4- الأرض تمد من عند حواف الألواح المتباعدة (spreading of the earth) وتنقص من عند حواف الألواح المتقاربة (subduction zones) . 5- الجبال تنصب نتيجة حركة ألواح الغلاف الصخري. 6- الجبال تمر وتبتعد عن بعضها البعض في الدنيا. |
الاستقامة في السنة والرد على أهل البدع والأهواء لخشيش بن أصرم النسائي صدر حديثًا كتاب " الاستقامة في السنة والرد على أهل البدع والأهواء "، تأليف: الحافظ " أبي عاصم خشيش بن أصرم النسائي" (المتوفى سنة 253 هـ)، تحقيق: " عبد المجيد جمعة "، وذلك عن منشورات " دار نهج السلف للنشر والتوزيع ". وهذا السفر يطبع لأول مرة، حيث كان حبيسًا في أدراج المخطوطات، وهو من الكتب المتقدمة في الاعتقاد والسًنّة، وقد ذكر محققه أن الكتاب مُحقق على مخطوط وحيد. قال الإمام الذهبي في صفة الكتاب: "خشيش بن أصرم الحافظ الحجة أبو عاصم النسائي مصنف "كتاب الاستقامة" يرد فيه على أهل البدع" [تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 101)]. وقال الحافظ ابن حجر: "وألف كتاب الاستقامة في الرد على أهل الأهواء" [تهذيب التهذيب (3 /123)]. ويطلق عليه ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله "كتاب السنة"، انظر "الدرء" لشيخ الإسلام (7 /108). وهذا الكتاب يدلل على أهميته نقل كثير من الثقات عنه في كتبهم، لحسن تقسيمه للفرق وقوة ردوده عليهم. فنجد أنه يروي عنه بالإسناد كثيرًا الإمام ابن المحب الصامت أبو بكر محمد بن محب الدين عبدالله المقدسي الصالحي - رحمهم الله - في كتابه " صفات رب العالمين "، والنقول عن " الاستقامة " في غاية النفاسة. ونجد مختصرًا له في كتاب "أبي الحسين محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي الشافعي": "الرد والتنبيه على أهل الأهواء والبدع". وكذلك نقل عنه كثيرًا " ابن ناصر الدين الدمشقي " في مؤلفه " جامع الآثار في السير ومولد المختار ". وكذلك نقل عنه ابن حجر في " الإصابة في تمييز الصحابة " (1/ 690)، وكذلك " علاء الدين مغلطاي " في كتابه " إكمال تهذيب الكمال " (2/ 310). وهذا الكتاب له ذكر حافل في كتابات المتأخرين، ومؤلفه ثقة ثبت باتفاق، فمن شيوخه: أبي عاصم النبيل، وأبي داود الطيالسي، ومن أصحابه: أبي داود، والنسائي، وعباس بن محمد الدوري. ونجد أن هذا الكتاب من أقدم ما ألف في شرح أحوال الفرق، ونجد المؤلف يحث على التمسك بالجماعة ويسدي النصح في الدين في مباحث كتابه. ثم يسرد الفرق عودًا على بدء فيذكر الزنادقة على خمس فرق: المعطلة، والمانوية، والمزدكية، والعبدكية، وصنوف الروحانيين، وذكر الجهمية على ثماني فرق، والقدرية على سبع فرق، والمرجئة على اثنتي عشرة فرقة، والرافضة على خمس عشرة فرقة، والخوارج على خمس وعشرين فرقة، فمجموع تلك الفرق اثنتان وسبعون فرقة. وكتاب " الاستقامة " من مرويات المحدث محمد بن محمد بن سليمان الروداني المالكي في كتاب " صلة الخلف بموصول السلف " بروايته عن شيخه عن الأجهوري، عن النور القرافي، عن قريش البصير، عن ابن الجزي، عن العز بن جماعة، عن والده البدر، عن إسماعيل بن أحمد؛ ومكي بن مسلم بن علان كلاهما، عن أبي طاهر السلفي، عن محمد بن أحمد الرازي، عن محمد بن الحسين النيسابوري، عن الحسن بن رشيق الزاهد، عن العباس بن محمد المصري، عن خشيش بن أصرم المؤلف. ونجد أن خشيش بن أصرم يتتبع الفرق فرقة فرقة، يزيف آراءها، ويبين ضلالها، ويرد عليها ويناقشها بحجة قوية، تدل على سعة علمه. ويعد هذا الكتاب من المسانيد القوية في باب الرد على الفرق، وبيان مذهب أهل السنة، وتقسيم الفرق الضالة وبيان مراتبها. والمؤلف ترجم له الذهبي في " سير أعلام النبلاء " فذكر أنه ابن الأسود، الإمام الحافظ الحجة مصنف كتاب " الاستقامة "، أبو عاصم النسائي. سمع من روح بن عبادة، وأبا عاصم، وعبد الرزاق، وعبد الله بن بكر السهمي، وطبقتهم. وكان صاحب سنة واتباع. وحدث عنه: أبو داود، والنسائي في " سننهما "، وعلان، وأحمد بن عبد الوارث العسال، وأبو بكر بن أبي داود، ومحمد بن أحمد بن سليمان الهروي، وآخرون. ووثقه النسائي. وله رحلة واسعة إلى الحرمين ومصر والشام واليمن والعراق. توفي في رمضان سنة ثلاث وخمسين ومائتين بمصر. |
شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام بتحقيق جديد صدر حديثًا كتاب "شرح قطر الندى وبل الصدى "، لابن هشام الأنصاري (ت 761 هـ)، دراسة وتحقيق: د. " عبداللطيف بن محمد الخطيب "، من إصدارات " مؤسسة دار البلاغة للنشر والتوزيع ". وهذا التحقيق تحقيق جديد يستدرك به على التحقيق المشهور للعلامة " محمد محي الدين عبدالحميد " - رحمه الله - الشهير، حيث ذكرَ الكاتب أنه أقام ما يزيد على خمس عشرة دورة في تدريس هذا الكتاب لمستويات مختلفة، وكان يضع ملاحظاته وتعقباته على الشرح، حتى تجمعت لديه مادة علمية معتبرة في موازاة نص ابن هشام وعلى التحقيق القديم، كانت منها مادة هذا الكتاب. وقد وضع الكاتب ملاحظاته على التأليف والتحقيق من باب: • نقص في علامات الأسماء. • زيادة في الحديث عن الأسماء المعربة جاءت في غير بابها. • الحديث عن "قبل وبعد" وترتيب المادة. • الاستطراد في الحديث عن نِعْمَ وبِئْسَ، وعسى وليس، في غير أبوابها، ومن ذلك هلمَّ، وتعالَ، وهاتِ. • إنقاص بناء الأمر على الفتح، وجعل أحواله ثلاثة كالماضي. • بدأ الشيخ "محمد محيي الدين عبدالحميد" في "جمع المؤنث" بالملحق، ولم يذكر كل صوره، ولم يتعرض للشروط فيه، وما يُجمَع هذا الجمع. • في الممنوع من الصرف ذكرَ العلم المؤنث وصيغة منتهى الجموع: "في المبنى والمُعْرَب"، ثم انتقلَ في آخر الكتاب إلى الحديث عن "موانع الصرف"، فجاء الباب مقطَّع الأوصال. • بدأ حديثه عن النواصب بـ"لن". • بدأ حديثه عن "أن" الناصبة، واستطردَ إلى الحديث عن "أن" المفسِّرة. • ترتيبه للجوازم ترتيب غير حسن، خالفَ فيه المألوف عند أهل هذا العلم، ولا عذر له. • أنقصَ باب "كاد وأخواتها" وهو من الأصول. كما ذكر الشيخ محمد - رحمه الله - إعراب الشواهد الشعرية، وهذا إن كان نافعًا إلا أنه ليس من التحقيق في شيء، والأصل بيان معاني مفردات الشاهد، ومحل الشاهد. • وجاء تخريجه للشواهد ضعيفًا لا استقصاء فيه على غير المألوف عنده. والتمس المحقق د. " عبداللطيف الخطيب " العذر لجهود الشيخ " محمد محي الدين عبدالحميد " في التحقيقات الرائدة التي سبق بها أقرانه، في وقت قلَّت فيه المراجع، وصعب فيه الوصول إلى المخطوطات، إلا أنه يرى أن إعادة تحقيق مثل هذه المؤلفات الشواهد من الأهمية بمكان لاستدراك سقط التحقيقات القديمة وإتمامها وإكمال مواطن النقص فيها. وكتاب " شرح قطر الندى وبل الصدى " هو كتاب في علم النحو مؤلفه ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية، يتكون من أصل وشرح لنفس المؤلف، فالأصل هو متن: "قطر الندى وبل الصدى"، والشرح هو شرح لنفس المتن، ويتضمن معظم أبواب النحو بصورة قريبة من كتاب "شذور الذهب في معرفة كلام العرب"، من حيث الطرح وترتيب العناوين، إلا أنه أقل منه تفصيلًا، بما يجعله أنسب للقارئ والمتعلم، في أوسط مراحل التعليم، يبدأ بالكلمة، وينتهي بهمزة الوصل، يقول مؤلف قطر الندى في أوله: "بسم الله الرحمن الرحيم، الكلمة قول مفرد، وهي: اسم وفعل وحرف، فأما الاسم؛ فيعرف بأل...". ويعتبر متن: " قطر الندى " موجزًا تتلخص فيه قواعد نحوية بصيغة مختصرة، والشرح هو توضيح لمحتوى عبارات المتن، وبيان ما يقصد منها، ويتضمن التقسيمات والتفاصيل، ويذكر الشواهد، ويعدّ الكتاب أحد المراجع النحوية. وابن هشام الأنصاري رحمه الله (708 - 761هـ) هو جمال الدين أبو محمد عبدالله بن يوسف بن أحمد بن عبدالله بن هشام الأنصاري الحنبلي النحوي العلاَّمة. ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة، ولزمَ الشِّهاب عبداللطيف بن المُرحَل، وتلا على ابن السراج، وسمع على أبي حيان "ديوان زهير بن أبي سُلمى"، وحضر درس التاج التبريزي، وقرأ على التاج الفاكهاني "شرح الإشارة" له إلا الورقة الأخيرة، وتفقه للشافعي ثم تحنبل، فحفظ "مختصر الخِرَقي" في دون أربعة أشهر، وذلك قبل موته بخمس سنين، وأتقن العربية، ففاق الأقران، بل الشيوخ، وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتخرَّج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وتصدر لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المفرط، والاقتدار على التصرف في الكلام، والمَلَكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد، مع التواضع، والبر، والشفقة، ودماثة الخلق، ورقة القلب. قال ابن خلدون: "وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام، أنحى من سيبويه، وكان كثير المخالفة لأبي حيان، شديد الانحراف عنه". له عدة تصانيف منها: 1- مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب، اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه، وقد كتب عليه حاشية وشرحًا لشواهده. 2- التوضيح على الألفية. 3- رفع الخصاصة عن قراء الخلاصة. 4- عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب. 5- التحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتذييل. 6- شرح التسهيل. 7- شرح الشواهد الكبرى والصغرى. 8- الجامع الكبير والجامع الصغير. 9- شرح اللمحة لأبي حيان. 10- شرح بانت سعاد. 11- شرح البُردة. 12- شذور الذهب. 13- قطر الندى وبل الصدى وشرحه. 14- التذكرة. 15- المسائل السَّفَرية في النحو، وغير ذلك وله عدة حواش على الألفية والتسهيل. توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة 761هـ، ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصوفية بمصر. |
تقييد الأفكار عن كتاب الأذكار الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فبين أيدينا كتابٌ تُحفةٌ لا يستغني عنه البررة الأخيار، ويفوح عبيره مع اختلاف الأعصار والأمصار، حتَّى صار مَثلًا سائرًا على لسان العلماء الذين عليهم المدار، فقالوا: (بِع الدَّار، واشتر "الأذكار")، و(ليس يَذكرُ من لم يقرأ "الأذكار")، وذلك من تصنيف شيخ الإسلام أبي زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مِرَى الحِزَامي النَّووي الدِّمشقي (631 هـ-676 هـ) رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً. فأردتُ أن أقيِّد جملة من الأفكار الفريدة عنه من حيث: عنوانه الصَّحيح، وتاريخ تصنيفه، وموضوعه ومنهجه، وترغيب المصنِّف فيه، وعنايته بإقرائه والإجازة فيه، وثناء أهل العلم عليه، وختمته بأنفس نسخه الخطِّيَّة التي وقفتُ عليها، والله الموفِّق والمستعان. أوَّلًا: العنوان الصَّحيح لكتاب «الأذكار « : سمَّى الإمام النَّووي كتابه بـ: (حِلية الأبرار وشِعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار)، كما بخطِّ الشَّيخ داود ابن العطَّار (المتوفى 752 هـ)، نقلًا عن نسخة أخيه العلَّامة العلاء علي ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) التي قابلها مع المصنِّف ونسخته، وأجازه. واختَصرَ عنوانه في موضعٍ إلى: (حِلية الأبرار وشِعار الأخيار في الأذكار). ويُسمِّيه بـ: (الأذكار)، اختصارًا في مواضع كثيرة، كما سيأتي. وأمَّا العناوين الأخرى للكتاب، مثل: (الأذكار من كلام سيِّد الأبرار)، و(الأذكار المنتخبة من كلام سيِّد الأبرار)، و(الأذكار من أحاديث المختار)، ونحوها، فالظَّاهر بأنَّها من اجتهادات بعض النُّسَّاخ والنَّاشرين، ولم أقف عليها في النُّسخ الخطِّيَّة النَّفيسة القريبة من عصر المصنِّف. ثانيًا: تاريخ تصنيف كتاب «الأذكار « : ابتدأ الإمام النَّووي في تصنيف كتابه «الأذكار«: يوم الخميس 24 من شهر رمضان سنة 666 هـ. وفرغ من جَمعِهِ: في شهر الله المحرَّم سنة 667 هـ، سوى أحرف ألحقها بعد ذلك. وهذا يعني بأنَّه أتمَّ الكتاب خلال أربعة أشهر تقريبًا، وعمره وقتها 36 عامًا. ثالثًا: موضوع كتاب «الأذكار«، ومنهج الإمام النَّووي فيه: بيَّن ذلك الإمام النَّووي في مقدِّمة كتابه أتمَّ بيان، فقال: (فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: ﴿ فاذْكُرُوْنِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فعُلِمَ بهذا أنَّ مِن أفضل -أو أفضل- حال العبد، حال ذِكرِهِ ربَّ العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّد المرسلين. وقد صنَّف العلماء رضي الله عنهم في عمل اليوم واللَّيلة والدَّعوات والأذكار كتبًا كثيرةً معلومةً عند العارفين، لكنَّها مطوَّلة بالأسانيد والتَّكرير، فضَعُفَتْ عنها هِممُ الطَّالبين. فقَصَدتُ تسهيل ذلك على الرَّاغبين، فَشَرَعتُ في جمع هذا الكتاب مختصِرًا مقاصد ما ذكرتُهُ تقريبًا للمُعتنين، وأَحذفُ الأسانيد في معظمه لما ذكرتُهُ من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعًا للمتعبِّدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد متطلِّعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلَّا الأقلِّين، ولأنَّ المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها، وإيضاح مظانِّها للمُسترشدين. وأَذكُرُ -إن شاء الله تعالى- بدلًا من الأسانيد ما هو أهم منها ممَّا يُخلُّ به غالبًا، وهو بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها، فإنَّه ممَّا يفتقر إلى معرفته جميعُ النَّاس إلَّا النَّادر من المحدِّثين، وهذا أهمُّ ما يجب الاعتناء به، وما يُحقِّقهُ الطَّالبُ من جهة الحفَّاظ المتقنين، والأئمَّة الحُذَّاق المُعتمَدين. وأَضمُّ إليه -إن شاء الله الكريم- جُملاً من النَّفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمَّات القواعد، ورياضات النُّفوس، والآداب التي تتأكَّد معرفتُها على السَّالكين، وأَذكُرُ جميعَ ما أذكرُهُ مُوَضَّحًا بحيث يسهلُ فهمه على العوامِّ والمتفقِّهين. وقد روينا في (صحيح مسلم) [2674]، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا). فأَرَدتُ مساعدةَ أهل الخير بتسهيل طريقه والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدَّلالة عليه، وأَذكُرُ في أوَّلِ الكتاب فصولًا مهمَّةً يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين، وإذا كان في الصَّحابة مَن ليس مشهورًا عند مَن لا يعتني بالعلم، نبَّهتُ عليه، فقلتُ: روينا عن فلان الصَّحابيّ؛ لئلا يُشكَّ في صُحبته. وأَقتصرُ في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام وهي خمسةٌ: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والتِّرمذي، والنَّسائي، وقد أَروِي يسيرًا من الكتب المشهورة غيرها، وأمَّا الأجزاء والمسانيد، فلستُ أَنقُلُ منها شيئًا إلَّا في نادر من المواطن، ولا أَذكُرُ من الأصول المشهورة أيضًا من الضَّعيف إلَّا النَّادر مع بيان ضعفه، وإنَّما أَذكُرُ فيه الصَّحيح غالبًا. فلهذا أَرجُو أن يكون هذا الكتاب أصلًا مُعتمَدًا، ثمَّ لا أَذكُرُ في الباب من الأحاديث إلَّا ما كانت دلالته ظاهرةً في المسألة) ا.هـ. رابعًا: ترغيب الإمام النَّووي في كتابه «الأذكار « : رغَّب الإمام النَّووي في كتابه «الأذكار« في غير ما كتاب من كتبه المشهورة الأخرى؛ وذلك من باب التَّحدُّث بالنِّعمة المأمور به، وبذل النَّصيحة، والدّلالة على الفائدة في محلّها [1] . فقال [2] : (وقد أوضحتُها في «كتاب الأذكار« الذي لا يَستغني طالب الآخرة عن مثله) ا.هـ. وقال [3] : (وقد بيَّنتُها بدلائلها واضحة في آخر «كتاب الأذكار« الذي لا يَستغني متديِّن عن مثله) ا.هـ. وقال [4] : (فصل يتعلَّق بالتَّسمية والأسماء والكنى والألقاب: وقد جمعتُ في هذه الأقسام جُملًا نفيسة في «كتاب الأذكار«) ا.هـ. وقال [5] : (وقد أوضحتُ ذلك بدلائله في «كتاب الأذكار« الذي لا يَستغني طالب الآخرة عن مثله) ا.هـ. وقال [6] : (باب الأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار وعند الأحوال العارضة، هذا الباب واسعٌ جدًّا، وقد جمعتُ فيه مجلَّدًا مشتملًا على نفائس لا يُستغنى عن مثلها) ا.هـ. وقال [7] : (يستحبُّ الإكثار من الذِّكر أوَّل النَّهار، وآخره، وفي اللَّيل، وعند النَّوم، والاستيقاظ، وفي ذلك أحاديث كثيرة جدًّا مشهورة في الصَّحيحين وغيرهما مع آيات القرآن الكريم، وقد جمعتُ معظم ذلك مهذَّبًا في «كتاب الأذكار«) ا.هـ. وقال [8] : (وقد أوضحتُ ذلك مع زوائد ونفائس تتعلَّق به في «كتاب الأذكار« الذي لا يَستغني متديِّن عن معرفة مثله) ا.هـ. وقال [9] : (وقد أوضحتُها مبسوطة في كتاب السَّلام من «كتاب الأذكار«، وهو ممَّا لا يَستغني متديِّن عن مثله) ا.هـ. وقال [10] : (وقد جمعتُ فيه في «كتاب الأذكار« جُملًا نفيسة موضَّحة بدلائلها من الأحاديث الصَّحيحة مع آيات من القرآن العزيز، وضممتُ إليها مهمَّات متعلّقة بما لا يستغني راغب في الخير عن معرفة مثلها) ا.هـ. وقال [11] : (وقد أوضحتُ جميع ذلك بدلائله الصَّحيحة المتظاهرة في «كتاب الأذكار«، وفيه ما لا يستغنى عن مثله من أشباهه) ا.هـ. خامسًا: عناية الإمام النَّووي بإقراء كتابه «الأذكار« والإجازة الخاصَّة والعامَّة فيه: اعتنى الإمام النَّووي بإقراء كتابه « الأذكار « في مجالس القراءة والسَّماع، وسمعه منه جماعة، فأجازهم فيه إجازة خاصَّة، فممَّن وقفتُ عليه [12] : 1- الشَّيخ نجم الدِّين حسن بن هارون بن حسن الهَذَبَاني الدِّمشقي (المتوفى 699 ه)، قرأه عليه في مجالس، آخرها يوم الخميس 3 من شهر ربيع الأوَّل سنة 668 هـ بدار الحديث الأشرفيَّة بمدينة دمشق، ثمَّ سمعه مرَّة ثانية في مجالس، آخرها 3 من شهر جمادى الأولى سنة 669 هـ. نصُّ الإجازة الخاصَّة: الحمد لله ربِّ العالمين. قَرَأَ عَلَيَّ جميعَ هذا الكتاب، وهو: «حِليةُ الأبرارِ وشِعارُ الأخيارِ في الأذكَارِ»، صاحبهُ، كاتبهُ: الفقيهُ، الفاضلُ، المجتهدُ، المُحصِّلُ، النَّبيهُ، الورعُ، نجمُ الدِّين، أبو عليّ، حسن بن هارون الهَذَبَاني ثمَّ الدِّمشقيّ الشَّافعيّ، وفَّقه اللهُ الكريمُ لطاعتهِ، وتولَّاهُ بكرامتهِ، وأدامهُ على الخيراتِ، وضاعفَ لديهِ الطَّاعاتِ والمحاسِنَ والمكرمات، قراءةً صحيحةً مُحقَّقةً مُجوَّدةً مُتقنةً أكملَ إتقانٍ. وأنا مُمسِكٌ أَصلي في حالِ قراءتهِ، في مجالسَ، آخرها: يوم الخميس الثَّالث من شهر ربيع الأوَّل سنة ثمان وستِّين وستّمائة بدارِ الحديثِ الأشرفيَّة بدمشقَ، حَمَاها اللهُ تعالى الكريمُ وصانَها، وسائرَ بلادِ الإسلامِ، وأهلِهِ، آمين. وأَجَزتُ لهُ راويةَ جميع ما يجوزُ لي روايتُهُ وتَسميعُهُ. كَتَبَهُ، مُصنِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّووي، عفا الله عنهُ. والحمد لله ربِّ العالمين، وصلواته وسلامه على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله. ثمَّ سمعهُ بكمالهِ: نجم الدِّين، أبو عليّ، حَسَن، أدامَ اللهُ الكريم لهُ الخيراتِ، وتولَّاهُ بالحسناتِ، وأمدَّهُ في طاعتهِ بالمعُوناتِ، مرَّةً ثانيةً. وقابلتُ معه نسختَهُ هذه بأَصلي المقابلة المرضيَّة المُعتمدة. وذلك في مجالسَ، آخرها: ثالث جمادى الأولى سنة تسع وستِّين وستّمائة بدمشقَ المحروسة. وأَجَزتُ لهُ راويةَ كُلّ ما يجوزُ لي تَسميعُهُ. وكتبَهُ، مُؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّووي، عفا الله عنه. الحمد لله ربِّ العالمين. اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ، وسلِّم. 2- الشَّيخ شهاب الدِّين محمَّد بن عبد الخالق بن عثمان بن مُزهِر الأنصاري الدِّمشقي (المتوفى 690 هـ)، سمعه عليه في مجالس، آخرها يوم الاثنين 24 من شهر ذي القعدة سنة 673 هـ. نصُّ الإجازة الخاصَّة قابلتُ جميعَ هذا الكتاب بأَصلي، مع صاحبه، كاتبه: الشَّيخُ، الإمامُ، العالمُ، الفاضلُ، العاملُ، الصَّدرُ، شهاب الدِّين، أبي عبد الله، محمَّد بن عبد الخالق بن عثمان بن مُزهِر الأنصاري الشَّافعي الدِّمشقي، أدامَ الله لهُ الخيراتِ، وضاعفَ لهُ الحسناتِ، وأمدَّهُ في طاعته بالمعُوناتِ، وتولَّاهُ بالحُسنى، وجمعَ لهُ بين خيراتِ الآخرةِ والأُولى، وجَمعني وإيَّاه وسائر أحبابنا في دارِ كرامتهِ بفضلهِ ورحمتهِ. فسمعهُ الشَّيخُ الإمامُ شهابُ الدِّين المذكور سماعًا مُتقنًا. وقابلتُ معهُ نسختهُ هذه مُقابلةً مَرضيةً بأصلي، في مجالس، آخرها: يوم الاثنين، الرَّابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وستّمئة. وأَجزتُ لهُ كُلَّ ما يجوزُ لي تسميعُهُ. كَتبَهُ: يحيى بن شَرَف بن مِرَى بن حسن النَّواوي، عفا الله عنه. 3- الشَّيخ علاءُ الدِّين عليّ بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقيّ (المتوفى 724 هـ)، سمعه عليه في مجالس، آخرها يوم الثُّلاثاء 12 من شهر جمادى الأولى سنة 676 هـ. نصُّ الإجازة الخاصَّة: الحمدُ لله رَبِّ العالمينَ. سَمِعَ عَلَيَّ جميعَ هَذا الكتاب: «كتاب الأذكار»، صَاحبهُ، كاتبهُ: الفقيهُ، الإمامُ، العالمُ، الفاضلُ، الورعُ، المُتفَنِّن، علاءُ الدِّين، أبو الحسن، عليّ بن إبراهيم بن داود الدِّمشقيّ الشَّافعيّ، أدامَ الله الكريمُ لهُ الخيراتِ المُتظاهراتِ، وتوَلَّاهُ بالحسناتِ المُتكاثراتِ، ولَطَفَ بهِ في جميع أمورهِ، وبَارَكَ لهُ في كلِّ أحوالهِ. وقابَلَ نُسختَهُ هذه مَعِي، وأنا مُمسِكٌ بأصلِي في جميع سَماعِهِ. وذلك في مجالس، آخرها: يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من جمادى الأولى سنة ست وسبعين وستمائة. وأَجَزتُ لَهُ كُلَّ ما يجُوزُ لي تَسميعُهُ. كَتبَهُ، مؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّواوي، عفا الله عنه، آمين. الحمد لله ربِّ العالمين. اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، وسلِّم. 4- الشَّيخ شهابُ الدِّين أحمد بنُ محمَّد بن عبَّاس بن جَعْوَان الأَنصاري الدِّمشقي (المتوفى 699 هـ)، سمعه عليه في مجالس، آخرها: يوم الثُّلاثاء 12 من شهر جمادى الأولى سنة 676 هـ. نصُّ الإجازة الخاصَّة سَمعَ عَلَيَّ جميع هذا الكتاب، صاحبُهُ: الفقيهُ، العالمُ، الفاضلُ، المُحصِّلُ، المُعتَنِي: شهابُ الدِّين، أبو العبَّاس، أحمد بنُ الشَّيخ الأجلّ كمال الدِّين أبي عبد الله محمَّد بن عبَّاس بن جَعْوَان الأَنصاري الدِّمشقي الشَّافعي، أدامَ الله الكريمُ لهُ الخيراتِ، وتولَّاهُ بالحسناتِ، ولَطَفَ بهِ في جميعِ أُمورهِ، وبَاركَ لهُ في كلِّ أحوالهِ. وقابلَ نُسختَهُ هذه معي، وأَنا مُمسكٌ أَصلي حالَ السَّماعِ، في مجالسَ، آخرها: يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من جمادى الأُولى سنة ستّ وسبعين وستّمائة، بدمشق المحروسة. وأَجزتُ لهُ كُلَّ ما يجوزُ لي تَسميعُهُ. كَتَبَهُ، مؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّووي، عفا الله عنهم. الحمد لله ربِّ العالمين. اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، وسلِّم. 5- الشَّيخ جمال الدِّين سليمان بن عمر بن سالم الأَذْرَعِي الزُّرَعِي (المتوفى 734 هـ)، (ذيل التَّقييد) (2/385). كما أجاز الإمام النَّووي عامَّة المسلمين الذين أدركوا زمانه أن يرووه عنه، وذلك بناء على تصحيحه لإجازة غير المعيَّن بوصف العموم [13] ، فقال في آخر كتابه: (وأَجزتُ روايته لجميع المسلمين) ا.هـ. سادسًا: من ثناء أهل العلم على كتاب «الأذكار « : تتابع أهل العلم بالثَّناء على كتاب «الأذكار« بما يفوق الحصر، فمنهم على سبيل المثال: 1- قال تقي الدِّين اللَّخمي (المتوفى 738 هـ) [14] : (و«كتاب رياض الصَّالحين« مجلَّد ضخم، و«كتاب الأذكار«، وهما جليلان، لا يَستغني مُسلم عنهما) ا.هـ. 2- وقال شمس الدِّين الذَّهبي (المتوفى 748 هـ) [15] : (فعليك يا أخي بتدبِّر كتاب الله، وبإدمان النَّظر في «الصَّحيحين«، و«سنن النَّسائي«، و «رياض النَّواوي«، و«أذكاره«، تفلح، وتنجح) ا.هـ. 3- وقال عماد الدِّين ابن كثير (المتوفى 774 هـ) [16] : (وقد صنَّف النَّاس في الأذكار المتعلِّقة بآناء اللَّيل والنَّهار: كالنَّسائي، والمعمري، وغيرهما، ومن أحسن الكتب المؤلَّفة في ذلك «كتاب الأذكار« للشَّيخ محيي الدِّين النَّووي، رحمه الله تعالى) ا.هـ. 4- وقال شمس الدِّين العثماني (المتوفى 800 هـ) [17] : (و«الأذكار«، و«رياض الصالحين«، وهما كتابان عظيمان مُهمَّان) ا.هـ. 5- وقال شمس الدِّين السَّخاوي (المتوفى 902 هـ) [18] : («رياض الصالحين«، و«الأذكار«، قلتُ: وهما جليلان لا يُستغنى عنهما، بل قال الشَّيخ في أثناء النِّكاح من «زوائد الرَّوضة« عن «الأذكار« ما نصُّه: وهو الكتاب الذي لا يَستغني عنه متديِّنٌ، انتهى كلامه) ا.هـ. 6- وقال الشَّيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني (المتوفى 1440 هـ) - مُصنِّف: «حصن المسلم من أذكار الكتاب والسُّنَّة«، أشهر الكتب المُعاصرة في الأذكار- [19] : (وقد ألَّف العلماء في الذِّكر وفضله والدُّعاء كتبًا عظيمة، ولم يغفلوا هذا الموضوع، بل كتبوا فيه كثيرًا، وعلى رأسهم الإمام النَّووي رحمه الله تعالى، وكتابه عظيم النَّفع في بابه، وقد قيل فيه: بع الدَّار، واشتر الأذكار) ا.هـ. سابعًا: من أنفس النُّسخ الخطِّيَّة لكتاب «الأذكار « : الأولى: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة تشستربيتي، رقم (4962)، بخطِّ: الشَّيخ كمال الدِّين أبي المعالي محمَّد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري ابن الزَّمَلْكَانِي الدِّمشقي (667 هـ - 727 هـ)، سمعها من لفظ أنجب تلامذة المصنِّف: العلَّامة علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ)، في مجالس آخرها يوم السَّبت 22 من شهر صفر سنة 695 هـ، وكتب له بخطِّه أنَّها قوبلت بأصله المقروء على الإمام النَّووي وعليه خطُّه، وتقع في (230) ورقة، وقد اعتمدَتها أصلًا دار المنهاج بجدَّة، ورمزَتْ لها بـ (الأصل). الثَّانية: نسخةٌ محفوظةٌ في مكتبة تشستربيتي، رقم (3049)، بخطِّ: الشَّيخ أبي العبَّاس شهاب الدِّين أحمد بن الأمير زين الدِّين أبي يوسف قراجا بن عبد الله الميداني، فرغ منها في مدَّة آخرها 2 من شهر رجب الفرد سنة 706 هـ، وقرأها على العلَّامة علي ابن العطَّار في مدَّة آخرها 18 من شهر شوَّال سنة 706 هـ، وقابلها بأصله المقروء على الإمام النَّووي، وأذن له بروايته عنه وأجازه، وفيها بلاغات بخطِّه، وعليها حواشي من إملائه، وتقع في (279) ورقة، سقطت منها الورقة الأولى، وهي من النُّسخ التي اعتمدَتها دار المنهاج، ورمزَتْ لها بـ (ب). الثَّالثة: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524)، بخطِّ: الشَّيخ أبي سُليمان جمال الدِّين داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار (المتوفى 752 هـ) -وهو ممَّن أخذ عن المصنِّف وأجازه [20] -، فرغ منها يوم الخميس 5 من شهر ربيع الآخر سنة 712 هـ، وسمعها بقراءة الشَّيخ أبي إسحاق برهان الدِّين إبراهيم بن علي بن إبراهيم المناخلي على أخيه لأبويه العلَّامة علي ابن العطَّار في مجالس آخرها يوم الثُّلاثاء 13 من شهر رجب سنة 712 هـ، وقابلها بأصله المقروء على الإمام النَّووي، وأجاز لهما روايته ورواية ما يجوز له تسميعه، وفيها بلاغات بخطِّ النَّاسخ وغيره، وبآخرها سماعات، وتقع في (245) ورقة [21] . الرَّابعة: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة مراد ملا، رقم (1240)، بخطِّ: ساعد بن مسعود العُبيدي الشَّافعي، فرغ منها يوم الثُّلاثاء 3 من شهر ذي القعدة سنة 721 هـ، وقابلها على نسخة قوبلت على نسخة المصنِّف، وقد قرأها مالكها الشَّيخ أبو الحسن نور الدِّين علي بن محمَّد بن موسى بن أحمد اليماني الشَّافعي على الشَّيخ المحدِّث أبي بكر تقي الدِّين عتيق بن عبد الرَّحمن بن أبي الفتح العُمَري المالكي (المتوفى 722 هـ) -وهو ممَّن أجازه المصنِّف مكاتبةً [22] -، بقراءته له على العلَّامة علي ابن العطَّار سنة 695 هـ، بحق قراءته له على مصنِّفه، وأجاز العُمري لمالك النُّسخة أن يرويه عنه وجميع ما تجوز له روايته بشرطه عند أهله، وصحَّح له بخطِّه بأنَّ الكتاب قوبل بأصله المنقول منه، وهو مقابل بالأصل أصل المؤلِّف، وجاء فيها أيضًا [135/أ]، [200/ب]: (قوبل أيضًا على نسخة قوبلت على المصنِّف، وأصله بيده، وعليها خطُّه في مواضع كثيرة، وهي مقابلة على المصنِّف مرَّتين مقابلة جيِّدة على حسب الطَّاقة)، وفيها بلاغات بخطِّ العُمري وغيره، وعليها حواشي، وبآخرها سماعات، وتقع في (200) ورقة [23] . هذا والله أعلم. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. [1] انظر: "حاشية ابن حجر الهيتمي على شرح الإيضاح" (ص 226)، و"الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية" (1/4). [2] "الإيضاح في مناسك الحج والعمرة" (ص 203). [3] "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (4/82). [4] "تهذيب الأسماء واللُّغات" (1/11). [5] "المجموع شرح المهذَّب" (2/36). [6] "المجموع شرح المهذَّب" (4/643). [7] "المجموع شرح المهذَّب" (3/488). [8] "روضة الطَّالبين" (2/36). [9] "روضة الطَّالبين" (7/29). [10] "روضة الطَّالبين" (10/233). [11] "روضة الطَّالبين" (10/238). [12] لمزيد من التَّفصيل حول ذلك يُنظر للجزء المنشور في الشَّبكة بعنوان: (تشنيف الأسماع بما كتبه الإمام النَّووي لتلاميذه من طباق السَّماع). [13] "إرشاد طلاب الحقائق" (1/373-377)، و"التقريب والتيسير" (ص 59)، و"روضة الطالبين" (11/158). [14] "ترجمة الشيخ محيي الدين يحيى الحزامي النووي الدمشقي الشافعي" (ص 49). [15] "سير أعلام النبلاء" (19/340). [16] "تفسير القرآن العظيم" (6/433). [17] "طبقات الفقهاء الكبرى" (2/ 711). [18] "المنهل العذب الروي" (ص 73). [19] "الذكر والدعاء والعلاج بالرقى من الكتاب والسنة" (ص 6). [20] قال ابن حجر العسقلاني في «الدرر الكامنة« (2/219): (ولد في شوال سنة 65[6]، فأجاز له ابن عبد الدائم، والنجيب، والنَّووي، وابن مالك، وغيرهم) ا.هـ، وذكره السَّخاوي ضمن الآخذين عنه في «المنهل العذب الروي« (ص 130)، فقال: (والجمال داود بن إبراهيم ابن العطَّار، أخي تلميذه العلاء علي) ا.هـ. [21] زوَّدني بها مشكورًا مأجورًا الشَّيخ الفاضل الباذل عادل بن عبد الرَّحيم العوضي، جزاه الله خير الجزاء. [22] كما في طبقة السَّماع بخطِّه بذيل صفحة عنوان النُّسخة: (وأخبرتُهُ به عن مؤلِّفه الشَّيخ الإمام العلَّامة الورع أبي زكريا يحيى بن شرف بن مرى النَّواوي إجازةً مكاتبةً كتبها إلينا من دمشق) ا.هـ، وهو ممَّن يُستدرك على السَّخاوي. [23] زوَّدني بها مشكورًا مأجورًا الشَّيخ المحقِّق المفيد محمَّد بن عبد الله السّريّع، جزاه الله خير الجزاء. |
الإعجاز الرباني في الأظافر والأسنان خَلَق الله عز وجل في الإنسان أشياءَ تزيده زينةً وبهاءً وجمالًا، وقد يظنُّ الإنسان أنها لا فائدة منها، لكن مع التأمُّل والتدبُّر تظهر عظمة الخالق جل وعلا في خَلْق الإنسان، وفي كل شيء، ولكي يكتشف هذه المعجزات في تركيب جسمه، فينظر إلى أعضاء جسمه ومكوناتها إذا كانت ظاهرةً، والقراءة عنها إذا كانت باطنة، ومِن ثَمَّ يحصل اليقين، وصدق الله عز وجل إذ يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]. فمن هذه الأشياء التي يتزيَّن الإنسان بها - وهو مأمور فيها بتطبيق سننِ الفطرة التي أخبر عنها الصادقُ المصدوق صلى الله عليه وسلم - تقليمُ الأظافر، ونظافةُ الأسنان، والعناية بها، وغير ذلك من السنن، وهذا ما سنحاول الكشف عنه في هذا المقال. نعمة وجود الأظافر: الظفر عضو ملحق بالجِلْد مثل الشعر، وهو مركَّب من مادة كيراتينية، ويغطِّي السلامى الأخيرة في أصابع اليدين والرجلين. وفوائد الأظافر كثيرة منها: ♦ أنها زينةٌ للأصابع. ♦ تحمي أطرافَ الأصابع، وتسندها، وتزيدها قوةً وصلابةً، وتجعلها أكثر رهافةً للحس. ♦ تساعد على أداء الكثير من الأعمال اليدوية بدقَّة متناهية. ♦ في مجال الطب يعرف من خلالها درجة فقر الدم (الأنيميا) حسب اللون ودرجة الاحمرار. ثَبَتَ علميًّا أنَّ نهاية الدورة الدموية تنتهي تحت الأظافر على هيئة شبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة جدًّا التي تعمل على تنظيم درجة حرارة جسم الإنسان؛ فالأظافر تحمي هذه الشبكة المهمة. تقليم الأظافر من سنن الفطرة: تقليم الأظافر : ومعناه إزالة ما يزيد عن ملامس رأس الإصبع من الظفر، وهو سُنَّة مؤكَّدة، وهو نوعٌ من النظافة التي حضَّ عليها الإسلام، وجعلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من خصال الفطرة؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من الفطرة حلق العانة، وتقليم الأظافر، وقص الشارب))؛ رواه البخاري، وهناك أحاديث كثيرة في تقليم الأظافر ومدتها. فمن المعلوم طبيًّا أنَّ الجراثيم والطفيليَّات والأوساخ تتراكم تحت نهايات الأظافر، فتكون سببًا للعدوى بكثير من الأمراض ومِن ثَمَّ فإنَّ تعاهد الأظافر بالقصِّ، وتعاهد الأيدي بالغسل قبل الطعام وبعد قضاء الحاجة، يُعدُّ وسيلةً وقائيةً مهمَّةً من تلك الأمراض، وتنصُّ بعض المراجع العلمية الحديثة على ضرورة قصِّ الأظافر وتقليمها لعلاج بعض الأمراض المعدية، ومنها مرض الديدان دقيقةِ الذيل كما يُستحَبُّ دفنُ قلامة الأظافر، وعدم إلقائها في القمامة؛ حتى لا تتكاثرَ الميكروبات وبويضات الديدان. الموانع الشرعية لإطالة الأظافر: إنَّ عدم قصِّ الأظافر وتركها تطول لتصبح (مخالب) بشريَّة - سواءً كان ذلك إهمالًا، أم جهلًا، أم كان متعمدًا على أنه تقليد موضة - هو خصلة ذميمة مخالفة لسنن الفطرة التي جاءت بها الشريعةُ الإسلامية، وتقليدٌ أعمى لأهل الكفر والضلال، وتشبُّه بالحيوانات والوحوش ذات المخالب، وسببٌ في منع وصول ماء الوضوء إلى مقدَّم الأصابع، وتراكمِ الوساخات تحت الأظافر. وهناك حكمة عظيمة من تقليم الأظافر عُرِضَت في بعض المؤتمرات العالمية، وهي أنَّ تقليمَ الأظافرِ يتماشى مع نظرة الإسلام الشمولية للزينة والجمال؛ فالله سبحانه وتعالى خَلَقَ الإنسان في أحسنِ تقويم، وجعل جمال الأصابع في تقليمها لاستعمالها في أعراضٍ شتَّى؛ فإطالتها تعوق هذا الاستعمال الذي خَلَق اللهُ من أجله الأظافر، والجزء الذي يزيد عن الأنملة لا قيمة له، ولذلك لا يجوز أن يزيد طولُها على رأس الأصبع؛ ليكون على قدر الغَرَض الذي وُجِد مِن أجله. الأضرار الصحية الناجمة عن إطالة الأظافر : 1- الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية الأنامل، تتجمَّع فيها الأوساخ والجراثيم وبيوض الطفيليات المسببة للعدوى. وهذه نصيحة نقدِّمها للنساء خصوصًا بعدم إطالة الأظافر؛ لأنَّ النساء هن اللواتي يحضرن الطعام، ويمكن أن يُلوثنه بما يَحملنَ من عواملَ ممرضةٍ تحت مخالبهنَّ الظفرية التي لا تزول بالماء والصابون؛ لأن الجراثيم غير مرئية، وتسكن في الجيوب الظفرية. 2- الزوائد الظفرية نفسها تحدث إصابات كثيرة وجروح في الجِلْد أثناء الحركة العنيفة. 3- منع وإعاقة الحركة الطبيعية للأصابع أثناء الإمساك بالأشياء. 4- تسبِّب الإطالةُ تقصُّفَ الأظافر بسبب كثرة اصطدامها بالأشياء، وكذلك خلخلة الأظافر وتضخُّمها لتصبح مشابهةً للمخالب. ومن المعروف أنَّ كتبَ الجراحة توصي أن يعتني الجرَّاحون والممرضات بقصِّ أظافرهم دومًا؛ لكيلا تنتقلَ الجراثيمَ إلى جروح المرضى أثناء إجراء العمليَّات الجراحيَّة. إعجاز نبوي: وضعت السنة النبوية حدًّا أعلى لا يزيد عنه المسلم في ترك أظافره، وهو أربعون يومًا، ويستحبُّ كل يوم جمعة أن يطبِّق الإنسانُ سننَ الفطرة مِن قصِّ الأظافر ونتف الإبط وغير ذلك؛ ليكون المسلم نظيفًا طيِّبَ الرائحةِ مستريحَ النفس. ومن هنا تتَّضح لنا روعةُ التعاليم النبويَّة في الدعوة إلى تقليم الأظافر كلما طالت، واتفاقُ هذه التعاليم مع ما اكتشفه الطبُّ الوقائيُّ وقواعد الصحة العامة. نعمة الأسنان : الأسنان عبارة عن أعضاء عظميَّة صُلبةٍ توجد في الفكَّين العلويِّ والسفليِّ، ومهمتها مضغ الطعام تمهيدًا لمروره بالمريء وهضمه في المعدة. يبدأ ظهور الأسنان تباعًا في فم الطفل في الشهر الخامس أو السادس من عمره حتى يكتمل له عشرون سنًّا (10 أسنان في كلِّ فكٍّ)، وبما أنَّ هذه الأسنان تظهر في فترةِ رضاعةِ الطفل، فإنها تسمَّى الأسنان اللبنية؛ أي: المؤقَّتة حيث تسقط فيما بعد لتحل محلَّها الأسنانُ الدائمة التي يبدأ ظهورها في السنة السادسة تقريبًا مِن عمر الطفل، وتكتمل قبيل البلوغ، وعددها 32 سنًّا موزَّعة على الفكَّين العلويِّ والسفلِّ بالتساوي، وآخِر ما يظهر منها ما يسمَّى بـ «ضرس العَقْل» في الفترة بين 17 - 30 سنة. حكمة ربانية: والحكمة واضحة جليَّة في أنَّ الخالق عز وجل قد جعل للإنسان طقمين من الأسنان، وبما أنَّ الأسنانَ اللبنية التي تظهر في سنِّ الطفولة الأوَّلي كثيرة التعرُّض للتلف بسبب طبيعة الطفل، وكثرة تعرُّضه للحوادث، فقد كان من حكمته وفضله سبحانه أنْ جعل للإنسانِ طقمًا آخَر من الأسنان يظهر عندما يكبر الطفل ويبلغ من الوعي ما يؤهِّله للمحافظة على أسنانه. ومن حكمةِ الخالق عز وجل أنْ جَعلَ الأسنان أعدادًا مفترقة، ولم يجعلها عظمًا واحدًا، فإن أصاب بعضَها تلفٌ انتفع بالباقي. وجمع فيها بين النفع والجمال والزينة، وجعلها صلبةً ليستْ كعظام البدن لشدةِ الحاجة إليها على الدوام، وجعل الأضراسَ أكبر حجمًا لأجل الحاجة إلى درس الغذاء، فإنَّ المضغ هو الهضم الأول، وجعل الثنايا والأنياب لتقطيع الطعام وجمالًا للفم الإنسانيِّ، ومن الدعاء الطيب: «لا فُضَّ فوك»، فسبحان مَن أَحْكَم أصولَها، وحدَّد ضروسها، وبيض لونها مع حمرة ما حولها، وجعلها متساويةَ الرؤوس، متناسبة التركيب؛ كأنها الدر المنظوم، فسبحان الخالق المصوِّر الذي أتقن كلَّ شيء وقدَّره تقديرًا. تركيب السن : تتكوَّن السن من جزأين رئيسيين هما التاج والجذر وبينهما العنق، ونسيجيًّا يتكوَّن من 3 طبقات. منطقة التاج: وتتكوَّن من: 1- اللب الداخلي. 2- العاج: وهو الجزء الحسَّاس في السنِّ، ولونه يميل للاصفرار، وهو مادة عظميةٌ ليست كعظام الجسم، ولكنها أقلُّ صلابةً؛ حيث تعمل على امتصاص الإجهاد العالي الواقع على المينا؛ مما يحول دون انكسارها. 3- المينا: وهو الجزء غير الحساس، لونه أبيض يغطِّي التاج؛ أي: إنها الطبقة الخارجية، وهي أشدُّ الطبقات قساوةً بالجسم، بلورية الشكل، وتتكوَّن من الكالسيوم والفوسفور وبعض المعادن، ولذلك فإنَّ المواد المستخدمة البديلة المصنعة التي تستخدم بديلًا عنها في حالة تَلَفِها تكون من البورسلين والفضة والذهب وخليط الزئبق مع بعض المعادن. أما منطقة الجذر: فتتكون من اللبِّ والعاج الذي يغطِّي الجذر وعنق السن والملاط؛ حيث تنغرس في تجاويفَ في الفكَّين مخترقةً اللثة. والأسنان تتغذَّى من خلال أوعية دموية تتخلَّل اللب إلى جانب وجود الأعصاب التي تربط الأسنان بمراكز الحسِّ في الدماغ؛ لكي تُحسُّ بمقدار الضغط الواقع عليها، وبدرجة حرارة الطعام والشراب. وظائف الأسنان: تؤدِّي الأسنان عدة وظائف مهمَّة هي: 1- المضغ من أجل تفتيت الطعام وتسهيل عملية البلغ والهضم. 2- جمال المظهر؛ فهي تكسب الوجه منظرًا جميلًا، وتعمل على تناسق أعضاء الوجه. 3- النطق؛ فهناك حروف هجائية لا يمكن نطقها إلا بواسطة الأسنان مثل الذال والظاء والثاء ... إلخ. الأسنان معجزة المعجزات : لا تحتاج الأسنان إلى قوالبَ لتصنيعها كما يفعل البشر، بل إنَّ كلَّ سنِّ من هذه الأسنان يبدأ تصنيعها من خلية واحدة فقط؛ فبعض الخلايا تصنع القواطع وبعضها النواجذ والأضراس، فسبحان الله الذي جعل هذه الخلايا تنشط في وقت معين بعد ميلاد الطفل، لا في أُمِّه مثل باقي الأعضاء التي يكتمل تصنيعها، ويمكن للإنسان أنْ يشاهد هذه المعجزة الربانيَّة من خلال مراقبة أسنان إخوانه وأبنائه، وهي تنبت في اللثة فتشقها، كما تشق النبتة ترابَ الأرض، ثم تنمو شيئًا فشيئًا إلى أن يكتمل تصنيعُها، ثم تتوقَّف تمامًا عن النمو بأمر ربِّ العالمين إلى الحدِّ المقدَّر لها. فتخيل أخي الكريم إذا نَمَتْ أكثر مِن المقدَّر لها ماذا يكون منظر الإنسان؟ فالمصنع الإلهي للأسنان يعمل بشكل بالغ الدِّقَّة؛ بحيث تأخذ كلُّ سنٍّ مكانَها الصحيح دون أن تتصادم مع بقية الأسنان والأعجب من ذلك أنَّ كلَّ إنسانٍ يختلف شكلُ أسنانه عن الآخَر، ولكن برامج التصنيع لجميع أسنانه قد تمَّ إحكامُها بحيث تنتج أسنانًا متناسقةً مع بعضها البعض حسب ما قدَّره وحدَّده ربُّ العزَّة على الشريط الوراثيِّ الذي في داخل هذه البرامج المنتجة للأسنان. ومن الإعجاز الرباني اختيار المادة التي تصنع منها الأسنان؛ بحيث لا تتآكل أو تنكسر مع أنها تمتدُّ على مدى عمر الإنسان، وخاصةً أنَّ الأسنان تستخدم كلَّ يوم في طحن الطعام لمدة ساعات، وتتعرَّض للعمل الشاقِّ والاحتكاك المختلف لأنواع المواد الكيميائية التي يحتويها الطعام وما يفرزه الفم من مواد هاضمة، وكذلك حرارة الطعام والشراب التي تعمل على تمدُّد وتقلُّص مادة الأسنان، بل الأكثر خطورةً على الأسنان هو بقايا الطعام؛ حيث تتكاثر البكتيريا على أسطح هذه الأسنان، وإفرازاتها للمواد السامة والأحماض التي تعمل على تخريب وتسويس الأسنان، وعلى الرغم من كلِّ ذلك، فإن هذه الأسنان تستمرُّ في أداء وظيفتها لما يقرب من مائة عام. عجز العلم الحديث أمام القدرة الربانيَّة: مما يثير الدهشة أنَّ الأسنان المصنعة بهذه الطريقة الربانيَّة تأخذ شكلها النهائي المطلوب؛ فإن رأس الإنسان يكاد يتصدَّع عندما يفكِّر قليلًا في عملية التصنيع ابتداءً من خلية واحدة، فهذه الخلية تنقسم ملايين المرات بحيث توضع كل خلية في مكانها الصحيح في جسم السِّنِّ. إنَّ أكثر ما يُحير العلماء في علم الأسنان، وخصوصًا هذه الطريقة الربانيَّة في تصنيع طبقة المينا؛ حيث إنها مادة غاية في الصلابة، فكيف يتسنَّى بها أن تنموَ بشكلٍ بطيءٍ، ومن ثَمَّ تأخذ شكلها النهائيَّ بمنتهى الإتقان. ومِن هنا يتضح لنا مدى صعوبةِ تصنيع هذه الأسنان عندما نشاهد الجهدَ الذي يبذله طبيبُ الأسنان ومختبراتُ ومعامل تصنيعِ الأسنان عند تركيب سنٍّ صناعية مكان السنِّ الطبيعيِّ، وصَدَقَ ربُّ العزَّة القائل: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [لقمان: 11]. العناية بالأسنان : لقد حضَّ الإسلامُ على العناية بالأسنان، وأَمَرَ بالسواك، ونهى عن ترك بقايا الطعام في الفم عند القيام ببعض العبادات؛ كالصلاة وقراءة القرآن، وغير ذلك من الآداب التي تساعد في المحافظة على صحة الأسنان والفم. والمقام لا يتسع هنا لحصر الأمثلة على حثِّ الإسلام على النظافة، ولكننا سنتناول جانبًا عنى به الإسلام أكثر، ألا وهو طب الفم. حيث إنَّ الفم هو المدخل الرئيسيُّ لأعضاء الجسم الداخلية (الجهاز الهضمي والتنفسي)، والمحتوي على الأسنان، والمتصل بالجهاز العصبيِّ، وهو أقرب المناطق إلى الجهاز العصبيِّ المركزيِّ (المخ)، لذا كانت آلامُه لا تحتمل، وجاء الطب الحديث بنصائحه المتعدِّدة في عناية الإنسان بأسنانه، وإذا ما أردنا تطبيقَ هذه المعلومات كَمَا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوب اهتمام الإنسان بنظافة الفم، حين قال صلي الله عليه وسلم: ((السواك مطهرة للفم مرضاةٌ للرب))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لولا أنْ أشقَّ على أمَّتي لأمرتهم بالسواك عند كلِّ صلاة))، ولقد ثَبَت علميًّا أنَّ تراكم الجراثيم وبقايا الطعام لا تزول إلا بالحكِّ الآليِّ، أو باستخدام السواك، ولقد سنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إزالةَ هذه الترسبات مِن على الأسنان حتى أثناء الليل؛ حيث ورد أنَّ النبيَّ كان إذا قام مِن الليل يشوص فاه بالسواك، وقد ذَكَرْنا في مقالةٍ سابقة بشيء من التفصيل فوائدَ السواك. فهذه الأحاديث تبيِّن لنا أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ باستعمال السواك في حقبة من الزمن لم تكن المعارف الطبيَّة قد توصَّلت لذلك؛ فهو أول مَن أمر بالعناية بنظافة الفم وحفظ صحة الأسنان. ولأهمية الأسنان فقد شرع الشارع القصاص في الجناية على الأسنان؛ لقوله تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ﴾ [المائدة: 45]؛ أي: القصاص بالمماثلة. حتى إنَّ في العصر الحديث أُنْشِئت كليات خاصة بالأسنان لأهميتها في حياة الإنسان؛ حيث إنَّ ألمَ الأسنان يجعل الإنسان غير مستقرٍّ في نومه ويقظته، عافانا الله وإياكم من آلامها. بعض النصائح التي تساعد على نظافة الأسنان: يمكن لكلِّ فرد أن يحمي نفسَه مِن تسوُّس الأسنان عن طريق: ♦ غسل الفم والأسنان بالسواك أو الفرشاة جيدًا بعد تناول الطعام. ♦ إزالة الترسبات الجيرية وعلاج تقرُّح اللثة عند طبيب أسنان. ♦ تجنُّب الإكثار من تناول السكريات والحلويات والمياه الغازية التي تقلِّل نسبةَ الكالسيوم في الجسم. ♦ اتِّباع نظام غذائيٍّ سليم، أو العودة قدر الإمكان إلى نوعية الطعام الغني بعنصر الفلور والكالسيوم. ♦ الحرص على تجنُّب تناول أطعمة إضافية بين الوجبات. ♦ حشو الشقوق والفراغات الموجودة بين نتوءات الأسنان؛ حتى نقلِّل من تجمُّع البكتيريا وبقايا الطعام بهذه الشقوق التي تنتج رائحة كريهةً، بسبب وجود هذه الكائنات الحيَّة الدقيقة في الفم التي تعمل على تكوين مواد غازية ذات رائحة كريهة، عن طريق هضم بقايا الطعام. ♦ علاج التسوُّس وعلاج العصب عن طريق طبيب الأسنان. ♦ الامتناع عن التدخين والكحول والتقليل من استهلاك القهوة. ♦ مضغ أوراق النعناع أو حبوب الهيل بين فترة وأخرى. ♦ ينصح معظم أطباء الأسنان باختيار الفرشاة الناعمة جدًّا. ♦ يجب تغيير فرشاة الأسنان عند تغيُّر شكل أليافها فقط، وليس ذلك محددًا بزمنٍ معين. ♦ الشاي الخالي من السكر وتناول الموز مفيدان لصحة الأسنان، وذلك لاحتوائهما على عنصر الفلورايد. تنظيف الأسنان يقوِّى الذاكرة: فقد أكدت دراسةٌ جديدة أنَّ المحافظة على الأسنان نظيفةٌ يقوي الذاكرة، وينشِّط خلايا الدماغ، وقد لاحظ طبيب أمريكيُّ أنَّ عدمَ تنظيفِ الأسنان يؤثِّر على الصحة العقليَّة؛ حيث إنَّ غشاء البكتريا (البلاك) العالق بين الأسنان من الممكن أن يسبِّب ردَّ فعلٍ مناعيًّا ينعكس على شرايين القلب؛ حيث يعوق وصول مغذيات ضرورية للخلايا الدماغية، وهذا ليس بغريب؛ حيث أَبْلَغَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم الذي ما جاءتْ أوامرُه وتوجيهاته إلا لصالح البشرية؛ فنظافة الأسنان كما أَمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تتفق مع الحقائق العلمية التي فيها منفعة للبشرية كلِّها. أثر التدخين على الأسنان: تتلوَّن أسنانُ المدخِّنين عادةً بلونٍ أسودَ لا يزول بالفرشاة والسواك، ويزداد هذا اللون كلَّما ازداد المدخِّن تدخينًا، وتكبر المشكلة وتتعقَّد عندما يهمل المدخِّن نظافةَ أسنانه، فتتراكم عليها كمياتٌ كبيرة من الترسبات الناتجة عن دخان التبغ؛ مما يؤدِّي إلى حدوث التهابات في اللثة، ويكون الاصطباغ باللون الأسود عادةً على أشُدِّه في الناحية الخلفية للأسنان الأمامية؛ حيث يتجمَّع الدخان الكثيف في جوف الفم، ويصطدم بهذه السطوح عند نفخه باتجاه الخارج، ولذلك يجب على المدخنين العناية بغسل الأسنان والفم بالفرشاة، واستعمال السواك لِما له من فوائدَ عظيمةٍ. وكذلك أثر مبسم النرجيلة السيئ على الأسنان، بسبب ضغطها المستمر على الأسنان؛ مما يؤدِّي إلى اعوجاج الأسنان وانصرافها عن وضعها الأصلي، ويُفقدها جمالها وتناسقها. |
التجريب السياسي التاريخي والتاريخ السياسي وعلاقتهما بسياسة المجتمعات أولًا: العلاقة بين التاريخ السياسي والتجريب السياسي التاريخي: ا لتاريخ السياسي هو: "كل ما لدينا الآن من وثائق عن الأحداث السياسية التي وقعت في الماضي". أما التجريب السياسي التاريخي، فهو: " أي أفكار سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، صاغها أحد المفكرين أو بعضهم في الماضي، وتم تطبيقها في مجتمع ما في زمن ما في الماضي، بهدف خلق نظام سياسي يؤثر على البناء السياسي والاجتماعي للمجتمع الذي طُبقت فيه، وعلى العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين أفراده وشرائحه". مثال توضيحي لما سبق : "سادة أفكار في القرون الوسطى في المجتمعات الغربية أن الكنيسة ظل الله في الأرض، وأنها هي التي تمنح صكوك الغفران، وأن من حق الباباوات السيطرة على الحكم والمجتمع، وبناءً على تلك الأفكار سيطر الباباوات على الحكم والاقتصاد والمجتمع، واستعبدوا الناس، وبذلك فإن تطبيق هذه الأفكار في زمانها، وتفاعل الناس معها بالخضوع، كان تجريبًا سياسيًّا، بمعني: أنها لم تكن لها نتائج إيجابية أو سلبية محددة، ومعروفة قبل التجريب، وإنما اتضحت نتائجها النهائية في نهاية التجريب الذي أصبح تاريخيًّا سياسيًّا بعد نهاية حقبة سيطرة الكنيسة على المجتمع الغربي. وبذلك فإن التجريب السياسي التاريخي باختصار هو: "أفكار تم تطبيقها في مجتمع ما في الماضي بهدف إحداث تأثير سياسيي معين، وترتب عليها تأثيرات اقتصادية واجتماعية بينيَّة؛ أي بين افراد المجتمع، وبين شرائحه في زمن التطبيق". وبذلك إذا دقَّقنا نجد أن التجريب السياسي التاريخي والتاريخ السياسي يمثلان وجهين لعملة واحدة، ففي حين يمثل التجريب السياسي التاريخي الجانب الحي الذي كان يتحرك في الماضي من التاريخ السياسي، نتيجة لتفاعل أفراد المجتمع بالقبول أو الرفض، مع الأفكار التي فرضوها على أنفسهم أو فُرضت عليهم حينَئذ، فإن التاريخ السياسي يمثل الجانب الساكن في الحاضر الذي نجم عن التجريب السياسي في الماضي، ويتمثل ذلك في الوثائق التي تحتوي على ما حدث في الماضي. سمات التجريب السياسي التاريخي: يتميز التجريب السياسي التاريخي بعدة سمات، هي: أولًا: أنه يقع في الماضي، وإيجابية نتائج أفكاره غير مؤكدة، حتى بالنسبة لمن يقومون بتطبيقها؛ لأنه ثبت أن الأفكار السياسية لا يصلُح تطبيقها على عينة صغيرة؛ لكي يتم التأكد من صلاحية نتائجها كما يحدث في التجريب العلمي، ولكن يتم التعرف على نتائجها من خلال تطبيقها على الواقع الفعلي للمجتمع دَفعةً واحدة، ولذلك فإن التعرف على آثار نتائجها يكون بعديًّا؛ أي بعد حدوث آثارها على المجتمع. مثال للتوضيح : لو تم تطبيق بعض الأفكار الاقتصادية في مجتمع ما في الماضي، ولكن كانت آثار هذه الأفكار وخيمة، ولذلك أسفر تطبيقها عن صراعات واضطرابات وقلاقل، وانهيارات في جميع المجالات أدت إلى سقوط الفصيل الحاكم في النهاية، في حين تم تطبيق أفكار اقتصادية في مجتمع آخر أدت إلى نهوضه وازدهاره، وأسفر ذلك عن تمسك المجتمع بها حكامًا ومحكومين. وبذلك إذا دقَّقنا في المثلين السابقين، نجد أن نتائج التجريب السياسي لم يتم التعرف عليها إلا بعد حدوث الكارثة في المجتمع الأول، وحدوث الطفرة في المجتمع الثاني. ثانيًا: يعتمدالتجريب السياسي التاريخي على اعتقاد أو ظن أو تَوَهُّم أو ادعاء ظاهر، بأن تطبيق هذه الأفكار سوف يؤدي إلى نهوض المجتمع سياسيًّا واجتماعيًّا، أو سوف يجعل المجتمع أفضل، أو سوف يحقق غايات ورغبات كان يتمناها المجتمع، ولكن في الباطن ربما تختلف الأمور. ولذلك فإن مثل هذه الأفكار ربما تمثِّل أحيانًا طوق نجاة لمجتمع على وشك الانهيار، وأحيانًا تمثل خداع كارثي للمجتمع الذي لا يعلم شيئًا عما يدور خلف الكواليس، وأحيانًا تمثل خدمة لفصيل دون غيره من الفصائل؛ لكي يستحوذ على النظام السياسي والاجتماعي في المجتمع، وأحيانًا يكون الهدف منها تدمير نظام سياسي اجتماعي قائم بالفعل. ومثال على ذلك الخداع السياسي والاجتماعي : تلك الأفكار التي صاغها إبليس، وارتكزت على عنصر أساسي وهو الأكل من شجرة الخلد، وكان يهدف من ذلك إلى تدمير النظام السياسي والاجتماعي الذي كان يسير عليه المجتمع البشرى في الجنة، والذي كان يتكون آنذاك من آدم وحواء فقط. وهنا لم يعتمد مجتمع آدم وحواء على حقائق ثابته قدَّمها لهما إبليس، ولكن كان مجرد اعتقاد منهما يحتمل الصواب والخطأ، بأن ذلك سيحقق لهما الخلود البدني والروحي والسياسي، ولذلك ظنَّا أن أكلهما من الشجرة سيغير من طبيعتهما البشرية الفانية، وسيؤدي إلى امتلاكهما لبنيةً جسدية وروحية خالدة لا تفنى. أما على المستوى السياسي، فظنَّا أن أكلهما من الشجرة سيحقق لهما ملكًا دائمًا لا يزول: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]، وكانت نتيجة قبول آدم وحواء لهذه الأفكار التي عمل إبليس على بثها، والدعاية لها، كارثة على مجتمعهما، وقد تمثلت هذه الكارثة في انهيار تلك المجتمع. وقد تمثل هذا الانهيار في طردهما من الجنة مجتمع السلام والراحة والسكون، إلى الأرض مجتمع الشقاء والعمل والكدح والمعاناة من أجل المحافظة على النفس والذرية، ولم يعد لهما الحق في العودة إليها مرة ثانية، ما دام أنهما على قيد الحياة، وذلك لأن قوانين المجتمع قد تغيرت، فقوانين الأرض عند الله تعالى تختلف عن قوانين الجنة التي عاشا فيها، بالرغم من توبتهما، وقبول الله تعالى لهذه التوبة : ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ﴾ [طه: 121، 122]. ثالثًا: النتائج والنيات من تطبيق التجريب السياسي التاريخي تكون غامضة، وغير معروفة، وتحمل في طياتها مجازفة كبيرة، إلى أن يحدث تأثيرها على المجتمع؛ وذلك لأن أفكاره تقوم على تصورات تحتمل الصواب والخطأ سياسيًّا واجتماعيًّا، ولذلك فإن التأكد من إيجابية هذه الأفكار وصدقها يكون بعد معرفة آثارها على من تم تطبيقها عليه. مثال للتوضيح: لم يتم التعرف على نتائج الشيوعية السلبية على مجتمع الاتحاد السوفيتي إلا بعد أن تسببت في انهياره وتفكُّكه. ثالثًا: طرق الاستفادة من التجريب السياسي التاريخي: إن الفائدة الكبرى من التجريب السياسي التاريخي، ليست في المجتمع الذي تم تجريب الأفكار السياسية فيه لأول مرة في الماضي، ولو كانت هذه الأفكار قد حققت فائدة تمثلت في طفرة نهضوية هناك، وذلك لأن المجتمع الذي يجرب أفكارًا لم تُجرب من قبلُ، يأخذ الكثير من الوقت والجهد، ويخاطر بانهياره، إذا كانت لهذه الأفكار نتائج عكسية عليه، كما حدث في الاتحاد السوفيتي، وإنما فائدته تكمن في توفير الوقت والجهد في المجتمعات اللاحقة؛ حيث لا تضطر المجتمعات التي تأتي بعده إلى المخاطرة باستخدام أفكار جديدة لم تُستخدم من قبلُ، ويمكن أن تستغرق عشرات أو مئات السنين قبل أن تظهر نتائجها، ويمكن أن تأخذ جهد أجيال متلاحقة لتزيل آثارها إذا كانت سلبية. مثال للتوضيح : لو افترضنا أن فصيل ما في الماضي، استخدم فكرة بث الإرهاب، والخوف والرعب المستمر في نفوس افراد المجتمع الذي أراد السيطرة عليه؛ مما أدى إلى إصابة أفراد هذا المجتمع بالجبن وعدم القدرة على المواجهة، ولذلك عندما تعرض هذا المجتمع لهجوم من مجتمع آخر، خارت قُواه؛ نتيجة لجبن أفراده، ونزلت به هزيمة أدت إلى انهياره وخضوعه التام، ثم تلاشيه بعد ذلك. فلو أن المؤرخين الذين عاصروا تلك الأحداث التي مرَّ بها تلك المجتمع المتلاشي، قاموا بتدوينها تدوينًا دقيقًا شمل كلَّ جوانبها، وبدقة، فإن باحث التاريخ السياسي في المجتمعات اللاحقة، يستطيع تحقيق الفائدة منها. ولكن هذا يتطلب من الباحث تحليل محتوى التاريخ السياسي للمجتمع السابق، ودراسة نتائجه؛ لكي يتوصل من خلال ذلك إلى الأسس والمعايير السياسية والاجتماعية التي أثرت في المجتمع السابق بالإيجاب أو السلب، حتى يتم قَبولها أو رفضها في مجتمعه الحالي، ولذلك فإن باحث التجريب السياسي التاريخي يعتمد على ما لديه من وثائق في دراسة ما حدث في مجتمع ما في الماضي، ونتائجه السياسية والاجتماعية والاقتصادية على تلك المجتمع، ثم التوصل من خلال ذلك إلى الأسس والمعايير والقوانين السياسية التي يجب استخدامها في إدارة مجتمعه الحالي، لكن توجد بعض المشكلات التي يمكن أن يتعرض لها باحث التاريخ السياسي، ولكن هذا سيتم تناوله في مقال آخر بمشيئة الله. |
شروحات د. عبدالكريم الخضير بدار طيبة الخضراء صدر حديثًا مجموعة قيمة من شروحات فضيلة الشيخ د. " عبدالكريم بن عبدالله الخضير " عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة، وهي: 1) شرح المنظومة الحائية، لابن أبي داود رحمه الله . 2) شرح لامية شيخ الإسلام، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . 3) شرح المنظومة الميميّة في الآداب الشرعية، للعلامة حافظ الحكمي رحمه الله. وجميعها صدرت عن "دار طيبة الخضراء". وأصل هذه الكتب مجموعة من الدروس الصوتية التي ألقاها فضيلة الشيخ " عبدالكريم الخضير " على طلابه في شرح مجموعة من المنظومات في تقرير العقيدة، فشرح المنظومة الحائية مجموعة من الدروس ألقاها الشيخ عام 1426 هـ. و" الحائية " قصيدة في العقيدة وأصول الدين، نظمها الإمام المحقق والحافظ المتقن شيخ بغداد أبي بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ابن صاحب السنن الإمام المعروف، رحمهما الله. وهي منظومة شائعة الذكر، رفيعة الشأن، عذبة الألفاظ، سهلة الحفظ، لها مكانة عالية ومنزلة رفيعة عند أهل العلم في قديم الزمان وحديثه. وقد تواتر نقلها عن ابن أبي داود - رحمة الله - فقد رواها عنه غير واحد من أهل العلم كالآجري، وابن بطة، وابن شاهين وغيرهم، وثلاثتهم من تلاميذ الناظم، وتناولها غير واحد من أهل العلم بالشرح. والمنظومة تحتوي على بضع وثلاثين أو أربعين بيتًا، ينتهي كل بيت منها بحرف الحاء. قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في النونية: وكذا الإمام ابن الإمام المرتضى حقا أبي داود ذي العرفان تصنيفه نظمًا ونثرًا واضح في السنة المثلى هما نجمان وقد قدَّمَ الشيخ الخضير لشرحه المختصر النافع للمنظومة بمقدمة نافعة وبين أنها طُبعت في مطبعة الترقي بدمشق سنة (1350هـ)، ضمن مجموع يشمل: ( نجاة الخلف في اعتقاد السلف ) للشيخ عثمان بن أحمد النجدي، و( عقيدة السفاريني ) ثم عقيدة أبي بكر بن أبي داود، وطبعت أيضًا في نسخ ضمن مجموع يضم إضافة إلى الحائية عقيدة أبي الخطاب الكلوذاني، وعقيدة أبي الحسن الأشعري، وذم التأويل لابن قدامة، والتحف في مذاهب السلف للشوكاني، وفتوى الشيخ عبد المجيد سليم مفتي الديار المصرية، هذه المجموعة مطبوعة في مطبعة المنار بمصر سنة (1351هـ) والطبعتان كلاهما فيه شيء من العناية والتحقيق والتصحيح والتصويب، وما فيها من فروق مع الطبعات الجديدة بينه الشيخ أثناء شرحه الماتع على كل بيت من أبياتها الثلاث والثلاثين. أما لامية شيخ الإسلام ابن تيمية فتضمنت بيان معتقده رحمه الله تعالى الذي هو معتقد أهل السنة والجماعة في جملة من المسائل، ومنها محبة الصحابة الكرام والثناء عليهم، واعتقاد تفاضلهم فيما بينهم، ومحبة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومجانبة مسلك الطوائف الضالة من الغلاة المنحرفين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، كالشيعة والخوارج. وبيَّنَ الشيخ الخضير في مقدمته النافعة للامية شيخ الإسلام بأن أبياتها ستة عشر بيتًا، وهذه الأبيات الستة عشر تسمى ( لامية ) لأن أواخر الأبيات تنتهي بحرف اللام، وقد وجدت بين رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، يعني في المخطوطات، يوجد قبلها رسالة لشيخ الإسلام وبعدها رسالة، وكتب على بعضها (عقيدة ابن تيمية) ولذا قالوا: " اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية " اللامية باعتبار أن حرف الروي فيها اللام، وباعتبار أنها وجدت بين بعض مصنفاته، وإلا فليس فيها ما يدل على أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولم تذكر في مؤلفاته، حيث لم يذكرها ابن القيم - رحمه الله تعالى- في ضمن مؤلفات شيخ الإسلام، ولذا يقولون: المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن الكلام الموجود فيها حق، سواء كان لشيخ الإسلام أو لغيره - رحم الله الجميع -، وما دام الكلام حقًا فلطالب العلم أن يعنى بها، فهي منظومة طيبة على اختصارها حوت ما اُتفق عليه من مسائل الاعتقاد، فهي منظومة جيدة، وعلى طالب العلم أن يعنى بها ويحفظها، وينظر في شروحها، وبين الشيخ الخضير أنه لم يعرف لها شرحًا للمتقدمين حتى وقت شرحه للمنظومة. أما المنظومة الميمية في الآداب الشرعية فهي منظومةٌ نافعةٌ مكونةٌ من (247) بيتًا، وجَّهها الشيخ العلامة حافظ بن أحمد الحكمي - رحمه الله تعالى - لطلاب العلم؛ حيث تضمَّنت وصايا وآداب عامة ينبغي التحلِّي بها طالب العلم، وقد قام المؤلف - حفظه الله - بشرحها شرحًا مُفصَّلًا، مُبيِّنًا مقاصدها، مُستنبطًا فوائدها، مع شفعه بكلام أهل العلم. وقدم لها ببيان لمكانة العلم الرفيعة ومنزلته الشريفة، وساق فيها مجموعة من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية في فضل طلب العلم ومنزلته ومكانته. وكذلك ضمن هذه المنظومة ما ينبغي أن يعنى به طالب العلم من العلوم، وذكرَ العلوم والتدرج فيها، وطريقة التلقي، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه المنظومة النافعة. وهي منظومة حافلة بالمعاني العظيمة والآداب الكريمة التي هي حلية كل طالب علم. والشارح هو فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم الخضير ولد في بريدة سنة 1374هـ. دخل المدرسة الابتدائية سنة 1381 هـ ثم تخرج منها سنة 1386 هـ على إثرها دخل المعهد العلمي في بريدة سنة 1387 هـ وتخرج فيه سنة 1393 هـ ثم التحق بعدها بكلية الشريعة بالرياض في السنة نفسها وتخرج فيها سنة 1397 هـ، ثم عين معيدًا بكلية أصول الدين في قسم السنة وعلومها، ثم واصل وتابع الدراسة العليا فحصل على درجة الماجستير سنة 1402هـ وكانت رسالته بعنوان: (الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به). ثم بعد ذلك في سنة 1407هـ حصل على شهادة الدكتوراه وكانت رسالته بعنوان: ( تحقيق النصف الأول من فتح المغيث بشرح الفية الحديث للحافظ محمد بن عبدالرحمن السخاوي) ، عين أستاذًا مساعدًا في قسم السنة وعلومها بكلية أصول الدين، وعمل بها أستاذًا مساعدًا إلى أن تقاعد مبكرًا في 27 /8 /1424 هـ وهو ابن خمسين سنة، وفي يوم 19 /2 /1430 صدر الأمر الملكي بتعيين الشيخ حفظه الله عضوًا في هيئة كبار العلماء. في سنينه الأولى قرأ على الشيخ محمد بن صالح المطوع رحمه الله مبادئ العلوم (ثلاثة الأصول - وآداب المشي إلى الصلاة - وزاد المستقنع وكتاب التوحيد) وغيرها من المتون في أصول العلم.. ثم قرأ ولازم صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن أحمد الخريصي رئيس محاكم القصيم في وقته رحمه الله، ثم انتقل إلى الرياض فقرأ على الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن الغديان في أصول الفقه والقواعد الفقهية، وعلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله في ( الفرائض وفي تفسير ابن كثير وفي سنن الترمذي ) وغيرها من الكتب، وقد لازمه وقرأ عليه في المسجد وفي بيته رحمه الله.. ثم بعد تخرجه من كلية الشريعة وفي السنة التمهيدية تفرغ لجرد المطولات وقراءتها والتعليق عليها واستخراج مكنوناتها فقد قرأ حفظه الله في كتب التفسير والحديث وكتب العقائد وقد قرأ أيضًا في كتب الفقه والتاريخ والأدب، ثم قرأ على الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم أوائل شرح البخاري للحافظ بن حجر، وأما بالنسبة لشيوخه في المعهد العلمي في بريده فمنهم الشيخ صالح السكيتي والشيخ على الضالع والشيخ محمد الروق رحمهم الله والشيخ فهد بن محمد المشيقح حفظه الله وغيرهم! وأما بالنسبة لشيوخه الذين تتلمذ على يديهم في كلية الشريعة فنذكر منهم الشيخ فهد الحمين والشيخ عبد العزيز الداود والشيخ عبد العزيز الفالح والشيخ عبدالرحمن السدحان حفظهم الله وغيرهم من العلماء والمشائخ. • كما يتجلى حرص الشيخ حفظه الله على طلب العلم من خلال مكتبته العلمية العامرة بأصناف الكتب والمخطوطات تعد مرجعًا لكثير من الباحثين. وللشيخ مشاركات علميه كثيرة من خلال إشرافه على الرسائل المقدمة لنيل درجة الماجستير والدكتوراه في قسم السنة وعلومها، ومن خلال دوراته العلمية المتنوعة والتي تم تسجيل كثير منها، ومن ذلك: (شرح كتاب الصيام من زاد المستقنع- وكتاب الحج من الكتاب نفسه- وشرح حديث جابر في الحج - وشرح نخبة الفكر ونظمها - وشرح الورقات ونظمها ) وشروح كثيرة وأكثرها مسجل ولله الحمد. كما أن للشيخ أيضًا مشاركات إذاعية في إذاعة القرآن الكريم وهي: ♦ أول هذه البرامج لقاء في موكب الدعوة تحدث فيها عن حياته العلمية والعملية أجرى هذا اللقاء الاستاذ محمد المشوح أذيع سنة 1420هـ. ♦ كما أن له ثلاثون حلقة في فقه الصيام نشر في رمضان سنة 1421هـ. ♦ كما أن له أيضًا درس أسبوعي في الإذاعة نفسها في شرح مختصر صحيح البخاري للزبيدي. ♦ كما أن له ثلاثون حلقة في الهدي النبوي في رمضان أذيع سنة 1423هـ. ♦ كما أن له ثلاثون حلقة في الشمائل النبوية أذيع في رمضان سنة 1424هـ. ♦ كما أن له ثلاث عشرة حلقة في فقه الامام البخاري في الحج أذيع في موسم الحج سنة 1424هـ. ♦ كما أن له لقاءات في الاذاعة نفسها حول مكتبة طالب العلم. ♦ كما أنه يجيب عن أسئلة المستمعين في اذاعة القرآن ويبث كل يوم جمعة في الرابعة عصرًا. وللشيخ دروس علمية متفرقة على فترات في أكثر أيام الأسبوع وقد قرأ عليه حفظه الله في دروس سابقة كثير من المتون والشروح العلمية منها ما أتم كاملًا ومنها ما قرأ بعضها نذكرها بإيجاز: (شرح الورقات للمحلي، القلائد العنبرية في شرح المنظومة البيقونية، خلاصة الكلام، التعليقات السنية على العقيدة الواسطية لابن سعدي، التوحيد لابن خزيمة، مختصر قواعد ابن رجب لابن سعدي، شرح علل الترمذي، فتح الباري، ألفية الحديث، البلبل في أصول الفقه، الباعث الحثيث، قصب السكر، الموطأ، مسند الإمام أحمد، المنتقى للمجد ابن تيمية، فتح المجيد، كتاب التوحيد، تيسير العزيز الحميد، قرة عيون الموحدين، الآجرومية، أخصر المختصرات، المفهم شرح مختصر صحيح مسلم للقرطبي، الموقظة للذهبي، فتح المغيث، الكافي لابن قدامة، ثلاثة الأصول، الأربعين النووية، الدرر السنية، تفسير الجلالين، تفسير ابن كثير). مؤلفاته: 1) الحديث الضعيف وحكم الاحتجاج به ( مطبوع ). 2) تحقيق النصف الأول من فتح المغيث للسخاوي ( مطبوع ). 3) تحقيق الرغبة شرح النخبة ( مطبوع ). 4) شرح قصب السكر. 5) شرح الورقات. 6) شرح التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح. وله تعليقات وتنبيهات على أمهات الكتب والشروح من كتب التفسير والحديث والعقيدة وغيرها. |
مرض التطفيل بين الطب النفسي والدين من الأمراض النفسية التي تكلم عنها الطب النفسي مرضُ التطفيل، أو الطفالية، أو الطفيلية، ويسمَّى بمرض العودة للطفولة، وهو مرض نفسي خطير معناه: أن يرغب الشخص رغبة حقيقية داخلية لا يمكنه الخلاص منها في أن يكون طفلًا، ويصرح بذلك، ولا يقف الأمر عند مجرد رغبة، فيأتي بأفعال الأطفال من الكلام بأسلوبهم، والتصرف بتصرفاتهم، فيتخلى عن مسؤولياته المنوط بها، ثم يتقوقع في سرير طفولته، أو حضن أمه، أو يلزم الخضوع والخنوع لمن يدبر له حياته دون أي تدخل منه، بل قد يصل الأمر إلى رغبته في لبس الحفاضات والتبول الليلي، ونحو ذلك. أسباب مرض العودة للطفولة: ويحدث ذلك نتيجة لصدمة نفسية يمر بها تؤثر على الدماغ، فتعاود ذكريات الماضي الذي كان الشخص فيه طفلًا، يتحمل عنه والداه كل شيء، فلا مسؤولية على عاتقه. وهذا المرض فيه هروب من الواقع الأليم الذي يعجز المريض عن مقاومته، فحاله حال كثير من الأمراض النفسية فيه لون تهرُّبٍ. مرض العودة للطفولة من منظور القرآن الكريم: لقد شخَّص القرآن الكريم مرض العودة للطفولة، وأشار إشارة واضحة إليه وهو يحدثنا عن فصيل ممن دخلوا في الكهولة - وهي مرحلة عمرية متأخرة - فأُصيبت أدمغتهم، وضعُفت ذاكرتهم، وتداعت أمراض الشيخوخة عليهم، فبدأت تظهر عليهم علامات وصفات الفقدان للمعلومات التي اكتسبوها في حياتهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ [النحل: 70]. ونفس الصفة - وهي عدم المعرفة - يثبتها القرآن الكريم للطفل الذي خرج حديثًا من بطن أمه؛ يقول سبحانه في حق الطفل: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [النحل: 78]. فالعامل المشترك بين الطفل والكهل الذي أُصيب في دماغه هو عدم العلم والمعرفة؛ فالأول فاقد للعلم والمعرفة لانعدام الخبرات، والثاني فاقد لذلك أيضًا لفقد الدماغ جُلَّ مكتسباته وخبراته، وربما كلها. وإنما خصصت الكهل بكونه مصابًا في دماغه هنا؛ لأن هناك مَن يعمر ويكبر سنُّه فيظل بقوته العقلية، بل وربما يزداد خبرة في شؤون الحياة، فيكون مرجعًا يفيد منه مَن حوله؛ ولذا كان القرآن الكريم في غاية الدقة حين أتى بـ(من) التبعيضية، فقال: ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ... ﴾، ولم يقل: (وكلكم يرد). ومما ذكروا من تدريبات عقلية تحفظ للدماغ طاقته وقوته في الحفاظ على المعلومات، والقدرة على استرجاعها - حفظُ القرآن الكريم، فكلما كان شغفك بالحفظ وانشغالك به، كانت الطاقة العقلية والقدرة الدماغية عندك أقدر على استرجاع المعلومات، وهو ما يتناقض ويتعارض مع مرض العودة للطفولة، والله تعالى أعلم. |
قواعد وضوابط منهجية للردود العقدية لأحمد قوشتي عبدالرحيم صدر حديثًا كتاب " قواعد وضوابط منهجية للردود العقدية "، تأليف: د. " أحمد قوشتي عبدالرحيم "، في مجلدين، نشر " مركز تكوين للدراسات والأبحاث ". يوجه الكاتب أنظار الباحثين في هذا الكتاب إلى أهمية ميدان التأصيل والترشيد والتقعيد المنهجي لباب الردود العقدية على المخالفين من داخل الملة وخارجها، من خلال ذكر ما أمكن تتبعه من القواعد والضوابط المهمة، مع بيان المراد بها، والتدليل عليها، وذكر بعض الفوائد والتطبيقات التي يمكن أن توظف فيها تلك القواعد والتطبيقات. يقول الكاتب في مقدمة دراسته: « من مقتضيات الصراع بين الحق والباطل، ولوازمه التي لا يتصور انفكاكها، أن يتعرض المعتقد الحق إلى افتراءات كاذبة، وشبهات مضللة، وأن تحدث انحرافات، وتظهر بدع وافتراقات، وكل ذلك يستوجب قيام أهل العلم بما افترضه الله عليهم من واجب البيان، وتبليغ العلم، والذب عن الدين» (1 /15). وقد جمع الكاتب معظم القواعد والضوابط والإشارات المنهجية التي تختص بالمجال العقدي، والشبهات الواردة فيه، وقد بلغ عدد القواعد والضوابط التي اشتمل عليها الكتاب مائة وخمسًا وثمانين (185) قاعدة وضابطًا، وزعت على أربع أقسام رئيسة: القسم الأول: قواعد وضابط متعلقة بحكم الرد على المخالفين، وضوابطه، وصفات القائمين به. القسم الثاني: قواعد وضوابط متعلقة بفهم مقالات المخالفين، وأسباب ظهورها، ونسبتها لأصحابها. القسم الثالث: قواعد وضوابط متعلقة بمنهجية الرد، وأصوله، وطرقه. القسم الرابع: قواعد وضوابط متعلقة بأخلاقيات الرد على المخالفين، وكيفية التعامل معهم، والحكم عليهم. وقد بين الكاتب أنه في تلك الدراسة لم يهتم بالتتبع التفصيلي للقواعد والضوابط العقدية الخالصة التي تخص بابًا ما من أبواب الاعتقاد، كالأسماء والصفات أو القدر أو النبوات وغيرها، أو القواعد التي تختص بالرد على فرقة أو نحلة ما، أو قواعد الجدل والمناظرة المبثوثة في كتب ذلك الفن، وإنما كان التركيز قدر الإمكان على القواعد والضوابط المنهجية، التي تفيد في باب الرد على المخالفين بصفة عامة. وبذلك تعد هذه القواعد مختصة بالردود على المخالفين في المسائل العقدية المنهجية، وهؤلاء المخالفون على مرتبتين: فإما أن يكونوا خارجين عن دائرة الإسلام بالكلية، والخلاف معهم في أصول العقيدة وأركان الإيمان الكبرى، ويصدق هذا على الملل والأديان والمعتقدات غير الإسلام، مثل اليهودية والنصرانية والهندوسية والبوذية والملحدين، وإما أن يكونوا من المنتسبين للإسلام، لكنهم خالفوا عقيدة أهل السنة والجماعة في أصل أو مسألة من مسائل المعتقد التي لا يسوغ الخلاف فيها، ويدخل في ذلك سائر الفرق المبتدعة قديمًا وحديثًا. ونجد أن بعض القواعد والضوابط المذكورة والتي تم إيرادها ربما لا تُوظف بصورة مباشرة في باب الرد العقدي، لكنها مهمة في فهم ظهور البدع والضلالات، ونشأة الفرق والطوائف، وتطورها، وتأثر بعضها ببعض، ولا شك أن هذا الفهم أحد مراتب الرد، والحكم على الشيء، ثم رد باطله مرهون أولًا بحسن فهمه وتصوره. ونجد أن بعض القواعد المذكورة بالدراسة صالحة للاستفادة منها في المجالين العقدي والفقهي لا سيما ما كان منها متعلقًا بضبط منهجية التفكير في التعامل وأخلاقياته، ومناقشة الحجج، بغض النظر عن الميدان العملي الذي تندرج في عداده. وقد بين الكاتب في دراسته أن الرد على المخالفين من فروض الكفايات، وباب من أبواب الجهاد وأنه لا يرد على الشبهات إلا من كان مؤهلًا لذلك، وتصدي غير المؤهلين فتنة للناس، وضرر عظيم للقضية العقدية. كما أنه يجب إخلاص النية، وتصحيحها، والاحتساب في الرد على المخالفين، ومحاربة حب الظهور والتصدر، وأن المقصود أصالةً من الرد على المخالفين: بيان الحق، وإزهاق الباطل، أما إفحامهم فهو مقصود تبعي. ونجد أن بعض المذاهب والأفكار المنحرفة لا يمكن التصدي التام لها، إلا بالاشتراك بين عدة علوم وتخصصات متنوعة، كما في الرد على المناطقة والمتكلمة. وبين الكاتب أن من نشأ على معتقد، فيصعب أن يفارقه إلا بمشقة شديدة، ومن سعادة المرء أن يوفق في حداثته لمن يربيه على العقيدة الصحيحة. ونجد أن حصر الأقوال الباطلة والشبهات الفاسدة في كل مسألة لا طائل منه، والمطلوب معرفة الحق والعمل به، ولا يصح الاسترسال مع الشبهات أو الانشغال بها، بل يقرر الحق وتقام الأدلة عليه، وإذا وقع الباطل عُرِّفَ أنه باطل، ورد عليه. ونجد أنه غالبًا إذا كان الغلط عند رؤوس الفرق المبتدعة شبرًا، صار في الأتباع ذراعًا ثم باعًا، ثم تفاقم الأمر بعد ذلك. وبعض البدع والضلالات لها ظاهر وباطن، وباطنها شر من ظاهرها، ولابد لمن ينقدها أن لا يقتصر على ظاهرها. ونجد أن سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام، بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع؛ لا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد. وجل الانحرافات العقدية ترجع إلى الجمع بين المختلفات، أو التفرقة بين المتماثلات. كما ثبت أن العجمة والجهل باللسان العربي من أهم أسباب ظهور البدع تاريخيًا، ونجد أن كل افتراق اختلاف في الدين، وليس كل اختلاف افتراقًا. والخلاف واقع قدرًا لا محالة، أما شرعًا: فثمة الجائز والممنوع، ولا تلازم بين الوقوع القدري والجواز الشرعي. والحق في مسائل الاعتقاد واحد لا يتعدد، والواجب على العلماء أمر العامة بالجمل الثابتة بالنص والإجماع، ومنعهم من الخوض في التفصيل الذي يوقع بينهم الفرقة والاختلاف. ونجد أنه في الخلاف إذا كانت الأصول فاسدة، كانت الفروع أفسد. وشبهات المخالفين في باب الاعتقاد وانحرافاتهم فيه ترجع إلى إما: خطأ في الدلائل، أو في المسائل، أو فيهما معًا. ونجد أنه تؤخذ الأقوال من سياق التأصيل لا من الاستطراد، ولابد من التفرقة بين مقام تقرير المعتقد وتأصيله، وبين مقام الرد والمجادلة. ونجد أنه أثناء المناظرة ليست العبرة بكثرة الإيرادات، أو حشد الحجج الضعيفة، إنما العبرة بقوة الدليل وصحته. وشرط صحة الدليل: ثبوت اللزوم بين المدلول والدليل. وليس من شرط الدليل سبق الاستدلال به، أو صياغته على صورة بعينها. ولا يتم إقامة الحجة على مخالف إلا بدليل صحيح واستدلال قويم، ولا تلازم في كل الأحوال بين الأمرين، فقد يصح الدليل ولا يستقيم الاستدلال به، وقد يكون الأمر بالعكس، وقد لا يصح الدليل أو الاستدلال أصلًا. ونجد أن ما هو باطل لا يقوم عليه دليل صحيح، وما هو حق لا يمكن دفعه بحجة صحيحة. والدليل الفطري في أمور المناظرة من أقوى الأدلة وأقربها للنفس. ونجد أن العقول متفاوتة تفاوتًا كبيرًا، ولا يمكن أن يفصل بين المتنازعين في مسائل الدين والاعتقاد قول شخص معين ولا معقوله، وإنما يفصل بينهم الكتاب المنزل، والرسول المعصوم. ويجب التفريق في الأدلة بين ما يذكر اعتمادًا، وما يذكر اعتضادًا. والوضوح مطلوب في الاستدلال وفي الرد على الشبهات، كما أنه لا يجوز رد الباطل بالباطل، ولا البدعة ببدعة أخرى. ولا مشاحة في الاصطلاح، ولا مانع من استعمال المصطلحات الحادثة، إذا لم يترتب على ذلك خلل، أو إشكال شرعي. ومن المعلوم أن كل خير في غير المسلمين فهو في المسلمين أكثر، وكل شر في المسلمين فهو في غيرهم أكثر. كما أن حب الحق وتعظيمه يجب أن يقدم على حب الأشخاص وتعظيمهم. كما أن التكفير أو التبديع أو التضليل المتبادل بين العلماء إن صدر عن اجتهاد معتبر لا يوجب طعنًا في أي واحد منهم. • والدراسة ماتعة حافلة بعشرات القواعد والأصول الخاصة بمنهجية الخلاف والتي يصلح كل أصل أو ضابط منها بالدراسة في مبحث مستقل أو ورقة بحثية؛ بالتدليل عليه وضرب الأمثلة والاستشهاد بشواهد من كليات الشريعة وجزئياتها. والمؤلف هو د. " أحمد قوشتي عبدالرحيم " أستاذ في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى بالمملكة العربية السعودية، حاصل على ماجستير في العقيدة والفلسفة من جامعة القاهرة عام 1998م، وحاصل على درجة الدكتوراه في العقيدة الإسلامية من جامعة القاهرة في عام 2003م. من مؤلفاته: • "الصراع بين الأخباريين والأصوليين، داخل المذهب الشيعي الإثنى عشري أصوله وأبعاده". • " الموقف من المخالف بين الخوارج والشيعة الإثنى عشرية". • "نقد التصوف؛ السلفيون والمتصوفة في مصر". • "مناهج الاستدلال على مسائل العقيدة الإسلامية في العصر الحديث". • "أثر الخصائص الشخصية على ظهور الاتجاهات الفكرية: مصر نموذجًا". • "نظرية السعادة بين الغزالي وابن تيمية". • "أثر السنة النبوية في تكوين العقلية العلمية". • "مبدأ التقية بين أهل السنة والشيعة الإمامية". • "الاتجاهات الحشوية في الفكر الإسلامي". • "الدليل النقلي في الفكر الكلامي بين الحجية والتوظيف". |
عثمان بن أبي العلاء الرجل الذي غزا الأسبان 732 غزوة مُلك بني مرين يعمُّ المغرب الأقصى، ويرث دولة الموحدين، وهذا سلطانهم السادس يوسف بن يعقوب بن عبد الحق (685 - 706هـ) يُسيِّر الجحافل لتمكين ملكه، ويجتهد ليكسو الدولة المرينية رونق الحضارة، ولكن جماعة من بني مرين حسدوا بني عمومتهم على السلطان، ونفسوا، وزعموا أنهم أحق منهم بميراث عبد الحق فثاروا على السلطان يوسف، اعتصموا بجبال ورغة، فأنزلهم السلطان من صياصيهم وألحمهم السيف. فأشفق أعياص بن مرين على أنفسهم ولحقوا ببني الأحمر بالأندلس سنة 686هـ. ثم رجع إلى المغرب بعد سنين أحدهم: عثمان بن أبي العلا إدريس بن عبد الله بن عبد الحق، لينازع بني عمه السلطان، فثار في جبال غمارة فاشتملت عليها ناره واستطارت منها ثورته، فعمت بلاد كثيرة، ولجأ إليه كل مخالف من بني مرين وغيرهم. ومات يوسف وعثمان في ثورته فخلَفه ابنُه أبو ثابت (706 - 708) فسيَّر الجحافل إلى عثمان فهزمهم، ومدَّ على رغم أبي ثابت سلطانه إلى بلاد أخرى فنهض أبو ثابت نفسه في جنود لا قبل لعثمان بها فخلى البلاد واعتصم بسَبْته، وهي يومئذ في قبضة بني الأحمر. ومات أبو ثابت فخلفه أخوه أبو الربيع سنة 708 واصطلح بنو مرين وبنو الأحمر فضاق المغرب على عثمان بن أبي العلاء فولى وجهه شطر الأندلس فيمن تبعه من قرابته. لم يكن للمسلمين في الأندلس إلا مملكة غرناطة الضيقة وقد ألح العدو عليها وصمم على محوها. واستمات في الدفاع عنها المسلمون إذ كانت الملجأ الأخير، والوزر الذي ليس وراءه إلا الموت أو الاستعباد. وكان بنو مرين يرسلون جيوشهم مددًا لبني الأحمر حينًا، ويسيرون إلى الجهاد بأنفسهم حينًا. وكان أولو النجدة والصرامة كأبي العلاء يفدون على الأندلس مجاهدين مرابطين غضبًا لدينهم، وحمية لإخوانهم. جاء عثمان الأندلس فتولى ( مشيخة الغزاة ) وحَسُنَ بلاؤُه، وعظمت مكانته فكان شجًى في حلوق الأسبان، وكان غصة لبني الأحمر شاركهم في سؤددهم حتى كان يستأثر بالأمر دونهم وهو من قبل خصم قومه ملوك المغرب، ثار عليهم وزلزل دولتهم زمانًا. لم يكن عثمان ملكًا ولكنه: كان من نفسه الكبيرة في جيش، وكم كبرياه في سلطان تولى زعامة الغزاة ثلاثًا وعشرين سنة فما وهن عزمه، ولا فلَّ حدُّه، ولا أغمد سيفه، ولا خط سرجه، وما كان إلا النار في كل موضع تثير غبارًا في مكان دخان والنفس الكبيرة تستهين بالصعاب، وتطرق على المنايا الأبواب. وما الجيوش الجرارة، والحروب المستعرة في همة الرجل العظيم إذا صمم، فأثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها: من تحت أخمصك الحشر. حسبي من الإفاضة في وصف عثمان، والإشادة بذكره أن أنقل هنا ما كتبه أصحابه الغزاة على قبره: «هذا قبر شيخ الحماة، وصدر الأبطال والكماة، واحد الجلالة، ليث الأقدام والبسالة، علم الأعلام، حامي ذمار الإسلام، صاحب الكتائب المنصورة، والأفعال المشهورة، والمغازي المسطورة، وإمام الصفوف، والقائم بباب الجنة تحت ظلال السيوف، سيف الجهاد، وقاصم الأعاد، وأسد الآساد، العالي الهمم، الثابت القدم، الهمام الماجد الأرْضَى، البطل الباسل الأمْضَى، المقدس المرحوم أبي سعيد عثمان ابن الشيخ الجليل الهمام الكبير الأصيل الشهير المقدس المرحوم أبي العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد الحق. كان عمره ثمانيًا وثمانين سنة أنفقه ما بين روحة في سبيل الله وغدوة، حتى استوفى في المشهور سبعمائة واثنين وثلاثين غزوة، وقطع عمره مجاهدًا مجتهدًا في طاعت الرب، محتسبًا في إدارة الحرب، ماضي العزائم في جهاد الكفار، مصادمًا بين جموعهم تدفق التيار، وصنع الله تعالى له فيهم من الصنائع الكبار، ما سار ذكره في الأقطار، أشهر من المثل السيار، حتى توفي - رحمه الله - وغبار الجهاد طي أثوابه، وهو مراقب لطاغية الكفر وأحزابه. فمات على ما عاش عليه، وفي ملحمة الجهاد قبضه الله إليه، واستأثر به سعيدًا مرتضى، وسيفه على رأس ملك الروم منتضى، مقدمة قبول وإسعاد، ونتيجة جهاد وجلاد، ودليلًا على نيته الصالحة، وتجارته الرابحة. فارتجت الأندلس لبعده، أتحفه الله برحمة من عنده. توفي يوم الأحد الثاني لذي الحجة من سنة ثلاثين وسبعمائة، رحمه الله». المصدر: «مجلة الرسالة»، العدد: 31، بتاريخ: 05 - 02 - 1934 |
تهذيب النفس للعلم وبالعلم لابن المبرد صدر حديثًا نسخة محققة جديدة من كتاب "تهذيب النفس للعلم وبالعلم " للحافظ جمال الدين يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي المعروف بابن المبرد (841 هـ/ 909 هـ)، وذلك عن دار " الذخائر "- مصر، تحقيق أحمد فتحي البشير. ويعد هذا المُؤلَف أول كتاب للسادة الحنابلة مفرد في آداب المتعلم، حيث كان لكل مذهب من المذاهب الثلاثة (الحنفية والمالكية والشافعية) كتب مفردة في آداب العالم والمتعلم، يقرأها أتباع المذهب ويعنون بدراستها وتدارسها فيما بينهم، وهذا الكتاب اعتنى فيه ابن المبرد الحنبلي ببيان الآداب التي فيها تهذيب نفس المتعلم حتى تكون نفسه محلًا صالحًا للعلم، وتخليتها من الآفات المانعة من الانتفاع به وتحقيق الغرض منه، ومع هذا لم يفته باقي الآداب المتعلقة بالشيخ وبنفسه، بالإضافة إلى تنبيه طالب العلم على أهم العلوم التي ينبغي له العناية بها. وهذا الكتاب رغم كونه رسالة مختصرة إلا أنه يكاد أن يكون قد أحاط بآداب المتعلم كلها. وفي هذا الكتاب رد مفصل من المحقق الباحث أحمد فتحي البشير على ما أثاره المحققون عن علم ابن المبرد ومؤلفاته وتصوفه، وبيان عقيدته السلفية الصحيحة، ولا أدل على ذلك من كتابه: ( تحفة الوصول إلى علم الأصول )، الذي ألفه في اعتقاد أهل السنة والجماعة وهو كتاب مختصر شامل لجميع أبواب العقيدة، وكذا كتابه: (جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر) الذي ردّ به على ابن عساكر؛ لأنه مدح الأشعرية، وقرر فيه عقيدة أهل الحديث، وكذا أقواله المتفرقة في ثنايا كتبه التي قرر فيها عقيدة السلف. وقد قام الكاتب بتحقيق هذا الكتاب على النسخ المتاحة له حيث أن هناك نسخة نادرة للكتاب بخط المؤلف في مكتبة الظاهرية تحت رقم: (3 /3216)، ولها صورة في مكتبة الجامعة الإسلاميّة تحت رقم: (933). أما مؤلف الرسالة فهو الإمام الحافظ العلامة يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن ابن عَبْد الهادي الصالحي، جمال الدين، ابن المبرد الصالحي، علامة متفنن، من فقهاء الحنابلة، من أهل الصالحية، بدمشق. ترجم له ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب" فذكر أنه قرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي، والشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، وصلّى بالقرآن ثلاث مرات وقرأ "المقنع" على الشيخ تقي الدّين الجراعي، والشيخ تقي الدّين بن قندس، والقاضي علاء الدّين المرداوي. وحضر دروس خلائق، منهم القاضي برهان الدّين بن مفلح، والبرهان الزّرعي. وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي، وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصّلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدّين، وغيرهم. وكان إمامًا، علّامة، يغلب عليه علم الحديث والفقه، ويشارك في النحو، والتصريف، والتصوف، والتفسير. وألّف تلميذه شمس الدّين ابن طولون في ترجمته مؤلفًا ضخمًا بعنوان "الهادي إلى ترجمة شيخنا المحدّث الجمال ابن عبد الهادي"، وله عدد كبير من المؤلفات هي ما بين أجزاء صغيرة، ومجلدات كبيرة. وقد أوصل بعض من ترجم له مؤلفاته إلى أكثر من أربع مئة مؤلف، منها: "مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام" في فقه الحنابلة، و"الدرر الكبير" جزء منه، في التراجم والسير، و"النهاية في اتصال الرواية"، و"تاريخ الإسلام" قطعة منه، و"الاقتباس" تعليقات وشروح على سيرة ابن سَيِّد الناس، و"الميرة في حل مشكل السيرة" الجزء الثاني منه، في شرح ما أبهم من سيرة ابن هشام، و"العقد التام فيمن زوجه النبي عليه الصلاة والسلام" رسالة، و"محض الشيد في مناقب سعيد بن زيد" رسالة، و"محض الخلاص في مناقب سعد ابن أبي وقاص" و"ضبط من غبر فيمن قيده ابن حجر" و"تذكرة الحفاظ وتبصرة الأيقاظ" و"الضبط والتبيين لذوي العلل والعاهات من المحدثين" أوراق منه، ابتدأه بها ولم يكمله، وكتاب في "تراجم الشافعية" ناقص الأول، لعله جزء من "الدرر الكبير"، و"العطاء المعجل" أوراق من أوله، وهو في تراجم الحنابلة، و"إرشاد السالك إلى مناقب مالك"، و"تعريف الغادي" أربع ورقات في ترجمة أخ له اسمه أحمد، و"فهرسة" في 58 ورقة بأسماء ما كان في خزانته من الكتب، و"سير الحاث" رسالة في الطلاق، و"الإتقان في أدوية اللثة والأسنان"، و"الإتقان لأدوية اليرقان"، و"الطباخة" رسالة في أوصاف بعض المآكل، و"عدة الملمات في تعداد الحمّامات" رسالة، و"الإعانات على معرفة الخانات"، و"ثمار المقاصد في ذكر المساجد"، و"آداب الحمّام وأحكامه"، و"الحسبة" رسالة، و"نزهة المسامر في أخبار مجنون بني عامر"، و"نزهة الرفاق" رسالة في أسماء الأسواق بدمشق في أيامه، و"الدرة المضية" رسالة في الشجرة النبويّة، و"تحفة الوصول إلى علم الأصول"، و"الرد على من شدد وعسر في جواز الأضحية بما تيسر"، و"غراس الآثار وثمار الأخبار ورائق الحكايات والأشعار"، و"الاختلاف بين رواة البخاري"، و"بلغة الحثيث إلى علم الحديث"، و"غاية السول إلى علم الأصول"، و"مقبول المنقول من علمي الجدل والأصول"، و"محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب"، و"تاريخ الصالحية"، و"بحر الدم في من تكلم فيه أحمد بن حنبل بمدح أو ذم"، و"مراقي الجنان بقضاء حوائج الإخوان".. وغيرها. وقد أثنى عليه كثير من علماء عصره فقال فيه عبد القادر النعيمي (ت: 927هـ): «الشيخ العالم المصنف المحدث». وقال تلميذه ابن طولون: «وهو الشيخ الإمام علم الأعلام المحدث الرحلة العلامة الفهامة العامل المتقن». ووصفه محمّد بن محمّد نجم الدين الغزي (ت: 1061هـ) بقوله: «الشيخ الإمام العلامة المصنف المحدث». وقال محمّد بن محمّد كمال الدين الغزي (ت: 1214هـ): «هو الشيخ الإمام العلامة الهمام، نخبة المحدثين، عمدة الحفاظ المسندين، بقية السلف، قدوة الخلف، كان جبلًا من جبال العلم وفردًا من أفراد العلم، عديم النظير في التحرير والتقرير، آية عظمى وحجَّة من حجج الإسلام كبرى، بحرٌ لا يلحق له قرارٌ، وبرّ لا يشق له غبار، أعجوبةٌ عصره في الفنون، ونادرةُ دهره، الذي لم تسمح بمثله السنون...، وأجمعت الأمة على تقدمه وإمامته، وأطبقت الأمة على فضله وجلالته». ووصفه الكتاني بقوله: «هو الحافظ جمال الدين أبو المحاسن، من أعيان محدثي القرن العاشر المشهورين بكثرة التصنيف وسعة الرواية». |
تعليل الأحكام الشرعية دراسة وتطبيقا لأحمد بن محمد العنقري صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة "الدراسات الأصولية " دراسة بعنوان ( تعليل الأحكام الشرعية دراسةً وتطبيقًا )، تأليف أ.د. " أحمد بن محمد العنقري "، الأستاذ بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عن " دار التحبير للنشر والتوزيع "، بالمملكة العربية السعودية. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في قسم أصول الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك عام 1408هـ/ 1988م، وأشرف على الرسالة أ.د. "عبد العزيز بن عبد الرحمن الربيعة". تتناول الدراسة تعليل الأحكام ومعرفة طرق استنباطها وغايتها، حيث إن تعليل الأحكام من أهم المباحث الأصولية التي يظهر أثرها في دراسة الفقه؛ ذلك أن استنباط الأحكام لما يستجد من المسائل والقضايا مبني عليه؛ بل إنه يفتح الآفاق لفهم مسائل الفقه والنظر في أدلتها والتوفيق بينها، وبه تستبين المقاصد العامة في التشريع. كما أن العلة أهم ركن من أركان القياس، بل إن القياس يدور عليها، وعلى تحققها في الأصل والفرع، ومعلوم أن القياس أحد الأدلة الشرعية التي يقوم عليها الفقه، وأصل من أصول الفقه، وهو من أوسع الأدلة تطبيقًا في الحياة المعاصرة مع ما يستجد فيها من قضايا وأحداث. ونرى أن الحاجة ماسة إلى الاجتهاد في هذا العصر، وهذا لا يتم إلا بدراسة التعليل وإدراك حقيقته في الشرع. وقد ربط هذا البحث بين الجانب النظري والجانب التطبيقي في دراسة تعليل الأحكام، وهو الوجه الذي يبين عن ثمرة البحوث وفائدتها، إذ أن الفائدة من طرح البحث هو إعماله فقهيًّا واجتهادًا، فمعرفة سبب العلة آلة رئيسة من آلات استنباط الحكم الشرعي. وقد جاء البحث في مقدمة وتمهيد وستة أبواب وخاتمة: المقدمة: تضمنت أهمية علم أصول الفقه، ثم أهمية موضوع تعليل الحكم، ببيان أسباب اختياره، وما كُتبَ فيه من قبل، وخطة البحث، والمنهج الذي سار عليه الكاتب، وما يحتاج إليه البحث من تقديم. والتمهيد: في معنى تعليل الأحكام الشرعية، ونظم الكاتب معناه في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في معنى التعليل في اللغة والاصطلاح. المطلب الثاني: في معنى الحكم في اللغة والاصطلاح. المطلب الثالث: في المعنى الإجمالي لقولنا "تعليل الأحكام الشرعية". المبحث الثاني: في أهمية تعليل الأحكام الشرعية، وقد وضح الكاتب ذلك في خمسة مطالب: المطلب الأول: في أهمية التعليل مطلقًا، وفي الأحكام الخاصة على سبيل الإجمال، وذكر بعض عبارات العلماء في ذلك. المطلب الثاني: في علاقة تعليل الأحكام بالقياس. المطلب الثالث: في علاقة تعليل الأحكام بالاستحسان. المطلب الرابع: في علاقة تعليل الأحكام بالمصالح المرسلة. المطلب الخامس: في علاقة تعليل الأحكام بسد الذرائع. الباب الأول: يبحث في العلة عند الأصوليين، وهو في ثلاثة فصول: الفصل الأول: في تعريف العلة ووجوه الشبه والفرق بينها وبين ما يقاربها، وبين ذلك في مبحثين: المبحث الأول: في تعريف العلة، وجعله في مطلبين: المطلب الأول: في تعريفها في اللغة. المطلب الثاني: في تعريفها في الاصطلاح. والمبحث الثاني: في وجوه الشبه والفرق بين العلة وبين ما يقاربها، وجاء في ثلاثة مطالب: المطلب الأول: في وجوه الشبه والفرق بين العلة والسبب. المطلب الثاني: في وجوه الشبه والفرق بين العلة والشرط. المطلب الثالث: في وجوه الشبه والفرق بين العلة والحكمة. والفصل الثاني: في شروط العلة إجمالًا، وجاء ذلك في اثنا عشر مبحثًا، تحدث فيها الكاتب عن واحد وعشرين شرطًا. الفصل الثالث: في مسالك العلة إجمالًا، وجاء في تسعة مباحث، تحت كل مبحث مسلك من مسالكها. الباب الثاني: في موقف العلماء من تعليل الأحكام الشرعية، وجاء في ثلاثة فصول: الفصل الأول: فصل تمهيدي: في موقف العلماء من الحسن والقبح العقليين، ويتضمن تمهيدًا، وخمسة مباحث: التمهيد: في بيان صلة المسألة بتعليل الأحكام الشرعية. المبحث الأول: في تحرير محل النزاع فيها. المبحث الثاني: في تحقيق المذاهب فيها. المبحث الثالث: في بيان رأي الحنابلة. المبحث الرابع: في تحرير مذهب المعتزلة. المبحث الخامس: في ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها والترجيح. الفصل الثاني: في موقف العلماء من تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه، وتضمن تمهيدًا وثلاثة مباحث: التمهيد: في أن مسألة تعليل الأحكام داخلة في هذا الخلاف، وأن مصدر هذه المسألة علم الكلام. المبحث الأول: في ذكر عبارات العلماء في عنوان الخلاف في المسألة، وتحقيق المذاهب. المبحث الثاني: في رأي الأشعرية بين علم الكلام وعلم أصول الفقه. المبحث الثالث: في ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها والترجيح. الفصل الثالث: في ذكر الخلاف بين القائلين بالقياس في تعليل الأصول، وجاء في تمهيد ومبحثين: التمهيد: في صلة هذه المسألة بالخلاف في الفصل السابق. المبحث الأول: في المذاهب في تعليل الأصول. المبحث الثاني: في ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها والترجيح. وأما الباب الثالث : ففي وجوه تعليل الأحكام في القرآن الكريم، وتضمن تمهيدًا وأحد عشر فصلًا: الفصل الأول: في الوجه الأول من وجوه تعليل الأحكام في القرآن؛ وهو التصريح بتعليل الحكم بلفظ من أجل. الفصل الثاني: في الوجه الثاني، وهو التعليل بالحروف. الفصل الثالث: في الوجه الثالث، وهو ترتيب الحكم أو الوصف على أحدهما مقرونًا بالفاء. الفصل الرابع: في الوجه الرابع، وهو ترتيب الوصف على الحكم مقرونًا بأداة العرض "ألا". الفصل الخامس: في الوجه الخامس: وهو ترتيب الوصف على الحكم مقرونًا باستفهام استنكاري. الفصل السادس: في الوجه السادس: وهو ترتيب الحكم على الوصف. الفصل السابع: في الوجه السابع: وهو ترتيب الوصف على الحكم. الفصل الثامن: في الوجه الثامن: وهو ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء والشرط. الفصل التاسع: في الوجه التاسع: وهو أن يفرق الشرع بين شيئين في الحكم بالغاية، فيعلم أنه لو لم تكن تلك الصفة المذكورة بعد حرف الغاية علة لم يكن لذكرها فائدة. الفصل العاشر: في الوجه العاشر: وهو: أن يفرق الشرع بين شيئين في الحكم بالاستثناء. الفصل الحادي عشر: في الوجه الحادي عشر: وهو أن يفرق الشرع بين شيئين في الحكم بلفظ يجري مجرى الاستدراك. وأما الباب الرابع: ففي وجوه تعليل الأحكام في السنة، ويتضمن تمهيدًا وستة عشر فصلًا وخاتمة: التمهيد: وفيه بيان معنى السنة، وحجيتها، ووجه صلة الباب بموضوع الرسالة، والمنهج الذي سار عليه الكاتب في بحثه. الفصل الأول: في الوجه الأول: وهو التصريح بالتعليل. الفصل الثاني: في الوجه الثاني: وهو التعليل بالحروف. الفصل الثالث: في الوجه الثالث: وهو ترتيب الحكم أو الوصف على الآخر بفاء التعقيب والتسبيب. الفصل الرابع: في الوجه الرابع: وهو أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحكم بعد السؤال المتضمن للوصف، فيدل على أن السؤال علة الحكم. الفصل الخامس: في الوجه الخامس: وهو أن يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصفًا في سؤال منه، ويقرر الحكم بعده. الفصل السادس: في الوجه السادس: وهو أن يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- الحكم، ثم يذكر سؤالًا يتضمن وصفًا وإنكارًا على حكم ما يخالفه؛ فيعلم أن هذا الوصف علة الحكم. الفصل السابع: في الوجه السابع: وهو أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- على مسألة بصيغة سؤال فيه إنكار، ويتضمن وصفًا يفهم الحكم منه، ولا ينص عليه. الفصل الثامن: في الوجه الثامن: وهو أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- ويذكر وصفًا في الجواب يتبين منه الحكم؛ فيفهم أن هذا الوصف علة الحكم. الفصل التاسع: في الوجه التاسع: وهو أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيبين في جوابه وصفًا، دفعًا لإشكال أورده السائل. الفصل العاشر: في الوجه العاشر: وهو أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيذكر سؤالًا في غير محل السؤال، ويتضمن وصفًا ويقرر الحكم بعد ذلك. الفصل الحادي عشر: في الوجه الحادي عشر: وهو أن يجيب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيذكر سؤالًا في غير محل السؤال دفعًا لإشكال السائل وتكون العلة في الحكم نظير العلة في سؤاله - صلى الله عليه وسلم. الفصل الثاني عشر: في الوجه الثاني عشر: وهو ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الشرط والجزاء. الفصل الثالث عشر: في الوجه الثالث عشر: وهو ترتيب الوصف على الحكم. الفصل الرابع عشر: في الوجه الرابع عشر: وهو ترتيب الحكم على الوصف. الفصل الخامس عشر: وهو ترتيب الحكم على حال يظهر أنها علته. الفصل السادس عشر: في الوجه السادس عشر: وهو أن يفرق الشارع بين أمرين في الحكم بذكر صفة، فيشعر ذلك بأن تلك الصفة هي علة التفرقة في الحكم. ثم جاءت خاتمة الباب في المقارنة بين ما ذكره الكاتب من وجوه تعليل الأحكام في القرآن والسنة وبين ما ذكره الأصوليون. وأما الباب الخامس: ففي تطبيق تعليل الأحكام عند الصحابة، وجاء في تمهيد وخمسة فصول: التمهيد: وفيه ذكر صلة الباب بما قبله، وبموضوع الرسالة، ثم تعريف الصحابة وفضائلهم ومرجع الاجتهاد عندهم، وطريقة إيراد مسائل هذا الباب. الفصل الأول: في تطبيق أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تعليل الأحكام. الفصل الثاني: في تطبيق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - تعليل الأحكام. الفصل الثالث: في تطبيق عثمان بن عفان - رضي الله عنه - تعليل الأحكام. الفصل الرابع: في تطبيق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - تعليل الأحكام. الفصل الخامس: في تطبيق عائشة - رضي الله عنها - تعليل الأحكام. وأما الباب السادس: ففي تطبيق تعليل الأحكام عند التابعين وتابعيهم، وضمن تمهيدًا وثمانية فصول: التمهيد: فيه بيان صلة هذا الباب بما قبله، وتعريف التابعي، وتابع التابعي، وفضل التابعين وتابعيهم. الفصل الأول: في تطبيق القاضي شريح تعليل الأحكام. الفصل الثاني: في تطبيق سعيد بن المسيب. الفصل الثالث: في تطبيق إبراهيم النخعي. الفصل الرابع: في تطبيق الأوزاعي. الفصل الخامس: في تطبيق أبي حنيفة. الفصل السادس: في تطبيق مالك بن أنس. الفصل السابع: في تطبيق الشافعي. الفصل الثامن: في تطبيق أحمد بن حنبل. وأما الخاتمة فجمع فيها الكاتب النتائج التي استخلصها من مباحث الرسالة وتوصياته. وقد قام الكاتب بتحرير محل النزاع في المسائل المختلف فيها، مع ذكر المذاهب في أصول النزاع، وينسب كل مذهب إلى القائلين به مع ترتيبه زمنيًا، وذكر الأدلة، حيث يذكر مع كل دليل المناقشة التي وردت عليه، والجواب عنها، ثم يعمد إلى ما ينصره الدليل، فيختاره مبينًا وجه ذلك. ويرى الكاتب أن موضوع تعليل الأحكام يحتاج إلى مزيد من البحث والاستقصاء، خاصةً في مصدري الأحكام الشرعية، الكتاب والسنة، حيث ينبغي استقراء وجوه التعليل للأحكام فيهما؛ كي يمكن التطبيق عليها، ويستقر ثبوت التعليل في الشريعة، ويصح من ثَمَّ ما يقوم عليه من أدلة اجتهادية في أصول الفقه، كالقياس، والاستحسان، والمصلحة وغيرها. وينبغي أيضًا دراسة ما يتصل بثبوت التعليل من خلال أقوال العلماء سواء كان قولهم في علم الكلام، أم في علم أصول الفقه، ودراسة ما له صلة في الموضوع، كمسألة الحسن والقبح العقليين، وأيضًا خلاف الأصوليين المثبتين للقياس، هل الأصل في النصوص الشرعية التعليل أو غيره. |
النوازل الفقهية المتعلقة بالقرآن الكريم لخليل بن عبد الرحمن المبارك صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة " الدراسات الفقهية" دراسة بعنوان (النوازل الفقهية المتعلقة بالقرآن الكريم) ، تأليف د. " خليل بن عبد الرحمن المبارك "، وذلك عن " دار التحبير للنشر والتوزيع "، بالمملكة العربية السعودية. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في الفقه من "ك لية التربية "- بجامعة الملك سعود وذلك عام 1440هـ/ 2019م، قسم الدراسات الإسلامية، وأشرف على الرسالة أ.د. " عبد الرحمن بن عثمان الجلعود ". وتناولت هذه الرسالة النوازل المعاصرة المتعلقة بالقرآن الكريم، فإنه من المسائل المستجدة في هذا العصر ما يتعلق بالقرآن الكريم سواء في كتابته، أو قراءته، أو تسجيله، أو الاستماع إليه، أو تعليمه، أو تفسيره، أو ترجمته، أو ما يسمى بالمصحف الإلكتروني، أو حمله ونقله من مكان لمكان، وهي مسائل كثيرة متجددة متشعبة خصوصًا مع انتشار التقنية الحديثة، وإقبال الناس على توظيفها في خدمة العلوم. ونظرًا لمكانة القرآن العظيمة ومنزلته السامية وحاجة الناس الماسة لمعرفة النوازل المتعلقة به بحكم ارتباطهم الوثيق بكتاب ربهم في حياتهم اليومية، جاءت هذه الدراسة لجمع هذه النوازل ودراستها دراسة فقهية، مقارنة في ضوء الأدلة ومقاصد الشريعة والقواعد الكلية، مع ربطها بنظائرها التي تكلم عليها الفقهاء السابقون عن طريق التخريج الفقهي والقياس، وتناول الكاتب أكثر من (110) مسألة معاصرة من نوازل القرآن. وتعد هذه الرسالة من أجمع الرسائل وأحصاها في جمع كل ما يتعلق بهذه المسائل المستجدة التي يكثر سؤال الناس عنها. ويرى الكاتب أن للنوازل أثر واضح في تغيير الاجتهاد، خصوصًا إذا لم تكن النازلة جديدة كليًّا، وإنما طرأ في المسألة القديمة ما يستدعي إعادة النظر فيها؛ لتغير عرف أو تبدل مصلحة، أو حدوث ضرورة، أو تطور وسيلة أو غير ذلك، فيتغير الاجتهاد السابق؛ ليلائم الأحوال الجديدة للنازلة. ومن ثم فلا بأس من أحكام تتناسب مع النازلة المعاصرة بما يوافق مقصود الشارع، وتعميق صلة الناس بكتاب ربهم عز وجل. ومما وصل إليه الكاتب من نتائج في خاتمة رسالته أن الراجح: وجوب الالتزام بالرسم العثماني في كتابة المصاحف. وأنه تجوز كتابة المصاحف بطريقة برايل للمكفوفين، والراجح: أنه لا يجب التزام محاكاة الرسم العثماني في كتابة القرآن بطريقة برايل، وأن المصحف المكتوب بطريقة برايل يأخذ حكم المصحف المكتوب بالحروف العربية، فيحرم على المحدث مسه. وأنه لا ينبغي تلوين الأسماء الحسنى أو بعضها في المصحف بلون مغاير للون الكلمات كالأحمر. وأن الراجح: منع تداول المصحف المزخرف الذي اشتهر بمصحف "باربي"، وما كان على شاكلته، مما يستخدم كهدايا للإناث على وجه الخصوص. ولا ينبغي إلحاق دعاء معين للختم في آخر المصحف. والراجح: جواز إتلاف أوراق المصحف بآلات تقطيع الورق الحديثة، بشرط أن لا يبقى شيء من الكلمات والحروف. ويرى الكاتب أنه لا تجوز كتابة آية أو آيات من القرآن على صورة إنسان أو حيوان أو طائر ونحو ذلك. ويجوز التعبير عن ألفاظ القرآن بلغة الإشارة، ولا بأس بترجمة معانيه بلغة الإشارة، بضوابط مذكورة في البحث. ويرى الكاتب أن ما يُسمي "إعجاز التوافق" أو " الإعجاز التوافقي "، يقصدون به توافق ألفاظ الجلالة الواردة في صفحات المصحف، بحيث تشكل انتظامًا بديعًا، وكذلك توافق الألفاظ المتماثلة، والتحقيق أن التوافق المذكور دعوى غير صحيحة، ولا تجوز نسبته إلى القرآن. وأن الراجح: عدم جواز استخدام التلاوة المسجلة للقرآن في انتظار الرد على الاتصال، وعدم جواز استخدام آيات القرآن نغمةَ تنبيهٍ للاتصال في الهواتف المحمولة وما في حكمها. وأنه لا بأس بتشغيل التلاوة المسجلة قبل النوم، وإن استمر المسجل ونحوه في التلاوة أثناء نوم الشخص، وينبغي أن يكون المقصود من ذلك التدبر لا مجرد استجلاب النوم. وأن التهليل والتكبير والثناء على القارئ أثناء الاستماع إلى تلاوته أمر محدث، وهو غير جائز. وأن وضع اليدين على الأذنين عند قراءة القرآن لا أصل له، وينبغي تركه. والتزام ختم التلاوة بقول: (صدق الله العظيم) غير مشروع، وهو من قبيل البدع الإضافية. وأنه يجوز دخول الخلاء بالمصحف الإلكتروني إذا كان الجهاز الذي يحتوي عليه مغلقًا أو لا تظهر الآيات القرآنية على شاشته، أما إذا كان المصحف الإلكتروني قيد التشغيل ظاهرًا على شاشة الجهاز، فالراجح: تحريم دخول الخلاء به. وأن الراجح: عدم جواز نقش القرآن في الحُليّ، وعدم جواز لبس حُليّ منقوش عليه شيء من القرآن إلا بعد إزالة الآيات المنقوشة عليه. كما يوصي الكاتب في نهاية دراسته بضرورة متابعة ما يصدر من ترجمات المستشرقين البارزين للقرآن، لاسيما التي لها صفة الذيوع والانتشار في اللغات الحية العالمية، ودراسة هذه الترجمات دراسة شاملة؛ لكشف زيفها وأغراضها الفاسدة، وتحذير المسلمين من هذه الترجمات، وتوعيتهم بما تضمنته من إفك وتحريف، ونشر ذلك باللغة العربية واللغات الأجنبية الحية، مع ضرورة نشر الترجمات الصحيحة لمعاني القرآن بشتى اللغات؛ لتكون بديلًا عن تلك الترجمات المحرفة. |
رسائل مكي بن أبي طالب القيسي تحقيق أحمد حسن فرحات صدر حديثًا كتاب " رسائل مكي بن أبي طالب القيسي "، تأليف: " مكي بن أبي طالب القيسي "، تحقيق: أ.د. " أحمد حسن فرحات "، نشر " دار ابن كثير ". و تضم هذه المجموعة عدة رسائل نفيسة من تحقيقات د. " أحمد حسن فرحات "، حققها في فترات سابقة في إطار اهتمامه بتراث الإمام مكي بن أبي طالب، وقد آثر المحقق نشر بعضها المتعلق بمواضيع قرآنية لغوية نحوية في هذا السفر؛ في سبيل جمع تراث الإمام مكي بن أبي طالب؛ وهي: ♦ رسالة شرح "كلا، وبلى، ونعم" والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله عز وجل، مبينًا أصلها وعللها والفرق بينها وبين "نعم" وموضعها من الإعراب. تحقيق د. أحمد حسن فرحات سنة 1978 م. ♦ رسالة اختصار القول في الوقف على "كلا وبلى ونعم"، اختصره من كتابه السابق مكتفيًا بذكر ما يهم القارئ أن يحفظه دون معرفة التفصيلات والتعليلات. تحقيق د. أحمد حسن فرحات سنة 1978م. ♦ رسالة تمكين المد في "أتى" و "آمن" و "آدم" وشبهه، وهذه الرسالة ردٌ على المعترضين على من يمد ذلك، تحقيق د. أحمد حسن فرحات سنة 1984. ♦ رسالة الياءات المشددة في القرآن الكريم، وكلام العرب، مفسرًا فيه أصل كل ياء مشددة مع التعليل والبيان. ثم ختم المحقق الكتاب برسالتين صغيرتين نحويتين في نفس الموضوع: ♦ الأولى: (كلا) في الكلام والقرآن لأبي جعفر أحمد بن محمد بن رستم الطبري. ♦ الثانية: مقالة (كلا) لأحمد بن فارس. وقد تسنم الإمام مكي مكانة رفيعة بين علماء عصره، وكانت له الدرجة الرفيعة في التفسير والقراءات حتى عُرفَ بصاحب التفسير: "وغلب عليه علم القرآن وكان من الراسخين فيه" كما ذُكرَ عنه في "طبقات المفسرين"، ويصفه "الحميدي" بالإمامة في القراءات، وذكره "ابن جزي الكلبي" في مقدمة تفسيره بالمقرئ، ويقول "القاضي عياض": «كان مع رسوخه في علم القراءات وتفننه فيه نحويًّا لغويًّا فقيها راوية... ومقرئًا أديبًا"، وعدّه - مع "القاضي عياض" - "اليافعي" و"السيوطي" من رجال اللغة والنحو، ووصفه "ابن الأنباري" بالشهرة في النحو، وهو عند "الحموي" و"السيوطي": نحوي لغوي مقرئ، ويراه "الذهبي" شيخ الأندلس ومقرئها وخطيبها ممن رحل إلى مصر وروى القراءات ودخل بها إلى الأندلس. قال "أحمد بن مهدي المقري": «كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية وحسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن محسنًا مجودًا عالمًا بمعاني القراءات». ويتبين لنا من هذه الرسائل المتفرقة في علوم القرآن أن هذا النوع من التفسير يعتبر فريدًا من نوعه، ونادرًا في بابه، ولعل مكيًّا لم يسبق إليه، إذ لم يتناول المفسرون الأوائل هذا الموضوع بمثل هذا التناول حيث قدم الأصول التي ترجع إليها هذه الكلمات، وبين مذاهب النحاة وأهل المعاني في ذلك، ثم نص على اختياره فيها، ثم استعرضها في كل القرآن شارحًا ومفسرًا ومبينًا جواز الوقف وعدمه واستحسانه، كل ذلك بالأدلة القوية التي تعتمد على حس دقيق في فهم كتاب الله، وذوق رفيع في النقد، وإحاطة بعلوم اللغة والقرآن. ونجد أن كتاب "شرح كلا، وبلى، ونعم" والوقف على كل واحدة منهن في كتاب الله عز وجل" هو جزء من تفسير مكي لكتاب الله، لا يجوز التغاضي عنه عند الحديث عن مكي وأثره في التفسير، كما لا يجوز إهمال مؤلفاته التفسيرية الأخرى المشار إليها. ونجد أن مكي بن أبي طالب قد اختصر هذا الكتاب بالكتاب الآخر الذي سماه: "اختصار القول في الوقف على "كلا وبلى ونعم"" وقد ذكر فيه أحكام الوقف دون تعليل أو تفسير؛ وذلك ليسهل الأمر على طالب القراءة والتجويد دون غيره، أما الكتاب المطول، فهو لطالب التفسير والقراءة والتجويد وغير ذلك. أما رسالة "الياءات المشددة في القرآن والكلام" ، فوجد لها الكاتب نسخة نادرة بالمكتبة الوطنية التونسية، ونستبين منها مقدرة مكي بن أبي طالب على استيعاب الأقوال في موضوع رسالته، وإجمالها، بحيث يستغنى قارئ رسائله عن غيره من كتب التفسير في موضوع رسالته، حيث أفرد لموضوعه مباحث في اختلاف القراء واتفاقهم مع توجيه أقوالهم وترجيح ما يراه مناسبًا. وصاحب هذه الرسائل هو أبو محمد مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي (355 - 437 هـ = 966 - 1045م) مقرئ، وعالم بالتفسير والعربية. من أهل القيروان. ولد فيها، وطاف في بعض بلاد المشرق، وعاد إلى بلده، وأقرأ بها. ثم سكن قرطبة (سنة 393) وخطب وأقرأ بجامعها وتوفي فيها. ويعد مكي بن أبي طالب من العلماء المحققين بل هو خاتمة أئمة القرآن بالأندلس، وكان متبحرًا في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، مكثرًا للتأليف حيث تزيد كتبه على مائة مؤلف. ومنها: (مشكل إعراب القرآن )، و (الكشف عن وجوه القراآت وعللها )، و( الهداية إلى بلوغ النهاية ) في معاني القرآن وتفسيره، و (التبصرة في القراآت السبع) ، و( المنتقى ) في الأخبار، و( الموجز ) في القراآت، و (الإيجاز في الناسخ والمنسوخ) ، و( الرعاية ) لتجويد التلاوة، و( الإبانة ) في القراآت، و( منتخب حجة أبي على الفارسي )، و( المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره )، و( الزاهي في اللمع الدالة على أصول مستعمل الإعراب )، و( التنبيه على أصول قراءة نافع وذكر الاختلاف عنه )، و( فهرس ) جامع لرحلته، مشتمل على مروياته وتراجم شيوخه وأسماء تآليفه. مات في ثاني المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. |
الخطيب البغدادي تأليف الأستاذ يوسف العش [1] يعجبني أن يشغَف شبابُنا الناهض المثقف بتراجم الرجال؛ فإن فنَّ التراجم من أروع فنون العرب وأبدعها وأكثرها فائدة. وعلماء الإسلام هم الذين شقوا طريقَه، ووطؤوا أكنافه، ورفعوا مناره، وجعلوه فنًّا معجبًا ممتعًا، حتى إن علماء الحديث وحفاظه اعتبروه من أهم فنون الحديث، بل قسموه فنونًا عدَّة، انظر مثلًا كتاب ( علوم الحديث لابن الصلاح ) إذ قسمه إلى أنواع أو علوم، من النوع "التاسع والثلاثين" إلى النوع "الخامس والستين". وألف فيه حفاظ الحديث وكبار رجاله مئات المجلدات المطبوعة، إلى الآلاف التي لا تحصى مما لم يطبع، وإلى أضعافها مما فُقِد على أحداث الزمن، مما وجدنا خبرًا عنه في تراجم المؤلفين وفهارس الكتب، ومما لم يسمع به أحد. وما أظن أمة بلغت في القديم في هذا الفن ما بلغ حفاظ الحديث وعلماء العرب، ويكفي أن تعلم أن البخاري صاحب الصحيح ألف كتاب "التاريخ الكبير" وقد طبع منه بحيدر آباد بالهند نصفه في أربعة جلود كبار [2] ، وأن البخاري مات سنة 256، أي منذ أكثر من ألف ومائة سنة، وأن ابن سعد ألف كتاب "الطبقات الكبير" وقد طبع ما وجد منه في أوربة في ثمانية مجلدات ضخام، وأن ابن سعد مات سنة 230، أي قبل البخاري بستة وعشرين عامًا. فما يثلج صدرنا حقًّا أن يعني شبابنا الباحثون بهذا الفن الجليل، وأن يخرجوا فيه الكتب الممتعة، والدراسات الجيدة، مرة يجيدون، ومرة غير ذلك، ولكنهم على السبيل، ثم لا يلبثون أن يصلوا، وأن يحيوا مجد السلف الصالح. وقد قرأت هذا الكتاب " الخطيب البغدادي " الذي ألفه الأستاذ يوسف العش، ترجمة لهذا المؤرخ المترجم العظيم، فأعجبني حقًّا؛ أعجبني ما فيه من تعمق في البحث، واستقصاء للمراجع، وتحقيق وتحليل، وإرجاع كل شيء إلى مصدره، حتى لا يضل القارئ، ولا يشك فيما ينقل له. وهذه مهمة، فإني أرى أن كثيرًا من المؤلفين في هذا العصر، يضلون القارئ بذكر مراجع كثيرة ذكرًا إجماليًّا، ثم لا يسندون ما ينقلون إلى مواضعه من المراجع، فلا تكاد تتعقبه، ولا تكاد تعرف أنقل حقًّا أم أخطأ عن غير عمد، أم شيئًا آخر لا أحب أن أسميه. أما الأستاذ يوسف العش فإنه اتبع الطريق القويم. ولقد وصف صديقنا الأستاذ أحمد بك أمين هذا الكتاب وصفًا جيدًا حين عرضه للقارئ في مقدمته: « ستشهد في هذا السفر صورة موجزة عن عصر متوسط من عصور الإسلام، وترى فيه حياة محدِّثٍ قد حفل بالعلم، وانكب عليه وأخلص له، فسعد بسببه، وعرف به، وقدر لأجله، وستقرأ صورته بطبعه السمح، ونفسه الطيبة، وقدرته على الإتقان، وتنتقل من ذلك إلى وصفه في ثقافته وعلمه، وهما يتكوّنان ثم يتوسعان ثم ينتجان، ويبدو لك بعد ذلك أدب براق، وشعر لطيف، فتتشوق إلى معرفة رأي الرجل، فتراه متحمسًا يعتقد وجوب الأخذ بشيء من التفكير والعقل، والوقوف عند نصوص الشرع، حتى إذا شاهد من لا يوافقه على رأيه، لم يخش من الكيل له بما يراه يستحقه، يخاصمه مستترًا بأقوال غيره فيه، يورد أشدها وأقواها دون أن يبدي رأيه فيه، أو يرفع صوته في استنكار أعماله، ولكن خصومه لا يقفون حيارى، بل يتناولونه بألسنتهم الحداد، ويتهمونه بما يرونه مستحقًّا له، ويضطرب رأيك فيه بعد الذي تسمع في نقده، وتود لو سمعت قول المنصفين ليتبين لك الحق، فترى أئمة المؤرخين معجبين به، مجلين له، معتقدين كماله وإتقانه، وتستخلص من ذلك صورة تختم بها رأيك فيه فتجده من خيار الناس الذين يكونون مجد الأمم، ويخدمون تراث العلم». وصنف الأستاذ يوسف كتابه هذا تصنيفًا علميًّا دقيقًا، فقسمه إلى أبواب: 1 - عصر الخطيب. 2 - حياته في العلم وللعلم. 3 - صورته بمزاياه وطبعه. 4 - مصادر ثقافته وينبوع أثره. 5 - تعداد شيوخه وأقرانه وتلامذته. 6 - تسمية ما ورد به دمشق من روايته من الأجزاء المسموعة والكتب الكبار المصنفة ... إلخ. 7 - أسماء المؤلفين الذين ورد الخطيب بمؤلفاتهم دمشق. 8 - فهرست مصنفاته. 9 - مقدمة البحث عن ثقافته وأثره. 10 - ثقافته في نشأتها واكتمالها. 11 - آثاره وأهدافه فيها إجمالًا. 12 - الآخذون عنه وخاتمة القول في أثره. 13 - مذهبه ونزعاته. 14 - صفته في علمه. 15 - مكانته عند الناقدين. وفي الكتاب هنات ومآخذ، لا تغض من قيمة ما بذل المؤلف الفاضل من جهد في التحقيق والتنقيب، وكثير منها كان يمكن تداركه، إلى شيوع الأغلاط المطبعية فيه، مما لا نستطيع أن نؤاخذ المؤلف وحده عليها، وكنا نتمنى أن يبذل في التصحيح المطبعي شيئًا من العناية، ونحن نسوق بعض ما رأينا من المآخذ؛ ليكون موضع نظر المؤلف والقارئ: ص 53 س 4: « وبقيت ذاكرته ماثلة في أذهان أهل بغداد » يريد: « وبقيت ذكراه ». ص 94 رقم 30: « قراءة ابن محص؟ » فكذا كتبها المؤلف ووضع بجوارها علامة الاستفهام. وصحتها: « قراءة ابن محيصن »، وابن محيصن أحد القراء المعروفين، واسمه: محمد بن عبد الرحمن المكي. ص 96 رقم 88: « كتاب العلل لعمرو بن علي ( لعله القلاس ) » هكذا كتب، وعمرو بن علي هو "الفلاس" يقينًا، وهو إمام ثبت حجة، صنَّف "المسند والعلل والتاريخ" فلا حاجة إلى الظن، ثم هو "الفلاس" بالفاء لا بالقاف. وما أظن هذا خطأ مطبعيًّا، فقد تكرر في ص 108 رقم 355 وفي ص 109 رقم 400. ص 98 رقم 141: « كتاب الرد على محمد بن الحسين للشافعي » وصوابه: «محمد بن الحسن» وهو الإمام صاحب أبي حنيفة، وهذا الكتاب مطبوع في مطبعة بولاق بمصر سنة 1325 ضمن كتاب (الأم للشافعي ج 7 ص 203 - 277)، وكان يجدر بالمؤلف - وهو بالكتب خبير - أن ينبه إلى ذلك، ولعل الخطأ في جعل "الحسن" "الحسين" خطأ مطبعيًّا. ص 99 رقم 163: من العمود الثاني «كتاب مسائل أبي بكر (أحمد ابن محمد) المرودي»، وصحته: «المروذي» بتشديد الراء المضمومة وكسر الذال المعجمة، نسبة إلى "مرو الروذ" وهي مدينة قديمة معروفة، ينسب إليها "المرويذ" و"المروروذي"، انظر "معجم البلدان". وأبو بكر هذا من كبار أصحاب الإمام أحمد بن حنبل، له ترجمة في "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (ص 32 – 34) طبعة المكتبة العربية بدمشق سنة 1350، و"تاريخ بغداد" للخطيب 423 ص 420 - 425 وغيرهما. ولعل إهمال الذال من الخطأ المطبعي أيضًا. ص 99 رقم 169: «كتاب الموطأ (لمالك) من طريق العنبي ومن رواية ابن وهب وابن العا؟ » هكذا بهذا الرسم وإهمال النقط، ولو رجع المؤلف الفاضل إلى ترجمة الإمام مالك وأسماء تلاميذه، وإلى ما كتب في كتب الحديث وغيرها عن الموطأ وأسماء رواته، لعلم أن صحة الاسم الأول: "القعنبي" بفتح القاف والنون بينهما عين ساكنة، نسبة إلى جده "قعنب"، والقعنبي أحد رواة الموطأ الثقات، واسمه "عبد الله بن مسلمة بن قعنب" وهو شيخ البخاري ومسلم وغيرهما، مات سنة 221. ولعلم أن صحة الاسم الثاني "ابن القاسم" فلعله كتب في الأصل الذي نقل عنه من غير نقط على القاف، أو تآكل الورق، أو ضاع باقي الاسم، أو لعله كتب على طريقة الإملاء القديمة في سطرين "القا" في آخر السطر و"سم" في أول السطر الذي بعده، وهو "عبد الرحمن بن القاسم بن خالد المصري الفقيه" أحد رواة الموطأ عن مالك وحملة فقهه، مات سنة 191. ص 122 رقم 9: «محمد بن ححارة وبيان بن بشر» هكذا بدون نقط، وهما خطأ. والصحيح في الأول: «محمد بن جحادة»، بضم الجيم وتخفيف الحاء المهملة، وهو من صغار التابعين، روى عن أنس بن مالك. وفي الثاني: «بيان» بفتح الباء الموحدة وتخفيف الياء التحتية، وهو من صغار التابعين، روى عن أنس أيضًا. ص 122 رقم 14: «مسند نعيم بن هماز العصعصاني» وهو خطأ، صحته: «نعيم بن همَّار الغطفاني» بفتح الهاء وتشديد الميم من "همار"، و"الغطفاني" بفتح الطاء المهملة وبالفاء، نسبة إلى "غطفان". ص 122 رقم 15: «جزء فيه أحاديث مالك بن أنس عوالي»، وهذا تعبير عجيب ليس بعربي قطعًا! لعله يكون إفرنجيًّا؟ ! العرب يقولون في مثل هذا "عوالي أحاديث مالك بن أنس" أو "أحاديث مالك بن أنس العوالي". ص 123 رقم 20: «الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب تخريج الخطيب لأبي القاسم المهرواني، ذكره ابن الجوزي في المنتظم 8: 304 بقوله: مشيخته». فهذه «المهرواني» غلطة لعلها مطبعية، صوابها «النهرواني» بالنون، وكذلك هو في المنتظم، و«مشيخته» خطأ أيضًا، صحتها «مشيخة» بدون الضمير، كما هو بديهي، وكما هو في "المنتظم". ص 123 رقم 24: كتاب «الفصل للوصل المدرج في النقل في تسعة أجزاء» وضعه المؤلف في كتب المصطلح، ولم أر الكتاب، ولكني أرجح أنه في الحديث لا في المصطلح؛ لأن الظاهر من اسمه ومن تجزئته أنه يذكر الأحاديث التي أدرج فيها ما ليس منها، وينبه على فصل المدرج عن أصل الحديث. ص 124 رقم 25: كتاب "الكفاية للخطيب" نقل المؤلف عن بروكلمن أن دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد تعمل على إخراجه، والكتاب أُخرج فعلًا، وجاء إلى مصر واقتنيناه، وقد طبع سنة 1357، أي منذ ثماني سنين. ص 125 رقم 31: كتاب "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" للخطيب. وصف المؤلف نسخة مكتبة البلدية بالإسكندرية أنها في عشرة مجلدات، وهو خطأ عذره فيه أنه نقله من فهرس مكتبة البلدية، ولكن الكتاب عشرة أجزاء صغار في مجلد واحد، وقد رأيته، ونسخه بخطه أحد إخواننا الشيخ علي عبد العليم، الذي كان قاضيًا بالمحكمة الشرعية بالإسكندرية رحمه الله، ورأيت نسخته أيضًا. ص 129 رقم 54: كتاب "التطفيل" نقل المؤلف عن بروكلمن أنه مطبوع. وهذا إن رضيناه من أحد فلا نرضاه من الأستاذ يوسف العش، العارف بالكتب معرفة جيدة؛ فإن الكتاب مطبوع منذ عشرين سنة تقريبًا في دمشق، وما أظن أن مكتبة الظاهرية تخلو من نسخة من هذه الطبعة. ومما لا يعجبني أن يحيل المؤلف القارئ في تراجم العلماء الكبار المعروفين على كتاب بروكلمن ليعرفوا مراجع تراجمهم! كما صنع في تراجم أبي نعيم ص 80، وابن الصباغ صاحب الشامل، وابن بشران ص 82، وأبي إسحاق الشيرازي وابن ماكولا ص 85، والخطيب التبريزي ص 90، وما أدري لم هذا؟ وكتب التراجم بين يديه، يستطيع أن يرشد القارئ إلى مواضع التراجم فيها تيسيرًا عليهم! وكثير من هذه الكتب يقتنيها المثقفون من القراء. أما كتاب بروكلمن، فإنه باللغة الألمانية أولًا، والعارفون بها قليلون، وقليل منهم من يعنى بالتراجم أو يقتني كتبها، ثم أين هو كتاب بروكلمن الآن؟ إن النسخة منه ليبلغ ثمنها أكثر من أربعين جنيهًا، ثم لا توجد. وخير للمؤلف أن لا يغرب على القارئ، وإن كان مشكورًا على هذا الكتاب الممتع البديع. ولئن كان لي أن أقترح على المؤلف أن يحبو المكتبة العربية بأثر آخر نفيس يكون صنوًا لكتابه، إني أقترح عليه أن يؤرخ للحافظ ابن عساكر مؤلف تاريخ دمشق، كما أرّخ للخطيب مؤلف تاريخ بغداد. المصدر: مجلة الكتاب، عدد شعبان 1365هـ، يوليو 1946م. [1] 276 صفحة من القطع المتوسط، المكتبة العربية، دمشق 1945. [2] كان ذلك وقت كتابة المقال، وقد طبع الكتاب كاملا في ثمانية مجلدات كبار. [إدارة تحرير الألوكة]. |
رحيل البحَّاثة الفيزيائي الدمشقي الأستاذ الدكتور محمد البغدادي صاحب أول موسوعة عربية في الفيزياء وأحد كبار دعاة تعريب التعليم في العلوم التقنية والتجريبية كتبها: أيمن بن أحمد ذو الغنى غيَّب الموت عن دنيانا أحدَ أعلام الشام المعاصرين، وأفراد الفيزيائيين المتخصِّصين، من أبناء حيِّ العَمارة محلَّة (الشرف الأعلى) بدمشق، الأستاذ الجامعيَّ البحَّاثة الدكتور محمد البغدادي، وذلك يوم الثلاثاء 22 من رجب 1441هـ يوافقه 17 آذار (مارس) 2020م، في مغترَبه بمدينة الرِّباط عاصمة المملكة المغربية. رحمه الله تعالى وغفر لنا وله، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. اسمه ودراسته: هو محمد بن محمد سعيد، بن مصطفى، بن صافي البغدادي، المولود في دمشق سنة 1930م. تخرَّج في كلية الحقوق بجامعة دمشق، ثم ابتُعِث إلى فرنسا لاستكمال الدراسة، فآثر دراسةَ الرياضيات وتخصَّص فيها، وتابع دراسته حتى حصلَ على الدكتوراه. ثم حُبِّب إليه التخصُّص في الفيزياء النظرية (الفيزياء الرياضية) التي تبحث في النظريات الفيزيائية وحلولها الرياضية، واستنباط القوانين الفيزيائية المفسِّرة لسلوك الأجسام رياضيًّا، فأولاها اهتمامَه وعنايته حتى برَّز فيها وصار من أعيانها. جهوده وأعماله: بعد عودته من فرنسا تولى التدريسَ في كليتي العلوم والهندسة بجامعة دمشق، وفي كلية العلوم درَّس مادة (الميكانيك الفيزيائي)، ثم أرسل عام 1968م إلى المملكة المغربية مبعوثًا خبيرًا لدى منظمة اليونسكو في مناهج تدريس الرياضيات والفيزياء، ثم استقرَّ في مدينة الرِّباط وبقي فيها اثنتين وخمسن سنةً إلى أن توفيَ رحمه الله، إذ قد حِيلَ بينه وبين الرجوع إلى بلده لظروف خارجة عن إرادته! إلا أن صديقَه الدكتور عبد الله واثق شهيد مدير مركز الدراسات والبحوث العلمية بدمشق، سهَّل له بعضَ الزيارات للمشاركة في مؤتمرات علمية وإلقاء محاضرات في المركز. وفي المغرب نشِط الدكتور البغدادي في مجال تخصُّصه فنفع الله به كثيرًا، وخلَّف بصَمات بيِّنةً وأياديَ بِيضًا، من ذلك أنه أنشأ أولَ مختبر للفيزياء النظرية بكلية العلوم في جامعة محمد الخامس بالرِّباط، وتولَّى إدارته من عام 1972 إلى 1998م، وأسهم في تأسيس القسم العربيِّ لتدريس موادَّ علمية باللغة العربية في المدرسة العليا للأساتذة، وهو عضوٌ في أكاديمية العلوم المغربية. وامتدَّ عطاؤه الجامعيُّ أكثر من ثلاثين عامًا باللغة العربية والفرنسية، وتخرَّج به أجيالٌ من المتخصِّصين في الفيزياء من المغاربة والدارسين في المغرب، وأشرف على غير قليل من طلاب الماجستير والدكتوراه. نتاجه العلمي: انكبَّ الدكتور البغدادي على البحث والتأليف والترجمة، فصدر له غيرُ قليل من المؤلفات بالعربية والإنكليزية والفرنسية، ونقل إلى العربية مصنَّفات من الإنكليزية والفرنسية والألمانية، جُلُّها في الفيزياء النظرية، وتاريخ العلوم، وفلسفة العلم. ومما ترجمه عن الألمانية وقدَّم له كتاب ( منطق البحث العلمي ) للباحث كارل بوبر، صدَر عن المنظمة العربية للترجمة، بدعم من مؤسسة الفكر العربي. ومما ترجمه عن الفرنسية الكتابُ الضخم ( من الخوارزمي إلى ديكارت، دراسات في تاريخ الرياضيات الكلاسيكية) للمؤرِّخ المصري رشدي راشد، من منشورات مركز دراسات الوحدة العربية، بالاشتراك مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. ودأبَ في مجال البحث العلمي، مشاركًا ومسهمًا في بحوث كثيرة. موسوعته الفيزيائية: بعد تقاعده نهض البغداديُّ إلى تصنيف موسوعة في الفيزياء، موظِّفًا فيها خبراته الواسعةَ في مجال التدريس والبحث العلمي التي امتدَّت أكثرَ من نصف قرن، واختار أن تكونَ باللغة العربية، واعترضَته عوائقُ كثيرة تخطَّاها بإصراره وعلوِّ همَّته، ومن أبرز المصاعب التي واجهَته ممَّا ذكره في مقدِّمته: (عدم وجود مقابل واحدٍ متَّفق عليه للمصطلح العلميِّ الأجنبي بين مختلِف البلدان العربية، أو بين الجامعيِّين في القطر الواحد، أو المنتمين إلى أقسام علمية متقاربة كالفيزياء والرياضيات، بل وبين العاملين في القسم الواحد). وجاءت الموسوعة في خمسة مجلَّدات كبيرة بعنوان ( أسس الفيزياء المعاصرة ) ، استغرق إنجازُها عدَّة سنوات، دون أيِّ مساعدة أو دعم، وصدرَت عن دار ( طوب بريس ) المغربية نحو عام 2016م، إلا أن الكتاب لم يوزَّع ويُعرَف إلا عام 2019م. أما أقسامُ الموسوعة الخمسة فهي: المجلد الأول ( الميكانيك التقليدي والنسبوي) ، المجلد الثاني (الميكانيك الإحصائي والترموديناميك) ، المجلد الثالث: (الكهرطيسية والضوء )، المجلد الرابع (الميكانيك الكمومي )، المجلد الخامس (الفيزياء الإحصائية) . وجَهَدَ البغداديُّ ألا يدعَ مجالًا من مجالات الفيزياء الرياضية إلا ويوفِّيه حقَّه، لتكونَ الموسوعة شاملةً غنية مع الدقَّة العلمية الأكاديمية، ولتضعَ تحت أيدي الدارسين كلَّ ما يحتاجون إليه في هذا التخصُّص. وحرَص على أن يسردَ في ذيل كل مجلَّد المراجعَ الخاصَّة به، فضلًا عن مراجعَ أخرى لمن يرغب في التوسُّع والتقصِّي، مع إثبات قائمة بالمصطلحات الواردة بالعربية والإنكليزية، وأحيانًا يضيف إليهما الفرنسية. ووصفَ الموسوعةَ بأنها: (تقدِّم كلَّ ما يتطلَّبه الفيزيائيُّ المتشبِّع بالرياضيات؛ لإتمام دراسته والانفتاح على ما بعد السنوات الأولى من التعليم الجامعي). وأكد الباحث المغربيُّ فيصل البقالي: أن (هذه الموسوعة جديرةٌ بالاقتناء والاحتفاء، ويجب ألا تستغنيَ عنها مدرسةٌ أو معهد ثانوي أو جامعي، ناهيك عن المكتبات العامَّة والخاصَّة. فاقتناؤها استفادةٌ ودعم للبحث العلميِّ الوطني والعربي، وخدمةٌ للعربية وأهلها. وهي بحسَب اطِّلاعي الأوَّلي مفيدةٌ جدًّا لتلاميذ البكالوريا والسنوات الأولى في الجامعة للتخصُّصات الرياضية الفيزيائية). تعريب التعليم: يعَدُّ البَّحاثة الدكتور محمد البغدادي من أبرز دعاة تعليم العلوم (الموادِّ العلمية) باللغة العربية، ومناهضة تعليمها باللغات الأجنبية في المدارس والمعاهد والجامعات العربية. وهو القائل: (لا يمكن لأمَّة أن تتقدَّمَ إلا إذا درسَت وتعلَّمَت وبحثَت بلغتها الأم). وقد أثبتَ بموسوعته هذه ما كان يؤمن به ويُعلنه على الدوام، من أن لغتنا العربيةَ كانت وما زالت وستبقى لغةَ التاريخ والحضارة والفكر، وأنها قادرةٌ على استيعاب العلوم المختلفة ومصطلحاتها على جميع المستويات. أجل إن لهذه الموسوعة أهميةً كبيرة في تأكيد أن اللغة العربية وَلود، وأننا معشرَ العرب قادرون على تخطِّي الصعوبات اللغوية التي يمكن أن تواجهَنا عند الترجمة العلمية. وكذلك قادرون على كسر الاحتكار العلميِّ الغربي، بتقديم مراجعَ علميةٍ رصينة للمكتبات العربية، يستفيد منها الطلبةُ والباحثون والمتخصِّصون العرب في كلِّ علم وفن. وحظيَ الدكتور البغداديُّ بتكريم التنسيقية الوطنية للغة العربية، في المركز الاجتماعيِّ التربوي بحيِّ الرياض في مدينة الرِّباط، في شهر شُباط (فبراير) من عام 2020؛ تقديرًا لغَيرته الحميدة على العربية، وجهوده في إبراز قدرتها على التعبير عن العلوم الحديثة، وأن تكون لغةً للتعليم والتأليف. فائدة: بقي أن أقولَ: إن الدكتور محمد البغدادي هو عمُّ الأستاذ الفيزيائيِّ القدير، والمربِّي الشهير بدمشق سيف الدين البغدادي رحمه الله (والعمُّ يصغُر ابنَ أخيه بسُنيَّات )، وسيف الدين من طلَّاب الدُّفعة الأولى في كلية العلوم بالجامعة السورية، التي ضمَّت نخبةَ الفيزيائيين في الشام فيما بعد، ومنهم: سيِّدي الوالد أحمد ذو الغنى، والأساتذة فاروق السَّلكا، ومحمد المصري، وعبد الله واثق شهيد، ومحمد سعيد الطنطاوي، وعدنان محاسب، وأحمد رضا حتاحت، وبديع السلَّاخ، وزهير الفقير. المصادر: ♦ مراسلات مع ابن أخيه الصديق العزيز الأستاذ بشار البغدادي. ♦ مراسلات مع أستاذنا الفاضل مروان البوَّاب، وهو من طلَّابه في كلية العلوم بجامعة دمشق، درَّسه مادة (الميكانيك الفيزيائي) عام 1965م. ♦ مقالة (وفاة البروفيسور محمد البغدادي صاحب أول موسوعة عربية في الفيزياء) لعابد عبد المنعم، موقع (هوية بريس)، المغرب، بتاريخ 21 مارس 2020م، اعتمد فيها على موقع (الباحثون المسلمون). ♦ مقالة (محمد بغدادي يهدي العرب أول موسوعة علمية في الفيزياء الرياضية باللغة العربية)، صحيفة الحياة، الرياض، بتاريخ 2 أبريل 2019م. ♦ مقالة (أول موسوعة للفيزياء بالعربية اختارت تجرِبة التعريب بالمغرب) لعبد الله أموش، موقع (العُمق المغربي)، بتاريخ 30 أبريل 2019م. ♦ حوار مطوَّل مصوَّر (فيديو) مع الدكتور البغدادي، أجراه معه موقع (العُمق المغربي)، منشور في (يوتيوب)، بتاريخ 11/ 5/ 2019م. |
معجم مشاهير النساء لمحمد ذهني التركي صدر حديثًا كتاب: "معجم مشاهير النساء "، تأليف: " محمد ذهنى " (ت 1329هـ)، ترجمة وتقديم: د. "محمد حرب "، نشر "دار البشير للثقافة والعلوم" . يعدّ كتابُ " معجم مشاهير النّساء" لمحمّد ذهني المكتوب باللّغة التركيّة من الكتب المهمّة التي تتكلّم عن أشْهر النساء فقد أشارَ " محمّد ذهني" أنّ هذا الكتابَ لم يقتصرْ على الشّاعرات أو الصّالحات فحسب؛ بل شمل أيضًا كلّ مشاهيرِ النّساء من جوارٍ ومُغنّيات وفقيهات ومحدّثات وصحابيّات وممّنْ اشتهرنَ بعلوّ جاههِنّ أو اشتهرنَ بحماقتهنّ. وقد تناولَ في هذا المعْجم ترتيبَ النّساء المذكورة فيه أبجديًّا وقدِ استعان فيه بالشّعر وحرص أنْ يكون أسلوبُه سهلًا للقرّاء. وبين المترجم أن هناك كثيرًا من الكتب في تلك الفترة تكلمت عن شهيرات النساء، ومنها كتاب "الدر المنثور في طبقات ربات الخدور " لزينب بنت فواز العاملي (1860 - 1914)، وكتاب معجم شهيرات النساء في سوريا للدكتور نزار أباظة. ومحمد ذهني لم يكتفِ بكتابة كتبه باللغة العربية فحسب؛ بل ذهب إلى أكثر من ذلك؛ حيث إنه يكتب بمنهج جديد وأسلوب حديث يتماشى مع روح العصر، الذي يتطلب السرعة واستغلال الوقت؛ لذلك كثف جهوده في إبداع منهج جديد بعيد عن المناقشات الطويلة والتفصيلات التي لا داعي لها. ومحمّد ذهني فقيهٌ حنفي أديب بالعربية تركي من أهل استانبول وُلد عام 1846م وتُوفّي عام 1913 وبعد أنْ تلقّى تعليمه في المدارس عُيّن مدرسًا للغة العربيّة والعلوم الإسلاميّة في مدارس رفيعة المستوى باستانبول، ودخل عالمَ الصحافة في سنّ مبكّرة، وتابع عملَه مدرّسًا في أرقى المدارس باستانبول. كان يعطي- بجانبِ موادّ اللغة العربيّة - دروسًا في الفقه وسائرِ العلوم الإسلامية. وقام بجوْلات عديدةٍ إلى معظم الدّول العربية، وله عضويّة في عدّة لجانٍ تابعة لوزارة التربيّة والتعليم. كان من أعضاء مجلس المعارف العثماني، ومن المدرسين بالمكتب السلطاني، وعمل مصححًا بدار الطباعة العامرة بإسطنبول، ويعتبر محمد ذهني من علماء العصر الأخير للعهد العثماني، قد عاش في فترة كثرت فيها مناقشات طويلة حول كيفية تعليم اللغة العربية، ومدى ضرورتها في المدارس، وطريقة إصلاح المناهج الدراسية، خاصةً ما يتعلق منها باللغة العربية وآدابها، إذ عليه قوام الدراسة، ولا يصح التعليم في المدارس العثمانية إلا بصلاحها. وتتضح في كتب محمد ذهني غزارة علمه بالعربية، وعمق معرفته بأصولها وقواعدها، وتحكمه بزمام بلاغتها وآدابها، وكتب كتبًا عديدة في مجالات مختلفة في الفقه والحديث وغيرها، ومن كتبه: "القول الجيد" في بيان أوزان الأبيات وقائليها في كتاب "التلخيص" للقزويني وشروحه، و"تعليق على شرح المنار"، و"اقتباس الأنوار في ترجمة المنار"، و"الألغاز الفقهية"، و"القول السديد في علم التجويد"، و"شرح تسهيل التحصيل"، و"شرح أبيات الأصفهندي"، و"تعليق على الجامع الصحيح للبخاري" وهو من تصحيحاته عام 1315هـ، و"رسالة عن الإسلام"، و"الصرف العربي"، و"نعمة الإسلام"، و"كتاب التراجم". والمترجم د. "محمد حرب" هو رائد الدراسات العثمانية في العالم العربي؛ فهو أول مصري يحصل علي الدكتوراه في الدراسات العثمانية من تركيا، وهو الذي ترجم إلي العربية مذكرات السلطان عبد الحميد، مؤسس مركز الدراسات العثمانية وبحوث العالم التركي بالقاهرة ١٩٩١م، ومستشار رئيس جامعة صباح الدين زعيم - إستانبول، كما أنه أول من كتب عن العالم التركي تحت الحصار الشيوعي قبل انهيار الشيوعية، وكتب عدة دراسات عن المسلمين في البلقان. وله مؤلفات عديدة في التاريخ العثماني، منها: "العثمانيون في التاريخ والحضارة"، و" السلطان عبد الحميد الثاني آخر السلاطين العثمانيين الكبار"، و " الملك فيصل بن عبد العزيز "، و"البوسنة والهرسك من الفتح إلى الكارثة"، و"تاريخ الدولة العثمانية المبسط"، و"رحلة جرجي زيدان إلى الأستانة عام 1909"، و"الملك عبد العزيز آل سعود"، و"السلطان عبد الحميد الثاني"، و"المثقفون والسلطة "، و"رحلات عثمانية في الجزيرة العربية والهند وآسيا الوسطى".. وغيرها من المؤلفات والترجمات. |
التقاضي عند الأقليات المسلمة (دراسة فقهية) لأحمد الخضيري صدر حديثًا كتاب " التقاضي عند الأقليات المسلمة (دراسة فقهية) "، تأليف: فضيلة الشيخ د. " أحمد بن محمد الخضيري "، الأستاذ المشارك بقسم الفقه في كلية الشريعة بالرياض، من إصدارات "جمعية قضاء "، و" دار التحبير للنشر والتوزيع "، في سلسلة "الدراسات القضائية ". تحدث الكاتب عن التقاضي عند المجالس القضائية الإسلامية، وعند المحكمين، وعند المحاكم الوضعية، خارج ديار الإسلام، فحرر أحكامها الفقهية.. متناولًا موقف الأقليات المسلمة في بلاد الغرب، ومدى شرعية لجوئهم للمحاكم الغربية في استيفاء حقوقهم وتسيير شئون حياتهم العامة. ونجد أن مصطلح "ا لأقليات الإسلامية " يطلق على المسلمين الذين يقيمون خارج ديار الإسلام، سواء كانوا من أهل البلد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام، أو كانوا من المهاجرين الذين قدموا من البلاد الإسلامية، وهم يمثلون اليوم ثقلًا بشريًّا وثقافيًّا ملحوظًا مع تنامي أعدادهم، ووعيهم بانتمائهم الإسلامي. وإن من مقتضى المحافظة على هويتهم الإسلامية أن يسعوا إلى اتخاذ كل وسيلة تحفظ لهم دينهم، وتحصن أجيالهم من خطر التبعية والتقليد، وقد قامت - بحمد الله - جهود كبيرة تتمثل في عمارة المساجد وإنشاء المدارس والمعاهد والكليات والمراكز الإسلامية وغيرها. وإن مما يعانيه مسلمو الأقليات عدم وجود قضاء إسلامي يحتكمون إليه، وبخاصة مع كثرة ما يقع بينهم من منازعات في المعاملات المالية أو الأحوال الشخصية وغيرها، وهذا يسهم في إضعاف هويتهم، ويجعل تبعيتهم مرتهنة بأحكام وضعية لا يرتضونها، ولا تتسق مع عقيدتهم وثقافتهم. فجاء هذا البحث يؤصل لموضوع التقاضي في تلك البلاد - نظرًا لكون القضاء من مناصب الولايات الشرعية المفقودة في بلاد الأقليات - ويسهم في اقتراح وسائل قضاء إسلامية يلجأ إليها المسلمون هناك لحسم منازعاتهم، وحفظ حقوقهم، وتساعدهم على تكوين مجتمع إسلامي مترابط، له شخصيته وانتماؤه المستقل، وتعصمهم - بإذن الله - من الذوبان في المجتمع الذي يعيشون فيه. ونجد أن "فقه الأقليات" هو مصطلح جديد استدعته مجموعة من العوامل، أهمها الواقع الجديد لجماعات دخلت في الإسلام من البلاد ذات الأغلبية غير المسلمة، أو جماعات تركت أوطانها، واستوطنت البلاد غير الإسلامية، لظروف اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، واضطروا للالتزام بنظام البلد الجديد، مع المحافظة على إسلامهم وثقافتهم الأصلية، فاحتاجوا إلى نظرة خاصة، تراعي ظروفهم، وحاجاتهم، ومصالحهم,، وتتفهم مستجدات العصر في ضوء الكتاب والسنة، والقواعد الشرعية، والأصول الاجتهادية، دون اللجوء للتلفيق بين الآراء، أو تتبع الشاذ منها. فهو إذًا فقه يحتاج إلى النظر في الواقع الذي تعيشه تلك الأقليات وما فيه من ضرورات، وحاجات، لا يجوز أن يغفل عنها المفتي. وهو فقه يشمل جميع أبواب الفقه المعروفة أو أكثرها، لكنه راعى خصوصيات الواقع الجديد للأقليات المسلمة. ولا يعني ذلك عدم وجود مثل تلك المسائل الفقهية في بلاد المسلمين، وإنما ينظر إليها بحسب أصل نشأتها، وأول وقوعها، أو وجود خصوصيات تتعلق بالأقليات تقتضي مراعاتها في الحكم والفتوى. وقد راعى الكاتب في بيان تلك الأحكام المتعلقة بالتقاضي عند الأقليات الإسلامية: ١- استقراء مصادر البحث المعتمدة، وبيان حكم المسألة وأهم أدلتها من غير تعرض للترجيح. ٢- نقل فحوى قرارات المجامع الفقهية وهيئات الفتوى مع الالتزام باستيعاب قرارات الهيئات العلمية بحيث لا تهمل مسألة وجدت فيها كلها أو في بعضها وهي: "هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة، مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، مجمع البحوث الإسلامية بمصر، مجمع الفقه الإسلامي بالهند، الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية". 3- الرجوع للمجلات العلمية المحكمة، وبخاصة مجلات الجامعات وكليات الشريعة ومراكز البحث في الدراسات الإسلامية بحيث لا تهمل مسألة وردت في شيء من تلك المسائل مع عدم التكرار، مع الاختصار وجلب مناط المسألة والرأي الأصح فيها. ومن ضمن نتائج الدراسة أن الأصل هو حرمة تقلد القضاء تحت ولاية لا تحكم بما أنزل الله، إلا إذا تعين ذلك سبيلًا لدفع ضرر عظيم يتهدد جماعة المسلمين وحفظ الحقوق وحماية الأعراض والأموال، وإنصاف المظلومين، وفي حال انعدام البديل الشرعي القادر على رد الحقوق واستخلاص المظالم شريطة العلم بأحكام الشريعة الإسلامية، والقضاء بأحكامها ما أمكن، مع كراهية القلب لتحكيم القانون الوضعي، ولا يستحل من أحكامه إلا ما وافق الشريعة. ويجوز أن يشارك المسلم كعضو في هيئة (محلفين) بغرض إنصاف المظلومين من المسلمين وغيرهم، شريطة أن يكون حكمه بما يوافق الشرع. كما أنه يتعين على الجاليات الإسلامية السعي بالطرق القانونية المشروعة لكي يمكنوا من التحاكم إلى شريعتهم لا سيما في الأحوال الشخصية. كما أنه يتعين على المسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام أن يسعوا إلى حل منازعاتهم وخصوماتهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية قدر الإمكان، ويتم ذلك عن طريق اللجوء إلى التحكيم في كل ما لا يتعارض مع القوانين السارية في البلاد، ولا سيما في الأحوال الشخصية والمعاملات المالية، وعلى المسلمين أن يقيموا هيئات للإصلاح والتحكيم من ذوي الكفاية الشرعية والمعرفة القانونية والخبرة العملية، وأن يكونوا معروفين بالنزاهة والاستقامة، ويمكن أن يتم التحكيم عين طريق الاشتراط في العقد أو عن طريق وضع اتفاق تحكيمي عند حصول الخلاف، ويكون قرار التحكيم ملزمًا لجميع الأطراف بناء على تعهدهم، وعليهم تنفيذه. |
فوائد سيَّد.. العالِم الذي فقدناه في صباح يوم الأحد الثاني من رمضان سنة 1387هـ - الثالث من ديسمبر سنة 1967م دُعِي الأستاذ فؤاد سيَّد فأجاب، وخسرت مصر والعالم العربي بوفاته عالمًا فردًا، ظل يعمل في دنيا المخطوطات العربية قرابة الأربعين عامًا، درسًا وتمثلًا وتصنيفًا؟. إن حياة هذا الرجل صورة فذة، جمعت أجزاؤها كل جلال النبوغ الفطري والتحصيل الذكي الدؤوب والعصامية التي استعلت على قسوة المنشأ وباركتها عناية الله حتى استوت علمًا نافعًا فيه خير وبركة ونماء. ولد الأستاذ فؤاد سيِّد عمارة في القاهرة (بدرب الأغوات في حي الدرب الأحمر) يوم 20 أكتوبر سنة 1916م لأب رقيق الحال، توفي عنه سنة 1932 م، ولم تكن له عمومة يعتزي إليها ويشرف بها، أو خؤولة تصونه وترعاه، فدب على الطريق وحيدًا إلا من دعاء أم لا تملك سوى الدعاء وقد أشقاها الترمل وأرَّقها الخوف على الصبي اليتيم، ولم يصب الفتى من التعليم غير مرحلة «الكُتَّاب» ثم أربع سنوات قضاها بمدرسة عبد الباقي الشوربجي الأولية بشارع جامع البنات، ويترك الصبي المدرسة ليعمل بمطبعة كانت تسمى المطبعة الملوكية، بجوار دار الكتب المصرية على يمينك وأنت تريد ميدان العتبة. وفي سنة 1929م يلتحق الصبي بدار الكتب المصرية عاملًا بمطبعتها في تصفيف الحروف، ثم يدلف الفتى على استحياء إلى مخازن الدار وفهارسها العربية فتبهره صفوف الكتب ويعيش مع ترابها أحلى قصة كفاح نسجت خيوطها موهبة فذة ورفدتها عبقرية نادرة. استمع إلى الأستاذ المحقق محمد عبد الجواد يصفه في هذه المرحلة من حياته في كتابه: «تقويم دار العلوم الذي صدر عام 1959 م» يقول: «من أكثر من ربع قرن مضى توجهت إلى دار الكتب المصرية، أبحث عن موضوع لغوي، فصادفني بين ولدانها فتى في منتصف العقد الثاني من عمره، طلب إليه الأمين أن يجيب طلبتي، فإذا بي أمام مطلع عالم بالموضوع، وأضاف إلى إجابته ذكر جملة من المظان التي يصح الرجوع إليها فيه. فعجبت لهذا الشاب وتمنيت لو أن «دار الكتب» يكون بين موظفيها عدد من المرشدين من مثله، والذين أدعوهم «فهارس ناطقة». وبعد أن يعدد الأستاذ عبد الجواد آثار الفقيد يضيف: «وترى فؤادًا هذا - في تحقيق المخطوط «حـ» (يقصد طبقات الأطباء والحكماء» - عالمًا من كبار العلماء بدقائق الحقائق التاريخية، وكتب السير والطبقات، فضلًا عن سعة الاطلاع والتمكن من المادة التي يبحث عنها ويفحص عن صحتها. أما المباحث اللغوية وتحقيق الأسماء والمصطلحات، فتعجب عن اطلاعك على مجهوده، كيف يتكلم عن اليونانية واللاتينية، إلى الفرنسية والألمانية والتركية وغيرها، واثقًا مما يقول مرجحًا مضعفًا». انتهى كلام الأستاذ محمد عبد الجواد. وفي هذه الحقبة من التاريخ كانت دار الكتب المصرية تضم نفرًا من العلماء الأفذاذ الذين نذروا حياتهم لخدمة التراث العربي والفكر الإسلامي في صمت معجب، حيث قدموا شوامخ النصوص العربية، كتفسير القرطبي والأغاني والنجوم الزاهرة ونهاية الأرب، على أدق ما يكون الإخراج ضبطًا وتحقيقًا. ومن هؤلاء العلماء أذكر الأساتذة عبد الرحيم محمود وزكي العدوي وحسن حسين وعبد المجيد الأقدمي ومحمود إمام. ويبرز من بين هذا النفر الكريم الشيخ محمد عبد الرسول، وكان رحمه الله حجة في المخطوطات العربية، وتتوثق صلة الفتى به ويتتلمذ له فيصيب على يديه خيرًا كثيرًا. وقد اضطر فقيدنا في هذه المرحلة من حياته إلى أن يأكل من نَسْخِ الكتب، فنَسَخَ كثيرًا من المخطوطات. وقد حدثني أن يديه لا تزالان ترتعشان من طول ما نسخ. وحقًّا ما قال، فقد كنت إذا حدقت فيه وهو يكتب لا تخطئ رعشة خفيفة في يديه. ومن الذين كان ينسخ لهم - كما حدثني - الدكتور محمود الخضيري أستاذ الفلسفة الإسلامية رحمه الله، والمستشرق الفرنسي شال كونس المشتغل بتحقيق كتاب «الجيم» لأبي عمرو الشيباني. وكان - رحمه الله - يفخر بنسخ الكتب، ويقول لي: إنه مهنة العلماء كياقوت الحموي صاحب معجم الأدباء. وبفضل هذا النسخ حصَّل كثيرًا من المعارف، ووعت ذاكرته ما لا يحصى من أسماء الكتب. وحين أصبح قادرًا على تمييز الخطوط وردها إلى العصر الذي كتبت فيه، استنادًا إلى نوع الحبر وكثافة الورق وطريقة الكتابة، من إهمال للنقط أو إعجام. أضف إلى هذا أن خطوط العلماء كانت متميزة في عينه، فهذا خط الصلاح الصفدي، وذاك قلم ابن حجر العسقلاني. وكان يقول لي: إن خط الصفدي لا تخطئه العين، فهو خط منسق جميل، ومن خصائصه كيت وكيت، وإن قلم ابن حجر لا يتوقف فتكاد كلماته تتشابك. وكذلك كان. وكان غفر الله له نسيج وحده في قراءة ما يكتب في صدر المخطوط من إجازات أو تملكات أو توثيق، ثم كان حجة في تقويم كل ذلك وبيان زيفه من صحيحه، مع قدرة فائقة على قراءة الكلمات المصحَّفة وتقويم العبارات المزالة عن وجهها. ويا لحسرة القلب، لقد مات بموت هذا الرجل علم كثير. وكم كنا نتمنى أن ينسأ الله في أجله حتى نستطيع نحن أبناء هذا الجيل أن نعي شيئًا من هذا العلم الكثير، كما كان هو يتمنى أن يمتد به العمر ويُكفى السعي المضني وراء الرزق ليدوِّن هذا المحصول فتخرج تلك المعرفة إلى الناس في كتاب مقروء. أجل، كان الأستاذ فؤاد سيِّد وريث تلك المدرسة الجليلة التي أحبت المخطوطات العربية ووقفت عليها مالها ومنحتها كل حياتها، مدرسة محمد محمود الشنقيطي وأحمد تيمور وأحمد زكي. ونعود إلى الخط الوظيفي للفقيد، فنراه يظل يعمل في قسم الفهارس العربية إلى أن منح في سنة 1951 لقب أمين المخطوطات بصفة شرفية، وكان حينئذ يقوم بفهرسة المخطوطات وتصنيفها. ولما قامت دار الكتب بفصل المخطوطات عن المطبوعات في جناح خاص بها أصدر مدير الدار (وكان في ذلك الوقت الأستاذ السيَّد فرج وكيل وزارة الثقافة الآن) قرارًا بتسليمه عهدة مكتبة المخطوطات والقيام بشؤونها، وصار أول أمين للمخطوطات بالدار. وقد قام في عمله الجديد بالأعمال الآتية: 1 - الخدمة المكتبية وإرشاد الباحثين. 2 - اختيار جميع المخطوطات والوثائق التي تحتاج للتجليد والترميم ووضع المواصفات الفنية اللازمة لذلك حفاظًا عليها وصونًا لها، لما لهذه المخطوطات من معالم تاريخية وفنية. 3 - اختيار المخطوطات القيمة والنادرة لتصويرها بالميكروفيلم أو التكبير. 4 - تزويد المكتبة بصورة من بطاقات جميع المخطوطات المحفوظة بالدار لتيسير وسائل البحث والمراجعة لجمهورها من المستعيرين. 5 - إعداد دفتر خاص للكتب المعارة داخل هذه المكتبة أو عند موظفي الدار أو في الخارج، وإصدار إحصائيات شهرية سنوية بحالة الإعارة فيها. 6 - المشاركة في إعداد سجلات خاصة للمخطوطات تكون صورة مطابقة لما في مخازن المخطوطات من الكتب، لتصير أساسًا لجرد هذه المكتبة وحصر محتوياتها. وقد كان من أثر هذه التنظيمات التي تمت لأول مرة في تاريخ دار الكتب أن حققت هذه المكتبة رسالتها العلمية على خير ما يجب من النفع للمترددين عليها من الباحثين والعلماء العرب والمستشرقين. ولما كان - رحمه الله - سكرتيرًا للجنة شراء المخطوطات ولجنة حماية المخطوطات وصيانتها، فقد يسر له إشرافه على هذه المكتبة إنجاز أعمال هاتين اللجنتين بصورة مباشرة كان لها أثر كبير في النتائج الإيجابية التي حققتها هاتان اللجنتان. ومع ذلك فإن عمله في أمانة المخطوطات وسكرتارية هذه اللجان وإعداد جداول أعمالها وتنفيذ قراراتها لم يحل دون مساهمة فعالة مع قسم حماية التراث في فهرسة المخطوطات وتصنيفها. وقد قام فعلًا في هذا الصدد بالأعمال الآتية: 1 - إخراج فهرست مخطوطات مصطلح الحديث، على منهج علمي مفصل للمرة الأولى في تاريخ دار الكتب. صدر سنة 1956 م. 2 - فهرسة جميع ما يرد للدار تباعًا من المخطوطات والمصوَّرات. 3 - إعداد فهرست لجميع ما أضيف لمخازن الدار من الكتب الخطية من سنة 1936م إلى سنة 1955م ويحوي ما يقرب من ثمانية آلاف كتاب ورسالة. وقد ظهر في ثلاثة أقسام: القسم الأول (أ - س) وصدر سنة 1961م. القسم الثاني (ش - ل) وصدر سنة 1962م. القسم الثالث (م - ي) وصدر سنة 1963م. 4 - نشرة عن مؤلفات ابن سينا وشروحها الموجودة بالدار. صدرت سنة 1950 بمناسبة العيد الألفي لابن سينا. ولم يقف نشاط الفقيد محصورًا داخل دار الكتب المصرية، بل تعداه إلى كل الهيئات المعنية بالتراث العربي، فحين أنشئ معهد المخطوطات العربية بجامعة الدول العربية ظل - رحمه الله - على صلة به ومشاركة في أعماله، حتى انتدب ابتداء من سنة 1953م ليكون خبيرًا بالمعهد. وقد أنجز لهذا المعهد عدة فهارس، صور أولها عام 1954 م وهو فهرس عام لمقتنيات المعهد. والفهرس الثاني خاص بعلم التاريخ، وجاء في مجلدين، ظهر الأول سنة 1957م، والثاني سنة 1959م. ثم عمل فهرسًا ثالثًا للمعارف العامة نجز سنة 1966م. ولم يكن إخراجه للفهارس جافًا واقفًا عند حدود المادة المكتبية، بل كنت تحس فيه بدقة العالم وتصرف المتثبت المحقق. استمع إليه في مقدمة الفهرس العام لمعهد المخطوطات: «وقد عنيت عناية شديدة بذكر اسم المؤلف كاملًا مصحوبًا بكنيته ولقبه ونسبه، مع التحري الدقيق لتاريخ وفاته، أو تعيين القرن الذي عاش فيه معتمدًا في ذلك على كتب التراجم والطبقات. وكنت حريصًا على التعريف بالكتاب ومحتوياته وتبويبه وذكر ما يشمله من موضوعات، ما وافتني بذلك المصادر والأصل. وعنيت أيضًا بعمل إحالات متعددة للكتب التي لها أسماء مختلفة، أو اشتهرت بعناوين معينة، أو كانت اختصارًا أو شرحًا لكتب أخرى، كما أن الكتب التي تبحث في أكثر في موضوع كررت ذكرها ذكرها في فنونها المتعددة، كل ذلك تيسيرًا للباحث وعونًا له على الوصول إلى طلبته من أية مظنة». وكان - رحمه الله - على صلة ومشاركة في أعمال معاهد الاستشراق بمصر وعلى وجه الخصوص المعهد الفرنسي. ولما أنشأ المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالجمهورية العربية المتحدة فرعًا لنشر التراث الإسلامي عام 1960م كان - رحمه الله - عضوًا فيه من أول جلسة. وفي العام الفائت أنشأت وزارة الثقافة معهدًا ملحقًا بدار الكتب المصرية لتحقيق النصوص ونشرها يلتحق به خريجو الجامعات. وقد اختير - رحمه الله - ليحاضر في هذا المعهد. رحلاته العلمية: حجَّ - رحمة الله عليه - مرَّتين، زار خلالهما مكتبات مكة والمدينة، واطلَّع على نفائس المخطوطات هناك، وتوثَّقت صلاته بعلمائهما. وفي سنة 1957م، انتدب ضمن بعثة لزيارة مكتبة دير سانت كاترين بشبه جزيرة سيناء، لدراسة ما تحويه من مخطوطات أثرية وتقديم تقرير بما يجب اتباعه لحفظ هذه المخطوطات وحمايتها. ثم كانت رحلتاه إلى اليمن، الأولى سنة 1952م، والثانية 1964م، في بعثة برياسة الدكتور خليل نامي أستاذ فقه اللغة بآداب القاهرة. وفي هاتين الرحلتين اكتُشف لأول مرة تراث طيب لفكر المعتزلة، تطاول عليه العمر، مختبئًا في سراديب الظلام. وقد نشر من هذا التراث المكتشف ثلاثة نصوص للقاضي عبد الجبار: المغني، والمجموع المحيط بالتكليف، ثم شرح الأصول الخمسة. ولا يزال هناك الكثير من تراث المعتزلة مما صور من اليمن ينتظر الدراسة والنشر. وكان الموجود من هذا التراث بين يدي الناس لا يزيد على الكتب الثلاثة. وترجع أهمية هذا التراث - كما كان يحدثني الأستاذ رحمه الله - إلى أنه يعرض لفكر المعتزلة بأقلام أئمة الاعتزال أنفسهم، وكان كل ما يكتب قبلًا عنهم إنما يأتي من قبل خصومهم، وفي هذا ما فيه. وفي شهر مايو من العام الماضي كانت آخر رحلاته رحمه الله، حيث دعاه المعهد الجامعي الشرقي بنابُلي للقيام بدراسات علمية في التراث الإسلامي والمخطوطات العربية. وقد لقي هناك ترحيبًا كريمًا من جمعيات الاستشراق ولبث شهرين يعاون طلبة الدراسات العليا على فهرسة محتويات المعهد من المخطوطات العربية، ويرشد ويوجه أصحاب الدراسات والبحوث إلى المراجع العلمية التي تخدم بحوثهم. آثاره العلمية: من الناس من يشغل بغيره عن نفسه، وتستعلن آثاره أو تتوارى في جهود سواه، وهو في كل ذلك سعيد بما يبذل من وقته وفكره، وسواء أذاع الناس فضله أم جحدوا فهو حيث هو، لا يتحول ولا يريم، لأنه يرضي سخاء نفسه الراغبة في البذل والعطاء. وقد كان الأستاذ - آجره الله - من هذا الصنف من الناس، فقد فرضت عليه ظروفه الوظيفية في الإرشاد والتوجيه، ثم قبل كل ذلك قلبه المحب للناس الراغب فيهم المستزيد من صداقتهم، فرض عليه كل ذلك أن يعيش لغيره وأن يقف وقته لتلبية الرغبات وقضاء الحاجات. وقد كنت أرى الرسائل أكوامًا تلاحقه في مكتبه وفي بيته من الدارسين والمحققين، وقد تأخذ الرغبات بتلابيبه فيبدو منه بعض الضجر، ولكنه سرعان ما يثوب إلى نفسه السخية المعطاء فيلبي ويجيب. وافتح أي كتاب شئت من نصوص التراث المنشور لترى آثار علمه وفضله، يذكرها الناشرون تكريمًا للرجل وتزكية لعملهم. لكن الله بارك له في وقته وسُنِّي له أن يُخرج بعض النصوص حاملة اسمه، وقد أبان فيها عن علم كثير. ففضلًا عن الفهارس العلمية التي صنعها لدار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية، حقق - رحمه الله - هذه النصوص، وهي بحسب ترتيبها الزمني: 1 - طبقات الأطباء والحكماء، لأبي سليمان بن حسان الأندلسي المعروف بابن جُلجُل (بجيمين مضمومتين) من علماء القرن الرابع الهجري. وقد كان الفقيد - رحمه الله - يعتز كثيرًا بهذا الكتاب وبعمله فيه. وقد قدَّم له بمقدمة علمية قيمة، قال فيها: «هذا كتاب يعتبر وثيقة هامة في تاريخ العلوم وتطور حركة التأليف والترجمة في القرن الرابع الهجري الذي يعد بحق العصر الذي ازدهرت فيه الحضارة الإسلامية ونمت وبلغت غايتها من الإنتاج الواسع في شتى ميادين العلوم والآداب. ولعل ميزة هذا الكتاب الأولى التي جعلت له قيمة علمية خاصة ونصًا قديمًا له خطره في تاريخ العلم أن مؤلفه يعتمد فيما رجع إليه من مصادر على تراجم عربية لأصول لاتينية تاريخية. فقد عهدنا دائمًا أن أكثر الكتب التي نقلها العرب أو غيرهم من المترجمين كانت عن أصول يونانية، والقليل منها عن اللغات الفارسية والسريانية والهندية، وأنهم أكثروا من النقل والترجمة عن هذا الطريق، ولكنا لم نظفر - إلا قيلًا جدًّا - بنصوص عربية ترجمت عن اللغات اللاتينية. وربما كان كتابنا هذا أول كتاب استفاد من هذه الترجمات التي نرجح أنها تمَّت في عصره أو قبله بقليل». ثم يمضي الأستاذ في مقدمته متحدثًا عن مصادر الكتاب، وعن هذا اللون من التصنيف، متتبعًا المسار الزمني له. وقد وقف - رحمه الله - عند بعض النصوص التي أوردها ابن جُلجُل، والتي تذكر صراحة قدم حركة النقل والترجمة في صدر الدولة الأموية. وكان الشائع أنها تمت في العصر العباسي وفي عصر المأمون بالذات. وهذا النص هو ما جاء في صفحة 61 من الكتاب أثناء ترجمة ماسرجويه الطبيب البصري الذي عاش في الدولة الأموية، وتولَّى أيام حُكْم مروان بن الحكم (64 - 65 هـ) ترجمة كتاب «أهرن بن أعين القس» إلى العربية. وكان أهرن من الأطباء الذين عاشوا في الإسكندرية في عصر هرقل (610 - 641 م) في صدر الإسلام، ووضع «كناشة» باللغة اليونانية ثم نقله إلى السريانية، إلى أن قام بترجمته إلى العربية ماسرجويه المذكور. وقد ذكر ابن جُلجُل في هذه الترجمة أن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (99 - 101 هـ) وجده في خزائن الكتب (الأموية) وأنه استخار الله في إخراجه إلى المسلمين. وكثيرًا ما كان الأستاذ - رحمه الله - يدلني على قيمة هذا النص، ويكثر من الحديث حوله. وقد طبع هذا الكتاب أول مرة بمطبعة الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة سنة 1955م، ثم أعادت مكتبة المثنى ببغداد طبعه بالأوفست منذ ثلاث سنوات، بعد أن عزّت نسخه، فقدمت بذلك خدمة جليلة للعلم والعلماء. 2 - طبقات فقهاء اليمن، لابن سمرة الجعدي، عمر بن علي المتوفى بعد سنة 586هـ، وهو أول كتاب يظهر خاصًا بعلماء اليمن. وترى في آخره فهرسًا لبلاد اليمن، صنعه الفقيد، آية في التثبُّت والتحرِّي والاستقصاء. وقد طبع هذا الكتاب بالقاهرة سنة 1957م، وجعله الأستاذ الحلقة الأولى في سلسلة «المكتبة اليمنية» التي كان يريد أن يمضي في نشرها. 3 - شروط المؤرخ في كتابة التاريخ (مجموعة فتاوى لبعض العلماء فيما يشترط في المؤرخ لكتابة التاريخ من الجرح والتعديل)، نشرت بمجلة معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية سنة 1957. 4 - إعارة الكتب عند الأقدمين (نصان قديمان لليزيدي والسيوطي)، نشرت بمجلة معهد المخطوطات سنة 1958م. 5 - الوسيط في تراجم أدباء شنقيط (موريتانيا) للشنقيطي أحمد بن الأمين. أشرف الفقيد على طبعه وقدم له. طبع بالقاهرة سنة 1959م. 6 - العبر في خبر من عبر( [1] )، للحافظ الذهبي المتوفى سنة 748هـ، وهو مختصر لكتابه الكبير «تاريخ الإسلام»، حقق الأستاذ منه الجزئين الثاني والثالث. وطبعا بالكويت سنة 1961م. 7 - العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين (مكة) لتقي الدين الفاسي المتوفى سنة 832هـ وهو أكبر موسوعة في تاريخ مكة ومن عاش فيها أو دخلها أو سكنها من العلماء والفقهاء والشعراء والأدباء وغيرهم. حذا فيه مؤلفه حذو الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"، والحاكم النيسابوري في "تاريخ نيسابور"، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، والسمعاني في "تاريخ مرو". والكتاب في ثمانية أجزاء حقق الفقيد العزيز منه الأجزاء من الثاني إلى السابع، وأعجلته المنية عن إتمام الثامن. وقد كان في نيته - رحمه الله - أن ينشر «ذيل العقد» لابن فهد المكي تلميذ الفاسي. وقد رأيت بعيني مدى ما كابده الأستاذ من جهد في تحقيق الكتاب. ومكة البلد الأمين مهوى الأفئدة ومطمح الأنفس، ارتبطت أرضها الحرام بأداء ركن من أركان الإسلام، فلن تحد عالمًا من علماء الإسلام إلا وردها حاجًّا مجاورًا. ومن هنا كثرت تراجم هذا الكتاب، وانفسح مجال القول أمام الفاسي، فأكثر من النقول والنصوص، ونقل أسماء المترجمين ووفياتهم من أحجار القبور (وتلك منزلة عليا في درجات التأريخ). فكان لزامًا على من يتصدى لتحقيق مثل هذا العمل أن يشارف ذلك المستوى في التحقيق والتوثيق. وقد فعل الرجل، ورجع إلى مصادر الفاسي، مطبوعها ومخطوطها - وما أكثرها - وصحح كثيرًا من الأسماء والبلدان. وقد كان - رحمه الله - حجة في ضبط الأعلام والأنساب. وعلى هذا الذكر أقول: إن الأستاذ كان كثير الرجوع في ضبط الأعلام إلى «تاج العروس» للمرتضى الزبيدي، وكان دائم الإشادة بالتاج فيما يتصل بذكر الأعلام والأنساب والألقاب والبلدان. وكان يقول لي كثيرًا: إن هذه فضيلة للتاج عري عنها «لسان العرب» لابن منظور. وقد ابتدأ طبع العقد الثمين بالقاهرة سنة 1959م، وحقَّق الفقيد الجزء الثاني عام 1962م. وحين توفي - رحمه الله - كان في برنامجه تحقيق جملة صالحة من الكتب أذكر منها: 1 - نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، للإدريسي. وكان يقوم على طبع هذه الموسوعة الجغرافية إحدى جمعيات الاستشراق بإيطاليا، عهدت إلى القيد تحقيق القسم الخاص باليمن، ووزعت بقية الأجزاء على خمسة عشر عالمًا ومستشرقًا، وكان - رحمه الله - على نية العمل في هذا الكتاب خلال شهر رمضان الذي لقي ربه فيه. 2 - طبقات المفسرين، للداودي تلميذ السيوطي. 3 - فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار، وهو من التراث الذي اجتلبه من رحلتي اليمن. 4 - جزء من مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، الذي يخرجه معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية. ثقافته: لم ينل فقيدنا من إجازات التعليم سوى الشهادة الابتدائية، حصل عليها سنة 1943م بعد أن سلخ من عمره 27 عامًا، وقد اضطر إلى الحصول على هذه الإجازة الصغيرة لينتقل من طبقة العمال والسعاة إلى طبقة الكتبة والموظفين بدار الكتب المصرية. ثم التحق بمدرسة «برليتس» ليصيب طرفًا من اللغة الفرنسية. هذا هو كل تعليمه المدرسي، لكنه - رحمه الله - كان ذا نفس طلعة، حببت إليه المعرفة في كل فرعها فراح ينشدها من بطون الكتب وأفواه الرجال. وكان حصاد هذا كله سعة أفق ورحابة صدر ومضار عقل ونفاذ بصيرة. اتَّصل - رحمه الله - بالتراث الإسلامي صبيًّا بحكم عمله في دار الكتب المصرية، وتلمذ هناك لمشيخة جليلة - أسلفت الحديث عنها - شدته إلى التحصيل، فحفظ المعلقات السبع وعيون الشعر فاستقام لسانه. على أن هناك شخصية كريمة بهرت الفقيد العزيز فأقبل عليها وأفاد منها الخلق الرضي والعلم النافع، وما كان - رحمه الله - يذكر هذه الشخصية إلا وتطفر من عينيه الدمعة، تلك هي شخصية الشيخ محمد زاهد الكوثري علامة وقته ونادرة زمانه، ولد - رحمه الله - بشرقي الأستانة ونزل القاهرة فرارًا من اضطهاد الكماليين، حيث توفي بها سنة 1371هـ / 1952م، وقد أجاز الشيخ الكوثري فقيدنا في ليلة الجمعة 20 من رمضان سنة 1371هـ في السنة التي توفي فيها، وكانت آخر إجازة يمنحها الشيخ لتلاميذه. ونص الإجازة: «وممن استجازني الأستاذ الفاضل البحاثة الواسع الاطلاع السيَّد فؤاد السيِّد عمارة، كان الله له حيثما يكون، ورعاه في كل حركة وسكون. وبعد أن اطلع على كثير من مؤلفاتي وسمع مني حديث الرحمة المسلسل بالأولية، أجزته أن يروي عني جميع ما تصح لي وعني روايته من حديث وتفسير وفقه وأصول وتوحيد ومصطلح وتاريخ وحكمة وعربية». وفي آخر المطاف تركز علم الفقيد في نقطتين اثنتين لا يشركه فيهما سواه: فكر المعتزلة، والإحاطة بجغرافية اليمن وعلمائها. هاتان النقطتان فرَّغ لهما نفسه وصرف إليهما جهده، حتى ملك القول فيهما غير مدافع ولا مزاحم. وقد قُدِّر لي - وأنا آخذ عنه وأتلقى منه - أن أشهده وهو يخطط لتحقيق «فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة»، و«نزهة المشتاق في اختراق الآفاق» فرأيت عجبًا، يرحمه الله. أما الحديث عن ظرفه وخفة ظله فيرجع إلى أنه تعرف في شبابه على أعلام الظرف والفكاهة في ذلك العصر، من مدرسة الشاعر الزجال حسين شفيق المصري، وكان - رحمه الله - أمة في الرواية والحفظ - ومعارضاته للمعلقات السبع معروفة - وكانت لفقيدنا خصوصية بهذا الشاعر الكبير، أفاضت عليه الكثير من خفة الروح وعذوبة الحديث. ووعت حافظته كثيرًا من شعر حسين شفيق، لم يدون. وقد حدثني - رحمه الله - عن جماعة من ظرفاء الأدباء كانت تلتقي بدار الكتب في ذلك الوقت في حلقة يسمونها «البعكوكة» على يسارك وأنت تدخل الدار الآن. وحول هذه الحلقة رويت أشعار ورنت ضحكات. وقد لا يعلم الكثيرون أن للأستاذ فؤاد أزجالًا طيبة. ولولا اشتغاله بالتراث لكان له في عالم الزجل شأن كبير. من هذه الروافد الخصبة تكونت ثقافته ونمت معارفه، وبارك الله في أيامه فجعل أفئدة من الناس تهوي إليه تفيد وتستفيد، وكانت الرسائل ترد عليه من كل رجا تصل إليه الكلمة العربية، وأصبح مكتبه وبيته مثابة لكل طالب علم. وكنت أرى الناس حوله من مختلف الأسنان وشتى المذاهب وكلهم دانٍ منه، قريب إليه، فأتمثل: تَمَلُّ النَّدَامَى ما عدَاني فإنَّنِي *** بِكُلِّ الذي يَهْوَى نَدِيميَ مُولَعُ فقد كانت كلماته حبيبة إلى كل قلب، خفيفة على كل سمع، يمزج الفائدة العلمية بالنكتة العذبة، مع نقاء طبع وصفاء روح، فلم يكن رحمه الله يصبر على خصومة أو يطيل جفاء، فإذا بدرت منه البادرة فهو سريع الأوبة مزيل الجفوة. وظل - رحمه الله - يعيش أجمل وفاء للناس، حتى مات في لحظة وفاء، حين رأى أم ولده ورفيقة عمره تصاب بشلل مفاجئ، فاجتاحته المصيبة، ولم يعش بعدها سوى يوم واحدٍ، ليتركنا في يوم حزين، وتطوى صفحة مضيئة من صفحات النبوغ والمعرفة لفتى نحيل دخل دار الكتب عام 1929 عاملًا يصفِّف الحروف في المطبعة، وقبل وفاته بأربعة أشهر ذهب يحاضر في معاهد إيطاليا عن المخطوطات العربية، وبين هذا وذاك جهد دائب وعلم نافع. اللَّهُمَّ إنا نسألك أن تتغمَّد ذنبه، وأن تمهد عذره، وأن تنير قبره، وأن تجعله مع الذين أنعمت عليهم من النبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين وحسن أولئك رفيقًا. المصدر: «مجلة المجلة»، عدد: مارس 1968م [1] انظر في ضبط اسم الكتاب (ص297) في مقالة الطناحي حول الهجرة وكتابة التاريخ الإسلامي. |
اشتقاق أسماء الله لابن النحاس تحقيق محمد الطبراني صدر حديثًا كتاب " اشتقاق أسماء الله جلَّ وعزَّ " ، تأليف: " أحمد بن محمد النحاس المصري " (ت 338 هـ)، تحقيق: أ.د. " محمد الطبراني "، وذلك عن "مركز البحوث والتواصل المعرف ي". والكتاب من ذخائر القرن الرابع الهجري المهجورة، وصاحبه من كبار النحويين واللغويين المبرزين، وكانت مخطوطة الكتاب مطوية لم يكشف اللثام عنها بعد في عداد المطبوع، ولم نعرف الكتاب إلا في لوائح العزو في مراسم التراجم، وهذا الكتاب أصلٌ من الأصول المتقدمة زمنيًّا في شرح معاني أسماء الله الحسنى على نمط أهل الحديث واللغة، حشره ابن النحاس بالآثار المسندة، وحشا بها كتابه، ومنها مراجع مفقودة نادرة لا نعلم عنها شيئًا في وقتنا الحالي ككتاب " الذكر " لأبي بكر الفريابي. كما بان في هذا الكتاب طريقة "أبي جعفر النحاس " في مقارعة أهل الرأي ورد حججهم والتمسك بمذهب أهل السنة في بيان المعنى الاشتقاقي لأسماء الله عزَّ وجلَّ، حتى قال الزُّبَيْديُّ الإشبيلي فيه: «إنه كتابٌ أحسنَ فيه، ونزعَ في صدره لاتباع السنة والانقياد للآثار». أما عن منهج "أبي جعفر النحاس" في كتابه فإنه بيَّن أنه: «إذا صَحَّ الشّيْءُ عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- صار لُغةً قائمةً بنفْسِها، وحُمِلَ على الْمَجاز إنْ كان لا يصحُّ على الْحقيقة»، وقال أيضًا: «وإذا صحّ الشّيْءُ عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- لمْ يُعَارَضْ». قال المحقق عن "أبي جعفر النحاس" : «إنه مُجَلٍّ في حلْبةِ رجالِ اللّغة الأفذاذ، أولئك الذين حَلَّوْا جِيدَ الْقرْن الرّابع على تزاحُمِ دُرَره وكثْرتِها، واصْطكاكِ رُكَبِ الرّؤساء بعْضِهم ببعض، وهلْ لنا مَعْدًى عنِ الْإقْرار بذلك، أنْ كانَ خاصيَّ المنْزع، مجْدودًا في التّأليف، مُقَرْطِسًا لأهدافه؟!». وصاحب الكتاب هو ابْنُ النَّحَّاسِ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المِصْرِيُّ النَّحْوِيُّ، إِمَامُ العَرَبِيَّة في بلده مصر، ارْتَحَلَ إِلَى بَغْدَادَ، وَأَخَذَ عَنِ الزَّجَّاج، وَكَانَ يُنظّر ويقارن فِي زَمَانِهِ بِابْنِ الأَنْبَارِيِّ، وَبنِفْطَوَيْه لِلْمِصْريين. حَدَّثَ عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَر بن أَعْيَن، وَبَكْر بن سَهْل الدِّمْيَاطِي، وَالحَسَنِ بن غُلَيْب، وَالحَافِظ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ، وَجَعْفَر الفِرْيَابِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ بنِ سَمَاعَة، وَعُمَرَ بن أَبِي غَيْلاَن، وَطَبَقَتهم. ورَوَى عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ الأُدْفَوِي توَالِيفَه، وَوصفَهُ أَبُو سَعِيْدٍ بن يُوْنُسَ بِمَعْرِفَة النَّحْو. وَرَوَى كَثِيْرًا عَنْ عَلِيِّ بنِ سُلَيْمَان الصَّغِيْر. وله تصانيف نافعة في علوم العربية اشتهرت وذاعت منها ( إِعرَابُ القُرْآن )، ( تفسيرُ أَبيَات سِيْبَوَيْه )، كتَابُ ( المَعَانِي )، ( الكَافي ) فِي النَّحْوِ، ( النَّاسخ وَالمَنْسوخ )، و( شرح المعلقات )، و( الدواوين العشرة ). وَكَانَ مِنْ أَذْكِيَاء العَالِم. وَقِيْلَ: كَانَ مقتِّرًا عَلَى نَفْسه يهبُونه العِمَامَة، فيقطَعهَا ثَلاَث عَمَائِم. قيل: ولولا بخلٍ فيه لكملَ حاله، ووردت في كيفية موته قصة غريبة، حيث مات غريقًا بالنيل في 5 من ذي الحجة سنة 338هـ ولم يعثر عليه، وكان السبب في ذلك أنه جلس على درجة مقياس النيل يقطِّع عروض شعر فسمعه جاهل من عوام المصريين فظن أنه ساحر يسحر النيل حتى ينقص، ويعم الغلاء، فرفسه وألقاه في النيل، فغرق ابن النحاس وضاعت جثته. والمحقق هو د. " محمد الطبراني "، أستاذ الدراسات الإسلامية، بكلية اللغة العربية، جامعة القاضي عياض بمراكش المغربية، حصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية، بالمرتبة الأولى، جامعة القاضي عياض، مراكش عام 1997. وحاز درجة الدكتوراه من دار الحديث الحسنية، تحت إشراف أ.د. عباس الجراري، الرباط، عام 2006. ومن مصنفاته وتحقيقاته: • كتاب التاريخ، لعمرو بن علي الفلاس البصري (ت 249 هـ)، دراسة وتحقيق، ط 1، مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية بالرياض، 2015. (692 ص من القطع الكبير). • "كتابُ عدَدِ آيِ القُرْآن"، لأبي الحسن الأنطاكي (ت 377 هـ)، ط1، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، 2011. (754 ص). • "نكت وتنبيهات في تفسير القرآن المجيد"، لأبي العباس البسيلي التونسي (ت 830 هـ)، ط1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، الرباط، 2008. (3 أجزاء، 1100 ص). • ابنُ طلحة الْيَابُرِيُّ (ت 523 هـ)، ط1، الرابطة المحمدية للعلماء، الرباط، 2013. (346 ص). • "الحدود الكلامية والفقهية"، لابن سابق الصّقلّي (ت 493 هـ)، ط1، دار الغرب الإسلامي، تونس، 2008. (272 ص). • "المختصر البارع في قراءة نافع"، لابنِ جُزَيّ الغَرناطي (ت 741 هـ)، ط1، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، (2003). • "مِعْيارُ الموازنة في طبقات الفقهاء"، لعبد الملك بْن حَبيب الأندلسي (ت 238 هـ)"، طبع ضمن كتاب "المدرسة الحديثية بالمغرب والأندلس: الإمام ابن القطان نموذجًا": المجلد الأول: [ص 361-378]، ط 1، 2014 م. • "من أشكال الفواصل في مخطوطات المصاحف القديمة" (مع مُلاحظاتٍ حوْلَها)؛ بحث محكّم طبع ضمن كتاب "التحقيق النقدي للمخطوطات: التاريخ، القواعد والمشكلات"، سلسلة الدورات التدريبية لمؤسسة الفرقان بلندن: [ص 219-254]، ط 1، 2013. • "من نوادر مخطوطات الفقه والأصول في خزانة ابن يوسف بمراكش: إسْهامٌ في التّوْصيف النّقْديّ"، طبع ضمن كتاب: تحقيق مخطوطات الفقه وأصوله، سلسلة الدورات التدريبية لمؤسسة الفرقان بلندن: [ص213-278]، ط 1، 2016. • "ثبَتٌ بأوْضاع الأندلسيّين على موطّأ مالك: مساهمةٌ في التّكْشيف"، مجلة مرآة التراث، (الرابطة المحمدية للعلماء)، العدد الأول، يونيو 2011 م. [147-162]. • بحْثٌ ألقي في تكريم أ. د. محمد بنشريفة، في الدّوْرة الثالثة لسماع مراكش، بتاريخ 27 أكتوبر 2010 م، تحت عنوان: "ذرْوٌ من كلامٍ حول محقّق مغْربي فذّ". |
مشجرات في علوم القرآن لمشاعل العصيمي صدر حديثًا كتاب " مشجرات في علوم القرآن "، إعداد: " مشاعل بنت عبد الله بن شافي العصيمي "، تقديم: أ.د. " فهد بن عبدالرحمن بن سليمان الرومي "، توزيع " مكتبة الرشد ". أوردت الكاتبة في هذا المؤلف مباحث علوم القرآن على هيئة مشجرات توضيحية، مع جمع مميز للمادة العلمية وترتيبها بحيث تكوّن صورة شمولية تكاملية لمباحث هذا الفن.. وهذا من باب فتح باب التجديد والتطور في أساليب تعليم القرآن التربوية، وتيسيرها لجمهور القارئين المبتدئين. وأسلوب " التشجير " من أساليب التعليم الحديثة التي تقرب العلوم إلى الأذهان، وتسهل تصورها، وتيسر استيعابها. وقد أجادت المؤلفة في تقديم مصورات تلم بأهم مباحث علوم القرآن من أطرافها، وترسم صورة ترسخ في الذهن، وتستوعب المادة العلمية بصورة جميلة وإخراج فني جيد الطباعة. وقد حرصت الباحثة في تشجيرها على استيفاء أكبر قدر من المادة العلمية، فتجاوزت مفهوم " التشجير الموجز " إلى " التشجير الوافي " حسب تعبير د. " فهد الرومي "، حيث تناولت العديد من الموضوعات المنوعة في علوم شتى استقت أمثلة تطبيقية عليها من آي الذكر الحكيم، مع بيان وجه الدلالة وإيصال المعلومة، من أقصر طريق وأوجزه. وهذه المادة العلمية التي ولفت بينها الكاتبة في مشجراتها التصويرية مادة جيدة لمراجعة الطلاب للمادة العلمية خاصةً في بداية الدراسة للفهم والاستيعاب، وعند الاختبارات للاستذكار والمراجعة. يقول د. "فهد الرومي" في ختام تقديمه للكتاب: «ولعل الباحثة تفتح بابًا للباحثين في علوم القرآن لتقديم أعمال إبداعية أخرى في خدمة القرآن وعلومه وغيره من العلوم الشرعية، ولعلها أيضًا تتوسع في التشجير لمسائل ومباحث لم تتسع لها هذه الدراسة» صـ9. والكاتبة " مشاعل بنت عبدالله بن شافي العصيمي " حاصلة على بكالوريوس في علوم أصول دين، وبكالوريوس تربية خاصة، كما حازت درجة الماجستير، من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية، قسم القرآن وعلومه، وكان عنوان أطروحتها العلمية: " العمل للآخرة في القرآن الكريم (دراسة موضوعية) "، تحت إشراف د. "بريك بن سعيد بن بريك القرني"، عام 1439هـ. |
♦ عنوان الكتاب: المصباح والزجاجة في الصحابة من قبيلة خزاعة. ♦ المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان. ♦ عدد الصفحات: 87. الكتاب عبارة عن جمع لكل من ذكر من الصحابة رضي الله عنهم أنه من قبيلة خزاعة، أو أنه كان حليفًا لها، أو يرجح أنه كان خزاعيًا، وأحاول قدر استطاعتي أن أذكر منهم من كان منصوصًا عليه في كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر رحمه الله. |
الجذام في المغرب والأندلس [1] (ق 4 - 9هـ/ 10 - 15م) مأخوذ من بحث: د. نجلاء سامي النبراوي: كبار السن وذوو الاحتياجات الخاصة بالمغرب والأندلس (ق 6 - 9هـ/ 12 - 15م)، مجلة التاريخ والمستقبل، كلية الآداب، جامعة المنيا، عدد يوليو 2015م، (ص: 538 - ص: 578). رصدت كتابات الجغرافيين والرحالة وكتب التراجم كثيرًا من الأماكن التي اشتهرت بتواجد المجذومين، والأماكن المخصصة لهم فيها، والتي انتشرت في شمال إفريقية وجنوب إسبانيا في العصر الإسلامي، ولم تعرف قبلها [2] . ففي مدينة القيروان حاضرة دولة الأغالبة (184 - 296هـ/ 800 - 908م) عُرفت (دمنة القيروان ) أو (دار الجذماء )، التي تسجل اهتمامهم بالمجذومين ورعايتهم ووعيهم الصحي، وكانت هذه الدمنة بمثابة بيمارستان ويقع بأحد أطراف المدينة، غير أن "دمنة" هي الأشهر لهذا المكان، وقد تم الاستدلال على التخطيط المعماري للدمنة؛ فقد كانت على شكل مربع لها باب واحد كبير، يفتح على سقيفة، وعلى جانبي السقيفة غرفتان صغيرتان يسكنها حراس الدمنة، وبطول السقيفة يمينًا ويسارًا مصطبتان ملتصقتان بالجدار الأصلي مخصصتان لجلوس من يزور المرضى، وفي آخر السقيفة بابٌ ثانٍ أصغر من سابقه، يؤدي إلى صحن متسع مكشوف، ويحيط بجوانب الصحن الثلاثة أروقة معقودة الأسقف، ومن ورائها عدة حجرات صغيرة لإيواء المرضى. ومن جهة أحد الأروقة يوجد باب مستقل يؤدي إلى دار واسعة تحتوي على حجرات، تسمى هذه الدار بدار الجذماء، بها حمام مخصص لهم [3] . وعلى بعد ميل ونصف من مدينة الحامة تنبع عين ماء ساخن جدًّا، يتجمع ماء هذه العين عند شمال المدينة مكونًا بحيرة أُطلق عليها بحيرة المجذومين؛ حيث يقيم عدد كبير منهم في أكواخ حول البحيرة. ومن خصائص هذا الماء أنه يعالج داء الجذام وذكر ( الوزان ) سبب ذلك أنها تحوي نسبة عالية جدًّا من عنصر الكبريت [4] ، وسجل البكري أنه بخارج مدينة تونس يقع (ربض المرضى)، وهو مخصص للجذماء [5] . كذلك كان هناك ربض بخارج مدينة (فاس) يسكنه المجذومون، وانتشرت حارات الجذمى خاصة في عصر الموحدين، وكانت خارج أسوار المدن؛ ففي مدينة فاس كانت حارتهم تقع خارج باب الخوخة المؤدي إلى مدينة تلمسان بالمغرب الأوسط، وقد بنى هذا الباب الخليفةُ الموحدي الناصر (595 - 610هـ/ 1199 - 1213م)؛ حيث جدد سور المدينة في عام 601هـ/ 1204م، ثم انتقل المجذومون في زمن المجاعة التي استمرت من عام 619هــ/ 1212م إلى عام 637هـ/ 1230م إلى الكهوف التي خارج باب الشريعة - أحد أبواب المدينة - إلى أن نقلهم عامل الأمير المريني يعقوب بن عبدالحق (656 - 685هـ/ 1258 - 1286م) إلى كهوف برج الكوكب بخارج باب الحبيسة من أبواب عدوة القرويين، بعدما اشتكى الناس أن المجذومين يستخدمون معهم مياه نهر قريب من (فاس)؛ مما يضر بهم [6] . وفي مدينة ( مراكش ) وجدت حارة الجذماء بخارج سورها بالقرب من باب أغمات، وقد ظهرت هذه الحارة في القرن 6هـ/ 12م حسبما أشارت إليها المصادر والتراجم، وتكونت لهذه الحارة رابطة أُطلق عليها رابطة الغار، كان يسكنها أناس أُصيبوا بداء الجذام. وقد اهتمت السلطة آنذاك بإنشاء بيمارستان لهم؛ حيث أنشأ الخليفة الموحدي أبو يعقوب المنصور (580 - 595هـ/ 1184 - 1199م) بيمارستانًا بمدينة مراكش خاصًّا بالمرضى العقليين والعميان والمجذومين [7] ، واهتم الولاة بأن تكون سكنى المجذومين دومًا بخارج أسوار المدن، وباتجاه الرياح الخارجة من المدينة وليس العكس؛ حتى لا ترتد الرياح لأهل المدينة الموجودين داخلها فيتضرروا، ويكون استخدام المجذومين للمياه بعد أن يخرج من المدينة [8] . وعرف أهل بلاد الجريد علاجًا لمرض الجذام؛ فيقول صاحب الاستبصار ما نصه: "ولا يجذم أحد ببلاد الجريد، وإن دخلها مجذوم توقفت عنه علته... ويقول أهل بلاد الجريد أن المرء إذا أكل أخضر، وهو الذي يسمى البهر يفعل ذلك، وأنه من بدت به علة الجذام، فأكثر من أكل البهر وطبخه وشرب ماءه، برأ بإذن الله" [9] . تؤكد الدراسات أن المجذومين كانوا مسؤولين بشكل أو بآخر عن تعقب أي شخص يُصاب بالمرض، ومسؤولين أيضًا عن إقامته بمجتمعهم، وخاصة في مدينة فاس. ويرى الدارسون والمتخصصون أن مرض الجذام قد انتقل من الشرق إلى أوربا في أثناء الحروب الصليبية، وكذلك ظهر في شمال إفريقية. وعرفت حارة الجذماء بمدينة قرطبة؛ حيث تواجدت على الضفة اليسرى للنهر الكبير الذي يقابل المدينة، وفي عهد الخليفة عبدالرحمن الناصر الأموي (300 - 350هـ/ 912 - 961م) تم نقلهم إلى منية عجب قبل عام (329هـ/ 939م)، وقد اختفت المعلومات عنها بعد ذلك، لكن بعض المؤرخين المحدثين يرجح أنها استمرت حتى سقوط مدينة قرطبة في أيدي نصارى إسبانيا عام (636هـ/ 1239م) [10] ، وعجب هي إحدى زوجات الأمير الحكم الأول الأموي (180 - 206هـ/ 796 - 822م)، وقد كانت المنية عبارة عن بستان كبير في الضاحية الغربية لقرطبة، وعُرفت كمؤسسة خيرية لها وقف تذهب إيراداته لمساندة المجذومين الموجودين في الأماكــن المنعزلة بالمدن الأندلسية، والتي تأكد وجود عدد منها في القرن (3، 4هـ/ 9، 10م) [11] . وقد أشارت كتب النوازل الفقهية إلى مكان هذا التجمع الموجود بعدوة نهر قرطبة، وأشارت أيضًا إلى أن العامة كانوا يساهمون في مساندة المجذومين ودعمهم ماديًّا من خلال وصياتهم، أو بتحبيس محصول بساتينهم للإنفاق عليهم. فقد أوصى أحدهم بأن يوزع من ماله وممتلكاته بعد الوفاة على (الجذمى والقطع بحضرة قرطبة)، وقام آخر بتحبيس غلة أرضه على الجذماء تحديدًا. وحدث أن أوصى أحدهم بحبس على ولده، فلم يكن له عقب وتوفي، وأوصى الفقهاء برجوع الحبس للمرضى والمجذومين والعميان بغرناطة، والنازلة بذلك تؤكد تواجد تجمع لهم في مدينة غرناطة [12] . ذكر القاضي عياض أنه عُرفت حارة للجذماء بمدينة طليطلة موجودة خارج أسوارها؛ ففي إحدى الترجمات مرَّ صاحبها وصديقه، وهما خارجان من المدينة على "ربض الجذماء"، وقد توفي صاحب الترجمة في عام 456هـ/ 1063م، مما يعني وجودها في القرن 5هـ/ 11م [13] على أن أشهر أماكن الجذام في الأندلس في ق3، 4هـ/ 9، 10م كانت في مدينتي بلنسية ومرسية [14] . وتجدر الإشارة إلى أن المستشفيات المتخصصة التي تأوي المجذومين لم تُعرف إلا بعد سقوط المدن الأندلسية في أيدي نصارى إسبانيا، وكثر عددها منذ عام 652هـ/ 1254م؛ فتأسست في إشبيلية عام 698هـ/ 1298م، ومالقة عام 897هـ/ 1491م، وميورقة، وبلنسية، وكانت المستشفيات هذه بمثابة أماكن احتجاز يطلق عليها Lazaratos ، وعلى الجانب النصراني في مدن أوروبا الأخرى كان المجذومون يُجبرون على ارتداء ملابس معينة؛ حتى يحذر الناس منهم ويكونوا معروفين بينهم؛ كملابس لها أكمام طويلة مقفولة عند المعصم، وقفازات طويلة، وكمامات على الوجه، أو قلنسوات وأردية سوداء مرسوم عليها حرف L (أول حرف من كلمة مجذوم). وتكون باللون الأصفر على صدره، كما أجبروا على ارتداء أحزمة بأجراس تصدر أصواتًا تدل عليهم أثناء تحركهم [15] . كان المجذومون في أوروبا يعاملون معاملة قاسية في كثير من الأحيان، ويتعرضون للموت بقرارات من ملوكهم بطريقة وحشية؛ فقد قام الملك فيليب الخامس ملك فرنسا (716 - 722هـ/ 1316 - 1322م) يجمعهم وحرقهم أحياء، وأمر بتكرار ذلك إن وُجدوا، وكذلك فعل الملك تشارلز الخامس [16] . وقد اختلط أحيانًا عند العامة وفي كتب الفقه والحسبة بين الجذام والبرص، واعتبره كل منهما مرضًا منفرًا يمنع صاحبه من الاختلاط بالناس والتعامل معهم؛ فقد أكد الفقهاء أنه ينبغي على المجذوم إن كان له مالٌ أن يشتريَ لنفسه من يعينه على تلبيته احتياجاته، وأن يلزم بيته ولا يخرج منه، وإن لم يكن له مال أخرج من بيته - إن لم يكن فيه حق - خوفًا على باقي سكانه، ويُنفَق عليه من بيت المال [17] . وعليه؛ فإن أوجه الإنفاق على المجذومين كانت متعددة؛ منها ما يخصص من بيت المال، ومنها ما كان يقوم به العامة من إسهامات. اختلف الفقهاء فيما بينهم في إخراج المجذومين من الحاضرة لناحية منها أو لا، ولكن الواضح من العرض السابق أن الأمر قد حُسم من المسؤولين برغبة الناس بوضعهم خارج المدن؛ مراعاة لعدم انتشار العدوى بين الأصحاء، وتبعًا لذلك مُنعوا من الاختلاط بالناس والاستسقاء من مورد ماء واحد، وأن تُجعل لهم أوانٍ خاصة بهم لنقل الماء من مورد الماء إلى أوانيهم، ويخصص لهم رجالًا يقومون بتلك المهمة [18] . وعلى مستوى التعامل التجاري مُنع المجذوم من مخالطة الناس بالأسواق والبيع لهم، فمُنع من بيع الزيت والخل وأي أطعمة، ومُنع من بيع لبن غنمه وجبنها وبيض دجاج يقوم بتربيته، كما مُنع من بيع ملابسه المستعملة، في حين لم يمنع المصاب بالبرص من ذلك، ولا من عمل الأشربة والمعاجين بنفسه وبيعها [19] . وقد شاعت أمثال شعبية عند العامة عن المجذومين منها: "إذا رأيت المبتلى اطلب من ربك العافية"، و"قيل للمجذوم اغسل يدك قال: ما بعد الجذام علة" [20] . ولإخفاء علة البرص عن رجل أو امرأة، أو عند بيع عبد أو جارية مصابة به - كان النخاسون يعمدون إلى بعض الحيل لإخفاء البرص؛ حيث يغرزون في مواضع البرص بالإبرة ويخضبون عليه القلقديس والعفص والزنجار من كل واحد جزءًا معجونًا بماء ولبن التين أربعة أيام في الشمس، فيبقى مصبوغًا أربعين يومًا، ويغسلون ذلك الخضاب بخل وأشنان مغلي أو بماء القلي [21] . نوهت كذلك كتب الحسبة على أن كثيرين كانوا يدعون الإصابة بإعاقات مختلفة، ويمشون في الأسواق والطرقات بغية التسول؛ فيذكر ابن عبدالرؤوف: "وكذلك يتفقد الذين يتخبطون في الأسواق، ويوهمون الناس أنه صرع، وتستخبر ذلك منهم، وكذلك أصحاب الأورام والقروح البشعة، ومن يتعلق مصرانه من جنبه، والذي يصبح بوجع الحصا، والذي يظهر أنه مقعد، والذين يقرحون أيديهم، ويوهمون الناس أن ذلك كله بلاء نزل بهم وهم يكذبون، وذلك كله منهم حيلة؛ لأخذ أموال الناس بالباطل، فيجب على صاحب الحسبة أن يقف ذلك كله على الصحة، ويعاقب من تحيل منهم بتلك الحيلة" [22] . [1] الجذام: مرض معدي مزمن، تسببه جرثومة تسمى المتفطرة الجذامية التي تتكاثر ببطء شديد، مسببة تلفًا تدريجيًّا ودائمًا بجلد المصاب به وأعصابه وأطرافه وعينيه، وهو مرض ينتقل عبر رذاذ الأنف والفم؛ [منظمة الصحة العالمية، مركز وسائل الإعلام (الجذام)، سبتمبر 2012م]، وقد عرفت أول مؤسسة للجذام في العصر الإسلامي هي مجذمة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (86 - 96هـ/ 705 - 714م)، والتي بناها في دمشق عام 88هـ، ثم تعددت بعد ذلك، وكذلك كانت بداية تأسيس بيمارستانات الأمراض العقلية في عهد الأمويين. [2] Micheal W. Dols: The leper in medieval (on) Islamic Society, Speculum. Vol. 58, No. 4, published by Midieval .Academy of America, .1983, p. 907 [3] Micheal W. Dols: The leper in medieval (on) Islamic Society, Speculum. Vol. 58, No. 4, published by Midieval Academy of America, 1983, p. 907 ... .Ibid, p 907 ... [4] الحامَّة: من بلاد قسطيلية التابعة لبلاد الجريد، أهلها من بقايا الروم الذين أسلموا عند الفتح، وهي مدينة لها أرباض واسعة يسكنها الناس، ومياه هذه المدينة كلها حامَّة حارة تشتهر في بلاد الجريد كلها بالعنب الجيد؛ [الاستبصار في عجائب الأمصار، ص: 157 – 158، الوزان: وصف إفريقية، 2/ 92، وذكر الوزان أن عدد دور المجذومين في عهده بذلك الربض وصل إلى مائتي مجذوم]. [5] البكري: المغرب في ذكر بلاد المغرب، جزء من كتاب المسالك والممالك، مكتبة المثنى، بغداد، د.ت، ص: 40. [6] ابن أبي زرع: الأنيس المطرب روض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، دار الطباعة المدرسية، أو بسالة، 1843م، ص: 30، 31، الوزان: وصف إفريقية، 1/ 287. [7] المراكشي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب، نسخة غير موافقة للمطبوع. [8] ابن أبي زرع: الأنيس المطرب، ص: 31. Micheal. W. Dols: The Leper in medieval Islamic Society, p. 907. [9] بلاد الجريد: سميت بذلك لكثرة النخيل بها، وهي مدن كثيرة وأقطار واسعة وعمائر متصلة، كثيرة الخصب والتمر والزيتون والفواكه وجميع الخيرات، وهي آخر بلاد إفريقية على طرف الصحراء، أولها من جهة الساحل مدينة قابس وآخرها مدينة درجين؛ [م.م: الاستبصار في عجائب الأمصار، ص: 150، 159، 160]. [10] المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ط: 3، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1991، ص: 242. [11] القاضي عياض: ترتيب المدارك، 6/ 87، 90. [12] Historia de la epra, p. 486.l [13] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 5/ 354، الونشريسي: المعيار، 6/ 506، 7/ 186، 9/ 404، 405. [14] ابن الخطيب: معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق ودراسة: محمد كمال شبانة، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2002، ص: 91. [15] .Historia de la lepra, p. 486 [16] .Ibid, p. 487 وكلمة Lazarette : كلمة ذات أصل لاتيني تعني الأبرص أو المجذوم؛ حيث كانت الدولة الرومانية تبالغ في الحجر على المجذومين فيخضعونهم للحجر مدى الحياة، ويعتقد أنها تحولت إلى اسم المكان المحتجز به هؤلاء المجذومون. .Merbert C. Covey: People with leprosy, p. 320 [17] .Ibid, p. 486 [18] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 3/ 221، 222 (ماجل المجذومين بالقيروان)، الونشريسي: المعيار المعرب، 6/ 422. [19] البرزلي: جامع مسائل الأحكام، 3/ 221. [20] الزجالي: أمثال العوام في الأندلس، 2/ 10. [21] السقطي: كتاب من آداب الحسبة، باريس، 1931، ص: 52. القلقدس: هو المعروف بالزاج الأبيض، وهو مركب كبريتات الزنك، والعفص: هو ثمار شجر البلوط، ويستخدم لعلاج الأمراض الجلدية، أما الزنجار: فهو مادة خضراء نتاج تفاعل حامض الخليك مع النحاس، وله أنواع منها: المجرود، والمدود، ويستخدم كدواء للعين، كما يستخدم لمنع القروح الخبيثة من الانتشار بالجسم، والقلي: هو ما احترق من نبات الأشنان المستخدم كغسول؛ [شرح أسماء العقار، 2000، ص: 6، 24، 37، 140، 295، 345، ابن البيطار: الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، 1/ 326 (ترقيم آلي)، نجلاء النبراوي: التقويم المصري في الأندلس في عصر الخلافة (دراسة في تقويم قرطبة)، مجلة كلية الآثار، جامعة جنوب الوادي، عدد 2009، ص: 22، 23 (صناعة الزنجار في الأندلس). [22] رسالة ابن عبدالرؤوف في آداب الحسبة والمحتسب، ضمن ثلاث رسائل أندلسية، ص: 113. |