text
stringlengths 0
254k
|
---|
العبث بالزمن صدر كتابٌ يحمل عنوان: « حمَّى سنة 2000 »؛ لمؤلِّفه عبدالعزيز مصطفى، من أعضاء هيئة التدريس بجامعة الملك سعود بالرياض [1] ، والكتاب في صفحاته، التي تعدَّت المائتين وخمسين صفحة، هو تحليل عميق، بأسلوب رَقيق، للخلفيَّات الدينية لهذا التاريخ، لا سِيَّما الجانب اليهودي الذي كان يخطِّط لعام 2000م من مدَّة ليست قصيرة، بدأت مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، الثالث عشر الهجري، واستمرَّت طيلة القرن العشرين الميلادي، الرابع عشر الهجري [2] ، بدأت بتوقُّعات تيودور هرتزل سنة 1316هـ/ 1898م، وانتهَت بقيام كيان وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلَّة سنة 1367هـ/ 1948. الكتاب جولة تاريخية موثَّقة بالمحاولات الجادَّة لقيام هذا الكيان، رغم التحوُّل في الحكم بين حزبين رئيسيين، في الدولة العبرية، بين العمل والليكود، ثمَّ حزب ثالث هو خليط بين الحزبين، التقيا لمصلحة الكيان. برهن الكتاب حتى الصفحة المائة والثمانين، أنَّ الحزبين يختلفان في الأساليب والوسائل، ويتَّفقان في الأهداف، وهي تحقيق قيام دولة قوية، تمتدُّ من الفرات إلى النيل، استجابةً لما تمليه التوراة بأسفارها المختلفة، والتلمود؛ من مسؤولية اليهود في كلِّ مكان وزمان، في إقامة هذا الكيان. يعرِّج الكتاب على تَمكين اليهود من الحصول على دعم بعض النَّصارى، لا سِيَّما البروتستانت منهم، لقيام الدولة اليهودية على أرض فلسطين المحتلَّة، رغم ما تلقاه الأماكن المقدَّسة لدى النصارى من تدنيس وتحدٍّ من اليهود أنفسهم، ولذا فلا غرابةَ أنْ تجد هذه المعاملة معارضات من نصارى فلسطين المحتلَّة، وبعض النصارى الآخرين، الذين لا يتبنَّون البروتستانتية، التي يلمِّح الكتاب إلى أنَّ نشأتها إنَّما قامت من أجل اليهود [3] ، ويؤكِّده محمد جلاء إدريس في كتابه: العلاقات الحضارية [4] . يعالج الكتاب مسألةَ إقامة أو إعادة بِناء هَيكل سليمان الذي يَزعم اليهود أنَّه تحت المسجد الأقصى، ويبيِّن الاستعدادات العلميَّة في تجهيز الحجارة والمجسَّمات الذهبية، خارج الحدود، ونقلها وإخفائها في الصحراء الجنوبية لأرض فلسطين المحتلَّة (صحراء النقب)، ومن ثمَّ الإكثار من الحفريات والأنفاق، والتضييق على المسلمين في دخول المسجد الأقصى [5] ، وممارسات عدَّة، نتابعها يوميًّا في الأخبار العربية والعالمية [6] ، ولعلَّ من آخرها ما تردَّد في الإعلام اليهودي نفسه من احتمال قيام بعض المتطرِّفين اليهود، في فلسطين المحتلَّة، بالهجوم الجوِّي، ربَّما بطائرة دون طيَّار، على المسجد الأقصى، وقبَّة الصخرة. مع أنَّ الكتاب (حمَّى سنة 2000) قد ركَّز على جهود اليهود في توطيد مُقامِهم في فلسطين المحتلَّة، بحيث أصبح الأمر كأنه واقعٌ وحقيقة، اعترف بها كثيرٌ من العرب والمسلمين، إلا أنه لم يركِّز كثيرًا على البعد الديني النصراني لعام 2000 ميلادية، لا سِيَّما فيما يتعلَّق بالتنصير، الذي يعتقد بعض الناس أنَّه قد خَفَت، ومصيره إلى الزوال، بينما نجد أنَّ الجزء الشرقي من تيمور في إندونيسيا إنَّما هو نتيجة لخطَّة قامت، مؤدَّاها السعي إلى تنصير إندونيسيا كلها مع حلول عام 2000 ميلادية، 1420هـ. إنْ لم يتحقَّق الهدف كلُّه - لمناعة المسلمين بعقيدتهم الصَّافية - فقد تحقَّق جزء منه، وما لا يُدرك جُلُّه لا يترك كُلُّه، وها نحن نسمع عن الرغبات المتكرِّرة للاستقلال، أو لإقامة الحكم الذَّاتي في مقاطعات أخرى، من هذه البلاد التي تؤوي أكثرَ المسلمين فيها، والمعلوم أنَّ هذه الرغبة كانت لدى البابا الراحل في الفاتيكان منذ مدَّة. يأتي هذا الصَّوت الخافت، غير المقبول لدى بعض المنبهِرين بنهاية قرن، وحلول قرن آخر من الزمان، وما يتبع ذلك من تحوُّلات في الاقتصاد والسياسة والمجتمع؛ إذ إنَّ الناس - الآن - مشغولون بترديد عبارات، أضحت مألوفةً، حول دخول العالم الألفيةَ الثالثة. يأتي هذا الصَّوت الذي يذكِّر بضرورة التأنِّي، وعدم الانسياق لهذا الطَّرح الإعلامي، المنقول - حرفيًّا - من جهات يهمُّها أنْ ينتقل العالم إلى العِناية بهذا التاريخ، ولو على حِساب أصالتهم وتاريخِهم وتراثهم، وبالتالي معتقداتهم ومُثُلهم التي ساروا عليها مئات السنين، وبالتالي الإقرار بأنَّنا نعيش في قرية كونيَّة، تساوَت فيها المُثُل والمبادئ والمعتقدات، الأمر الذي لا يبدو أنَّه حاصل، ولن يحصل، فلم يحصل من قبل، رغم اختلاف السُّبل والوسائل، ورغم صعوبة السير ضدَّ التيار. لا ننسى أنَّ هناك اختلافًا بين النصارى أنفسهم في التاريخ نفسه؛ إذ إنَّ ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام عند المحقِّقين من المؤرِّخين سبق التأريخ له بأربع سنين، وتختلف الكنائس الشرقية عن الغربية في يوم الميلاد نفسه، ولكن هذا كله لن يغيِّر من الأمر شيئًا؛ فقد اتَّجه الناس إلى الاحتفال بحلول عام (2000م) بوعي عند بعضهم، ودون وعي عند كثير منهم. ذكرت في موقع آخر، من كتاب: الالتفاف على الاستشراق [7] أنَّه ساد وهمٌ بين بعض أتباع الكنيسة أنَّه "خلال عام 1999م، وفي منتصفه، ستقع أحداثٌ كونية كبرى، ستهزُّ البشرية كلها، من خلال انفجارات نووية، أو سقوط نيازك، مما سيؤدِّي إلى القضاء على ثلاثة أرباع الحياة البشرية، وتجسَّد هذا الهاجس حول نهاية العالم الفعلية، بصورة متطرِّفة جدًّا، من خلال ما وقع في يوغندة يوم الجمعة 11/ 12/ 1420هـ الموافق 17/ 3/ 2000م؛ حيث قامت طائفة من طوائف المسيحيين "بتفجير الكنيسة وإحراقها، في انتحار جماعي، وصل عدد ضحاياه إلى 530 قتيلًا، بما فيهم 78 طفلًا، وكان من بين المنتحرين زعيم الطائفة الكنسية كيبويتر واثنان من معاونيه" [8] . الذين يحتفلون بوعي لخلفية التاريخ يحيون حلول الألفيَّة الثالثة في بيت لحم في فلسطين المحتلَّة، ويجتمع فيها ملايين من المحتفلين، قيل: إنَّهم مليون ونصف، وقيل: إنَّهم وصلوا إلى ستة ملايين نَسمة، ويقودهم البابا، ومعه بعض رؤساء الدول الأوربية والأمريكية، بمن فيهم الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن، الذي ينطلق من خلفيَّة شيوعية، بدأت تضمحلُّ، وتحلُّ الديانات السابقة عليها محلَّها، في المجتمع الروسي الأرثوذكسي والمسلم واليهودي. الكتاب - حمَّى سنة 2000 - جديرٌ بالقراءة والتأمُّل؛ لأنَّه سعى إلى تأصيل مسألة الانتقال من ألف ميلادية إلى ألف ميلادية أخرى [9] ، وقد غاص في خلفية التاريخ هذا، وحلَّل الموقفَ اليهودي والنَّصراني من وراء ترقُّب حلول عام 2000 ميلادية، وهو مليء بالحقائق الموثَّقة، ويدلُّ على قدرة على التتبُّع والتحليل، وإنْ بدت عليه بعض الهنات في الصياغة واللغة، والرغبة في السرعة في إخراج الكتاب، قبل حلول عام 2000م. قد يرى بعض القرَّاء فيه نزوعًا إلى التوثيق الإعلامي، ولكنَّنا هنا لسنا نقوِّم الكتاب بمناقشة علمية بحتة، إلَّا أنَّ الكتاب إضافةٌ طيِّبةٌ مؤصَّلةٌ في النظر إلى حلول ما يسمُّونه الآن بالألفية الثالثة، في خضمِّ الإنتاج الفكري التابع لهذا الهلع، الذي كاد يصيب كثيرًا من الناس قبل حلول العام الجديد. هنا إشارة صغيرة جدًّا لم يتوقَّف الكتاب عندها كثيرًا، ولكني رغبتُ في ذكرها، وكنتُ سأذكرها، قبل أن أصِل إليها في الكتاب، فكان الوصول إليها مؤكِّدًا على ذكرها، وهي أنَّ سنة 2000 ميلادية هي السنة المكمِّلة للألف الثانية، وليست هي بداية الألف الثالثة الميلادية، فالألف الثالثة الميلادية تبدأ سنة 2001م، وقد سبق التطرُّق لهذا المفهوم عندما حلَّ علينا نحن المسلمين القرن الخامس عشر، وتعرَّضتُ له في وقفة في حينها، ولكنَّه لم يغيِّر من الأمر شيئًا. [1] عبدالعزيز مصطفى: حمَّى سنة 2000 - لندن: المنتدى الإسلامي، 1419هـ/ 1997م - 262 ص. [2] أحمد يونس: المسلمون الأمريكيون: أقسم بالله أن أقول الحقَّ ، ترجمة: نشأت جعفر - القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 1424هـ/ 2003م - 64 ص. [3] انظر في ذلك: خليل حسن جابر: بنو إسرائيل والإفساد الأول والثاني والثالث ونهايتهم على أيدي أصحاب مملكة المسلمين الأبدية - ط 2 - بيروت: دار المحجَّة البيضاء، 2003م - ص (85 – 90). [4] انظر: محمد جلاء إدريس: العلاقات الحضارية - دمشق: دار القلم، 1424هـ/ 2003م - ص 50 - 54. [5] انظر: عبدالعزيز مصطفى: "حمى سنة 2000"؛ مرجع سابق - 262 ص. [6] انظر: عبدالعزيز مصطفى: "حمى سنة 2000"؛ المرجع السابق - 262 ص. [7] انظر: علي بن إبراهيم النملة: الالتفاف على الاستشراق: محاولة التنصُّل من المصطلح - الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامَّة، 1428هـ/ 2007م - 182 ص. [8] انظر: إلياس بلكا: عقائد "نهاية العالم" في الفكر الغربي - التسامح - ع 8، خريف 1424هـ/ 2004م - ص (253 – 260)، والنصُّ من ص (258). [9] انظر: عبدالعزيز مصطفى: حمى سنة 2000 - مرجع سابق - ص262. |
الابتكار في الدرس والتصنيف عند ابن حجر العسقلاني الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فهذا مبحث في مبتكرات الحافظ ابن حجر في الدرس والتصنيف، وقد جاء الكلام في مطلبين وخاتمة. المطلب الأول: ابتكاره في الدرس بالاستنباط والاستدراك والشك العلمي. قال السخاوي (ت902هـ): "كان -رحمه الله - إليه المنتهى في إلقاء الدروس على طريقة لم أرَ نظيره فيها، ويأتي في كل فنٍ من بنات فكره استنباطًا واستدراكًا وتشكيكًا بما يبهر علماء ذلك الفن، بحيث يقضون له بالسيادة فيه. كيف لا يكون كذلك، وهو الغاية في سرعة الإدراك، بحيث أطلق عليه غير واحد من الأئمة أنه أذكى أهل عصره، وأحسنهم كلامًا في الأشياء الدقيقة" [1] . المطلب الثاني: ابتكاره في التصنيف وفي تسمية كتبه. قال ابن حجر (ت852هـ) -في شرح النخبة واصفًا ترتيب كتابه-: "لخصته في أوراق لطيفة، سميتها: (نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، على ترتيب ابتكرته، وسبيل انتهجته" [2] . وقال تغري برمش الفقيه (ت852هـ) -في أسبقية شيخه في التصنيف-: "صنف كتبًا لم يُسبق إليها" [3] . وقال أبو ذر الحلبي (ت884هـ) -وهو يصف مبتكرات شيخه في التصنيف-: "(فتح الباري) لم يُنْسج على منواله، ولم تسمع قريحة بمثاله، و (تغليق التعليق) لم يُسبق إليه، ولم يُعرِّج أحد قبله عليه...، وبالجملة: ليس له مؤلَّف إلا وهو فرد في بابه" [4] . ونقل السخاوي (ت902هـ) شهادة شيوخ ابن حجر على أسبقيته في بعض التصانيف؛ فقال: "وقف عليه كبار مشايخه كما أسلفت، وشهدوا بأنه لم يُسبق إلى وضع مثله" [5] . بل نص على أسبقية شيخه إلى شرائط مخصوصة في بعض كتبه؛ فذكر كتاب (الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع) ثم قال: "اشترط فيها اتصال السماع في جميعها، وشرائط كثيرة لم يُسبق إليها" [6] . وقد ذكر السخاوي -وهو التلميذ الخصيص - إعجابه ببعض تصانيف شيخه معلِّلًا؛ فقال -مَرَّة-: "(أطراف الصحيحين) على الأبواب مع المسانيد، عجيب الوضع" [7] ، وقال -أخرى-: "مختصرُه (التقريب)، وهو عجيب الوضع، يشتمل على رجال (تهذيب الكمال)، لا تزيد الترجمة على السطر" [8] . وفي ابتكاره في تسمية كتبه، قال أبو ذر الحلبي -وهو يصف عناية شيخه بتسمية كتبه-: "يسمي مؤلفاته بألطف الأسماء" [9] . وقد اعتذر السخاوي لشيخه في أسبقية ابن رجب الحنبلي (ت795هـ) إلى التسمية بـ(فتح الباري) فهذه أهم نتائج البحث فقال: "سمعت صاحب الترجمة يذكر أنه لم يطلع على ذلك" [10] . واعتذر له أخرى؛ فقال في أسبقية ابن واصل (ت697هـ) وقد سمَّى (نخبة الفكر في علم النظر): "الظن أن صاحب الترجمة ما استحضره حين التسمية به " [11] ، وهذا الاعتذار أعجب من سابقه لتباعد الزمان والفن بين الكتابين. بل اعتذر له في التوافقات الجزئية -غير التامة- في بعض تصانيفه؛ فذكر (الإصابة بمعرفة الصحابة) وأن جماعة قد سبقوا الشيخ للتسمية بذلك، وذكر: (تبيين الإصابة لأوهام حصلت في معرفة الصحابة)، و (إعلام الإصابة بأعلام الصحابة)، و (منهج الإصابة في محبة الصحابة)؛ ثم قال: "لكن الشيخ ما علم بتسميتها، وهذا الأمر سهل بالنسبة لعليِّ مقامه" [12] . ومنه: أن شيخه قد سُبق في تسمية (إنباء الغمر بأبناء العمر)، وأن لابن الجوزي (ت597هـ) كتابًا سماه (تنبيه الغمر على مواسم العمر)؛ ثم قال: "الغالب على الظن أن شيخنا لم يطلع على تسميته بذلك، ولـمَّا أثبت صاحب الترجمة اسم هذا التصنيف في بعض مجاميعه" [13] . (الخاتمة) وبعد؛ فهذه أهم نتائج المبحث: 1- تعدد مجالات الابتكار عن ابن حجر، ومنها ما كان في الدروس والتصنيف. 2- من مبتكراته في الدرس: أ. الابتكار في الاستنباط. ب. الابتكار في الاستدراك. ج. الابتكار في الشك العلمي، والذي عليه مدار كثير من الدراسات المعاصرة. 3- من مبتكراته في التصنيف: أ- الأسبقية في التصنيف النوعي؛ فليس له مؤلف إلا وهو فرد في بابه. ب- الابتكار في ترتيب تصانيفه. ج- الابتكار في تلخيص تواليف من سبقه. د- الابتكار في شرائط بعض كتبه. ه- الابتكار في تسمية كتبه بألطف الأسماء. هذا والله أعلم، والحمد لله على مَنِّه وبلوغ التمام. [1] الجواهر والدرر: (2/ 610). [2] شرح النخبة: ص35. [3] الجواهر: (1/ 310). [4] الجواهر: (1/ 322). [5] الجواهر: (2/ 665). [6] الجواهر: (2/ 669). [7] الجواهر: (2/ 672). [8] الجواهر: (2/ 683). [9] الجواهر: (1/ 322). [10] الجواهر: (2/ 675). [11] الجواهر: (2/ 677). [12] الجواهر: (2/ 682). [13] الجواهر: (2/ 685). |
يوسف بن يعقوب بن إسحاق (3) ﴿ وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ﴾ [يوسف: 58]، فكيف عرَفهم وهم لم يعرفوه؟ فقد فارقهم كبارًا وشبابًا وملامح الكبير تغيرها بطيء مع الحفاظ على السمة العامة، أما الصغير فإن ملامحه سريعة التغير وتختلف عما كانت عليه في صباه. وربما هم عرَّفوا عن أنفسهم لما سجلوا أسماءهم لكي يعطوا من الغلال، فلم يكن الأمر فوضى في إعطاء الميرة، بل كانت وفق سجلات مضبوطة بمكيال محدد؛ كيلا تستنزف كمية المخزون سريعًا، فلا تكفيهم عندئذ لمؤونة السنوات السبع العجاف. ﴿ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ ﴾ [يوسف: 59]؛ أي: قضى حاجتهم وأعطاهم من القمح ما يستحقون من غير أن يشعروا بأنه يوسف، ولم يخطر حتى ببالهم أن يكون يوسف قد وصل إلى هذه المرتبة، وفي ظنهم أنه إن نجا من الموت في البئر فلا يتعدى حاله أن يعيش رقيقًا في أحد البيوت. وفي أثناء تزويدهم بالميرة، سألهم: من يكونون؟ إمعانًا منه في تضليلهم عن حقيقته، وإبعادهم حتى عن التفكير في أمره، فقالوا: نحن قوم من أهل الشام، قد أصابنا الجدب، فجئنا نمتار. فقال: لعلكم جئتم عيونًا - جواسيس - تنظرون عورة بلادي؟ قالوا: معاذ الله، نحن إخوة بنو أب واحد، وأبونا شيخ صدِّيق نبي اسمه يعقوب. فقال يوسف: كم أنتم؟ قالوا: أحد عشر، وكنا اثني عشر، فذهب أخ لنا إلى البرية فهلك، وكان أحبنا إلى أبينا، وقد سكن بعده إلى أخ له أصغر منه، هو باقٍ عنده يتسلى به. فقال يوسف: من يشهد أن الذي تقولون حق؟ قالوا: إننا ببلاد لا يعرفنا بها أحد فيشهد لنا، ولما عرف هذه الأخبار، ﴿ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [يوسف: 59]؛ أي: في المرة القادمة إن أردتم أن تأتوا لتمتاروا من بلادنا فلا تأتوا إلا ومعكم أخوكم من أبيكم؛ لأعلم صدقكم، ﴿ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ ﴾ [يوسف: 60]؛ فلا تحاولوا القدوم إلينا ثانية؛ لأنكم لن تناولوا ما نلتموه مني الآن، لذلك إن لم يكن معكم فابقوا في بلادكم ولا تأتوا إلينا. ﴿ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ ﴾ [يوسف: 61]، سنحاول بذل الجهد في إقناع والده لكي يرسله معنا، وقالوا هذا، ولم يقولوا سنأتي به معنا؛ لأنهم يعلمون أنه لا يمكن أن يرسله معهم؛ لِما فعلوه بيوسف من قبل، فهو منذ ذلك الحين يقف منهم موقف الشك تجاه ائتمانهم على أخيهم من أبيهم، ولو كان يأتمنهم عليه لأرسله معهم ابتداء، لقد فهم يوسف من قولهم: ﴿ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ﴾ [يوسف: 61] أنهم سيحاولون وقد يخفقون؛ لأن أباهم لن يرسله معهم. ﴿ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون ﴾ [يوسف: 62]، فوجد أن يلجأ إلى هذا التصرف ليضمن عودتهم؛ فإنهم لا يقبلون الصدقة، ومعنى رد بضاعتهم مع إعطائهم الطعام يعني أنه تصدق عليهم، وربما ظنوا أنه نسي أن يأخذ ثمن طعامه، فعادت بضاعتهم معهم، والأمناء لا يجيزون هذا، فعليهم رد الثمن مهما بلغت بهم المشقة، وعليه فقد كان لزامًا على إخوة يوسف - في الحالين - العودة في العام القادم ليسددوا ثمن الطعام الذي أخذوه. ﴿ فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ ﴾ [يوسف: 63] وقد عاد الركب إلى الشام، وقصوا على أبيهم خبرهم مع العزيز في مصر وإنزالهم المنزلة الحسنة، خصوصًا لما علِم أنهم من بيت النبوة، وقالوا: لقد طلب منا في المرة القادمة أن نحضر معنا أخًا من أبينا، ولما سمع يعقوب بهذا الطلب الغريب، ظن أنها خدعة جديدة من أبنائه للإيقاع بأخيهم "بنيامين" كما أوقعوا بيوسف من قبل، فلم يعرهم اهتمامًا لهذا الأمر، فأردفوا متابعين القول، ﴿ قَالُوا يَاأَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [يوسف: 63]، إن لم ترسله معنا فقد أنذرنا العزيز بأنه لن يبيعنا الطعام، فقد أنذرنا بمنع الكيل لنا، وما ندري ما حجته بعد إكرامنا غاية الإكرام؟! ﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64]، تجرِبتي معكم مريرة، ومواثيقكم خادعة، أتذكرون ماذا قلتم يوم أمنتكم على يوسف؟ وماذا كانت النتيجة؟ لكن الله معي، وهو الحافظ سبحانه، وإرادته فوق كل إرادة، ولا راد لقضائه إن أراد شيئًا، فالتوكل عليه هو الذي ينفعني، وهو أرحم الراحمين بعباده. وبعد هذه الموافقة المبدئية حدث ما قوى موقفهم، ﴿ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا ﴾ [يوسف: 65]؛ أي شيء نبغي من هذا الملك وقد صنع معنا كل معروف؟ فانظر هذه بضاعتنا قد ردها، فهل نستطيع بعد هذا التخلف وعدم العودة أن نأكل الطعام ولم ندفع الثمن؟ لا بد من العودة لدفع الثمن والوفاء بما وعدناه، وإلا منعنا الكيل، وهذه السَّنَة - كما يبدو - قحط، قد استشرت فيها المجاعة، وقلة الأرزاق، فإن عدنا إلى مصر أعدنا بضاعتنا. فكيف رد إليهم بضاعتهم دون أن يعلموا بها إلا بعد أن وصلوا وفتحوا متاعهم؟ أكانت بضاعتهم دقيقة الحجم لا يشعرون بها إن أعيدت لهم خفية؟ وقد علمنا من المفسرين أنها كانت جلودًا، فهناك أحد احتمالين؛ إما أنها كانت قطعًا ذهبية أو فضية فإذا أعيدت ووضعت ضمن أكياس القمح ففي هذه الحالة لا يشعرون بها إذا دسها عليهم، وإذا كانت جلودًا - كما ذكر المفسرون - فمعنى هذا أن مع إخوة يوسف عبيدًا أو حمالين يقودون الإبل، وإخوة يوسف راكبون على حيوانات أخرى كالخيل أو البغال، وفي هذه الحالة يمكن أن تدس البضاعة في رحالهم دون أن يعلموا بها. ﴿ وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ﴾ [يوسف: 65]، فإن أخانا في عهدنا وذمتنا، وبذهابه معنا سنزيد حمولة بعير؛ لأن عزيز مصر يعطي لكل فرد حمولة بعير، فقال يعقوب: وما قيمة حمل البعير أمام المخاطرة بإرسال بنيامين معكم؟ ﴿ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ ﴾ [يوسف: 65] أنا في غنى عنه، وفي راحة بال ما دام ولدي مقيمًا معي، ثم فكر يعقوب في الأمر ووجد نفسه أمام خيار صعب، فالمجاعة قد تهلك الجميع، ولا تموين إلا من مصر، فشرط على أبنائه شرطًا فيه راحة لنفسه، وإن كان يعلم أن المقادير تجري بأمر الله وقضائه، ولكي يأمن في هذا الشرط عدم غدرهم بأخيهم أو خيانته، ﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [يوسف: 66]، والموثق: هو العهد والأيمان المغلظة بأن يحلفوا بالله، ويشهده على ما يقولون، وجعل لهم استثناء؛ لعلمه بضعف الإنسان أمام الظروف القاهرة وما لا حيلة لهم بدفعه، ﴿ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [يوسف: 66] أن تُغلَبوا بما لا تطيقون دفعه، ﴿ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ ﴾ [يوسف: 66] بأن حلفوا له واحدًا واحدًا، وأشهد الله عليهم، ﴿ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [يوسف: 66]. ثم لزيادة الحرص على سلامتهم وكيلا ترمقهم عين حاسد، فهم عصبة، أحد عشر رجلًا لأب واحد، وهذا نادر أن يكون في ذلك الزمان، زِدْ على ذلك طلعتهم وكأنهم أقمار وسط الدجى، لا يكاد الرائي يراهم فيحسر عنهم بصره، ﴿ وَقَالَ يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ ﴾ [يوسف: 67]؛ أي: حين وصولهم أرض مصر، وكان لمصر أربعة أبواب وفق الجهات، فتفرقوا ودخلوا من تلكم الأبواب؛ طاعة لأبيهم وأخذًا بالأسباب، ألم يعوذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين: ((أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل عين لامة، ومن كل شيطان وهامة) ). وأردف يعقوب ليفهمهم الأخذ بالأسباب، وعدم تعلقه بالسبب؛ لأن إرادة الله تعالى هي النافذة، ﴿ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف: 67]، أنا أرشدكم إلى العمل مع التوكل على الله، والنتائج بيد الله، وهذا ما يطلب من المؤمن عمل وتوكل وترك النتيجة لله، فإن وافقت ما أراده العبد حمِد الله على هذا التوفيق، وإن كانت الأخرى صبر وهو واثق بحكمة الله وعدله، مؤمن بقضاء الله وقدره. |
أوهام سفيان بن عيينة في حديث الزهري ل أسامة بن عبد العاطي صدر حديثًا " أوهام سفيان بن عيينة في حديث الزهري " ، تأليف: " أبي طلحة أسامة بن عبد العاطي بن أحمد "، راجعه وقدم له: الشيخ " مصطفى العدوي" ، نشر "دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع ". وهذا البحث في جزئية من علم علل الحديث، ألا وهي: الزيادات التي رواها سفيان بن عيينة - رحمه الله - عن الزهري، مخالفًا فيها سائر الرواة عن الزهري، وبيان حكمها، ومن أخرجها، وهذا المنهج قد طبقه من قبل الإمام أحمد بن حنبل في مرويات سفيان بن عيينة عن ابن شهاب الزهري، فبان له أنه قد وهم في عدة أحاديث من حديثه عن الزهري، فقد قال: سفيان بن عيينة في قلة ما روى نحو من خمسة عشر حديثًا - أخطأ فيها في أحاديث الزهري. وقد تناظر هو وعلي بن المديني في أثبت أصحاب الزهري، فقدم أحمد مالكًا. وكان من أسباب ذلك أن ابن عيينة قد أخطأ في نحو عشرين حديثًا عن الزهري. قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: كنت أنا وعلي بن المديني، فذكرنا أثبت من يروي عن الزهري، فقال علي: سفيان بن عيينة. وقلت أنا: مالك بن أنس، وقلت: مالك أقل خطأ عن الزهري، وابن عيينة يخطئ في نحو عشرين حديثًا عن الزهري، في حديث كذا وحديث كذا، فذكرت منها ثمانية عشر حديثًا، وقلت: هات ما أخطأ فيه مالك. فجاء بحديثين أو ثلاثة، فرجعت فنظرت فيما أخطأ فيه ابن عيينة، فإذا هي أكثر من عشرين حديثًا. وكانت هذ٥ المناظرة منطلق هذا البحث، وانقسم هذا البحث إلى مقدمة: تكلم فيها المؤلف عن تعريف الوهم، وأسبابه، ثم صنعَ ترجمة لابن عيينة، تكلم فيها عن: اسمه ونسبه، وطلبه للعلم، وأشهر شيوخه، وأشهر من روى عنه... الخ، وذَكرَ روايته عن بعض شيوخه، كروايته عن الحجازيين، والكوفيين، وصغار شيوخه ( كابن جريج وغيرهم )، وأيوب السختياني، وروايته عن ابن شهاب الزهري (وهو أصل البحث )، ثم تكلم عن تدليسه واختلاطه. وبابين: الباب الأول: أوهام في السند، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: الأحاديث التي زاد في إسنادها راويًا. وفيه ستة أحاديث. الفصل الثاني: الأحاديث التي نَقَص من إسنادها راويًا. وفيه حديثان. الفصل الثالث: الأحاديث التي أبدل فيها راويًا بآخر. وفيه ثلاثة أحاديث. الفصل الرابع: الأحاديث التي وصلها وهي مرسلة (وَصْل المرسل). وفيه ثلاثة أحاديث. الباب الثاني: أوهام في المتن، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: الأحاديث التي زاد في متونها ألفاظًا. وفيه ثمانية أحاديث. الفصل الثاني: الأحاديث التي نقص من متونها ألفاظًا. وفيه حديثان. الفصل الثالث: الأحاديث التي أبدل فيها لفظًا بآخر. وفيه تسعة أحاديث. الفصل الرابع: الأحاديث التي أدخل بعضها في بعض (إدخال حديث في حديث). وفيه أربعة أحاديث. وخاتمة: ذكر فيها أهم نتائج البحث. وكان عمل الكاتب في هذا البحث: 1- تصدير البحث باللفظ الذي وهم فيه ابن عيينة. 2- ثم إيراد حديث ابن عيينة كاملًا، باسناده ومتنه، بدءًا بأصحاب الكتب الستة (البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه). وهذا هو الأصل عند الباحث، وقد يخرج عن هذا الأصل لحاجة، كأن يكون لفظ الحديث - حديث ابن عيينة - عند مسلم وابن ماجه، ولكن لفظ ابن ماجه أصرح من لفظ مسلم، فأصدر بلفظ ابن ماجه لصراحته. 3- إذا كان هناك خلاف على ابن عيينة فإنه يذكره في الحاشية. 4- تصوير وجه الخلاف بين ابن عيينة وأصحاب الزهري. 5- قد يكون وهم ابن عيينة في الحديث له سببان، فيصدر الباحث بالأظهر منهما. 6- إذا كان اللفظ الذي وهم فيه ابن عيينة قد توبع عليه، أو ورد ما يشهد له، فأنه يذكره، ويحكم عليه بما يستحقه. 7- إيراد أقوال أهل العلم الذين خطئوا ابن عيينة، أو وهموه، وكذا من صَحَّح أو رَجَّح روايته. وإذا لم يكن ثَم أقوال للعلماء في ذلك، فإنه يجتهد في الحكم على اللفظ يناء على قواعد المحدثين. 8- بعد الانتهاء من دراسة الحديث، صوَّرَ الخلاف في خريطة توضيحية. أما عن أهم النتائج التي توصل لها من خلال هذا البحث: 1- سفيان بن عيينة من أوثق أصحاب الزهري. 2- لازم الزهري شهرًا أو يزيد. 3- عدد مروياته عنه: ثلاث مئة حديث. 4- عدد ما أخطأ فيه من خلال بحثه (سندًا ومتنًا): ثمانية وثلاثون حديثًا، خمسة عشر في السند، وثلاثة وعشرون في المتن. 5- أنواع هذه الأوهام: أ- الزيادة في الحديث (سواء كانت زيادة ألفاظ أو رواة)، وبلغت أربعة عشر حديثًا. ب- النقص في الحديث (سواء كان نقص ألفاظ أو رواة)، وفيه أربعة أحاديث. ج- الإبدال في الحديث (سواء كان إبدال ألفاظ أو رواة)، وفيه اثنا عشر. د- وصل المرسل، وفيه ثلاثة أحاديث. هـ- إدخال حديث في حديث، وفيه أربعة أحاديث. و- وحديث شك في إسناده. ٦- كل الأوهام التي أوردها الباحث لابن عيينة في هذا البحث قد نص عليها عدد من أهل العلم، إلا ستة أحاديث وهم: (ص 315، 322، 334، 348، 421، 458). وصاحب هذا الكتاب باحث شاب توفي تلك السنة متأثرًا بمرض كورونا نسأل الله أن يغفر له ويرحمه ويجعل هذا الكتاب في ميزان حسناته. |
حرب "المصطلحات" ودور المسلم المعاصر فيها بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن تغيير المصطلحات، وتسمية الأشياء بغير اسمها فتنة من أعظم الفتن، وتلبيس يلبس به إبليس وحزبه على الناس، ليوقعوهم في معصية ربهم سبحانه وتعالى. وحتى تتضح جذور القضية فإنني أورد آيات من سورة البقرة تتحدث عن بداية خلق الإنسان، وأن الله سبحانه وتعالى علم آدم عليه السلام الأسماء كلها، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ﴾ [البقرة: 30 - 33] ومن خلال قراءة الآيات السابقة نعرف أن الأمر ضارب في جذور التاريخ، وقديم قدم الإنسان نفسه، وبالرجوع إلى كلام أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ﴾ [سورة البقرة 31]، نجد أن خلاصة كلامهم -رحمهم الله تعالى- "أنَّ الله تعالى قد عَلَّم آدَمَ عليه السَّلام أسماءَ كلِّ شيء" [1] ، فالله سبحانه وتعالى أظهر شرف آدم عليه السلام بأن علمه الأسماء الصحيحة للأشياء، ثم أمر الملائكة بالسجود له، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 34 - 36]. وجاء تفصيل ما وسوس به إبليس لأبينا آدم عليه السلام في قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]. فالشيطان الرجيم - نعوذ بالله تعالى منه - لم يصرح لآدم عليه السلام أنه يريد منه أن يعصي الله سبحانه وتعالى، بل خادعه، وكذب عليه، وحلف له بالله تعالى أنه له ولزوجه ناصح، كما قال الله تَعالى: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 20، 21]، وأن نصيحته "الطيبة!" هي الأكل من ﴿ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾، كما قال الله عز وجل: ﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ﴾ [طه: 120]. تأملوا - رعاكم الله تعالى ووفقكم - في هذا الكلام الذي وسوس به الشيطان لآدم عليه السلام. كذب صراح، وباطل محض، وقلب للحقائق، فالخلد في الجنة لا يكون إلا بطاعة الله عز وجل، وما يريده الشيطان من آدم هو حرمانه من ذلك الخلد في الجنة حسدًا، وعداوة، وبغضًا، ولخبث عدو الله وغشه وخداعه جاء بهذا الكلام المناقض للحقيقة والواقع، ووسوس بقول باطل لا أصل له، ولا برهان عليه، ولا دليل على صحته. ولأن إبليس يعلم ذلك، أقسم بالله تعالى كاذبا ليغر آدم عليه السلام بذلك الحلف، وتعلم منه حزبه هذه الطريقة في الإفك، والدجل، والتزوير، وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [المجادلة: 16]. وفي زماننا المعاصر عظمت فتنة الشيطان وحزبه، وضل عن سبيل الله تعالى خلق كثير، بسبب انتشار الفضائيات والانترنت وغيرهما من الوسائل الإعلامية التي تبث سمومها صباح مساء، وتنشر خَبَثَهَا في الليل والنهار بلا توقف، ولا انقطاع، ولا هوادة، فما هو دور المسلمين، والمسلمات المعاصرين في مواجهة هذه الفتن والبلاءات؟ معاشر الكرام: إن المعركة بين الخير والشر قديمة عتيقة، وستدوم ما دامت الحياة الدنيا، وإن جهاد الباطل فرض على كل مسلم ومسلمة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ" . [أخرجه أبو داود (2504) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه الألباني]. فهذا الحديث - وفقكم الله لمرضاته - لم يقصر جهاد الباطل على جهاد السنان، بل أشار أيضا إلى جهاد المال واللسان، وقد أمر ربنا عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار بالقرآن، فقال سبحانه: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]، والخِطابُ في هذه الآية وإنْ كان للنبي صلى الله عليه وسلم، فالحُكمُ شاملٌ لِأُمَّتِه [2] ، والآية تدعو بوضوح إلى نُصرة الحَقِّ، وقمع الباطل، بكُلِّ الطاقة وبلا فُتورٍ [3] ، فهي نصٌّ صريحٌ في أنَّ الدعوة إلى اللهِ تعالى، وإحقاق الحقِّ، وإبطال الباطلِ من أكبر أنواع الجهاد، وأشدها على أعداء الملة والدين، وأعظمها تأثيرا في نفوس العالمين [4] . ويخطئ كثير من الناس في ظنه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مختص بالعلماء، والصواب أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم ومسلمة بحسب ما يعلمون من أحكام الشريعة. ولذا، ينبغي على أهل الخير والصلاح التمسك بمصطلحات الكتاب والسنة، ورفض ما يقوم به أهل الباطل من تلبيس وتزييف، وإعلانها صريحة مدوية، عبر جميع وسائل الإعلام والتواصل التي يمكننا ربنا منها، "أننا نرفض تغيير مصطلحات الشريعة" ، "وأننا نعتبر نصوص الإسلام خطا أحمر لا نرضى، ولا نقبل، ولا نسمح لأحد أن يقترب منه" ، ومن ذلك أننا نرفض، وننكر، وبشدة: • تسمية الربا فائدة. • والزنا صداقة. • والخمر مشروبات روحية. • والحكم بغير ما أنزل الله تعالى ديمقراطية وتجديدًا. • والإلحاد حداثة. • والعلمانية تطورًا. • والرأسمالية تقدمًا. • والعصبية وطنية. • والغناء والمجون فنا ونجومية. وفي المقابل، نناهض، ونحارب، وبصرامة: • تسمية الإيمان تخلفًا. • والجهاد إرهابًا. • والتمسك بالدين تطرفًا. • والحجاب رجعية. • والسنة بدعة. • والحق باطلا. • والخير شرًّا. • والاستقامة تعقيدًا. • والإصلاح إفسادًا. وأننا نناضل ونتمسك وبقوة، بمصطلحات الدين والملة، مثل: • الإسلام. • والإيمان. • والإحسان. • والتوحيد. • والسنة • والبدعة • والشرك. • والكفر. • والردة. • والنفاق. • والفسق. وذلك لأن المصطلحات الشرعية لها معان ودلالات، وينبني عليها أحكام وجزاءات، فإذا غُيرت المصطلحات فسد الدين، والتبس الحق بالباطل، وأهدرت دماء وأموال معصومة، وعصمت دماء وأموال مهدرة؛ وفي تقرير ذلك يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "اعْلَمْ أَنَّ " مَسَائِلَ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ " هِيَ مِنْ مَسَائِلِ " الْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ " الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ، وَالْقَتْلُ وَالْعِصْمَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَوْجَبَ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ" [5] . ويقول الشيخ محمد المنجد مؤكدا ضرورة المحافظة على المسميات الصحيحة الموافقة لما جاء في الكتاب والسنة: "لقد وردت كلمة الكفر بمشتقاتها من " الكفر " و" الكافرين "، و" الكفار " و" الذين كفروا " في القرآن الكريم أكثر من أربعمائة مرة، ووردت لفظة الشرك بمشتقاتها " المشركين "، " والذين أشركوا " في القرآن أكثر من مائتي مرة، ووردت لفظة " النفاق "، ومشتقاتها " المنافقين "، و" الذين نافقوا " في القرآن أكثر من خمسين مرة، ووردت كلمة " اليهود " سبع مرات، و" النصارى " ثمان مرات، ولفظة " الكفار " أربعة عشر مرة، و" الكافرين " خمساً وخمسين مرة، وكذلك " الذين كفروا " مائة واثنين وخمسين مرة، وهكذا بهذه الألفاظ، فيسمع المؤمن كلمة " كفر "، و" كافر "، و" كفار "، و" كافرين " بمجرد السماع قلبه ينطق بالكراهية لهؤلاء؛ لأنهم كفروا بالله، أشركوا به، سبوا الله، اعتقدوا في الله عز وجل عقيدة ضالة منحرفة، وهكذا تنبني أحكام ومواقف" [6] . وفي ختام هذا المقال فإننا نحذر من يتلاعبون بالمصطلحات، ويغيرون المسميات، ونخوفهم عقاب الله عز وجل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ" . [رواه ابن ماجه (4020) من حديث أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3263) ]، وفي الحديثِ: علم من أعلام النبوة، وفيه وعيد شديد [7] للمُفْسِدِينَ الذين يغيرون الألفاظ الشرعية، بالخسف، والمسخ، والعذاب في الدنيا، ﴿ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 26]. والحاصل: أن دورنا في حرب المصطلحات يتمثل في قيامنا بما أمر به ربنا عز وجل من تعلم ما جاء في الكتاب والسنة، والعمل بمقتضى ذلك العلم، ونشره في أصقاع الدنيا بجميع الوسائل المتاحة، وأن نعلم أن مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى ليست مهمة فرد أو جماعة، بل هي مسؤولية أمة، وكلٌّ مُكَلَّفٌ بأن يقوم بها بحسب إمكاناته، وقدراته، واستطاعته مع أهمية التعاون على البر والتقوى؛ عملا بقول الله عز وجل: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [المائدة: 2] والله تعالى أعلم. اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [8] . اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنا مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لنا، اللَّهُمَّ وَنسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَنسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَنسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَنسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَنسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ، وَنسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَنسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ [9] . والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] "نسَبه ابنُ تَيميَّة إلى الجمهور. كما في ((مجموع الفتاوى)) (7/ 94). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (1/ 222-223)، ((تفسير السعدي)) (ص: 49)، ((تفسير ابن عُثيمين - الفاتحة والبقرة)) (1/ 118-119). وممَّن قال من السَّلف بذلك: ابن عبَّاس ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقَتادَة. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (1/ 541)، ((تفسير ابن أبي حاتم)) (1/ 80)". [((التفسير المحرر)) للدرر السنية]. [2] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (3/ 286)، ((تفسير البيضاوي)) (4/ 127)، ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية. [3] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (17/ 470)، ((الوسيط)) للواحدي (3/ 343)، ((تفسير القرطبي)) (13/ 58)، ((تفسير ابن كثير)) (6/ 116)، ((تفسير السعدي)) (ص: 584)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (6/ 64)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية. [4] يُنظر: ((تفسير ابن باديس)) (ص: 188)، ((التفسير المحرر)) للدرر السنية. [5] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (12/ 468). [6] يُنظر: ((التلاعب بالمصطلحات الشرعية)) لمحمد المنجد، على الرابط التالي: https://almunajjid.com/speeches/lessons/271 [7] يُنظر: ((الموسوعة الحديثية)) للدرر السنية. [8] عن سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ: "اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ؛ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". [أخرجه مسلم (770)]. [9] عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ؛ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ". [أخرجه النسائي (1306)، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1305)]. |
المدخل إلى الملكة الأصولية لأحمد بن مسفر العتيبي صدر حديثًا كتاب "المدخل إلى الملكة الأصولية"، تأليف: د. "أحمد بن مسفر العتيبي"، نشر "مكتبة الرشد". وضم هذا الكتاب دروس تطبيقية لتأسيس الملكة الأصولية، وتعريف طالب العلم المبتدئ بعلم " أصول الفقه "، مع التنبيه على الأخطاء التي تقع عند مدارسة ومذاكرة المباحث الأصولية. وبذلك يعد هذا الكتاب مدخلًا لعلم "أصول الفقه" يستفيد منه طالب العلم والقارئ العادي، حيث قام الكاتب في كتابه بتوضيح المسائل والدلائل والجزئيات والمعاني الأصولية والفقهية باختصار، وعزوها إلى المسائل الأصلية، من باب تخريج الفروع على الأصول. مع اهتمامه بضرب الأمثلة في كافة مباحث الكتاب، مع ربطها بالمسائل والدلائل على حسب المناسبة التي ترد في البحث. وتناول الكتاب عدة مواضيع أصولية حاول فيها الباحث الإحاطة بكافة مهارات الملكة الأصولية، كتعريف علم أصول الفقه، وبيان كافة المصطلحات الأصولية التي ترد في كتب علوم الفقه، مع وضع الأمثلة على هذه التعاريف من كتاب "الروض المربع " للبهوتي، وبيان ما المقصود بالملكة الأصولية، وما هي أركان المَلكَة الأُصولية، ومهارات البحث في الكتب الأُصولية، وأساليب فهم ونقد النكت الأصولية، ومنهج تصور المسائل الأصولية، وأساليب مراجعة المسائل الأصولية، وقائمة بمائة خطأ تقع عند دراسة المسائل الأصولية نبه عليها أثناء مباحث الكتاب. كما بين الكاتب في كتابه كيف ندرس علم أصول الفقه، وهل الأفضل أن نبدأ بالمتون الأصلية وحفظها، أم بالمتن مع الشرح؟ كما أجاب عن سؤال: كيف نستثمر الملكة الأصولية؟ كما ركز في خاتمته للكتاب على إجمال أهم مباحث الكتاب وتركيزها في صورة نقاط مختصرة سهلة الحفظ. وصاحب الكتاب هو د. "أحمد بن مسفر بن مُعجب العُتيبي" محاضر وباحث شرعي، وعضو عامل في الجمعية الفقهية السعودية: • ولد بالطائف سنة (1391) هجرية، ودرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. • رحل إلى مِصر والسودان والشام والكويت والهند وتركيا، ودرس على علمائها أُصول الفقه والحديث والُّلغة والمنطق. • حصل على إجازات حديثية من عُلماء ومُحدِّثين ومُسندين من الشام والعراق وباكستان والسودان. • حصل على درجة الماجستير في الحديث بتقدير ممتاز. وكانت رسالته بعنوان: "مرويات ابن الجوزي في صيد الخاطر". • حصل على درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز في أصول الفقه. وكانت رسالته بعنوان: "الملَكةُ الأصولية قواعدها وعوائقها وتطبيقاتها في كتاب الروض المربع". • كتب مقالات عديدة شرعية وأُصولية ونقدية وتراثية في جريدة: الرياض والمدينة والمسلمون، ومجلة: المجتمع والمنهل والمجلة العربية ومجلة الجندي المسلم. المصنفات العلمية: 1- دهاقنة اليمن ( وهو أشهر مؤلفاته ) وموضوعه الإسماعيلية في الجزيرة العربية. طبعته دار البشير في الأردن. 2- القواعد التأصيلية ( برنامج علميُّ تأصيليُّ )طبعته دار ابن حزم في لبنان. 3- حقيقة معتقد ابن سينا ( وهو أوَل كتاب يتناول عقيدة ابن سينا بإنصاف ). طبعته دار المؤتمن بالرياض. 4- دليل فهم القرآن المجيد ( طبعته مكتبة الرشد / طبع ثلاث مرات ). 5- نقض افتراءات المؤرِّخين والنُّقاد حول شخصية حسان بن ثابت رضي الله عنه. طبعته دار بلنسيه بالرياض ( وقد ألَّفه على مقاعد الدراسة قبل الثلاثين من عمره ). 6- التحقيقات الشرعية في بيان أن عقيدة أبي تمام سُنيَة. طبعته دار الُّلؤلؤ والمرجان بتبوك. 7- مرويات ابن الجوزي في صيد الخاطر ( وهو أول كتاب يبحث مرويات ابن الجوزي في صيد الخاطر وينقدها نقدًا علميًا وحديثيًا ). 8- المَلكة الأصولية: قواعدها وعوائقها وتطبيقاتها في كتاب الروض المربع. طبعت في كتابين مستقلين: كتاب الخريطة الأصولية، وكتاب دروس في تأسيس المَلكَة الأُصولية. 9- الخريطة الأصولية: جداول مهارية لفهم الأصول، طبعة دار الصميعي. الرياض. 10- دراسة عامة حول كتاب نشر البنود على مراقي السعود. طبعته دار المذهب للنشر والتوزيع ( إحدى مجموعات دار نجيبويه ). 11- أشرف وراجع تحقيق نشر البنود على مراقي السعود للعلوي/ تحقيق الشيخ أحمد نجيب. ( طبعة دار نجيبويه للنشر والتوزيع ). |
العبث بالفُرَص يا ما جنى العنادُ على الناس! ويا ما تصدَّعَت بيوت، بعد أنْ قطعت شوطًا بعيدًا في البناء، كان ثمرتها بنين وبنات! لكن يحصل موقف تعانَدَ عليه الطرفان، فكان الفراق، ويا ما فَقد شخص فرصةً ذهبية، سنحت له في عمله، أو في تجارته، فعاند فيها، فودَّعته الفرصة، غير آسفة على وداعه! والفُرَص لا تتكرَّر. أعرف زميلًا كان - ولا يزال - طاقةً فاعلة، كان موهوبًا، وكان من الممكن أنْ يتسلَّم مواقعَ مهمَّةً علميًّا، ثم إداريًّا، تعاند في بداية مشواره العلمي والعملي مع رئيسه المباشر، وركب رأسَه، ووضع نفسَه في صفِّ رئيسه، بل ربَّما أنَّه رأى في نفسه أكثر من رئيسه، فأعطى ذاته مكانةً أكثر مما هو واقعها، وكانت نتيجتها أن انتقل من هذه المنشأة العلميَّة إلى منشأة إدارية فنية، بعد أنْ تبيَّن ألَّا مقام له فيها، ففقد فرصةَ الترقِّي العلمي، الذي قلَّ أنْ يناله إلَّا الموهوبون. لكنَّ زميلي هذا كانت له وجهة نظر أخرى، أطاحت به من هذا المجال العِلمي، فذهب يبحث عن مَجال آخر، وكأنه يمنُّ على تلك المؤسسة العلميَّة الفرعية، بما لديه من طاقاتٍ علمية وثقافية وفكرية، وكان - ولا يزال - لديه طاقات علميَّة وثقافية وفكرية، صاحبي هذا الذي ألمتُ له كثيرًا، وألمت لموقفه، وكأنَّه يتمثَّل قولَ الشاعر العربي: أضَاعُوني وَأَيَّ فَتًى أَضَاعُوْا *** لِيومِ كَرِيهَةٍ وَسِدَادِ ثَغْرِ الواقع أنَّ هذه المنشأة التعليميَّة لم تَفقد صاحبي؛ لأنَّها أحلَّت محلَّه مَن هو في مستواه، أو ربما فوق مستواه، علمًا وخُلُقًا، و"مشى أمرُها"، ولم تأسَف على خروجه منها، ولم يتمثَّل هو بعد ذلك بقول الشاعر العربي الآخر: سَيَذْكُرُنِي قَوْمِي إِذَا جَدَّ جِدُّهُمُ *** وَفِي اللَّيلَةِ الظَّلْمَاءِ يُفتَقَدُ البَدْرُ لم تكن لهذه المنشأة في هذا المساق ليلةٌ ظلماءُ، بل إنَّ لياليها كانت تغصُّ بالبدور، وهجها متفاوت، ولكنها مجتمعة تضيء سماءَ المنشأة، إنَّه العناد الذي أفقد صاحبي فرصةً لا تعوَّض. على أيِّ حال، ضربتُ مثلًا بصاحبي هذا، الذي تنقَّل بعد ذلك إلى أكثر من جهة، كان قلقًا في جميعها، مجابهًا رؤساءه في جميعها، مصادمًا لهم، متمسِّكًا برأيه دائمًا، ففوَّت على نفسه فرصًا تُعزى إلى إصراره على العناد. هناك أمثلة أخرى، ومواقف متعدِّدة، تُثبِت - على المستويات كافَّة - أنَّ الأمور تتفاقم وتصِل إلى حدود صعبة جدًّا، بسبب عِناد بين الطرفين أو أكثر، وسيظل العناد، كما الغرور، صخرةً تتحطَّم عليها مشروعات قائمة، وآمال وطموحات، وسيظل العناد، كما الغرور، سببًا من أسباب الشقاء، على المستوى الفردي والأسري، وأبعد من ذلك من المستويات، والسعيد منَّا من لم يتَّصف بالعناد، ومن لا يلقي له بالًا كثيرًا، بل ويُكثر من التروِّي وإبداء بعض التنازُلات التي - دائمًا - تعود بالمصلحة على الأطراف المعنية وتحقِّق المراد، ولو على المدى البعيد. لا يتَّفق العناد مع التنازُلات، ولا تتمُّ جميع الأمور على الوجه المراد لها إلَّا بالتنازُلات مِن الطرفين، لا من طرف واحد فقط؛ إذ يلتقيان، أو يلتقون في منتصف الطريق، ولعلَّ في صُلح الحديبية من العِبر والدروس ما يغني عن المزيد من إيضاح الفَرق بين العناد ونقيضه؛ إذ إنَّ التنازُلات التي أبداها رسولُ الهدى صلى الله عليه وسلم كانت ممهِّدةً لنصرٍ من الله تعالى وفتحٍ قريب، رغم أنَّ بعض الصَّحابة رضي الله عنهم لم يكونوا " مرتاحين " للوهلة الأولى من هذه التنازُلات. |
منهج استثمار الخطاب الشرعي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: لقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بلسان عربي مبين؛ قال المولى عز وجل: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]، وجعله قرآنًا عربيًّا غير ذي عوج؛ فقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 27، 28]، فكانت سلامة النص من العوج في الدلالة والالتواء في المعنى من خصائص حفظ البيان، ومن لوازم حفظ نص القرآن الكريم. وكونُ القرآن إنما أنزل بلسان عربي مبين يعني - فيما يعني - أنه يُفهم من خلال معهود العرب في الخطاب وإبانتهم، وتُحدَّد معانيه من خلال دلالات الألفاظ التي تعاهد عليها العرب في استعمالاتهم، أو من خلال مفهوم العرب لدلالات الألفاظ؛ لذلك قال ابن تيمية رحمه الله: "اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجب، فإنَّ فَهمَ الكتاب والسنة فرض، ولا يُفهَم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" [1] . وقال الإمام الشافعي: "فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افتُرض عليه من التكبير، وأُمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك" [2] . وقد وضح رحمه الله في رسالته الأصولية كون القرآن عربيًا، وبنى عليه أمران: " أحدهما: أنه يجب على كل مسلم أن يتعرف قدرًا من اللغة العربية، يصحح به دينه، فيستحفظ من القرآن الكريم قدرًا، يستطيع قراءته وفهمه، فلا قراءة من غير فهم. ثانيهما: أنه لا يجوز أن يتصدى لتعرف معانيه مَن لا يعرف اللسان العربـــي بدقائقه وأساليبه، فلا بد أن يعرف ألفاظ العموم ومدى دلالتها، والألفاظ الخاصة ومواضعها بجوار الألفاظ العامة، والألفاظ المجملة والمشتركة والمفصلة [3] ، وهكذا؛ حتى يتعرف كيف يستخرج الأحكام الفقهية من الكتاب الكريم " [4] ، وقال الإمام الشافعي: "لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحدٌ جهِلَ سَعَةَ لسان العرب، وكثرة وجوهه، وجماع معانيه وتفرقها، ومن عَلِمه انتفت عنه الشبهة التي دخلت على مَن جهل لسانها" [5] . وقد اتفق علماء الأصول على ضرورة أن يكون المجتهد على علمٍ باللغة العربية؛ لأن القرآن الذي نزل بهذه الشريعة عربيٌّ، ولأن السنة التي هي بيانه جاءت بلسان عربي. يقول الإمام الشاطبي رحمة الله عليه: "الاجتهاد إذا تعلَّق بالاستنباط من النصوص، فلا بد من العلم بالعربية [6] ... إذا افترضنا مبتدئًا في فَهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطًا في العربية فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإذا انتهى إلى درجة الغاية في العربية، كان كذلك في الشريعة" [7] . وتجدر الإشارة هنا إلى "أن المباحث الأصولية اللغوية ليست من نوع علوم اللغة أو النحو العادية، فقد دقَّق الأصوليون نظرهم في فَهم أشياءَ من كلام العرب لم يتوصل إليها اللغويون أو النحاة، إن كلام العرب متسع وطرق البحث فيه متشعبة، فكُتُبُ اللغة تضبط الألفاظ والمعاني الظاهرة، دون المعاني الدقيقة التي يتوصل إليها الأصولي باستقراءٍ يزيد على استقراء اللغوي، فهناك إذًا دقائق لا يتعرض لها اللغوي، ولا تقتضيها صناعة النحو، ولكن يتوصل إليها الأصولي باستقراء خاصٍّ وأدلة خاصة" [8] . ولما كانت الغاية التي يستهدفها الأصولي هي معرفة كيفية اقتباس الأحكام من النصوص الشرعية وطرق استثمارها، بات الواجب العلمي يفرض المعرفة بهذا الخطاب إجمالًا من حيث مضمونه وموضوعه ... وفق معهود العرب في الاستعمال، فلا أحد يستطيع أن ينازع في أنها على الأقل تشكل لبنة أولى من لبنات عملية الفهم؛ إذ يتحدد مضمون الخطاب وموضوعه الذي يتحدث عنه، فيكون المجتهد على بصيرة من أمره بناء على سلامة الفهم؛ إذ هو على الأقل حدد مفهوم الحكم والغاية منه. "فإنه لما كانت الأحكام الشرعية والقضايا الفقهية وسائلَ مقاصد المكلفين، ومناطَ مصالح الدنيا والدين، وأجلَّ العلوم قدرًا، وأعلاها شرفًا وذكرًا؛ لِما يتعلق بها من مصالح العباد، في المعاش والمعاد - كانت أَوْلَى بالالتفات إليها، وأجدر بالاعتماد عليها. وحيث كان لا سبيل إلى استثمارها، دون النظر في مالكها، ولا مطمع في اقتناصها من غير التفات إلى مداركها، كان من اللازمات والقضايا الواجبات البحثُ في أغوارها، والكشف عن أسرارها، والإحاطة بمعانيها والمعرفة بمبانيها؛ حتى تذلَّل طرق الاستثمار، وينقاد جموح غامض الأفكار" [9] . فنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية هي التي يقوم عليها كلُّ استنباط في الشريعة الإسلامية، وعلمُ أصول الفقه رسم المناهج لطرق الاستنباط من هذه النصوص. ففي هذا العلم الجليل - علم أصول الفقه - الذي يعد من أهم العلوم التي أنتجتها الحضارة الإسلامية؛ حيث ظهر الابتكار جليًّا عند علماء المسلمين، وتداخل في تركيبه النقل مع العقل، والرأي مع الشرع؛ كما قال الإمام الغزالي في مقدمة كتابه المستصفى: "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم أصول الفقه من هذا القبيل؛ فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول الذي لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبنيٌّ على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد" [10] ، فهو فلسفة العلوم الإسلامية، وعليه تدور أحكام الشرع ومعاني الكتاب والسنة؛ قــال الإمام الأسنوي: "فإن علم أصول الفقه عظم نفعه وقدره، وعلا شرفه وفخره؛ إذ هو مثار الأحكام الشرعية، ومنار الفتاوى الفرعية التي بها صلاح المكلفين معاشًا ومعادًا، ثم إنه العمدة في الاجتهاد، وأهم ما يتوقف عليه من المراد" [11] . ولما كانت الغاية المتوخَّاة من هذا العلم الجليل إمدادَ المجتهدين بقواعد الاستنباط وقوانينه، فإن الحاجة إليه تشتد في الوقت الحاضر؛ حيث الاتجاه العام إلى إعادة النظر في التراث الفقهي وتقويمه، وإلى اجتهاد فقهي جديد، جامع بين الأصالة والمرونة؛ لمواجهة متطلبات العصر ومشكلاته، ولن يتحقق هذا إلا إذا اتخذ الاجتهاد مسارًا صحيحًا، مبنيًّا على أُسسٍ سليمة ودعائمَ متينةٍ من المعرفة التامة بالعلوم الشرعية واللغوية، والتي يأتي هذا العلم في مقدمتها، أما مجرد معرفة النصوص أو استظهارها، فليس مؤهِّلًا للاجتهاد، أو مخولًا لاستنباط الأحكام. ولا شكَّ أن أول الخُطا في طريق المعرفة الصحيحة الفهمُ السليم، من هنا تتأكد أهمية الاجتهاد بصفته وسيلة للفهم السليم في دائرة النص الشرعي والحمل عليه، وأداةً لاستنباط الحكم الشرعي عند عدم وجود النص. ونظرًا لوظيفة الاجتهاد الخطيرة؛ فقد وُضعت أُسسه في أثناء فترة الوحي المباركة، وتولَّى الرسول الكريم عليه أفصل الصلاة وأتم التسليم رسمَ منهجه، وتوضيح معالمه قولًا وعملًا وتقريرًا، واستمرت مسيرة الفقه وحركة الاجتهاد تنمو وتتطور، يقودها علماء أفذاذ بذلوا غاية وسعهم في تأصيل هذه الحركة؛ حتى تُعصم من الانحراف، فبلغوا بها مستوًى علميًّا راقيًا يعبِّر عن نضج فكري عميق، ويبرهن على مدى الآفاق التي فتحتها الدراسات التشريعية في الإسلام. وهكذا يتبين أن مهمة المجتهد في التعامل مع الخطاب الشرعي ليست قاصرة على فهمه وتفسيره واستنباط الأحكام منه، انطلاقًا من منطوقه أو من مفهومه، ووضع قواعد لغوية أو شرعية يرسم بها لدراسة المسار الذي يجب أن يسلكه للوقوف على مراد الشارع منه - بل إن هذه ليست إلا خطوة أولى تليها خطوة أخرى، ربما كانت أكثر أهمية؛ وهي تطبيق هذه الأحكام المطلقة على تصرفات الناس التي تصدر عنهم في واقعهم الاجتماعي أقوالًا وأفعالًا، ما دام "كل دليل شرعي مبني على مقدمتين؛ إحداهما: راجعة إلى تحقيق مناط الحكم [12] ، والأخرى: ترجع إلى نفس الحكم الشرعي" [13] . وإذا كان الشمول والخلود من أبرز خصائص الشريعة الإسلامية، فإن تحقيقه واستمراره منوط بالاجتهاد في استنباط الأحكام واستثمارها؛ وذلك لأن النصوص متناهية ومحددة، وقضايا البشر ووقائعهم غير متناهية ولا محددة، فكان الاجتهاد هو السبيل إلى فهم تلك النصــوص؛ لتظلَّ تمدُّنا بالأحكام لكل الوقائع والمستجدات، وهذا ما سار عليه فقهنا الإسلامي في استنباطه للأحكام، وبذلك أمدَّ الحياة بحلوله الشرعية التي استوعبت كل قضايا الشعوب والمجتمعات، في كافة الأقطار التي فتحها الإسلام، وظل عطاؤه في نماء وازدياد يوم أن كان رائده الاجتهاد. إن مسألة تناهي النصوص تعتبر من أبرز القضايا التشريعية التي اكتسبت الحيز الأوسع في كتب أصول الفقه بشكل مثير، والمضمون العام لهذه المسألة أن النصوص متناهية، والأحداث والوقائع غير متناهية، وإنما هي في تزايد مستمر وتجدد دائم. وهذه المسألة ظلَّت مرتبطة بشكل كبير بقضية استثمار الخطاب الشرعي، وضرورة الاجتهاد والتجديد لمواكبة تغيرات الزمان والمكان، والمستجدات والطوارئ التي تحدث في حياة الناس. فهذا الإقرار بتناهي النص دون تناهي الأحداث ووقائع الناس [14] ، جعل الأصوليين يُلِحُّون على ضرورة الاجتهاد، واستثمار طاقات النص التشريعية؛ حتى يساير هذا النص كافة المستجدات التي تطرأ في الواقع، وذلك عن طريق القياس والمصالح المرسلة والاستحسان ... أو عن طريق القواعد الكلية العامة للشريعة الإسلامية. يقول الحجوي الثعالبي: "فإن أصول الفقه وإن اكتملت في الزمن النبوي، ففروعها لم تتم بعدُ، ولا انتهاءَ لها أبدًا ما دامت الحوادث، ولما كان استيعاب جميع الفروع الفقهية وأعيان الوقائع الجزئية، والإحاطة بجميع أحكامها، وإنزال شريعة بذلك، لا يسعه ديوانٌ، ولا تطيقه حافظة الإنسان، مع جواز وقوعه عقلًا - لطف الله بنا فأنزل العمومات؛ لتُستنبط منها المسائل الخاصة بالاندراج، وأنزل المسائل الخاصة؛ ليُقاس عليها ما يماثلها في علة الحكم أو يشبهها، ووكل إلى نبيِّه تدريبَ الأمة على الاجتهاد والاستنبـــاط؛ ليحصل لهم ثواب الاجتهاد الذي جعله من أفضل العبـــادات، ودليل كمال النفس، وتحصيـــل ثمرة الفهم والعقل الذي أكرم الله به الإنســـان" [15] . "فالاجتهاد والاستثمار هما اللذان يمنحان للنص الشرعي صفة الحياة الدائمة، ويجعله متمكِّنًا من تلبية حاجيات المجتمعات المتطورة، فهو في الحقيقة دليل خلود الشريعة الإسلامية وعموميتها واتساع أفقها، وبه يتميز التشريع الإسلامي عن باقي الشرائع الوضعية الأخرى" [16] . ويأتي القياس الفقهي في صدارة الأدلة الشرعية التي اعتمدها جمهور علماء أصول الفقه؛ لغايةِ جَعْلِ النص المتناهي يغطي وقائع الناس غير المتناهية؛ "فقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنه قال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما، وقد أنفذهمـا إلى اليمن: بمَ تقضيـــان؟ فقالا: إن لم نجد الحكم في الكتاب ولا في السنة، قِسْنا الأمر بالأمر، فما كان أقرب إلى الحق عملنا به)) صرحوا بالعمل بالقياس [17] ، والنبي صلى الله عليه وسلم أقرهما عليه؛ فكان حجة، وأيضًا ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لأبي موسى الأشعري: ((اقضِ بالكتاب والسنة إذا وجدتهما، فإذا لم تجدِ الحكم فيهما، اجتهد رأيك))" [18] . فالحوادث والوقائع متجددة ومستمرة، والنصوص الشرعية محدودة، ولا بد من إيجاد حكم شرعي لكل فعل من أفعال المكلفين؛ ولهذا أُبيح القياس والاجتهاد لهذه الضرورة. يقول الإمام الشاطبي: "فَلِأن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة؛ ولذلك احتيج إلى فتح باب الاجتهاد من القياس وغيره، فلا بد من حدوث وقائع لا تكون منصوصًا على حكمها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، وعند ذلك، فإما أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، أو يُنظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد، فلا يكون بدٌّ من التوقف لا إلى غاية، وهو معنى تعطيل التكليف لزومًا، وهو مؤدٍّ إلى تكليف ما لا يطاق، فإذًا لا بد من الاجتهاد في كل زمان؛ لأن الوقائع المفروضة لا تختص بزمان دون زمان" [19] . وإذا كان الإحساس بأبعاد ومعطيات هذه القضية بشكل جامع ومشترك بين جميع علماء أصول الفقه، فإن المناهج المخصصة للاستثمار والموضوعة للاجتهاد لم تكن موحدة ومتجانسة، وإنما اختلفت هذه المناهج تبعًا لتعدد المدارس الأصولية، واختلاف الأزمان والبيئات، وتغير مقتضياتٍ يستدعيها الواقع؛ فيُحتاج إلى حلٍّ يمثل بذاته تطورًا وانتقالًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى يفرضها الواقع؛ لأن كل تطور في العلم إنما هو ترجمة لتطور في المجتمع. [1] أحمد بن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، تحقيق: ناصر بن عبدالكريم العقل، ج: 2، ص: 207. [2] محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعة الأولى، 1357هـ - 1938م، ص: 48. [3] قال الإمام الشافعي: "فإنما خاطب الله بكتابه العربَ بلسانها على ما تعرف من معانيها، وكان مما تعرف من معانيها اتساعَ لسانها، وأن فطرته أن يخاطب بالشيء منه عامًّا ظاهرا يُراد به العام الظاهر، ويُستغنَى بأول هذا منه عن آخره، وعامًّا ظاهرًا يُراد به العام ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه، وعامًّا ظاهرًا يُراد به الخاص، وظاهرًا يُعرف في سياقه أنه يُراد به غير ظاهره، فكل هذا موجودٌ علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره"؛ [الرسالة، (ص: 52)]. [4] محمد أبو زهرة، أصول الفقه، دار الفكر العربي، ص: 90، بتصرف. [5] الإمام الشافعي، الرسالة، ص: 50. [6] الإمام الشاطبي، الموافقات، تحقيق: عبدالله دراز، ج: 4، ص: 162. [7] المصدر نفسه، ص: 115. [8] علي سامي النشار، مناهج البحث عند مفكري الإسلام واكتشاف المنهج العلمي في العالم الإسلامي، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، 1404ه - 1984م، ص: 91. [9] علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: عبدالرزاق عفيفي، ج: 1، ص: 3، 4. [10] أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، تحقيق: أحمد زكي حماد، ج: 1، ص: 4. [11] عبدالرحيم بن الحسن الأسنوي، التمهيد من تخريج الفروع على الأصول، تحقيق: محمد حسن هيتو، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1401ه - 1981م، ص: 48. [12] "تحقيق المناط هو تحقيق العلة المتفق عليها في الفرع؛ أي: إقامة الدليل على وجودها فيه، كما إذا اتفقا على أن العلة في الربا هي القوت، ثم يختلفان في وجودها في التِّين حتى يكون ربويًّا"، وهذا لا يلزمه أن تكون العلة فيه ثبتت بالنص أو الإجماع، بل بأي طريق من الطرق التسعة تثبت، كما أنه لا يندرج فيما يسمى قياسًا، بل هو مجرد تطبيق الكلي على الجزئي ... "تحقيق المناط عند الأصوليين أن يقع الاتفاق على كلية وصف بنصٍّ أو إجماع، فيجتهد الناظر في وجوده في صورة النزاع التي خفي فيها وجود العلة، كتحقيق أن النباش سارق، فالوصف - وهو السرقة - عُلم أنه مناط الحكم، وبقي النظر في تحقيق وجوده في هذه الصورة؛ قال الغزالي: "وهذا النوع من الاجتهاد لا خلاف فيه بين الأمة"، وأما في اصطلاح أبي إسحاق: فتحقيق المناط هو مقدمة نظرية تعيِّن محل الحكم الثابت بمدركه الشرعي، لتنزيل المقدمة النقلية عليه. فهو آخر مراحل الاجتهاد إذًا، ذلك أن وظيفة تنزيل الأحكام على مجالها هي آخر ما يقوم به المجتهد بعد تناول النصوص الشرعية بالفهم والاستنباط، فيكون التنزيل أو تعيين مجال الأحكام هو تحقيق المناط؛ [فريد الأنصاري، المصطلح الأصولي عند الإمام الشاطبي، ص: 360]. [13] أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، ج: 4، ص: 103. [14] قال الشهرستاني: "وبالجملة نعلم قطعًا ويقينًا أن الحوادث والوقائع في العبادات والتصرفات، مما لا يقبل الحصر والعد، ونعلم قطعًا أنه لم يرد في كل حادثة نصٌّ، ولا يتصور ذلك أيضًا، والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية، وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى - عُلم قطعًا أن الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار؛ حتى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد"؛ [الملل والنحل، (ص: 205)]. [15] الحجوي الثعالبي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، هذا الكتاب ابتُدئ طبعه بمنطقة إدارة المعارف بالرباط عام 1340، وكمل بمطبعة البلدية بفاس في ربيع عام 1345، ج: 1، ص: 120. [16] يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، ص: 27. [17] ومن أمثلة اجتهادات النبي صلى الله عليه وسلم التي تنص على أنه عليه الصلاة والسلام قد استعمل القياس ما يلي: ((أن امرأة جاءته وقالت: يا رسول الله، إن أمي قد ماتت وعليها صومُ نذرٍ، أفأصوم عنها؟ فقال: أفرأيتِ لو كان على أمِّك دَيْنٌ فقضيتِهِ، أكان يجزئ عنها؟ قالت: نعم، قال: فَدَيْنُ الله أحق أن يُقضى))؛ [مسند الإمام أحمد، (1/ 362)]. [18] مصطفى عبدالرازق، تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية، تقديم: محمد حليم عبدالوهاب، دار الكتب المصرية، القاهرة، ج: 1، ص: 216، وانظر: الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي، ج: 4، ص: 37، والمعتمد، لأبي الحسين البصري، ج: 2، ص: 222. [19] الإمام الشاطبي، الموافقات، ج: 4، ص: 9. |
مدلولات كلمة الأرض في القرآن قد يكون غريبًا على غير المسلم، أن تكون حقائق علوم الأرض مدخلا للتعريف بالإسلام. وربما يلتمس له عذرًا في ذلك، خاصة إذا ما قرأ الكتاب المقدس، ولم يلمس فيه مفردات العلم الحديث. إلا أن آيات القرآن ذات نهج عجيب في هذا الشأن، ففي القرآن نجد حديثًا مباشرًا عن مدِّ الأرض وإنقاصها من أطرافها، وميدها ودور الجبال في اتزانها، و الجبال الأوتاد والرواسي التي لا تجعل الأرض تميد، وعن الجبال التي تمر في الدنيا مر السحاب، وعن البحر المسجور بالنيران، وعن البرزخ والحاجز بين البحرين، وعن ظلمات وأمواج البحار، وعن صدع الأرض، وعن الأرض الكفات الضامة، وعن الأرض الهامدة التي تهتز وتربو إذا أصابها ماء السماء، وعن إسكان وغور الماء، وعن الزلازل ومفرداتها من الرادفة والراجفة، وعن تقطيع الأرض إلى قطع متجاورات، وعن الذاريات، وعن الماء الذى يسيل أودية بقدرها، وعن دحو وطحو الأرض، وشق الأرض، إلى غير ذلك من مصطلحات علوم الأرض التي يتناولها الدارسون اليوم. إن دقة وكثرة إشارات العلم تجعل المسلم يزداد إيمانًا مع إيمانه، وتدعو غير المسلمين الذين يريدون التعرف على الإسلام إلى احترام القرآن، والتساؤل أنى لتلك الإشارات أن تُعرف منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، في زمن لم يعرف فيه الناس علم الأرض "الجيولوجيا" إلا مع مطلع القرآن السادس عشر الميلادي. ولسوف أعرف الإسلام هنا من خلال رسائل مختصرة عن حقائق علم الأرض في القرآن، والتي أقرَّها العلم الحديث، بل سأحاول في كثير من الحالات أن أصحح بعض المفاهيم الجيولوجية الحديثة في ضوء الإشارات العلمية للقرآن الكريم المتعلقة بعلوم الأرض. مدلولات كلمة الأرض في القرآن : إن الهدف في عرض معانى الأرض في القرآن هو إيقاظ العقل لتدبر آيات الله في الأرض كما يذكر الله تعالى في قوله: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20]، وفى إقرار ملكية الله سبحانه وتعالى للأرض كما ورد في قوله تعالى: ﴿ قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 84]، وقوله تعالى: ﴿ قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 12]، حتى يأتي الرد بالإقرار لله كما ورد في قوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [المؤمنون: 85]. إن الإعراض عن آيات الله في السماء والأرض شيء خطير، يقول الله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾[ يوسف: 105]. وفى معرض ذكر صفات عباد الرحمن في خواتيم سورة الفرقان يثنى الله على عباده المتأملين في آياته فيقول: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ﴾ [الفرقان: 73]. وترد كلمة الأرض في القرآن (425 مرة) ، يرد فيها الإعلان بأن المالك للأرض هو الله، وأن الله قادر عليها، ولا يخفى على الله شيء في الأرض، وأن الأرض خلقت بالحق، وأن الأرض بديعة وفى خلقها آيات للعقلاء يتدبرون فيها، وأنه سبحانه وتعالى قد سخرها لناس، وأمرهم بالمحافظة على صلاحها وعدم إفسادها، وأنه استخلفهم فيها، وأن الله جعل الأرض مستقرًا ومتاعًا إلى حين، وجعل الله الأرض مسرحًا للنشاط البشرى: يضربون فيها ويبحثون فيها ويبرحون فيها، وأن على البشر السير في الأرض طلبًا للرزق والهجرة فيها، وفى الأرض تاهت أمة حادت عن الحق، وترد في معانى الأرض في القرآن إشارات علمية تتعلق بمد الأرض وإنقاصها وصدعها ودحوها وطحوها واهتزازها....إلخ ولقد حاولت تبويب المواضع التي ذكرت فيها كلمة الأرض في القرآن فوجدتها كالتالي: 1- الأرض فراش ومهد وقرار (البقرة: 22، طه: 53، النبأ: 6). 2- الأرض مُسخَّرة للناس (البقرة: 29، البقرة: 168، البقرة: 267، الحج: 65، لقمان: 20). 3- الأرض ملك لله (المؤمنون: 84، الرعد: 16،البقرة: 107، البقرة: 116، البقرة: 255، آل عمران: 129، آل عمران: 180، آل عمران: 189، النساء: 126، النساء: 131، النساء: 132، النساء: 170، النساء: 171 المائدة: 18، المائدة: 40، المائدة: 97، المائدة: 120، لأنعام: 3، الأنعام: 12، الأعراف: 158، يونس: 55، يونس: 66، يونس: 68، إبراهيم: 2، مريم: 40، طه: 6، الأنبياء: 19، الحج: 64، النور: 42، النور: 64، الفرقان: 2، الروم: 18، الروم: 26، الروم: 18، الروم: 27، لقمان: 26، لقمان: 27، السجدة: 4، السجدة: 5، ص: 10، البروج: 9، النبأ: 37). 4- النهى عن الفساد في الأرض (البقرة27،البقرة60 ، البقرة 11، البقرة205، البقرة251، لمائدة32، المائدة33، ، المائدة64، الأنعام116، الأعراف56، الأعراف127، يونس23، هود85، الرعد25، الحجر39، الإسراء4، المؤمنون71، الشعراء152، الشعراء183، العنكبوت36). 5- الإنسان خليفة في الأرض (البقرة30، الأنعام6،الأنعام165، الأعراف10، الأعراف74، الأعراف85، الأعراف129، يونس14، النمل62، هود116، الكهف94، النمل48، فاطر39، ص26). 6- الأرض مستقر ومتاع إلى حين (البقرة36، الأعراف24، المؤمنون79، المؤمنون112). 7- النشاط البشرى في الأرض (البقرة61، البقرة71، البقرة273، آل عمران156، النساء101، المائدة106، المزمل20، المائدة31، يوسف80، الرعد17، الإسراء104، الشعراء7). 8- الأرض بد يعة مفطورة (البقرة117، الأنعام14، يوسف101). 9- في خلق الأرض آيات للعقلاء (البقرة164، آل عمران190، آل عمران191، يونس6، يونس101، يوسف105، الروم22، الروم25، لقمان25، ص27، ص28). 10- لا يخفى علي الله شيء في الأرض (آل عمران29، يونس18، الرعد33، إبراهيم38، الإسراء55، الحج70، الفرقان6، العنكبوت52، لقمان16، الصافات5، الأنعام11، الأعراف185، يوسف109، النحل36، الحج46، النمل69، العنكبوت20، لقمان18). 11- الهجرة في الأرض (النساء97، النساء100، التوبة2). 12- قدرة الله على الأرض (المائدة17، المائدة36، يونس54، يونس61، يونس99، الإسراء99، مريم93، العنكبوت22، سبأ9، فاطر-40-41، فاطر44، يس81، الزمر21، الزمر38، الزمر63، الزمر67، الزمر68، الزمر69، الجن12). 13- التيه في الأرض (المائدة26، الأعراف100، التوبة25، التوبة118، يونس78، الرعد18، النحل73). 14- خلق السماوات والأرض (العنكبوت61، الأنعام1، الأنعام3، الأنعام59، الأنعام79، الأنعام101، الأ،عراف54، التوبة36، يونس3، هود7، إبراهيم10، إبراهيم19، الحجر85، النحل3، طه4، الأنبياء16، الأنبياء30، الفرقان59، النمل60، النمل64، العنكبوت44، الروم8، الروم22، الروم25، فاطر1، الزمر46، الزمر5، الزمر38). 15- داوب الأرض (الأنعام،38 ، الأعراف168، هود6، الكهف51، النمل82، الجن10). 16- بركات الأرض (الأعراف96). 17- وراثة الأرض (الأعراف128، الأعراف137، الأنفال26، الأنفال63، يوسف21، يوسف56، الأنبياء105، الحج41، النور55، القصص5، القصص6، الزمر74). 18- المتكبرون في الأرض (الأعراف146،يونس83، هود20، النور57، النور57، القصص4، القصص39، القصص77،العنكبوت39). 19- الخلود إلى الأرض (الأعراف176). 20- أشراط الساعة في الأرض (الأعراف187،النمل87). 21- فتنة الأرض (الأنفال 73، التوبة74). 22- تثاقلية الأرض (التوبة38). 23- الأمثال في الأرض (الحياة الدنيا والأرض (، يونس24، إبراهيم26،الكهف45). 24- الرزق من الأرض (يونس31، النحل13). 25- الإنشاء من الأرض (هود61). 26- أرض الآخرة (هود107، هود108، إبراهيم48، الكهف47). 27- 28- لله غيب السماوات والأرض (، هود123، النحل77،الكهف26، النمل65،النمل75). 28- مد الأرض (الرعد3ا، لحجر19). 29- قطع الأرض (، الرعد4،الرعد31). 30- السجود والتسبيح والانفعال (الرعد15، النحل49،النحل52،الإسراء44، مريم90، الحج18، النمل25). 31- إنقاص أطراف الأرض من أطرافها (الرعد41، الأنبياء44). 32- رواسى الأرض (النحل15، الأنبياء31). 33- خسف الأرض (النحل45، القصص81، العنكبوت40). 34- إحياء الأرض (النحل65). 35- حسن الأدب مع الأرض (الإسراء37). 36- سلوك الكفار في الأرض(الإسراء76، الإسراء90،الإسراء95،الإسراء103). 37- زينة الأرض (الكهف7). 38- الله رب السماوات والأرض(الإسراء102، الكهف14، مريم65، لأنبياء56، الشعراء24، ص66). 39- الأرض المباركة (الأنبياء81). 40- الأرض الهامدة الخاشعة (الحج5، فصلت39). 41- الأرض مسكن الماء(المؤمنون18). 42- سلوك المؤمنين في الأرض (،الفرقان63، القصص83). 43- أدنى الأرض (الروم3). 44- عرض الأمانة على الأرض (الأحزاب72). 45- ذرات في الأرض (، سبأ3، سبأ22). 46- رزق من الأرض (سبأ24،، فاطر3 ، سبأ24،فاطر3). 47- خلائف في الأرض (، فاطر39،ص26). 48- مشارق الأرض( الصافات5). 49- أثقال الأرض (الزلزلة2). 50- زلزال الأرض (الزلزلة1). 51- طحو الأرض (الشمس6). 52- دحو الأرض (النازعات30). 53- شكل الأرض (الغاشية 20). 54- صدع الأرض (الطارق12). 55- شق الأرض (عبس 26). 56- الأرض كفات (المرسلات25). 57- الأرض في الآخرة (الفجر21، المزمل14). |
الإعجاز الرباني في الشعر كثير من الناس يَمرُّون على آيات الله دون تدبُّر أو تفكُّر، بينما المسلم يدرك عظمةَ خالقِه وإبداعه سبحانه وتعالى في خَلْقه، ومن هذه الآيات ما أعطاه اللهُ عز وجل الإنسانَ مِن أعضاء تدلُّ على عظمة الخالق، وكثير من الناس يظنُّ أنَّ هناك أعضاءً ليست لها فائدة للإنسان مثل الشَّعر والأظافر... فحاشا لله تعالى أن يخلق شيئًا عبثًا لا فائدة له: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]؛ فسبحانه خلَق الإنسان في أحسن تقويم، وكرَّمه أعظمَ تكريم، وزيَّنه بالشَّعر والأظافر والأسنان في أماكنَ مخصوصةٍ؛ لكي يزيد الإنسان بهاءً وجمالًا؛ فكل منها له حكمةٌ في جَعْلِه ينمو في مكانٍ ووقت معين، فيجب على الإنسان أن يفكِّر ويتدبَّر في عظمة خالقه؛ لذلك ورد في الأَثَر: «تفكُّر ساعة خير مِن قيام ليلة»، وسوف نتناول في هذه المقالة الإعجازَ في نعمة الشَّعر. الشعر عضو ملحق بالجِلْد، وهو زينةٌ فطريَّة جعله الخالق عز وجل للبشر ولكثير من الحيوان، بل إنَّ الكثير من النباتات لها أوبار تقابل الشَّعر في الإنسان والحيوان، وهي في النبات أيضًا زينةٌ وجمال، فتبارك الله أحسن الخالقين. ويغطِّي الشَّعر جِلْدَ الإنسان ما عدا راحتي اليدين وأخمص القدمين، وتتراوح غزارة الشَّعر ما بين 40 - 800 شعرة، في كلِّ سنتيمتر مربع من الجِلْد، وأغزر الشَّعر يكون في الرأس وتحت الإبطين، وفي العانة، وفي اللحية عند الرجل، فسبحان الله، فالشعر يملأ الرأسَ تمامًا في حين ينحسر عن باقي أجزاء الجسم حتى يكاد يكون معدومًا. حكمة ربانية: يلحق بالشَّعر ملايين الغدد الدهنية التي تقع عند جذور الشَّعر، فتجد مع كلِّ شعرة غدَّة دهنية خاصة بها، ولهذه الغُدَد الدهنية فائدةٌ كبيرة جدًّا في ترطيب الشَّعر والمحافظة على حيويته، وهذه الغُدَّة تعمل على تزييت الشَّعر بواسطة مادة زيتية تفرزها الغدَّة، والتي تصبُّ محتوياتها في كيس الشعرة عبر قناةٍ تصل بينها وبين جذر الشعرة، وتلحق بالشَّعْر أيضًا ملايين الغدد العرقية أيضًا التي تفرز العَرَق، وتساعد في تعديل درجة حرارة الجسم؛ فالحرارة التي تتولَّد داخل الجسم، وتفيض عن حاجته يتشرَّب جزءٌ منها عبر الجِلْد، ويتبخَّر الجزء الآخر، وخلال الغدد العَرَقية المنتشرة في الجِلْد والشَّعر، وكذلك يوجد بالقرب من كلِّ شعرة نهايةٌ عصبيةٌ تسمَّى بقعة لمس، فعندما تزحف حشرة على الجِلْد؛ فإنها تحدث اضطرابًا في الشعيرات محدثةً تغييراتٍ في حاسة اللمس، فتشعر بإحساسٍ ينذرك بوجود الحشرة، ومن عظمة الله تعالى أنه لا توجد شعيرات عند أطراف الأنامل، ولكنها حساسة جدًّا لأسباب أخرى، فإننا لو رفعنا راحة اليد وفحصنا جلدها لوجدنا خطوطًا عليها بارزةً بينها أخاديد دقيقة تشكِّل أنماطًا من الأقواس والدوائر، وهذه الخطوط البارزة حسَّاسة جدًّا؛ نستعملها باستمرارٍ لنتحسَّس بها طبيعةَ الأشياء. تركيب الشعر تشريحيًّا: يعتبر الشَّعر زوائد بروتينية تنمو على أجسام الثدييات، ويظهر الشَّعر في جسم الجنين خلال الشهرين الأولين مِن عُمْر الجنين، ويتركَّز في الحواجب والشفة العليا والذقن، أمَّا شعر باقي مناطق الجسم، فيظهر في الشهر الرابع، أمَّا في سنِّ البلوغ، فيظهر الشَّعر في أماكنَ أخرى غيرِ الرأس؛ مثل: العانة والإبط والساق، وفي الرجال يظهر شعر اللحية والشارب والصدر، ويعتمد هذا الشَّعر على نسبة هرمون الأندروجين. ويتكوَّن الشَّعر من لبٍّ وقشرة، والطبقة الكيتينية والغلاف الجدري الداخلي، ومن خصائص الشَّعر النمو، إلا أنَّ الجزء الظاهر منه عديمُ الحياة، ولكن الجزء الغائر في الجلد - ويسمَّى الجذر، والموجود في تجويف داخل طبقات الجِلْد - يسمَّى غمد الشعرة، وهذا الغمد يفتح للخارج بفتحةٍ قمعيةِ الشكل، وينتهي الجذر بجزء منتفخ يسمَّى البصيلة الشعرية التي تتصل بالأوعية الدموية والأعصاب التي تعطيها الغذاء والحساسية، فمن هنا لا بد من توفير غذاء محمل عن طريق الدم النقيِّ لينشط نمو الشَّعر ويقويه، وقد أَثْبَت الاختبارُ أهميةَ الغذاء والتمرينات البدنية وفائدة الاستحمام والتدليك لتنشيط الدورة الدموية. ومن الظاهر للعيان أنَّ وجود العوامل القاهرة التي تعوق دورةَ الدم في الجِلْد - مثل ضغط الطربوش مثلًا أو العمامة، أو الأربطة الضيقة في القبعة - قد ينقص موارد الدم في فروة الرأس؛ ممَّا يؤدِّي إلى موت الشَّعر، كذلك وجود غدة دهنية في تجويف الشعرة لتحفظ الشعر ليِّنًا، فلا يتقصَّف. الشعر في الإنسان: يبلغ العدد الإجمالي للشعر في الإنسان 5 ملايين شعرة؛ منها: 100 ألف إلى 150 ألفًا في فروة الرأس، ويسقط منها بمعدل طبيعيٍّ بواقع 30 - 100 شعرة يوميًّا، وتحتوي لحيةُ الشخص البالغ على ما يتراوح بين 7 آلاف و15 ألف شعرة، أمَّا الحاجب الواحد فيحتوي على ما يتراوح بين 450 - 600 شعرة. فسبحان الله الذي جعل في الإنسان مصانع للشعر؛ فكل شعرة لها مصنع تنمو وتنتج إلى أن تبلغ أشدَّها، ثم تَهرَم فتَموت. نمو الشعر : تنمو الشعرة بمعدل (0,1 ملم يوميًّا)؛ أي: نحو (1 سم كل شهر)، ويمكن أن يتجاوز طولُ الشَّعر طولَ الإنسان نفسِه بعدة مرات؛ فشعر الإنسان ينمو، ثم يتساقط وينمو شعر بديل عنه، وهكذا وتمرُّ الشعرة بثلاث مراحل: مرحلة النمو - مدتها على الرأس تتراوح بين 2 - 6 سنوات، ومرحلة النمو تختلف من إنسان لآخَر بشكلٍ كبير. مرحلة الراحة - يتوقَّف خلالها الشَّعر عن النمو. مرحلة التساقط - وتنفصل خلالها الشعرة عن جذرها وتسقط. ولعل أطول شعر مسجل وموثَّق علميًّا هو شعر الهنديِّ الذي وصل طول شعره عام 1949 إلى 7.93 م، ووصل أيضًا طول لحية النرويجي إلى 3.5م، ووصل طول شارب الهندي إلى 2,59م، فإذا حلق الإنسان رأسه بمرور الوقت يطول الشعر، ويعود كما كان، وإذا تركه الإنسان ازداد طولًا دون أن يقف عند حدٍّ معين، وهناك شعر له حدود في النمو يقف عندها مثل شعر رموش العين، فإذا تمَّ قصُّه أو سقط، تعود الرموش وتنمو وتصل إلى طولها السابق، ثم تقف دون زيادة. هرمونات الشعر: يخضع الشعر لتأثير العديد من الهرمونات، فيزداد نمو الشعر بزيادة إفراز الثيروكسين من الغدة الدرقية، بينما يقلِّل هرمون الإستروجين الذي يفرزه المبيض من نمو الشعر. ويعتمد نمو الشعر في الإبط والعانة وشعر الذقن على هرمون الأندروجين الذي يفرزه الخصية يبدأ شعر العانة في الظهور في سن 19سنة في الذكور، و14 سنة في الإناث، وقد يظهر قبل ذلك في حالات قليلة، ويظهر شعر الإبط بعد سنتين من نمو شعر العانة، ويظهر شعر الوجه في نفس الوقت تقريبًا، ثم يظهر شعر الساقين والفخذين والساعدين والبطن، ويزيد خلال سنوات البلوغ، ومن عظمة الله أنَّ لكل شعرة وريدًا وشريانًا للتغذية وعضلة للتحريك تعمل أثناء البرد، وكذلك لكلِّ شعرة عصبٌ وغدة دهنية وعَرَقية وصبغية، فسبحان الله، وصَدَقَ القائل: وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنَّه الواحدُ أنواع الشعر: للشعر أربعة أنواع: 1- الشعر الدهني : هو الشعر الذي تظهر فيه الدهون، أو أنَّه يفقد تسريحته بسرعة. 2- الشعر الجاف: هو الشعر الذي يتعرَّض للجفاف بعد غسله، وأنَّه يفقد لمعانه في الوقت نفسه. 3- الشعر العادي : هو وسط ما بين الشعر الدهنيِّ والشعر الجاف، فلا تظهر فيه الدهون الكثيرة، ولا يبدو فيه الجفاف بوضوح، فلا هو جاف ولا هو دهني. 4- الشعر المختلط: هو الشعر الذي يتميز بزيادة الدهون بفروة الرأس وقلَّة الدهون بالأطراف؛ أي: دهنيًّا مِن أعلى، وجافًّا من أسفل، وهذا أصعب أنواع الشعر، ويحتاج إلى عناية فائقة. ويمكن تقسيم الشعر إلى أنواع حسب الشكل؛ فهناك شكل قصير وهشٌّ، ونسمِّيه (صوفي)، وهو في أجناس السود، وآخر مستقيم نحيل وطويل وخشن، وهذا هو شعر الصينيين والمغول والهنود والأمريكيين، والآخَر متماوج، وهو الشعر الأوروبيُّ، وهو الأشقر. فوائد شعر الإنسان: 1- حماية الرأس من الأشعة فوق البنفسجية الضارة. 2- حماية الإنسان من حرارة الشمس العالية، أو البرودة الشديدة. 3- تقليل الفقد الحراري من الجسم في الأيام الباردة عن طريق حجز الحرارة بين خصلات الشعر. 4- علامة مميزة للإنسان، ومن علامات الجمال والزينة. 5- علامة على الاتزان الهرموني بالجسم، وهو ما يظهر في فترة البلوغ من نموِّ شعر الإبطين والعانة، ويكون شكل توزيع الشعر مختلفًا في الرجال عن النساء، وخصوصًا في منطقة العانة؛ فينتهي شعر العانة في الأنثى على شكل خط تحت السُّرَّة، أمَّا الرجل فينتهي عند السرة على شكل هرمي. 6- علامة مبكرة على وجود بعض الأمراض؛ فسقوط الشعر يظهر مع اضطراب الغدة الدرقية والأنيميا... إلخ. 7- يعد خط دفاع ضد الميكروبات والبكتريا والأتربة؛ مثل: شعر الحاجبين والرموش والأنف والأذن. 8- مصفاة للسموم من الجسم، وقد وجدت بالشعر تركيزات عالية من العناصر الثقيلة؛ مثل: الزئبق والرصاص في حالات التسمُّم. 9- وقد أثبت العلم الحديث أنَّ هناك فائدةً مهمَّة، وهي الاتزان؛ حيث المسؤول عنها هو نوع مخصَّص من خلايا الشَّعر موجود بالأُذُن، ويسمَّى خلايا الشعر الحِسِّيَّة. لون الشعر : يرجع لون الشعر إلى مادة الميلانين في الخلايا الملوَّنة التي تعتمد اعتمادًا كليًّا على الثيروكسين وإنزيمه، والشعر أصلًا لونه أبيض، ولكن توجد مواد صبغية في بصيلات الشعرة تعطيها اللون الذي تظهر به - أصفر أو أسمر، أو أشقر أو أحمر - ومادة الميلانين الموجودة في بصيلات الشعر هي التي تعطي للشَّعر لونه، ومع تقدُّم العمر للإنسان يقلُّ إفراز مادة الميلانين الملوَّنة للشَّعر بسبب إصابة الخلايا المفرزة لها بالشيخوخة؛ فيبدأ الشَّعر الأبيض في الظهور بالتدريج، وهناك بعض الأفراد قد تجاوزوا الستين من عمرهم ولا يزال شعرهم أسود نتيجة لذلك، بينما قد تشاهد بعض الشباب والأطفال دون العاشرة من العمر وقد بدأ الشَّعرُ الأبيض يغزو رؤوسهم، وسوف نتناول إن شاء الله فيما بعد وبشيء من التفصيل الحديث عن الشيب. اكتشاف حديث للشعر: أثبتت دراسة كندية أنَّ ضغوط الحياة المستمرَّة تبدو آثارها على شعر الإنسان، وبالتالي فيمكن من خلال الشعر اكتشاف إمكانية الإصابة بالنوبات القلبيَّة، وذلك يرجع إلى أنَّ هرمون الإجهاد النفسيِّ المسمَّى كورتيزول يخزن في الشعر مثل الكوكايين، ووجد العلماء نسبة عالية من هرمون الكورتيزول في شعر المرضى الذين أصيبوا بنوبات قلبية، وقد أَثْبَت الباحثون التعرُّف على المُدَّة التي تعرَّض الشخص فيها لضغوط الحياة مِن خلال وجود هذا الهرمون في الشَّعر الذي يصل طولُه إلى أكثرَ من ثلاث سنتيميرات. سقوط الشعر: للشعر أمراض عَدَّة تصيبه، فتُسبب سقوطه أو تقصُّفه، ليس هذا مجال الاستفاضة فيها، ولكن على العموم ليست جميع الحالات ترجع إلى المرض؛ فهناك أسباب لتساقط الشَّعر: 1- تغيُّر الهرمونات بالجسم أثناء الحيض، أو العمل، أو الرضاعة، أو أخذ أدوية معينة قوية. 2- اتِّباع نظام غذائي معين (الرجيم). 3- الضغوط النفسيَّة وكثرة التفكير والهم، والسبب الشائع هو الإرهاق. 4- الأنيميا وفقر الدم نتيجة سوء التغذية. 5- استخدام مواد كيميائية للشعر مثل الأصباغ والأوكسجين. 6- التقدُّم في العمر. 7- السرطان حفظكم الله. 8- التدخين. 9- استخدام الإستشوار بكثرة. 10- نوعية المشط الرديئة. 11- أمراض الغدة الدرقية. 12- وقد يزداد سقوط الشعر نتيجة الإصابة ببعض الأمراض أو زيادة هرمون الذكورة تستوثيرون عند الرجال الذي يسبِّب الصلع في حين أنه يسبِّب زيادة شعر الجسم. 13- الوراثة. 14- استخدام خلطات الزيوت بكثرة وباستمرار. كيفية الوقاية والعناية بالشعر: 1- عمل مساج؛ أي: تدليك الرأس على الأقل في الأسبوع مرة؛ لتنشيط الفروة والدورة الدموية للبصيلات الشعرية. 2- الإكثار من الفيتامينات والسوائل والكالسيوم، والدهون والبروتينات والسمك. 3- الإكثار من الخضراوات الطازجة (الجرجير والخس والسبانخ). 4- استخدام نوعية المشط المناسب. 5- تجنُّب الأصباغ واستخدام المواد الطبيعيَّة مثل الحناء وغيرها. 6- تقليل استخدام الإستشوار على الأقل مرَّةً في الأسبوع. 7- تغيير الشامبو والبلسم والكريم مرة كل أشهر على الأقل. 8- تجنب الاضطراب النفسي والعصبي. الإعجاز في الشيب : إنَّ أحدث الدراسات العلميَّة تؤكد أنَّ الضغوط النفسيَّة الكبيرة تؤثِّر على شعر الرأس وتجعله يشيب، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴾ [المزمل: 17]. ففي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ أهوال يوم القيامة تجعل شعر الأطفال يشيب من شدة الضغوط والأهوال. قد كشف علماء في اليابان عن ارتباط ظهور الشيب بمرور الإنسان بظروف عصبيَّة، والشعور بالضغط النفسيِّ الذي يجعل الخلايا الجذعية المسؤولة عن تزويد جريبات الشعر باللون الطبيعيِّ تَتلف، وهو ما يسبِّب الشيب. والسؤال الآن: لماذا خصَّ القرآن الكريم شعرَ الرأس بالذِّكْر مع العلم أنَّ أهوال يوم القيامة تؤثِّر على جميع أعضاء الجسد؟! ولماذا الشيب بالذات؟! ذلك يرجع إلى أن أي تغيُّرات تحدث نتيجة الضغط النفسيِّ يمكن أن تزول أو تعالج أو تختفي تدريجيًّا مع الزمن، ولكن تلف الخلايا الجذعية الناتج عن الضغط النفسي وبياض الشعر هو أمر غير قابل للتغيُّر أو المعالجة، إنها عجائب القرآن التي لا تنقضي وأسراره التي لا تنتهي؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ﴾ [مريم: 4]. ما المادة التي تظهر الشيب؟ توصَّل باحثون إلى أنَّ زيادةَ إنتاجِ سائل بيروكسيد الهيدروجين أبرز الأسباب التي تقف وراء الإصابة بالشيب مع تقدُّم العمر، كما توجد هناك أسباب أخرى كما ذَكَرْنا تتعلَّق بعواملَ نفسيَّةٍ ووراثية؛ فهذه المادة سائلة وشفَّافة أثقل من الماء تؤثِّر على الجِلْد فتَحرقه، وهو سائل يشتعل بشدَّة إذا تعرَّض للحرارة، فهذه المادة تستخدم بتركيز 3% من أجل صباغة الشَّعر، ومطهرًا طبيًّا، وكذلك تستخدم أيضًا وقودًا للصواريخ؛ فهي مصدر للأكسجين من أجل سهولة الاشتعال، وهي قابلة للانفجار والاشتعال. آلية شيب الشعر: أي: تحوُّل الشعر من أصل لونه إلى اللون الأبيض؛ فسائل بيروكسيد الهيدروجين يزداد ويتضاعف مع تقدُّم الإنسان في العمر، فيصعب على الجسم المتقدِّم في السنِّ تحويلُ هذه المادة إلى ماء وأكسجين كما هو الأصل بواسطة الأنزيم كاتلاز، وهو ما يؤدِّي بدوره إلى منع تكوُّن مادةِ الميلانين التي تنتجها الخلايا الصبغية والمسؤولة عن ألوان الشَّعر والعين والجِلْد، وللعلم إنَّ هناك نوعين من الميلانين غامق وفاتح، وحسب نسبة المزج بينهما تأخذ الشعرة لونها. هذا كله يؤدِّي إلى زيادة وتراكم بيروكسيد الهيدروجين الذي يهاجم بدوره الإنزيم المسؤول عن إنتاج المادة الصبغية، وبالتالي تتعطَّل عملية إنتاج صبغة الشعر بالميلانين، ويبدأ الشيب بالظهور. ومن المعلوم أنَّ ظهور الشيب مطلقًا لا يعني التقدُّم بالسنِّ، فقد يظهر الشيب قبل البلوغ أو بعده لأسبابٍ كثيرة أخرى، وهناك بعض حالات الشيب المبكر تكون مؤقَّتة؛ إذ قد تعاود الخلايا الملوَّنة نشاطها مرةً أخرى بعد زوال المؤثر، وبالتالي يعود الشعر إلى لونه الأصلي، وتضيف بعض الأبحاث أنَّ الخوف الشديد يمكن أن يؤدِّي إلى تعطيل إنتاج مادة الميلانين، وبالتالي ترى أطفالًا أو شبابًا في سنٍّ صغيرة، وقد شاب شعر رأسهم، فقد يخاف إنسان خوفًا شديدًا فيشيب شعرُ رأسه، وما زالت أسرارُ خلق الإنسان كثيرة، ولم يتوصَّل إليها أحد، وصَدَقَ ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. بعض الحكم الطبية المستفادة من التوجيهات النبوية: هناك حِكَم كثيرة ومسائل فقهية، ولكن تكفينا الإشارة السريعة؛ فليس هذا مقام ذِكْرها بالتفصيل، ومنها: • حلق الشارب وإعفاء اللحية لقول النبيِّ صلي الله عليه وسلم: ((أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى))، وقد ثَبَتَ علميًّا الحكمة مِن إعفاء اللحية وعدم حلقها، وذلك أنَّ حَلْق اللحية بالشفرة الحادَّة يؤدِّي إلى قطع وتمزيق شعيرات دموية دقيقة بالوجه، لا تُرى بالعين المجرَّدة؛ ممَّا يؤدِّي إلى دخول الميكروبات وحدوث التهابات مستمرَّة لهذه المنطقة الحسَّاسة من الوجه. • النهي عن نتف الشيب، فقد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: "نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن نتف الشيب، وقال هو نور المؤمن"؛ لأنه ينبت ثانيًا شيبًا، وتكرار النتف يؤدِّي إلى الالتهابات ودخول الميكروبات للجسم عن طريق البصيلات المثبتة للشعر. الاستحداد وهو إزالة شعر العانة والإبط وهو من خصال وسنن الفطرة، ويُكره ترك الاستحداد لأكثر من أربعين يومًا؛ لحديث أنس رضي الله عنه: "وُقِّتَ لنا في قصِّ الشارب وتقليم الأظفار، ونتف الإبط وحلق العانة - ألا نترك أكثر من أربعين ليلة"، ويستحبُّ مواراة الشعر المقصوص أو المنتوف بدفنه، وفي هذا نوعٌ من الوقاية لاحتمال أن يحمل الشعر بعض العوامل المرضية أو بويضات الحشرات كالقُمَّل وغيره. قول النبي صلي الله عليه وسلم: ((من كان له شعر فليُكرمه))؛ حيث يحتاج الشَّعر إلى عناية متواصلة وغسلٍ بين الحين والآخَر، لتخليصه مما يعلق به مِن غبار ونحوه، وما يتراكم عليه من إفرازات للغدد الدهنية والعَرَقية، وقد أشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم لوجود هذه الغدد، وذلك لقوله: ((تحت كلِّ شعرةٍ جنابة فاغسلوا الشعر، وانقُوا البشر))، وفي هذا الحديث دليل على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، بل عن الوحي، فمَن أدراه صلى الله عليه وسلم بتلك الغدد الدهنية والعَرَقية الملحقة بكلِّ شعرة إلا أن يكون وحيًا يوحى؟ وهكذا تتضح لنا روعةُ التوجيهات النبويَّة في الدعوة إلى الاهتمام بالشَّعر، وهي كثيرة جدًّا، وتتفق مع مقرَّرات الطبِّ الوقائيِّ لصالح صحة الإنسان. |
العَبَث بالذائقة الفنِّية علَّمني الأستاذ الفنَّان/ محمَّد بن موسى السليم رحمه الله تعالى مبادئَ الرَّسم، عندما كان يدرِّسُ مادَّة (التربية الفنية) في المدرسة المتوسِّطة الثالثة بشرق الرياض، كان رحمه الله تعالى حريصًا على تخريج دفعة تَفهم في أوليَّات الرسم، ويبدو أنَّه لم يوفَّق في حالتي على الأقلِّ، ولكنَّه صرفني إلى الاهتمام بالفن نسبيًّا؛ بحيث أصبحتُ أُلقي بالًا للَّوحات التي أراها أمامي، حتى أنِّي زرتُ متحف اللوفر، بعد أنْ قرأتُ عنه كثيرًا، ومتاحف أخرى، ووقفتُ عند عدد من اللوحات أتأمَّلها، وكأني أحد الفنَّانين، أو نقَّاد الفن. من المتابعة لهذا المجال ووقوفي أحيانًا عند برنامج يحكي رحلة فنان/ رسَّام مع الفن، ومن العرض في هذا البرنامج رسمُه للوحةٍ من لوحاته التي يظن أنَّها هي المعبِّرة عمَّا يجول في وجدانه من نظرات لما حوله، إلا أنِّي استغربت كثيرًا عندما تركِّز هذه البرامج التي تُتناقَل بين الفضائيات على فنانين عبثيين، إلى درجة أنَّهم يُرونك كيف ( يكثُّ ) الفنان منهم الدهانات بألوان مختلفة على لوح عريض من الخشب، ثم يعبَث بها بقدميه، أو بيديه، أو بعصًا، أو بالحاسب الآلي، فيخلط بين الألوان خلطًا عابثًا، وهو يحسب أنَّه يحسن صنعًا، أو أنَّه يجعلك تحسب أنَّه يحسن صنعًا، ليخرج في النهاية بلوحة، هي مجرَّد مزج غير منظَّم من الألوان، ثم تطلب منه شرحها لك، فتراه يحلِّق بك في عالم غير المعقول، ويريك أشكالًا نتجت عن عبثه، فيجعل منها مناظرَ لها تأويلها عنده، فتُظهر شيئًا من العجب دون أنْ تُبدي أيَّ إشارة لعدم فهمك لهذا كله، خوفًا من أنْ تُتَّهم في ذائقتك الفنية! وتحضرني هنا قصَّة اللوحة التي طليَت باللون الأسود، وسعَّرها الفنَّان بخمسة وثلاثين ألف دولار، ولم يفهمها إلَّا مَن رسمها، ففسَّرها لمن أرادوا فهمها بتفسير عنصري، فاشتُريَت. يبدو أنَّ هذا هو ديدن بعض أولئك الذين يُحملقون في اللوحات أو الأعمال الفنية الأخرى، وعندما لا يرجون نتيجةً فنية واضحة ينسلُّون، دون الانزلاق في طلب تفسير أو توضيح لهذا العمل الفني أو ذاك، بينما هو لا يخرج عن كونه عبثًا باسم الفن، وربَّما صحبه استغفال للمستقبِل أو المستفيد أو المتلقِّي، حتى أصبح الفنُّ بهذه الصورة مصدرًا من مصادر المعلومات عن الحدِّ الذي وصل فيه العبث في حياة الناس. هذا العبث الذي قد يؤخذ على أنَّه ترجمة لمدى ما وصلت إليه بعض المجتمعات من الفراغ والخواء الروحي والقلق النفسي، الذي انعكس على الحياة العامة بتعبيراتها كافَّة، بما في ذلك الفن بالرسم والأعمال الفنية الأخرى، ولعلَّ من آخر مظاهر هذا القلق ظهور فنَّان قد أطال لحيته بشكل ملفِت، واستخدم أطرافها فرشاةً يرسم بها لوحاته! وذلك الدلفين الذي درَّبه مروِّضه على أنْ يعَضَّ على الفرشاة بأسنانه، ويشرع في تمريرها على لوحة أمامه، لتضحى منظرًا يُباع بآلاف الدولارات. حيث بدأَت هذه الوقفة بذِكر المذكور بالخير الفنان/ محمَّد بن موسى السليم رحمه الله تعالى، فإنَّها تُختم بالقول بأنَّ الحديث عن العبَث والعبثية لا يقصد ذلك المذكور بالخير دائمًا؛ فلم أرَ فيه عبثًا في حياته الفنِّية، ولكني استهللتُ به لإقناع القارئ بمدى قربي من الفنِّ بالرسم، عندما تتلمذتُ عليه رحمه الله تعالى سنةَ دراسة كاملة. |
شرح الآجرومية لابن جبير صدر حديثًا كتاب " شرح الآجرومية "، تأليف: الشيخ " عبدالله بن محمد بن جُبَيْ ر" - رحمه ﷲ -، قدمه للطبع ونقحه ابنه: د. " هاني بن عبدالله الجبير "، وذلك عن " دار الأوراق للنشر والتوزيع ". وهذا الكتاب شرح لمتن الآجرومية، وهو متن مبارك نافع في علم النحو وضعه العلامة: أبو عبدالله، محمد بن محمد بن داود الصنهاجي الفاسي المعروف بابن آجروم (المتوفى سنة 723 هـ). وهذا الشرح ضمّنه الشيخ " عبدالله بن محمد الجبير " كثيرًا مما سمعه من مشايخه في نظم فوائد هذا العلم وضوابطه، وقد قام الشيخ الحبير بشرح هذا المتن، معتمدًا على المصادر التي كانت متوافرة له في وقت تأليفه له في بلدته، مثل شرح الشيخ خالد الأزهري، وحاشية العشماوي، وشرح الكفراوي.. وغيرها، مضيفًا له ما سمعه من مشايخه، وما استفاده من دراسته، ولخص ذلك كله في هذا الشرح الذي كتبه بخطه فائق الجمال والإتقان، وعمره ثمانية عشر عامًا أثناء طلبه العلم، إذ انتهى منه مؤلفه عام 1364 هـ. وعلى رأس العلماء الذين تلقى عليهم شرح الآجرومية الشيخ " سليمان بن حمدان " رحمه الله، إضافةً لما نظمه بنفسه، مما يعطي انطباعًا عن الحركة العلمية في الجزيرة العربية ذلك الوقت، مع كون المؤلف لم يكن حينها في حاضرة من حواضر العلم الكبيرة كمكة أو المدينة أو الرياض، ومع أن هذا الكتاب في علوم الآلة التي يقل الاهتمام بها غالبًا من جانب الفقهاء. وقد أودع الشيخ الجبير في هذا الشرح كثيرًا من الفوائد التي تجعل هذا الشرح مغنيًا عن كثير من الشروح الأخرى لهذا المتن. وقد قام د. " هاني الجبير " بتنقيح النص، ونشره خدمةً للعلم، ورغبة في حفظ تراث والده، واستبقاء علمه صدقة جارية ينتفع بها. والشيخ " عبدالله بن محمد بن عثمان الجبير " من الفقهاء الذين تقلدوا مناصب سيادية في عصره، فقد تولى منصب المستشار في مجلس الوزراء في شعبة الخبراء سابقًا، وله من المؤلفات أيضًا: " لغة هذيل "؛ نُشرَ حديثًا أيضًا عن " دار الأوراق ". |
جامع الصحيحين لوليد بن عبدالرحمن الحمدان صدر حديثًا كتاب " جامع الصحيحين "، تأليف: د. " وليد بن عبدالرحمن الحمدان "، نشر " مركز دلائل ". يتميز " جامع الصحيحين " بأنه جمعَ ودمجَ أحاديث الصحيحين (صحيح البخاري ومسلم) ومفردات كل واحد منهما، في مجلد واحد، بمجموع ٢٩٧٠ حديثًا في ٩٨٤ صفحة، مع الاختصار حيث اشتمل على جل أحاديثهما المسندة، مع حذف المكرر منها ومن ألفاظها، حيث تم اختصار الشواهد، وحذف الأسانيد، مع الاكتفاء باللفظ الذي يغني عن غيره، إلا أن يكون في غيره مزيد فائدة. مع ترتيبه من حيث الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، والعام على الخاص، والأمر على صارفه عن الوجوب، والنهي على صارفه عن التحريم، وزيادات الروايات، حتى لا يفوت منها شيء ما أمكن. وقد أخذ في هذا الجمع بقول الجمهور، فالمتفق عليه على قول الجمهور يضع له علامة (خ م). فإن اتفقا على متنه دون صحابيه لم يضعه في المتفق عليه، وأشار إليه بـ(م) في حديث الباب، ثم يذكر بعده الصحابي الآخر الذي انفرد البخاري بالرواية عنه، ويذكر بعده الاختلاف في اللفظ والسياق إن وجد. مع الاجتهاد في اختيار اللفظ الذي يتفق عليه البخاري ومسلم، إسنادًا ومتنًا. ولا يذكر في أحاديث هذا المختصر إلا ما كان مسندًا من الأحاديث والآثار سواء كانت مرفوعة أو موقوفة. وما قال البخاري في إسناده: "وقالَ فلان"، وهو من شيوخه، جعله الكاتب في حكم المتصل. ويتميز هذا الجامع عن جمع " الحميدي " وجمع " عبدالحق الإشبيلي " بأن سياقاته وألفاظه مأخوذة من النسخ الأصول لصحيح البخاري ومسلم وشروحهما المعروفة دون زيادات. وقد وجد الكاتب أثناء تتبعه للأحاديث عند " عبدالحق الإشبيلي " و" الحميدي " سياقات وزيادات مأخوذة من مستخرجات الصحيحين وعدم تمييزها إما زيادة أو نقص أو رفع، فراعى هذه النقطة في جامعه. كما راعى الكاتب أسانيد مسلم التي فيها الصدوق ونحوه والمعلولة بعلة في الغالب لا تقدح أو تقدح عند من ادعاها، فتم تأخيرها في الغالب، وجعلها روايات وزيادات تأتي بعد أحاديث الأثبات. مع الاختصار في الروايات والزيادات، ولهذا يثني بها بعد الأحاديث الأصول، وأما الأحاديث الأصول فنادرًا ما يختصرها. وذكر الكاتب أنه في مقدمة صحيح مسلم آثار لم يذكرها، وإنما ذكر المرفوع، وأشار إلى المعلقات نادرًا. ويتميز " جامع الصحيحين " بجمعه للزيادات والروايات التي يفسر بعضها بعضًا في سياق واحد، وجمعه للقصص التي قد تتشابه وجعلها في سياق واحد حتى لا تختلط على القارئ. ويتميز " جامع الصحيحين " بأنه مرتب في كتبه وأبوابه، فهو مرتب في كتبه الفقهية وفق منهج وطريقة فقهية متتابعة بحيث لو أراد الفقيه أن يجعل الأبواب بمثابة المسائل لاستقام معه الكتاب فقهيًّا ولو نظر إلى ترتيبه تاريخيًّا في المغازي والسير لوجده مرتبًا تاريخيًّا حسب الوقائع وهكذا في كتب الآداب. وروجع الكتاب على جمع " عبد الحق الأزدي الإشبيلي "، من حيث تتبع الأحاديث وتمييز ما اتفق عليه الشيخان وما انفرد به أحدهما. ود. " وليد بن عبد الرحمن بن عبد الله الحمدان " من مواليد بلدة البير من قرى المحمل- شمال مدينة الرياض عام 1392هـ، حصل على الشهادة الجامعية من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، عام 1415 هـ. ♦ حصل على درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء، التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، عام 1418 هـ، وكان موضوع رسالة الماجستير: " الإتلاف المشروع في الفقه الإسلامي "، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، تخصص: فقه وأصوله، قسم الدراسات الشرعية، عام 1422هـ، وكان موضوع رسالة الدكتوراه: دراسة وتحقيق لكتاب " التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب "، ومختصر ابن الحاجب هو : " جامع الأمهات "، ومؤلفه هو: ابن الحاجب، ومؤلف " التوضيح " هو: العلامة خليل بن إسحاق المالكي المتوفى سنة 776هـ، وكان نصيب الباحث من الكتاب هو: من باب سجود السهو من كتاب الصلاة إلى آخر كتاب الزكاة. ♦ عمل محاضرًا ثم أستاذًا مساعدًا بكلية المعلمين بتبوك. ♦ عين رئيسًا لقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بتبوك. ♦ عمل أستاذًا مساعدًا بجامعة الملك سعود بالرياض، كلية التربية البدنية والرياضة. ♦ عين أستاذًا مشاركًا في ربيع الأول من عام 1439 هـ. |
أعمار وأقدار فكّرتُ في أمر الناس فرأيت أن أعمارهم -كأفراد- بالآحاد أو العشرات، وقلَّ مَن يصِل منهم للمائة الأولى، ورأيت أعمار الدول بالعشرات، وقلَّ مَن يصِل منهم لأوائل المئات، ورأيتُ أغلب أعمار الأمم والحضارات بالمئات المتوسطة فما دونها، وبعضها جاوز تلك النسبة. ومن خلال هذه الملاحظة يتضح لنا هوان الدنيا وقلَّة حظ الخلق منها؛ أفرادًا ومجتمعين، وما لفت نظري هو مقارنة الناس لأعمارهم مع أعمار الدول والحضارات، فهم يريدون دائمًا ذهاب تلك الدولة ومجيء تلك، ويستعجلون أسبابها استعجالهم لأسبابهم، وتترتَّب – بناء على ذلك الاستعجال - لديهم سلوكيات وآثار سلبية منها: الإحباط واليأس، وانعدام الأمل في الخير وفي الناس، وسوء الظن في حكمة الله، وفي قدرته، والشك في الدين وفي أهله...إلخ، وأقل ما يمكن حدوثه لدينا – حينما نقوم بتلك المقارنات - هو التساؤل حول جدوى العمل والبذل، حول صدق النية وصفاء الطريقة، حول أهل الحق وأهل الباطل؛ مَن منهم يستحق ومَن لا يستحق، وهلم جرَّا. تلك الوقفات والتساؤلات هي في الإجمال طبيعية، ودليل على البشرية، فالله تعالى قد قال: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، يخبر تعالى: أنه يرسل الرسل الكرام، فيكذبهم القوم المجرمون اللئام، وأن الله تعالى يمهلهم ليرجعوا إلى الحق، ولا يزال الله يمهلهم حتى إنه تصل الحال إلى غاية الشدة منهم على الرسل، حتى إن الرسل - على كمال يقينهم، وشدة تصديقهم بوعد الله ووعيده - ربما أنه يخطر بقلوبهم نوع من الإياس، ونوع من ضعف العلم والتصديق، فإذا بلغ الأمر هذه الحال ﴿ جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [يوسف: 110]، وهم الرسل وأتباعهم " [1] ؛أي الناجين بنصر الله وسننه . بل إن الله أخبرنا بطبيعة البشر التي قرَّرها في كتابه، وهي من طينة الخليقة: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]؛ "ضَجِرًا لا صَبرَ له على سَرَّاء ولا ضرَّاء" [2] . فانظر حتى في حال السرَّاء لا صبر للإنسان، بل تراه يتضجَّر، ويشكو الملل والسآمة، ويتطلَّع لمعيشةٍ أخرى، ويطمع في تفاصيل لا يجدها عنده، ويتمنَّى أن لو يفعل كذا، وينال كذا، وهكذا يبقى في عداوةٍ مع نفسه ومع محيطه، حتى لو كان في أفضل حال، ولو يفكِّر قليلًا بعين بصيرته؛ لأدرك مقدار نعم الله التي حباه الله إياها، وحرمها كثيرًا من خلقه. وفي آية أخرى؛ يبيِّن لنا الله فيها مبلغ عجلة الإنسان: ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ [الأنبياء: 37] ، العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه، وهو من مقتضى الشهوة؛ فلذلك صارت مذمومة، حتى قيل: العجلة من الشيطان، جُعل الإنسان لفرط استعجاله وقلة صبره كأنه مخلوق منها [3] . ويقول السعدي - رحمه الله - في تفسير الآية: "خلق عجولًا يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون، يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطئونها، والكافرون يتولون ويستعجلون بالعذاب، تكذيبًا وعنادًا، ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يونس: 48]، والله تعالى، يمهل ولا يهمل، ويحلم، ويجعل لهم أجلًا مؤقتًا : ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس: 49] . وقد نبهنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر العجلة هذه على نفسية المرء وسلوكه، وانعكاس ذلك سلبًا حتى في عباداته: «لا يزال يُستجابُ للعبد ما لم يدعُ بإثم، أو قطيعةِ رَحِمٍ، ما لم يستعجل»، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: «يقول: قد دعوتُ، وقد دعوتُ، فلم أرَ يستجيبُ لي، فيستحسر عند ذلك ويَدَعُ الدعاء» [4] . ولهذا فإن الناس إزاء أقدار الله وحكمته وترتيبه يصلون إلى نهاية الطريق بسرعة، وانظر إلى قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28]؛ أيْ: مِنْ بَعْدِ مَا أَيِسُوا عَنْ ذَلِكَ فَيَعْرِفُونَ بِهَذَا الْإِنْزَالِ لِلْمَطَرِ بَعْدَ الْقُنُوطِ مِقْدَارَ رَحْمَتِهِ لَهُمْ، وَيَشْكُرُونَ لَهُ مَا يَجِبُ الشُّكْرُ عَلَيْهِ" [5] . ومع أن الله تعالى بتقديره يريد أن تظهر آثار أسمائه وصفاته عند خلقه، ويعودون إليه، ويعلمون أن كل شيء بيده سبحانه: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف: 54]، إلا أن البشر مع ذلك يبالغون – لسببٍ أو لآخر- في اليأس والقنوط، ويستمرون عليه فوق ما ينبغي، وهذا هو المحظور على المؤمنين، وليس مجرد الشعور به أو الإصابة بأوليَّاته، فموسى عليه السلام لم يستسلم ليأس قومه بل: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، ومحمد صلى الله عليه وسلم ذكَر أبا بكر: ﴿ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]؛ فاستشعار معية الله وقت المحن خاصة، لها ما لها من الدلالات في نفس المؤمن وروحه وحياته، ولها ما لها من الآثار على مَن حوله من المجتمع والأصحاب والأتباع والمعايشين. إن ربط الناس أسبابهم بأسباب الدول والحضارات من الخطأ بمكان، فمع أنه ليس مطلوب منهم ذلك؛ فهو أيضًا لا يطابق المنطق، ولا يقبله العقل، ولا يمكن أن تتحقق به نظرية. لقد ضرب الله لنا مثلين في القرآن الكريم على ذلك، يقرِّبان الصورة، ويثبتان أنك كفردٍ لا يمكن أن تربط بين أسبابك وتصوراتك وبين أسباب كياناتٍ أكبر منك؛ سواء في النشأة والوجود، أو البقاء، أو الزوال: أولئك أصحاب الكهف تساءلوا عن حالهم وحال قومهم وما هم فيه، وحصل منهم بعض الربط بين أحوالهم القائمة وبين ما يتمنون الوصول إليه من العيش في ظل دولة تقيم ما يقيمون، وتؤمن بما يؤمنون، فأماتهم الله ثلاثمائة وتسع سنوات، قاموا بعدها: ﴿ لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [الكهف: 19] ، فهذا الشعور المُختزل في (يوم أو بعض يوم) بعد كل تلك المدة؛ هو الأصل في الحالة البشرية، أما حقيقة المدة فتلك للدولة والحضارة والأمة لا لك كفرد. ومثل ذلك المثال؛ مثال عزير الذي أماته الله مائة عام، ثم قام أيضًا يقول: ﴿ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [البقرة: 259]، وعليه؛ المطلوب منك هو أن تسير كما ينبغي، وتبذل قدر ما تستطيع، مستصحبًا إيمانك، ثابتًا على مبادئك، داعيًا الله اليسر والتيسير، دون استعجال الثمار قبل أوانها، ودون ربط أسبابك بأسبابٍ ليست من حدِّك، وإلّا فلن تنال إلا الحسرة، دون أن تصل إلى حلٍ يرضيك أو تطيب به نفسك، بل ربما كان العكس هو الأقرب إليك، بالإضافة إلى السخط الذي يصيبك، وقَّلة الحيلة، والاستسلام لما يريده بك ولك الشيطان الرجيم. [1] تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ج1، ص407. [2] جامع البيان، الطبري، ج1، ص456. [3] روح البيان، إسماعيل حقي، ج5، ص480. [4] صحيح مسلم . [5] فتح القدير، الشوكاني، ج4، ص614. |
عون الرحمن في تفسير القرآن لفضيلة الشيخ أ.د. سليمان بن إبراهيم اللاحم صدر حديثًا كتاب: " عون الرحمن في تفسير القرآن وبيان مافيه من الهدايات والفوائد والأحكام "، تأليف: أ. د. " سليمان بن إبراهيم اللاحم "، في 25 مجلدًا، من منشورات " دار ابن الجوزي ". وهو تفسير ميسر بغاية من التحقيق والتهذيب، والاختيار للصحيح، أو الراجح والأظهر من الأقوال، وما تحتمله الآيات، مع استخراج ما فيه من الهدايات والفوائد والأحكام، والحكم والمواعظ، والدروس التربوية؛ لكي يؤدي تفسير كتاب الله وتدريسه وتعليمه ثماره المرجوة، صلاحًا في أعمال الأمة، وسموًا في آدابها وأخلاقها وسلوكها، أسوة بخير البشرية - صلى الله عليه وسلم - الذي كان خلقه القرآن، لتنشأ أجيال الأمة الإسلامية تحمل القرآن الكريم لفظًا ومعنى، وأحكامًا وآدابًا، تطبيقًا وسلوكًا وأخلاقًا، وسلك فيه صاحبه مسلك البسط والإيضاح، وتسهيل العبارة، وحرص على الاختيار من الأقوال أصحها وأرجحها وأعمَّها، وما تحتمله دلالة الآية وسياقها، معتمدًا في ذلك على مصادر التفسير المعتمدة، من تفسير القرآن بالقرآن والسنة، وأسباب النزول وأقوال السلف من الصحابة والتابعين، ولغة العرب، وعلى كلام محققي أهل العلم، من المفسرين وغيرهم. وإذا كانت الآية تحتمل معنيين أو أكثر ذكرَ تلك المعاني، مع حمل الآية على المعنى الأعم والأوسع؛ لأن من قواعد التفسير أن تحمل الآيات على أوسع معانيها. كما حرص الكاتب في تفسيره على اطّراح الأقوال الشاذة والضعيفة التي لا يؤيدها دليل، لا من السياق ولا من غيره، بل إن جل هذه الأقوال لا يحتملها معنى الآية ولا سياقها، وهي كثيرة في كتب التفسير، تشغل عن فهم معاني كلام الله عز وجل، وتشتت القارئ، وتحول بينه وبين الوصول إلى المعنى الصحيح للآيات. قال ابن القيم: "وكذلك كثير من المفسرين يأتون بالعجائب التي تنفر منها النفوس، ويأباها القرآن أشد الإباء..". واعتمد الكاتب في تفسيره على أمهات كتب التفسير وعلوم القرآن، وكتب السنة وعلومها، والفقه وأصوله، وكتب اللغة، والتاريخ والسير، وغير ذلك. وحرص على الإحالة في كل ما يكتب، مع التخفيف في الحواشي قدر الإمكان والاكتفاء بتخريج مما لابد من تخريجه كالأحاديث والآثار والأشعار والأقوال والنصوص المنسوبة. وقد اعتمد فيما لم يحل إلى مصدره على كتاب "النشر في القراءات العشر"، كما اعتمد في الإحالة على "تفسير الطبري" على تحقيق شاكر، وعلى تحقيق التركي. ونبه الكاتب أن أصل تفسيره هذا كان قبل ثلاثة عقود، بحلقات ودروس في التفسير كان يلقيها في المساجد في محافظة "الشماسية" ثم في "بريدة"، ومنها بدأت فكرة هذا المشروع. وضمَّنَ في هذا التفسير كل ما ألفه من قبل من كتب ورسائل في التفسير، وهي: 1) "اللباب في تفسير الاستعاذة والبسملة وفاتحة الكتاب". 2) "تفسير آيات الأحكام في سورة النساء". 3) "تفسير آيات الأحكام في سورة المائدة". 4) "انشراح الصدور في تدبر سورة النور". 5) "منحة الكريم الوهاب في تفسير آيات الأحكام في سورة الأحزاب". 6) "تنوير العقول والأذهان في تفسير مفصل القرآن". 7) "التحقيق والبيان في أحكام القرآن". 8) "حقوق اليتامى كما جاءت في سورة النساء". 9) "منهج الكريم الوهاب في تفسير الأحكام في سورة الأحزاب". 10) " الحرز الأمين في تدبر سورة الإخلاص والمعوذتين". 11) "ربح أيام العمر في تدبر سورة العصر". 12) "تدراك بقية العمر في تدبر سورة النصر". وغيرها من المؤلفات في علوم القرآن... والمؤلف هو أ. د. "سليمان بن إبراهيم اللاحم" الأستاذ في قسم القرآن وعلومه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم. • ولد بالشماسية عام 1371هـ. • والتحق بالمدرسة السعودية الابتدائية بالشماسية وحصل على الشهادة الابتدائية منها عام 1385هـ ثم التحق بالمعهد العلمي ببريدة عام 1385 - 1386هـ وحصل على الشهادة الثانوية عام 1390هـ وكان ترتيبه الأول على مستوى المعهد والثالث في المملكة من بين الناجحين. • وفي العام الدراسي 1390 - 1391هـ التحق بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وحصل على الشهادة الجامعية منها عام 1394هـ. • عُين مدرسًا بوزارة المعارف عام 1394هـ وباشر العمل بمدينة عنيزة أيامًا ثم انتقل إلى إدارة تعليم القصيم ببريدة ووجه إلى المدرسة المتوسطة بالشماسية. • ثم انتقل إلى الرياض عام 1396هـ والتحق بالدراسات العليا بكلية أصول الدين - قسم الكتاب والسنة - وهو ما يزال على ملاك وزارة المعارف واستطاع بتوفيق الله أن يوفق بين التدريس والدراسة فحصل على الماجستير عام 1401هـ بتقدير ممتاز وكان موضوع رسالته (منهج ابن كثير في التفسير). • ثم نقل من وزارة المعارف إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على وظيفة محاضر عام 1402هـ. • وفي عام 1407هـ حصل على شهادة الدكتوراه من كلية أصول الدين بالرياض- قسم القرآن وعلومه - مع مرتبة الشرف الأولى وكان موضوع رسالته (دراسة وتحقيق كتاب الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس). • وفي تاريخ 30 من ذي الحجة عام 1407هـ عين أستاذ مساعد بقسم القرآن وعلومه بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم. • وفي عام 1414هـ ترقى إلى أستاذ مشارك وكان عنوان رسالته (اللباب في تفسير البسملة والاستعاذة وفاتحة الكتاب). • وفي عام 1424هـ ترقى إلى أستاذ وكان عنوان رسالته (تفسير آيات الأحكام في سورة المائدة)، (بعض آيات الأحكام في النساء)، (ربح أيام العمر في تدبر سورة العصر). وله من المؤلفات المطبوعة غير ما تقدم: 1- الناسخ والمنسوخ لأبي جعفر النحاس. 2- منهج ابن كثير في التفسير. 3- الأئمة والمؤذنون والعاملون في بيوت الله بين التكليف والتشريف. |
الأرض فراش إن وصف الأرض بالفراش شيء يدركه كل ذي عقل من الناس؛ من القائمين والمسافرين والزارعين والرعاة. فالأرض مفروشة إما بغطاء صخري أو بفتات الحجارة سواء على اليابسة أو قيعان البحار. وهى مفروشة أيضا في الكثير منها بغطاء نباتي يتفاوت في كثافته. هذا هو الشيء البسيط، أما الشيء الأصيل فهو ما يشغل دارس علم الأرض ودارس علم الجغرافيا من أسئلة تتعلق بفرش الأرض، وهى: 1) هل لم تكن الأرض مفروشة في فترة ما؟ وسيأتي الجواب بنعم، فقد كانت جزءًا من سديم ( بلغة القرآن من دخان ). 2) هل فرش الأرض يتجدد على طول الزمن؟ نعم لكل عصر فرشه الخاص به. 3) ما أصل مادة الفراش؟ مادة الفراش في أصلها صخور جاءت من جوف الأرض. 4) هل هناك عمليات لفرش الأرض؟ 5) نعم هناك ما يعرف بالتجوية الطبيعية والتجوية الفيزيائية، وعوامل النقل، وعومل الترسيب، وما يعرف بلغة القرآن الذاريات والماء الذى يسل أودية بقدرها، والحجارة التي تهبط من خشية الله. 6) هل استخدم العلم في مسمياته كلمات أقرب إلى الفرش؟ نعم استخدم في وصف الصخور الرسوبية التي تكون غشاء الأرض الذي يحرثه الناس بالبطانية ( blanket ) أو الرواسب ( sediments ) أو الصخور الرسوبية. أخيرًا - وهو السؤال الهام -: أين إعجاز القرآن في آيتي فرش الأرض؟ والجواب في شيئين: في الدقة في استخدام كلمة فراش يعبر عن جلد الأرض، والثاني في كلمة جعل التي تفيد أنها لم تكن مفروشة ومزينة على حالتها اليوم، بل الفرش متجدد عبر الزمن. ثم تأتى آية ﴿ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48] لتعبر أن فرش الأرض قد جاء لحكمة أن تكون مهد للأنام. يقول تعالى: ﴿ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48]. ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22]. والله هذا ترتيب غاية في الدقة والروعة، حيث تكون الغلاف الصخري أولا ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ﴾، وتلاه تكوين الغلاف المائي ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ﴾، فتلاه مباشرة نشأة الغلاف الحياتي ﴿ فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ ﴾. آية واحدة فيها إشارة لطيفة إلى نشأة أغلفة الأرض الأربعة: 1) الغلاف الصخري ( Lithosphere ). 2) الغلاف الجوي ( Atmosphere ). 3) الغلاف المائي ( Hydrosphere ). 4) والغلاف الحياتي ( Biosphere ). ولن يدرك سر آية ﴿ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48] إلا من درس علم الأرض " الجيولوجيا ". فالشخص العادي يراها مفروشة بتربة وحصى ورمال وحطام الصخور، ولكن من درس علم الأرض سيخبرك أن أرضنا الحالية كانت ملتهبة أقرب ما تكون بكتلة من النار منذ قرابة 4000 مليون سنة. ومنذ ذلك التاريخ تصلبت قشرتها، ومن جوف الأرض خرجت أبخرة تكثفت وعادت إلى الأرض في دورات عديدة إلى أن أذن الله للأرض فبردت. ومن هنا نشأ الغلاف المائي وتكونت المحيطات الأولى، ومعه نشأ الغلاف الجوي الذي تطور منذ نشأته حتى اليوم ليصل إلى حالته المعهودة. ومنذ ذلك التاريخ الضارب في القدم، تمارس عناصر أغلفة الهواء والماء والحياة أنشطتها في تفتيت جبال الأرض بصخورها الصلبة، عن طريق وسائل التجوية المختلفة الميكانيكية والفيزيائية والحيوية. وينتج عن فتات الصخور رواسب من الرمال والوحل والحصى، وتكونت أحجار منها الحجر الرملي والحجر الطيني وصخور الحصى المستديرة الحواف (الرواهص) وذوات الحواف الزاوية ( المدملكات )، وساعدتها في ذلك العمليات الداخلية في باطن الأرض من براكين وزلازل وخلافه، ونشطت الدورة الجيولوجية المكونة من دورة الصخر ودورة الماء ودورة تكوين القارات. وهكذا نرى أن فرش الأرض يحكمها دورات عديدة، تتحول في أثنائها الجبال المتكونة من صخور نارية صلدة إلى فتات يفرش الأرض، يظل بعضه على حالته الأولى الفتاتية، ويتصخر بعضه مكونًا الصخور الرسوبية التي بدورها قد تتحول إلى صخور متحولة قد تضغط وتتعرض لحرارة شديدة فتصهرها. وبعد أن يموت الإنسان ويقبر يصبح ترابًا في فراش الأرض. وينتقل التراب في دورة الصخر من حال إلى حال. وكما أن الفراش يتجدد من وقت لآخر، فكذلك الأرض يتجدد فراشها من عصر إلى عصر عبر الزمن الجيولوجى (شكل: 1) . وفراش الأرض في حقب الحياة القديمة يختلف عنه في حقب الحياة المتوسطة وحقب الحياة الحديثة، ويتغير الفراش وفقًا اللعمليات الجيولوجية والحركات الأرضية ومصدر الحجارة. شكل1-1: من صور فرش الأرض: ﴿ وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ ﴾ [الذاريات: 48]. |
أصول النحو عند الفراء من خلال كتابه (معاني القرآن) صدر حديثًا كتاب " أصول النحو عند الفراء من خلال كتابه (معاني القرآن) "، تأليف: د. " محمد عبدالفتاح العمراوي "، نشر " عالم الكتب للنشر والتوزيع" . وهذا الكتاب يتناول التفكير النحوي لعلم من أعلام المذهب الكوفي في النحو، وهو يحيى بن زياد الفراء (ت 207 هـ) من خلال أبرز مؤلفاته، وهو كتاب " معاني القرآن "؛ فقد اكتنف النحوَ الكوفيَّ الكثيرُ من الغموض، ووجهت إلى أعلامه الكثيرُ من المآخذ والاتهامات، فقيل بأنهم لا يتحرون الدقة في سماع اللغة، ولا يميزون في أخذها بين البدو الخُلَّص وغيرهم ممن اختلطوا بالأمم المجاورة، وبأنهم يأخذون الشاذ ويقيسون عليه، فلا يكادون يفرقون بين الظواهر المطردة والشاذة، بل يقيسون أحيانًا دون الاعتماد على شاهد، واتُّهموا - أحيانا - بعدم الأمانة، وكانت آراؤهم توصف بالضعف في أغلب المسائل التي يتعرضون لها. وكانت هذه الاتهامات تشمل نحاة المذهب الكوفي جميعًا، والفراء أحد أعمدته، ومنها ما كان يتجه إلى الفراء مباشرة، ولا شك أنها جميعًا تندرج تحت أصول النحو، وبخاصة السماع والقياس؛ لذلك يتناول هذا الكتاب أصول النحو عند الفراء بغية الكشف عن الفكر النحوي لأبرز نحاة الكوفة بعد الكسائي، والوقوف على حقيقة هذه الاتهامات لديه، ولعل ذلك يكون داعيًا للبحث عن حقيقة ما وجه منها إلى المذهب الكوفي في النحو العربي، والكتاب - إضافة إلى ما سبق - يظهر أن أصول النحو في صورتها التطبيقية قديمة قدم النحو، وأن ما قام به علماء أصول النحو - بداية من ابن جني - لا يعدو وضع الإطار النظري لما مارسه النحاة القدماء. ويرى الكاتب في دراسته أن سبب غموض شخصية الفراء ورواج الاتهامات ضد مدرسة الكوفة النحوية، يرجع في المقام الأول إلى ضعف المذهب الكوفي بعد الكسائي والفراء، وضياع أغلب المصنفات الكوفية، فكان على أي باحث يريد أن يتعرض لهذا المذهب أو لأحد نحاته أن يتجه إلى كتب البصريين وغيرهم من المتأخرين، وهي غالبًا لا تتحرى الدقة في النقل عن الكوفيين، بل تميل إلى التعصب الواضح ضدهم، وأوضح مثال لذلك كتاب "الإنصاف في مسائل الخلاف" لأبي البركات الأنباري. ويرى الكاتب أن أغلب الدراسات الحديثة أيضًا لم تستطع حتى الآن إزالة الغموض الذي اكتنف المنهج الكوفي بصفة عامة، ومنهج الفراء بصفة خاصة، والسبب في ذلك عدم الاعتماد على كتابه الأشهر (معاني القرآن) ، حيث لم يحقق إلا منذ مدة قصيرة، وأغلب الدراسات المعاصرة بعد تحقيق الكتاب تناولت ظواهر محددة في الكتاب دون تناول الكتاب كوحدة عامة نعرف من خلالها اتجاهات الفراء النحوية، وآرائه اللغوية التجديدية. ونجد الفراء في (معاني القرآن ) لا يفسر الذكر الحكيم بالطريقة المعروفة، وإنما يتخير من الآيات على ترتيب السور ما يُدير حوله مباحثه اللغوية والنحوية. وبذلك يحل مشكلها ويوضح غامضها، مدليًا دائما بآرائه النحوية، ومعبرًا بما اختاره للنحو من مصطلحات جديدة، ناثرًا من حين إلى حين آراء أستاذه الكسائي، وآراء النحويين البصريين. وتبين من خلال تلك الدراسة أن أصول النحو عند الكوفيين، كما يمثلها الفراء، تبرأ مما ينسب إليهم، ولا تختلف عن أصول سيبويه والبصريين في ذاك الزمان، فقد توسع الفراء في رد تراكيب واردة في القراءات القرآنية، ولم تقتصر الضرورة عنده على ما يرد في الشعر بل جعلها تشمل ظواهر وردت في الكلام وفي التراكيب القرآنية، ولم يكن درسه للظواهر اللهجية إلا بغاية صون الأصول الكلية التي تلتقي عليها اللهجات العربية؛ ولذلك فقد ملأ كتابه بالأحكام التقويمية، وهي وإن اختلفت ألفاظها، لم تكن إلا لغاية واحدة، أن ينبه الناس إلى الاستخدام السليم، ولم يقتصر في تعليله على توجيه مسالك الأحكام بل امتد إلى ردّ بعض ما يثبت عن العرب بتعليل عقلي. كما نجد في كتابه أنه يتوسع في السماع من العرب إلى أقصى حد أمكنه، ملتمسًا منه القياس، وخاصة إذا اتفق ذلك مع بعض آي الذكر الحكيم وبعض قراءاته، وقد يمد القياس إلى أحكام لم ترد في القرآن ولا على ألسنة العرب. كما أخذ الفراء يردد النظر في العوامل والمعمولات التي فرضها البصريون على النحو وقواعده، وتحول ذلك عنده إلى ما يشبه سباقًا بينه وبينهم، وأحيانا يلتقي بهم وبخاصة " الأخفش " في مسائل كتابه، وأحيانا يفترق، وتلك المواضع هي التي تفرق النحو الكوفي، كما تصوره، عن النحو البصري. إن ما في " معاني القرآن " يثبت أن ما يقال عن منهج الكوفيين لا يخلو من مبالغة غير مسوغة، ويرى الباحث أن تفحص فكر الكوفيين ينبغي أن يكون محددًا بزمانهم وأعمالهم، فقد عاش جمهور الكوفيين في مرحلة كانت تسعى إلى الحفاظ على العربية، وإبعاد الناس عن اللحن والخطأ، ولم يكن النحاة في هذه المرحلة وعلى رأسهم " الفراء " يعنون بالجوانب التنظيرية بمقدار عنايتهم بتحليل الكلام وبيان منزلته على هذه الأصول، ولم يكن هؤلاء يقيسون على ما يخرج على هذه الأصول. والفراء : هو أبو زكريا يحيى بن زياد، مولى بني أسد، لقب بالفراء " لأنه كان يفري الكلام" . ولد بالكوفة من أصل فارسي، سنة 144 للهجرة، ونشأ بها، وتلقى عن " الكسائي " وغيره، وتبحر في علوم متنوعة، فكان فذًا في معرفة أيام العرب وأخبارها وأشعارها، والطلب والفلسفة والنجوم، وتقصى أطراف علم النحو حتى قيل فيه: " الفراء أمير المؤمنين في النحو "، وهو الذي قال: " أموت وفي نفسي شيء من حتى لأنها ترفع وتنصب وتخفض ". وعُني الفراء منذ نشأته في الكوفة والبصرة بالوقوف على ثقافات عصره الدينية والعربية والكلامية والفلسفية والعلمية، ويشهد بذلك معاصروه، فيقول "ثمامة بن أشرس " وقد جلس إليه بأخرة من حياته: "جلست إليه، ففاتشته عن اللغة، فوجدته بحرًا، وفاتشته عن النحو، فوجدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته رجلًا فقيهًا عارفًا باختلاف القوم، وبالنجوم ماهرًا، وبالطب خبيرًا، وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها حاذقًا". ويصفه مترجموه بالتفلسف في تصانيفه، وأنه كان يستعمل فيها ألفاظ الفلسفة. وقد مضى ينفق أيامه في مراجعة كتاب " سيبويه " وتسجيل ملاحظاته عليه، كما مضى يحاول التصنيف لطلابه في اللغة والنحو والدراسات المتصلة بالقرآن الكريم، وكثرت تصانيفه، من مثل كتاب "لغات القرآن"، وكتاب "المصادر في القرآن"، وكتاب "الجمع والتثنية في القرآن"، وكتاب "اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف"، وكتاب "الوقف والابتداء في القرآن"، ومثل كتاب "آلة الكتاب"، وكتاب "الفاخر"، وكتاب "النوادر"، وكتاب "مشكل اللغة"، وكتاب "الأيام والليالي والشهور"، وكتاب "الواو"، وكتاب "يافع ويافعة"، وكتاب "المقصور والممدود"، وكتاب "فعل وأفعل"، وكتاب في النحو سماه "الكتاب الكبير". كما صنف " معاني القرآن " الذي قال فيه مادحه: "لم يعمل أحد قبله مثله، ولا أحسب أن أحدًا يزيد عليه" [الفهرست لابن النديم صـ96]. طمع في نوال الخلفاء فانحدر إلى بغداد ولج في الاتصال بالمأمون حتى وصله " ثمامة بن أشرس "، فحاطه الخليفة برعايته، ورغب إليه أن يؤدب ابنيه، كما اقترح عليه أن يؤلف كتابًا يجمع أصول النحو، وهيأ له دارًا خاصة فيها وسائل النعيم متكاملة فأخرج له كتاب "الحدود" بعد سنتين، وفي هذه الأثناء نراه يتصل بطاهر بن الحسين - قائد المأمون المشهور الذي قضى له قضاء مبرمًا على أخيه الأمين - وكان يعنى بابنه عبد الله وبفصاحته، ويظهر أنه لحظ عليه بعض اللحن والخطأ في كلامه أو في بعض كتابته، فطلب إلى الفراء أن يكتب له كتابًا يقفه فيه على اللحن المتفشي على ألسنة العوام، فصنف كتابه " البهاء " أو "البهي فيما تلحن فيه العامة" ، وصنف لعبد الله كتابًا ثانيًا هو كتابه "المذكر والمؤنث" ، وما زال الفراء وجيهًا عند المأمون، مغبوط المنزلة بين الأمة، يؤلف ويفيض علمه حتى توفي في طريقه إلى مكة سنة 207هـ. |
رفع المِرَا عن ضبط اسم جَدِّ الإمام النَّووي: مِرَا [1] الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فإنَّ من دقيق ما اعتنى به علماء الإسلام ضبط الأسماء الملتبسة للأعلام؛ لأنَّها لا تُستدرك بالمعنى، ولا يدخلها القياس، ولا يُستدلُّ عليها بما قبل ولا بعد. ومن الأسماء التي ربَّما يلتبس ضبطها عند بعضهم: اسم جدِّ شيخ الإسلام أبي زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مرى الحِزَامي النَّووي الدِّمشقي (631 هـ-676 هـ)، بل كاد يشتهر فيه ضبطٌ تفرَّد به الشَّيخ العَّلامة عبد الرَّحمن بن أبي بكر بن محمَّد السُّيوطي (المتوفى 911 هـ) من بين سائر الأئمَّة الأعلام، فقال [2] : (مُرِي: بضمِّ الميم، وكسر الرَّاء، كما رأيتُه مضبوطًا بخطِّه) ا.هـ!، حتَّى صار يُنسب إلى الجمهور! فلعلَّ هذا الخطّ الذي رآه لم يكن خطّ الإمام النَّووي، والظَّاهر - بل أكاد أُجزم - بأنَّ هذا الضَّبط الذي رآه لم يكن بخطِّه، إنَّما كان بخطِّ غيره، ولعلَّ هذا الآخر ضَبَطَهُ اجتهادًا من تلقاء نفسه قريبًا من ضبطِ الإمام عبد الكريم بن محمَّد بن منصور السَّمعاني (المتوفى 562 هـ) لنِسبة المري، حين قال [3] : (المُرِّي: بضمِّ الميم، والرَّاء المكسورة المشدَّدة) ا.هـ، بل هذا هو نصُّ ضبط بعضهم له حرفًا بحرف! وممَّا يرفع المِراء ويزيل الالتباس هو أنَّ الإمام النَّووي نفسه وجماهير أهل العلم بعده قد ضبطوه بالقلم وبالحروف بخطوطهم العتيقة المحفوظة حتَّى الآن هكذا: (مِرَى ، مِرَا): بكسر الميم، وفتح الرَّاء الـمُهملة المخفَّفة، بعدها ألِف مقصورة تارةً [4] ، وألِف ممدودة تارةً أُخرى. وستتيقَّن بإذن الله تعالى بعد معاينتك لخطوط الأئمَّة المتتابعة أو المنقولة عنهم التي جَمعتُ لك شتاتها في إهابٍ واحدٍ بأنَّ هذا الضَّبط هو الصَّواب الذي لا يحتمل غيره. أوَّلًا: ضبطٌ منقولٌ من خطِّ الإمام النَّووي: 1- ضبط (مِرَى) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن الحسن بن علي اللَّخمي ابن الصَّيرفي (المتوفى 738 هـ) نقله من خطِّ الإمام النَّووي: كتاب خلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الإسلام [1/ أ]: دار الكتب المصريَّة، رقم (209) حديث 2- ضبط (مرَا) بالرَّسم بخطِّ الشَّيخ العلَّامة عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقي نقله من خطِّ الإمام النَّووي: كتاب الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام [35/ أ]: مكتبة المسجد الأقصى، رقم (62) (ف 95) 3- ضبط (مِرَى) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن عبد الرَّحمن بن محمَّد السَّخاوي (المتوفى 902 هـ) نقله من خطِّ الإمام النَّووي: كتاب ترجمة شيخ الإسلام (ص 53-54): خزانة الشَّيخ زهير الشَّاويش، رقم (169) 4-ضبط (مِرَا) بالرَّسم والشَّكل نقله النَّاسخ من خطِّ الإمام النَّووي: كتاب الإيجاز في شرح سنن أبي داود السجستاني [1/ أ]: مكتبة حكيم أوغلي علي باشا، رقم (200) ثانيًا: ضبطٌ بخطِّ تلامذته: 1- ضبط (مرَا) بالرَّسم بخطِّ أنجب تلامذته الشَّيخ العلَّامة علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) : روضة الطالبين ومنهاج المفتين [2/ أ]: مكتبة تشستربيتي، رقم (3255/2) 2- ضبط (مرَا) بالرَّسم بخطِّ تلميذه الشَّيخ العلَّامة داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار (المتوفى 752 هـ) : تحفة الطالبين في ترجمة شيخنا الإمام النووي محيي الدين [2/ أ]: مكتبة جامعة توبنجن، رقم (M. a. VI. 18) 3- ضبط (مِرَى) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ أحد تلامذة الإمام النَّووي في حياته: روضة الطالبين ومنهاج المفتين [1/ أ]: مكتبة تشستربيتي، رقم (3255/ 1) ثالثًا: ضبطٌ بخطوط أهل العلم: 1-ضبط (مِرَى) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن علي بن عبد الواحد ابن الزَّمَلْكَانِي (المتوفى 727 هـ) من إملاء شيخه العلَّامة علي ابن العطَّار عليه : كتاب حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبة في الليل والنهار [2/ أ]: مكتبة تشستربيتي، رقم (4962) 2-ضبط (مِرَى) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي (المتوفى 748 هـ): تاريخ الإسلام [41/ ب]: مكتبة آيا صوفيا، رقم (3014) 3- ضبط (مِرَا) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقي، وقرأ هذه الكتب المذكورة على العلَّامة علي ابن العطَّار وقابلها مع نسخته المسموعة على الإمام النَّووي: كتاب الإشارات إلى بيان الأسماء المبهمات [1/ أ]، [26/ أ]، وكتاب الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام [27/ ب]، وكتاب الإملاء [36/ أ]، وكتاب التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير [46/ أ]: مكتبة المسجد الأقصى، رقم (62) (ف 95) 4- ضبط (مِرَا) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة التَّاج عبد الوهَّاب بن علي بن عبد الكافي السُّبكي (المتوفى 771 هـ): كتاب طبقات الشافعية الصغرى [118/ب]: مكتبة عاطف أفندي، رقم (1907) 5- ضبط (مرَا) بالرَّسم بخطِّ الشَّيخ العلَّامة أبو بكر بن أحمد بن محمَّد ابن قاضي شهبة الأسدي (المتوفى 851 هـ) في نسخه للطَّبقات الوسطى للعلَّامة التَّاج السُّبكي عن خطِّه: الطبقات الوسطى [283/ أ]: مكتبة تشستربيتي، رقم (4922) 6- ضبط (مِرَى) بالرَّسم والشَّكل بخطِّ الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن عبد الرَّحمن بن محمَّد السَّخاوي (المتوفى 902 هـ): كتاب ترجمة شيخ الإسلام (ص 10، 13-14): خزانة الشَّيخ زهير الشَّاويش، رقم (169) 7- ضبط (مرَا) بالرَّسم بخطِّ الشَّيخ العلَّامة يوسف بن حسن بن عبد الهادي ابن المبرد المقدسي (المتوفى 909 هـ): الدرر الكبير في مناقب الشافعية [109/ ب]: دار الكتب المصريَّة، رقم (2595) تاريخ رابعًا: ضبطٌ منقولٌ عن خطوط أهل العلم أو عنهم: 1-ضبط (مِرَا) بالرَّسم والشَّكل منقول عن الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن جابر بن محمَّد الوادي آشي (المتوفى 749 هـ): برنامج ابن جابر الوادي آشي [79/ ب]، [107/ ب]: دير الإسكوريال، رقم (1726) 2-ضبط (مِرَا) بالرَّسم والشَّكل منقول عن خطِّ الشَّيخ العلَّامة القاسم بن يوسف بن محمَّد التجيبي (المتوفى 730 هـ): برنامج التجيبي [107/ ب]: دير الإسكوريال، رقم (1756) خامسًا: ضبطٌ بالحروف: 1-قال الشَّيخ العلَّامة أحمد بن محمَّد ابن حجر الهَيْتَمي (المتوفى 974هـ): (مِرَى: بكسرٍ، ففتح الـمُهملة المخفَّفة، وبالقصر) ا.هـ. الإيعاب شرح العباب [1/ 20/ أ]: جامعة الملك سعود، رقم (5541) 2-قال الشَّيخ العلَّامة سليمان بن عمر بن منصور العجيلي الأزهري الجمل (المتوفى 1204 هـ) [5] : (مِرَى: بكسرٍ، ففتح الـمُهملة المخفَّفة، وبالقصر) ا.هـ. 3-قال الشَّيخ العلَّامة محمَّد بن محمَّد بن محمَّد الزَّبِيدي (المتوفى 1205هـ) [6] : (ومِرَى: بالكسر والقصر، الجدُّ الأعلى للإمام أبي زكريا النَّووي) ا.هـ. هذا والله تعالى أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين [1] أصل هذه المقالة حاشية سطَّرتها أثناء تحقيقي لترجمة اللَّخمي للإمام النَّووي (ص 25-26) سنة 1438 هـ، ثمَّ توفَّرت لدي مادة ضافية، فأحببتُ نشرها للفائدة. [2] (المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي) (ص 25). [3] (الأنساب) (12/ 213). [4] ينبغي ألَّا يخفى عليك بأنَّ وجود نقطتين تحت الألف المقصورة في بعض النُّسخ الخطِّيَّة هكذا: (مري) لا يلزم منه أنَّها ياء؛ لأنَّه مستعمل بكثرة في القصر. [5] (فتوحات الوهَّاب بتوضيح شرح منهج الطُّلَّاب) (1/ 24). [6] (تاج العروس من جواهر القاموس) (39/ 528). |
منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه (الصحيح) للسيد بن أحمد الشنقيطي صدر حديثًا كتاب: " منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه (الصحيح) "، تصنيف: د. " السيد بن أحمد الإمام الجنكي الشنقيطي "، المدرس بكلية الحرم المكي، من منشورات " دار طيبة الخضراء ". وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير في قسم "الكتاب والسنة" بكلية الدعوة وأصول الدين من جامعة أم القرى وذلك بعنوان " منهج الإمام البخاري في التفسير من خلال كتابه (الصحيح) "، وذلك تحت إشراف د. "محمد الخضر الناجي ضيف الله"، عام 1415 هـ. وتتضمن هذه الرسالة إبراز ما للإمام البخاري من جهود ومناهج في التفسير حيث أن التفسير عند الإمام البخاري ذو أهمية بالغة لقوة مأخذه ودقة ملحظه، ونادرًا ما طُرِقَ هذا الجانب في فقه الإمام البخاري في ترتيب صحيحه، وتضمنت أهداف الرسالة ما يلي: أولًا : إبراز ما أسداه الإمام البخاري على التفسير من تأصيل لقواعده، وتنوع في مناهجه وأساليبه ومسالكه، وهو جانب كاد أن تغطى عليه إمامته في الحديث والفقه، حتى خفي على كثير من الباحثين ما لهذا الإمام من جهود ومناهج في التفسير. ثانيًا : إظهار منهج البخاري العقدي السلفي في التفسير حيث إن الشائع عند الدارسين قصر جهود البخاري في العقيدة على رسالة ( خلق أفعال العباد )، وبيان منهجه هنا يجنب الأوساط العلمية التفسيرية - لو سارت عليه - مزالق عقدية كثيرة. ثالثًا : إنه قد كتب عن الامام البخاري وكتابه رسائل عديدة منها " الامام البخاري محدثًا وفقيهًا "، و" فقه الإمام البخاري في الصيام والحج "، و" الإمام البخاري وصحيحه "، و" سيرة الإمام البخاري "، و" الإمام البخاري إمام الحفاظ والمحدثين "، وغيرها من الرسائل، فكان من المناسب أن يكتب عن هذا الجانب المهم المنسي من كتاب الامام البخاري حتى تكتمل الصورة ناصعة عن جهود هذا الإمام العلمية. رابعًا : إن هذا الموضوع يتناول جملة وافرة من الآيات والأحاديث والآثار وأقوال السلف العقدية والفقهية، والخلافية، مما يجعله جديرًا بالدراسة والبحث. وتمحورت هذه الرسالة في مقدمة وثلاثة أبواب وخاتمة. أما المقدمة فقد احتوت على أسباب الاختيار وأهمية الموضوع وخطة البحث ومنهج الباحث. أما الباب الأول فقد كان عن حياة الإمام البخاري والحديث عن كتابه، وعلاقته بالتفسير ومراحل التفسير قبل البخاري كالتفسير في زمنه، وهل فسر الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل القرآن؟ ثم مراحل التفسير زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم حتى زمن البخاري، وهل كتب ابن عباس - رضي الله عنهما - تفسيره بنفسه؟ ومن هو أول من فسر القرآن تفسيرًا مرتبًا؟ أما الباب الثاني فكان عن كيفية استعمال البخاري لعلوم القرآن تفسيرًا، وشمل ذلك منهجه في أول ما نزل، وآخر ما نزل، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، وغريب القرآن، وكان منهجه في هذه المواضيع يجمع بين الكثرة والدقة والبراعة العلمية. أما الباب الثالث فكان عن الأسس العامة والخاصة لمنهج البخاري في التفسير. أما الأسس العامة ((الأصلية)): فهي تفسير القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالسنة وأقوال الصحابة والتابعين، وتفسير القرآن اعتمادًا على اللغة العربية كالتصريف والاستشهاد بالشعر وأقوال العرب الموضحة للتفسير، وهل في القرآن ألفاظ غير عربية؟ أما الأسس الخاصة ((الفرعية)): فكانت عن منهجه في تفسير آيات العقيدة وآيات العبادات وآيات القصص، فكان منهجه في آيات العقيدة هو إحكام الردود على الخوارج والمرجئة - مرجئة الفقهاء - والقدرية والمعتزلة والكلابية والجهمية ومن سار على نهجهم واستخدم في هذه الردود بلاغةً وإحكامًا في الأدلة. وكان منهجه في آيات العبادات هو التأصيل والتفريع فيؤصل المسائل ويفرع الأقوال، فظهرت في آيات الاحكام إمامته الفقهية وبرز إمامًا مجتهدًا متفننًا، وشمل ذلك منهجه في آيات الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة وغير ذلك... وخُتِمَ هذا الباب بمنهجه في قصص القرآن، فكان منهجه هو أن يجمع غريب القصة من القرآن ثم يتبع ذلك بالمرويات الصحيحة، ويشير إلى تلك التي ليست على شرطه إشارة خفية ويظهر هنا عمقه التاريخى وبعده عن الإسرائيليات إلا في القليل النادر. أما الخاتمة فكانت عن أهم نتائج البحث والاقتراحات، والفهارس العلمية. ومن ضمن هذه النتائج: ١- أن الإمام البخاري جعل تفسير كتاب الله تعالى هدفًا وغاية من أهداف كتابه؛ حيث أصل ستة وخمسين كتابًا في صحيحه تأصيلًا تفسيريًا، وترجم أكثر من ألف ترجمة تفسيرية شملت الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وغريب القرآن وتفسير القرآن بالقرآن، وبأقوال الصحابة والتابعين واللغة العربية، فضلًا عن الروايات الكثيرة المنتشرة في الكتاب. ٢- أن الإمام البخاري إمام في التفسير كما هو إمام في الحديث والفقه، وكادت إمامته في الحديث والفقه أن تغطى على إمامته في التفسير؛ حيث أوشك الأئمة أن يهملوا التنويه عن هذا الجانب. ٣- أن الامام البخاري زادَ عن عقيدة أهل السنة والجماعة ضد أصول الفرق الإسلامية الكبيرة دفاعًا لا نظير له، وقد خفي ذلك على بعض الدارسين. ٤- أن المفسرين الكبار كانوا عالة على الامام البخاري في التفسير خصوصًا عند الترجيح بين الأقوال كابن العربي، والقرطبي، وابن كثير، ومن أخذ عنهم كالشوكاني وغيره، كما تظهر آراؤه ومروياته في " الإتقان في علوم القرآن " للسيوطي والكتب الآخذة عنه ككتب المتأخرين. 5- ظهر من خلال البحث استقلالية الإمام البخاري الفكرية والمنهجية والاستنباطية، ويظهر ذلك جليًا في مواقفه العقدية، والتفسيرية، واللغوية، والفقهية على السواء. 6- أن الإمام البخاري كان ممن يتوقى الأخذ عن الاسرائيليات في التفسير إلا في القليل النادر مثل قصة داود وسليمان عليهما السلام، وكقصة الغرانيق. 7- أن الامام البخاري له اليد الطولى في اللغة العربية من صرف ونحو وغيره، وأنه كان يأخذ المباحث اللغوية من الكتب المعتبرة التي ألفها أئمة اللغة كأبي عبيدة وأبي عبيد والفراء وغيرهم، وبهذا يرد على العلامة " العيني " ومن تبعه في اتهامهم الامام البخاري بقصر اليد في اللغة العربية. 8- لقد تبين من خلال البحث عدم صحة المقولة القائلة إن الإمام البخاري كان يقصد في تراجمه الرد على أقوال الحنفية، وذلك لموافقة البخاري الحنفية في أمور عديدة، كالتيمم بالرمل والحجر، والتيمم في الحضر، وأن التيمم يأخذ حكم الماء، وأن الإحصار يكون من كل شيء، وغير ذلك. 9- كشف البحث متانة دفاع البخاري عن عقيدة أهل السنة والجماعة ضد أصول الفرق الاسلامية الضالة كالخوارج والقدرية والمرجئة، والمعتزلة والجهمية والكلابية وغيرهم بأسلوب لا نظير له ولم تقتصر جهوده على ( خلق أفعال العباد ) كما يظن ذلك بعض الباحثين. ونجد أن الكاتب جعل كتاب ( صحيفة علي بن أبي طلحة ) وتفسير عبد الرزاق ومجاز القرآن لأبي عبيدة ومعاني القرآن للفراء وتفسير الإمام الطبري أصولًا لتخريج ما يورده الإمام البخاري من الآثار في التفسير ثم الاعتماد مع ذلك على تخريج الحافظ ابن حجر في الفتح لهذه الآثار. |
الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير لأحمد بن عبد الله البعلي صدر حديثًا كتاب " الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير "، تأليف: الإمام الفقيه الأصولي "أح مد بن عبد الله بن أحمد البعلي الحنبلي " (ت 1189 هـ)، تحقيق: " وائل محمد بكر زهران الشنشوري "، تقديم: أ.د. " أحمد منصور آل سبالك "، من منشورات " دار الذخائر "- "المكتبة العمرية". و كتاب "ا لذخر الحرير بشرح مختصر التحرير " هو شرح على " مختصر التحرير " للشيخ تقي الدين محمد بن أحمد بن النجار الفتوحي، الذي اختصره بدوره من كتاب " تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول " للمرداوي، وهو في علم أصول الفقه على مذهب الحنابلة. وقد ألف البعلي الكتاب في شهر رجب من سنة 1275 هـ. وأما سبب تأليفه للكتاب فيقول "البعلي" في مقدمة الشرح: «... لما رأيت الكتاب الموسوم "بمختصر التحرير" للشيخ الإمام العالم تقي الدين محمد بن أحمد بن النجار الفتوحي، اختصره من "تحرير المنقول وتهذيب علم الأصول" للشيخ الإمام المنقح علاء الدين المرداوي رحمهما الله تعالى، مشتملًا على قواعد كثيرة، وفوائد عظيمة ومع ذلك شرحه مصنفه - أي الفتوحي - شرحًا عظيمًا (يقصد شرح الكوكب المنير)، لكنه أطال في بعض المواضع، وترك أخرى بلا حل لمعانيها، رغبت أن أشرحها شرحًا مختصرًا تسهل قراءته، لكون بعض أسيادي سألني ذلك، ولا يسعني مخالفته، فأجبته لذلك مستثنيًا لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 23، 24] مع عجزي واعترافي بالقصور من رتبة الخوض في تلك المسالك، واستخرت الله تعالى وطلبت منه المعونة والتدبير، وسميته "الذخر الحرير بشرح مختصر التحرير" وأسأل الله النفع به كما نفع بأصله». ومن ثم يتضح منهج المؤلف في الكتاب في تلك العبارات حيث: • أن البعلي قد وضع كتابه هذا بعد ظهور " التحبير " للمرداوي، و" الكوكب المنير في شرح مختصر التحرير " لابن النجار، حيث أخذ ما في الشرحين من محاسن ودرر، وخرج بزبدة مصفاة لما في الشرحين في هذا المختصر. • أنه قام بشرح " المختصر " بعبارة سهلة سلسة راعى فيها عدم الصعوبة، مع تفصيل المسائل وعدم إدراجها ضمن بعضها بحيت يسهل تمييزها وهي أهم عيوب شرح ابن النجار التي حاول تلافيها في هذا الشرح. • أنه قام بفك عبارات " المختصر " عبارة عبارة، حتى أن الناظر يجده يفك العبارات الواضحة أيضًا، لتيسيره لطلبة العلم المبتدئين لا المتوسطين. • أنه جعل عبارات الشرح بين عبارات " المختصر "، وذلك لبيان وتوضيح ما يمكن أن يشكل على القارئ. • ذكر الخلافات والأدلة والترجيح في كثير من المسائل. • يذكر عديد من الفوائد والتنبيهات وهي غالبًا ما تكون مسائل متعلقة بالمسالة المذكورة في المختصر ولم توجد في المختصر فيذكرها البعلي على شكل فائدة وقد تكون بيان إشكال في المسالة. • أورد في عديد من المسائل كلام العلماء الآخرين وأرائهم نصًا. • رتب شرحه ترتيبًا يوضح علاقة المسائل بعضها ببعض، يجعل أحدها في فائدة أو تنبيه، إذا كان بين المسالتين تشابه أو يُرد شرح إيضاح لها. • يذكر الخلاف في بعض المسائل مع أدلة كل قول في الغالب، كما فعل في مسألة كلام الله تعالى هل هو متعلق بمشيئته أم لا. • يذكر روايات الإمام أحمد في بعض المسائل في الغالب سواء كانت المذهب أم لا، كما فعل في مسألة البسملة هل هي من الفاتحة أم لا. ومن محاسن الكتاب: 1- أنه يبين سبب الترجيح عندما يرجح في مسألة ما. 2- أنه يذكر أمثلة واستدلالات عديدة مما يسهل على القارئ الفهم. 3- أن الكتاب فيه عرض للمسائل باختصار غير مخل. 4- سهولة العبارة ووضوحها. وقد استقى الكاتب مادته من الشروح السابقة إلى جانب العديد من المصادر منها: " أصول الفقه " لابن مفلح، و" الواضح في أصول الفقه " لابن عقيل، و" المسودة " لآل تيمية، إلى جانب كتاب " التحبير " للمرداوي، و" شرح الكوكب المنير " لابن النجار. وقد قام المحقق بتحقيق متن الكتاب على نسخة الخطية، مراعيًا الفروق بينها، معلقًا على غمض من ألفاظ الإمام البعلي، ومخرجًا لأغلب المسائل الواردة في الشرح. والمؤلف : هو شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن مصطفى الحلبي الأصل البعلي الدمشقي، (1108هـ - 1189هـ = 1697م - 1775م) هو مفتي وفقيه حنبلي المذهب، رياضي عالم بالفرائض، أصله من حلب، ومولده ومنشأه ودراسته في دمشق. اشتهر في بعلبك ونسب إليها. وقد كان البعلي زاهدًا متواضعًا، وكان يأكل من كسب يمينه في حياكة الألاجة ( وهي صناعة نسيج لأثواب الرجال معروفة في دمشق ). ولد بدمشق 8 رمضان سنة 1108 هـ، ونشأ بها في كنف والده وتلا القرآن الكريم، ثم شرع في طلب العلم مشمرًا عن ساق الاجتهاد، فأخذ التفسير والحديث والفقه عن والده الجمال عبد الله بن أحمد البعلي، وعن خاتمة المسندين الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة بدمشق، وعن حفيده الشيخ محمد بن عبد الجليل المواهبي، والشيخ عبد القادر بن عمر التغلبي، والشيخ عواد بن عبيد الكوري، والشيخ مصطفى بن عبد الحق اللبدي، وغيرهم. وأخذ التفسير والحديث وباقي العلوم عن جماعة كالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الحنفي، والشيخ محمد بن عبد الرحمن الغزي. وقد حج سنة 1165 هـ، وذهب إلى المدينة المنورة في نفس السنة، ودرس فيها على الشيخ الإمام جعفر بن حسن بن عبد الكريم البرزنجي، ودرّس في المسجد النبوي. كما أنه درّس في الجامع الأموي، وفي شهر شوال سنة 1188 هـ تولى إفتاء الحنابلة في دمشق. تتلمذ عليه جمع من العلماء منهم: • محمد شاكر. • إبراهيم الجديد. • سليم العطار. • أحمد بن عبيد العطار. • محمد كمال الدين الغزي. صنف كتبًا في الحساب والفرائض والفقه، منها: • الروض الندي شرح كافي المبتدي - في فقه إمام السنة أحمد بن حنبل. أشرف على طبعه وتصحيحه: الشيخ عبد الرحمن حسن محمود، من علماء الأزهر. كما اعتنى به تحقيقًا وضبطًا وتخريجًا نور الدين طالب. وهو شرح لكتاب ( كافي المبتدي ) متن مشهور لدى الحنابلة، كثر تداوله، وعمَّ ذكره، وذاع صيته، وهو من تأليف شيخ الحنابلة، الإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الخزرجي الدمشقي، المتوفى سنة 1083 هـ. • منية الرائض لشرح عمدة كل فارض. وهذا هو عنوان الكتاب كما جاء في النسخة التي بخط المؤلف. وجاء في النسخة الثانية والتي هي بخط تلميذه بعنوان: ( منية الرائض بشرح عمدة كل فارض ) والصواب الأول؛ لأنه العنوان الوارد في النسخة التي بخط المؤلف، وهو أعلم بالعنوان الصحيح لكتابه. وقد أخذ بهذا العنوان كل من ترجم للشيخ أحمد بن عبد الله البعلي. • الذخر الحرير في شرح مختصر التحرير. توفي بدمشق ليلة السبت السادس عشر من محرم سنة 1189 هـ. وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن بباب الصغير، بالقرب من مدفن بني الدسوقي. |
تحقيق نصوص علوم القرآن الكريم: قضايا منهجية وموضوعية صدر حديثًا كتاب " تحقيق نصوص علوم القرآن الكريم: قضايا منهجية وموضوعية "، تأليف: أ.د. " غانم قدوري الحمد "، من منشورات " دار العوثاني للدراسات القرآنية ". ويُعْنَى الكتاب بمناقشة عدد من القضايا المنهجية والموضوعية المتعلقة بتحقيق نصوص خمسة من علوم القرآن، وهي: علم الرسم، وعلم العَدَدِ، وعلم الوقف والابتداء، وعلم القراءات، وعلم التجويد، وذلك من خلال التعريف بمصطلح علوم القرآن، وبيان نشأة التأليف فيها، مع تعريف موجز بتلك العلوم، ومناقشة عدد من القضايا المنهجية والموضوعية التي لم يسبق الحديث عنها من قبل. وتضمن الكتاب خمسة فصول جاء الفصل الأول بعنوان " الأنساق، والمصطلحات، والرموز " تندرج تحته عدة مباحث في التعريف بالمراد من مصطلحي (علم قرآن) و (علوم قرآن) ، وما هي المعارف التي تندرج تحت هذين المصطلحين، وكيف نشأ هذا المصطلح، والبحث في نشأة علوم القرآن قبل عصر التأليف، وتقصٍ لموارد علوم القرآن في: القرآن والحديث النبوي الشريف، وبيان لجملة من أنساق التأليف الخاصة في علوم القرآن؛ من مثل: • مؤلفات علوم القرآن الخاصة في كتاب " الفهرست " لابن النديم. • مؤلفات علوم القرآن الخاصة في فهرسة ابن خير. ثم عَرجَ الكاتب لأنساق التأليف العامة في علوم القرآن. ومنه بيَّنَ الكاتب بعض المؤلفات الموجزة المحدودة الأنواع في علوم القرآن، والتي اختصت بها؛ ومنها: • كتاب "فنون الأفنان" لابن الجوزي. • كتاب "جمال القراء وكمال الإقراء" للسخاوي. • كتاب "المرشد الوجيز" لأبي شامة المقدسي. ومنه عَرجَ لبيان بعض المؤلفات الجامعة كثيرة الأنواع ومنها: • "البرهان في علوم القرآن" للزركشي. • "مواقع العلوم في مواقع النجوم" للبلقيني. • "الإتقان في علوم القرآن" للسيوطي. • "الزيادة والإحسان في علوم القرآن" لابن عقيلة. كما وضع الكاتب أسسًا عامة في تصنيف علوم القرآن، أجملها في مطلبين: المطلب الأول: متى يعد موضوع ما علمًا من علوم القرآن؟ المطلب الثاني: أسس تصنيف علوم القرآن في أنساق مؤتلفة. وجاء المبحث الأخير في هذا الفصل لبيان المصطلحات والرموز الخاصة بعلوم القرآن، وذلك في بيان المصطلحات الخاصة والعامة، ومن أمثلتها مصطلحات أسماء علوم القرآن من أمثلة: المصطلحات الدالة على علوم التنزيل والتدوين والترتيل والتأويل، وبيان المصطلحات الخاصة في كل علم من علوم القرآن وأقسامها، وتوضيح لأهم الرموز المستعملة والشائعة في علوم القرآن. وجاء الفصل الثاني تحت عنوان "ا لنصوص الكتابية: الرسم والعد والوقف "، والذي تضمن العلوم المتعلقة برسم المصحف، حيث تناول من خلاله تعريف بعلم رسم المصحف ومؤلفاته، وأشهر المؤلفات التي وضعت في هذا الفن، مع بيان لمناهج التأليف في كتب رسم المصحف، وبيان حكم الالتزام برسم المصحف، مع مبحث جانبي حول " رسم المصحف بين الاجتهاد والتوقيف "، مع شرح للمصطلحات الداخلية في رسم المصحف كمصطلح الرسم القياسي والرسم الاصطلاحي، والفرق بينهما. كما تناولت عدة مقالات في هذا الفصل قضايا منهجية وموضوعية في تحقيق نصوص الرسم؛ ومنها: • البحث عن مخطوطات مؤلفات الرسم الأولى. • التحقق من نسبة بعض المصادر إلى مؤلفيها. • البحث عن مخطوطات مصادر الرسم المشرقية. • النص القرآني بين وحدة النص وتنوع الرسم. • درس عملي من تحقيقات كتاب " المقنع " للداني: وفيه نوه على الحذر من آفة التصحيف والتحريف، ومبحث في رسم الكلمات بخلاف ما يريده المؤلف، والتدقيق في مصطلحات علم رسم المصحف، والنص المحقق بين الشرح والتعليق. ثم تناول الكاتب تعريف علم العدد من علوم القرآن، وأشهر مؤلفاته، ومذاهب العادين، وعلم العدد في العصر الحديث. كما تناول بالشرح والتعليق مناهج المؤلفين في ذكر رؤوس الآي، وموقف المحققين منها. وما المقصود بالخموس والعشور والرموز المستعملة في علم العدد عند المفسرين في الدلالة عليها. ومنه عَرجَ إلى مبحث التجزئة والتحزيب، وأثر التصحيف في نصوص علم العدد. وتحدث الكاتب بعد ذلك عن علم الوقف والابتداء: تاريخه وقواعده، وبيان تعريفه، وأهميته، وأقسامه، وتقسيم الوقوف باعتبار حال القارئ والمقروء، ومنه بيان لمدارس القراء في الوقف: المدرسة الأولى: تقسيم الوقوف على أربعة أقسام. المدرسة الثانية: تقسيم الوقوف على ستة أقسام. إلى جانب مناقشة موضوعية لاختلاف العلماء في تعيين مواضع الوقف، وبيان الرموز المستعملة في الدلالة على الوقوف، ونظرة مجملة في مناهج المحققين لكتب الوقف والابتداء. أما الفصل الثالث فجاء بعنوان " النصوص الصوتية "، تناول فيه علم القراءات القرآنية، والنشأة الأولى للقراءات، وبيان أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وعلاقة رخصة الأحرف السبعة بتدوين القرآن، والاختيار وأثره في رواية القراءات، وبداية ظهور مصطلح القراءات السبع. ومنه عَرجَ الكاتب لبيان القراءات الصحيحة والقراءات الشاذة، في مبحثين: • القراءة الصحيحة والقراءة الشاذة قبل عصر ابن مجاهد. • القراءة الصحيحة والقراءة الشاذة بعد عصر ابن مجاهد. كما أبرز الكاتب تطور التأليف في القراءات بعد عصر ابن مجاهد. بعده تناول الكاتب عدة قضايا موضوعية في علم القراءات، وهي: • الشذوذ في القراءات مسألة نسبية. • الرموز المستعملة في كتب القراءات والمنظومات. • مطابقة رسم الكلمات القرآنية لمراد المؤلف. • تخريج القراءات القرآنية وعزوها لأصحابها. وختم الكاتب مباحث كتابه بتناول علم التجويد من علوم القرآن: نشأته، وأشهر المؤلفات فيه من مؤلفات أولى جامعة، ومؤلفات القرون المتأخرة، مع إجمال لأشهر منظومات علم التجويد والتعريف بها. كما تناولَ عدة قضايا منهجية وموضوعية تندرج تحت علم التجويد، وهي: • الحذر من التصحيف والتحريف. • موقف المحقق من النصوص الصوتية المرتبطة بعلم الأصوات. • متى يجب إعادة تحقيق بعض النصوص المنشورة. والكاتب أ.د. " غانم قدوري الحمد " ، عَالِمٌ مِنْ علماء العِرَاقِ الكِبَار، وأحدُ رُوّادِ الدِّراسات القرآنية واللغوية في هذا العصر. بَرَعَ في تحقيق المخطوطات براعة فائقة، وصَنَّفَ تَصَانِيفَ حَسَنةً رائقة. حصل على شهادة الليسانس في علوم اللغة العربية سنة 1391هـ (1970م)، وحصل على شهادة الماجستير (قسم علم اللغة) سنة 1396هـ (1976م)، من كلية دار العلوم- جامعة القاهرة- وكانت رسالتُه بعنوان: (رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية) . ونال شهادة الدكتوراه (قسم اللغة العربي ة) من كلية الآداب في جامعة بغداد سنة 1405هـ (1985م)، وكان موضوع رسالته: (الدراسات الصوتية عند علماء التَّجويد) . • عُيِّنَ مُدَرسًا بكلية الشريعة في جامعة بغداد سنة 1396هـ (1976م)، وبقي يُدرِّسُ فيها اثنتي عشرة سنة، ثم انتقل إلى جامعة تكريت واستقرَّتْ فيها سنة 1408هـ (1987م)، ورُقِّيَ أستاذًا بتاريخ 24/ 12/ 1411هـ (6/ 7 / 1991م). • وعَمِلَ أستاذًا زائرًا بجامعة حضرموت في اليمن سنة 1422هـ (2001م). ودرَّس في جامعة تكريت بكلية التربية، ولقد وفَّقَه الله تعالى للإشراف على أكثر مِنْ عشرين رسالة ماجستير ودكتوراه. وللشيخ مؤلفات كثيرة، وتحقيقات عديدة، منها: 1) رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية. 2) محاضرات في علوم القرآن. 3) الدراسات الصوتية عند علماء التجويد. 4) علم التجويد دراسة صوتية ميسرة. 5) علم الكتابة العربية. 6) المدخل إلى علم أصوات العربية. 7) الأجوبة العلمية على أسئلة ملتقى أهل التفسير. 8) شرح المقدمة الجزرية. 9) الشرح الوجيز للمقدمة الجزرية. 10) الميسر في علم التجويد. التَّحقيقات: 1) أوراق غير منشورة من كتاب المحكم، للداني. 2) التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي، للسعيدي. 3) التمهيد في علم التجويد، لابن الجزري. 4) التحديد في الإتقان والتجويد، للداني. 5) الدر المرصوف في وصف مخارج الحروف، للفخر الموصلي. 6) الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصحف، لابن وثيق الأندلسي. 7) أخلاق حملة القرآن، للآجري. 8) الموضح في التجويد، للقرطبي. 9) بيان العيوب التي يجب أن يتجنبها القراء، لابن البناء. 10) البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان، للجهني. 11) الجمع والتوجيه، لشريح الرعيني. 12) كتاب الخط، للزجاجي. 13) البيان في عد آي القرآن، للداني. 14) اختلاف القراء في اللام والراء، للسعيدي. 15) التمهيد في معرفة التجويد، للعطار. 16) كتاب المجالس، للخطيب الإسكافي. 17) فهرست تصانيف الداني. 18) كتاب الألفات، للداني. 19) تنزيل القرآن، لابن زنجلة. 20) المختصر في مرسوم المصحف، لأبي طاهر العقيلي. 21) تحفة الطالبين في تجويد كتاب رب العالمين، للسمانودي. 22) الفرق بين الضاد والظاء، للداني. 23) نزهة المشتغلين في أحكام النون الساكنة، لابن القاصح. 24) كتاب في تجويد القراءة ومخارج الحروف، لابن وثيق. المخطوطات (الأعمال العلمية غير المنشورة): 1) قواعد التجويد بين الاجتهاد الشخصي وقوانين علم الأصوات اللغوية. 2) البعد الإيجابي للتصوف عند الشيخ داوود التكريتي. 3) مواعظ الشيخ داود التكريتي. 4) وثيقة نسب الشيخ داود التكريتي. 5) إسماعيل القاضي وإمامته في العلم. 6) القياس الموحِّد وأثره في بنية الكلمة العربية. 7) الموازنة بين حكمة القرآن وحكمة الفلسفة في رسائل النور. 8) العلامات الكتابية في مصحف ابن البواب. 9) فهرس عناوين الكتب المذكورة في كتاب غاية النهاية. 10) وصية شيخ الإسلام الصابوني. 11) المحكم في علم نقط المصاحف للداني (غير منجز). 12) الأجوبة المختصرة على أسئلة الأستاذ منصور في النطق والرسم. 13) مذكرات أسير. 14) حصاد السنين (يوميات). |
المثقف العربي وبناء الوعي الجماهيري يظن بعض المثقفين العرب أن مهمتهم مقصورة على مجرد القراءة والاطلاع والعمل الأكاديمى الذى يستفيدون منه علميًّا وثقافيًّا، ويُفيدون النخبة الفكرية التي ينتمون إليها. وهذا التوجه - في اعتقادي - توجهًا غير صحيح؛ فينبغى للمثقف العربى أن يشارك خارج إطار الأكاديمية والنخبة في تنمية الوعي الثقافي لدى جماهير الأمة. فالمثقف المنكفئ على نفسه، المتقوقع في إطارها، ما أبعد الأمة عن الإفادة منه، وما أبخله على خدمة دينه ووطنه وأبناء أمته، ومثل هذا المثقف يموت ويحيى دون أن يكون له أثر أو بصمه في الرقى ببلاده وأمته. فمثلًا: كثير من المثقفين يقدم دراسات ميكروسكوبية أكاديمية ينفق فيها السنين من عمره لتظل حبيسة المكتبات المتخصصة، ولا يستفيد منها إلا النخبة المثقفة، والتي تنتمى لنفس مجاله، فهل فكر هذا المثقف المنعزل عن أمته في تبسيط ما وصل إليه من نتاج عقلي وعلمي لجماهير الأمة؟! هل فكر في توطئة ذلك لعامة الناس - ممن لديهم قدر معرفى يؤهلهم لهذا - حتى يمكن أن يستفيدوا منه ولو بنسبة بسيطة؟!. ولعل ما تقدم يطرح سؤالًا: ما هي حدود دور المثقف؟ وهل هو مطالب بدور أكثر فاعلية؟ والإجابة المنطقية أن دور المثقف لا يقف عند نفسه ومن حوله من نخبة فقط، فزكاة العلم تبليغه، والأمة بحاجة ماسة إلى جهود المثقف الواعى ومن ثم فهو مطالب بدور أكثر فاعلية لتنمية الوعي الثقافى بين بنى جلدته وفى محيطه الكبير. فأنت أيها المثقف قد تقرأ عشرات الكتب والأبحاث ويتاح لك من فنون المعرفة ما لم يتح لغيرك؛ فينبغى أن تعلم أن ما أنت فيه نعمة، وأن هناك غيرك من لا يستطيع أن يقرأ ويتعلم بسبب ضيق الوقت، أو عدم قدرته على ذلك لأى سبب، فأنت مطالب بنقل خبرتك وعلمك لمثل هؤلاء، شعورًا منك بمسؤليتك تجاه أبناء أمتك، فمثلًا: لو أنك داعى لدين الله، تخطب في الناس وتلقى الدروس، فعليك أن تتفنن في تحضير دروسك وخطبك ثم تتقن في طريقة عرضها وإيضاحها وتبسيطها للناس حتى تتم الفائدة، فيُعلم المتعلمُ غيرَ المتعلم، ويُعرف العارفُ غيرَ العارف، وينقل المثقف ثقافته الرفيعة - بقدر الطاقة - لعامة جماهير الأمة. فأنت كداعى تستطيع أن تقرأ كتابًا مهمًا يفتح الطريق للناس ويشحذ الهمم.. تقرأه ثم تلخصه ثم تعرضه في درس أو خطبة جمعة مؤثرة؛ فتكون بذلك ناشرًا للوعى الثقافي المحترم بين الناس، فأنت قرأت وفهمت وبسطت ثم عرضت هذا على جماهير الأمة التي قد لا يتمكن أغلبها من قراءة ما قرأت أنت وفهم ما فهمت أنت، لكنهم قد يستطيعون نشر ما عرفوه منك بين ذويهم وفى محيطهم ومن ثم يعم الخير وينتشر الوعى ويُحارب الجهل والتخلف. وقس على هذا في باقي المجالات، فالمثقف الذى يفرح بطرح صورة على الفيس بوك ومواقع التواصل يمكنه أن يفرح أكثر ويُفرح غيره بنشر معلومة مبسطة، أو نقل خبرة، أو تلخيص كتاب، أو تصوير فيديو بسيط ينشر رأيًا، أو يعرض لفكرة، أو يشرح معلومة، أو يفتح مغلقًا.. وبذلك يُنمي الوعي الثقافي في مجتمعات بحاجة ماسة إلى ذلك. إننا لو نظرنا إلى مجموع المثقفين العرب في مقابل عامة الناس وبساطتهم لوجدنا أن البون شاسع فالمثقفون قلة قليلة وغيرهم كثرة كاثرة وهذا يوضح حجم المشكلة التي يعانيها عالمنا العربي المعاصر، فغير المثقف قد يمثل طاقة سلبية تَرجع بالمجتمع للوراء ولا تستطيع أن تحقق طموح الأمة في الرقي والتقدم؛ وبالتالي لا يوجد حل - في اعتقادي - إلا إطلاع المثقف بدوره في نشر المعرفة وتبسيطها لهؤلاء؛ من أجل الأخذ بأيدهم من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى التي لديها قسط من المعرفة والثقافة. فعلى المثقف العربي - مثلًا - الذى يقدِّم كتبًا ومقالات وأبحاث علمية أكاديمية.. عليه أن يقدم بالتوازي مع ذلك كتبًا ومقالات وأبحاثًا شعبية تستطيع أن تصل لجماهير الناس، وتساعد في الرقى بالمجتمع وأبنائه، فلا مانع أبدًا أن يكتب مؤرخ كتابًا علميًّا، ويحاول في المقابل أن يبسطه في كتاب شعبي؛ فيوجد بذلك نسختان من نفس الكتاب، كتاب للنخبة، وآخر للبسطاء؛ لأن الغاية الكبرى للعلم نشره بين الناس وإفادة المجتمع منه والإسهام في تقدم الأمة وإلا فما قيمة الثقافة والمثقفين والأكاديمية والأكاديميين إذا كانوا لا يخدمون إلا أنفسهم، وأنفسهم فقط. كم من غير عارف بالأخلاق والسلوك القويم والتصرف الحضارى؟! كم ممن لم يجد من يأخذ بيديه فضاع في لغة دارجة عامية تميزت بالبذاءة وسلاطة اللسان؟! كم من مشرد فكريًّا ضاع في أوهام الإلحاد؟! كم من إنسان خرج للدنيا غير متعلم وغير عارف بالأخلاق الكريمة فصار مفسدة في المجتمع لنفسه ولغيره؟! ألا تعتقد معى أن هؤلاء بحاجة إلى المثقف الذكي، الذى يستطيع أن يصل إلى قلوبهم؛ فيأخذ بأيدهم لطريق رشيد، ويخرجهم من الظلمات إلى النور. تُرى.. هذا الشاب الذى يعتدي على عرض فتاة.. أو هذا السارق الذى يأخذ قوت غيره.. أو هذا القاتل.. الذى ذهب ليسرق فكشف أهل الدار أمره.. فقتلهم فتحول من سارق لقاتل.. أقول: تُرى هل كان هؤلاء ضحية الأمية، وعدم المعرفة؟ هل كانوا ضحية من تعلم ثم لم يحرص على نشر علمه بين الناس؟! لا شك أن جهل هؤلاء - في غالبهم - سبب رئيس - وإن تعددت الأسباب - في انحرافهم عن الجادة.. ومن هنا تبرز أهمية دور المثقف في نشر الوعي بين الناس والأخذ بيدى هؤلاء وتحويلهم من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية منتجة. ولعل أول المستفيدين من نشر الوعي في المجتمع المثقف نفسه الذى حرص على نشر ما تعلَّمه؛ لأن المثقف الحق هو من أحب أن يعيش في بيئة صحية سليمة، ولا يتحقق هذا إلا بنشر المعرفة وتيسرها على الناس، وقيام المثقف بدوره كما ينبغي أن يكون. |
كتاب معجم أعلام التعمية واستخراج المعمَّى في التراث العربي والإسلامي [1] [معجم أعلام الشفرة وكسرها] تأليف: الدكتور يحيى مير علم الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على النبي الأكرم، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: فاسمحوا لي إخوتي وأخواتي أن أحييكم أطيب التحية، وأن أرحب بكم أجمل الترحيب، وأن أعبر عن سعادتي بالحديث إليكم في حلقة جديدة من ( أحاديث الكتب )، وأن أتوجه بجزيل الشكر وبالغ التقدير لمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة، ولمديره الأستاذ الدكتور فيصل الحفيان، وجميع القائمين عليه على إتاحتهم هذه الفرصة لي للحديث عن كتابي: ( معجم أعلام التعمية واستخراج المُعمَّى في التراث العربي والإسلامي )؛ من حيث أهميته، ومنزلته في المكتبة العربية، ودواعي تأليفه، وأقسامه وموضوعاته، ومنهجي في إعداده. من نافلة القول وفضوله الإشارةُ إلى أن المكتبة العربية تغصُّ بكتب التراجِمِ على اختلاف أنواعها، ومناهج بنائها وتأليفها، سواء أكانت مرتبةً على القرون، أم العلوم، أو الفنون، أو الأسماء، أو المذاهب، أو الطرائق، أو الأجناس، أو البلدان، أو الأنساب، أو الوَفَيَاتِ، أو الضبط للأعلام والكُنى والألقاب، أو الفهارس أو الأثبات أو برامج الشيوخ، أو العاهات، أو المناقب، أو غير ذلك، وأدنى نظرة إلى تلك المكتبة تبين بجلاء الحيز الكبير الذي تشغله كتب التراجم والطبقات لكلٍّ من اللغويين والنحويين، والأدباء والشعراء، والمحدِّثين والمفسرين، والفقهاء والمؤرخين، والأطباء والحكماء، والعميان والمعمرين، وغيرهم. على أن المكتبة العربية على كبير سِعَتِها وشموليتها، واستغراقها كتب العلوم والفنون والتراجم - قد خَلَتْ قديمًا وحديثًا من كتاب يجمع تراجم أعلام (علم التعمية واستخراج المعمى) ، الذي يقابله حديثًا ( علم التشفير، أو كسر الشفرة، أو الكتابة السرية، أو أمن المعلومات )، هذا العلم الذي سبق الأعلام العرب إلى تدوينه، وإرساء أصوله، وصوغ مبادئه وقواعده، ووضع مصطلحاته، وابتداع منهجياته، وعالجوا سبل استخراجه و" خوارزمياته "، والذي حَظِيَ قديمًا بأهمية كبيرة، ازدادت صُعُدًا في عصر المعرفة الرقمية والمعلوماتية، والحاسوب والشابكة وأنظمة الاتصالات، والذي استغرقت تطبيقاته جميع العلوم والميادين؛ كالمصارف، ومنصات التواصل الاجتماعي، وبرامج التعليم الإلكتروني، وشركات البث الفضائي، وسواها. حديثي إليكم إخوتي وأخواتي عن كتابي الموسوم بـ( معجم أعلام التعمية واستخراج المعمى في التراث العربي والإسلامي )، الذي يندرج في كتب التراجم على العلوم والفنون، والذي يُعَدُّ أول كتاب في بابه، رَفَدَ المكتبة العربية واستدرك ما فاتها، وسدَّ نقصها. والمعجم المذكور يقع في (389) صفحة، صدر في أبهى حُلَّةٍ، عن مطبوعات الوعي الإسلامي في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطاع الشؤون الثقافية، الإصدار (167) سنة 1439ه/ 2018م في دولة الكويت. ويمكن القول بدايةً وإجمالًا: إن كتاب (معجم أعلام التعمية واستخراج المعمى في التراث العربي والإسلامي) رائدٌ في بابه، طريف في موضوعه، كبير في خدمته للمكتبة العربية والتراث العلمي العربي، قصرتُهُ على تراجم أعلام التعمية واستخراجها، سواء أكانت تعميةً علميةً، تقوم على أصول وطرائق ومنهجيات وآليات في التعمية واستخراجها، أم كانت تعميةً بديعيةً أدبيةً شعريةً، شاعت في العصور المتأخرة، دون الأولى شأنًا وخطرًا، وحرصتُ على أن يستغرق هذا المعجم تراجم مَن صنَّف في التعمية أو ما يرادفها في التراث العربي: ( المعمى، أو المعميات، أو تعمية الحروف، أو الترجمة، أو المترجم، أو الكتب المعماة، أو الكتابة الباطنة )، ومَن صنَّف في استخراج المعمى أو ما يرادفه في التراث: (حل المعمى، أو كشف المعمى، أو فك المعمى، أو إيضاح المعمى، أو حل التعمية، أو إيضاح المبهم، أو حل المبهم، أو إيضاح المرموز، أو حل الترجمة، أو حل التراجم، أو حل المترجم، أو استخراج المترجم، أو استخراج الكلام، أو إخراج المكتوبات، أو استنباط الحروف المعماة)، وتراجم من صنف في التعمية بالأقلام المشهورة، واللغات البائدة، وبالتعمية البديعية، وتراجم من كان مشاركًا في أيٍّ منها، أو بارعًا، أو إمامًا، أو رأسًا، أو آيةً، أو أعجوبةً، أو نحو ذلك، مما ورد في مصطلحات المتقدمين في تعبيرهم عن شهرة المترجم بالتعمية، أو استخراجها، أو رسوخ قدمه فيها، أو براعته، أو تقدمه، أو فائق سرعته، أو كثرة طرق استخراجه للمعمى، أو تفوقه في استخراج التعمية العويصة أو المركبة أو التي لا تنفك، أو المسددة، أو غير ذلك، وسواء أكان المؤلَّف محفوظًا في مكتبة أم كان مطبوعًا، أو مصورًا، أو مفقودًا، مما نصت عليه كتب التراجم، أو مما لم تنصَّ عليه؛ إذ كان وصفًا لأحدهم بالبراعة أو التقدم في بعض مصادر التراث العربي والإسلامي. ولما كانت التعمية حاجةً حضاريةً، تقتضي إخفاء بعض ما يُكتَب أو يُقال عن الآخرين لدواعٍ مختلفة - كان استعمالها قديمًا جدًّا؛ فقد عرفتها حضارات العالم منذ أكثر من ألفي سنة (ق.م)، لكن تدوين التعمية في مؤلَّف، يجمع أصولها وقواعدها وسبل استخراجها لم يتحقق إلا على يد الفيلسوف يعقوب بن إسحاق الكندي (ت: 260هـ - 874م) في مصنفه ( رسالة في استخراج المعمى )، التي أفاد منها كلُّ مَن جاء بعده من العرب وغيرهم، فكان رائدًا في تأليف أقدم مدونة وصلت إلينا، وسبق بهذا ألبرتي الإيطالي ( Leon Battista Alberti ) رائد التعمية عند الغربيين بنحو ستة قرون، كتب رسالةً باللغة اللاتينية في (25) صفحة سنة (1466م). ومما يستحق التسجيل هنا شهادةُ أشهرِ مؤرخي التعمية البروفسور الأمريكي ديفيد كان ( David Kahn )، صاحب أكبر موسوعتين في التشفير بريادة العلماء العرب، معتمدًا في ذلك على ما ذكره القلقشنديُّ في كتابه المشهور ( صبح الأعشى ) نقلًا عن علي بن الدُّرَيْهم في رسالته ( مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز )، وذلك في الفصل الثامن من الجزء التاسع الموسوم بـ( إخفاء ما في الكتب من السر )، وقد عبر مخطئًا عن بالغ أسفه لفقدان تلك الرسالة المهمة؛ إذ لم يطلع عليها. وعلى أهمية التعمية قديمًا وحديثًا، وريادة العلماء العرب فيها، فإنها لم تحظَ باهتمام الباحثين المعاصرين، حتى أماط اللثام عن مخطوطاتها، ونهض بتحقيقها ودراستها ثلاثةُ باحثين: ( د. محمد مراياتي، ود.محمد حسان الطيان، ود. يحيى مير علم ) بمساعدة الأستاذ مروان البواب، وصدرت في جزأين عن مجمع اللغة العربية بدمشق، بعنوان ( علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب )؛ أولهما: في سنة 1987م متضمنًا ثلاث رسائل مخطوطة: ليعقوب بن إسحاق الكندي، ولعلي بن عَدْلان، ولعلي بن الدريهم، وثانيهما: سنة 1997م مشتملًا على ثماني رسائل مخطوطة، وحظي كل منهما بتقديم مهمٍّ، خطَّه رئيس المجمع أستاذنا المرحوم الدكتور شاكر الفحام. وثمة جزء ثالث قصرناه على تحقيق أهم كتاب في التعمية بالأقلام واللغات البائدة ودراستها وتحليلها، وهو ( شوق المُستهام في معرفة رموز الأقلام ) لابن وحشية النبطي (ت: 260 أو 291 ...)، الذي أودعه نحوًا من تسعين قلمًا وأبجديةً، استعملتها حضارات العالم القديم، والذي سبق شامبليون إلى كشف رموز هيروغلفية بنحو عشرة قرون؛ وذلك لأن المخطوط طُبع في لندن عام (1806م) بعناية المستشرق جوزيف فون هامر ( Joseph von Hammer ) (1774-1856) مع مقدمة مهمة بالإنكليزية، نبَّهَ فيها على أهمية كتاب ابن وحشية النبطي في اكتشاف اللغات والأقلام القديمة عامةً، والهيروغليفية خاصةً، في حين كان اكتشاف شامبليون حروفًا هيروغليفيةً في حجر رشيد سنة 1822م. ومن الجدير بالتنويه والإشادة هنا أن كتاب ( علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب ) بجزأيه قد حظي باهتمام هيئات علمية معنية بنشر التراث العلمي العربي والإسلامي، وبالكشف عن جوانب الريادة فيه، فكان أن أصدر مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ( KFCRIS )، بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ( KACST ) بالرياض ترجمةَ كتابـي: (علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب) إلى الإنكليزية في ستة أجزاء بعنوان (الأصول العربية لعلم التعمية) Series on Arabic Origins of Cryptology ما بين 2003م و2007م، ترجمها: الأستاذ سعيد الأسعد، وراجعها: د. محمد السويل، ود. إبراهيم القاضي، والأستاذ مروان البواب، واشتملت على ترجمة لنصوص الرسائل المخطوطة مقرونةً بالنص العربي ومتبوعةً بالدراسة والتحليل. ولما كان أساس المعجم تراجم أعلام ( التعمية واستخراج المعمى )، وهو علم خفي غير معروف إلا لدى الخاصة والمعنيِّين، على كبير أهميته قديمًا وحديثًا، وعلى ريادة العرب فيه - كان من الضرورة بمكان التقديمُ لتراجم أعلام هذا المعجم بدراسة موطِّئة وموضحة، تسهل صعبَهُ، وتدني بعيده، وتجمع شوارده، وتنتظم أشباهه ونظائره، جعلتُها موضوعات القسم الأول، عرَّفتُ فيها التعمية واستخراجها، وبيَّنت أنواعها، وطرائقها، ومنهجياتها، وطرق حل المعمى وآلياته، وأهميتها في التراث العربي والإسلامي، وريادة العلماء العرب والمسلمين، وسَبْقَهُمُ الغربيين بنحو ستة قرون، وتوثيقها بشهادات بعض أعلامهم المنصفين، وأهم إنجازاتهم في التعمية واستخراج المعمى والتعمية بالأقلام القديمة، واقتصرت في جميع ذلك على ما ورد في التراث العلمي العربي والإسلامي دون ما انتهى إليه الأمر لدى المعاصرين المختصين بالتعمية واستخراجها على اختلاف المصطلحات المعاصرة الدالة عليه؛ مثل: ( التشفير، والشفرة وكسرها، والترميز، وأمن المعلومات، والكتابة السرية، والكتابة الخفية... )، مما يعتمد على الخوارزميات الرياضية، والبرامج الحاسوبية، ويغرق في الجوانب الفنية والتقنية، ويخرج عن خطة الكتاب التراثية. وأما القسم الثاني من المعجم ، فاستقلَّ بتراجم أعلام التعمية واستخراج المعمى في التراث العربي والإسلامي، الذين انتهى مبلغهم إلى زُهاء ثمانين عَلَمًا، جريتُ في إعداده على منهج يحقق الغاية المتوخاة منه، يمكن الإشارة إلى أهم معالمه بالآتـي: 1- التزمت في ترتيب تراجم الأعلام منهجًا يلائم موادِّهِ وطبيعة موضوعه، وهو في الجملة لا يخرج عن المألوف من مناهج معاجم التراجم العامة والخاصة في القديم والحديث إلا في قليل تقتضيه مواد التراجم، ومنزلة المترجمين في التعمية واستخراجها، وجوانب أصالتهم، ودلائل ريادتهم فيهما، وتأثيرهم فيمن خَلَفَهم من المؤلفين. 2- رتبت التراجم هجائيًّا وفق حروف أسماء الأعلام بخط أسود وسط السطر مسبوقةً برقم الترجمة المتسلسل، فإن كان العلم مشهورًا بكنية أو لقب أو إضافة إلى ابن أو أب، فقد أحَلْتُ في مثل هذه المواضع الفرعية على الاسم، وإن وردت الترجمة بغيره من كنية أو لقب، فذلك لانعدام المعرفة بالاسم، وثمة تراجمُ قليلة أخَّرتها؛ إذ وردت غفلًا من الاسم والكنية واللقب؛ لأن المصادر والمراجع لم تسعف في معرفة صاحب الترجمة، فاقتصرت فيها على إضافة كلمة ( صاحب ...) إلى المشهور الذي عُرف به المترجم من كتاب أو غيره. 3- أثبتُّ سنة المولد والوفاة تحت الاسم لكل ترجمة بالتاريخين الهجري والميلادي، وما كان مجهولًا منهما رمزت إليه بثلاث نقط متتابعة، وإن كان المترجم مجهولَ المولد والوفاة، أفدت من القرائن التي تشير إلى القرن الذي عاش فيه، واجتهدت في تحديده على نحو تقريبي، وأشرت أيضًا إلى ما كان من التراجم مجهولًا، لإغفال المصادر تحديد مولده ووفاته، أو لأنه مجهول الشخصية، فلم أُصِبْ له ترجمةً فيما رجعت إليه من المطبوع والمخزن في الشابكة. 4- أتْبَعْتُ اسم المترجم وتاريخ المولد والوفاة بإيراد ترجمة موجزة له، حرصت على أن تكون موثقةً بإثبات مصادر الترجمة آخرها، مقتصرًا على الإشارة إلى أهم مؤلفاته، ومعنيًّا بإيراد ما كان منها ذا صلة بالتعمية واستخراجها، أو بالأقلام أو بالعلوم الخفية، ومميزًا بخط أسود ما كان ذا صلة بالتعمية واستخراجها من العبارات الواردة في التراجم المنقولة، وفي أسماء المصنفات والآثار؛ تحقيقًا للسهولة والسرعة في الوقوف عليه لمن يعنيه ذلك، وأما ما كان من تباين في مقدار تراجم الأعلام، فمرجعه تفاوتهم في الأهمية والشهرة، والإسهامات والأخبار، والمصنفات التي خلَّفوها، وتأثيرهم فيمن جاء بعدهم. 5- وثَّقت تراجم المعجم بإيراد كلام المتقدمين ما وجدته مفيدًا في الترجمة وإثرائها بأخبارهم ومشاركاتهم؛ إذ كانت المصادر تتفاوت فيما تورده، وما تَدَعُهُ، وما تنقله، معزوًّا لقائله أو غير معزوٍّ، وصولًا إلى أن يكون المعجم مرجعًا لتراجم أعلام التعمية واستخراج المعمى في التراث العربي والإسلامي. 6- قصرت الفهارس على ما تقتضيه طبيعة هذا المعجم المتخصص في تراجم أعلام التعمية واستخراج المعمى؛ من فهرس للموضوعات، وآخرَ للأعلام المترجمين دون الفهارس الفنية التفصيلية لأسماء الكتب والأعلام والأشعار والمصطلحات والبلدان وسواها، مما لا يناسب طبيعة المعجم، ولا غَناء تحته، ولا ينطوي على كبير فائدة؛ فقد اشتمل غير قليل من التراجم والنُّقُولِ على كثير من أسماء الكتب والمصنفات والرسائل والأعلام، مما لا علاقة له بالتعمية واستخراجها، ولا بالمصادر والمراجع التي ذكرت في التوثيق نهاية التراجم، بل هو مما ورد ذكره عرضًا في الترجمات وكلام المتقدمين. 7- حرصت على التقليل من الحواشي ما أمكن، فقصرتها على ما دعت إليه الضرورة، بما يناسب طبيعة المعجم، فأتْبَعْتُ أسماء المصادر المنقول منها بمواضع الإحالة عليها في المتن استغناءً بها عن إيراد حواشي التوثيق، وجمعت مصادر التراجم نهاية كل منها في المتن أيضًا، كثيرةً كانت أو قليلةً، تحقيقًا للاقتصاد في الحواشي، وقصرت للغاية نفسها قائمة المصادر والمراجع على بيانات ما ورد في توثيق التراجم نهايتها، وعلى ما رجعنا إليه من أسماء الكتب المطبوعة والمخطوطة والمخزنة في وسائطَ إلكترونية، وعلى المقالات والدراسات والمحاضرات ومواقع متخصصة في الشابكة ( الإنترنت )، دون سواها من أسماء مصنفات كثيرة للمترجمين، وردت في النقول ضمن تراجمهم، مما لا صلة له بالتعمية واستخراجها. 8- ألحقت بالتراجم نهاية المعجم فهرسًا "بيبلوغرافيًّا"، يتضمن توثيق أهم جهود المعاصرين، ممن اهتموا بتاريخ علم التعمية واستخراجها في التراث العربي، وبريادة العلماء العرب والمسلمين فيهما، فنشروا كُتُبًا تأليفًا أو تحقيقًا، أو دراسةً، أو بحوثًا، أو مقالاتٍ في دوريات أو مجلات مُحكَّمة، أو في الشابكة في مواقع متخصصة أو عامة أو في مدونات، بالعربية أو بغيرها من اللغات، أو قاموا بنشر مراجعات لكتب أو غيرها، أو شاركوا في ندوات أو مؤتمرات علمية متخصصة في التراث العربي والإسلامي أو تاريخ العلوم العربية والإسلامية بأوراق عمل أو محاضرات، أو ترجموا كتبًا أو دراسات في تاريخ التعمية، أو راجعوا تلك الترجمات، على اختلاف أقدارهم ومنازلهم وجهودهم العلمية، وعلى تعدد تسميات التعمية واستخراجها عند المعاصرين مما سبقت الإشارة إليه، وقد جعلته ملحقًا في نهاية التراجم لخروجه عن خطة الكتاب التي قصرتها على تراجم الأقدمين من أعلام التعمية واستخراجها، على ما في الملحق من جمع واستقصاء لجهود كثير من المعاصرين المهتمين بتاريخ علم التعمية واستخراجها في التراث العربي، وبيان ريادة العلماء العرب والمسلمين فيه، وقد ظهر جليًّا أن أغلب المعاصرين أفاد كثيرًا أو قليلًا مما حققناه من مخطوطات، ومما درَّسناه وأصدرناه من كتب التعمية، ومما قدمناه في المؤتمرات والندوات، على اختلاف صور جهودهم، سواء أكانت نشرًا لمقالة، أو مشاركةً في ندوة أو مؤتمر، أو عرضًا أو تلخيصًا لكتاب، أو تنبيهًا على السبق العلمي، أو غير ذلك. أما أشهر الأعلام الذين صنفوا في التعمية ممن اشتمل المعجم على تراجمهم، فهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وجابر بن حيان، ويعقوب بن إسحاق الكندي، وأحمد بن وحشية النبطي، وابن طباطبا، وابن وهب الكاتب، وأسعد بن مَـمَّاتي، وعلي بن دُنَيْنير، وعلي بن عَدْلان، وعلي بن الدريهم، وعلي بن أيدمر الجِلْدَكي، وأبو القاسم أحمد العراقي، ومحمد بن الحسن الجُرْهُمي، وذو النون المصري. ومن أشهر الأعلام المترجمين الذين صنفوا في التعمية بالأقلام واللغات البائدة ذو النون المصري، صاحب ( حل الرموز وبرء الأسقام في كشف أصول اللغات والأقلام )، وأبو القاسم العراقي مؤلف ( حل الرموز وفتح أقفال الكنوز )، ويعقوب الكندي واضع ( رسالة في استخراج الـمعمى )، وابن وحشية النبطي صاحب ( شوق الـمستهام في معرفة رموز الأقلام )، وجابر بن حيان مؤلف (حل الرموز ومفاتيح الكنوز)، وابن الدريهم مصنف ( مفتاح الكنوز في إيضاح المرموز ). واشتمل المعجم كذلك على ترجمات لأعلام جمعوا بين التعمية والكتابة والإنشاء، أشهرهم أبو بكر الصولي في مؤلفه ( أدب الكتاب )، وحمزة بن الحسن الأصبهاني في كتابه ( التنبيه على حدوث التصحيف )، وإسحاق بن وهب الكاتب في كتابه ( البرهان في وجوه البيان )، وأبو هلال العسكري في كتابه ( ديوان المعاني )، وأسعد بن مَـمَّاتي في مصنفه ( خصائص المعرفة في المعميات )، وابن نُباتة في ترسُّله، وابن خلدون في تاريخه ومقدمته، والقلقشندي في سِفره ( صبح الأعشى ). وختامًا: فإن هذا المعجم، وإن بذلت في إنجازه غاية الوُسْعِ والطاقة، إلا أنه دون ما أردت له من التجويد والإتقان والاستقصاء، والخلوِّ من النقص أو السهو أو الخطأ، لكن لا سبيل إلى ما لا يكاد يبرأ منه عملُ بشرٍ؛ إذ كان النقص شاملًا لجميع المخلوقين، والمأمول ممن قد يجد شيئًا من ذلك أن يستدرك مشكورًا مأجورًا ما قد فات، ويصحح ما قد سها به القلم، أو جانَبَ الصوابَ، والحمد لله رب العالمين على ما يسر وأعان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته [1] حلقة متلفزة عن كتابي (معجم أعلام التعمية واستخراج المعمَّى في التراث العربي والإسلامي)، أُعِدَّت بطلب من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة ضمن سلسلة (أحاديث الكتب: كيف يتحدَّث المؤلِّف عن كتابه)، وجرى بثُّها في موقع المعهد على اليوتيوب والفيس بوك في يوم الأحد 19/ 7/ 2020م. |
وسائلُ التّواصل و(الوعيُ) المزيّفُ ما يميزُ العقدين الأخيرين سيطرةُ وسائلِ التّواصلِ الاجتماعي ( social media site ) على حياتنا، ودخولُها في تفاصيل علاقاتنا الإنسانية إلى حد يصعب الانفكاك منها، بل يكادُ يستحيل ذلك، ويكفي أن نعرف أنّ أكبر الشركات على مستوى العالم شركاتٌ تملك هذه الوسائل وتديرها لندرك مدى تأثيرها على المجتمع الإنساني. وبات الحديثُ عن منافعِها ومضارِّها من نافلةِ القولِ لكثرةِ ما قيل في ذلك وحُبّر ودُبّج، ولكن هناك جانب سلبي يستحق الوقوفَ عليه مرارًا والحديثَ عنه جهارًا؛ ألا وهو دورُها الكبيرُ وأثرُها الخطير في صنعِ (وعي) -إن جاز التعبير- مزيّفٍ أو مشوّهٍ لا يكاد يسلم منه الخاصّة فضلًا عن العامّة، أو قل صنع جهلٍ مركّبٍ من خلال رفدِ معلوماتٍ مغلوطةٍ بأخواتها في الغلطِ تعززها؛ فيخيّل لصاحبها أنّ ما عنده بيتٌ مكين من المعارف، وما هو في الحقيقة إلا بيت عنكبوت واهٍ خالٍ من فضائل الخير أو العدل أو الجمال، لا يصمد أمام قشّةٍ من نقد منطقي. فما إن يفتح المرءُ هاتفَه أو حاسوبَه حتى تنهالَ عليه صورٌ ومعلوماتٌ ومقتطفاتٌ من كل فنٍ ولونٍ، ولا يملك المرءُ الوقتَ لتفحّصِ وتمحيصِ كلّ ما يرِد إليه هذا إن كان يملكُ مهاراتِ النّقد والتّقييم، أمّا من غُبِنَ النّعمتين فتنثالُ عليه تلك المصائب غدوةً وروحةً: فتخالطُ تلك المعلوماتُ عقلَه وتخامرُ تلك الصورُ قلبَه، فيتشرّبُ ما في تلكم الرسائلِ من سمومٍ فكريةٍ، وربما غدا ناقلًا لها من غير تبيّنٍ أو رويةٍ يعدي بها غيرَه. ولا تسلم من الوقوع في شَرَك هذا ( الوعي ) المزيّف كثير من الفئات أو المجموعات من خلالِ الاشتراك في المجموعات المغلقة من الأصدقاء أو الأهل أو العمل، فإذا قام أحد أعضائها بنشر ما يوافق هوى الجماعة ويعزز قناعاتها نُثِرَت عليه عباراتُ المديحِ والغزلِ الصّريحِ على سرعةِ بديهته واقتناصِه لفكرتِه وحسنِ طويتِه بإهدائها لأمتِه، وقد يكون الهوى العزّةُ بالإثم، والقناعةُ فكرةٌ مغلوطةٌ أو خاطئةٌ. وقد تنبّهت كثيرٌ من الدول والمنظماتِ إلى خطر هذه الظاهرة وأثرِها؛ فقامت ببناءِ لجانٍ أو مؤسساتٍ متخصصة اُصطِلحَ على تسميتها بالذبابِ الإلكترونيّ تعمل على توجيهِ الرأي العام أو تغييرِه إلى فكرةٍ ما أو معتقدٍ أو رأيٍ يحقق أجنداتِها ومخططاتِها، والأنكى أن يتحولَ الفردُ المستهدَفُ من الذباب الإلكتروني من غرضٍ إلى وسيلةٍ؛ عندما تنطلي عليه تلك الحيل فيتبناها وينشرها. وتأخذ مجموعات الذباب الإلكترونيّ بعضَ المطيّاتِ اللغويةِ لتمتطي عقل المتصفّحِ من مثل: هل تعلم أنّ.... أو تذكرُ بيتًا من الشعر أو حكمةً لا يُختلفُ فيها ثمّ توظّف في غير مكانها... أو يقوم بإثارة مشاعر الناس من خلال إثارة العصبيات والنفخ في أوارها من مثل: انظر ماذا يفعلون بـ...؟ أو تصطنعُ التعاطفَ مع قضايا إنسانية مع دس رسالته المسمومة معها، وغيرها. وما أكثرَ ما ترى من مقاطع مرئية منزوعة من سياقها من خلال القطع والبتر ولو تتبعت بعضها لوجدتها منشورةً منذ سنوات ماضيات أحياها شخصٌ ما لغرضٍ ما! وكم ترى من فتاوى ضعيفةٍ تجوب أصقاعَ الأرض فتزيغُ بها قلوبُ أناسٍ على حرفٍ، أو يبتهل بها متصيدون على ختلٍ من خلال مقطعٍ صغيرٍ لشيخٍ وافر الوقارِ واللحيةِ مغمورِ الحالِ والعلمِ! وكم ترى من صورٍ تم التلاعب بها ، ثمّ دوّنت تحتها معلومةٌ خاطئةٌ أو عبارةٌ تحريضيةٌ ضد فئةٍ أو جماعةٍ أو جملةٌ تثير العصبيات الدينية أو القبلية أو القومية، يتلقفها الدهماء يشعل بها ثائرة الغوغاء. إذًا فما الحل وقد عمّ البلاء حتى لا يكاد يسلم منه لبيب حصيف؟! الحل له عدة أدوات: منها العقلي، ومنها الأخلاقي، ومنها العملي، ومنها الإيماني. الأول هو العقل، فعلى العاقل أن ينتفع بهذه الهبة العظيمة التي كانت سبب كرامة الإنسان كما ذكر الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، والعقل لا يُدرَك ولا ينفَع إلا من خلال عمله، وعملُه ( التفكير )، وأفعال العقل ووظائفه هي: التفكير المنطقي الناقد، والتفكير الإبداعي، والتحليل والتركيب والاستدلال والاستنباط، والتأمل، والتدبر، والقياس، والاستقراء، والقدرة على حل المشكلات، ولعل من اللطائف العجيبة في القرآنِ الكريمِ أنّ كلمة ( العقل ) لم تردْ فيه بصيغة الاسم مطلقًا، بل جاءت (49 مرةً) بصيغة الفعل ( تعقلون، عقلوه، نعقلها) في تأكيد ربانيّ لأهمية تفعيل العقل، فتبيّنوا. أما الثاني هو أن يستشعر المرء أنه مسؤول أخلاقيًا عمّا يقولُ أو يفعلُ أو يكتبُ أو يرسلُ أو يعجَبُ به أو يغضبُ منه، وأنه مسؤولٌ عن مجتمعه لينشر فيه الخير ويمنع عنه الشرّ، فيزرع ما ينفع، ويقلع ما يضر ويؤذي. والثالث: الفلترة، ولنقرأ معًا قصّة سقراط مع واشٍ، تقول القصّة: " في أحد الأيام صادف الفيلسوف اليوناني سقراطُ أحدَ معارفه الذي أسرع نحوه متلهفًا: سقراط، أتعلمُ ما سمعت عن تلميذك فلان؟! فردّ عليه سقراط: " انتظرْ لحظةً قبل أن تخبرني أودّ منك أن تجتازَ امتحانًا صغيرًا يدعى امتحانَ الفلترِ الثلاثي. فقال الرجل مستغربًا: الفلترُ الثلاثي؟ تابع سقراط: نعم، لنفلترْ ما تودّ أن تخبرني به؛ الفلتر الأول: فلترُ الصّدق: هل أنت متأكدٌ أنّ ما ستخبرني به صحيحٌ؟ ردّ الرجل: لا، في الواقع لقد سمعت الخبرَ من أحدهم. قال سقراط: إذًا أنت لست متأكدًا من صدق الخبر، لنجربْ الفلترَ الثاني، فلترَ الطّيبة: هل ما ستخبرني به عن تلميذي شيءٌ طيّب؟ فقال الرجل: لا، بل هو على العكسِ تمامًا. تابع سقراط: حسنًا إذا ستخبرني بشيء سيء عن تلميذي على الرغم من أنك غيرُ متأكّدٍ من صحته؟! تابع سقراطُ: ما زال بإمكانك أن تنجح في الامتحان، فهناك فلترٌ ثالثٌ، فلترُ الفائدة: هل ما ستخبرني به عن تلميذي سيفيدني؟ فقال الرجل: في الواقعِ لا. تابع سقراط: إذا كنت ستخبرني بشيء ليس بصحيحٍ، ولا بطيّبٍ، ولا ذي فائدةٍ، فلمَ تخبرني به؟ فبُهت الواشي وأُسقِط في يده. وعلى الإنسان ألا يكتفي بفلترةِ ما يرد عليه من أخبار بل يجب أن يقوم بين الفينة والأخرى بفلترة مصادر تلك الأخبار أمثال الواشي الذي نمّ لسقراط. وأخيرًا على الإنسان المؤمن – خاصةً - أن يستحضر أنه محاسب أمام الله تعالى عن أعمالِه كلِّها: صغيرِها وكبيرِها، ذليلِها وجليلِها، وحسبُه قوله تعالى في كتابِه العزيز: ﴿ وَلَا تَقۡفُ مَا لَیۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ إِنَّ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡبَصَرَ وَٱلۡفُؤَادَ كُلُّ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَانَ عَنۡهُ مَسۡـُٔولࣰ ا ﴾ [الإسراء: ٣٦]. |
وقفات مع سيرة شيخنا ساعد عمر غازي رحمه الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبعد: فهذه الكُلَيمة أعدها سَدَادًا من فقر أو قوتًا من جوع، فإني إذا ادعيتُ أنه من الممكن أن تحويَ مقالتي هذه ترجمة وافية لشيخي وأستاذي وسيدي وحبيبي الحبر العلامة أبي الحسن ساعد بن غازي (ت: 03/ 12/ 1441ه، 24/ 07/ 2020م) أكون بهذه الدعوى قد تَحَجَّرْتُ واسعًا وتكلفتُ شاقًا، فإليكم إخوتي هذا الغيض من فيض حياة الشيخ إلى أن يعينَ الله على كتابة مصنَّفًا ضخمًا يُكشف فيه عن كثير من الجوانب المجهولة في حياة هذه القِمة الشامخة من خلال التعرض لرحلة حياته والأحداث المهمة فيها وإحصاء عناوين وموضوعات مؤلفاته ومقالاته المتنوعة التي على اختصار كثير منها إلا أنها احتوت بدائع من الفوائد والعلوم قد تخلوا منها المجلدات الكبار [1] ، والتي تُكوِّن بمجموعها ثروة علمية شائقة، يبرز فيها دوره في الإصلاح ومشاركته مع إخوانه من العلماء والمصلحين والدعاة في إعادة مجد الأمة السليب. إن القلم ليحار من أين يبدأ المسيرة: ♦ أيبدأ من بداية طلبه للعلم وتواصله مع أهل العلم. ♦ أم حرصه على العبادة والنسك وكثرة ذكره لربه حتى آخر لحظة من حياته. ♦ أم حسن عشرته لزوجه ومسامرته لها، بل ومشورته إياها وأخذه بآرائها كثيرًا مما كان يحدثني عنه. ♦ أم اجتهاده في تربيته لأولاده وعطفه عليهم وحنوه وكرمه معهم. ♦ أم مشورته لإخوانه وتلامذته وتفقدهم وسؤاله عنهم والدعاء الكثير لهم، سواء بظهر الغيب أو عند لقائه بهم، ودعمه لهم، ومعاملته لطلابه معاملة لا تقل عن معاملته لأولاده، ولينه في أيدي إخوانه. ♦ أم تواضعه الحقيقي غير المصطنع وغير المتكلف. ♦ أم دِرَاسَتِه ومُدَارَسَتِه للعلم وصبره العجيب على ذلك. ♦ أم حسن سمته في ترجله وتنعله وثوبه وريحه فما أذكر مع طول ملازمتي له أني دخلت عليه يومًا فوجدته دنس الثوب أو رث الهيئة مع الحفاظ على السمت الإسلامي الظاهر والاعتزاز به. ♦ أم زهده العجيب وهو الذي عاش في الدنيا دهرًا يومًا حلوًا ويومًا مرًّا فكان حاله العجيب كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أصابته سراءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له» [2] ، وما غيرته الأيام الحلوة ولا قطعت به الأيام المرة، بل كان سالك الطريق إلى ربه لا يلتفت. ♦ أم عن موسوعيته العلمية وتبحره مع متابعته للواقع وفقهه، وبصيرته بالنوازل التي تحل بالأمة الإسلامية على المستوى الوطني أو العربي أو العالمي. ♦ أم عنايته بأصول العلوم وقواعدها وطريقته الفريدة في التعليم والتدريب التطبيقي حتى ترسخ القواعد في الذهن. ♦ أم إيثاره للخمول وبعده عن الشهرة والأضواء. ♦ أم خوفِه وبكائه من يوم يلقى فيه ربه وماذا أعد لهذا اليوم، ومحاسبته لنفسه ونقدها. ♦ أم أبحاثه المحققة غاية التحقيق، ينشد الدقة المتناهية فيما يكتب ويتكلم، وكان شعاره في ذلك قول الإمام الألباني رحمه الله: (العلم لا يعرف الجمود) وكان كثيرًا ما يتمثل هذه الكلمة حتى قال لي يومًا ضاحكًا: « قد أوشكت أن أكتب كتابًا بعنوان "تصويبات ساعد غازي لساعد غازي"!!. ». ♦ أم مطاردته لأدعياء العلم وفضحهم وبغضه الشديد لهم. ♦ أم أنفته وترفعه عن الدنايا وتحقيق معادلة الاستعلاء والاعتزاز بالإيمان من غير تكبر ولا إعجاب بالنفس. ♦ أم تقديمه لضبط الكتاب على ضبط الصدر مع إتقانه وحفظه للمباحث التي يتكلم فيها فلا يحدثك إلا من كتاب أو من ورقة، حتى يظن الجاهل أنه لا يحسن ولا يحفظ!!. ♦ أم عنايته بالتوحيد واهتمامه الفائق بالعقيدة وحرصه على ألا تكون مباحث العقيدة والتوحيد مجرد مباحث لسانية جدلية، بل علوم قلبية تورث سلوكًا صادقًا إلى الله سبحانه وتعالى [3] . ♦ أم قمعه للبدع ومطاردته لأهلها ومناظراته في ذلك، وأنه كان لا تمنعه مَهَابة الناس أن يقول بالحق الذي يعلمه. ♦ أم غَيرته على إخوانه أن يُحقّر منهم أو ينتقصوا، سواءً في وجوده أو عند سماعه بذلك. ♦ أم تدبره لكلام الله ومدارسته ذلك مع إخوانه [4] . ♦ أم بعده عن التعصب والتقليد والحزبية، فكان بحق رجل أُمَّة ولم يكن رجل حزب من الأحزاب أو جماعة من الجماعات. ♦ أم إنكاره لذاته لدرجة أنه كان إذا امتدحه أحد يجهش بالبكاء ويعلوا نشيجه افتقارًا إلى ربه وأنه لا يرى نفسه أهلًا للمدح والإطراء. ♦ أم إدمانه النظر في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب ابن القيم رحمهما الله. ♦ أم تبحره في كتب الإمام الألباني رحمه الله وبصيرته في طريقته حتى صار بحق من أعلم الناس بالإمام. ♦ أم تبحره في كتب العلماء المعاصرين ومحاضراتهم وفتاواهم من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ أحمد معبد.... ♦ أم مراسلاته العلماء باستدراكاته على كتبهم وتصويب أخطائهم وتعليقاته الفريدة على كتبهم ولا يهتم بأن تنسب هذه الاستدراكات والتصويبات والتعليقات إليه، بل همه هو استدراك الخطأ وتصويب المعلومة ونفع الناس. ♦ أم ابتلائه ومحنته بالاعتقال والتعذيب، وبعد ذلك ابتلاؤه بالمرض ووهن الشيخوخة، كل ذلك وهو صابر محتسب ماضٍ في طريقه إلى ربه. ♦ أم حبه للعلم لدرجة أنه وهو ابن السبعين عامًا كان يحدثني بالعلم والتفصيلات الدقيقة وهو يودعني على البابين: باب مكتبه، وبوابة بيته فيوقفني بما يقارب الساعة ونصف لا يريد أن أنصرف، يحدثني عن العلم حتى طال بنا الوقوف يومًا إلى أذان الفجر. ♦ أم اصطفاءِ الله واختيارِه رحمه الله لطلبة العلم بل للخاصة من طلبة العلم وخاصة الخاصة منهم وصرف عنه سواهم، وإني عندما أكتب هذا أتذكر كيف كان اختبار العلماء للبخاري عند مقدمه بغداد وكيف أنهم عندما خلطوا له الأسانيد وأبدلوا الرواة كان يقول: عقب كل حديث جرى فيه ذلك: (لا أعرفه)، فانصرف عنه العامة والدهماء والسوقة وقالوا: ما هذا الرجل الذي لا يحسن إلا أن يقول: (لا أعرفه)، وأقبل عليه العلماء والمحدثون وقالوا: «حفِظ الرَّجلُ حفِظ الرَّجلُ » [5] ، وقد جرى مثل هذه القصة للعقيلي أيضًا [6] . ♦ أم عن تركه مالا يعنيه وعدم تطفله على أمور إخوانه وتلامذته الخاصة وحرصه على ما ينفعه وينفع إخوانه وتلامذته. هذا غيض من فيض مآثره رحمه الله وطيب الله ثراه ورفع درجته في المهديين. فإليك معلمي واستاذي الذي علمني كيف أن تاريخ الإسلام كما أن فيه من القادة والمحاربين بالسيف والسنان الذين شهد الإسلام على أيديهم وأيدي جنودهم أعظم انتصاراته وفتوحاته وظهر بأسمى مظاهره، فإن في تاريخ الإسلام أيضًا علماء وأئمة هدى جاهدوا في الله حق الجهاد في ميدان الحجة والبيان، فمصروا الأمصار بالعلم النافع والدعوة الحكيمة، فقمعوا البدع وأحيوا السنن، وحطموا أوثان الشرك في القلوب وأقاموا التوحيد الخالص لله علام الغيوب. كم كنت تحدثني عن هذه الشخصيات العلمية تجلي لي معالمهم، وأتدارس معك معاني الأحداث التي عاشوها والفتوحات التي فتح الله بها عليهم والتي حققها الله على أيديهم، وكم كنت حاسمًا لكثير من القضايا التي ثار حولها الجدل واستطال في حياة تلك الشخصيات الراشدة. كم كنت أجلس معك في ظلال ذكرياتك العلمية ودرب حياتك المباركة، ومن بين الأحداث التي تسوقها تقدم الدروس النافعة المفيدة مما لا يستغني عنه سالك إلى ربه يريد أن يكون سلوكه على بصيرة. ولما كان شرف الإنسان بشرف من درسه ومن رباه من الأئمة أصحاب الصفة العلية فإني لأشرف بانتسابي إليك وأخذي عنك. كنتُ ضالًا فهداني الله بك. كنتُ تائهًا فأرشدتني. كساك الله من حلل الجنة كما كسوتنا حلل العلم. أطعمك الله من الجنة كما أطعمت عقولنا الجوعى من أطايب العلوم. كتبه: أبو مريم طارق بن سعد العدل في يوم الثلاثاء 21/ 12/ 1441ه 11/ 08/ 2020م [1] قام الأستاذ عمر ساعد غازي (ابن الشيخ) بإحصاء مؤلفاته وبشّر بأنها وصلت إلى الآن إلى ما يقرب من 6 مجلدات كبار أسأل الله أن ييسر بإخراجها. [2] رواه مسلم. [3] للشيخ تحويلات جذرية في حياتي من ذلك توجيهه إياي إلى دراسة علوم السلوك والتصوف من خلال كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم على سبيل العموم وأن أولي كتاب "مدارج السالكين" عناية خاصة ووصيته إياي بهذا الكتاب خيرًا لما رآه من انتقاص وظلم وهضم وتلاعب بهذا السفر الجليل ممن لا يحسنون ضبط قواعد هذا العلم. [4] وكثيرًا ما كان يوقفني على تحف غاص عليها في بطون كتب التفسير، وكثيرًا ما كان يسألني عن دروسي في تدبر كتاب الله التي كنت ألقيها في مسجد الجمعية الشرعية في المنصورة أو غيرها ويناقشني فيها نقاشًا ثريًا ويفيدني إفادات كنت أحار في كيفية وصوله إليها. [5] هذه القصة في "تاريخ بغداد" (2/ 20-21)، ووفيات الأعيان (4/ 190). [6] انظر: "تذكرة الحفاظ" (3/ 833-834)، و"سير أعلام النبلاء" (15/ 237). وانظر قصص غيرهما في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 135-136) للخطيب. |
المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي للسخاوي صدر حديثًا كتاب "المنهل العذب الروي في ترجمة قطب الأولياء النووي "، تأليف: " شمس الدين أبي الخير محمد بن عبدالرحمن السخاوي " (ت 902 هـ)، اعتنى به: أ. " عَدي محمد الغُباري "، من إصدارات " دار المنهاج " - جدة. وهذا الكتاب يطبع معتمدًا على أربع نسخ خطية، أهمها " نسخة لاندربورغ " التي تعد الإبرازة الأخيرة للكتاب؛ فقد حوت زيادات وإلحاقات كثيرة، أدرجها الكاتب في هذه الطبعة، وقد جمع الإمام السخاوي ترجمة فريدة للإمام النووي بان فيها الإنصاف والحيادية حيث جمع أقوال العلماء والمؤرخين في حياته وتآليفه ووفاته. يقول في مقدمته: « هذا جزء استوفيت فيه أحوال شيخ الإسلام، وإمام الأئمة الأعلام، قطب الأولياء الكرام، ونادرة الزهاد الوافر في روعة السهام، المجتهد في الصيام والقيام، والقائم بخدمة الملك العلام: محيي الدين النووي رضي الله عنه ورضي عنا به، وبلغ كلامنا في الخير منتهى أربه، التي أفردها خادمه العلامة علاء الدين ابن العطار، مع زيادات جمة ميّزتها بقولي: (قلت)، ثم ( انتهى )؛ قصدًا للتمييز لا للاستكثار من: نسبه، ونسبته، ومولده ونشأته، وذكر شيوخه، وتصانيفه الدالة على تقدمه ورسوخه، ونبذة من كلام الأئمة فيها، ومن انتدب منهم للتكلم عليها، وما وليه من الوظائف الدينية، ومن علمته أخذ عنه ممن سلكوا الطريق المرضية، وجملة من أوصافه، المصرّحة بولايته وعظيم إنصافه، وكونه من الصادقين، وعموم بركته وانتفاع من يعرفه به في القيامة عند رب العالمين، وزهده وعلمه، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بلسانه وقلمه، وظهور كراماته، وتعظيمه لله ورسوله، وتأدبه مع الصالحين في جميع أوقاته، وخدمته بنفسه لشيوخه ومكاشفاته، وتقدمه في الفقه والحديث واللغة والعلوم، وشدة اجتهاده في المطالعة لمنطوق المعلوم والمفهوم، ومداومة سهره وتهجده، وإخلاصه وتعبّده وعدم مجادلته، ورفع صوته في تقريره ومباحثته، وتمام ورعه وتحرّيه في قبول الهدية، وكون المهدى إليه ممن لا يقرأ عليه ولا له معه قضية، وعدم تعاطيه ما يرطِّب بدنه من ثلج وشبهه». وبذلك يحدد لنا الإمام السخاوي منهج ترجمته للإمام النووي، وهو منهج فريد اتبعه في كثير من تراجمه لشيوخه وأهل قرنه، وغيرهم من القرون في موسوعاته وكتب تراجمه الفريدة التي وصلت إلينا. وتبرز لنا تلك المقدمة أن السخاوي استكمل ترجمة علاء الدين ابن العطار أحد تلامذة الإمام النووي، والذي أخذ عنه العلم، والموسومة بعنوان "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام النووي"، واستفاد من معظمها، وأضاف إليها زيادات نافعة في ترجمة الإمام بقلمه السيال. وقد تناول هذا التحقيق دراسة وافية عن الكتاب وأثره في علم التراجم، وتراجم للإمامين صاحبا الترجمة (النووي والسخاوي) إلى جانب بيان منهج التحقيق، حيث امتازت هذه الطبعة بتعليق الحواشي وإثرائها بتراجم شواهد المتن وأعلامه، وبيان مرادات السخاوي في ترجمته. والإمام النووي هو الإمام الحافظ، شيخ الإسلام، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي الشافعي (631هـ - 1233م / 676هـ - 1277م). ولد - رحمه الله - سنة إحدى وثلاثين وستمائة في حوران، وقدم دمشق واجتهد في طلب العلم، فحفظ "التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع " المهذب " له أيضًا حفظًا في باقي السنة. وقد كان - رحمه الله - يقرأ كلَّ يوم اثني عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا؛ درسين في " الوسيط " للغزالي، ودرسًا في " المهذب " للشيرازي، ودرسًا في " الجمع بين الصحيحين "، ودرسًا في "صحيح مسلم"، ودرسًا في "اللمع" لابن جني، ودرسًا في " إصلاح المنطق "، ودرسًا في التصريف، ودرسًا في أصول الفقه، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين. وكان - رحمه الله تعالى - يعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح وضبط لغة، وبارك الله -تعالى- في وقته. ولازم الاشتغال بالتصنيف، ونشر العلم، والصيام، وسائر العبادات، صابرًا على العيش الخشن في المأكل والملبس، وقد تخرج به جماعة من العلماء. وقد كان - رحمه الله تعالى - ما يضيع له وقت، لا في الليل، ولا في النهار، قائمًا - رحمه الله - بالإفادة والنصيحة، وقول الحق مع ما هو عليه من المجاهدة بنفسه، والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشوائب، حافظًا للحديث وفنونه، ورجاله وصحيحه وعليله، رأسًا في معرفة المذهب. وقد كان من ثمرات جده واجتهاده في طلب العلم، ومحافظته على وقته، وإخلاصه لله - عز وجل - أن صنَّف التصانيف الكثيرة، التي نفع الله بها المسلمين في شتى بقاع المعمورة، فمن تصانيفه: "رياض الصالحين"، و"الأذكار"، و"الأربعين النووية"، و"الإرشاد في علوم الحديث"، و"التقريب" مختصره ، وكتاب "المبهمات"، و" تحرير ألفاظ التنبيه"، و"العمدة في تصحيح التنبيه"، و"الإيضاح في المناسك"، وله ثلاثة مناسك سواه، و"التبيان في آداب حملة القرآن"، و"فتاواه" في مجلد، وكتاب "تهذيب الأسماء واللغات"، و"الروضة" عشرة أجزاء، و"المنهاج" في الفقه، و"شرح المهذب" إلى باب المصراة في البيوع، وشرح قطعة من "البخاري"، وقطعة من "الوسيط"، وعمل قطعة من "الأحكام"، وغير ذلك من مؤلفاته الكثيرة النافعة. توفي - رحمه الله تعالى - سنة ست وسبعين وستمائة ببلدة نوى بالشام، وعمره خمس وأربعون سنة - رحمه الله رحمة الأبرار. أما الإمام السَّخاوي، (831 - 902 هـ، 1427 - 1497 م)، فهو محمد بن عبد الرحمن السخاوي. محدِّث ومؤرخ. أصله من سخا، قرية بمصر. برع في علوم كثيرة، مثل الفقه، والنحو، والحديث، والتاريخ. وُلد بالقاهرة ونشأ بها وتوفي بالمدينة المنورة. رحل كثيرًا في طلب العلم، وأخذ عن كثير من الشيوخ، ومن أبرزهم: الحافظ ابن حجر العسقلاني، الذي لازمه أشد الملازمة. ألف كتبًا كثيرة. وقد سَمّى صاحب هدية العارفين نحوًا من 130 كتابًا من مؤلفاته. وذكر الزركلي أن مؤلفاته تبلغ نحوًا من 200 كتاب. ولعل من أهمها: • الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع. • فتح المغيث شرح فيه ألفية العراقي في علوم الحديث. • المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. • تلخيص تاريخ اليمن. • طبقات المالكية. • تاريخ المدينتين. • الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ. |
الإعجاز الرباني في قيام الليل لجسم الإنسان يقول الإمام الشافعي: العبادات مُعلَّلة بمصالح الخَلْق؛ أي: إن العباداتِ لو أُدِّيَت على النحو الذي أراده الله، لجَعَلَت من المؤمن شخصية سويَّة ذا أُفُقٍ واسعٍ ونَظَر ثاقب، ولجعلَتْه ذا أخلاق فاضلة، حادَّ البصر والبصيرة، مستنيرَ الذهن والقلب، أمَّا إذا حاد الإنسانُ عن مبادئ فِطْرته ولم يعبد الله عز وجل، وخرق حدودَ إنسانيتِه بالإثم والعدوان، اختل توازنُه الداخليُّ وأحسَّ بكآبةٍ مدمِّرة لصحَّته النفسيةِ، فهذا ما يسمَّى في الطبِّ النفسيِّ: التوتُّر النفسي الذي هو سبب رئيسٌ لكثير من الأمراض العضويَّة ذات الأسباب النفسية، فمنها سرعة ضربات القلب، واضطراب نظمه، وضيق الشرايين وارتفاع ضغط الدم ذو المنشأ العصبيِّ، وتقرُّحات الجهازِ الهضميِّ، وأمراض الحساسية، وأمراض الأعصاب والشلل العضوي ذو المنشأ النفسيِّ. وحينما يعود الإنسان إلى الله تعالى ويتوب من ذنوبه، ويستقيم على أمر ربِّه، ويعمل الصالحات تقرُّبًا إليه، يشعر بأنه أُزيحَ عن صدره كابوس ضاغطٌ كأنَّه جبل، فيشعر المؤمنُ بمشاعرَ مِن السعادة لا تُوصَف، وأنَّ مشاعرَ الكآبة والضيق قد اختَفَت إلى غير رجعةٍ، وعندئذ يدرك من الطمأنينة والسعادة ما لو وزِّعَت على أهل بلد لأسعدتهم جميعًا. ومِن هنا تتأثَّر أعضاءُ الجسم بهذه الصحة النفسيَّة تأثُّرًا إيجابيًّا، فتزول أكثرُ أعراضِ الأمراض العضويَّة ذات المنشأ النفسيِّ. ولهذا ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تُحصُوا)؛ أي: إن استقمتم فلن تُحصُوا الخيراتِ التي تَجنونها مِن استقامتكم. ولا شك أنَّ العبادات - مِن صلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وزكاةٍ - عباداتٌ أمَرَنا اللهُ بها، وقد علَّلَها في القرآن الكريم تعليلًا عظيمًا؛ فقال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]. وقال تعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]. فمثلًا علماء التربية البدنية خطَّطوا لتمرينات معتدلة تناسب كلَّ الناس في كلِّ الأعمار وفي كلِّ الأوقاتِ، تمرينات تطابق حركات الصلاة تطابقًا تامًّا. فهذه الصلاة أمَرَنا الله بها إضافةً إلى أنها تقَرِّبُنا إلى الله وتذكِّرُنا وتصلنا به، هي كذلك ذات فائدة لأجسامنا، فهذه الحركات من القيام والركوع والسجود، لها فوائدُ كثيرةٌ لجسم الإنسان، وها هي امرأة ذَهَبَت إلى بلد غربيٍّ لتعالَج مِن مَرَض، وهو آلام مستمرَّة في الرأس عند طبيبٍ غير مُسلم لا يعرف اللهَ عز وجل، فسأَلَها: من أين أنت؟ فقالت: من سوريا، قال: أتُصَلِّين؟ قالت: لا، فقال: صلِّي يذهب ما بكِ، فعجِبتْ، وبيَّن لها الطبيب أنَّ أحدَ أسباب آلام الرأس، هو ضَعفٌ في وصول الدم إلى الشرايين في الدماغ، وأنَّ السجود يوسع هذه الشرايين، ويجعل الدم يتدفَّق نحو الرأس، فعَجَبًا للمرأة دفعتْ آلاف الليرات ليقال لها: صلِّي. إن لجوء أطباء الغرب والمسلمين للصلاة علاجًا، دليلٌ على تغيُّر بطيءٍ وهادئ تشهده مهنةُ الطبِّ؛ بأنْ تصف لمريضٍ وصفةً تنصحه فيها بأنْ يصلِّي، وأن يتصل بالله، وأن يتوب إلى الله. لقد اكتشف هذا الطبيب العلاج الربانيَّ لا مِن باب التعبُّد، ولا من باب تطبيق منهجِ الله، بل من خلال التجارب على مدار السنين. وأظهر استطلاع أُجري في اجتماع سنويٍّ ضمَّ أكثر من 250 طبيبًا - أنَّ 99% من الأطباء وجدوا فائدةً ملموسةً واضحة عند مرضاهم حينما يدعونهم إلى الصلاة. وفي جامعة أخرى حَضَر أكثرُ من ألف شخص يعملون في مجال الصحة مؤتمرًا أكَّدوا فيه العلاقةَ بين الشفاء والصلاة، وأكَّدوا أنَّ المريض حينما يعود إلى الله، ويتصل به، يقوى جهاز مناعتِه. الصلاة تُبرئ مِن ألم الفؤاد والمعدة والأمعاء وكثير مِن الآلام؛ ففيها فائدةٌ رُوحية واطمئنان قلبيٌّ وهدوء نفسيٌّ، كذلك توجد فيها صحة جسمية، وإذا ما أُقيمت على وجهها الصحيح، حصلت النجاة من أمراضٍ كثيرة، فالكوليسترول أو الشحم الذي يسبِّب ضيق الشرايين تقلُّ كميَّته بالرياضة البدنية المتواصلة، ولقد أحسن الله تعالى إلينا كثيرًا بأن فرض علينا خمسَ صلوات في اليوم والليلة؛ لأن في الصلاة تطهيرًا للنفس، وحفظًا للصحة، وسلامة الجسم. ومِن هنا تتضح الحكمة البالغة من صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك؛ ذلك أنَّ الصائم يكونُ قد أَكَل وشرب، ولعله يزيد في كمية طعامه وشرابه عند تناول وجبة الإفطار، لذا كانت هذه النافلةُ في شهر رمضان مِن خير أنواع العلاج، لِما قد يَنجُم مِن خطر زيادة الدهون في الطعام، ومِن ثَمَّ فإنَّ الصلاة عمومًا تُعدُّ صمام أمان في حياة المؤمن الذي يؤدِّيها على الوجه الذي بيَّنَه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه حقيقة علمية سوف نبيِّنها إن شاء الله في فوائد قيام الليل وصلاة الفجر، وما يعود على الإنسان مِن استقرار نفسيٍّ ورُوحيٍّ وبدنيٍّ، نَعَم تُعدُّ صلاة المسلم في الدرجة الأولى التزامًا بأمر الله، كما أنها صلةُ العبد بربِّه، وسببُ رقيِّه في الدنيا والآخرة، وتجعله دائمًا في حالة نظافة وطهارة؛ لأنَّ مِن شروط صحةِ الصلاة طهارةَ المصلِّي من الحَدَث وطهارة بدنِه وثوبه ومكان صلاته مِن الخَبَث. قيام الليل وأثره في بناء الرجال: لقد اهتمَّ الإسلامُ ببناء الرجال في ظلِّ العبادات؛ الفرائض منها والنوافل، وأنَّ المؤمن القويَّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، فمقام العزَّة والقوة لا يتأتَّى من فراغ، ولكن لا بد من تربيةٍ عالية في ظلِّ طاعةِ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكانت الصلاةُ هي بابَ العبودية لله عز وجل؛ فهي صيانة للرجولة، وتحصين لها من هواجس النفس والشيطان، وقد شرعت صلاةُ قيامِ الليل لتربية الرجال، ونظرًا إلى ما فيه من فوائدَ خاطَبَ الله بها حبيبَه بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4]. ومن رحمته بالأُمَّة لم يجعله فرضًا عليها، بل هو نافلة يؤدِّيها القادرُ عليها، الطائع لربِّه في ضوء قوله تعالى وصفًا لأهل الجنة: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16، 17]، وقوله: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18]. ففي قيام الليل من النشاط والرياضة التي يستفيد منها الجسم والقلب؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، ومَنهاة عن الإثم، وقُربة إلى الله تعالى، وتكفير للسيِّئات، ومَطردة للداء عن الجسد))؛ (رواه الترمذي). هذا، ولقد أرشَدَنا سيدُ البشر صلى الله عليه وسلم إلى أعدل النوم، وهو نوم سيدنا داود عليه السلام؛ حيث كان ينام مِن أول الليل، ثم يقوم منه، ثم يعاود النوم قليلًا، ثم يقوم لوقت السَّحَر، وكذلك كان نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخي القارئ يجب علينا أنْ ننتبه إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه ابن ماجه وغيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَعقِد الشيطان على قافية رأس أحدِكم بالليل بحبل فيه ثلاث عُقَد، فإن استيقظ فَذَكَر الله انحلَّت عقدةٌ، فإذا قام فتوضَّأ انحلَّت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلَّت عُقَدُه كلُّها، فيُصبح نشيطًا طيبَ النَّفْس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كَسِلًا، خبيثَ النَّفْس، لم يُصِب خيرًا))؛ (صححه الألباني). فالنشاط لا يناله الجسد إلا بعد الوضوء وأداء الصلاة بحركاتها الرياضية التي يذهب في ظلِّها الخُمول والكسل، فتعودُ للجسد حيويتُه ونضارتُه، وقوَّتُه التي يمارس بها شؤونَ حياتِه. ولا شك أنَّ الشيطان يستحوذ على كلِّ مَن نام على غير وضوء، ولم يُصلِّ العِشاء، والذين لم يذكروا الله عند نومهم، أمَّا مَن قرأ آيةَ الكرسيِّ عند نومه، فقد ثَبَت أنَّه يُحفَظ من الشيطان حتى يصبح، وصدق ربُّ العزَّة إذ يقول: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42]. الفوائد الصحية لقطع النوم لأداء قيام الليل وصلاة الفجر: إذا نام الإنسان طويلًا تقلُّ نبضات قلبِه، فيجري الدم ببطءٍ شديدٍ، فإذا قطَعَ المسلم نومَه لأداء ركعاتِ قيام الليل وصلاة الفجر في وقتها، وقى نفسَه من أمراض القلب وتصلُّب الشرايين، وأكَّد خبراء وأطباء القلب أنَّ أداءَ صلاةِ الفجر في موعدها المحدَّد يوميًّا، خير وسيلة للوقاية والعلاج مِن أمراض القلب وتصلُّب الشرايين، بما في ذلك احتشاء عضلة القلب المسببة للجلطة القلبية، وتصلُّب الشرايين المسببة للسكتة الدماغية. وأكَّدت الأبحاث العلمية والطبية أنَّ مرض احتشاء القلب هو أخطر الأمراض، وكذلك مرض تصلُّب الشرايين وانسداد الشريان التاجي، وسببها الرئيس هو النوم الطويل لعدَّة ساعات سواء في النهار أو الليل. وأظهرت نتائج الدراسة أنَّ الإنسان إذا نام طويلًا قلَّت نبضات قلبه إلى درجة قليلة جدًّا لا تتجاوز (50 نبضة) في الدقيقة، وحينما تقلُّ نبضات القلب يجري الدم في الأوعية الدموية والشرايين ببطءٍ شديدٍ، الأمر الذي يؤدِّي إلى ترسب الأملاح والدهنيات على جدران الأوردة والشرايين، وبخاصة الشريان التاجي مما يؤدِّي إلى انسداده. ومن هنا جاءت نصيحةُ الأطباء بالامتناع عن النوم لفترات طويلة، بحيث لا تزيد فترة النوم على أربع ساعات؛ حيث يجب النهوض من النوم وأداء جهد حركي لمدة 15 دقيقة على الأقلِّ، وهو الأمر الذي يوفِّره أداءُ صلاة القيام والفجر بصورة يوميَّة. طرد الداء من الجسد بقيام الليل وصلاة الفجر: يؤدِّي قيام الليل إلى طرد الداء من جسم الإنسان؛ فقد ثَبَت الآتي: يؤدِّي قيامُ الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون، وهو هرمون طبيعي (يفرزه الجسد) خصوصًا قبل الاستيقاظ بعدَّة ساعات، وهو ما يوافق وقت السَّحَر (الثلث الأخير من الليل)؛ ممَّا يقي من الزيادة المفاجئة في مستوى سكر الدم الذي يشكِّل خطورةً على مرضى السكر، ويقلِّل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم الذي يؤدِّي إلى السكتة الدماغية والأزمة القلبيَّة. يقلِّل قيامُ الليل من مخاطر تخثُّر الدم في وريد العين الشبكيِّ الذي يحدث نتيجةً لبُطءِ سريان الدم أثناء النوم وزيادة لزوجةِ الدم، بسبب قلَّة تناول السوائل، أو زيادة فِقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفُّس. يؤدِّي قيام الليل إلى تَحسُّن وليونة العمودِ الفقريِّ ومفاصل الجسد، نتيجةَ الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء. قيام الليل يخلِّص الجسم من الجليسيرات الثلاثية (نوع من الدهون) التي تتراكم في الدم، خصوصًا بعد تناول العشاء المحتوي على نسبةٍ عالية من الدهون التي تزيد مِن مخاطرِ الإصابة بأمراض شرايين القلب. يقلِّل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ، بسبب اضطراب ضربات القلب، لِمَا يصاحبه من تنفُّس هواء نقيٍّ خالٍ من ملوثات النهار، وأهمُّها عوادم السيارات ومسببات الحساسية. قيام الليل ينشِّط الذاكرة، وينبِّه وظائفَ المخ الذهنية المختلفة، لِمَا فيه من قراءة وتدبُّر للقرآن وذِكْر للأدعية، وأذكار الصباح والمساء، فيقي الإنسانَ المسلم من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والاكتئاب. يقلِّل قيامُ الليل من شدَّة حدوث مرض طنين الأذن لأسباب غير معروفة. أخي القارئ هذه فوائد الصلاة عامَّة وقيام الليل خاصة، تربَّى الصحابة رضوان الله عليهم في ظلِّها، وفي ساحة المسجد النبوي، فتخرَّج من بينهم الأبطال والقادة في المعارك الحربيَّة؛ كانوا رهبانًا بالليل، فرسانًا بالنهار، كما وصفهم القرآن الكريم في قوله: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾ [الذاريات: 17 - 19]. فهل آن الأوان لتصحيح الأخطاء وتقويم المسار، فَنَعِي قيمةَ الصلاة والعبودية لله الواحد القهار، فنتمسَّك بذلك فارِّين إلى الله تعالى ليأخذَ بأيدينا وينجِّينا من هذا التيه. |
حاشية على مختصر أبي بكر خوقير في الفقه الحنبلي صدر حديثًا كتاب " حاشية على مختصر في فقه الإمام المبجل والخبر المفضل شيخ أهل السنة والجماعة أحمد بن محمد بن حنبل "، من إملاء الشيخ: "أبي بكر محمد عارف بن عبدالقادر خوقير المكي الحنبلي" (ت 1349 هـ)، علق عليه: " حمد بن حمد السنين " و" أحمد بن ناصر القعيمي "، نشر " دار ابن الجوزي ". وهي حاشية على مختصر " أبي بكر خوقير " رحمه الله في فقه الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، اشتملت على تعريفات، وشروط، وقيود، وغير ذلك مما يحتاج إليه في بيان و" شرح المختصر "، سار فيها على الصحيح من المذهب إلا ما ندر من إشارة لرواية أو قول آخر في المذهب. وقد اختصر فيه ممليه " الإمام خوقير " كتاب ( منتهى الإرادات ) لابن النجار الفتوحي، فحذف منه مسائل، وزاد ما على مثله يعتمد، مع عناية بالضوابط ناظرًا حال إملائه في ( شرحه ) للشيخ منصور البهوتي، و( الإقناع ) للشيخ موسى الحجاوي. فكان هذا المختصر جامعًا لأهم مسائل هذه الكتب الثلاثة، وقد أملاه الشيخ "أبو بكر خوقير " في آخر حياته، وشاركه في تحريره والنظر فيه الشيخ "محمد بن حمد بن راشد"، وطبعه بعد وفاة الشيخ بعد تحريره وعرضه على جماعة من العلماء، مما زاده قوةً وضبطًا. وطريقة مصنفه أنه في اختصاره قام بالمحافظة على ألفاظ كتاب ( المنتهى ) وترتيبه قدر الإمكان، مع تغيير بعض الألفاظ بألفاظ أسهل أخذها في الغالب من شرح ( الشيخ منصور ) علي ( المنتهي )، كما أنه حذف كثيرًا من المسائل قليلة الحدوث، أو الصور الكثيرة لأصل واحد، مع إضافات متعددة ليست في ( المنتهى ) استفادها من كتاب ( الإقناع ) للشيخ موسى الحجاوي. لذلك من ميزات الكتاب أنه مختصر لكتاب ( المنتهى ) وهو الذي إليه المنتهى بالفعل في معرفة الراجح في مذهب الحنابلة عند المتأخرين؛ كما قاله " السفاريني ". كما أنه خالف صاحب (المنتهى) في بعض المسائل التي ظهر الدليل النصي بخلافها. إلى جانب ما حلَّى به كتابه من زيادات استقاها من كتاب ( الإقناع ) وقد خلا منها كتاب ( المنتهى ). إلى جانب سهولة عبارة المختصر وسلاستها، ويظهر ذلك ببعده عن كثرة الضمائر، وحرصه على التقسيم والتنويع، وحذفه لغالب الصور التي وردت في أصل المتن اكتفاءً بتنقيح المناط ليتسنى للقارئ تحقيقه. كما أنه زان مختصره بأن سلم مما وقع فيه كثير من مؤلفي الكتب الفقهية في الأزمنة المتأخرة من الخطأ في بعض مسائل التوحيد خطأ يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة التي عليها سلف الأمة ومن سار على نهجهم. وهذه حاشية وضعها الشيخ " حمد بن حمد السنين " بين فيها تعليقاته وتعقباته على متن " مختصر أبي بكر خوقير "، وتقصى مواطن كلام " خوقير " من أصوله في ( المنتهى ) و( الإقناع )، مع زيادة التوضيح والشرح لأخصر عبارات " خوقير ". والمصنف هو "أ بو بكر بن محمد عارف بن عبد القادر خوقير المكي الحنبلي" ولد عام 1284هـ في مكة المكرمة، ونشأ بها وقد نشأ نشأة علمية، ولا غرابة في ذلك فأبوه " محمد عارف " أحد أئمة المقام الحنفي بالمسجد الحرام وجده " عبد القادر" كذلك. وإن كانت أسرة الشيخ " أبو بكر " تتبع المذهب الحنفي إلا إن الشيخ "أبو بكر " اتجه إلى التفقه بالمذهب الحنبلي وذلك لسببين هما تحقيقًا لرغبة جده واتباعًا لنصيحة شيخه " عبد الرحمن سراج ". وقد تتلمذ الشيخ " أبو بكر " خوقير على عديد من المشايخ من مكيين وغيرهم منهم الشيخ " حسين الأنصاري " والشيخ " محمد خليل القاوقجي " والشيخ " عبد الله القدومي النابلسي " ومن مشايخه أيضًا القاضي الشيخ " أحمد بن إبراهيم بن عيسى النجدي " فقد قرأ عليه علم التوحيد والفقه الحنبلي وسمع منه شرحه على نونية ابن القيم وكذلك كتابه تنبيه النبيه والغبي وغير ذلك. ولم يكتف " خوقير " بالأخذ عن مشايخ مكة المكرمة أو الواردين إليها بل رحل في طلب العلم فرحل إلى دهلي وبهوبال وبوفال وكذلك رحل إلى مصر فسمع من مشايخها وحرص على جلب الكتب السلفية وقام بنشرها في مكة المكرمة. وقد تقلد الشيخ " أبو بكر " عديدًا من الوظائف في العصر العثماني والهاشمي وكذلك السعودي فمنها إمامة المقام الحنبلي والإفتاء والتدريس في زمن الشريف " عون الرفيق " ثم عزل عنها فاشتغل بتجارة الكتب بباب السلام، ثم عين عام 1327هـ مفتيًا للحنابلة إلا أنه عزل منها بعد يومين إثر وشاية به. وبعد قيام "الشريف حسين " بالثورة العربية عينه عضوًا في مجلس الشيوخ إلا أنه عزل منه بعد عام واحد فقط، وعين في زمن الملك "عبد العزيز" مدرسًا بالحرم المكي. وقد قضى الشيخ " أبو بكر " وقتًا من حياته مدرسًا في الحرم المكي قبل تعيينه الأخير فاستفاد من علمه عدد كبير منهم الشيخ " صالح بن عثمان القاضي "، و" أحمد علي بن أسد الله الكاظمي "، والشيخ " عبد الله خياط "، والشيخ " محمد عبد الرزاق حمزة "، والشيخ " سليمان الصنيع " وغيرهم. ولم يكن الشيخ "أبو بكر " ممن يصمت أمام الباطل بل ينافح ويدافع بكل ما أوتي من علم غير مبال بالعواقب في سبيل إقرار توحيد الله ومحاربة أهل البدع والخرافات، ما عرضه إلى العزل من وظائفه وسجنه، حاله حال جده الشيخ " عبد القادر " الذي توفي في إسطنبول عام 1304هـ فقد سجن الشيخ " أبو بكر " عام 1339هـ ولبث في السجن حتى دخل جيش الملك "عبد العزيز" مكة المكرمة عام 1343هـ فأخرجوه منه. وقد صنف الشيخ " أبو بكر " خوقير عديدًا من الكتب والرسائل التي ترد على شبه المتصوفة والمبتدعة ومن تلك المؤلفات: كتابه " ما لابد منه في أمور الدين " الذي ألفه عام 1322هـ جمع فيه أبواب الاعتقاد بصورة مختصرة مستدلًا بنصوص الكتاب والسنة على مسائل العقيدة. وله أيضا كتاب " فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال " ألفه عام 1324هـ، وهو في الرد على الشبهات في موضوع التوسل بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. وله أيضًا كتاب " التحقيق فيما ينسب إلى أهل الطريق " ألفه عام 1334هـ في الرد على عدة مسائل تتعلق بالتصوف. وله أيضًا كتاب " تحرير الكلام في الجواب عن سؤال الهندي في صفة الكلام " ألفه في الرد على سؤال ورد إليه بخصوص صفة الكلام. وكتاب " مسامرة الضيف بمفاخرة الشتاء والصيف " وهو كتاب أدبي يصور مناظرة بين فصلي الشتاء والصيف إضافة إلى ثبته المسمى بثبت الإثبات الشهيرة. وهكذا قضى الشيخ " أبو بكر " حياته مجاهدًا في سبيل إقرار توحيد الله حتى توفاه الله في الطائف عام 1349هـ. |
العَبَث بالذائقة الأدبية من العبث في الفن ( الرسم والأعمال الفنية) إلى العبَث في الأدب، شعره ونثره؛ إذ تتناثر علينا في الصحافة اليومية وفي بعض الدوريات الأدبيَّة قطع نثرية وشعرية، وقطع أخرى لا هي نثرية بحتة، ولا شعرية بحتة، يزعم أصحابُها أنها من الأدب الراقي، الذي يحتاج من قارئه إلى مزيد من التأمُّل، والتذاكي، وادِّعاء المعرفة بالأدب بمذاهبه ومساربه، بما في ذلك تلك الرموز والطلاسم، واستخدام المتناقضات من الكلمات والتعبيرات، فيجعلون القارئ في حيرةٍ من أمره، وكما قلتُ في الوقفة السابقة: إن لم يفهم القارئ ما يقال، اتُّهم في ذائقته الأدبية، وحينما قيل لأحدهم: لمَ لا تقول ما يُفهم؟ ردَّ قائلًا: لمَ لا تفهم ما يقال؟! أظن أنَّ في هذا المجال الكثير من القول الذي لا يُفهم، سواء أَسُمِّيَ باسم شائع - كالحداثة - توسُّعًا في الإطلاق، أم لم يُسمَّ باسم شائع، واكتُفي له بإطلاق الأدب الرمزي، وهو ليس من الرمز في شيء، وربَّما أطلق عليه الأدب الطلاسمي، واقتصر روَّاده على أولئك القرَّاء الذين يبحثون عن الغموض في التعبير الدالِّ على الغموض في الفكرة. لعلِّي أذهب أبعد من ذلك لأزعم أنَّ الأمرَ ليس غموضًا في الفكرة أدَّى إلى غموض في التعبير، بل إنَّه تغامُض في التعبير مع وضوح الفكرة، أدَّى إليه - إلى هذا التغامُض - الإصرار على العبث في التعبير. إذا كانت مصائب قوم عند قوم فوائد، فإن المستفيد من العبَث في الأدب هم مجموعة من الذين نصَّبوا أنفسهم نقَّادًا، وهم ليسوا بالضرورة نقَّادًا، فنقدوا هذا العبث الأدبي بالعبث النقدي، وأعطوا العابثين من المكانة الأدبية ومن التأويل والتفسير للطلاسم ما لم يفكِّر به أولئك العابثون؛ ذلك لأنَّهم تركوا مجال التأويل والتفسير مفتوحًا للمتلقِّين والنقَّاد، فدخل المتلقُّون والنقَّاد في مقاصد الكتَّاب، وكلٌّ فهم هذه الطلاسم فهمًا مختلفًا عن الآخر، إنْ لم يكن مغايرًا له، وتذاكى بعض المتلقِّين والقرَّاء، وادَّعوا أنَّهم يفهمون ما يقال، ودخلوا في المقاصد والنوايا والمراد، دون وضوحه في النصِّ [1] . لست أتحدَّث هنا عن بعض القطع النَّثرية الوجدانية التي يبثُّها كتَّاب تعوَّدوا عليها، وعوَّدوا غيرهم عليها، وهي لا تفيد كثيرًا سوى تنمية الملَكَة الأدبية، والرفع من شأن الذائقة؛ أي: الذوق الأدبي، لكنها لا تقدِّم معلومة جديدة، ولا تضيف ثقافة إلى ثقافة قارئها سوى ذلك، هذه الوجدانيات فنٌّ من فنون الأدب معروفة لدى الفرسان من النقَّاد. الذي أرمي إليه - في مسألة العبث في الأدب - هو ذلك الذي يشكِّك في فهم المتلقِّي، فيبحث عن فهم له، وكأنَّه من تلك الألغاز التي تُتداول حول لهيب النار في ليلة من ليالي السمَر، يرفِّهُ فيها الناس عن أنفسهم، والقارئ لهذه الطلاسم لا يقرأ ليبحث عمَّا وراء السطور، ولكنه يقرأ ليستفيد، فيُصاب بخيبة أمل من جرَّاء إنفاق الوقت فيما لا يفيد، سوى توسيع مداركه الوجدانية. لا يُشكُّ في أنَّ بعض الكتَّاب يرغب في الشهرة، أو التميُّز، أو البروز، أو الخروج عن المألوف فيما يكتب، وقد يصل ذلك إلى مظهره ليدلَّ على مخبره، ولكن ذلك كله لا يسوِّغ له العبثَ بمشاعر المتلقِّين وأحاسيسهم، وإن كان هو يعيش حالًا من القلق وعدم الاستقرار الذِّهني والفكري والثقافي، أو يوحي لآخرين بذلك، وله منَّا أنْ نسأل الله لنا وله الاستقرار في أذهاننا وأفكارنا وثقافتنا، لنوفَّق - حينئذٍ - في أنْ نقول ما يُفهم. موضوع الحداثة قد أخذ أبعادًا عدَّة، وكتب فيه كثيرون من الطرفين؛ الراغب فيه والراغب عنه، وجُعلَت الحداثة ضدًّا حتميًّا للتراث [2] ، وأدخل الدين في التراث، والدين ليس من التراث - بالمفهوم الشائع للتراث - وأصبحنا نقرأ عن الأصالة والمعاصرة، وكأنَّها ثنائيَّة متناقضة تمامًا، ولا تجتمع في حال واحدة؛ فإمَّا أن تكون تراثيًّا أو تكون حداثيًّا، وإمَّا أنْ تكونَ عصرانيًّا أو تكونَ رجعيًّا، وإمَّا أنْ تكون مستقبليًّا أو تكون ماضويًّا، ثنائية يبدو أنها مبتدعة في مسألة الجمع بينها، واستحالة ذلك [3] . صدر - فيما صدر - في هذا المجال كتابٌ عن سلسلة معالم الحداثة، التي يديرها الأستاذ الدكتور عبدالمجيد الشرفي، واسم الكتاب: الإسلام والحداثة؛ لصاحب السلسلة نفسه، الأستاذ عبدالمجيد الشرفي [4] ، وأصل الكتاب دروس أُلقيَت على طلبة أحد المعاهد التونسية، منذ سنة 1407هـ/ 1987م، والطرح في هذا الكتاب أوجد فجوةً بين الإسلام والحداثة، وكأنَّ الإسلامَ ضدُّ الحداثة، وكأن الحداثة - بالتالي - ضدُّ الإسلام [5] ؛ بحيث يدعو المؤلِّف إلى أسلَمة الحداثة، أو تحديث الإسلام! أسلَمة الحداثة أمرٌ ممكنٌ، فيما يظهر [6] ، أمَّا تحديث الإسلام بالمفهوم الحداثي، الذي استُورد من الآخر، فهي دعوة استشراقية قديمة، سعت إلى تطوير الإسلام، لا التجديد له بظهور مجدِّدين له بين فينة وأخرى، على ما هو معلوم في تاريخ الإسلام والمسلمين، إلَّا أنَّ عبدالمجيد الشرفي يؤكِّد "أنَّ الإسلام لا يستطيع البقاء بمعزل عن التيَّارات الفكرية والفلسفية الحديثة؛ مثلما أنَّ المشاغل العملية التي ميَّزَت الفكر العربي الإسلامي الحديث لا بُدَّ لها أنْ تنضج في المستوى التنظيري، وتؤول إلى عملية تأليفية حيَّة متجدِّدة بين القيم الدينية ومستحدثات العصر" [7] . إذا كان المتلقِّي يدرِك دوافع المستشرقين في " تحديث الإسلام " أو تطويره، فإنه يخشى أنْ يصل إلى نتيجة أنَّ هذه الأفكار التي دعا إليها هؤلاء المستشرقون لاقَت آذانًا مُصغية من لدن بعض مفكِّري المسلمين، مع اختلاف في الدوافع والأهداف [8] ، ومنها ما قام على الانبهار بالدعوة إلى تطوير الدين، الذي نؤمن نحن المسلمين أنه كَمُلَ تامًّا في أصوله، لا كما يوحي حديث الأستاذ: عبدالمجيد الشرفي في مسألة تحديث الإسلام، التي ركَّز فيها على مشكلة الحكم وقضية المرأة، ليختم المؤلِّف كتابَه بالدعوة إلى أنَّه "فيما يخصُّنا، فكما أنَّ نواميس الحياة تقتضي منَّا التكيُّف مع الضغوط التاريخية الأليمة التي نمرُّ بها، فإنَّنا لا ينبغي أنْ ننتظر ( ما بعد الحداثة ) علَّه يوفِّر لنا مخرجًا؛ إذ ما بعد الحداثة ليس إلا مغالاة فيها" [9] . من حقِّ كلِّ الناس الكتابة عن هذا الموضوع العميق، إلا أنَّ هذا الحقَّ يقتضي أنْ يكون المتحدِّث عن هذا الموضوع مطَّلعًا على قدرٍ كافٍ من ثقافته وطروحاته؛ بحيث يتمكَّن من استخدام الميزان استخدامًا مقنعًا للمتلقِّي، وإذا أمكن أن يكون الطرح موضوعيًّا كان ذلك أدعى إلى النظرة التخصُّصية، وهذا التوجُّه يُكتب أكثر مما يُطبَّق. إنَّما ضُربَ مثلٌ بموضوع الحداثة؛ لأنَّها كانت حاضرة في الذهن من خلال الاطِّلاع على كتاب الأستاذ: عبدالمجيد شرفي، وما في حكمه من الإسهامات التي تتحدَّث عن الحداثة بوصفها مذهبًا فكريًّا، أكثر من كونها أسلوبًا أدبيًّا، والأمر يَصدق على موضوعات أخرى كثيرة؛ بعضها آني، وبعضها مستمرٌّ، بعضها قديم، وبعضها مستحدث، بعضها سياسي، وبعضها اجتماعي...، وهكذا. [1] انظر: المناظرة حول الحداثة وما بعد الحداثة بين كل من: عبدالوهَّاب المسيري وفتحي التريكي؛ الحداثة وما بعد الحداثة - دمشق: دار الفكر، 1424هـ/ 2003م - 368 ص؛ سلسلة حوارات لقرن جديد. [2] انظر مثلًا: عوض القرني: الحداثة في ميزان الإسلام - القاهرة: دار هجر، 1408هـ/ 1988م، وقد لقي هذا الكتاب ردود فعل متفاوتة؛ بين مادح وقادِح، إلى درجة التشكيك في انفراد المؤلِّف بإعداد الكتاب. [3] انظر في مناقشة هذه الثنائية: أكرم ضياء العُمَري : التراث والمعاصرة - مرجع سابق - 141 ص. [4] عبدالمجيد الشرفي: الإسلام والحداثة - تونس: دار الجنوب، 1998م - 230 ص. [5] عبدالإله بلقزيز، محاور: الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية - بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004هـ - 147 ص. [6] انظر مثلًا: عبدالله محمَّد الغذَّامي: حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية - ط 2 - الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2004م - 304 ص. [7] عبدالمجيد الشرفي: الإسلام والحداثة - مرجع سابق - ص (180). [8] انظر: مصطفى الشريف: الإسلام والحداثة: هل يكون غدًا عالم عربي؟ القاهرة: دار الشروق، 1914هـ/ 1999م - 104 ص. [9] عبدالمجيد الشرفي: الإسلام والحداثة - مرجع سابق - ص (179). |
رفع الوشاح عن حاشية ابن جراح على منار السبيل صدر حديثًا كتاب " رفع الوشاح عن حاشية ابن جراح على " منار السبيل في شرح الدليل " لابن ضويان "، الحاشية للشيخ العلامة: "محمد بن سليمان آل جراح الحنبلي" (ت ١٤١٧ هـ)، إعداد وتحقيق: الشيخ أ.د. " وليد بن عبدالله عبد العزيز المنيّس "، في ثلاثة مجلدات، نشر " دار لطائف لنشر الكتب والرسائل العلمية " بدولة الكويت. ويتضمن هذا الكتاب حاشية وتعليق الشيخ " محمد بن سليمان آل جراح الحنبلي " (1322 – 1417 هـ) علاَّمة الكويت على كتاب " منار السبيل في شرح الدليل " لابن ضويان، التي قيدها تلامذة الشيخ من خلال تسجيلاته الصوتية أثناء شروحاته على الكتاب، ومن ثم عرضوها على الشيخ " ابن جراح " لإقرار تلك التقييدات، وطبعها كحاشية مع متن الكتاب، وكتاب " منار السبيل " لابن ضويان، هو شرح لمتن " دليل الطالب لنيل المطالب " للشيخ " مرعي بن يوسف الكرمي "، ومتن " دليل الطالب " من المتون المهمة في الفقه الحنبلي، اختصره مؤلفه اختصارًا حسنًا وذكر فيه القول الراجح المعتمد في المذهب، وقد بين في مقدمته أنه لم يذكر فيه إلا ما جزم بصحته أهل التصحيح والعرفان، وعليه الفتوى فيما بين أهل الترجيح والإتقان من المتأخرين... فكان هذا المتن اللطيف حقيقًا بالعناية لما اشتمل عليه من الفوائد. وكان ممن تصدى لذلك الشيخ " إبراهيم بن ضويان " - رحمه الله - فشرحَ هذا المتن شرحًا غير مطول، فاكتفى بذكر الدليل والتعليل مع الإشارة أحيانًا إلى الروايات الأخرى في المسألة عند الحاجة، وبخاصة إذا كانت الرواية الأخرى أقوى دليلًا، وكثيرًا ما يشير إلى ترجيحات بعض محققي الحنابلة كـ" الموفق ابن قدامة " وشارح " المقنع "، وقد أكثر من النقل عنه وعن " شيخ الإسلام " وتلميذه " ابن القيم " وصاحب " الفروع " وصاحب " الإنصاف ".. وغيرهم، وبالجملة فالكتاب نافع في بابه يصلح للمبتدئين في دراسة الفقه الحنبلي، وقد عني الشيخ " الألباني " بأحاديث هذا الكتاب فخرجها في كتابه " إرواء الغليل " مما زاد من قيمة هذا الكتاب المبارك. وقد اهتم كثير من المتأخرين في شروحهم لأبواب الفقه الحنبلي بتدريس وشرح كتاب " منار السبيل "، وقد كان الشيخ "محمد بن سليمان آل جراح" قد تصدى لشرح كتاب " دليل الطال ب" وقام طلبته بإخراج تعليقاته، وقد قام الشيخ بعدها بشرح " منار السبيل " لإتمام شروحاته على المتنين لطلبة العلم الحنابلة، لذا تعد تعقبات الشيخ " ابن جراح" على قلتها نفيسة مميزة في التعقيب على مرادات الشيخين " مرعي الكرمي " صاحب " دليل الطالب " و" ابن ضويان " صاحب " منار السبيل ". وقد قام محقق الكتاب بوضع متن كتاب " منار السبيل" محققًا منسقًا، ووضع تعقبات الشيخ " ابن جراح " وتعليقاته في الحواشي، ويقدمها بقوله: قال الشيخ محمد الجراح:....، إلى جانب تخريجه لآثار الكتاب وأحاديثه وشرح ما غمض من ألفاظ المتن. وصاحب الحاشية هو الشيخ العلامة " محمد بن سليمان آل جراح الحنبلي " المعروف بابن جراح، (1322 - 1417 هـ)، ولد في الكويت سنة 1902 م (1322 هـ) بعد هجرة جده عبدالله بأربعة عقود من إحدى قرى سدير في نجد إلى الكويت ثم الزبير، ويعود نسبة إلى آل فضل من بني لام من طيء. بدأ تعلم القرآن على يد الملا " أحمد بن محمد الحرمي " وملا " محمد المهيني "، وتعلم الكتابة والحساب وقسمة المواريث في مدرسة السيد "هاشم الحنيان" ، وتعلق قلبه بالعلم وكسب المعرفة منذ نعومة أظفاره فحفظ في بداية شبابه العديد من المتون العلمية، وأخذ مبادئ الفقه على يد علامة الكويت الشيخ " عبدالله خلف الدحيان " حيث كان يقرأ في مجلسه تفسير ابن كثير وفتح الباري، كما أخذ العلم من الشيخ " عبدالوهاب عبدالله الفارس "، والشيخ "أحمد عطية الأثري " والشيخ " عبدالعزيز بن قاسم حمادة ". ويعد " ابن جراح " من أبرز علماء الكويت في اللغة والأدب والفقه، وشاعرًا من شعرائها، خدم في مجال الإمامة والخطابة في مساجد الكويت الزاخرة والمنتشرة بين الأحياء السكنية، وكان يعلم طلبته الصبر على طلب العلم وعدم الاستعجال في الأسئلة قبل إتقان العبارات وفهم المقاصد، وكيفية الاعتناء بالكتاب والمحافظة عليه، وكيفية كتابة التعليق في الكتاب إن وجد وأين يكتبه، وكان يذكرهم بتحسين الخط، كما كان حريصًا على نشر علمه بين عامة الناس لكي يستفيدوا منه في حياتهم، وكانت له الكثير من الرسائل والفتاوى المدعمة بالحجة والدليل من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم. ومن صور زهده في الدنيا والمناصب العليا عندما عرض عليه الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس دائرة المحاكم آنذاك أن يتولى القضاء فقال "من تولى القضاء فقد ذبح بغير سكين"، فرفض المنصب بأدب ولباقة، ومن تواضعه عبارته المشهورة التي قالها قبل وفاته بأيام معدودة "إني طالب علم مقصر محب للعلم ولست بفقيه الكويت ولا فرضيها، وما قيل في من الإطراء فأنا بريء منه، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واغفر لي ما لا يعلمون، واجعلني خيرًا مما يظنون". استمر الشيخ الفاضل في سعيه الدؤوب في تحصيل العلم وتوصيله باذلًا جهده ووقته وصحته حتى مشارف سنة 1416 هـ، فمنذ تلك السنة تتابعت أعراض المرض عليه، فلما بلغ عمره حينها 95 عاما، وفي فجر الخميس 13 جمادي الأولى سنة 1417 هـ توفي رحمه الله. ومن مؤلفاته: "تبصير القانع في الجمع بين شرحي ابن شطي و ابن مانع "، و" كفاية الناسك في أحكام المناسك "، وعدة فتاوى، وحواش على " نيل الطالب "، و" منار السبيل " وغيرها من متون الفقه الحنبلي. |
فضل وشرف ومكانة العلماء أهل العلم حريصون على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم: فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة: من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه" [1] . أهل العلم ورثة الأنبياء: فقد أخرج الإمام أحمد وأهل السنن وابن حبان عن كثير بن قيس، قال: كنت مع أبي الدرداء رضي الله عنه في مسجد دمشق، فجاء رجل، فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتك من مدينة الرسول عليه السلام في حديث بلغني أنك تحدِّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما كانت لك حاجةٌ غيره؟ قال: لا، قال: ولا جئتَ لتجارة؟ قال: لا، قال: ولا جئت إلا فيه؟ قال: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الحيتان [2] في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يُوَرِّثُوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ [3] وافرٍ"؛ (صحيح الجامع: 6297). وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقَسِّم، وأنتم ها هنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعًا، ووقف أبو هريرة رضي الله عنه لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة، قد أتينا المسجد فدخلنا فيه، فلم نر فيه شيئًا يُقسَّم، فقال لهم أبو هريرة رضي الله عنه: وما رأيتم في المسجد أحدًا؟ فقالوا: بلى، رأينا قومًا يصلون، وقومًا يقرؤون القرآن، وقومًا يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة رضي الله عنه: ويحكم! فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم"؛ (حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 83). وذكر الخطيب البغدادي في كتابه " شرف أصحاب الحديث " عن سليمان بن مهران قال: "بينما ابن مسعود يومًا، مع نفر من أصحابه إذ مر أعرابي، فقال: على ما اجتمع هؤلاء؟ قال ابن مسعود: على ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، يقسمونه". قال ابن جماعة رحمه الله في كتابه "تذكرة السامع والمتكلم، ص 43" عند هذا الحديث: "وحسبك بهذه الدرجة مجدًا وفخرًا، وبهذه الرتبة شرفًا وذكرًا، فكما لا رتبة فوق رتبة النبوة، فلا شرف فوق شرف وارث تلك الرتبة"؛ ا.هـ. وقال ابن حبان في كتابه "الإحسان: 1 /290": في هذا الحديث بيانٌ واضح أن العلماءَ الذين لهم الفضل الذي ذكرنا، هم الذين يُعَلَمون علم النبي صلى الله عليه وسلم، دون غيره، ألا تراه يقول: "العلماء ورثه الأنبياء" والأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلمُ نبينا سنته، فمن تعرى عن معرفتها، لم يكن من ورثة الأنبياء"؛ ا.هـ. ويقول ابن القيم رحمه الله؛ كما في كتابه مفتاح دار السعادة: 255-264: وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له طريقًا إلى الجنة"، والطريق الذي يسلكه إلى الجنة جزاءٌ على سلوكه في الدنيا طريق العلم الموصل إلى ربه"؛ ا.هـ. ووضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم تواضعًا، وتوقيرًا، وإكرامًا لما يحمله من ميراث النبوة ويطلبه، وهذا يدل على المحبة والتعظيم، فمن محبة الملائكة له وتعظيمه أنها تضع أجنحتها تواضعًا له؛ (شرح السنة: 1 /275). وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن العالم ليستغفرُ له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتانُ في الماء"؛ فإنه لما كان العالم سببًا في حصول العلم الذي به نجاة النفوس من أنواع المهلكات، وكان سعيه مقصورًا على هذا، وكانت نجاة العباد على يديه، جُوزِيَ من جنس عمله، وجعل من في السماواتِ والأرض ساعيًا في نجاتِهِ من أسباب المهلكات باستغفارهم له، وإذا كانت الملائكة تستغفر للمؤمنين، فكيف لا تستغفر لخاصتهم وخلاصتهم. وقوله: "وفضلُ العالِمِ على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب"، تشبيه مطابق لحال القمر والكواكب، فإن القمر يضيء الآفاق، ويمتد نوره إلى العالَمِ، وهذه حال العالِمِ، وأمَّا الكوكبُ فنوره لا يجاوز نفسه، أو ما قرب منه، وهذه حال العابد الذي يضيء نور عبادته عليه دون غيره، وإن جاوز نور عبادته غيره، فإنما يجاوز غير بعيد، كما يجاوز ضوء الكوكب له مجاوزة يسيرة. وفي التشبيه المذكور لطيفة أخرى: وهي أن الجهل كالليل في ظلمته وحِندسِه [4] ، والعلماء والعباد بمنزلة القمر والكواكب الطالعة في تلك الظُّلْمة، وفضل نور العالِمِ فيها على نور العابد كفضل نور القمر على الكواكب. وأيضًا، فالدين قوامُه وزينته وأمنَتُهُ بعلمائه وعُبَّادِهِ، فإذا ذهب علماؤه وعُبَّادُهُ ذهب الدين، كما أن السماء أمنتها وزينتها بقمرها وكواكبها؛ فإذا خسف قمرها وانتثرت كواكبها، أتاها ما توعد، وفضل علماء الدين على العباد كفضل ما بين القمر والكواكب، فإن قيل: كيف وقع تشبيه العالم على القمر دون الشمس، وهي أعظم نورًا؟ قيل: فيه فائدتان: إحداهما: أن نور القمر لما كان مستفادًا من غيره، كان تشبيه العالِمِ الذي نوره مستفاد من شمس الرسالة بالقمر أولى من تشبيهه بالشمس. الثانية: أن الشمس لا يختلف حالها في نورها، ولا يلحقها مُحَاقٌ [5] ، ولا تفاوت في الإضاءة، وأما القمر فإنه يقل نوره ويكثر، ويمتلئ وينقص، كما أن العلماء في العلم على مراتبهم من كثرته وقلته، فيفضل كل منهم في علمه بحسب كثرته وقلته وظهوره وخفائه، كما يكون القمر كذلك، فعالِمٌ كالبدر ليلة تمامه، وآخر دونه بليلة ثانية وثالثة، وما بعدها إلى آخر مراتبه، وهم درجات عند الله، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء"؛ هذا من أعظم المناقب لأهل العلم، فإن الأنبياء خير خلق الله، فورثتهم خير الخلق بعدهم، ولما كان كل موروث ينتقل ميراثه إلى ورثته - إذ هم الذين يقومون مقامه من بعده - لم يكن بعد الرسل من يقوم مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به إلا العلماء كانوا أحق الناس بميراثهم. وفي هذا تنبيه على أنهم أقربُ الناس إليه، فإن الميراثَ يكون لأقرب الناس إلى الموروث، وهذا كما أنه ثابت في ميراث الدينار والدرهم، فكذلك هو في ميراث النبوة، والله يختص برحمته من يشاء، وفيه: إرشادٌ وأمرٌ للأمة بطاعتهم، واحترامهم، وتعزيزهم، وتوقيرهم، وإجلالهم، فإنهم ورثة من هذه بعض حقوقهم على الأمة، وخلفاؤهم فيهم، وفيه: تنبيهٌ على أن محبتهم من الدين، وبغضهم مناف للدين، كما هو ثابت لموروثهم، وكذلك معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كما هو في موروثهم. وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "من عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة" [6] ، وورثة الأنبياء سادات أولياء الله عز وجل. وفيه: تنبيه للعلماء على سلوك هدي الأنبياء وطريقتهم في التبليغ؛ من الصبر، والاحتمال، ومقابلة إساءة الناس إليهم بالإحسان، والرفق بهم، واستجلابهم إلى الله بأحسن الطرق، وبذل ما يمكن من النصيحة لهم، فإنه بذلك يحصل لهم نصيبهم من هذا الميراث العظيم قدره، الجليل خطره. وفيه: أيضًا تنبيهٌ لأهل العلم على تربية الأمة كما يربي الوالد ولده، فيربونهم بالتدريج والترقي من صغار العلم إلى كباره، وتحميلهم منه ما يطيقون، كما يفعل الأب بولده الطفل في إيصاله الغذاء إليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم"، فهذا من كمال الأنبياء وعِظَم نُصحهم للأمم، وتمام نعمة الله عليهم، وعلى أممهم، أن أزاح جميع العلل، وحسم جميع المواد التي توهم بعض النفوس أن الأنبياء من جنس الملوك الذين يريدون الدنيا وملكها، فحماهم سبحانه وتعالى من ذلك أتم الحماية. ثم لما كان الغالب على الناس أن أحدهم يريد الدنيا لولده من بعده، ويسعى ويتعب ويحرم نفسه لولده، سد هذه الذريعة عن أنبيائه ورسله، وقطع هذا الوهم الذي عساه أن يخالط كثيرًا من النفوس التي تقول: فلعله إن لم يطلب الدنيا لنفسه، فهو يحصلها لولده، فقال: "نحن معاشر الأنبياء لا نُورَثُ، ما تركنا فهو صدقة"، فلم تورث الأنبياء دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم؛ (رواه البخاري ومسلم). وقوله صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ أخَذَهُ أخذ بحظٍّ وافرٍ"، أعظم الحظوظ وأجداها ما نفع العبد ودام نفعه له، وليس هذا إلا حظه من العلم والدين، فهو الحظ الدائم النافع الذي إذا انقطعت الحظوظ لأربابها، فهو موصول له أبد الآبدين، وذلك لأنه موصول بالحي الذي لا يموت، فلذلك لا ينقطع ولا يفوت، وسائر الحظوظ تعدم وتتلاشى بتلاشي مُتعلَّقاتها، كما قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]؛ فإن الغاية لما كانت منقطعةٍ زائلةٍ تبعتها أعمالُهُم، فانقطعت عنهم أحوج ما يكون العامل إلى عمله، وهذه هي المصيبة التي لا تجبر، عياذًا بالله، واستعانةً به وافتقارًا، وتوكلًا عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله"؛ ا.هـ؛ بتصرف واختصار؛ (مفتاح دار السعادة: 1 /255-264). [1] أو نفسه: شك من الراوي. [2] الحيتان: جمع حوت، وهو العظيم من السمك، وهو مذكر، قال تعالى: ﴿ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ ﴾ [الصافات: 142]. [3] الحظ: النصيب، والمعنى: أخذ نصيبًا وافرًا، أي: تامًا لا حظ أوفر منه. [4] الحِنْدِسُ: الظُّلْمَةُ، وفي الصحاح: الليل الشديد الظلمة؛ [لسان العرب(حندس) صـ1020]. [5] المُحَاقُ والمِحَاقُ: آخر الشهر إذا امَّحَقَ الهلالُ فلم يُرَ، والمحاق أيضًا أن يستسر القمر ليلتين فلا يرى غدوة ولا عشية. [6] والحديث أخرجه البخاري واللفظ له ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى قال: "من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب، وما تقربإلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني، لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته". |
معركة الرحيبة 29 آذار 1927م قائد المسلمين: عمر المختار ومعه ما يزيد على 500 مقاتل. قائد جيش الإيطاليين: الميجر "باسي" بتخطيط من الجنرال غرازياني. مكان المعركة: منخفض الرحيبة الواقعة في الجبل الأخضر، مَعقِل المجاهدين. ظلَّ الجبل الأخضر في ليبيا معقلًا للمجاهدين؛ حيث توفَّرت فيه شروط مناسبةٌ لإيواء المجاهدين وتخفيهم عن جنود الاحتلال، فكانوا يشنُّون الغارات ثم يعودون إلى الاختفاء في الجبل الأخضر، وهذا الجبل مرتفع كبير ممتد ما بين برقة وبنغازي بسفوحه الشمالية، وكان دخول هذا المعقل بالنسبة للإيطاليين حلمًا يتمنَّون تحقيقه مهما بذلوا من ضحايا؛ لأن سقوطَه يعني استسلام المجاهدين والقضاء على كل عمل حربي ضد الطليان، وبالتالي سيَنعم المحتلُّون بالهدوء والاستقرار، ورسم الجنرال غرازياني خطة لمفاجأة المجاهدين في عقر دارهم والقضاء عليهم، فحشد تحت قيادة المجير "باسي" أكثر من ثمانمائة جندي واثني عشر ضابطًا، وتسلَّل هؤلاء ليلًا لمباغتة المجاهدين، لكن عمر المختار ومَن كانوا معه من الفرسان الأشداء تصدوا لهذه الحملة وباغتوها قبل أن تُباغتهم، وقاموا بحركة التفات ذكية حول هذه القوة المدعَّمة بالآليات والمدافع الرشاشة، ودارت رحى معركة حامية، فما أغنى عنهم تفوقُهم العددي وكثرة أسلحتهم وذخائرهم، فاختلت صفوفُهم، ودبَّ اليأس في قلوبهم بعد أن كثرت الخسائر في صفوفهم، ثم حدث التحام بالسلاح الأبيض، فقُتل من الإيطاليين عددٌ كبير، وحاول آخرون الفرار والنجاة بأرواحهم، فلم يُفلِحوا؛ لعدم معرفتِهم بمسالك الجبل الأخضر، فسرعان ماكانوا يقعون في كمائن المجاهدين، وهكذا زادت الخسائر، ففرَّ " باسي " مع مَن تبقى مِن جنوده تاركين قتلاهم وأسلحتهم وذخائرهم في أرض المعركة، فكان عدد القتلى 350 قتيلًا، منهم ستة ضباط. وتُعَد معركة الرحيبة واحدةً من أشهر معارك عمر المختار ضد الإيطاليين، وهي: معركة النخلتين أو الفويهات سنة 1912، ومعركة وادي جريب سنة 1931هـ، ومعركة جبل السوداء 1930م ومعركة كرسه 1930. |
الأصول التي عليها مدار الفقه لابن أبي موسي الحنبلي صدر حديثًا كتاب " الأصول التي عليها مدار الفقه "، تأليف: الإمام "أبي علي محمد بن أحمد بن محمد ابن أبي موسي الحنبلي البغدادي "، أفرد المقدمة وشرحها: أ.د. " عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم العويد "، نشر " دار ركائز الوقفية للنشر والتوزيع " بدولة الكويت. وهي المقدمة الأصولية لكتاب " الإرشاد إلى سبيل الرشاد " للإمام ابن أبي موسى الحنبلي البغدادي (ت ٤٢٨ هـ)، اشتملت على جلّ مسائل أصول الفقه الحنبلي على سبيل الإجمال. ونجد أنه كان للحنابلة إسهام في هذا المجال المبارك، علم أصول الفقه، فالإمام أحمد له أصول فقهية أعملها، استخلصها تلاميذه وأصحابه، منها ما قاله ونطق به - وهو كثير - ومنها ما اُستخرج من إعماله بالاستقراء والتتبع لفروعه ومسائله. والمقدمات الأصولية للكتب الفقهية والتي وضعها بعض مؤلفي المدونات الفقهية تمهيدًا وتوطئة لكتابه الفقهي هي من الإثراء العلمي الأصولي خصوصًا حين يكون المؤلف من المتقدمين، وهي رافد علمي لأصول الفقه عند الحنابلة خصوصًا عندما يكون من إمام راسخ متقدم. وهذه الرسالة إفراد للمقدمة الأصولية التي وضعها الإمام العلَم العلامة أبي علي محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الشريف (٣٤٥ – ٤٢٨ هـ) والتي استهل بها كتابه " الإرشاد إلى معرفة الرشاد "، مع شرحها شرحًا بيانيًا من جانب المحقق، يقربها للدارسين من طلاب العلم. واختيار هذه المقدمة الأصولية والتي نعتها مؤلفها في تبويبها بأنه ذكرَ فيها الأصول التي عليها مدار الفقه، كان لعدة ميزات منها: اشتمالها على جل مسائل أصول الفقه على سبيل الإجمال ما تصلح معه أن تكون متنًا ينهل منه طلاب العلم في ابتداء الطلب، إلى جانب تقدمها في زمان التأليف، خصوصًا في كتب المذهب، وكون كاتبها إمام عَلَم من أصحاب الإمام أحمد وحاملي مذهبه. وقد قام المحقق بإفراد هذه المقدمة الأصولية في كتاب منفصل لتلك الأهمية البالغة، وسماها- اجتهادًا- بما وصفها به مؤلفها ابن أبي موسى في أولها: « الأصول التي عليها مدار الفقه ». وقد مهَّدَ لها بمبحثين: المبحث الأول: ترجمة الإمام ابن أبي موسى رحمه الله. المبحث الثاني: التعريف بالمقدمة الأصولية لابن أبي موسى "الأصول التي عليها مدار الفقه". ولعل في إفراد هذه المقدمة وشرحها ما يحقق المقصود بالمساهمة في تقريب علم أصول الفقه عند السلف. ولا ريب أن إفراد مقدمة الشريف ابن أبي موسى هي إضافة للكتب الأصولية المتقدمة والتي على ما هي عليه متون مختصرة لأصول أصول الفقه عند الحنابلة رحمهم الله تعالى. وهذه المقدمة مشتملة مع وجازتها واختصارها على جل مباحث الأصول في قواعده الكلية؛ فهي كما وصفها ابن أبي موسى أنه ذكر فيها الأصول التي عليها مدار الفقه. ولذا فهي مرشحة لأن تكون من المتون الأصولية على مذهب الحنابلة التي تُشرَح لطلاب العلم المبتدئين. كما أن هذه المقدمة - كما هي متن أصولي حنبلي - فهي أيضًا كاشفة عن آراء وترجيحات الإمام ابن أبي موسى والتي هي من المحل العلمي بمكان، فالحفاوة بها لا تقل عن الحفاوة بآرائه الفقهية لجلالة قدره وعلو كعبه في العلم خصوصًا مذهب الحنابلة. ولذا كانت هذه المقدمة "زبدة مختصرة فيها تقرير للأصول الفقهية على مذهب الحنابلة" . وبتأمل هده المقدمة نكتشف شيئًا من منهج ابن أبي موسى فيها، والتي هي في جملتها مزايا ومحاسن فيها، ومن أهمها: أولًا : أجمل ما يعبر عن هذه المقدمة، ويصفها قول ابن أبي موسى نفسه في عنوان الباب الذي حواها « ذكر الأصول التي عليها مدار الفقه وما في معنى ذلك »، ولعل هذه الجملة من العنوان تعبر بجلاء عن مضامين هذه المقدمة وما تحويه، فهي مخصوصة بأصول الفقه التي يُبنى عليها الفقه. ثانيًا : المقدمة مختصرة فهي أشبه بالمتن الأصولي المختصر، ولذا حوت أصول الأصول ورؤوس المسائل فيه دون تفصيل وبيان. ثالثًا : كان لابن أبي موسى عناية بالحدود والتعريفات، ولكنها كانت على طريقة المتقدمين بما يقرب المعرَّف ويميزه عن مشابهه، بعيدًا عن التكلف والاغراق اللفظي. رابعًا : كانت عناية ابن أبي موسى في هذه المقدمة بالأدلة المتفق عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس وبعض أحكام الدلالات اللفظية كأنواع الكلام والحقيقة والمجاز والنسخ والمطلق والمقيد والأمر والنهي والمجمل، مع عناية متميزة بأحكام العام والخاص. خامسًا : لكون المقدمة جاءت باختصار فإن ابن أبي موسى قليلًا ما يستدل لما يقرره، ولم يكن يعرض للخلاف في المسائل إلا ما ندر. سادسًا : مع صغر حجم هده المقدمة الأصولية إلا أن ابن أبي موسى اهتم بالتمثيل لما يقرره من القضايا الأصولية وبتكثير الأدلة في بعض المواضع، وبخروج عن الأمثلة المألوفة والمكررة عند المؤلفين من الأصوليين، مما يعين على إدراك مسائله للمبتدئين ويثري المسألة بأمثلة مما لم يكن من المكرور. وقد قام د. " عبد العزيز بن محمد بن ابراهيم العويد " بمراجعة مخطوطة الكتاب الوحيدة للتثبت، مع عزو الآيات القرآنية وتخريج الأحاديث النبوية، وشرح المقدمة بتقسيمها إلى مقاطع حسب موضوعاتها، مع سلوك مسلك الشرح البياني التحليلي المقرب لكلام ابن أبي موسى ومقاصده من الكلام، والعناية ببيان وجه الدلالة بما يستدل به ابن أبي موسى من الآيات والأحاديث، وبيان وجه التمثيل فيما يمثل به. مع ذكر أدلة لما لم يستدل له مما يقرره من القضايا الأصولية يما لا يزيد عن ثلاثة أدلة، مع بيان وجه الاستدلال بها للقضية. وذكرَ أمثلة لما لم يمثل له، وبيان وجه التمثيل، مع عرض للخلاف في المسألة الأصولية فيما فيه خلاف واضح ومشهور مع نسبة الأقوال وشيء من أثر الخلاف. وتوج المحقق الشرح بنقولات محققة لأئمة محققين من العلماء كالإمام الشافعي والقاضي أبي يعلى وشيخ الإسلام ابن تيمية والشاطبي. كما أضاف في الشرح للمسائل - التي يعرض لها ابن أبي موسى - بعض أحكامها المهمة عند الأصوليين بشكل مختصر وبالقول الراجح فيها. أما عن المصنف فهو " محمد بن أحمد بن أبي موسى الشريف، أبو علي الهاشمي البغدادي " (345 - 428 هـ = 957 - 1037 م) قاض، من علماء الحنابلة. من أهل بغداد، مولدًا ووفاة. كان أثيرًا عند الإمامين القادر باللَّه والقائم بأمر الله العباسيين، له حلقة في جامع المنصور. وبلغ الإمام ابن أبي موسى منزلة علية في العلم خصوصًا في رواية الحديث وفي الفقه مع عنايته بمذهبه الفقهي مذهب الحنابلة. أما في الحديث فكان من أهل الرواية الذين أخذ عنهم الحديث، فقد روى عنه وكتب عنه محدثون أعلام كالخطيب البغدادي حيث قال في تاريخ بغداد: ((كتبتُ عنه وكان ثقة)). كما روى عنه القاضي أبو يعلى. أما الفقه فليس من ريب أنه من أئمة الفقه على مذهب الإمام أحمد، ومن شيوخ المذهب ومقدميهم، بل أحد أئمة الحنابلة كما قاله ابن كثير. وعده ابن الجوزي في كتابه مناقب الإمام أحمد في الطبقة الرابعة من أصحاب الإمام. وقال: "هو أحد أصحاب أحمد بن حنبل". بل هو كما قال الذهبي: "شيخ الحنابلة وعالمهم". وقال في موضع آخر في نعته: "ومن إليه انتهتْ رئاسة المذهب". ولعل مما يظهر منزلة ابن أبي موسى العلمية خصوصًا في الفقه ما يظهر من كثرة النقول عنه في كتب المذهب مما يحكيه رواية في المذهب، أو نقل آرائه الفقهية واختياراته، سواء مما هو في كتبه أم من عموم المروي عنه، مما هو مبثوث في كتب المذهب ككتاب " الهداية " لأبي الخطاب و" المحرر " لمجد الدين ابن تيمية و" المغني " و" الكافي " لابن قدامة و" الإنصاف " للمرداوي وغيرها. ولعل مما يبين علو منزلة ابن أبي موسى العلمية كثرة النقول عنه من أقواله وروايته، ووصف شيخ الإسلام ابن تممية له بقوله: "وهو ممن يعتمد نقله". ولما عدد ابن القيم أنواع المجتهدين وذكر منهم المجتهد المقيد في مذهب إمامه ذكر أن ممن نسب لهذا من الحنابلة أبو يعلى وابن أبي موسى. ومن مصنفاته: • "الإرشاد إلى سبيل الرشاد" كتاب في الفقه على مذهب الإمام أحمد رحمه الله. • "شرح كتاب الإرشاد". • "شرح مختصر الخرقي"؛ وهو مختصر يعد من أبرز متون الفقه الحنبلي المتقدمة قام بشرحه والتعليق عليه. • كتاب "الآداب" عزاه إليه ابن مفلح في مقدمة كتابه "الآداب الشرعية". |
التَّعريف بما خطَّه العلَّامة ابن العطَّار بشِماله من التَّأليف الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فإنَّ أخبار أهل العلم الرَّبَّانيِّين مَعينٌ لا ينضب في تربية النَّفس على تحمُّل الـمُلمَّات في سبيل الغايات النَّبيلة، وترويضها على تحويل المحنة مِنحًا، وترغيبها على التأسِّي بذوي التَّضحيات والبصمات والعَزَمات، حتَّى تسمُوَ إلى أعلى الدَّرجات وأشرف المقامات، وتُرضي ربَّ الأرض والسَّماوات، ومن النَّماذج المشرقة في هذا الباب: ما جاء في ترجمة الإمام العلَّامة علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن سَلْمان بن سُليمان بن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي (654 هـ - 724 هـ) رحمه الله تعالى، أنجب تلامذة الإمام محيي الدِّين النَّووي (المتوفى 676 هـ) الذي كان يُقال له: مختصَر النَّووي، أو المختصَر، أو النَّواوي الصَّغير، أنَّه أُصيب بمرض الفَالِج [1] سنة 701 هـ [2] ، وعمره وقتها 47 سنة تقريبًا، فكان يمشي بمشقَّة، ثمَّ عجز، وانقطع [3] ، فتعطَّل به عن التَّصرُّف في جانبه الأيمن من بدنه، وبقي مُقعدًا [4] أزيد من 20 سنة إلى وفاته [5] . ومع ذلك كلِّه لم يقف هذا المرض المُزمن عائقًا أمامه - بفضل الله تعالى - في مواصلة مسيرته العلميَّة، ورسالته الدَّعوية، بل ازداد همَّةً وعزيمةً في شهود الجُمع والجماعات والتَّدريس، فكان يُحمل في محفَّة، ويُدار به إلى الجامع والمدارس [6] . ومن عظيم إكرام الله تعالى له وجميل لُطفه به أن قوَّى يده الشِّمال، فكَتَبَ بها ما لا يحصى من التَّأليفات والفتاوى والدَّواوين، وطباق السَّماع إلى آخر حياته. قال تلميذه وأخوه من الرَّضاعة الحافظ الذَّهبي (المتوفى 748 هـ) [7] : «وكَتَبَ كثيرًا بالشِّمال ؛ « ا.هـ. وقال تلميذه المحدِّث ابن جابر الوادي آشي (المتوفى 749 هـ) [8] ، وكان قدومه إلى مدينة دمشق سنة 722 هـ قبل وفاة ابن العطَّار بسنتَين: «وأصابَهُ ألمٌ تعطَّلَ به عن التَّصرُّف، وبقي مُقعدًا، ولكن قوَّاهُ الله، فكَتَبَ بشِمالهِ الدَّواوين، وهو الآن يَكتبُ بها الفتاوي. قَالَ لي: ما كَتَبتُ بها قبلَ هذا الألم قطُّ، فلله الحمدُ أن متَّعني بالكَتبِ بها « ؛ ا.هـ. مكتبة دير الإسكوريال، رقم (1726)، [33/ أ]، برنامج الوادي آشي مكتبة قرة حصار، رقم (6/ 17517)، [115/ أ] أوَّلًا: اسم ابن العطَّار ونسبه بخطِّه بيدَيه اليُمنى ثمَّ اليُسرى: اسمه ونسبه بخطِّه بيده اليُمنى سنة 668 هـ: دار الكتب الظَّاهريَّة، رقم (117)، [167/ أ] اسمه ونسبه بخطِّه بيده اليُسرى سنة 706 هـ: مكتبة المسجد الأقصى المبارك، رقم (62) (ف 95)، [35/ أ] ثانيًا: ما وقفتُ عليه من خطِّ ابن العطَّار بيده اليُمنى قبل إصابته بمرض الفالج: شوال سنة 668 هـ: دار الكتب الظَّاهريَّة، رقم (117)، [202/ ب] صفر سنة 669 هـ: مكتبة برنستون، رقم ( 350Y )، [8/ أ] ربيع الآخر سنة 669 هـ: مجاميع المدرسة العمرية بالظَّاهريَّة، مجموع رقم (2)، [50/ أ] جمادى الآخرة سنة 669 هـ: مجاميع المدرسة العمرية بالظَّاهريَّة، مجموع رقم (2)، [41/ أ] شعبان سنة 669 هـ: مجاميع المدرسة العمرية بالظاهرية، مجموع رقم (82)، [181/ أ] جمادى الأولى سنة 675 هـ، من نسخه للجزء الثَّاني من روضة الطَّالبين لشيخه النَّووي في حياته: مكتبة تشستربيتي، رقم (3255/ 2)، [151/ أ] ربيع الآخر سنة 679 هـ: مجاميع المدرسة العمرية بالظَّاهريَّة، مجموع رقم (2)، [77/ ب] شوال سنة 689 هـ: مكتبة تشستربيتي، رقم (4909)، [3/ أ] محرم سنة 690 هـ: مجاميع المدرسة العمرية بالظاهرية، مجموع رقم (82)، [181/ ب] سنة 690 هـ: المكتبة الوطنية بباريس، رقم (1289)، [225/ أ] ذو القعدة سنة 692 هـ: مجاميع المدرسة العمرية بالظاهرية، مجموع رقم (27)، [137/ أ] صفر سنة 695 هـ: مكتبة تشستربيتي، رقم (4962)، [229/ ب] ثالثًا: نماذج من خطِّ ابن العطَّار بيده الشِّمال بعد إصابته بمرض الفالج سنة 701 هـ: رمضان سنة 706 هـ: مكتبة المسجد الأقصى المبارك، رقم (62) (ف 95)، [35/ أ] شوال سنة 706 هـ: مكتبة تشستربيتي، رقم (3049)، [279/ أ] ذو الحجة سنة 706 هـ: المكتبة الأزهرية، رقم (خصوصي: 4687-عمومي: 69599)، حديث، [1/ أ] ذو الحجة 711 هـ: دار الكتب الظَّاهرية، رقم (81)، [199/ ب] رجب 712 هـ: مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524)، [242/ ب] جمادى الآخرة 713 هـ: دار الكتب الظَّاهرية، رقم (7164)، [12/ ب] ويتبيَّن من خلال المقارنة بين نماذج خطوط ابن العطَّار بأنَّه «كان خطًّا فائقًا مجوَّدًا قبل أن يُفلج، ظهر عليه أثر المرض بعد ذلك، وصار أضعف من خطِّه الأوَّل»؛ ا.هـ [9] . رابعًا: المؤلَّفات والفتاوى التي خطَّها ابن العطَّار بشِماله [10] : 1-«كتاب الفتاوى»: يتضمَّن فتاوى سُئل عنها أواخر سنة 704 هـ إلى 706 هـ. 2-«فتوى المكوس وحكم فاعلها وإقرارها وما يجب فيها لإزالتها»: وهي موجودة ضمن «كتاب الفتاوى» ضمن مسائل سنة 706 هـ، وأفردَها في جزء مستقل. 3-«فتوى عن قوم من أهل البدع يأكلون الحيَّات والضَّفادع وينزلون النِّيران ويؤاخون النِّساء والصِّبيان وغير ذلك»: سمعها النَّاسخ وآخر معه من لفظه يوم السَّبت 23 من شهر ذي القعدة سنة 706 هـ، مطبوعة. 4-«فتوى في رجل يجهر بالنِّيَّة»: سُئل علماء الدِّين بالدِّيار المصريَّة سنة 708 هـ عن هذه المسألة، فأفتى فيها عددٌ من أهل العلم، مثل: ابن تيميَّة، وسليمان الزرعي، ومحمَّد بن أبي القاسم التُّونسي، وابن العطَّار، مطبوعة. 5-«تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين»: ابتدأ في تبييض التَّرجمة في منتصف شهر شعبان سنة 708 هـ، مطبوع. 6-«كتاب الاعتقاد الخالص من الشَّكِّ والانتقاد»: فرغ منه عشية الاثنين 13 من شهر محرَّم سنة 709 هـ، مطبوع. 7-«كتاب أحكام النِّساء»: فرغ منه يوم الاثنين 6 من شهر شعبان سنة 710 هـ، مطبوع. 8-«الجزء المسلسل بالأوَّليَّة والكلام عليه»: أملاه يوم الأربعاء 2 من شهر جمادى الأولى سنة 712 هـ، مطبوع. 9-«كتاب العُدَّة في شرح العُمدة»: فرغ منه صبيحة يوم السَّبت 17 من شهر ربيع الآخر سنة 713 هـ، مطبوع. 10- «فتوى في قوم تسمَّوا بالفقر وتلبَّسوا بالسَّماع والرَّقص على الدُّف في المساجد والزَّوايا وغير ذلك»: سُئل علماء الدِّين بمدينة دمشق سنة 715 هـ عن هذه المسألة، فأفتى فيها عدد من أهل العلم، مثل: إبراهيم بن علي بن عبدالحق الحنفي، وعبدالرَّحمن بن نصر بن عُبيد الحنفي، وابن العطَّار، مطبوعة. 11- «كتابُ حكم صَوْم رجب وشعبان، وما الصَّوابُ فيه عند أهل العلم والعِرفان، وما أُحدِث فيهما وما يترتَّب من البدع التي يتعيَّن إزالتُها على أهل الإيمان»: ابتدأَهُ يوم الثُّلاثاء 10 من شهر جمادى الآخرة سنة 713 هـ، وفرغ منه صبيحة يوم السَّبت 21 من شهر جمادى الآخرة سنة 713 هـ، وهذا الكتاب لا يزال محفوظًا كاملًا بخطِّه، مطبوع. 12-«كتاب في أحكام الموتى في غسلهم وتكفينهم ودفنهم والتَّعزية عليهم»: قُرئ عليه في مجالس آخرها يوم الجمعة 5 من شهر جمادى الأولى سنة 717 هـ، مطبوع. 13-«كتاب في فضل زيارة القبور وأحكام المقبول منها والمحذور والمشروع المعروف والمنكور، وما يتعلَّق بذلك من المحدثات المؤدِّيات إلى الآثام والفجور»: قُرئ عليه في مجالس آخرها يوم الجمعة 29 من شهر رجب سنة 717 هـ، مطبوع. هذا والله أعلم. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. [1] الفَالِج: مرض يحدث في أحد شقَّي البدن طُولًا، فيُبطل إحساسه وحركته، وهو ما نسمِّيه اليوم بالشَّلل النِّصفي؛ انظر: «المصباح المنير » (2/ 480)، و«تاج العروس » (6/ 159)، و«معجم اللغة العربية المعاصرة » (3/ 1738). [2] «ذيل تاريخ الإسلام » (ص 283)، و«ذيل العبر » (4/ 71)، و«المعجم المختص بالمحدثين » (ص 157)، و«تذكرة الحفاظ » (4/ 198)، و«معجم شيوخ الذهبي الكبير » (2/ 7)، و«أعيان العصر » (3/ 247)، و«الوافي بالوفيات » (20/ 11)، و«ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين » (ص 198)، و«الدرر الكامنة » (4/ 5). [3] «ذيل تاريخ الإسلام » (ص 283)، و«ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين » (ص 198). [4] «برنامج الوادي آشي » (ص 91). [5] «ذيل العبر « (4/ 71)، و«أعيان العصر » (3/ 247)، و«الوافي بالوفيات » (20/ 11). [6] «المعجم المختص بالمحدثين » (ص 157)، و«أعيان العصر » (3/ 247)، و«الوافي بالوفيات » (20/ 11)، و«الدرر الكامنة » (4/ 5). [7] «ذيل تاريخ الإسلام « (ص 283)، ونحوه في «ذيل طبقات الفقهاء الشافعيين » (ص 198)، وفي «أعيان العصر » (3/ 248): «وكان يكتبُ بيده اليُسرى ا.هـ، وفي «الدرر الكامنة » (4/ 5): «وكَتَبَ بشِماله مدَّة » ا.هـ. [8] «برنامج الوادي آشي « (ص 91). [9] «معرفة خطوط الأعلام في المخطوطات العربيَّة: قواعد ونماذج « (ص 44)؛ للشَّيخ المفيد محمَّد بن عبدالله السّريِّع، وأخصُّ فضيلته بالشُّكر الجزيل على النَّماذج النَّفيسة التي أكرمني ويكرمني بها، جزاه الله خير الجزاء، ولا حرمنا دُررَه. [10] أثبتُّ هنا: ما نصَّ ابن العطَّار على تاريخ فراغه منها، وفتاويه المحدَّدة بالسَّنوات، ومؤلَّفاته التي لم أقف على تاريخ فراغه منها، لكنَّها قُرئت عليه بعد عدَّة سنوات من إصابته بالفالج، وهذه الكثرة الوافرة من آثاره تؤكِّد دقَّة كلام الحافظ الذَّهبي أعلاه. |
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (137) 1- كنز الرواة المجموع من درر المُجاز ويواقيت المسموع، أو: مقاليد الأسانيد، لأبي مهدي الثعالبي، تحقيق أ.د عواد الخلف، أ.د قاسم علي سعد، مطبوعات جامعة الشارقة. 2- مجموع حديثي، فيه:( إحياء الخلوات والجلوات بما روي في التكبير عقب الصلوات، التدوين لتخريج حديث الدواوين، تيسير الغفور الودود بما روي في التهنئة بالمولود، الإخبار بما جاء في السنة من الأخبار أن المدينة قليلة الطعام والأمطار)، كتبه د. بدر بن محمد الأحمدي، دار الميمنة. 3- أوهام أصحاب الزهري (مالك بن أنس، سفيان بن عيينة، عقيل بن خالد، يونس بن يزيد، محمد بن الوليد الزبيدي)، تأليف د. أبي الحسن علي بن جاد الله، دار اللؤلؤة. 4- أوهام سفيان بن عيينة في حديث الزهري، تأليف أسامة عبدالعاطي أحمد، دار اللؤلؤة. 5- جامع بيان العلم وفضله، لابن عبدالبر، طبعة جديدة محققة على خمس نسخ خطية، بتحقيق نشأت المصري، روائع الكتب، مرآة الزمان، 3ج. 6- رجال الصحيحين في ميزان أئمة الجرح والتعديل، دراسة استيعابية، تأليف أ.د علي عبدالباسط مزيد، مكتبة السنة، (رسالة دكتوراه)، ٢ ج. 7- المستخرج على صحيح البخاري، لأبي نعيم الأصبهاني، طبعة جديدة بتحقيق إيهاب بن إسماعيل بن محمد، مكتبة العلوم والحكم. 8- المستخرج على صحيح البخاري، لأبي حفص البجيري، تحقيق أبي عمر محمد بن علي الأزهري، الفاروق الحديثة للنشر، 2ج. 9- الموطأ، للإمام مالك، برواية القعنبي، مقارنة برواية أبي مصعب الزهري، طبعة فيها استدراك وزيادات على الطبعة السابقة، اعتنى بها عمر بن أحمد الأحمد آل عباس، جمعية دار البر، دبي. 10- جزء من مسند أبي أمية الطرسوسي، روى فيه أحاديث عن أبي هريرة، رضي الله عنه، تحقيق حسين سليم أسد، مرهف حسين اسد، دار المعراج. 11- مختصر المجروحين لابن حبان، لشمس الدين البعلي الحنبلي، تحقيق د. محمد سعيد عبدربه، د.فيص بن إبراهيم السويدي، دار اللؤلؤة. 12- مختصر الصحيحين، بلفظ مسلم في الأحاديث المتفق عليها، جمعه د. وليد بن عبدالرحمن الحمدان. 13- المجموعة العلمية للحافظ ابن رجب، وتتضمن: مقدمة مشيخة الحافظ ابن رجب، بيان فضل علم السلف على علم الخلف، تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، شرح حديث أبي الدرداء في فضل العلم والعلماء، الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة، تحقيق سامي جاد الله، عبدالعزيز الخباني، دار المحدث، دار الأوراق. 14- حواشي ابن حجر على تنقيح الزركشي، تجريد الإمام السخاوي، تحقيق د. محمد علي عطا، معهد المخطوطات العربية. 15- المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم: لم يصح شيء في هذا الباب، طبعة جديدة محققة على أربع نسخ خطية، تحقيق ليث بن أمين العلواني، دار العمدة. |
نقلٌ نادرٌ مِنْ كتاب "القول المُبين في ترجمة القاضي عضد الدين" المفقود للسخاوي مِنْ كتبِ الإمام الحافظ المؤرِّخ محمد بن عبدالرحمن السخاوي (831-902): "القول المُبين في ترجمة القاضي عضد الدين" ، ذكرَه لنفسه في أكثر مِنْ موضع، ومِنْ ذلك في ترجمته لنفسه "إرشاد الغاوي بل إسعاد الطالب والراوي للإعلام بترجمة السخاوي" [1] . ولم تُذكر له نسخة [2] . وقال في "وجيز الكلام" عند ترجمة العضد: «أفردتُ ترجمته بالتأليف، وحقَّقتُ موته فيها خلافًا للأسنوي وغيره» [3] . وبيَّنَ في "الضوء اللامع" في ترجمة حسين بن أحمد بن محمد الكيلاني ثم المكي الشافعي المعروف بابن قاوان (842-889) أنه ألَّفه بسؤاله، قال: «وأفردتُ للعضد ترجمةً بسؤاله» [4] . وكان فاضلًا يأنسُ به فقد قال في ترجمته أيضًا: «وكان كثيرَ الطواف والعبادة والأوراد مع خشوعٍ وأدبٍ بحيث كنتُ أستأنسُ برؤيته، محبًّا في الفضائل والفضلاء مُكرمًا لهم حسب استطاعته» [5] . وقد وقفتُ على نقلٍ مهمٍّ نفيسٍ مِنْ هذا الكتاب في "كنز الرواة المجموع مِنْ درر المجاز ويواقيت المسموع" للإمام العلامة أبي مهدي عيسى بن محمد الثعالبي الجعفري الجزائري المكي (1020-1080) [6] ، فقد نقلَ منه في ترجمة القاضي العضد حين ذكرَ كتابه "شرح مختصر ابن الحاجب"، فأحببتُ إظهارَه ولفتَ النظرِ إليه، ففيه فوائد مهمة لاسيما تصحيحه ما شاع مِنْ وفاة القاضي العضد مسجونًا، وطريق السخاوي في رواية شعره ومؤلفاته. والسخاوي مصريٌّ جاور في الحرمين، وحدَّث بهذا الكتاب في مكة [7] ، والثعالبي جزائري جاور في مكة، وقام برحلة مهمة إلى مصر، ومن المرجَّح أنه رأى هذا الكتاب في مكة، وقد كانت نسخة منه عند عز الدين ابن فهد الهاشمي المكي [8] ، ويُحتمل أنه رآه في مصر. وهذا هو النقل. ♦ ♦ ♦ قال الثعالبي - رحمه الله [9] -: «فاشية مِنْ خبرهِ [أي خبر العضُد] [10] : قال الحافظ شمسُ الدين محمد بنُ عبدالرحمن السخاوي في جزءٍ له مفردٍ في "ترجمته" : هو الإمامُ العلامةُ الحجةُ، المدقِّقُ المحقِّقُ، قاضي القضاة، عضد الدين، أبو الفضائل، عبدالرحمن، ابن قاضي القضاة ركن الدين أحمد بن برهان الدين عبدالغفار بن أحمد الصدِّيقي، البكري، الشيرازي، الإيجي - بهمزة مُمالة، فمثناة تحتية ساكنة، بعده جیم - نسبة إلى إيج، بلدة مِنْ نواحي شیراز، وبعضُ العامة يبدل الجيم کافًا، الشافعي. مولدُه بعد سنة ثمانين وست مئة على ما ذكرَه السبكي، واشتغلَ على مشايخ عصره، كالقطب محمد بن مسعود بن محمود السيرافي، ولازمَ زينَ الدين الهنكي تلميذ القاضي ناصر الدين البيضاوي، وتقدَّمَ في العقليات، وعُرِفَ بإتقان الأصلين، والمعاني والبيان والنحو، وشاركَ في غيرها. انتفعَ به أكابرُ الفضلاء، كالشمس الكِرْماني، والأبهُري، وغيرِهم، وأدرجَ فيهم الحافظُ ابنُ حجر [11] سعدَ الدين التفتازاني. قال السخاوي: وذكرَ بعضُ فضلاء الإيجيين عن مشايخهم أنَّ السعدَ لم يجتمعْ بالعضد، وإنما وصلَ إليه "شرح المختصر" من الكرماني. صنَّفَ التصانيفَ المفيدةَ المنقَّحةَ کـ "المواقف"، ومختصره "الجواهر"، ومختصره "العيون"، و"عقيدة" مختصرة، و"تحرير الأربعين"، و"المحصَّل"، و"نهاية العقول"، و"شرح الطوالع"، و"المنتخب مِنْ أصول ابن الحاجب"، و"شرح مختصر ابن الحاجب"، و"تحرير المنتخب"، و"الرسالة الوضعية"، و"شرح المفتاح في المعاني والبيان"، و"منتخب المفتاح"، سمّاه "الفوائد الغياثية"، و"منتخب العين في المنطق"، و"تقريب الصحائف"، و"شرح المصابيح" للبغوي، ويُنسبُ له "تفسیر" مختصر، وغير ذلك. قال العفيفُ المطري: ليس له في تلك الأقاليم نظيرٌ في مجموعِ علومهِ وسيادتهِ وتقدُّمهِ وأصالتهِ ورئاستهِ، وهو رئيسُ الشافعية على الإطلاق بتلك الديار. جمعَ فنونَ المعقول والمنقول، مع الذكاء والفهم والبراعة، يُضرَب به المثلُ في ذلك كلِّه. قال: "وكان يُرجَّحُ في المعقول على الإمام فخر الدين الرازي، مع السعادةِ الوافرةِ، والمالِ الواسعِ، والإنعامِ على طلبةِ العلمِ والوافدين عليه". وله النظمُ البديع، فمِنْ ذلك قوله: قمرٌ بدا مِنْ فوق غصن البانِ أم وجهُ ذاك الأهيف الفتّان؟ لعب الشمولُ بقدِّه فأماله لعبَ الشمال بقدِّ غصن البانِ لمّا رأى طيفَ الخيال يسرُّني سلبَ الرقاد بطرفهِ الوسنانِ ما ضرَّه لولا شكاسةُ خلْقه لو نلتُ منه نظرةَ العجلانِ وله أيضًا: أنت أعلى مِنْ أنْ تُهنّى بعيد أو بيومٍ من الزمانِ جديدِ بكَ يا سيدَ الأنامِ يُهنّى كلُّ عيد وكلُّ يومٍ سعيدِ قال السخاوي: أروي هذه المقطَّعات وسائرَ تصانيفه عن العلامة أبي الفضل ابن نصر الله البغدادي، ثم القاهري الحنبلي إذنًا عن الشمس الكِرماني عن العضد. ثم قال: قال السبكي [12] : "تُوفي مسجونًا بقلعة دِيرَيْمِيان -بدال مهملة مكسورة، فمثناة تحتية، فراء مفتوحة، فمثناة تحتية ساكنة، فميم مكسورة، فمثناة تحتية، بعدها ألفٌ نون- غضبَ عليه صاحبُ كرمان فحبسَه بها فاستمرَّ محبوسًا إلى أنْ مات سنة ست وخمسين وسبع مئة". قال: -وتبعه شيخُنا الحافظُ [13] -، ونُقِلَ إلى إيج، ودُفِنَ بمدرسته هناك. وكذا عند العفيف المطري، وزادَ: في السابع والعشرين مِنْ شهر رمضان. قال: وكلُّ هذا غلطٌ، فقد سمعتُ غيرَ واحد من تلك النواحي ينكرون كونَه مات مسجونًا، وإنما مات حالَ كونه قاضيًا في بلده [14] نَيريز [15] ، ثم نُقِل منها إلى إيج -وبينهما ثمانية فراسخ- ودُفِنَ بمدرستهِ منها”. انتهى. [1] انظر: (ص 562). [2] انظر: "مؤلفات السخاوي" للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان وأحمد شقيرات (ص 134-135)، و(ص 528) من الطبعة الثانية. [3] "وجيز الكلام" (1 /83). بإفادة المرجع السابق. [4] "الضوء اللامع" (3 /137). بإفادة المرجع السابق. [5] "الضوء اللامع" (3 /137). [6] تحقيق: أ. عبدالعزيز دخان، ومشاركة: أ. عواد الخلف، وأ. قاسم علي سعد، جامعة الشارقة، الطبعة الأولى، 1441-2020. [7] "إرشاد الغاوي" (ص 225). بإفادة "مؤلفات السخاوي" ط2، (ص 528). [8] "إرشاد الغاوي" (ص 569). بإفادة "مؤلفات السخاوي" ط2، (ص 528). [9] "كنز الرواة المجموع مِنْ درر المجاز ويواقيت المسموع" (ص 260-262). [10] جرتْ عادة الإمام الثعالبي أنْ يُعنون للتراجم التي يسوقها في كتابه هذا، وله في ذلك طرائف، وقد يكرِّرُ بعضَ العناوين، وهذا ما قاله هنا: "فاشية مِنْ خبره"، ولم أجده في موضع آخر، وليُحرَّر. [11] في "الدرر الكامنة" (3/110). من إفادة محققي "الكنز". وأتوقَّع تصرُّفًا من الثعالبي في العبارة هنا، ولعل أصلها: وأدرجَ شيخُنا الحافظ. [12] في "طبقات الشافعية الكبرى" (10/47). من إفادة محققي "الكنز". [13] في "الدرر الكامنة" (3/110). من إفادة محققي "الكنز". [14] كذا في المطبوع، ولعلها: بلدة. [15] بلد من نواحي شيراز. "معجم البلدان" (5/331). |
العقود الذهبية على مقاصد العقيدة الواسطية لسلطان العميري صدر حديثًا كتاب " العقود الذهبية على مقاصد العقيدة الواسطية "، تأليف: د. " سلطان بن عبدالرحمن العميرى "، أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى، في مجلدين، نشر " دار مدارج للنشر ". وهو شرح مفصل على مقاصد "ا لعقيدة الواسطية" ومضامينها الأساسية، يهدف إلى بيان أصول مذهب أهل السنة والجماعة، وأصول الطوائف العقدية الأخرى التي انحرفت عن الطريق القويم، وهو شرح لأصول الموضوعات التي اشتملت عليها " الواسطية " لابن تيمية، مع المرور على المقالات والعبارات التي ذكرها ابن تيمية فيها. وقد حرص الكاتب في هذا الشرح على جملة من الأمور: الأمر الأول : التركيز المكثف على الجوانب المنهجية المتعلقة بمناهج الاستدلال وتحليل الأقوال وتحديد مقدماتها وطريقة محاكمتها، وغيرها. الأمر الثاني : الحرص على بيان حقائق الأقوال الأساسية وربطها بأصولها المنهجية الكلية، والتمييز بين الجمل المعبرة عن آثار الأقوال وعن حقائقها الصلبة. الأمر الثالث : التعبير بالمصطلحات العلمية المناسبة التي تعين طالب العلم على الارتقاء بذائقته العلمية ومعرفته بما سيمر به في المصنفات العقدية. الأمر الرابع : إحضار النصوص الأساسية المعبرة عن حقائق الأقوال عند أصحابها، حتى يكون الدارس واقفًا بنفسه على الأقوال، ويقوم بتأملها وتحليلها ويستفيد منها في تطوير وثاقة معارفه العقدية. الأمر الخامس : الحرص على البدء بمنهج أهل السنة وتأسيسه في عقل الدارس قبل الدخول في غيره من المذاهب، وهذه منهجية بنائية لها أثر بليغ في البناء العلمي المؤصل. الأمر السادس : القصد إلى مناقشة أهم الأصول التي تقوم عليها المذاهب المنحرفة في أصول الأبواب القديمة، وبيان ما فيها من غلط، حتى يكون الدارس عارفًا بطريقة النقاش والنقد لما لم يذكر من الأصول الأخرى. الأمر السابع : الحرص على طرح أصول الإشكالات والاعتراضات الواردة على تقرير أهل السنة والجماعة، ومحاولة الجواب عليها تفصيلًا أو إجمالًا، بحيث أن الدارس للكتاب يتحصل على أكبر قدر من الحصانة ضد الاعتراضات الواردة على المذهب الحق، والتنبه لها ولو إجمالًا. الأمر الثامن : تخصيص عدد من القضايا المحورية بمزيد من التفصيل والتدقيق؛ لتكون أنموذجًا لما عداها من المسائل. الأمر التاسع : الالتزام باللغة العلمية والابتعاد عن اللغة المنافية لمسالكها، كالانتقاص والتعصب والعبارات الإنشائية واستعمال التراكيب العاطفية. الأمر العاشر : السعي إلى توثيق مذهب السلف من كلام الأئمة المتقدمين. الأمر الحادي عشر : عرض كيفية دراسة المسائل المركبة، وبيان المنهجية العلمية في تفهمها والبلوغ إلى التأصيل العلمي فيها، كما وقع في مسألة الصفات الاختيارية ومسألة الإيمان والقدر. الأمر الثاني عشر : الحرص على تصحيح كثير من المقالات المنسوبة غلطًا إلى عدد من الطوائف، كما ستراه في عدد من مقالات المعتزلة وغيرهم. الأمر الثالث عشر : الحرص على التنبيه على أهم القضايا العلمية والمنهجية والتربوية أثناء النقاش والشرح. الأمر الرابع عشر : القصد إلى إبراز كثير من الفروق الدقيقة بين المذاهب والمقالات المتقاربة. و"العقيدة الواسطية": كتاب مختصر جامع لعقيدة أهل السنة والجماعة من أسماء الله وصفاته، وأمر الإيمان بالله واليوم الآخر وما يتصل بذلك من طريقة أهل السنة العلمية، وسبب تأليفها أن بعض قضاة واسط - وواسط مدينة تقع بين الكوفة والبصرة في جنوب العراق سميت واسطًا لتوسطها بين الكوفة والبصرة - شكوا إلى شيخ الإسلام ابن تيمية ما كان عليه الناس من بدع وضلال، وطلب منه أن يكتب عقيدة مختصرة تبين طريقة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته، وغير ذلك مما سيُذكر في تلك العقيدة، ولذلك سميت العقيدة الواسطية. وتاريخ تأليف هذه العقيدة هو في سنة 698هـ. يدل على ذلك : أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما امتحن في رجب من سنة 705هـ، وجاء مرسوم السلطان من مصر إلى نائب السلطنة في بلاد الشام، وجمع نائب السلطنة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والقضاة والمفتين والعلماء المشهورين في بلاد الشام في تلك الفترة، وقال له: إن هذا المجلس عقد من أجل مسائلتك عن اعتقادك. أراد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بداية الأمر أن يملي لهم اعتقاده، فلما أملى عليهم شيئًا من اعتقاده توقف، وقال لهم: قد تقولون: إن الإنسان إذا أملى من حفظه أنه يداري ويداهن، لكنني سآتي لكم بعقيدة كتبتها قبل سبع سنين قبل دخول التتر لبلاد الشام، فجاء بالعقيدة الواسطية. وهكذا سماها شيخ الإسلام رحمه الله العقيدة الواسطية، فقرئت عليهم. أبواب هذه العقيدة: اشتملت هذه العقيدة على مجموعة من الأبواب، منها: الصفات، ووسطية أهل السنة، واليوم الآخر، والقدر، والإيمان، والصحابة وأهل البيت، وكرامات الأولياء، وطريقة أهل السنة في السلوك والعمل، فهذه العقيدة ليست خاصة بالصفات كما يظن بعض طلاب العلم، فإن بعض طلاب العلم عندما يبدأ بدراسة هذه العقيدة فإن أول باب يواجهه هو باب الصفات، ويظن أن هذا الكتاب خاص بالصفات، وهو ليس خاصًا بالصفات، فقد اشتمل على ثمانية أبواب من أبواب العقيدة، لهذا يعتبر هذا المختصر على صغر حجمه من أهم كتب العقيدة الشاملة والمركزة في هذه الأبواب. يقول الشيخ " عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي " في مقدمة شرحه " التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة ": «إن رسالة " العقيدة الواسطية " لمؤلفها شيخ الإسلام العلامة أحمد بن تيمية - قدس الله روحه - هي من أجل وأجمع وأوضح وأبسط ما كتب عن شرح أصول الإيمان على طريقة السلف الصالح، ومهما قيل عن سبب تأليفها وأنها كتبت في جلسة واحدة، أو لتلبية طلب بعض منتسبي أهل السنة، ورغبته في كتابة رسالة مختصرة مفيدة تكون نبراسًا له ومحجة؛ لئلا يضل الطريق، ومهما قيل أيضًا بصدد إهماله أو اختصاره لشرح بعض الأصول دون بعض، فإن ذلك كله لا يقلل من قيمتها، بل إنه السر الأكبر والمميز الوحيد لتفوق هذه الرسالة على ما عداها من رسائل كثيرة كتبت في أزمنة مختلفة، وبأقلام عدد من كبار أهل السنة والجماعة من بينهم المؤلف نفسه». |
حاشية على الروض المربع لمحمد بن سعيد بن غباش المري صدر حديثًا كتاب " حاشية الروض المربع "، للشيخ " محمد بن سعيد بن غباش المري " (ت 1388 هـ)، تجريد وتحقيق: " عمار بن سعيد المري "، نشر " دار طيبة الخضراء ". وه ي مجموعة من الحواشي والتعليقات والنكت والفرائد على نسخة الشيخ " محمد بن سعيد بن غباش المري " (ت 1388 هـ) عددها (284) تعليقة في مجلد لطيف كتبها على نسخته من: " الروض المربع " للبهوتي، وأصله " زاد المستقنع " للحجاوي، وحاشية أبا بطين على " الروض المربع "، وقد قام باستخراجها وتحقيقها وتنظيمها في مواضعها المحقق " عمار بن سعيد بن طوق المري ". وكتاب " زاد المستقنع " وشرحه " الروض المربع " من متون الفقه الحنبلي، وقد رغب فيهما طلاب العلم غاية الرغبة، لكونهما مختصرين لطيفين، ومنتخبين شريفين، حاويين جل المهمات، فائقين أكثر المطولات والمختصرات، بحيث إنه يحصل منهما الحظ للمبتدي، والفصل للمنتهي، وقد خدمها أكثر أهل العلم من الحنابلة، وتناولوهما بالشرح والتعقيب ووضع الحواشي والتعليقات والقيود، وممن زاد الحاشية زيادات يشار إليها بالبنان: محمد بن سعيد بن غباش بن مصبح بن زائد ابن صقر بن أحمد الحنبلي الأزهري، من علماء الإمارات المجهولين. ولد بالمعيريض في رأس الخيمة سنة 1323 هـ = 1905 م، وينتمي إلى عشيرة " آل بوراجح " من آل قيس، وهي بطن من قبيلة بني مرة. وكان لاشتغال والده بالتجارة أثر كبير في تيسير السبيل وتمهيد الطريق أمامه للسفر من أجل طلب العلم. ودرس في طفولته في الكتاتيب، حيث كانوا يدرسون فيها القرآن والأحاديث وعلوم الدين وقد ذكر الشيخ " ابن غباش " في مذكراته أنه تلقى علومه الأولى على يد الشيخ " أحمد حمد الرجباني " القادم من نجد، فدرس على يديه كتاب التوحيد، وتفسير الطبري، وأوائل كتاب دليل الطالب، لمرعي الكرمي، ومتن الرحبية في الفرائض، والمقدمة الآجرومية. وبعد أن أنهى ابن غباش دراسته على يد هذا العالم ألحقه والده بالمدرسة التيمية التي أنشئت في الشارقة. بعد ذلك عاد إلى رأس الخيمة، والتقى الشيخ " محمد بن عبدالله الفارسي "، فدرس عليه أيضًا. ثم هيأ الله له أن ينطلق، نتيجة تعلقه بالعلم وحب المعرفة، إلى الأزهر للدراسة فيه. فتلقى فيه العلم على يد أساتذة لهم باع طويل في العلوم، وتلقى العلم على يد كبارهم، فدرس الحديث والمصطلح، والفقه وأصوله، والصرف والنحو، وفنون البلاغة والعروض والقوافي، وفن الوضع، وآداب البحث والمناظرة، فبرع فيها، وكان من المتفوقين. تعليقة للشيخ ابن غباش رحمه الله على مقدمة تحقيق شرح أخصر المختصرات وجدت في مكتبة مسجد لولوة الزبن في منطقة بيان بدولة الكويت ثم عاد إلى مسقط رأسه في رأس الخيمة، ومارس القضاء خلال إقامته في وطنه، ولكنه انطلق في أثناء الحرب العالمية الثانية من رأس الخيمة إلى السعودية نتيجة تردي الأحوال، واشتغل في السعودية بالتدريس في مدرسة ثانوية الإحساء بالهفوف، ثم عين مساعدًا لرئيس محاكم الخبر. ثم دعي إلى قطر؛ ليتولى إدارة المعهد الديني، وبقي فيه إلى عام 1969م، ولكن القدر لم يمهله، فتعرض لحادث سيارة، نقل على أثره للعلاج في الهند، وهناك توفي بعد حياة حافلة بحب العلم والعطاء. ومصنفاته نادرة تعد على الأصابع منها: " مذكراته "، وبحث بعنوان " قبيلة الشحوح: بطونها، سكناها، لهجتها "، وهذه الحاشية التي نعرض لها، وحاشية أخرى على كتاب " دليل الطالب " للفقيه "مرعي بن يوسف بن أبي بكر الكرمي الحنبلي". خط العلامة ابن غباش المري من إحدى رسائله ونجد أن صورة العرض بالكتاب يذكر فيها المحقق " عمار بن طوق المري " مكان التعليق، ثم يذكر تعليقة الشيخ " ابن غباش "، ويظهر في تعليقات الشيخ " ابن غباش " تمكنه وفقهه، وعدم تقليده، بل سعة اطلاعه وتمكنه من أصل المسألة، بل وينتقدها في بعض الأحيان، ويضيف إليها على كلام الشيخين البهوتي والحجاوي، ويظهر في تعليقاته تأثره بأئمة الدعوة النجدية ومؤلفاتهم، ونقله عنهم في كثير من الأحيان كابن عتيق وعبد الرحمن بن حسن.. وغيرهم. العلامة ابن غباش المري كتب على نسخته وعمره حوالي ١٢ سنة ثم عاد وكتب عليها وعمره حوالي ٦٦ سنة كما نجد تنبيهات من الشيخ ابن غباش على المناهي اللفظية، والأخطاء العقدية، ولطائف الشيخ ابن غباش في هذه الرسالة منتقاة مختارة بعناية. ونجد أنه بعد التعليقات أحيانًا يضع اسمه ويقيد التعليقة باسمه " محمد بن غباش " وهي عادته في أغلب تعليقاته. وهي تعاليق متفرقة يظهر أنها لم تكتب في وقت واحد، بل كانت خلال فترة حياة الشيخ ابن غباش يقيد على الرسالة كل ما عنَّ له حين قراءة المصنف، وهذه الرسالة من مهمات طالب العلم الحنبلي، حيث يجب على طالب متتبع الفقه الحنبلي الاهتمام بكل ما كتبه أصحابه من الحنابلة، وأي مذهبٍ كان، في مذهب أصحابه، والعناية به، وقد اعتنى المحقق ببيان مواضع استشهادات الشيخ "ابن غباش" في الهوامش، إلى جانب إيضاح مراداته ومواقع كلامه. |
العبث مع المصطلح الذين نشؤوا منذ نعومة أظفارهم، نشأةً دينية قوية، قد لا يستسيغون استخدامَ الكلمة / المصطلح (الرَّب) إلا على الله تعالى، وتراهم يتردَّدون في النظر إليها، مستخدمة في غير ذلك، ولكنَّ الذين تعلَّموا الدين مع نشأتهم، وأضحوا علماءَ فيه، لا يجدون غضاضة في الاستخدام اللغوي - لا الاصطلاحي - للكلمة في أيِّ مقام تُطلق فيه، فهناك ربُّ الأسرة، وربَّةُ البيت، وأربابُ الأعمال، وربُّ الإبل؛ في حوار عبدالمطَّلب بن هاشم، جدِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أبرهة، ولا يرون في هذا الاستخدام أيَّ مزاحمة للإطلاق الاصطلاحي للكلمة، عندما يقال: الربُّ والإله يُقصد بهما الله تعالى لا غير، مع أنَّ لفظة الإله أضيَق في الاستخدام اللغوي من كلمة الربِّ؛ لِما للإله من معنًى لغوي فيه تقديس، ولا يقدَّس إلا الله تعالى. في التعبيرات الأجنبية، التي نقلها بعضُنا معهم، مع عودتهم إلى بلادهم الإسلامية، مما يدخل في هذا المفهوم - تعبير الإنجيل ( Bible ) لأيِّ دليل أو مرجع أو مصدر لمعلومة، يكثر الاستئناس به في مجال من المجالات، فتجد الواحد منهم يشير إلى هذا الدليل/ المرجع بأنَّه إنجيله، وهذا مأخوذ من خلفية دينية، لا شكَّ فيها، عندما يظهر المنصِّرون في الكنائس والأماكن العامَّة، وهم يتأبَّطون نسخة من الإنجيل، أو يضعونها أمامهم في مواعظهم، ويعودون إليها، يستشهدون بالآيات الإنجيلية. أضحى الإنجيل ملازمًا للمنصِّر في جميع تحرُّكاته الوعظية، الأمر الذي لا نراه في ثقافتنا الإسلامية القائمة على حفظ كتاب الله، وعدد من أحاديث المصطفى محمَّد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ يتلوها الواعظ/ الخطيب عن ظهر قلب، أو يروي الأحاديث كذلك، دون اللجوء إلى أنْ يتأبَّط كتابَ الله تعالى، وإنْ كنتُ قد رأيتُ بعض الوعَّاظ/ الخطباء المسلمين، حديثي العهد في الإسلام، يتأبَّطون ترجمة معاني القرآن الكريم، متأثِّرين في ذلك بخلفيَّتهم الدينية السابقة. مهما يكن من أمرٍ، فإنَّ هذا التجوُّز في الإطلاق قد لا يكون سائغًا، بل إنَّه لا ينبغي أن ينسحِب على القرآن الكريم، بحيث تجد أحدًا - لا قدَّر الله - يُومئ إلى مرجع علمي أو تقني بأنَّه قرآنه؛ إذ إنَّ القرآن واحد، لغةً واصطلاحًا، وهو من القدسيَّة عندنا، بحيث نتأدَّب معه، حتَّى من الناحية اللفظية، وقد أدعو - هنا - إلى عدم التأثُّر حتى في الاستخدام اللغوي للإنجيل، كما هو الحال في الثَّقافة الغربية، على الإطلاق الذي ذكرته؛ لما للإنجيل عندنا من تقدير كذلك، على اعتبار أنَّه كتابٌ سماوي، نزل على عيسى بن مريم عليهما السلام، والإيمان به جزء من أركان الإيمان لدى المسلمين. على أيِّ حال، إنَّ التأثُّر بالثقافة الغربية؛ من حيث مظاهرُها وسلوكياتُها لا يقف عند هذا الحدِّ، وقد ظهرَت فيه مؤلَّفات قيِّمة تستدعي الرجوع إليها في مظانِّها [1] . مما يدخل في هذا المفهوم، من حيث إطلاق مصطلحات دينية في غير ما اصطلحت عليه - مصطلح " السينت "؛ و" السينت " هو القدِّيس أو القدِّيسة، وبالأسباني "السانتا" للأنثى، وهي رتبة دينية، ومنزلة لا يرقى إليها إلا القليلون من المخلصين للكنيسة؛ بالخدمة والتنصير والعبادة، وإذا أرادوا أنْ ينعتوا شخصًا بالعفَّة والطهارة قالوا عنه: إنَّه سينت، بعيد عن الشهوات، والملذَّات، والانحراف غير الأخلاقي [2] ؛ كما يعبَّر عنه بأنه ملاك. لقد لفتَت هذه الكلمة ( Saint ) الانتباهَ بدعاية لأحد العطور في إحدى الصحف المحلِّية، وعادت الذاكرة إلى أيَّام البعثة، حينما كان الواحد منَّا يواجه هذه الكلمة كثيرًا، فتُسمَّى بأصحابها المدن والشوارعُ، والمعاهدُ والكلياتُ، والملابسُ والعطورُ، والجامعاتُ، وغيرها، بل إنَّ الأدوية سمِّيت بأسماء القدِّيسين؛ فهذا دواء مخفِّض للحرارة اسمه سينت جوزف ( القدِّيس يوسف )، يوصف للأطفال، بنكهة الفراولة المقبولة، التي تجعل الطِّفل يمضغ الحبَّةَ، دون أنْ يشعر أنَّها دواء، ويطلب المزيد، فتنخفض حرارته - بإذن الله - وقد وصفَه لابني أحد أطباء الأطفال هناك، ولأنَّ الطفل قد قبله تقبَّلتُ الدواء، وغضَضتُ الطَّرف عن الاسم، من باب المرونة والسماحة! وعندما عدتُ إلى الرياض توعَّكَتِ الطفلة، فأخذتُها إلى أحد الأطباء المشهورين، طبيب الأطفال الزامل، كما أذكره رحمه الله تعالى، فذكرتُ له اسمَ الدواء، فقال: إنَّ هذا وسيلةٌ من وسائل تقريب الرموز النصرانية إلى الأذهان، وكنتُ أظن أنِّي لو وقفتُ هذا الموقف لرُميت بالتزمُّت والتشدُّد والتشديد، وبالتالي التطرُّف والأصولية، بالمفهوم الدخيل للأصولية! [3] . ثم بحثتُ الموضوعَ بجديَّة، واسترجعتُ المواقف التي مررتُ بها؛ مثل ما مرَّ بها غيري من قِبَل حملات التنصير، وقرَّرتُ أنْ أكتب في ذلك كتابًا عن التنصير في مفهومه وأهدافه ووسائله، ووسائل المساندة، وسُبل مواجهته، فجمعتُ المادَّة العلمية، وخرجتُ منها أن من الوسائل المتأخِّرة، ولكنَّها المؤثِّرة، تأليفَ الأذهان والأنظار على الرموز الكنسية؛ كالصليب، والتسميات للشوارع والمدن، والقرى والمدارس والمعاهد، والملابس والعطور، والسيارات ونحوها - بأسماء كنسية، ومصطلحات دينية [4] ، كم من هذه الأسماء ذات الخلفية النصرانية أضحَت علَمًا على بعض المواقع والمنتجات الاستهلاكية! لا يُلام القوم في تكريمهم لرموزهم الدينية، سواء اتفقنا معهم عليها أم لم نتَّفق؛ فهذا حقٌّ لهم، ولكننا نُلام نحن إذا ما انسقنا وراء هذه الوسيلة من وسائل التنصير، فألِفَتْ أذهانُنا وأنظارُنا هذه الرموز، التي لا يدري بعضنا منشأها، ولا المغزى منها [5] . لقد وصل الوكلاء التجاريون والمورِّدون والموزِّعون للسِّلع الاستهلاكية، إلى قدرٍ من التأثير على المصانع؛ نظرًا للسوق الرائجة لهذه السِّلَع، أفلا يحقُّ لنا - نحن المستهلكين - أنْ نطالب الوكلاء والموزِّعين والمورِّدين أنْ يُعفوا أذهاننا وأنظارنا من تأليفها على رموزٍ لعقيدةٍ، نعتقد نحن بطلانَها وانحرافَها عن الخطِّ الذي جاءت عليه على يد عيسى ابن مريم عليهما السلام؟ أم أنَّ هذا مطلبٌ فيه صعوبة، كما ذكر لي أحدُهم، عندما طرحتُ عليه فكرة إزالة علامة الصَّليب التي توضع على علبة الإسعاف الأوَّلي في بعض السيارات؟! أو في الخرائط التي تُبيَّن فيها مواقع؛ كالمستشفيات ومراكز الإسعاف والصيدليات، ونحوها؟ قد يكون في الأمر إفراط في الحساسية، إلا أنِّي - مع وجود هذا الاحتمال - قد عايشتُ بعضَ حملات التنصير، إلى القدر الذي لا أستبعد معه أنْ تكون هذه الوسيلة مقصودة، ولو من بعيد، فإنْ كان أصحابنا التجَّار "رجال، أو أرباب الأعمال"، وأسلافهم هم الذين نشروا الإسلام، قادرين على التأثير، فليسعوا إلى الحدِّ من استيراد المواد الاستهلاكية، التي تحمل أيَّ رمز ذي بُعد ثقافي، يختلف مع ثقافتنا الربَّانية، وليس هذا مطلبًا عسيرًا، لا سِيَّما أن بعض هؤلاء التجَّار قد وضعوا أسماءهم على بعض البضائع المصنَّعة في الخارج، مما يُستخدم في المنازل، أو الاستخدامات الخاصَّة؛ كالملابس، والعطور، ونحوها. [1] انظر مثلًا: أحمد عبدالوهَّاب: التغريب: طوفان من الغرب - القاهرة: مكتبة التراث الإسلامي، 1411هـ/ 1990م - 48 ص، وانظر أيضًا: أنور الجندي: شبهات التغريب في غزو الفكر الإسلامي - دمشق: المكتب الإسلامي، 1398هـ/ 1978م - 431 ص، وانظر كذلك: حسين سعد: بين الأصالة والتغريب في الاتجاهات العلمانية عند بعض المفكرين العرب والمسلمين في مصر 1900م/ 1318هـ إلى 1964م/ 1384هـ - بيروت: المؤسَّسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1413هـ/ 1993م - 184 ص، وانظر كذلك: عبدالقادر طاش: الإعلام والتغريب الثقافي - الرياض: مؤسَّسة آسام، 1413هـ - 55 ص، وانظر كذلك: محمَّد سليم قلالة: التغريب في الفكر والسياسة والاقتصاد - دمشق: دار الفكر، 1408هـ/ 1988م - 240 ص، وانظر كذلك: محمَّد عبدالعليم مرسي: التغريب في التعليم في العالم الإسلامي - الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية، 1409هـ/ 1988م - 92 ص. [2] الذي يظهر أنَّ إضافة غير إلى كلمة الأخلاقي - هنا - هي الأولى؛ إذ لا يبدو أنَّ هناك انحرافًا أخلاقيًّا، وإلا لم يُسمَّ انحرافًا. [3] انظر في مناقشة مفهم الأصولية الدخيل: زينب عبدالعزيز: هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة: الحداثة والأصولية - دمشق: دار الفكر، 2004م - 200 ص، (سلسلة صليبية الغرب وحضارته؛ 4). [4] علي بن إبراهيم الحمد النملة: التنصير: مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته - ط 4 - الرياض: المؤلِّف، 1425هـ/ 2004م - 248 ص. [5] كانت هناك ساعة متداولة شعبيًّا في الأوساط الخليجية، وغيرها، صناعتها سويسرية قوية، وتسمَّى أم صليب؛ لوجود صليب داخل دائرة صغيرة في (مينة) الساعة! ولا تزال حقيبة الإسعافات الأولية في السيارات، والخرائط، تحمل الصَّليبَ المتعارف عليه عند القوم، ويقابله عندنا الهلال. |
الهشاشة النفسية: لماذا صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟ لإسماعيل عرفة صدر حديثًا كتاب "الهشاشة النفسية: لماذا صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟ "، تأليف د. " إسماعيل عرفة "، من إصدارات " مركز دلائل ". في هذا الكتاب يستعرض معنا د. "إسماعيل عرفة " إشكالية من الإشكالات النفسية المعاصرة التي انتقلت إلى مجتمعاتنا للأسف كما انتشرت من قبلنا في الغرب الحديث، ألا وهي ( الهشاشة النفسية )، حيث مع التأثيرات المتنوعة لبعض المواد الإعلامية المضعفة للنفس البشرية، وكذلك الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وما حملته من تعظيم الفرد و( الأنا )، صارت بعض فئات المجتمع أقرب لمخاطر تلك الهشاشة التي تنذر بانكسارها مع أقل موقف يصيبها بضرر ولو يسير، ومن هنا يستعرض معنا د. "إسماعيل عرفة " مظاهر تلك الإشكالية وأسبابها مع مقترحات ( عملية ) للتغلب عليها نفسيًا ودينيًا. ويرى الكاتب أن إحدى نتائج هشاشتنا النفسية هي أننا نقوم أحياناً بتضخيم أي مشكلة تظهر في حياتنا إلى درجة تصويرها ككارثة وجودية، في عملية تسمى في علم النفس بـ Pain catastrophizing . هذه العملية هي عبارة عن حالة شعورية تعتريك عند وقوعك في مشكلة ما، تجعلك تؤمن أن مشكلتك أكبر من قدرتك على التحمل، فتشعر بالعجز والانهيار عند وقوع المشكلة وتظل تصفها بألفاظ سلبية مبالغ فيها لا تساوي حجمها في الحقيقة، وإنما هي أوصاف زائدة لا وجود لها إلا في مخيلتك، فيزيد ألمك وتتعاظم معاناتك، ثم ماذا؟!.. ثم تغرق في الشعور بالتحطم الروحي والإنهاك النفسي الكامل، وتحس بالضياع وفقدان القدرة على المقاومة تمامًا، وتستسلم لألمك وتنهار حياتك كلها بسبب هذه المشكلة. كما تتجلى الهشاشة النفسية في أشكال أخرى في تعاملاتنا اليومية: فنحن نعظم مشاعرنا ونجعلها حَكمًا نهائيًا على كل شيء تقريبًا ونقرر اعتزال كل ما يؤذي مشاعرنا ولو بكلمة بسيطة.. نكره نقد أفكارنا لأن النقد بالنسبة إلينا صار كالهجوم.. نعشق اللجوء إلى الأطباء النفسيين في كل شعور سلبي في حياتنا ونهرع إليهم طلبًا للعلاج.. لا نتقبل النصيحة ولا نرغب في أن يحكم أحدٌ علينا.. نلتمس العذر لأي خطأ أو إجرام بدعوى أن مرتكبه متأذي نفسيًا.. هذا الكتاب إذن يحلل ما يحدث لفئة من الشباب والفتيات الذين تأثروا بظاهرة الهشاشة النفسية، ثم يقدم الحلول العملية المقترحة لتقوية النفس وتدريبها على الصبر وتحمل المسؤولية. وينقسم الكتاب إلى مقدمة وثمانية فصول وخاتمة على النحو التالي: مقدمة: أهلًا بك في عالم الهشاشة النفسية " snowflakes ". الفصل الأول: مدخل: جيل رقائق الثلج. الفصل الثاني: هوس الطب النفسي. الفصل الثالث: الفراغ العاطفي أم الفراغ الوجودي؟ الفصل الرابع: السوشيال ميديا: أصل كل الشرور. الفصل الخامس: لا تحكم على الآخرين! الفصل السادس: مشاعرك الداخلية: أسوأ حَكم في حياتك؟ الفصل السابع: مخدرات الشغف. الفصل الثامن : مفتاح النجاة: أنا مريض نفسي إذن أنا أفعل ما أريد. وخاتمة في نتائج البحث وتوصياته. وقد ألقى هذا الكتاب الضوء على ضرورة وعي المربين والآباء بتحديات هذا الجيل لمواجهتها، كما إنه أبرز العديد من الجوانب السلبية لمواقع " السوشيال الميديا " وما تسببه من هشاشة نفسية لهذا الجيل. والمؤلف د. " إسماعيل عرفة " صيدلي ومؤلف مصري، تخرج في كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية عام 2018م، له العديد من التقارير المنشورة بقسم رواق على موقع ميدان، ويعمل كباحث ومترجم. • مؤلف كتاب ( لماذا نحن هنا؟ تساؤلات الشباب حول الوجود والعلم والشر والتطور ) عام 2017م. • مترجم كتاب ( صنع الدولة الحديثة: التطور النظري ) لبريان نيلسون عام 2019م. • مؤلف كتاب (الهشاشة النفسية: لماذا صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟ ) عام 2020م |
معركة أنوال من 21 تموز - 9 آب 1921م قائد المسلمين: الأمير عبدالكريم الخطابي. قائد الإسبان: الجنرال سيلفستر، وعدد جيشه 45 ألف مقاتل. أسباب المعركة: القضاء على المجاهدين بقيادة عبدالكريم الخطابي واحتلال منطقة الريف المغربي. تقدَّم الجنرال سيلفستر من مدينة مليلة المغربية الساحلية باتجاه الداخل محاولًا احتلال منطقة الريف المغربية، فوصل إلى مدينة أنوال، ثم تقدَّم في الجبال وأصبح وجهًا لوجه أمام الأمير عبدالكريم، ودارت معركة حامية بين الجانبين، استخدم فيها الإسبان أسلحتهم الحديثة من مدافع ورشاشات وبنادق، ثم أنزل الله نصرَه على المجاهدين فهزموهم في عدة مواقع، فانسحبوا إلى أنوال، وهناك حصرهم المجاهدون وشَنُّوا عليهم معركة حامية، واضطرب جيش الإسبان وأُسقِط في يدي القائد سيلفستر، ولم يَدْرِ ما العمل مع ما أصاب جنوده من اليأس القاتل، فأصدر أوامره بالانسحاب من أنوال، وكانت الهزيمة الساحقة حيث طاردته قوات عبدالكريم وشتَّت جنودَه فقُتل منهم أعدادٌ كبيرة، ووقع في الأسر آخرون، وأخلوا نتيجة ذلك 130 موقعًا ما بين أنوال إلى مليلة، وفُقِد القائدُ سيلفستر ولم يُعرف مصيره، فقاد فلول المنهزمين الجنرال فافارو الذي استسلم أخيرًا هو وجنوده في 9 آب وحُمل أسيرًا للأمير عبدالكريم، وقدرت خسائر الإسبانيين بمقتل "15" ألف وأسر "570"، وغَنِم المجاهدون 59600 بندقية، و392 مدفعًا رشاشًا، و129 مدفع ميدان، وتُعَد هذه المعركة أعظم هزيمة لقوات غربية في المستعمرات. |
وصف الاهتداء في الوقف والابتداء لبرهان الدين الجعبري صدر حديثًا كتاب " وصف الاهتداء في الوقف والابتداء "، للإمام: "ب رهان الدين أبي اسحق بن ابراهيم بن عمر بن ابراهيم بن خليل الجعبري " المتوفى سنة 732هـ، تحقيق ودراسة: د. " نواف بن معيض الحارثي "، الأستاذ المشارك بقسم القراءات بجامعة أم القرى، تقديم: أ.د. " مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار "، من إصدارات " دار طيبة الخضراء ". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة ( الماجستير ) في قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعنوان: " وصف الاهتداء في الوقف والابتداء لإبراهيم الجعبري المتوفى سنة 732 هـ دراسةً وتحقيقًا " وذلك تحت إشراف د. " عبدالعزيز بن ناصر السبر " وذلك عام 1426 هـ- 2005 م. ويتضمن التحقيق دراسة كتاب " وصف الاهتداء في الوقف والابتداء " وتحقيقه، لإبراهيم الجعبري (ت 732 هـ)، وهو كتاب يتعلق بعلم الوقف والابتداء في القرآن الكريم. وقد جاء على النحو التالي: المقدمة: واشتملت على أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، ومنهج البحث. التمهيد: تحدث بإيجاز عن نشأة علم الوقف والابتداء، وأهميته، وبعض المصنفات فيه. القسم الأول: الدراسة، واشتملت على فصلين: الفصل الأول: عصر الجعبري وحياته. الفصل الثاني: التعريف بالكتاب، ومنهج المؤلف. القسم الثاني: تحقيق المخطوط ، وفق أصول المنهج العلمي المتبع في تحقيق المخطوطات. وقد عمل المحقق مقارنة بين المصنف وبين أشهر علماء الوقف، ومنهم: السجستاني (ت 255 هـ)، وابن الأنباري (328 هـ)، والنحاس (338 هـ)، والداني (ت 444 هـ)، والسجاوندي (ت 560 هـ)، والهمذاني (ت 569 هـ).. وغيرهم. والكتاب رتبه مصنفه على بابين: الباب الأول: في القواعد الكلية واشتمل على اثني عشر فصلًا، وهي: الفصل الأول: في ذكر أسانيده، ورواياته إلى الكتب التي اعتمدها في كتابه. الفصل الثاني: في الحث على إعراب القرآن. الفصل الثالث: في مشروعية الوقف والابتداء والحض عليهما وفائدتهما. الفصل الرابع: في اشتقاقهما وحدهما، حيث عرج على تعريف الوقف والابتداء والسكت. الفصل الخامس: في مشروع التنويع، ذكر فيه وجه تقديم الوقف على الابتداء. الفصل السادس: في مباحث اللفظي منهما، ضمنه ما يحصل للكلمة من حذف... الفصل السابع: في همزات الوصل والقطع وحركتهما. الفصل الثامن: في المعنوي، تحدث فيه عن أقسام الوقف عند بعض المتقدمين، وذكر تقسيم الوقف عنده ورموزه التي سار عليها. الفصل التاسع: فيما روي عن الأئمة من الوقف اللفظي والمعنوي، ذكر فيه ما روي عن كل إمام فيهما. الفصل العاشر: في الوقف على مقتضى الرسم العثماني... الفصل الحادي عشر: في كيفية وصل السور والآيات وفصلهما سكتًا ووقفًا... الفصل الثاني عشر: في إبراز ما في القوة إلى الفعل على سبيل الإجمال... الباب الثاني: في استنتاج الجزئيات من الكليات على جهة التفصيل على ترتيب السور المسمى فرش الحروف، وقد سلك فيه المصنف منهج من تقدمه بالتأليف في الوقف والابتداء، فرتب كتابه على نسق السور وترتيبها في المصحف الشريف، وتناول موضوع الوقف داخل كل سورة مشيرًا إلى حكمها ودرجتها من بين الأقسام التي سار عليها، إلا أنه اقتصر على الأكثر ابتداء من سورة مريم، كما اشتمل الكتاب أيضًا على مسائل علمية، وبيان للمكي والمدني والعدد.. وغيرها. وأخيرًا ذيل البحث بخاتمة وفهارس. وتأتي أهمية الكتاب من شدة ارتباطه بكتاب الله تعالى أداءً وفهمًا، في فن الوقف والابتداء، قال الزركشي: "وهو فن جليل، وبه يعرف كيف أداء القرآن، ويترتب على ذلك فوائد كثيرة، واستنباطات جليلة، وبه تتبين معاني الآيات...". وقد أشار ابن الجزري إلى عناية السلف والأئمة بالوقف. إلى جانب مكانة المصنف حيث له منزلته العالية عند العلماء، ومدحه كثير من العلماء، حيث قال ابن الجزري عنه: "الأستاذ، المحقق، الحاذق، الثقة الكبير". وقال الذهبي: "العلامة، الأستاذ المحقق، شيخ القراء". وقال الصفدي: "الإمام العلامة، ذو الفنون، شيخ القراء.. وكان ساكنًا وقورًا ذكيًا له قدرة على الاختصار، وحسبك ممن يختصر "المختصر" و"الحاجبية".." وتظهر قيمة الكتاب العلمية إذ جمع بين أمهات كتب هذا الفن مثل كتاب ابن الأنباري، والسجستاني، والداني.. وغيرهم، فجمع فوائدها، ولخص فرائدها، وضم عليها ما هو زائد عليها، وكمله، وجمّله، وحرره. إلى جانب قلة الكتب المحققة والمنشورة لهذا الإمام مع كثرة تصانيفه، وقد قام المحقق د. " نواف بن معيض الحارثي " بتحقيق النص على أصول المنهج العلمي في تحقيق المخطوطات من باب اعتماد النص المختار في التحقيق، حيث أثبت ما رآه مناسبًا في المتن مع إثبات الفروق في الحاشية. مع عزو الآيات والأحاديث والآثار وأقوال الأئمة ونقولاتها إلى مصادرها، مع توثيق القراءات وتوجيهها من كتب القراءات المعتمدة، مع كتابة القراءة التي اعتمدها المصنف بالمتن بالخط الإملائي إذا لم تذكر النسخ غيرها، والإشارة للقراءة الأخرى في الحاشية. وقام بالترجمة للأعلام، والتعريف بالأماكن والقبائل، والتوضيح لبعض الألفاظ، والتعليق على ما تدعو إليه الحاجة. والمصنف إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبريّ، أبو إسحاق (640 - 732 هـ = 1242 - 1332 م): • عالم بالقراآت، من فقهاء الشافعية. له نظم ونثر. • ولد بقلعة جعبر (على الفرات، بين بالس والرقة) وتعلم ببغداد ودمشق، واستقر ببلد الخليل (في فلسطين) إلى أن مات. • يقال له ( شيخ الخليل ) وقد يعرف بابن السراج، وكنيته في بغداد (تقيّ الدين) وفي غيرها (برهان الدين) . له نحو مئة كتاب أكثرها مختصر، وقد كتب ما يربو على خمسين ومائة كتاب في الفنون والعلوم المتعددة، وأبان عنها في رسالة مستقلة سمّاها ( الهبات الهنيات في المصنفات الجعبريات )، وأحصى فيها ما كتبه إلى عام 725 هـ، وهي ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة، وشرح، ومتن، وقصائد شعرية ومنظومات في ضوابط اصطلاحية في فنون مختلفة، منها: • "خلاصة الأبحاث" شرح منظومة له في القراآت. • "شرح الشاطبية" المسمى "كنز المعاني شرح حرز الأماني" في التجويد، منه مخطوطة، في سفر ضخم، في خزانة الرباط. • "نزهة البررة في القراآت العشرة". • "موعد الكرام". • موجز في علوم الحديث. • "حديقة الزهر في عدد آي السور". • "عقود الجمان في تجويد القرآن". • رسالة في أسماء الرواة المذكورين في الشاطبية. • "الروضة" في رسم المصحف. |
جواهر البحرين في تناقض البحرين لجمال الدين الإسنوي صدر حديثًا كتاب " جواهر البحرين في تناقض البحرين "، تصنيف: الإمام " جمال الدين الإسنوي " (704 هـ - 722 هـ)، تحقيق: " عبد الرحمن فهمي الزواوي "، نشر " دار الفتح للدراسات والنشر ". وهذا الكتاب ينشر لأول مرة، ويقصد بالحبرين الشيخان " الرافعي " و" النووي " في كتابيهما " الشرح الكبير " و" روضة الطالبين ". يتناول الكتاب دقائق المسائل الفقهية التي يرى " مؤلف الجواهر " أن شيخي المذهب الشافعي ( الرافعي والنووي ) قد تناقضا في شأنها، فهو يمثل منهجًا من مناهج التأليف عند أئمتنا، أعني به منهج النقد والتعقب، وقد وضح " الإسنوي " منهجه في مقدمة كتابه فقال بعد أن أثنى على كتاب " الروضة ": "... فيسر الله تعالى الوقوف على جملة كثيرة من مسائلها متناقضة، وطائفة عزيزة من أحكامها متعارضة، بحيث يقل أن يخلو عنها كتاب أو يصفو منها باب، وكثيرًا ما وقع في الباب الواحد عدة من ذلك، وجملة مما هنالك، كما ستراه مبينًا إن شاء الله تعالى. وهذا التعارض على أنواع شتى: فمنه ما يشاركه فيه الرافعي - رحمه الله - وهو الأكثر، ومنه ما انفرد به عنه في زياداته، وأيضًا فمنه ما هو في بابين وهو الأكثر، ومنه ما هو في باب واحد وهو كثير جدًا؛ بل ربما وقع أحد الموضعين عقب الآخر في الدراسة. وأيضًا: فمنه ما هو في نفس الحكم، كالجواز وعدمه وهو الأكثر، ومنه ما هو في إثبات الخلاف ونفيه، بل ربما اجتمع الأمران في المسألة الواحدة مثل أن ينفي الخلاف عنها، ثم يصحح عكسها في موضع آخر. وأيضًا: فمنه ما هو على وجهين فقط. وهو الأكثر، ومنه ما هو على ثلاثة أوجه بأن يذكر المسألة في ثلاثة مواضع كل منها مخالف حكمه لحكم الآخر، إلى غير ذلك من وجوه التعارض العجيبة في الكتاب. واعلم أني لا ألتزم أن يكون المذكور جميعه نصًا في التناقض، وممتنعًا من تأويل التعارض، إذ لو فتح باب التأويل لم تجد لفظًا يعصى دخوله، ولو قصد طريق التعليل لم تلف قولًا يستقصى نزوله، بل الشرط أن يكون ظاهرًا فأمرنا أن نحكم بالظاهر، أو متبادرًا وإن صح تأويله للناظر، إذ لولا التنبيه عليه لما أول، ولولا التنويه بذكره لما صرف وحمل، فإذا فهمت الغرض أغضيت عن التكلف، وأفضيت إلى ترك التمحل والتعسف". ويمكن تفصيل منهج الإمام "الإسنوي" في كتابه "الجواهر"، والإضافة عليه من خلال دراسة الكتاب في النقاط التالية: (1) سبب تأليف الكتاب: هو وقوف الإمام "الإسنوي" يرحمه الله على جملة من المسائل المتناقضة في "الروضة" و"الشرح الكبير". (2) موضوع الكتاب: التنبيه على التناقض الواقع في "الروضة" و"الشرح الكبير"، وبيان مواضعه، ونقل العبارات المتناقضة. (3) إذا كان التناقض موجودًا في "الروضة" و"الشرح" معًا، يكتفي الإمام الإسنوي غالبًا بنقل عبارات "الروضة" فقط، ويشير إلى وقوع التناقض في "الشرح الكبير" دون ذكر عباراته. (4) يشير الإمام الإسنوي - في كثير من المسائل - إلى وقوع التناقض في كتب أخرى للنووي مثل "المنهاج"، أو "شرح المهذب"، أو "التحقيق"، وكتب الرافعى الأخرى مثل "الشرح الصغير"، أو "المحرر"، ومثال ذلك ما وقع في المسائل رقم (1)، (13)، (27) وغيرها. كما أنه رحمه الله ينبه في بعض المسائل على سلامة الروضة أو الشرح الكبير، أو غيرهما من كتب النووي والرافعي من الوقوع في التناقض ومثال ذلك ما وقع في المسائل رقم (17)، (31)، (45)، (105)، (112)، (113). (5) ينبه الإمام الإسنوي رحمه الله في بعض المسائل على سبب الوقوع في التناقض مثل المسألة رقم (45)، كما أنه رحمه الله ينبه في بعض المسائل على سبب السلامة من الوقوع في التناقض مثل ما وقع في المسائل رقم (19)، (88)، (114). (6) جميع المسائل التي أوردها الإمام الإسنوي في كتابه لا يخلو التناقض فيها من أن يكون موجودًا في الروضة والشرح الكبير معًا، أو في أحدهما. (7) وأقسام التناقض التي أوردها الامام الإسنوي ثلاثة: القسم الأول: التصريح بتصحيح المسألة بألفاظ التصحيح المختلفة كالمشهور أو الراجح أو الصحيح أو المختار والاقتصار عليه، ثم استعمال بعض هذه الألفاظ في المسألة بعينها في موضع آخر على عكس المدعى. القسم الثاني: تسوية المسألة بمسألة مخالفة لما قرر فيها في موضع آخر، مثل أن يقول: يتخرج عليها أو يجري فيها الخلاف ونحو ذلك. القسم الثالث: وهو خاص بتناقض المنقول. وهذه الأقسام الثلاثة التناقض فيها إما أن يكون في بابين وهو الأكثر، وإما أن يكون في نفس الحكم كالجواز وعدمه وهو الأكثر، ومنه ما هو في إثبات الخلاف ونفيه. وإما أن يكون على وجهين وهو الأكثر، ومنه ما هو على ثلاثة أوجه. (8) يذكر الإمام الإسنوي تعقبات الإمام النووي للرافعي وإصلاحه للتناقض الواقع في الشرح الكبير. (9) رتب الإمام الإسنوي كتابه "الجواهر" على ترتيب "الروضة"، لكنه لم يذكر جميع الكتب والأبواب الفقهية الموجودة في "الروضة"، على أنه لم يسقط منها إلا القليل. (10) أضاف الإمام الإسنوي كتابه عددًا كبيرًا من التنبيهات والفوائد، مفردًا منها (17) تنبيهًا، بعنوان: تنبيه، عدا ما ذكره من تنبيهات وفوائد داخل المسائل، في حين بلغت مسائل الكتاب كاملًا (263). (11) يصدر الإمام الإسنوي المسألة بقوله: مسألة، ثم يذكرها. (12) غالب مسائل الكتاب يمهد لها الإمام الإسنوي بتمهيد يبين المراد منها بصورة واضحة، مثل قوله في المسألة رقم (1)، مسألة: إذا تيمم قبل الاستنجاء لم يصح تيممه في أصح القولين، ولو تيمم وعلى بدنه نجاسة أخرى ففي صحته خلاف أيضًا، ثم ذكر التناقض في المسألة. (13) كثير من مسائل الكتاب وردت بصيغة الاستفهام. (14) يعزو الإمام الإسنوي رحمه الله النقول إلى مواضعها بصورة متفاوتة الوضوح، فتارة يعرف بمكان النقل تعريفًا واضحًا. (15) يعلق الإمام الإسنوي على التناقض، ويوجه الأقوال. وبهذا يعتبر الكتاب إضافة جديدة لمكتبة الفقه الشافعي، خرج به مصنفه عن المألوف في عصره من الاختصارات والشروح والحواشي إلى نقد كتابين من أهم كتب الشافعية، مما يعد خطوة مهمة في مجال الدراسات النقدية، وحركة التصحيح والتنقيح المذهبي، إلى جانب أن صاحبه "جمال الدين الإسنوي" هو من انتهت إليه رئاسة الشافعية ومشيختهم، وقد اشتمل الكتاب على نقول كثيرة من كتب تعد في عداد المفقود اليوم، ودلالةً على أهمية الكتاب كثرة نسخه الخطية، حيث بلغ ما تم العثور عليه من نسخ الكتاب ثمان نسخ، منها ما كتب في عصر المؤلف، وعورض وقوبل على نسخة المؤلف. وقد اختصره الإمام " ابن الأزرق اليمان ي" في كتابه "نفائس الأحكام "، وأفادت المصادر بأن للإمام " جلال الدين المحلي " تعليقًا عليه، فيما صنف " محمد بن محمد المقدسي " كتابًا في الرد عليه سماه "تجنب الظواهر في أجوبة الجواهر". ورغم أن الكتاب ينشر مطبوعًا كاملًا لأول مرة، إلا أنه سبق عدة محاولات تحقيقية له كأطروحات علمية منها ما قام به الباحث "محمد بن عطية بن عبدالله المالكي" في تحقيق الكتاب من أوله إلى نهاية باب اختلاف المتبايعين، في قسم الفقه بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، وذلك تحت إشراف د. "شرف بن علي الشريف"، وذلك عام 1430 - 1431 هـ، وذلك ما قام الباحث "محمد عبدالرشيد عباد الكوهجي" في تحقيق الكتاب من أول كتاب البيوع إلى نهاية الكتاب وذلك في قسم الفقه بكلية الشريعة والقانون- جامعة أم درمان الإسلامية، وذلك تحت إشراف د. "شمس الدين محمد حامد التكينة"، وذلك عام 2013م. وصاحب المتن هو الإسنوي: (704 - 772 هـ = 1305 - 1370 م): عبدالرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي الشافعي، أبو محمد، جمال الدين: فقيه أصولي، من علماء العربية، وُلِد بإسنا، وقدم القاهرة سنة 721 هـ فانتهت إليه رياسة الشافعية، ووَلِي الحسبة ووكالة بيت المال، ثم اعتزل الحِسبة. ودرس الإمام الإسنوى في المدرسة المالكية، والأقبغاوية، والفاضلية، والتفسير بالجامع الطولونى. ولقد أخذ الإمام العلم عن جمع من العلماء أشهرهم: 1) القطب السنباطي. 2) الجلال القزويني. 3) المجد الزنكلوني. 4) القونوبي. 5) تقي الدين السبكي. 6) البدر التسترى. وأخذ العربية عن: 1) أبو الحسن النحوى والد الشيخ سراج الدين بن الملقن. 2) أبو حيان الأندلسي. 3) مجد الدين الفيروزبادي صاحب القاموس. وأخذ الحديث عن: 1) الدبوس. 2) عبد المحسن الصابوني. 3) عبد القادر بن الملوك. 4) الحسن بن أسد بن الأثير. ومن تلاميذه: 1) جمال الدين أحمد بن محمد اللخمي الأسيوطي. 2) شمس الدين أبو العباس اللخمي المعروف بابن سند. 3) الإمام الزركشي بدر الدين. 4) برهان الدين أبو محمد إبراهيم بن موسى الأنباسى الشافعى. 5) سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد الفُوى. 6) القاضي شرف الدين موسى بن محمد الأنصارى. 7) شهاب الدين أحمد بن عماد الأقفهي المعروف بابن العماد. 8) كمال الدين أبو البقاء محمد بن موسى الدميرى الشافعي. 9) بدر الدين أحمد بن محمد الطنبذي الشافعي المصرى. 10) زين الدين أبو بكر بن حسين المراغي الشافعى المصرى. وغيرهم كثير من الفقهاء والأصوليين واللغويين. ومن مصنفاته: 1) التمهيد في استخراج الفروع على الأصول. 2) نهاية السول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوى. 3) الكواكب الدرية في تنزيل الفروع الفقهية على القواعد النحوية. 4) زوائد الأصول (كتاب نهاية السول شرح منهاج الأصول). 5) مطالع الدقايق في الجوامع والفوارق. 6) المبهمات على الروضة. 7) شرح التنبيه. 8) شرح المنهاج أي (منهاج الطالبين). 9) التنقيح في زوائد تصحيح التنبيه. 10) جواهر البحرين . |
مسلم الثبوت في أصول الفقه لمحب الله البهاري الحنفي صدر حديثًا كتاب " المسلم في أصول الفقه مع حاشيته المعروف بـ مسلم الثبوت "، تأليف: العلامة " محب الله عبد الشكور البهاري " (ت 1119 هـ)، دراسة وتحقيق: د. " عامر بن عيسى اللهو "، أستاذ أصول الفقه المساعد في كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، ويقع في مجلدين، نشر " دار ابن الجوزي ". وأصل الكتاب أطرحة علمية تقدم بها الباحث د. " عامر بن عيسى اللهو " لنيل درجة الدكتوراه في قسم الدراسات الإسلامية بعنوان " مسلم الثبوت مع حاشيته في أصول الفقه للعلامة محب الله بن عبدالشكور البهاري: دراسة وتحقيقًا " وذلك بكلية التربية بجامعة الإمام سعود عام 1438 هـ تحت إشراف أ.د. " علي بن عبدالعزيز العميريني ". وكتاب " مسلم الثبوت " كتاب في أصول الفقه على المذهب الحنفي، كُتبَ على منهج المدرسة الجامعة في تأليف علم أصول الفقه وتدوينه، بين مدرسة المتكلمين ومدرسة الفقهاء، غير أنه يميل إلى المدرسة الثانية كونه حنفي المذهب، ومتأثر بها كونها المدرسة التي كان أغلبها الاحناف. وهو كما يوصف " كتاب الفحول، لمن أراد معرفة الأصول ". وهو لمحب الله بن عبد الشكور الهندي (1119هـ) سماه بذلك لأن تاريخ تصنيفه سنة (1109 هـ)، كما صرَّحَ بذلك في مقدمته "وسميته بالمسلم، سلمه الله عن الطرح والجرح، وجعله موجبًا للسرور والفرح، ثم ألهمني مالك الملكوت أن تاريخه مُسَلَّم الثبوت" وذكر أنه متن جامع جمع فيه بين طريقتي الحنفية والشافعية، حيث قال: "ثم لأمر ما أردت أن أحرر فيه سفرًا وافيًا وكتابًا كافيًا يجمع إلى الفروع وإلى المشروع معقولًا، ويحتوي على طريقتي الحنفية والشافعية، ولا يميل ميلًا ما عن الواقعية". وعلى الكتاب شروح كثيرة لأهل الهند؛ لشهرته هناك، من أشهرها شرح "عبد العلي اللكنوي الهندي" (1225هـ) في "فواتح الرحموت"، و"شرح على مسلم الثبوت" للشيخ "نظام الدين محمد السهالوي"، و"فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت" للعلامة "عبد العلي بن نظام الدين السهالوي"، و"نفائس الملكوت" للمولوي "ولي الله بن حبيب الله اللكهنوي"، و"شرح على مسلم الثبوت" للمولوي "حسن بن غلام مصطفى اللكهنوي"، و"شرح على مسلم الثبوت" للمولوي "مبين بن محب الله اللكهنوي"، و"شرح على مسلم الثبوت" للشيخ "أحمد عبد الحق اللكهنوي"، و"كشف المبهم شرح المسلم" للقاضي "بشير الدين القنوجي"، و"شرح على مسلم الثبوت" للشيخ عبد الحق بن فضل حق الخير آبادي. وللقاضي "أحمد درويش" شرح "التسهيلات الإلهية في أصول فقه الشافعية والحنفية شرح مسلم الثبوت". وهو متن اعتمد فيه مصنفه على وجازة العبارة مما يصل في بعض المواضع إلى التعقيد، حيث لم يعتنى به إلى الآن من حيث فك عباراته وتحريره في طبعة مناسبة، أما مأخذه فقد اعتمد على من سبقه من كتب الحنفية كـ" أصول السرخسي " و" البزدوي " وغيرهما. ومن قرأ شرحه " فواتح الرحموت " وجد العناية والاحتفال بـ" بمختصر ابن الحاجب " من حيث تصحيح أدلته أو الرد عليها مع ذكر مذهب "ابن الحاجب" الأصولي. و" مسلم الثبوت" طبع من قبل في جزأين صغيرين بالمطبعة الحسينية بمصر، أما شرحه كتاب "فواتح الرحموت" فمطبوع على "هامش المستصفى" بالمطبعة الأميرية بمصر سنة 1322 هـ، وصور أخيرًا في لبنان، إلا أن تلك الطبعات السابقة لم تهتم بتنقيح متن الكتاب ولا مقابلته على نسخه الخطية، وأغلبها طبعات قديمة لم تراعي توضيح النص ولا تفقيره، لذا كان هذا التحقيق من الأهمية بمكان لأهمية المتن وتأثيره في علم أصول الفقه على طريقة المتأخرين. أما موضوعاته فرتبها على النحو التالي كما صرح في مقدمة كتابه، حيث قال: "مرتب على ( مقدمة ) فيما يفيد البصيرة، في حد أصول الفقه وموضوعه وفائدته، و( مقالات ) في المبادئ، و( أصول ) في المقاصد و( خاتمة ) في الاجتهاد ونحوه..". ويقصد بالمبادئ هو المبادئ الكلامية والإحكامية واللغوية، ويقصد بالمقاصد الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والاجتهاد يقصد به التقليد. وقد أصدرت وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية فهرس لكتاب " مسلم الثبوت " فهرس تحليل ألفبائي له ولمباحثه، وذلك عام 1406 هـ- 1986 م، ولعدد من المراجع الفقهية والأصولية المعتمدة ليسهل على المشتغلين بالفقه عامة الوصول إلى المسائل الفقهية التي يوردها المؤلفون في غير مظانها، وهو من باب تيسير الاطلاع على كنوز الفقه الإسلامي، وتسهيل التفقه في الدين وتطبيقه وتحكيمه. وصاحب المتن هو محب الله بن عبد الشكور البهاري (ت 1119 هـ/ 1707م)، الهندي، الحنفي. فقيه، أصوليّ، منطقيّ. قاضٍ، من الأعيان. من أهل "بهار" وهي مدينة عظيمة شرقي "پورب"، بالهند. مولده في موضع يقال له "كره" بفتحتين من أبرز علماء الإسلام في عصره، ولاَّه " عالمكير " قضاء " لكهنو "، ثم قضاء " حيدر أباد الدكن "، ثم ولي صدارة ممالك الهند، وجعله الملك " شاه عالم ": قاضي القضاة في الدولة المغولية، ومنحه لقب: " فاضل خان "، ولم يلبث أن توفي رحمه الله. للبهاري مصنفات أهمها: "الجوهر الفرد " في علم الكلام، و" مسلم الثبوت " في أصول الفقه، و "سلم العلوم" في المنطق، و "المغالطة العامة الورود ". |
حاشية الغزي على شرح تصريف العزي لمحمد بن قاسم الغزي صدر حديثًا كتاب " حاشية الغزي على شرح تصريف العزي "، تأليف: " محمد بن قاسم الغزي "، المتوفى سنة 918 هـ، دراسة وتحقيق " محمد خيري صالح الكبيسي "، نشر " دار الذخائر " و" المكتبة العمرية ". وهذا الكتاب عبارة عن شرح على شرح السعد " التفتازاني " على " متن الزنجاني " في الصرف، قال " ابن قاسم الغزي " في مقدمته: "فهذا تعليق لطيف على شرح التصريف: يفتح مقفله، ويشرح مشكله، ويظهر مكنوناته، وينشر مطوياته، علقته مع قلة البضاعة". وهو يُطبَع لأول مرة على نسخ خطية فريدة، قام المحقق بالعناية بها، والمقابلة بينها لتصحيح متن الشرح. وكتاب "تصريف العزّي " الذي عليه مدار كل هذه الشروحات من تأليف النحوي العلامة " عز الدين الزنجاني " (توفي بعد ٦٥٥ هـ)، في علم الصرف، جاء في " كشْفِ الظُّنُونِ ": "وهو مُخْتَصَرٌ مُتَدَاوَلٌ نَافِعٌ". وكتابه هذا له مكانة رفيعة عند أهل العلم لما اتسم به من وضوح وحسن تفريع، وهو من أبدع ما ألف في بابه، يغني الطالب ويدني مسائل الصرف ويوفر لمن أدمن النظر فيه متاعب التعلق بالحواشي والتفريعات، فهو حسن الترتيب، "لا يغص الطالب بأحاجيه ولا يستوحش من مباحثه". ونظرًا لما لمتن " تصريف العزي " من الأهمية، فقد تناولته أيدي العلماء بالشرح والتوضيح، حتى أن بعضهم قام بنظمه؛ بغية تيسير حفظه، وإن من أبرز من تصدوا لشرحه، العلامة المحقق، الإمام " سعد التفتازاني "، المُتَوَفَّى سنة (891 هـ)، فقد وضع شرح نفيس لـ" تصريف العزي " استدرك بعض ما فات الماتن العلامة " الزنجاني "، والإشارة إلى بعض ما جاء من فروق بين نسخ المتن، وكثيرًا ما كان يبين أن بعض الزيادات التي وجدت في بعض النسخ قد أدرجت من بعض الشروح، كما قام غير مرة باقتراح الأولى في سبك عبارة المتن، وشرحه من أهم شروح " الزنجاني "، وقد وضع " الغزي " شرح على هذا الشرح يفصل فيه ما غمض من عبارات "السعد التفتازاني" ويزيد من ضرب الأمثلة وشرح الشواهد من باب تيسر علم الصرف وتقديمه في أبهى صورة، كما لم يخله من مستجادات الفوائد وبيان الإشكالات والغوامض. و"الغزي" هو الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن محمد الغزي ثم القاهري الشافعي ويعرف بابن الغرابيلي (859هـ - 918هـ). ولد في رجب سنة تسع وخمسين وثمانمائة بغزة (859هـ) ونشأ بها فحفظ القرآن والشاطبية والمنهاج وألفية الحديث والنحو ومعظم جمع الجوامع وغير ذلك، ثم قدم القاهرة في رجب سنة إحدى وثمانين وثمانمائة (881هـ). تتلمذ على يد الشيخ ابن الحِمْصي (812- 881هـ) أخذ عنه الفقه والعربية وغيرهما، وشيخ الإسلام محمد بن محمد السيد المقدسي الشهير بكمال الدين بن أبي شريف (822- 906هـ) أخذ عنه الفقه والأصلين ( أصول الفقه وأصول الدين) وقرأ عليه شرح المحلي لجمع الجوامع ووصفه بالعالم المتفنن النحرير، ولازم شمس الدين الجوجري وقرأ عليه جانبًا في أصول الفقه والعروض بكماله، وقرأ على علاء الدين الحصني شرح العقائد وحاشيته وشرح التصريف وشرح القطب في المنطق ومعظم المطول وغير ذلك، وأخذ على بدر الدين المارداني وابن الحمصاني والسخاوي. وقد تميز الإمام "ابن قاسم" في جملة من الفنون وأشير إليه بالفضيلة والسكون والديانة والعقل والتقنع باليسير، وأنزله زين الدين بن مزهر في مدرسته، وخالط شهاب الدين الأبشيهي، وزوَّجه علاء الدين الحنفي ابنته، وآل أمره إلى أن صار هو النقيب بعد ذلك، وظهرت كفاءته في ذلك، ودرَّس بالجامع الأزهر، وعمل الختوم الحافلة للكتب التي كان ينهيها، وكان يخطب أحيانًا بجامع القلعة حين يغيب قاضيه، وكانت خطابته محمودة، وكان يكتب الفتيا على الأسئلة التي ترده، وقال عنه شيخه السخاوي: ( وهو جدير بذلك - أي بالفتيا- في وقتنا ). وقد أخذ عن الإمام ابن قاسم كثرة كاثرة من الطلبة والتلاميذ نذكر ممن نبغ منهم: 1- الشيخ العلامة محمد بن محمد المصري القاضي أفضل الدين الرومي المصري الحنفي (ت: 932هـ). 2- الشيخ العلامة الإمام أبو الفتح بدر الدين عبد الرحيم بن أحمد (ت: 963هـ). ومن مؤلفاته: 1- " فتح القريب المجيب في شرح ألفاظ التقريب" ويُسمَّى كذلك "القول المختار في شرح غاية الاختصار " ومشهور بشرح ابن قاسم على متن أبي شجاع. 2- حاشية على شرح التصريف. 3- حاشية كتبها على شرح العقائد رآها الإمام السخاوي وكتب عليها تقريظًا وذكر أن ابن قاسم كان يدرسها على الطلبة. وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والتدريس والإقراء انتقل الإمام ابن قاسم إلى رحمة ربه عام 918هـ. |
إجالة الطرف في مسائل الوقف ضمن سلسلة "إصدارات ساعي العلمية" صدر حديثًا كتاب " إجالة الطرف في مسائل الوقف " للشيخ أ.د. " قيس بن محمد آل الشيخ مبارك "، ضمن سلسلة " إصدارات ساعي العلمية ". وهو تحرير لمسائل الوقف على مقتضى قواعد المذهب المالكي وما حرره فقهاؤه، بأسلوب معاصر ولغة واضحة للقارئ، وهو سفر نفيس يجمع بين الأصالة والمعاصرة؛ بحيث يصل الفقه الرصين بمستلزمات العصر في المعرفة والتلقين. وقد عني المسلمون بالأوقاف على مر العصور، وكانت الأوقاف من أسرار ازدهار الحضارة الإسلامية، وقد عني علماء الإسلام ببيان أحكام الوقف بشكل مفصل، حتى لا تكاد تجد شاردة ولا واردة متعلقة بأحكام الوقف إلا ذكرها فقهاؤنا. ومن المذاهب الفقهية المتميزة في مجال الوقف: المذهب المالكي؛ ولذلك نجد أن اختيارات أبرز العلماء المحققين - كابن تيمية - كانت في المذهب المالكي. وقد تميز المؤلف بالعناية بالمذهب المالكي، ويعتبر أحدَ مراجع المذهب المالكي في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر. يقول الكاتب في مقدمته: «فهذا تلخيص لأحكام الوقف، بنيته على القول الراجح والمعتمد في مذهب الإمام مالك رحمه الله، وإنما بنيته على الراجح في المذهب؛ لأن الإجماع قد انعقد على أنَّ من قلد مدرسة من المدارس الفقهية الأربعة، فقد استند إلى الكتاب والسنة، وأدى عبارته على صفة صحيحة - إن شاء الله تعالى -، فهذه المذاهب الأربعة هي المدارس التي حفظ الله بها علم الفقه، فهي أركان هذا العلم، ورأيت أن أشير إلى القول الآخر في المذهب، إن كان غير شاذ» صـ15. وبين الكاتب أن واجب الوقت يقتضي إعادة كتابة أحكام الوقف بلغة يعرفها النُّظَّار ورجال الأعمال والمهتمون بالأوقاف. وقد جعله الكاتب كتابًا شاملًا لأغلب مسائل الوقف؛ ليستفيد منه القاضي في قضائه، وحاول أن يجعله كتاب فقه بأسلوبٍ مبسطٍ لغير المتخصصين، من المهتمين بالأوقاف، من النظار ورجال الأعمال وغيرهم، ورأى الكاتب ألا يبسط القول في ذكر أدلة الأحكام، فهذا أيسر على المستفيد، وجعله الكاتب في مقدمة وأحد عشر بابًا وخاتمة على النحو التالي: المقدمة في بيان فضل الوقف، ومقاصده، ونماذج من الوقف في صدر الإسلام، وتعريفه، وأدلة مشروعية الوقف، وأركانه. الباب الأول: أركان الوقف. الباب الثاني: حكم الوقف بحسب حال الجهات الموقوف عليها. الباب الثالث: الصيغة. الباب الرابع: ألفاظ الواقف. الباب الخامس: الحيازة. الباب السادس: انقطاع الوقف. الباب السابع: النظارة. الباب الثامن: الشروط في الوقف. الباب التاسع: صيانة الوقف. الباب العاشر: تعطل الوقف. الباب الحادي عشر: كراء الوقف. كما وضع الكاتب فهرسًا للموضوعات مختصرًا وشاملًا. وهذا الكتاب إعادة صياغة لبعض أمهات كتب المذهب المالكي، وتحرير مسائلها بلغة معاصرة سهلة يستطيع فهمها القارئ المثقف حتى وإن لم يكن مختصًا في العلوم الشرعية. وقد امتاز الكتاب بكثرة مسائله، وملامسة الواقع في التطبيق، وذكر أمثلة من صميم واقع حياتنا المعاصرة. هذا إلى جانب حسن عرضه، وتفريعه، وجودة تصوره، وسبك نظمه، وترتيب مسائله، وضبط ضوابطها. هذا إلى جانب أصالة مصادره، وسلامة منهجه، وانضباط منهجيته، وسهولة أسلوبه ووضوح عرضه وهذان أمران يدرك قيمتهما وخصوصًا في باب الوقف كل متفقه يدرك الفارق بين الجلي الواضح والخفي الغامض. والمؤلف "قيس بن محمد آل الشيخ مبارك حاصل على د كتوراه في الفقه وأصول من جامعة الزيتونة - تونس 1411هـ، ودكتوراه مرحلية في الفقه وأصوله من جامعة الزيتونة - تونس 1418هـ. الخبرات الوظيفية: • معيد بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل 1406هـ. • محاضر بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل 1413هـ. • أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل 1418هـ. • أستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فيصل 1428هـ. • عضو هيئة كبار العلماء سابقًا. • عضو مؤسسة الأمير محمد بن فهد بن جلوي للقرآن والسنة والخطابة. • عضو رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي بالبحرين. ومن مؤلفاته: • "عقد العلاج الطبي"، "رسالة دكتوراه". • "المسؤولية الطبية في الشريعة الإسلامية"، "رسالة دكتوره" المرحلة الثالثة، دار الريان بيروت 1412. • تحقيق كتاب "النصيحة الكافية" للشيخ أحمد زروق. مطبعة الحسيني الأحساء، 1416هـ. • "خيار المجلس في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة"، حكم في مجلة البحوث الفقهية 1425 هـ. • "آراء القاضي عبد الوهاب الأصولية من خلال شرح البرهان للمازري"، نشر دار البحوث للدرسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي 1423هـ. • "أثر العولمة في بناء حضارة إنسانية مثلى"، نشر في مؤتمر اقتصاديات دول مجلس التعاون: فرص القرن العشرين، المنعقد برعاية كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك فيصل الأحساء في (19-21 ذو القعدة 1421هـ الموافق 13-15فبراير 2001م. • "الرشوة في الفقه الإسلامي أركانها وطرق إثباتها"، نشرت في مجلة الحكمة -لندن-العدد 30محرم 1426هـ. • "الرقية الشرعية تعريفها وصفتها"، حكم في مجلة جامعة الملك فيصل 1428هـ. • "زكاة عروض التجارة". • "إفشاء سر المهنة". • "مقالات وخواطر". • "تأملات وأنظار في التشريع والحياة". • "ثبوت الشهر، عرض الكيفية والأخذ بالرؤية وإمكان الأخذ بالحساب". • "من فتاوى العصر في مستجداته". • "أحكام الحيض والنفاس". • "حقائق ورقائق". |
المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب صدر حديثًا كتاب " المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب "، تأليف: "أبي حفص عمر بن بدر بن سعيد الوراني الكردي الموصلي الحنفي " (ت 622 هـ)، دراسة وتحقيق: " ليث بن أمين العلواني "، نشر " دار العمدة ". يطبع كاملًا لأول مرة عن أربع نسخ خطية، وهو كتاب حديثي لطيف في حجمه، وعظيم في فائدته، حيث مكن للمطلع عليه، الوقوف على جملة كبيرة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا تصح نسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في باب من أبواب العلم، قد تكثر فروعه، وتتشعب أطرافه وأسانيده، وتختلف ألفاظه ومتونه، كل ذلك بترتيب بديع وصياغة لطيفة وجيزة، أصبحت كالقواعد، يستغني بها غير المنشغل بهذا العلم عن الغوص في بطون الكتب، والولوج في شعاب الأسانيد والعلل والرجال، كما أنه كالمذكرة للمشتغل بهذا النوع: ( علم الحديث والعلل ). وتتميز تلك الطبعة للكتاب بزيادات كثيرة لم تكن في الطبعات السابقات، وذلك بالوقوف على أنفس مخطوطاته، تبلغ نحو سدس الكتاب. ولقد ألف الحافظ ضياء الدين أبو حفص عمر بن بدر الموصلي المتوفى سنة (622 هـ) جزأه المسمى: "المغُنْيِ عن الحفظ والكتاب بقولهم: لم يَصحَّ شيء في هذا الباب "، لخَّص به كتاب الإمام " ابن الجوزي" . والظاهر من صنيع المصنف أنه في هذا الكتاب يريد من قوله " لا يصح" أو "لا يثبت" معنى الموضوع الذي يقابل الصحيح والحسن والضعيف، بدليل عده هذا الكتاب من قبيل ما صنفه في الموضوعات، كما صرح بذلك في خطبته، وأكثر الأبواب يعبر فيها بنفي الصحة أو الثبوت، ولكنه ذهب في بعض الأحاديث إلى عدم الصحة أو الثبوت، وقد تكون بحسب علم دراية الحديث من نوع الحسن أو الضعيف. وأما منزلته في النقد وطريقته فيه: قال ابن حجر في "القول المسدد" - في حكم ابن بدر على بعض الأحاديث بالوضع -: «ولا اعتداد بذلك فإنه لم يكن من النقاد، وإنما أخذ كتاب ابن الجوزي فلخصه ولم يزد من قِبَله شيئًا». وقال السخاوي في "فتح المغيث" (ج2ص257): «وكذا صنف عمر بن بدر الموصلي كتابًا سماه (المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب) وعليه فيه مؤاخذات كثيرة وإن كان له في كل من أبوابه سلف من الأئمة خصوصًا المتقدمين». قال المحقق: قوله: « خصوصًا المتقدمين » يشعر بأن المتأخرين حصل عندهم من التوسع في قبول الأحاديث وتقويتها ما لم تجْرِ به عادة المتقدمين. وابن بدر هو أحد من عدهم اللكنوي في " الأجوبة الفاضلة " (ص171 - 172) من المتشددين في باب الجرح والوضع! والأغلب أنه متساهل في فنه. والمصنف هو: عمر بن بدر بن سعيد، الإمام المحدث المفيد الفقيه أبو حفص الكردي الموصلي الحنفي ضياء الدين. سمع من " عبد المنعم بن كليب "، و" محمد بن المبارك ابن الحَلاَوي "، و" أبي الفرج ابن الجوزي " وطبقتهم. وجمع وصنف وحدث بحلب ودمشق. روى عنه " الشهاب القوصي " و" الفخر ابن البخاري " و" مجد الدين ابن العديم " وأخته " شهدة "، فكانت آخر من حدث عنه. وقد حدث أيضًا ببيت المقدس. وله تواليف مفيدة وعملٌ في هذا الفن. عاش نيفًا وستين سنة، وتوفي في شوال سنة اثنتين وعشرين وست مئة، بالبيمارستان النوري بدمشق. ومن جملة مؤلفاته: • "المغني عن الحفظ والكتاب بقولهم لم يصح شيء في هذا الباب". • "العقيدة الصحيحة في الموضوعات الصريحة". • "معرفة الموقوف على الموقوف" في الحديث. • "استنباط المعين من العلل والتاريخ لابن معين". • "الجمع بين الصحيحين". |
فقه صلاة العيدين في المذهب الحنبلي لأحمد باجي العنزي صدر حديثًا كتاب " فقه صلاة العيدين في المذهب الحنبلي مع بيان الاختيارات الفقهية واللطائف الأصولية "، جمع ودراسة: د. "أحمد باجي العنزي "، نشر " دار الظاهرية ". وهذا الكتاب في مباحث أصولية واختيارات فقهية دقيقة في أحكام صلاة العيدين، وآدابهما، وسننهما على شرط السادة الحنابلة. يقول الكاتب: «وأصل هذه الرسالة وريقات كنت جمعتها أثناء المطالعة الموسميّة، لكتب السادة الحنبليّة، وما خطَّه يراع فقهاء المذاهب الزكيّة، ومع مرور الأيام أينعت ثمارها، وبلغت نصابها، فوجب حقها يوم حصادها، فقمت بمراجعتها وتهذيبها، رومًا لنشرها حتى يحصل تمام الانتفاع منها، وقد ذكرت فيها من لطيف الأقوال الفقهية، والنظرات الأصوليّة، والفوائد العلميّة... ». وتضمنت الرسالة عدَّة مباحث نافعة بدأت بتمهيد في التعريف بصلاة العيد، وكيفيتها، وحكمها، وشروطها، ووقتها، ومكان فعلها. وما حكم إقامتها في الساحات المغلقة؟ وفي صفتها أورد عدة مسائل ونكات، وفي شأن الخطبة بعد الصلاة ناقشَ مسألة هل يكتفي بخطبة واحدة أم بخطبتين كالجمعة، وما حكم الكلام أثناء خطبة العيد، وفيه روايتان عن أحمد. وما صفة الخطبة، وكيفية استفتاح النبي خطبة العيدين، وهديه صلى الله عليه وسلم في موعظتها. والحاصل أن الخطيب يدعو الناس في خطبة الفطر لإخراج الصدقة، ويبين لهم جنس ومِقدار المُخرج، ويَحثُّهم في خطبة الأضحى على الأضحية مع بيان أحكامها. وأورد الكاتب إشكالًا في هذه النقطة لأن صدقة الفطر - كما في المذهب - وقت أفضليتها قبل الصلاة وتُكره بعدها، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد، ومن حضر الخطبة فاته وقت الإخراج المرغّب فيه، ووقع في الكراهة، فما الفائدة من دعوتهم لإخراج صدقة الفطر في غير محلها المناسب؟! وأجيب عنه بموافقة ابن عثيمين - رحمه الله - ما قرره ابن نجيم الحنفي المصري بأن هذا فيه نظر؛ لأنه إذا بين أحكام زكاة الفِطر في هذا الوقت فقد فات وقتها؛ لأنه لا يجوز تأخير إخراجها إلى ما بعد الصلاة، والصواب أنّ بيان أحكام زكاة الفطر إنمّا يكون في آخر خُطبة من خُطب رمضان. أمّا في خُطبة صلاة عيد الفطر فلا وجه له. وأورد الكاتب جوابًا أصوليًا في مسوغات التذكير بالصدقات نهار العيد. كما بين الكاتب حكم الأذان والإقامة للعيدين، وتوسع في إيراد أقوال الأئمة العلماء لبيان مناهج الأئمة في الاستدلال، وأنهم لا تحصل لهم المخالفة الظاهرة للآثار، إلا بنظر رصين لظاهر النص وباطنه - وإن لم يوافقوا عليه - فَتُلتمس لهم الأعذار، وتحفظ مكانتهم وهم بين الأجر والأجرين. كما بيَّنَ حكم التنفُّل قبل وبعد الصلاة، وتعليل كراهة التنفُّل عند الحنابلة: لئلا يتوهّم أن لصلاة العيد راتبة قبلها أو بعدها. كما حرر محل النزاع في مسألة التنفل لصلاة العيد، وأورد آراء المدارس الفقهية في حكم التنفُّل قبل صلاة العيد وبعدها بتفصيل مسهب في المذاهب الأربعة، وقارنها باختيار الحنابلة المتقدمين منهم والمتأخرين. كما بيَّن ووضح أغلب المسائل المتعلِّقة بالتكبير في العيدين. كما بيَّن حكم التهنئة في العيدين، وصفتها، وسنن العيدين. قال ابن قدامة - في الكافي -: «ويسنُّ الاغتسال للعيد، والطّيب، والتنظيف، والسَّواكُ، وأن يلبسَ أحسن ثيابه». كما بين تعريف العيد وحكمه، وفيه تحرير لرأي ابن تيمية، ومناقشة أدلته. والكاتب هو د. " أحمد باجي العنزي " عضو الهيئة الشرعية ببيت الزكاة الأردني، حاصل على درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة المنيا وكان موضوع أطروحته العلمية « المصلحة وأثرها في المعاملات المالية المعاصرة دراسة نظرية تطبيقية » وذلك عام 1438 هـ-2017م، له من المؤلفات: • "الجامع في مفطرات الصيام المعاصرة ". • "فقه صلاة العيدين في المذهب الحنبلي". |
ترجمة موجزة للشيخ (حافظ) [1] إدريس درماكو – رحمه الله - نسبه ومولده: هو إدريس بن هود درماكو، من قرية شيباشنيسا العليا من محافظة كامنيسا التابعة لدولة كوسوفا [2] ، ولد في 7/ 8/ 1353 الموافق 15/ 11/ 1934م. نشأته: ينحدر الشيخ إدريس من عائلة قروية متدينة، معروفة بالتمسك بشعائر الإسلام، وهو ثالث الأبناء الأربعة لهود. وقد كان من عُرْف المسلمين في تلك المناطق إرسال أطفالهم إلى المساجد لتعلم مبادئ الإسلام، فكذلك نشأ الشيخ إدريس – رحمه الله -، فقد ذهب مع أقرانه وهو في السادسة من عمره ليتلقى الدروس الأولية عند إمام قريته ( شيباشنيسا )؛ الشيخ: رمضان درماكو. وفي فترة قصيرة نبغ الشيخ (حافظ) إدريس وتميز عن أصحابه، فظهرت فيه ملامح النجابة، واستطاع بعون الله أن يختم القرآن الكريم أمام شيخه قراءة، ويحصل بعض الدروس الأساسية. وقد كان سر تميزه عن أقرانه ما حباه الله به من نعمة الذاكرة القوية، وحسن الإنصات، وسرعة البديهة، مع حبِّ الاطلاع والبحث عن المعارف المتنوعة، فكل هذه المواهب التي وهبها الله له جعلت من حوله من أفراد أسرته يهتمون به اهتماماً كبيراً لينطلق في طريق طلب العلم الشرعي، ويتضلع من العلوم الإسلامية. وفي الرابعة عشر من عمره أنهى الشيخ إدريس – رحمه الله - حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ رمضان في قرية دبرشان من منطقة جيلان. بعد حفظه لكتاب الله وإتقانه؛ تأهل الشيخ (حافظ) إدريس للإمامة، وكان صاحب صوت رائع وندي، حيث بدأ يؤم المصلين وهو في الرابعة عشر من عمره، خاصة في صلاة التراويح في مختلف أنحاء كوسوفا. ومن خلال إمامة الشيخ للمصلين وتواصله مع الناس لمس الحاجة إلى القيام بتذكير المسلمين ووعظهم، فأخذ على عاتقه القيام بهذه المهمة العظيمة، وهو في السابعة عشر من عمره. كان الشيخ – رحمه الله - قد التحق بالتجنيد [3] بعد ذلك، وبعد انتهائه من خدمة التجنيد التي استمرت (سنتين)، عُين الشيخ (حافظ) إدريس – رحمه الله- إمامًا رسميًا في قرية [4] كوبرنيسا من محافظة "كامنيسا"، في مسقط رأس أمه، فأدى وظيفة الإمامة والخطابة في تلك القرية إحدى عشرة سنة، ومن هنا تبدأ فصول جديدة في قصة طلب العلم. طلب العلم وحياته الدعوية: بعد تعيينه إماما في قرية كوبرنيسا، رأى في نفسه حاجة للاستزادة من العلم؛ فرغبته الشديدة وحرصه على طلب العلم جعله يسعى في سبيل ذلك رغم انشغاله بالإمامة، فأرسل طلبًا لشيخ زمانه (حافظ) نجاتي –رحمه الله- ليلتحق بحلقته، وقد كان (حافظ) نجاتي –رحمه الله- قد سمع به سابقاً وعن رغبته في طلب العلم وعن ذكاءه ويقظته، فأرسل له أن يتمهل قليلًا؛ لأن أحد طلابه ممن هو قريب من منطقة (حافظ) إدريس سيتخرج من حلقته بعد أربعة أشهر، وهو الشيخ حسين حسني –رحمه الله- من قرية ترنوس [5] من محافظة بويانوس من دولة صربيا، ونصحه بأن يلازمه؛ علمًا بأن الشيخ حسين كان أكبر من (حافظ) إدريس بست سنوات فقط. أوصى (حافظ) نجاتي –رحمه الله- ألا يرحل الشيخ إدريس إليه؛ لأن المسافة بينهما كانت بعيدة، ولأنه لم يستطع أن يمنح له سكنًا ولا مكافأة فالفقر كان يحيط بهم ذلك الوقت، وكان من عادة العلماء عندنا أن يمنحوا مكافأة وسكناً (إذا دعت الحاجة) لطلابهم. بعدما أنهى الشيخ حسين حسني مراحل التعلم لدى الشيخ (حافظ) نجاتي –رحمه الله- مَنح الشيخ حسين حسني الفرصة للمهتمين من طلاب العلم أن يلتحقوا بحلقته، ليستفيدوا من علمه. فأما الشيخ (حافظ) إدريس –حفظه الله- نظرًا لعدم إتاحة الفرصة له لطلب العلم في البلدان العربية [6] ، فلم يتردد في الالتحاق بدروس الشيخ حسين، فالتحق به ولازمه مدة طويلة، فتعلم منه العربية، وأصبح قادرًا على فهم النصوص والاستدلال بها، ثم تعلم العقيدة والفقه خاصة، ثم العلوم الشرعية الأخرى. وعندما قرر أن يرحل إلى الشيخ حسين –رحمه الله- أراد أن يترك الإمامة ليلازم الشيخ، ولكن الشيخ حسين علم أن المسلمين في تلك القرية بحاجة إلى من يقوم بواجبات الإمامة، فطلب من (حافظ) إدريس ألا ينقطع عن الإمامة، ويتفق مع جماعة المسجد بأن يسمحوا له بالذهاب إلى الشيخ مرتين في الأسبوع فقط، مع أن حلقة الشيخ حسين كانت خمس مرات في الأسبوع، وقد علم الشيخ حسين أن (حافظ) إدريس خلال هذين اليومين قادر على استيعاب الدروس التي يأخذها الطلاب في خمسة أيام. وكان (حافظ) إدريس – رحمه الله - خلال ملازمة الشيخ حسين يسكن في المسجد، ويبقى فترات طويلة بعيدًا عن أهله دون أن يراهم، وفي خلال تلك الفترة، ما كان يسمع عن شيخ أو عالم إلا زاره واستفاد من علمه، فكان يقطع المسافات البعيدة في سبيل ذلك حتى مشياً على الأقدام لعدم وجود الراحلة. وبعد أحد عشر عاماً من إمامة المصلين في تلك القرية، كان يخطط أن يذهب إلى بلاد الشام ليطلب العلم هناك [7] ، لكن خطته لم تكتمل لوجود الحاجة الماسة إلى الدعاة في تلك النواحي من كوسوفا. وفي عام 1972م، انتقل إلى قرية بريليب من محافظة "دشان" [8] ليؤدي وظيفة الإمامة والخطابة، فبقي هناك إلى سنة 1978م. ومن بريلب انتقل إلى مسجد "ملا يوسف" في مدينة جاكوفا، فبقي هناك إلى عام 1980م. ومن جاكوفا انتقل إلى منطقة مختلفة تماماً، وهي منطقة "لاب" [9] ، حيث أدى وظيفة الإمامة والخطابة وتعليم الصبيان إلى عام 1985م، في المسجد الكبير بمدينة بودوييفا التابعة لمنطقة لاب. وفي نهاية المطاف عاد مرة أخرى إلى مقربة من عائلته، في قرية روغانا إماماً وخطيباً فيها حيث مكث هناك حتى عام 1992م. ♦ ♦ ♦ وفي السبعينات كانت المشيخة الإسلامية لا توظف إماماً راتباً إلا من توفرت فيه بعض الشروط التي حددها المشيخة الإسلامية، وكان من ضمن شروطهم: أن يكون موظفوها حاصلين على شهادة الدراسة الثانوية على الأقل. ورغم أن (حافظ) إدريس لم يجلس على مقاعد المدرسة الابتدائية ليتعلم القراءة و الكتابة، إلا أنه كان يتعلم القراءة والكتابة من بعض الأطفال الذين كانوا يذهبون إلى المدرسة في ذلك الوقت، وقد كانوا قليلين جداً، وفي فترة وجيزة جداً استطاع أن يجتاز المرحلة الابتدائية انتساباً، ثم سجل في الثانوية الشرعية "علاء الدين" بالعاصمة بريشتينا التي كانت قد بدأت كمدرسة ثانوية قبل بضع سنوات، ولم يواجه أي صعوبة على الإطلاق لاستكمال الامتحانات بمجموعها؛ لأن الدروس التي كان قد تلقاها في وقت سابق كانت أكثر تقدماً بكثير من المناهج التعليمية لمدرسة "علاء الدين". ومن خلال بقاءه في مدينة جاكوفا، انتهز الفرصة ليلتحق بــ "المعهد العالي للمجتمع والثقافة" وتخصص في التاريخ والجغرافيا (الذي يعادل مرحلة البكالوريوس في زمننا هذا) عام 1980م، وعمره 44 سنة، [من أسباب التحاقه بـ"المعهد العالي للمجتمع والثقافة" أن طبقة الشيوعيين كانوا متعلمين، فيرون من دونهم أقل فضلاً، ولا يستسلمون أمام معارضيهم مهما كانت حجتهم إذا كان المعارض أقل تعلّماً، فلم تكن نية الشيخ في ذلك إلاّ نفع الدعوة ونقد الفكر الشيوعي]. والتحاقه بهذا المعهد وحصوله على هذا المستوى من التعليم، فتح له مجالات مهمة في الدعوة إلى الله -عز وجل- خصوصاً أن المجتمع ذلك الوقت كان مليئاً بأفكار عدة، ومن أبرزها آنذاك: الفكر الشيوعي، فقام الشيخ بمواجهة الشيوعيين في وقت كان الحكم الشيوعي سائداً في تلك المناطق [10] . وبتوفيق من الله وبما حباه الله من حكمة وحسن مراعاة للأمور والأحوال تمكن من البقاء على الدعوة والاستقامة في الزمن الذي كانت كثيراً من شعائر الدين ممنوعة على عامة الشعب. وجعله حبه للعلم والعلماء مقرباً من كبار الشخصيات العلمية والفكرية داخل البلد وخارجه، وعُرض عليه من قبل شخصيات ذات مستويات عالية، أن يكون من كبار المسؤولين في الجهاز الحكومي في ألبانيا في الثمانينات، ولكنه رفض ذلك لأسباب دينية، وخشية أن يكون جزءاً من الحكومة في الدولة الشيوعية. ونظراً لعلم الشيخ وبُعد نظره وآرائه الصائبة وحكمه القيمة كان محبوبًا من قبل بعض كبار الشخصيات، وكانوا يستشيرونه في كثير من أمورهم واستمروا في علاقات جيدة معه، وكان يستقبلهم على الرغم من بعض الأحوال الصعبة التي كانت آنذاك. ♦ ♦ ♦ وعندما كانت الاعتداءات والثارات منتشرة على نطاق واسع بين مواطني كوسوفا، وفي عام 1990م بعد سقوط التحالف الاشتراكي في كوسوفا، اتخذ بعض المصلحين مبادرات صلح بين المسلمين وكانت تلك المبادرات ناجحة جداً، ونظراً لشهرة الشيخ إدريس وشخصيته وسمعته في المجتمع جعلت القائمين على هذه المبادرة ينقلوا هذه المهمة إلى (حافظ) إدريس، فأصبح مسؤولاً عن منظمة المصالحة لمنطقة "آنامورافا" [11] ، وأحد مؤسسيها؛ ومن الجدير بالذكر أن السمعة التي اكتسبها (حافظ) إدريس – رحمه الله - كانت نتيجة كثرة تنقلاته بين مناطق مختلفة في كوسوفا للدعوة وإمامة المصلين. ♦ ♦ ♦ ومن أهم وأجل اللحظات التي عاشها الشيخ (حافظ) إدريس – رحمه الله - في حياته كطالب علم وداعية وشخصية علمية ومحب للعلماء، هي لقائه ومصاحبته للشيخ عبد القادر الأرناؤوط –رحمه الله- فكان الشيخ عبد القادر الأرناؤوط –رحمه الله- ما بين سنة 1970م و1980م، يزور كوسوفا كثيراً بقصد الدعوة فيها، وبعد أول لقاء بين (حافظ) إدريس – رحمه الله - و الشيخ عبد القادر الأرناؤوط –رحمه الله- في عام 1974م، أصبح بيت حافظ إدريس مقراً للشيخ عبد القادر الأرناؤوط –رحمه الله-، حيث كان يمكث عنده أثناء جلوسه في كوسوفا، و كان (حافظ) إدريس يستغل زيارات الشيخ عبد القادر الأرناؤوط، فيستفيد من علمه، فهذه العلاقة الأخوية بينهما جعلت (حافظ) إدريس يزور الشيخ عبد القادر في دمشق، في عام 1989م، أثناء رحلته للحج، وقبل مغادرته لدمشق أوصاه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط بأن يزور سماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله-، فالتقى بالشيخ ابن باز –رحمه الله- وأثر فيه أيما تأثير، وتأثر به وأحبه حباً شديداً، وهذه الذكرى كانت من أحب الذكريات للشيخ (حافظ) إدريس، وما زال يردد هذه الذكرى و يعبر عنها بحب وشوق، و يقول أنها من أجمل ذكريات حياته. بعض صفاته: يُعرف (حافظ) إدريس – رحمه الله - بذكائه النادر، ورجاحة عقله وحكمته، فكان مرجعية لكثير من المسائل الدينية والمشاورات الهامة عند كثير من الناس. فحكَمه، وأمثلته، وخبرته الطويلة، وخاصة مهارته في شرح مسائل الدين وإبلاغ المعلومة للآخرين تجذب الناس لزيارته و الجلوس معه، ولا يجالسه أحد إلا تشوق للقاء آخر معه، حتى المشايخ الذين كان يدرس عندهم كانوا يشعرون بذلك، وإلى لحظاته الأخيرة بعد أن تجاوز ستة وثمانين سنة من العمر لم يتردد في مجالسة الناس والاستماع إليهم، فعندما يحضر أي مجلس من المجالس، فإن ذاك المجلس يتغير تغيراً جذريًّا في الحديث، فقد حباه الله بهيبة ووقار، ودائماً مع حضوره في المجالس كان يلقي أحاديث وحوارات تهم المجتمع الإسلامي، فجديته ومهاراته التي يملكها تجعل الجلوس معه غير مملٍّ حتى وإن استمر المجلس ساعات عدة. والكل يعرف غيرته لدينه، فلا يرضى أن يتعدى أحد على حقوق الدين لمصلحة شخصية، ولا يُذكر أنه غضب على أحد لمصلحة نفسه. وكان رجلاً زاهداً لا تهمه حياة الدنيا وزينتها بشيء، ولم يشبع من الطعام والشراب، وله من صفات وسمات الرجولة ما تميزه وتجعله أكثر مروءة وفضلاً، وهو معروف بالكرامة والأنفة، وهو سخي كريم، فبيته كان مفتوحاً دائماً لاستقبال الضيوف، ولا يشعر بالحزن إلا إذا غاب عنه الضيوف. وهو لطيف مع أهله، ومحب للأطفال، يراعيهم ويلاعبهم ويقضي كثيراً من أوقاته معهم، وله ستة من الأولاد (ابنين وأربع بنات)، ابنه الأصغر محمد درماكو سلك طريق أبيه، وهو خريج جامعة الأزهر، وهو من المشايخ المعتبرين في كوسوفا، وله جهود عظيمة في الدعوة. وله واحد وعشرون من الأحفاد، منهم أحد عشر متوجهون إلى التعليم الشرعي، ومنهم من حفظ كتاب الله، ومنهم من حصل على شهادات جامعية في البلاد العربية. ومن الجدير بالذكر أنه إلى لحظات الأخيرة من عمره لم ينقطع عن طلب العلم، وله ورد يومي من القراءة، وله تعلق شديد بكتاب الله، فيختمه في كل ثلاثة أيام، ويختمه كل يوم في رمضان بل أحياناً أكثر من مرة، وما زال متمسكاً بدينه وداعياً إليه إلى انتقل في رحمة الله -عز وجل-، فكان ورعاً تقياً، عاش حياته مكرماً عزيزاً لا يخاف في الله لومة لائم، ثبت في دينه بل دعا إليه في أصعب الأزمنة من خلال الحكومة الشيوعية إلى أن توفاه الله -عز وجل- فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ويلحقه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. توفي -رحمه الله- يوم الجمعة الثلاثة من ذي الحجة 1441 الموافق 24-07-2020م، ودفن في مقبرة شيباشنسا القرية التي ولد فيها. كانت هذه لمحة موجزة عن سيرة هذا العلم الذي ملأ كوسوفا علماً ودعوة، [12] وقلَّ أن يوجد مثله في بلادنا، والله أسأل أن يكثر من أمثاله، وأن يرحمه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. بلريم وليو، المدينة المنورة 3/ 12/ 1441 هــ، الموافق: 27/ 07/ 2020م [1] يلقب بـ "حافظ" عندنا كل من حفظ كتاب الله بكامله. [2] جمهورية كوسوفا تقع في جنوب شرق أوروبا (منطقة البلقان)، تحدها جمهورية مقدونيا من الجنوب الشرقي وصربيا من الشمال الشرقي والجبل الأسود من الشمال الغربي وألبانيا من الجنوب. عاصمتها بريشتينا. يبلغ عدد سكانها مليونين وثلاثمائة ألف نسمة. تبلغ مساحتها 10،577 كم 2 وقد كانت كوسوفا منطقة ذاتية الحكم ضمن صربيا حتى 17 فبراير 2008 حين أعلن البرلمان الكوسوفي بالإجماع استقلالها وإعلان برشتينا عاصمة لها، وحالياً تعترف 108 دولة باستقلال كوسوفا. [3] كانت الدولة تجبر مواطنيها للالتحاق بالجيش ليتعلّموا فيه فنون الحرب ومهاراتها، كانت تستمر الدورة التدريبية سنتين حتى يتأهل مواطنون لمواجهة العدو إذا دعت الحاجة لذلك. [4] كان سكان كوسوفا في ذاك الزمن أكثرهم يعيشون في القرى لسهولة العيش فيها، وكان أغلب الناس يشتغلون فلاحين. [5] تبعد قرية ترنوفس عن مقر إقامة الشيخ إدريس 30 كم، كان يقطع هذه المسافة ماشياَ على قدميه وأحياناً بالدراجة الهوائية. [6] كان السفر إلى البلاد العربية ممنوعاً في ذلك الوقت، حتى لأداء فريضة الحج. [7] في تلك الفترة، الأوضاع السياسية تحسنت قليلاً، فكان يريد أن يستغل الفرصة ليذهب إلى بلاد الشام. [8] هي محافظة تابعة لمدينة جاكوفا التي تقع غرب كوسوفا، تبعد عن منطقة الشيخ 130 كم تقريباً. [9] تقع مدينة منطقة لاب شرق-شمال كوسوفا، وتبعد عن مدينة الشيخ إدريس 83 كم. [10] الحالة السياسية: [ سادت يوغسلافيا ”سابقاً” فترة من الاضرابات في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبعد أن استقرت الأحوال أخذ المسلمون يستردون كيانهم فأعيدت لهم بعض مساجدهم ومدارسهم ، واعترفت الدولة بكيان المسلمين في سنة ( 1393 هـ – 1973 م )، وتكونت جمهورية إسلامية في بلاد البلقان، ويشكل المسلمون أغلب سكان هذه الجمهوريات، وأصبح للمسلمين حرية التعبد وإقامة المساجد وبناء المدارس، وشراء الكتب الإسلامية وكذلك نشرها، ولم تنقض مدة وجيزة على هذا الاستقلال حتى بدأت جمهورية صربيا تشن هجمات وحشية على الجمهوريات التي أعلنت استقلالها، ولاسيما جمهورية البوسنة والهرسك، و إقليم كوسوفا، وهى أهم مناطق تجمع المسلمين فيما كان يسمى بيوغسلافيا ، ولقد مارست صربيا عمليات استئصال ديني للمسلمين في هذه المناطق، وبعد أن اعتلى الماركسيون الشيوعيون الحكم في البلاد قاموا بحملة إبادة واسعة للشعوب الإسلامية المنكوبة التي سيطروا عليها، وأرسلوا وحدات من الجيش لاحتلال كوسوفا، فمارسوا فيها جرائم كبرى من هدم البيوت، وتدمير المنشآت الخدمية، وانتهاك حرمة المساجد والمدارس الدينية، وهتك أعراض المسلمات الحرائر، فكان يعد التمسك بالدين جريمة كبرى فضلاً عن ممارسته علنيًّا، والدعوة إليه، فما زالت الأحوال كذلك إلى أن سقطت الشيوعية عام 1989م]. [مختصر من بعض المواقع الإلكترونية]. [11] تقع منطقة آنامورافا شرق – شمال كوسوفا، ويتكون من أودية ومنحدرات كاراداك من اليمين وجبال شيغوش وغوشنيس من اليسار، وتشمل مدن فيتييا وجيلان وكامنيسا، مساحتها: 650 كم 2 ، طولها: فوق 40 كم، وعرضها: فوق 16 كم. [12] جمعت هذه المعلومات من ابنه أكبر إبراهيم درماكو، الذي كان يرافقه في جميع رحلاته. |
كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب للحافظ العلائي صدر حديثًا كتاب " كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب "، للحافظ العلائي (ت ٧٦١هـ) رحمه الله، تحقيق ودراسة: د. " إبراهيم بن عبدالله إهدى "، إشراف وتقديم: أ. د. الشيخ "أنيس طاهر "، وتقديم: أ. د. الشيخ " زين العابدين بَلاَفرِيج "، نشر "دار الإمام مسلم". وهو رسالة علمية نال بها كاتبها درجة العالِميَّة ( الماجستير )، تناولت تحقيق كتاب "كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب" تحقيقًا علميًّا متقنًا، وكتاب الحافظ العلائي ذكرَ فيه الصحابة الذين لهم رواية في "الصحيحين" أو في أحدهما، فحرَّرَ أسماءهم وألقابهم وأنسابهم بإيجاز، ثم ذكر عدد مروياتهم. وجاء بعده الإمام ابن بَرْدِسَ فنظم الكتاب في أرجوزة جميلة بديعة، صاغ فيها الأعداد والأرقام بمنظومة موزونة متقنة. وقد اعتمد المؤلف في هذا الكتاب على مصدرين اثنين كان كالتلخيص لهما، وهما: كتاب " الجمع بين الصحيحين " للإمام " أبي عبدالله الحُمَيديّ "، الذي جمع فيه بين صحيحي الإمام البخاري والإمام مسلم، وقد رتبه على مسانيد الصحابة، فجعله خمسة أقسام: مسانيد العشرة المبشرين، ومسانيد المقدمين بعد العشرة، وهم أربعة وستون صحابيًا، ومسانيد المكثرين من الصحابة، وهم ستة، ومسانيد المقلين، وهم واحد وأربعون صحابيًا، ومسانيد النساء، وهن أربع وعشرون صحابية. وأما الكتاب الثاني فهو: كتاب " عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث " للإمام " ابن حزم الظاهري " الذي اعتمد فيه على مسند "بقي ابن مخلد". وهو كتاب موجز، رتبه مؤلفه بحسب أعداد مرويات الصحابة الواردة في مسند بقي بن مخلد، فيبدأ بالأكثر رواية، ثم الأقل فالأقل، وبلغ عدد الصحابة في مجمل هذا التعداد ألفًا وثلاثة عشر صحابي. وأما " العلائي " فكان عمله في (كشف النقاب) أنه جرد الصحابة الذين لهم رواية في الصحيحين أو أحدهما من كتاب "الجمع بين الصحيحين"، ورتبهم على حروف المعجم لا على ترتيب المسانيد كما في كتاب "الحميدي". فيبدأ أولًا بذكر اسم الصحابي، ثم عدد ما له من الرواية جملة، معتمدًا في ذلك على إحصاءات ابن حزم، ثم يذكر عدد الأحاديث المتفق عليها، ثم عدد أحاديث ذلك الصحابي عند البخاري وحده، ثم عدد أحاديثه عند مسلم وحده، وذلك بالاعتماد على كتاب الحميدي. وقد قسم العلائي كتابه أربعة أقسام: الأول: في ذكر أسماء الصحابة الرجال. الثاني: فصل في الكنى. الثالث: فصل في النساء. الرابع: فصل في أوهام وقعت للحميدي وأبي مسعود الدمشقي. وهذا الكتاب ملئ بالفوائد المتنوعة ومنها: التوسع في ذكر أسماء الصحابة، فالحميدي يفصل في اسمه ونسبه وكنيته، ويختار الراجح عنده، وإذا كان الصحابي مشهورًا بكنيته نبه على ذلك، مع ذكر أهم مناقب الصحابي بإيجاز، مع ضبط الأسماء المشكلة، فيضبط ما قد يشكل من الأسماء والأنساب ونحوها، مع ذكر وفاة الصحابي غالبًا، كما يذكر مكان وفاته على الأغلب. كما أنه يستدرك على الحميدي في بعض الصحابة الذين لم يذكرهم، كما يتعقبه في بعض الأسماء التي ذكرها، كما تعقب ابن حزم في ذكر عدد مرويات بعض الصحابة. وبلغ عدد الصحابة الرجال الذين ترجمهم العلائي: (209) وعدد الصحابيات (35). وقد قدم المحقق للكتاب بمقدمات دراسية عن أهمية الكتاب وترجمة المؤلف، ومخطوطات الكتاب، ومنهجه في التحقيق، مع الضبط والتعليق على متن الكتاب، والفهرسة لموضوعات الكتاب ومباحثه. والحافظ العلائي هو الشيخ صلاح الدين العلائي، الحافظ المفيد المحدث الفقيه الأصولي الأديب، خليل بن كيكلدي بن عبد الله، الدمشقي الشافعي. وُلِد سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق. بدأ طلبَ العلم صغيرًا حيث ورد أنه سمع " صحيح الإمام مسلم " سنة ثلاثٍ وسبعمائة على الشيخ شرف الدين الفزاري، وسمع البخاري على ابن مشرف سنة أربع وسبعمائة، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها على الشيخ نجم الدين القحفازي، والفقه والفرائض على الشيخ زكي الدين زكوي. ثمَّ جدَّ في طلب الحديث سنة عشر وسبعمائة، وقرأ بنفسه على القاضي سليمان الحنبلي وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم ومن بعدهم حتى بلغ شيوخُه بالسماع نحو سبعمائة شيخ، ومن مسموعاته الكتب الستة وغالب دواوين الحديث. قال السبكي: كان حافظًا ثقة ثبتًا عارفًا بأسماء الرجال والعلل والمتون. وقال ابن كثير: كانت له يدٌ طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللغة، والعربية والأدب. والحافظ العلائي كان من أولئك الذين ارتحلوا للسماع والأخذ عن الشيوخ، وقد ذكر من ترجم له أنه حجَّ مرارًا، واستقر به المقام في مدينة القدس مدرسًا للحديث في التنكزية. إلى جانب الفتوى والتصنيف، حتى وافاه الأجل المحتوم في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد. ومن مؤلفاته: 1) إتمام الفوائد الموصولة في الأدوات الموصولة. 2) إجمال الإصابة في أقوال الصحابة. 3) الأحكام الكبرى. 4) الأربعين في أعمال المتقين. 5) الأربعين الإلهية. 6) الأربعين المغنية بفنونها عن المعين. 7) الأشباه والنظائر. 8) برهان التيسير في عنوان التفسير. 9) بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس. 10) تحفة القادم من فوائد أبي القاسم. 11) تحقيق الكلام في نية الصيام. 12) تحقيق المراد في أنَّ النَّهي يقتضِي الفساد. 13) تفصيل الإجمال في تعارض بعض الأقوال والأفعال. 14) تلقيح الفهوم في صيغ العموم. 15) التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة. 16) تهذيب الأصول إلى مختصر جامع الأصول. 17) توفية الكيل لمن حرَّم لحوم الخيل. 18) تيسير حصول السعادة في تقرير شمول الإرادة. 19) جامع التحصيل لأحكام المراسيل. 20) الدرة السنية في مولد خير البرية. 21) رفع الإشتباه عن حكم الإكراه. 22) رفع الإشكال عن حديث صيام ستة أيام من شوال. 23) شفاء المسترشدين في حكم اختلاف المجتهدين. 24) العدة في أدعية الكرب والشدة. 25) عقيلة الطالب في أشرف الصفات والمناقب. 26) فصل القضاء في أحكام الأداء والقضاء. 27) الفصول المفيدة في الواو المزيدة. 28) الفوائد المجموعة في الفرائد المسموعة. 29) حديث قطَعَ في مِجنٍ وما يتعلق به. 30) كتاب القواعد. 31) كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب. 32) الكلام على حديث ذي اليدين. 33) الكلام في بيع الفضولي. 34) المائة المنتقاة من الترمذي. 35) المائة المنتقاة من صحيح مسلم. 36) المائة المنتقاة من مشيخة الفخر. 37) المباحث المختارة في تفسير آية الدم والكفارة. 38) المجالس المبتكرة. 39) المجموع المذهب في قواعد المذهب. 40) المدلسين. 41) المسلسلات. 42) مقدمة كتاب نهاية الأحكام. 43) منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض. 44) النفحات القدسية. 45) النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح. 46) الوشي المعلم في من روى عن أبيه عن جده. 47) منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة. |
الوفية باختصار الألفية للإمام السيوطي صدر حديثًا كتاب " الوفية باختصار الألفية "، ألفية ابن مالك، اختصار الإمام العلامة " جلال الدين السيوطي "، المتوفى سنة 911 هـ، دراسة وتحقيق " حمزة مصطفى حسن أبو توهة "، وقدم له: الناشر " عبد العاطي محيي الشرقاوي "، نشر دار " علم لإحياء التراث والخدمات الرقمية ". وهذا الكتاب يطبع لأول مرة، عن مخطوطة فريدة كانت مفقودة، ووجدت في أسبانيا في مكتبة " الأسكوريال "، وهيَ نُسخةٌ نَفيسةٌ كتَبَها تلْميذُ "السيوطي" النَّجيبُ الإمامُ العَلّامةُ " محمَّد بْن عليّ الدَّاوديّ" (ت 945هـ) صاحِب "طبَقاتِ المُفسّرينَ"، وعليها تعليقاته، عثر عليها المحقق وقام بدراستها والعمل عليها، والمخطوط اختصار لألفية ابن مالك في النحو، وضعه الإمام السيوطي في نظم بديع، وقد كان السيوطي ذا ولع باختصار كثير من العلوم والكتب في مصنفاته. ونجد أنه منذ وضعَ العلَّامةُ " ابْنُ مالكٍ الأَندلُسيّ الجيّاني " ألْفيَّتَه في النَّحو وجهودُ كثيرٍ منَ النُّحاةِ مُنصبَّةٌ عليْها؛ فقد صارَتْ بحقٍّ كعْبةَ الدّارِسين، شُرِحتْ كثيرًا مِن عُلماءَ عارِفينَ، وَاخْتُصِرَتْ كذِلك، وحاولَ بعضُهم مُحاكاتَها. وللإمامِ السُّيوطيّ مجدِّدِ عصْرِه رحمه الله نَصيبٌ وافرٌ منَ العِنايةِ بألفيَّةِ ابْنِ مالِك؛ فلَه عَليْها شرْحٌ ممْزوجٌ متَوسِّط اسمُه " البهْجة المرْضيَّة " أو " النهْجة المرْضيَّة "، وقد تتبع الإمام السيوطي في شرحه نظم ابن مالك بالبيان منبهًا في قليل من الأحيان على ما يخالفه، وفي أكثر الأحيان يوافق ابن مالك ويدفع عنه هجوم من خالفه. وله كتاب " النُّكت على الألفيَّة والكافية والشَّافية والشُّذور " جَمعَ الكَلامَ فيهِ عَلى هذِه الكتُبِ، وهو دراسة نقدية لبعض المؤلفات النحوية وعلى رأسها الألفية، لكن هذا النقد يتسم بروح العصر وطابعه، ولذلك فهو حريص على انتقاد التعريفات والحدود النحوية والمقارنة بينها في محاولة للوصول إلى أكثرها جمعًا ومنعًا، أو أصحها وأدقها وأنسبها من وجهة نظر السيوطي، وقد وصف السيوطي عمله ومنهجه ونظام كتابه بقوله: إنه «نكت حررتها على كتب في علم العربية عم النفع بها وكثر تداولها وهي... أذكر ما يرد على العبارة مع جوابه إن كان، وأنبه على ما اختلف فيه كلام مصنفيها في سائر كتبهم المختصرة كالتسهيل والكافية الكبرى والعمدة وسبك المنظوم لابن مالك، والوافية لابن الحاجب والقطر الجامع لابن هشام، وأشيع في الكلام بأقصر عبارة، وألخص فيه متفرقات كلام شراح هذه الكتب، وما وقفت عليه من تعاليق ابن هشام على الألفية والتسهيل معزوًا إليه، وأشير فيه إلى مقاصد الشرح الوجيز الذي وضعته على الألفية، واتبع فيه ترتيب الألفية في المسائل والأبواب». ثمَّ هذا الكتابُ في اخْتِصارِ الألْفيَّة، وهو (635) بيتًا فقَط. ونجد أنه في "الوفية" زاد أشياء على ما قاله "ابن مالك" على حسب تعليقه "مما ترتضى" وهي قليلة. وقد قام المحقق الغزي الأستاذ " حمزة مصطفى أبو توهة " بتحقيق ودراسة المؤلَف، وإخراجه للنور في هذا السفر النفيس، مع الضبط والتشكيل والتعليق على المنظومة، وترقيم أبياتها. والأستاذ " حمزة مصطفى حسن أبو توهة " محقق من فلسطين، مهتم بالتراث والمؤلفات اللغوية، خريج قسم اللغة العربية بكلية الآداب من " الجامعة الإسلامية " بغزة، من تحقيقاته: " القصيدة العجيبة والمفردة الغريبة لابن الخشاب " (ت 567 هـ)، و" البهجة الوفية بحجة الخلاصة الألفية " لأبي البركات بدر الدين محمد بن محمد الغزي (ت 984 هـ)، و"ا لكوكب المنير في شرح الألفية بالتشطير " للشيخ عبدالجليل بن أبي المواهب محمد بن عبدالباقي الحنبلي البعلي الدمشقي الشهير بالمواهبي (ت 1119 هـ). |
لمحات تاريخية من حياة ابن تيمية ( 2 ) لا بدَّ للدارس لحياة ابن تيمية من معرفة الأحوال الفكرية والاجتماعية والسياسية في عصره؛ حتى يأخذ وينظر من خلال تلك الحالة إلى حياة ذلك الإمام العظيم، فقد كان عصره وهو القرن السابع والثامن الهجري يموج موجًا بالأفكار الدخيلة على الأمة الإسلامية، حيث تشعبت الأفكار واختلفت الآراء في كثير من المسائل الشرعية، وخاصة مسائل العقيدة التي يبنى عليها أساس كل شيء. فقد عاصر ابن تيمية فرقًا كثيرة من الفرق الإسلامية التي شطحت وابتعدت عن الحق ونابذت أهل الحق في كثير من المسائل الأصولية. وأكثرها امتدت جذورها إلى ديانات أخرى من نصرانية ويهودية ووثنية جاء الإسلام على إنقاذها أو إبطالها من أساسها فمن شيعة إمامية على اختلاف مشاربها وتباعد ديارها، ومن رافضة غلاة أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي ومن معتزلة فلسفية حكمت العقل وحده، ومن جبرية مستسلمة يقولون إن الإنسان لا إرادة له وأنه كالريشة في مهب الرياح تصرفه كيف يشاء. ومن منتسبة للأشعري آمنت ببعض الصفات وأنكرت بعضها أو أوَّلتها ونصبت نفسها الفرقة الوحيدة التي تمثل أهل السنة والجماعة. كل هذه الأفكار والفرق عاش ابن تيمية كل حياته في خضمها يجاهد بقلمه ولسانه ويدافع عن جوهر العقيدة الإسلامية دفاع المستميت المتفاني في سبيلها، فقد كتب عن الشيعة والروافض كتابًا ضخمًا عظيمًا في أربع مجلَّداتٍ سمَّاه: «منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية»، وهو رد على كتاب « منهاج الكرامة »، لمؤلفه ابن مطهر الحلي الشيعي المتوفى سنة 726هـ وقد كتب ابن مطهر كتابه هذا بصفةٍ خاصة إلى الملك ( الجايتو خدابنده ) وهو أحد الملوك الإيلخانية ومن أحفاد الملك (جنكير خان) يدعوه فيه إلى مذهب الشيعة الإمامية. وقد تناول ابن تيمية فيه أصول مذهبهم وتصدَّى للتفصيل والبسط فيه بعقلية جبارة مؤمنة يعرف كيف يضع النقاط على الحروف ويضرب على المحز من حيث لا يشعرون، فرَدَّ مذهبهم إلى جذوره الأصيلة التي يبنون عليها، فقد كان بحق نقض كلامهم وتهافتهم في كل باب يفتحونه على أنفسهم ولا يستطيعون إغلاقه. ابن تيمية والصوفية الفلسفية: تطورت فكرة التصوف والصوفية في عهد ابن تيمية إلى أفكار خبيثة تهدم الإسلام هدمًا صريحًا، وتقيم وثنية فلسفية باسم الزهد والولاية والكرامة، فقد تحول مفهوم التصوف الدال على الصفاء وتزكية النفس - وإن كان أصل الاسم من أساسه خطأ - تحول هذا المفهوم إلى مفهومٍ آخر وهو القول بوحدة الوجود أو بمعنى آخر حلول الله في بعض مخلوقاته - تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا - وقد تزعَّم هذا القول وأعلنه في كتبه العديدة ومن أشهرها كتاباه "الفتوحات المكية" ، و"فصوص الحكم" ذلك الملحد الخبيث أبو بكر محي الدين بن عربي الطائي الأندلسي ومن أقواله الكافرة: الرَّبُّ حقٌّ والعبدُ حقٌّ يا ليتَ شِعرِي مَنِ المكَلَّفُ؟ إنْ قُلتَ: عبدٌ، فذَكَ ربٌّ أوْ قُلتَ: رَبٌّ، أنَّى يُكلَّف؟ فسر هذا الكلام عند أتباعه الذين يتبعونه وهم لا يدركون حقيقته بأن فيه رموزًا وإشارات لا يدركها أهل الشرع، وإنما هي للخواص وخواص الخواص، وأصبح له أتباع في ذلك العصر وهم الذين لا يدركون حقيقة هذا الكفر، ثم جاء من بعده ابن الفارضِ يفلسفُ مذهب الحلول على رأيه ويدَّعِي الألوهية في بعض الأحيان. ومن أقواله الكافرة: لَها صَلواتِي في المقامِ أُقِيمُها وأَشْهدُ فيها أنَّها لِي صَلَّتِ كِلانَا مُصَلٍّ واحدٌ نَاظرٌ إِلَى حَقِيقتِه بالجَمْعِ في كُلِّ سَجْدةٍ ومَا كان لِي صلَّى سِواي ولَمْ تَكُنْ صَلاتِي لغيرِي في أَداءِ كُلِّ رَكعةٍ رأى ابن تيمية هذا الكفر البواح ودعوى الألوهية والتفكير الفلسفي الوثني الذي ما كان خطر ببال أحدٍ من المشركين والوثنيين الجاهليين في الجاهلية الأولى، بل كانوا مع عبادتهم لغير الله تعالى يؤمنون بأن الله ربُّ السماوات والأرضِ وأنه هو الرزاقُ الخالق فهذا زُهيرُ بنُ أبي سُلْمَى الشاعر الجاهلي يقول: فَلا تَكتُمنَّ اللهَ ما في نُفوسِكم ليخفَى ومَهما يُكْتمِ اللهُ يَعلَمِ يُؤخَّرْ فيوضَعْ في كتابٍ فيُدَّخرْ ليومِ الحسابِ أو يُعجَّلْ فيُنقَمِ وهو القائل: وأَعلَمُ علمَ اليومِ والأمسِ قبلَه ولكنَّنِي عن علمِ ما في غَدٍ عَمِ رَأيتُ المنايا خَبطَ عشواءٍ مَنْ تُصِبْ تُمِتْه ومَنْ تُخطِي يُعمَّرْ فيَهْرَمِ فأين هذا القول من قول ابن عربي وابن الفارض وغيره من الملاحدة في ذلك العصر. رأى ابن تيمية هذا الانحطاط في الفكر حيث أخذ يَسري في الأمة وأصبح يشار إلى هؤلاءِ بالبنان تارة باسم التصوف والزهد وتارة باسم الكرامة والولاية. فثار ثورته وانقض عليهم كالأسد يردُّ على أقولهم الباطلة وأخذ يردها إلى أصولها الوثنية القديمة ويشهرها في الناس حتى يكونوا على بَينةٍ من أمرهم. والواقع لم يكن ابنُ تيمِيَّة وحده الذي كفَّر ابن عربي وغيره من هؤلاء بل هناك من كبار علماء -من أهل السنة وغيرهم - من كفَّر ابن عربي وألفوا فيه الرسائل العديدة أو ذكروه في تراجم كتبهم مثل: الحافظ ابن حجر العسقلاني في "لسان الميزان"، وأبي حيان المفسر في تفسيريه "البحر" و"النهر"، قال شيخ الإسلام ابن دقيق العيد: «لي أربعون سنة ما تكلمت كلمة إلا وأعددت لها جوابًا بين يدي الله تعالى، وقد سألتُ شيخنا سلطان العلماء عبد العزيز بن عبد السلام عن ابن عربي فقال: شيخ سوءٍ كذَّاب، يقول بقدمِ العالم ولا يحرِّم فرجًا. وقد بالغ ابن المقري فحكم بكفر من شك في كفر طائفة ابن عربي». فهؤلاء أئمة الصوفية الحلولية وَجَدَ ابن تيمية أقوالهم منتشرة في العامة والخاصة إلا من عصم الله وقليل ما هم. مناظراته ودفاعه عن العقيدة: اشتهر أمر ابن تيمية وذاع صيته في العامة والخاصة، وأصبح يشار إليه بالبنان، وتعقد له المناظرات فلا يستطيع أحد أن يقف أمامه أو يناظره إلا أفحمه وقطع لسانه، ومن هنا دبَّ الحسد والحقد إلى قلوب مخالفيه وأعدائه، وفي هذه الفترة بالذات في سنة 698 هـ يأتيه سؤال في العقيدة من حَمَاة في مسألة صفات الله - عزَّ وجلَّ - فأجاب السائل في عدة كراريس وهي المعروفة اليوم بالرسالة "الحموية" جاء في أوَّلها: «قولنا في الصفات ما قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم.. » إلى أن قال: «ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وصفاته من هؤلاء الأصاغر أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل لقرآن والإيمان؟؟ ». وقد شنع عليهم في هذه الرسالة أعظم تشنيع وبين سقطاتهم وتهالكهم في هذا الباب فحين انتشرت هذه الفتاوى بين العامة والخاصة ومضى عليهم زمن طويل لم يسمعوا هذا الكلام قام عليه الحساد من أهل الطوائف ومن جعل علم الكلام والفلسفة يفضل كلام الله ورسوله في الاستدلال ورموه بما هو منه بريء كبراءة الذئب من دم يوسف، ولكن الذي يلفت النظر أنَّ أحدًا منهم لم يستطع أن يرد عليه أو يناظره إنما شكوه إلى القاضي جلال الدين الحنفي وهو أشعري المذهب أو ماتريدي وأرسل القاضي في طلب الشيخ ابن تيمية فلم يحضر إنما رد عليه في رسالة قائلا: «إن العقائد أمرها ليست إليك وإن السلطان إنما ولاك لتحكم بين الناس وإن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي وحده». وفي يوم الجمعة اجتمع القاضي وبعض فقهاء المذاهب بالشيخ وناقشوه في عقيدته وحصلت لهم مناظرة أمام الناس فأجابهم شجاعة وبسالة ولم يستطع أحد أن ينال منه في هذه المرة. وفي السنة 705هـ في شهر رجب قامت محنة أخرى على هذا الإمام الجليل من قبل الطوائف المعادية وبعض الفقهاء وذلك بسبب انتشار فتوى في العقيدة على أثر سؤال جاءه من أرض واسط وبيَّن فيها مذهب السَّلفِ في الصفات ورَدَّ على المتكلمين والمؤولين والمحرفين والمشبهين فقامت قومتهم واشتكوه في هذه المرة إلى السلطان وإلي قصر السلطان جاشنكير، وأحضر الأمير نائب السلطان بالشام الفقهاء والعلماء، وأُحضر الشيخ ابن تيمية إلى مجلس نائب السلطان على أن يعقد لهم مناظرة ويسأله عن اعتقاده وحين بدأ الشيخ يجيب ويدافع عن عقيدة الحق ويشرح الذي دفعه إلى كتابتها كان يقاطع أثناء كلامه لئلا يتمكن من إيضاحها للحاضرين وهو يقول لنائب السلطان: «لو أن يهوديًّا طلب من السلطان الإنصاف لوجب عليه أن ينصفه، وأنا قد أعفو عن حقي وقد لا أعفو بل قد أطلب الإنصاف منه وأن يحضر هؤلاء الذين يكذبون علي ليحاكموا على افترائهم... » إلخ ما قاله - رضي الله عنه - ولولا ضيق المجال لسقنا المجادلة بكاملها. وفي نفس السنة ثارت ثورة طائفة تسمى بالأحمدية ثارت على الشيخ ابن تيمية وحضر جماعة منهم يشتكون الشيخ إلى نائب السلطان وأن يكفَّ عنهم ويتركهم وشأنهم وما هم عليه وخلاصة أعمالهم أنهم يستعملون السحر ويتعاطون بعض الأشياء الشيطانية ويدخلون النار أمام الناس بزعمهم أن هذه الأعمال ولاية أكرمهم الله بها، فانبرى لهم ابن تيمية في المجلس وقال: «إنَّ هذه أحوال شيطانية باطلة، وأكثر أحوالكم من باب الحيل والبهتان، ومن أراد منكم أن يدخل النار فليدخل أولا إلى الحمام ويغسل جسده غسلًا جيدًا ثم يدلكه بالخل والإشناق ثم يدخل بعد ذلك إلى النار إن كان صادقًا ولو فرض أن أحدًا من أهل البدع دخل النار بعد أن يغتسل فإن ذلك لا يدل على صلاحه ولا على كرامته بل هي حالة من أحوال الدجاجلة المخالفين للشريعة». فقال شيخ منهم: «نحن أحوالنا إنما تنفق عند التتر ليست تنفق عند الشرع». قال ابن كثير: «فضبط عليهم الحاضرون تلك الكلمة وكثر الإنكار عليهم من كل أحد». وألف ابن تيمية بعد هذا المجلس فيهم كتابًا سماه " شيوخ الأحمدية " أو " الطريقة الأحمدية " بيَّن فيه مذاهبهم ومن أين أخذوا هذا السحر، وأظهر حكم الإسلام فيهم وفي أمثالهم من المشعوذين، ولقد عاصر ابن تيمية هذه الفرق وأعطى كل قسم حقَّه ولم يدَّخرْ وسعًا في كشف حقائقهم وأباطيلهم ولم يعرف عنه التواني أو المداهنة أو المراوغة بل كان سيفًا مسلولًا على هذه الفرق الضالة التي أفسدت عقيدة الأمة الإسلامية وكادت أن تذهب بها أدراج الرياح. المصدر: «مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية»، السنة: 2، العدد: 1 – رجب 1389هـ |
منهج الإمام أحمد بن حنبل في الاحتساب لمحمد بن فهد الفريح صدر حديثًا كتاب "منهج الإمام أحمد بن حنبل في الاحتساب: قواعد وتعامل" ، تأليف: د. "محمد بن فهد بن عبدالعزيز الفريح "، نشر " دار أطلس الخضراء للنشر والتوزيع ". وهو بحث مختصر في قواعد الإمام أحمد في الاحتساب، وتعامله مع الناس في هذا الباب، مع التنبيه إلى الطريق الذي سلكه، والمنهج الذي اتبعه، والسبيل الذي سار عليه، وذلك بذكر جملة من الروايات عنه، بالإضافة إلى بعض النقول عن العلماء، خاصةً علماء المذهب الحنبلي، حيث هدفت الرسالة إلى دراسة فقه الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - في الاحتساب. ومن أسباب اختيار هذا الموضوع: عناية الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - بالحسبة بجانبيها العلمي والعملي، أي النظري والتطبيقي، متجلية تلك العناية في جانبها العلمي فيما تضمنته كتب المذهب الحنبلي نقلًا عن الإمام أحمد - رحمه الله - من تناول لمسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومتجلية في جانبها العملي في الجهود الاحتسابية التي قام بها - رحمه الله - أمرًا بالمعروف وإنكارًا للمنكر في مجالات مختلفة. واشتمل البحث على مقدمة ومبحثين وخاتمة، وقد حوى كل مبحث خمسة مطالب: المبحث الأول: القواعد التي بنى عليها الإمام أحمد رحمه الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: العلم. المطلب الثاني: الرفق. المطلب الثالث: تحقيق المصالح ودرء المفاسد. المطلب الرابع: الاستطاعة. المطلب الخامس: الصبر. المبحث الثاني: منهج الإمام أحمد رحمه الله في أمره للناس بالمعروف ونهيه لهم عن المنكر، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: أمره للعلماء بالمعروف ونهيه لهم عن المنكر. المطلب الثاني: أمره للحاكم بالمعروف ونهيه لهم عن المنكر. المطلب الثالث: أمره لأهله بالمعروف ونهيه لهم عن المنكر. المطلب الرابع: أمره للعامة بالمعروف ونهيه لهم عن المنكر. المطلب الخامس: أمره للمبتدعة بالمعروف ونهيه لهم عن المنكر. وقد اهتم علماء الحنابلة بفقه الاحتساب وألفوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتبًا مفردة، أوردوا فيها أهم مسائله، والأحاديث المروية فيه، ودرسوا أحكامه، ووضحوا شروطه، وجمعوا عن إمامهم أحمد أهم رواياته ومسائله، ومنْ تأملَ ما قاله الإمام أحمد بن حنبل من قواعد وتقريرات وأقوال في الحسبة، وإجابات لأسئلة أصحابه في هذا الشأن، سيندهش من كثرتها، وعمق فقهها، ومنهجيتها، وانطلاقها من التأصيل الشرعي والهدي النبوي، من مراعاةٍ للمصالح، والنظر في العواقب، حتى ليمكن القول أنه بحقٍ مدرسةٌ متكاملةٌ في الحسبة والاحتساب. |
من الطب النبوي التداوي بالقُسط الهندي الحمد لله المعز لمن أطاعه واتقاه، والمذل لمن أضاع أمره وعصاه، وبعد: فلعل الفارق الجوهري بيننا وبين جيل الصحابة أن جيل الصحابة ما كانوا يسمعون عن شيء من سنن النبي -صلى الله عليه وسلم- دقَّتْ أو جلَّتْ إلا طاروا إلى امتثالها ذرافاتٍ ووُحدانًا، يحدوهم شعار كبير لا يخرمونه، ألا وهو «سمعنا وأطعنا»، لذا عزُّوا بين الأمم وسادوا، ولو أن المسلمين الآن كانوا على هذا النهج لدانت لهم رقاب الأمم شرقًا وغربًا. ولا أعلم زمانًا الناسُ أحوجُ فيه إلى العمل بالسنة النبوية مثل زماننا هذا، فقد استشرت الأمراض القلبية والعضوية، وما من بلد إلا وقد أفزع أهلَه فيروس كورونا المستجِدّ، والذي انتشر في العالم كله انتشار النار في الهشيم، وعجز العالم كله أن يقف على علاج لمنع انتشار هذا الوباء، أو الحدّ منه، ومات بسببه مئات الألوف حول العالم في أشهر معدودة، وأصيب الملايين، واكتظت المشافي حتى لجأ الناس للعزل المنزلي. وقد اتجهت - والحالة هذه - أنظار الكثيرين للبحث عن علاج، فأرشدني أحد أصدقائي إلى استعمال القُسط الهندي لما له من فوائد عظيمة في علاج أعراض هذا الفيروس، فشرعت أبحثُ عن معلومات عن هذا العُشب، فإذا به من الأدوية التي نصح بها النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكنه غائب عنَّا كسائر ما غاب عنا من الطب النبوي. ففي "الصحيحين" من عدة طرق بعدة ألفاظ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن أمَّ قيسٍ بنتَ مِـحصَنٍ [وكانت من المهاجرات الأُول اللاتي بايعنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أختُ عُكَّاشةَ بنِ محصَن، أحد بني أسدِ بنِ خزيمةَ] قال: أخبرتني أنها أتتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بابنٍ لها لم يبلغ أن يأكل الطعام، وقد أعلقتْ عليه من العُذرة. [قال يونس بن يزيد أحد رواة الحديث: أعلقتْ: غَمزتْ فهي تخاف أن يكون به عُذرة]. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علامَهْ تَدغَرنَ أولادَكنَّ بهذا الإعلاق؟ عليكم بهذا العُود الهندي [يعني به الكُسْتَ]، فإن فيه سبعةَ أشفيةٍ، منها ذاتُ الجَنب؛ يُسْعَطُ مِنَ العُذْرَة، ويُلَدُّ مِن ذاتِ الجَنْبِ». بداية أوضح بعض الكلمات التي استعملها النبي – صلى الله عليه وسلم – وهي غير مستعملة في عصرنا، وهي: أعلقتُ: عالجتُ وجعَ لهاته بإصبعي. والعُذرة: وجع في الحلق يهيج من الدم. وتدغرنَ: قد كان من عادة النساء في معالجة العذرة أن تأخذَ المرأة خرقة، فتفتلَها فتلًا شديدًا، وتُدخِلَها في أنف الصبي، وتطعنَ ذلك الموضع، فيتفجرَ منه دم أسود، وربما أقرحته. وذلك الطعن يُسمى دغرًا وغدرًا، فمعنى «تدغرنَ أولادكنَّ»: أنها تغمز حلق الولد بإصبعها، فترفع ذلك الموضع وتكبسه. والإعلاق: هو معالجة عُذرة الصبي، وهو وجع حلقه، وفي رواية أخرى «العِلاق». وعليكم بهذا العُود الهندي: أي: استعمِلوا هذا العود، وهو خشب يؤتى به من بلاد الهند طيب الرائحة قابض فيه مرارة! ويُسمَّى أيضًا «القُسط» بالقاف والكاف. وذات الجَنب: التهاب غلاف الرئة فيحدث منه سعال وحمى ونخس في الجنب يزداد عند التنفس. والمعنى: استعمِلنَ هذا العُود في العلاج من العُذرة، ولا تؤلمنَ أولادكنَّ بغمز حلوقهم. ويُسعَط به: أي: يُصَبُّ بهذا العود في الأنف. ومِن العُذرة: أي: لأجل العلاج من العذرة. ويُلَدُّ به: أي: يُصَبُّ بهذا العود في أحد جانبَيِ الفم للعلاج. وأسوق هنا جملة من فوائد الحديث لعل أحدًا ينتفع بها: ♦ منها أن رسول الله كان أرحم الناس بالناس، وأعلمهم بسياسة النفوس، تدخل عليه المرأة بولدها الرضيع ليحنِّكَه كما وقع في الرواية الأخرى، وهو من هو؟ هو رسول الله للعالمين، يحدوه الرفق واللين، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نٌزع من شيء إلا شانه. ♦ ومنها بيان ما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من شدّة حبّهم للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- حيث يحملون أطفالهم الصغار إليه، فقد كان رسول الله مرجعًا للصحابة في كل صغير وكبير حتى في أمراضهم العضوية، فالنبي بمثابة جامعة علمية يلجأ إليها ذوو الحاجة على اختلاف معارفهم. ♦ ومنها أنه لا ينبغي أن يداوى المريض بالأدوية ذات الأعراض الجانبية المؤذية طالما وُجد علاج خالٍ من الأعراض، فقد أنكر النبي عليهم الدغر بالإعلاق، ونصحهم باستعمال العود الهندي، وفي حديث أنس عند البخاري أيضًا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقُسط البحري». ♦ ومنها أن الطب النبوي في حاجة لإعادة نظر منا للوقوف على هذه الأدوية التي تعالج الأمراض المستعصية على الطب في العصر الحديث، فهذا العود الهندي من الأدوية التي ثبتت بالوحي، فينبغي استعماله، ولا سيّما من العُذرة. ♦ قوله: «علامَه» مكوَّنة من: «على» الجارة و«ما» الاستفهامية» وهاء السكت التي ثبتتْ في درج الكلام. وفي رواية البخاري «على ما» بإثبات ألف «ما» الاستفهامية المجرورة، وفي بعض روايات البخاري: «علامَ» بإسقاطها؛ أي: لأي شيء؟ وجماهير النحاة على أن «ما» الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر حُذفت منها الألف مثل: ﴿عمَّ يتساءلون﴾. قلتُ: لعل النُّساخ في هذا الحديث أرادوا مشاكلة اللغة المكتوبة للغة المنطوقة، فإن الاستفهام في قول النبي: «على ما تدغرن أولادكن بهذا العِلاق؟!» استفهام استنكاري لهذا الذي يفعله النساء بأولادهن من غمز موضع الدم لينفجر. والعذرة قريبةٌ من اللَّهاة، وهي اللحمة الحمراء التي في آخر الفم وأول الحلق، وكانت النساء ترفعها بأصابعهن، فنهاهنَّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك؛ لِـمـا فيه من تعذيب الصبيّ، ولعل ذلك يزيد في وجع اللهاة. ♦ قوله: «يُسعَط به من العُذرة، ويُلدُّ به من ذات الجَنب» كذا وقع الاقتصار في الحديث من السبعة على اثنين، فإما أن يكون ذكر السبعة، فاختصره الراوي، أو اقتصر على الاثنين لوجودهما حينئذ دون غيرهما، وسيأتي ما يقوي الاحتمال الثاني. وقيل: ذكر -صلى الله عليه وسلم- سبعة أشفية في القسط، فسمى منها اثنين، ووكل باقيها إلى طلب المعرفة، أو الشهرة فيها. وقيل: خصّ ذات الجنب بالذِّكر؛ لأنه أصعب الأدواء، وقلّما يَسْلَم منه من ابتُلي به. ♦ ومنها أنه إذا كان في العود الهندي هذه الأدوية الكثيرة، فما وجه تخصيص منافعه بسبع كما في الحديث، مع أنها أكثر من ذلك كما نص عليه الأطباء؟ ولأي شيء لم يُفصِّلها رسول الله؟ الجواب عن الأول بعد تسليم أن لأسماء الأعداد مفهومَ مخالفةٍ: أنَّ هذه السَّبعَ المنافعَ هي التي علمها بالوحي وتحقَّقَها، وغيرَها من المنافع عُلمت بالتجرِبة، فتعرَّض لما علِمه بالوحي دون غيره. وعن الثاني: أنَّه إنما فضَّل منها ما دعتْه الحاجة إليه، وسكتَ عن غيره؛ لأنَّه لم يُبعثْ لبيان تفاصيل الطبِّ، ولا لتعليم صنعته، وإنما تكلَّم بما تكلَّم به منه ليُرشدَ إلى الأخذ فيه والعمل به، وأن في الوجود عقاقير وأدوية ينتفع بها، وعيَّن منها ما دعتْ حاجتهم إليها في ذلك الوقت، وبحسب أولئك الأشخاص. قاله القرطبي في المفهِم. وقد ذكر الأطباء من منافع القسط: أنه يعالج التهاب الغشاء المحيط بالرئتين، ويعالج أعراض نزلات البرد، وخاصة التهاب الجيوب الأنفية، ويقلل من نسبة السكر، ويحارب السرطان، ويدرُّ البول، ويقتل ديدان الأمعاء، ويدفع السم، ويحرك شهوة الجماع، ويقلل من الالتهابات البكتيرية والفطرية، وغيرها. ويُنصح مع هذا أن يتجنَّبه الأطفال، وألَّا يستعمله البالغون أكثر من ثلاث مرات يوميًّا. ولاستعمال القسط الهندي عدة طرق لكل منها فوائدة متنوعة، منها أن يغلى كوب ماء صغير، ثم يُوضع فيه ملعقة من مطحون القسط الهندي، ثم يغطى الإناء حتى يُخرِجَ مادته ويبرد، ويشرب منه من أصيب بالتهاب الرئتين جرعة صغيرة، وأما من أصيب بالتهاب الجيوب الأنفية فيمكنه أن يأخذ منه بقطَّارة، ثم يستلقي على ظهره، وينقط منه في أنفه نقطتين، وبإذن الله يكون الشفاء، والله تعالى أعلى وأعلم. |
العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع لعبد الحميد عبادة صدر حديثًا " العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع "، تأليف : " عبد الحميد عبادة "، حققه وعلق عليه: " د. عماد عبد السلام رؤوف "، نشر " مكتبة التفسير للطبع والنشر "، " مؤسسة البصائر للدراسات ". وكتاب " العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع " واحد من أهم الكتب التي تصدت لجمع تاريخ المعالم الأثرية والتراثية في بغداد في القرون الأخيرة، وهو يقدم صورة بغداد في أواخر عصر الدولة العثمانية، وأوائل عهد الدولة العراقية الحديثة، قبل أن تمسها يد التغيير والتدمير. وألف هذا الكتاب تاريخي متميز هو عبد الحميد بن بكر صدقي بن الحاج إسماعيل عبادة، وهو من أسرة بغدادية قديمة، كان جده "إسماعيل عبادة" يعمل مؤذنًا في جامع "الفضل"، فترعرع هو في بيت الجد الذي مكنه بحكم زيارته المستمرة لجامع الفضل وغيره من جوامع بغداد من التعلم على يد أفضل الكتاتيب، حيث عاصر وعايش أهم تلك المعاهد العلمية في بغداد في تلك الفترة، ولما أكمل علومه الأولية شرع بالتلمذة على يد كبار علماء مدينته. وقد كان هذا الكتاب لعبد الحميد عبادة موسوعة مصغرة تشمل كل ما كان قائمًا ببغداد في عهده من معالم تراثية سابقة، من الجوامع والمساجد والمدارس والتكايا والزوايا والسقايات والحمامات والأضرحة المشهورة، والدور والقصور والمؤسسات الرسمية والتحصينات العسكرية، وبعض هذه المعالم تعود بأصولها إلى العصر العباسي، وقد أفاد فيما كتبه من مشاهداته المباشرة بعينيه وتجواله الدائم بين تلك المعالم فجاء الكتاب صورة صادقة ذات ملاحظات ذكية ووافرة حيث سجل ما رآه عليها من كتابات تذكارية تؤرخ سني بنائها، وأسماء مؤسسيها ومجدديها وواقفيها ومدرسيها وعلمائها، كما أفاد مما سجله غيره من كتابات وملاحظات. وكان معينه في استقاء كثير من معلوماته على سجلات المحكمة الشرعية في بغداد، وهي سجلات تضم آلافًا من الوقفيات التي تغطي حقبة واسعة من تاريخ مدينة السلام تغطي القرنين الأخيرين من تاريخها. هذا فضلًا عما وقع إليه من مصادر تاريخية كُتبَ أكثرها باللغة التركية العثمانية، لذا جاء الكتاب حافلًا بكثير من المعلومات غير المعروفة حتى لدى متتبعي تاريخ بغداد نفسها. وقد قدم للكتاب وأشاد به وعرف بمكانته الأستاذ المؤرخ د. " عماد عبد السلام رؤوف " الذي قابل ما كتبه المؤلف على مصادره، وعلق عليه بتعليقات خططية تفيد في معرفة ما كانت عليه هذه المعالم البغدادية في العهود السالفة، وما كان يشغل أرضها من منشآت سابقة، وغير ذلك من ملاحظات تاريخية وخططية تفيد في استكمال صورة ما أراد المؤلف توضيحه، مؤيدًا بالمصادر. كما عزز المحقق الكتاب بالصور التاريخية المميزة التي يبقى عهد معظمها إلى عهد تأليف الكتاب نفسه. وعبد الحميد عبادة ولد في مدينة خانقين في محافظة ديالى، سنة 1309هـ/1891م، مؤرخ وكاتب عراقي، كتب في أواخر سني حياته عددًا من الدراسات القصيرة عن بعض معالم بغداد نشر أغلبها في مجلة (لغة العرب) التي كان يصدرها في بغداد الأب "أنستاس ماري الكرملي"، فأبان فيما نشر عن سعة علمه، وجودة وجدة الموضوعات التي تناولها بالبحث، ومن أهم مؤلفاته: • "العقد اللامع بآثار بغداد والمساجد والجوامع". • "مندائي أو الصابئة الأقدمون". طبع في بغداد سنة 1927م. • "ذات الشفا في سيرة النبي ثم الخلفا" (وهي منظومة لشمس الدين الجزري حققها ونشرها بتوقيع عبد الحميد أفندي وطبعت في بغداد سنة 1913م. • "شجرة الزيتون في نسبة آل السعدون". • مقال (آثار بغداد)، في مجلة المرشد 3 (بغداد 1928) 104-108، 391-394. • مقال (أسماء محلات بغداد قبل قرن وأكثر)، مجلة لغة العرب ج7 (1929) ص 126-131. • مقال (دار ابن الجوزي وقبره ببغداد). مجلة لغة العرب ج7 (1929) ص217-219. • مقال (قبر الإمام أبي يوسف صاحب أبي حنيفة)، مجلة لغة العرب ج6 (1928) ص754-756. • مقال (قبر الإمام أحمد بن حنبل)، مجلة لغة العرب ج7 (1929) ص288-289. • مقال (المدرسة البشيرية)، مجلة لغة العرب ج7 (1929) ص383-387. |
بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن وبارك يا كريم ذكريات شموع الروضة (2) سليمان رحمه الله بعد مضي سنةٍ كاملةٍ على مقالة كتبتها من قلبٍ مليء بالذكريات لا أعرف كيف زورتها وألَّفت بين سياقاتها حتى انهال عليَّ جمع من رسائل المتأثرين والداعين، يتجدد الوجد والحنين كلما أدخل جامعنا المبارك، أدخله وقد أُثقلَ كاهلي بالمتاعب وفكري مشتت، وأخرج بحمد الله صافي الذهن موحد الاتجاه، لا تسألني كيف ولماذا ومتى وما الدليل؟ لا أعرف!! في مقالتي المتواضعة تلك [1] ذكرتُ أمثلةً لتلك النجوم المضيئة في تلك الروضة الغنّاء ومن أغفلتُ أسماءهم أو أُنسيتها أو لم ألحق على ملازمتها كانوا أكثر.. إذ النجوم والكواكب يصعب حصرها بل يستحيل.. لكني أكاد أجزم أن جماعة ذلكم الجامع لا ينسونهم ولم ينسوهم في سجداتهم وخلواتهم وقنوتهم رحمهم الله وجمعنا بهم في دار كرامته مع والدينا وأحبابنا والمسلمين.. بعد سنة كاملة حين أدخل الجامع متجهاً إلى المحراب كأنّ خيال صاحب الكرسي المتحرك ووجوده حقيقة، حتى أنّي من شدة ذلك أقف بجانبه لكي أسلم، ثم أنتبه أن الكرسي وصاحبه صارا سراباً، فأدعو له وأمضي لإدراك صلاتي، إنّه سليمان رحمه الله، الذي عندما أتأخر عليه بالاتصال أو السؤال عنه يحضر بكرسيه من الحي المقابل وينتظرني في روضة الجامع، سليمان رحمه الله، لست بصدد الحديث عمَّا مر به من ابتلاء ومحن عظيمة والتي حار بتشخيصها كبار علماء النفس والطب، لكنه ظلّ يدافعها تارات وتدافعه تارة إلى أن غلبه الموت وصلي عليه رحمه الله بعد سنة كاملة بالضبط من كتابة ذلك المقال 7/ 6/ 1441هـ. قبل وفاته بأيام كأنّه نعى نفسه لي برؤيا قصهّا عليّ مسجلة تضمنت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم والحث على الدعوة وصلاة الظهر.. نفس وقت الصلاة التي صلي عليه فيها رحمه الله، عبرتها له وأنا لا أجيد التعبير أحياناً، لعله انتشار علم نافع لك بعد وفاتك.. سليمان رحمه الله لم يكن يشعر حينما صلى معي آخر جمعتين في حياته، ثم حضر مجلسي بعدها مثنياً على الخطبة إلاّ وأنا أقول له هذه من رسالتك "اللقمة الملعونة" اختصرتها واستفدت منها وصغتها على نمط خطب، فيُسَرُّ ويقول متواضعاً: ما مثلي يقول هذا الكلام! لقد خلّف رحمه الله تركة علمية ضخمة كتفسير عكرمة جمعاً ودراسة وحقق تفسير السجاوندي رحمه الله وكتب أكثر من أربعمائة مقال في عظمة القرآن، وهذه المقالات فُقد كثيرٌ منها للأسف الشديد، كما أنّ له ديواناً شعرياً لم يطبع، أضف إلى ذلك بعض الدروس والرسائل والتي تتميز بدقة الصياغة والثراء المعرفي. إنني أشعر بمسؤولية عظيمة تجاه هذه التركة وكيفية إخراجها فأسأل الله أن يعينني على ذلك.. لقد سألني مقدمُ برنامج في الثقافية قبل سنوات وقد زارني في مكتبتي المتواضعة - وفقه الله -.. كيف تميز الكتاب النافع من غيره في الكتب؟ ومتى تقرر شراء الكتاب؟ ومن علمك ذلك؟.. قلت: سليمان علمني كيف أنتقي الكتب للبحث أو للمطالعة والقراءة أو للشراء؟ بطرق سلسة وعلمية ومريحة من أهمها الاطلاع على المقدمة والخاتمة والفهارس والدار.. إلخ.. لقد كان له فضل عليّ بعد الله جل وعلا ليس في العلم والقراءة والدراسة فحسب، بل في طفولتي وشبابي، من جميع النواحي، إن قدَّر الله واختصمنا لأي سبب كان لا يطيل الخصام ما هي إلا سويعات وأجده عند بابي يرأب الصدع ويشعرني أني صاحب الفضل مع أنه يكبرني سنًّا وقدراً رحمه الله. وفي طفولتي لو شَعُر أني مغتمٌ لأمر ما، بادر إليّ في حَملِ ما أحُبُّ..! ومع إبداعه وحسن رسمه وخطه وأسلوبه، كان رحمه الله يحب صنع المعروف ويسير في حاجات الناس حتى تنتهي، مع ما قد يواجه أحياناً من متاعب في سبيل ذلك، وقد نفع الله بتلك الشفاعات والوجاهات نفعاً عظيماً لم ينسها ذوو الفضل.. عاطفته جياشة فما أن يسمع بابتلاء شخص أو حاجته أو مسكنته وفقره إلا يجهش بالبكاء.. ومع ذلك كان لا يخاف ولا يهاب أحداً رحمه الله. وأذكر أني قرأت عليه من سنن أبي داوود وهو في مرضه بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم أستطع إكمال القراءة لبكائه رحمه الله. لقد عشت معه حوالي أربعين سنة، حلوها ومرها، فلم أجد صبراً وجلداً كصبره وجلده رحمه الله.. غير أنّه ابتلي كثيراً وفي آخر عمره اشتد بلاؤه فأسأل الله أن يعفو عنا وعنه ويجعل ما أصابه تكفيراً ورفعه.. لقد تعلمت من تاريخه الحافل الشيء الكثير، تعلمت أن العبرة ليست بحياة الشخص، وإنما بحياته وما يخلفه بعد مماته إلى قيام الساعة، وأن الله سبحانه قد يبتلى أشخاصاً ابتلاءاتٍ يحار فيها أصحاب الطب وعلم النفس ليرفع أصحابَها عنده سبحانه. وأن العلم والجهد يبقى لصاحبه حتى ولو نسب لغيره، وأن من الأخوة ما يرتفع إلى مقام الأبوة ومنها العكس، وأن ضعف العقل يولد أحكاماً اجتماعية جائرة، وأن العبرة بالخواتيم، ولا شيء يعدل صفاء القلب، وأن الصفاء يترجم عملياً وليس مجرد ادعاءات فارغة!. تعلمت أنّ الراحمين يرحمهم الرحمن، وأنّ رحمة الله وسعت كل شيء، وأنّ رحمته سبقت غضبه سبحانه، وأن من أولى الناس بها كل طالب علم مجتهد قد يخونه اجتهاده أحياناً في مسائله.. تعلمت كثيراً من تلاوته رحمه الله لسورتي التوبة والنور بالذات والترجمات العلمية والعملية لها وما تضمنته هاتان السورتان من أنّ الحياة والعلاقات البشرية جهاد ومجاهدة، والجهاد لا يقتصر على قتال الكفار والمنافقين فحسب، فمجاهدة النفس من أعظم الجهاد، وأنّ العلاقات الإنسانية أساسها ومحورها هذا الدين العظيم، يبني عليه الشخص المستقيم الأحكام، فالتصور في أي علاقة ليس مجرد اجتهادات عقلية أو عاطفية مرحلية، وأن المؤمن مهما ابتلي يجب أن لا يشعر نفسه بالهزيمة النفسية، ولا يجعل لأحكام سفهاء الناس سلطةً على حياته، فالله - جل الله وتقدس - نور السموات والأرض، هو خلقنا، وهو أعلم منا بما يصلح شؤوننا وعلاقاتنا، وإذا حزب المؤمن أمر فليجأ إلى الله وليسجد بين يديه، هناك في بيته، في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وأمّا غير ذلك فسراب بقيعة، لا شيء، حتى وإن تحدثت به المجالس وزينّه خطاب السفهاء.. سورتا التوبة والنور عظيمتان فعلاً، وكل القران عظيم، أحكام وآداب بمنتهى الدقة، وكلما يقرؤهما المتدبر يخرج بفوائد جديدة.. وبعد: فليست هذه المقالة سيرة ذاتية ولا ترجمة تاريخية لسليمان رحمه الله ولا ولن توفيه حقه، وإنما للاعتراف بشيء من معروفه وللترحم عليه عفا الله عنا وعنه وجمعنا به بدار كرامته مع والدينا وإخواننا ومن يقرأ ووالديه والمسلمين. [1] المقالة الأولى: ذكريات شموع الروضة (1) |
معالم أصول الفقه عند الإمام البخاري من خلال جامعه الصحيح صدر حديثًا كتاب " معالم أصول الفقه عند الإمام البخاري من خلال جامعه الصحيح "، تأليف: د. " محمود محمد الكبش "، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة - جامعة أم القرى، نشر " دار طيبة الخضراء للنشر والتوزيع ". وهو دراسة استقصائية لفقه الإمام البخاري الأصولي في كتابه "الجامع الصحيح" تناولت الحديث عن القواعد الأصولية التي قرَّرها الإمام البخاري أو طبَّقها على الأحكام الشرعية في عناوين الأبواب في هذا الكتاب؛ والتي يسميها العلماء بـ ( التراجم )، وقد قيل: « فقه الإمام البخاري يعرف من تراجمه »، أو من خلال اختياراته الحديثية ومن هنا ظهرت فكرة هذه الدراسة. حيث ذكرَ الكاتب الآراء الأصولية التي صرح بها الإمام البخاري في تراجم الأبواب، والدالة على اختيارات أصولية وقارنها برأي جماهير العلماء، وذكرَ استدلالات البخاري التي استدل بها مطلقًا، كما استوعب بحث المسائل التي خالف فيها الجمهور. أما بالنسبة للآراء الأصولية التي تُفهَم من كلام الإمام البخاري فقد ذكر رأيه في المسألة الفقهية، ثم ذكر الدليل الذي اعتمد عليه، ومن ثم استنبط القاعدة الأصولية التي استخرج بواسطتها هذا الحكم من هذا الدليل. وترجع أهمية هذه الدراسة إلى كونها دراسة استقرائية تطبيقية على " صحيح البخاري " وبالتالي سيجد القارئ عشرات الأمثلة على كثير من المسائل الأصولية، كما أنها تعلقت بدراسةِ عقليَّةِ الإمام البخاري الفذة، وقدرته على توظيف الأدلة الشريعة؛ للوقوف على منهج الاستنباط عنده، ومعرفة آرائه الأصولية. كما أنها دراسة مستقلة متكاملة أتت على أبواب أصول الفقه كلها. وقد قدم الكاتب لدراسته الاستقرائية بفصل تمهيدي عن الإمام البخاري وفقهه، وبيان مذهبه، وأتى بكثير من الكتب المؤلفة، وسردَ أكثر من عشر رسائل جامعية تناولت تراجمه، وفقهه فيها. ومن نتائج الدراسة يتبين للقارئ أن الإمام البخاري يعد من طائفة المحدثين الفقهاء، فاعتناؤه بإيراد الأحكام الشرعية ظاهر عند أدنى قراءة ومتابعة لأبواب صحيحه، وتراجم كتبه. فمعظم تراجمه في أبواب العبادات والمعاملات مشتملة على الأحكام الشرعية؛ إما تصريحًا أو تلميحًا؛ فاستعملَ الواجب، والمندوب، والمستحب، والحرام، والمكروه، والمباح، والأفضل، والجائز، وما يدل على الأحكام الوضعية؛ كالشرط، والسبب، والمانع، والرخصة، والعزيمة.. وغيرها من الألفاظ الدالة على الحكم الشرعي. كما يفهم من كلام البخاري موافقته للجمهور في عدم التفريق بين الواجب والفرض. إلى جانب أن هذه الدراسة تبين لنا أنواع تراجم الإمام البخاري بالنسبة لعلاقتها بالأحكام الشرعية والقواعد الأصولية، فالقواعد الأصولية كانت محل عناية العلماء في أوائل مراحل التدوين، مما يدل على أنها كانت تحت أنظار العلماء السابقين للتدوين في زمن الصحابة والتابعين، بل هي موجودة في زمن التشريع، لأن كثيرًا من القواعد مبنية على أدلة شرعية. |
أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنها الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنارَ بكتابه القلوب، وأنزله في أوجز لفظ وأعجز أسلوب، فأعيت حكمته الحكماء، وأعجزت فصاحته الخطباء، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ رَبُّهُ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا.\ أمَّا بَعْدُ: فإن أمَّ حَبِيبَةَ هي إحدى أمهات المؤمنين الذين قال عنهم الله تعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]. قال الإمام ابن جرير الطبري (رحمه الله): قَوْلُهُ: (وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ)؛ يَقُولُ: وَحُرْمَةُ أَزْوَاجِهِ حُرْمَةُ أُمَّهَاتِهِمْ عَلَيْهِمْ، فِي أَنَّهُنَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ نِكَاحُهُنَّ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ أُمَّهَاتِهِمْ؛ (تفسير الطبري ـ جـ19 ـ صـ16 ). فأحببتُ أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم والنسب: هي أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ: رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بنِ عَبْدِشَمْسٍ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ بْنِ قُصَيٍّ. أُمُّهَا: صَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ، عَمَّةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ. تَزَوَّجَ رَمْلَةَ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِيَابِ، فَوَلَدَتْ لَهُ حَبِيبَةَ، فَكُنِّيَتْ بِهَا. تَزَوَّجَ حَبِيبَةَ دَاوُدُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ76). قال الإمام الذهبي: رَمْلةُ بِنْتُ أبي سُفْيَان مِنْ بَنَاتِ عَمِّ الرَّسُوْلِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِي أَزْوَاجِهِ مَنْ هِيَ أَقْرَبُ نَسَبًا إِلَيْهِ مِنْهَا، وَلاَ فِي نِسَائِهِ مَنْ هِيَ أَكْثَرُ صَدَاقًا مِنْهَا، وَلاَ مَنْ تَزَوَّجَ بِهَا وَهِيَ نَائِيَةُ الدَّارِ أَبْعَدُ مِنْهَا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ219). ميلاد أم حبيبة: وُلِدَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بسَبعَة عَشَرَ عَامًا؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني، جـ4صـ398). إسلام أم حبيبة وهجرتها: قال ابن سعد: وأم حبيبة توفي عنها زوجها الذي هاجر بها إلى الحبشة : عبيدالله بن جحش بن رياب الأسدي، مرتدًّا متنصِّرًا . وبعد ذلك تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد رويت في ذلك قصة في كتب السير. ولاء أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم: لَمَّا قَدِمَ والدها أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ الْمَدِينَةَ، جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوَ مَكَّةَ، فَكَلَّمَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَلَمْ يُقْبِلْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَوَتْهُ دُونَهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ أَرَغِبْتِ بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنِّي أَمْ بِي عَنْهُ؟ فَقَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجِسٌ مُشْرِكٌ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ لَقَدْ أَصَابَكِ بَعْدِي شَرٌّ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ8صـ79). علم أم حبيبة: روت أُمُّ حَبِيبَةَ خَمْسَةً وَسِتينَ حَدِيْثًا، وَاتَّفَقَ لَهَا البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى حَدِيْثَيْنِ، وَتَفَرَّدَ مُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ. حَدَّثَ عَنْهَا: أَخَوَاهَا الخَلِيْفَةُ مُعَاوِيَةُ، وَعُتْبَةُ، وَابْنُ أَخِيْهَا عَبْدُاللهِ بنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ، وَشُتَيْرُ بنُ شَكَلٍ، وَعَامِرٌ الهُذَلِيُّ، وَآخَرُوْنَ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ219). وفاة أُمَّ حَبِيبَة: تُوُفِّيَتْ أُمَّ حَبِيبَة سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ فِي خِلافَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، رَحِمَ اللهُ تعالى أُمَّ حَبِيبَةَ رحمةً واسعةً ورضي عنها. خِتَامًا: أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ - أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة، كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ بهذه الرسالة طلابَ العِلْم الكرام. وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ. |
شرح عقود الجمان في تجويد القرآن لأبي إسحاق الجعبري صدر حديثًا كتاب " شرح عقود الجمان في تجويد القرآن " للعلامة المقرئ " أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري " (ت 732هـ)، تأليف د. محمد آيت عمران، وذلك في ثلاثة مجلدات عن مركز أحكام للبحوث والدراسات القرآنية. وأصل هذا الكتاب رسالة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه من كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت عنوان " عقود الجمان في تجويد القرآن للعلامة المقرئ أبي إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري (ت 732 هـ) دراسةً وتحقيقًا وشرحًا ". وتمتاز هذه المنظومة بأنها أطول منظومة في علم التجويد إذ وقعت في (825) بيتًا، كما أنها أكثرها استيعابًا لمسائله وقضاياه. وقد بين الكاتب في هذه المنظومة أهمية التجويد، وأركانه، ومراتب القراءة، وصفة من يقرأ عليه القرآن. كما وضح "الجعبري" في هذه المنظومة أصول التجويد ومنها: الباب الأول: مخارج الحروف: ذكر الناظم فيه سبعة عشر مخرجًا للحروف الأصلية، ثم أتبعها بذكر الحروف الفرعية. الباب الثاني: صفات الحروف: ذكر الناظم فيه اثنتين وعشرين صفة، ومنهج الناظم فيها: أنه يذكر الصفة دون أن يذكر ضدها؛ معتمدًا على الشهرة، وكذلك لم يعرِّف الصفة اصطلاحًا؛ بل يذكر حروفها فقط. وبعد أن ذكر الناظم المخارج والصفات أتبعهما بذكر مسائل وأحكام أخرى لم يعنون لها؛ وإن كان بعضها داخل في الصفات، وهي كالآتي: 1- مخرج الحركة، وعلاقتها بالحرف، وكذلك ذكر ما يعرض لها من اختلاس وروم، والسكون وما يعرض له إن التقى بسكون آخر. 2- الإدغام: أقسامه وأسبابه وشروطه وموانعه. 3- أحكام النون الساكنة والتنوين. 4- أحكام الميم الساكنة. 5- أحكام المد وأقسامه. 6- أحكام الإمالة والتقليل والفتح. 7- أحكام التفخيم والترقيق. 8- أقسام الماءات و(لا). 9- أحكام همزة الوصل والقطع. 10- أحكام الوقف والابتداء: سواء الكلام على كيفية الوقف والابتداء؛ أم معرفة ما يوقف عليه وما يبتدأ به. 11- خصائص الرسم العثماني. وقد بين الناظم في منظومته القراءات المتواترة المتعلقة بعلم التجويد، مع استخدامه بعض المصطلحات التي هي قليلة الاستعمال عند العلماء مثل: الِإثْخَانُ، الِإعْلَانُ، الْكِتْمَانُ، السِّرَايَةُ وغيرها مما وضح المراد به في منظومته. أما عن أهمية هذا الشرح فيرجع لكون الكاتب قد قام بتحقيق نص المنظومة تحقيقًا علميًا على ثلاث نسخ خطية عالية، إحداها قرئت على الناظم، وكتبت عليها إجازة بخط يده سنة (724 هـ). إجازة بخط يد الإمام الجعبري على مخطوطة المنظومة صور من مخطوطة المنظومة وقد قام الكاتب بدراسة دقيقة لترجمة الناظم، وتعريف شامل بمنظومته من حيث اسمها، ونسبتها، ومكانتها العلمية، وأهم مميزاتها، ومصادرها، ومنهج الناظم فيها. كما توجه بشرح لكامل أبيات المنظومة، طرزه بنصوص أعلام المجودين والصوتيين، وأفرغ ما له به صلة من تراث الإمام الجعبري رحمه الله، مما يعد شرحًا مكتملًا لنص هذه المنظومة الهامة. أما صاحب المنظومة فترجم له " صاحب الأعلام " بأنه إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبريّ، أبو إسحاق؛ عالم بالقراآت، من فقهاء الشافعية. له نظم ونثر. • ولد بقلعة جعبر ( على الفرات، بين بالس والرقة ) وتعلم ببغداد ودمشق، واستقر ببلد الخليل ( في فلسطين ) إلى أن مات. • يقال له ( شيخ الخليل ) وقد يعرف بابن السراج، وكنيته في بغداد ( تقيّ الدين ) وفي غيرها ( برهان الدين ). له نحو مئة كتاب أكثرها مختصر، منها: • (خلاصة الأبحاث) شرح منظومة له في القراآت. • (شرح الشاطبية) المسمى (كنز المعاني شرح حرز الأماني - خ) في التجويد. • (نزهة البررة في القراآت العشرة). • (موعد الكرام). • موجز في (علوم الحديث). • (حديقة الزهر) في عدد آي السور. • (خميلة أرباب المقاصد) في رسم المصحف. • (الشرعة) قراآت. • (عقود الجمان في تجويد القرآن). • رسالة في (أسماء الرواة المذكورين في الشاطبية). • (الروضة) في الرسم. |
جزيرة الروضة في التاريخ ضحوت للشمس على سطح داري بجزيرة الروضة، وكانت برودة الريح قد ضربت في حرارة الشمس فدفئ الجو دفئًا معتدلًا يلذ الشعور به ويطيب المكث فيه. وإذا عمَّك الدفء وشملك السكون وعزلتك الوحدة فلا مفر من حديثك إلى نفسك وانطوائك على وعيك وكان الذي مهَّد للحديث بيني وبين نفسي وقرع بصري على جامع قایتباي الذي بناه القاضي فخر الدين ناظر الجيش سنة 730هـ وجدده الملك الأشرف قايتباي، وهو قبالة داري من جهة الغرب فتمثل، لخاطري الشيخ جلال الدين السيوطي وهو يغدو إليه كل يومٍ من داره المجاورة له فيعقد فيه مجلسًا للعلم والأدب يغشاه طلاب المعرفة من القاهرة والجيزة، ثم يخرج في أيام الثلاثاوات إلى «المشتهى»، وهو متنزه أريض كان يقع في شرقي هذا الجامع ويطل على الفرع الصغير للنيل. وقد طاب مقام السيوطي بجزيرة الروضة وأحبَّها فاقتضاه هذا الحب أن يكتب في تاريخها كتابًا جامعًا سماه « كوكب الروضة ». ثم رجعت بي الرؤيا الخيالية إلى ماضي هذه الجزيرة التي خلقتها الطبيعة على صورة سفينة هائلة أرست على مدى قصير من سواحل مصر القديمة، مقدمها اليوم قصر المناسترلي والمقياس، ومؤخرها المستشفى الجامعي والفندق الجديد العتيد، فوجدتها على توالي القرون وتعاقب الدول قد كانت إما حصنًا يحفظ الأموال والأنفس، وإما روضًا يمتع الأرواح والحواس. اعتصم بحصنها القديم المقوقس حين استولى العرب على قصر الشمع فحطم الجسر ثم مكث بها هو ومن تبعه من الروم والقبط ردحًا من الزمن، ثم أخلاها للمدنية العربية فقامت بها القصور والدور والرياض في ولاية عبد العزيز بن مروان. وكان مقياس النيل في حلوان، فلما سقط عموده هناك أمر سليمان بن عبد العزيز عامله أسامه بن يزيد أن يقيمه في الطرف الجنوبي من الجزيرة، فأقامه ولا يزال. وكان على الأرض الواقعة على الشمال من المقياس دار الصناعة فنقلها محمد بن طغج الإخشيد إلى ساحل الفسطاط سنة 325هـ، وشاد في مكانها قصرًا سماه "المختار" كان آيةً في جمال الفن وغايةً في حسن الزخرف، وظل بستانه متنزه الخاصة في عهدي الإخشيدية والكافورية وأوائل عهد الفاطمية. وكان البنيان في الجزيرة قد تصل والعمران قد استبحر حتى عينوا لها واليًا وقاضيًا، وقالوا في التقسيم الإداري لحاضرة الدولة: القاهرة، ومصر، والجزيرة. فلما استبدَّ الأفضل ابن أمير الجيوش بأمور الخلافة خط له في شمال الجزيرة بستانًا وقصرًا سماه الروضة فسميت الجزيرة كلُّها باسمه. وكان الخليفة الآمر بأحكام الله مولعًا بالبدويات الحسان، فترامى إليه أن بالصعيد أعرابية بارعة الحسن تقول الشعر وتجيد الحديث تسمى " الغالية "، فتزوجها بقوة السلطان ونقلها إلى قصره فضاقت نفسها فيه واشتهت الفضاء، فبنى لها على النيل في جنوب الروضة قصرًا على طرازٍ فريد سماه الهودج. وكانت الغالية تحب فتًى شاعرًا من بني عمِّها يقال له ابن مياح، فنازعتها نفسها إليه وبرمت بمقامها عند الخليفة، ولهج المصريون بحديث الغالية وابن مياح، وشاع في الناس أن الشاعرة أرسلت إلى الشاعر هذه الأبيات: يا ابنَ ميَّاح إِليكَ المُشتَکَی مالكٌ بعدَكم قد مَلَكا وَأنا الآنَ بقصرٍ مُوصَدٍ لا أرَى إلَّا خبيثًا مُمسِکا كمْ تثنَّينا كأغصانِ النِّقَا حيث لا نَخْشَى علينا دَرکَا وَتلاعبنا برملاتِ الحِمَى حيثما شاءَ طليقٌ سَلَکا فأجابها بقوله: بنتُ عمِّي والَّتي غَذيَّتُها بالهوَى حتَّى جلا واحْتَبَكا بحتُ بالشَّکوَی وعندِي ضِعفُها لو غدَا ينفعُ منَّا المشْتَكى مَالكُ الأمرِ إليه يَشتَکِي هاكٌ وهو الذي قد أَهْلَكا شَأنُ داودَ غدا في عَصْرِنا مهديًّا يا لَيْتَه ما مَلَكَا وبلغت هذه الأبيات مسامع الخليفة فقال: لولا بيته الرابع لجمعت بينهما على شريعة الله. ولهذه القصة سابقة ولاحقة: فأما السابقة فقصة "مَيْسون" زوج معاوية فقد أتى بها من القفر إلى القصر ولكنها لم تلبث أن قالت: لَبيتٌ تخفِقُ الأرواحُ فيه أحبُّ إليَّ مِنْ قصرٍ مَنِيفِ ولبسُ عباءةٍ وتقرُّ عَينِي أحبُّ إِلىَّ مِنْ لبسِ الشُّفُوفِ وَخِرْقٌ مِنْ بَنِي عَمِّي نَحِيفٌ أحبُّ إلىَّ مِنْ عِلْجٍ عَنِيفِ وأمَّا اللاحقةُ فقِصة البدوية التي تيَّمت فؤادَ الخديو عباس الأول فتزوج منها وأنزلها قصره في ظاهر القاهرة، وأخذ يختلف إليها سرًّا حتَّى أنقذَها منه مَنِ اغتالَه في قصرِه ببنها. وسار على الأفواه حديثُ هذه البدوية فنُسِجت حولها الأساطير ونُظِمت فيها الأغاني. ولا يزال المغنون الشعبيون يرددون هذه الأغنية: «ياحالي ع البدوية.. ». وفي أواخر الدولة الأيوبية ابتنى الملك الصالح نجم الدين أيوب قلعة بهذه الجزيرة فخرَّب المختار والهودج، ودمَّر الدُّور والمساجد، وقطع النخل والشجر، ثم رفع أبراجها الستين على المثلث الجنوبي كله من الروضة. ثم جعلها مقر ملكه ومعسكر مماليكه ومستودع أسلحته. وكان من مفاخر هذه القلعة الإيوان الملكي الذي افتنت فيه الأيدي الصناع فصفحوا أبوابه بالذهب وجللوا جدرانه بالمرمر، ووشوا سقوفه بالزخرف، وزينوا أرضه بالمجزع. ثم جعلوا من وراء سوره معرضًا لسباع الوحش والطير يتفرج به السلطان، ومن خلف معرضه مروجًا يتدفق فيها النيل، فيكون لها منظر رائع وهي المنيل. فلما حكم المماليك تقسموا أبراج القلعة ونقلوا ما كان فيها من رخام وحجر وخشب فبنوا به بعض المباني العامة. ثم جرت بعد ذلك على الجزيرة جوار بالأنس والوحشة وبالنعيم والبؤس حتى استهل العصر الحديث فاختط إبراهيم باشا البستان الكبير في طرفها الشمالي وجلب إليه النوادر من الشجر والزهر، والأوابد من الوحش والطير، وشق به القنوات وسلسل فيها الماء، وأرسى الروابي ونمنم فوقها النبت، على نحو ما نرى اليوم في بستان الخديو إسماعيل بالجيزة «حديقة الحيوان»، ثم جعله متنزهًا للناس يرتادونه في الأعياد والمواسم. وبنى حسن باشا المناسترلي كتخدا مصر في عهد عباس الأول قصره في طرفها الجنوبي. ثم قضى نظام الطبقات أن يسكن العامة الجانب الغربي على النيل الكبير، وأن يسكن الخاصة الجانب الشرقي على النيل الصغير، فبنى إسماعيل قصره وبستانه في الشرق من جامع قایتباي وهو قصر محمد علي الذي صار متحفًا في عهد الثورة، ثم تتابع السراة على البناء فقامت قصور قاسم باشا وذي الفقار وعلى شريف وسليم الجزائري، ونشأت بساتين شاكر بك، والبارودية، والمندورة، ثم عبثت يد الفناء بالناس، وعصفت ريح البلى بالدور، فذهبوا وبقيت الأطلال؟. ثم جرى على هذه الأطلال حكم الديمقراطية فتوزعها الشعب وأقام على القصور دورًا ومدارس، وعلى الدوائر عمائر ومتاجر، وعلى الملاهي إنتاجًا وخدمة. على أن الروضة كانت في عهودها المختلفة أرحب البقاع صدرًا بالشعب، فكانت متنفسه في الضِّيقِ، ومستراده في النزهة، ومحتفله في المواسم وبخاصة في يوم شم النسيم وفي ليلة الغطاس، وهي الليلة الحادية عشرة من شهر طوبة، وكان الأقباط يحيونها في الروضة فيوقدون النيران ويشعلون المشاعل ويتبسطون في القصف والعزف واللهو حتى تحين الساعة فيغطسوا وينصرفوا. وكان المسلمون - حتى الخلفاء - يشاركونهم في إحيائها بالوقود واللهو. قال المسعودي في "مروج الذهب": « حضرت سنة 330 ليلة الغطاس بمصر والإخشیدي في داره المعروفة بالمختار في الجزيرة، وقد أمر فأسرج من جانب الجزيرة وجانب الفسطاط ألف مشعل غير ما أسرج أهل مصر من المشاعل والشموع، وقد حضر النيل في تلك الليلة ألوف من المسلمين والنصارى، منهم في الزوارق، ومنهم في الدور الدانية من النيل، ومنهم على الشطوط، لا يتناكرون كل ما يمكنهم إظهاره من المآكل والمشارب وآنية الذهب والفضة والجواهر والملاهي... وهي أحسن ليلة تكون بمصر وأشملها سرورًا، ولا تغلق فيها الدروب، ويغطس أكثرهم في النيل، ويزعمون أن ذلك أمان من المرض». تلك صورة الروضة ومنيلها في شتى العصور منذ الفتح، مرت بخاطر السيوطي فجعل منها كتابًا، ثم مرت بخاطري فجعلت منها مقالة. المصدر: «مجلة الأزهر»، السنة: 37، رجب وشعبان 1385هـ، نوفمبر وديسمبر 1965م |
ترجمة الإمام الحافظ أبو بكر الآجري [1] مؤلف كتاب "الشريعة"، هو: الإمام المحدث الثقة أبو بكر الآجري [2] محمد بن الحسين بن عبد الله البغدادي. سمع أبا مسلم الكجي، وأبا شعيب الحراني، وخلف بن عمرو العكبري، وأحمد بن يحيى الحلواني، وجعفر بن محمد الفريابي، والفضل بن محمد الجندي، وأحمد بن عمر بن زنجويه القطان، وقاسم بن زكريا المطرز، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، وهارون بن يوسف بن زياد وخلقًا كثيرة من أقرانهم، وكلهم من الحفاظ الأئمة المشهورين ترجم لهم الذهبي في "طبقات الحفاظ" [3] . وروي عنه كثير من علماء الشرق والغرب، ورحلوا إليه بمكة مدة إقامته بها، فمنهم: الحسن الحماني، وعبد الرحمن بن عمر النحاس، وأبو الحسين بن بشران، وأخوه أبو القاسم، وأبو نعيم الحافظ [4] ، وعلى بن أحمد القرئ، ومحمود بن عمر العكبري، ومحمد بن الحسين بن الفضل القطان، وخلق كثير من الحجاج والمغاربة. وكان قد نشأ ببغداد، وحدث بها قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة، ثم انتقل إلى مكة فسكنها حتى توفي بها. قال ابن خلكان: أخبرنا بعض العلماء: أنه لما دخل مكة - حرسها الله - أعجبته، فقال: اللهم ارزقني الإقامة بها سنة، فسمع هاتفًا يقول له: بل ثلاثين سنة فعاش بها مجاورًا ومحدِّثًا ومتعبدًا ثلاثين سنة. كان إمامًا عالمًا عاملًا، صاحب سنة واتباع، محدثًا قدوةً، دينًا ثقة، له تصانيف كثيرة، منها: «الأربعون» الآجرية، و«الشريعة» في السنة، و«أخلاق العلماء» وغيرها. توفي أول يوم من المحرم سنة ستين وثلاثمائة من الهجرة بمكة، ودفن بها. قال الخطيب البغدادي: حدثني محمد بن على الصوري، قال: توفي أبو بكر الآجري في المحرم سنة ستين وثلاثمائة. قرأت ذلك على بلاطة قبره بمكة. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا مع الأئمة المهتدين، وينفعنا بهدي عبده ورسوله محمد النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وكتبه فقير عفو الله ومغفرته/ محمد حامد الفقي القاهرة 4 مارس سنة 1950م / 5 جمادى الأولى سنة 1369هـ [1] مصادر الترجمة: "تاريخ بغداد" للخطيب (ج2 / ص 243)، و"طبقات الحفاظ" (ج 3/ ص 131)، وابن خلكان بتحقيق أخي العلامة الأستاذ المحقق الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد (ج2 / ص 419 )، والفهرست لابن النديم . [2] ذكر ياقوت في ترجمته: أنه ينسب إلى درب الآجر، محلة كانت ببغداد من محال نهر طابق بالجانب الغربي. وقال ابن خلكان: الآجري - فتح الهمزة الممدودة، وضم الجيم وتشديد الراء - هذه النسبة إلى الآجر، ولا أعلم لأي معنى نسب إليه. [3] كتاب الذهبي اسمه "تذكرة الحفاظ"، أما "طبقات الحفاظ" فهو تهذيب لكتاب "التذكرة" ألَّفه جلال الدين السيوطي. [إدارة تحرير الألوكة / د. علي عبد الباقي] [4] وقع في المطبوع: «أبو نعيم الفضل بن دكين الحافظ»، وهو سبق قلم من الشيخ - رحمه الله - فإن الفضل بن دكين وفاته سنة 218هـ ، والصواب ما أثبته من "تذكرة الحفاظ"، وهو: الحافظ أبو نعيم عبد الله بن محمد الأصبهاني، صاحب كتاب "حلية الأولياء"، توفي سنة 430هـ. [إدارة تحرير الألوكة / د. علي عبد الباقي]. |
كافي المبتدي من الطلاب لابن بلبان صدر حديثًا كتاب: "كافي المبتدي من الطلاب"، تأليف العلامة: "شمس الدين محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي" (ت 1083هـ)، تحقيق: د. "أحمد بن نجيب بن عبدالعزيز السويلم"، نشر "دار ركائز للنشر والتوزيع". ومتن "ابن بلبان" هو متن فقهي حنبلي، على القول المعتمد المُفتى به في المذهب، وهو أصل "أخصر المختصرات" الذي تداوله العلماء شرحًا وقبولًا، ومن المتون المعتمدة عند متأخري الحنابلة. "وكافي المبتدي" و"أخصر المختصرات" للمؤلف قال عنهما الشيخ بكر أبو زيد: «وبهما أقفل باب المتون في المذهب وأسدل الحجاب»، وقال محب الدين الخطيب: «ومما لا شك فيه أن "كافي المبتدي" أجزل عبارة وأفصح عما تضمنه من الأحكام من مختصره "أخصر المختصرات"، فالاعتماد عليه في تفقيه النشء أيسرُ وأنفع من مختصره». و"كافي المبتدي" ليس له إلا شرح واحد، وهو "الروض الندي شرح كافي المبتدي"، شرح العلامة الفقيه الأصولي الفرضي أحمد بن عبد الله بن أحمد، الحلبي الأصل، البعلي الدمشقي (1189 هـ) وهو أخو الشيخ العلامة "عبدالرحمن البعلي" شارح "أخصر المختصرات"، المسمى بـ"كشف المخدرات". وقد اقتصر فيه المؤلف على القول المعتمد المفتى به في المذهب في الجملة، قال في مقدمته: «واقتصرت فيه على قولٍ واحدٍ، وهو ما اعتمده وصححه معظم الأصحاب، وما عليه الفتوى عند الأئمة المحققين الأنجاب». ونجده يكتفي بتسمية الكتب، والأبواب إن ذكرها، وأما الفصول فيتركها دون تسميتها غالبًا، وقد يسميها أحيانًا، كما في كتاب الطهارة: قال: فصل في الحيض، وهو الفصل الوحيد الذي سماه في كتاب الطهارة، وفي كتاب الصلاة كله لم يسم إلا: باب صفة الصلاة، وفي كتاب البيع لم يسم إلا باب الهبة، وهكذا. وفي المسائل التي يختلف فيها المذهب بين "الإقناع" و"المنتهى" يتابع المصنف "الحجاوي" في "الإقناع" غالبًا، وذكر المصنف صفات الطهارات، فذكر صفة الوضوء، وصفة الغسل الكامل والمجزئ، وصفة التيمم، بخلافه في "أخصر المختصرات"؛ فإنه لم يذكرها فيه. والمؤلف ابن بلبان هو شمس الدين محمد بن بدر الدين بن عبد القادر بن محمد البَلْباني البَعْلي، ثم الدِّمشقي الصَّالحي، الخَزْرجي الحنبلي. وُلد بدمشق، سنة ستٍّ وألف، كان - رحمه الله تعالى - عالمًا ورعًا عابدًا، قطع أوقاته في العبادة والعلم والكتابة والدرس والطلب، وكان ديِّنًا صالحًا، حَسَنَ الخُلق والصُّحبة، متواضعًا، حلوَ العبارة، كثيرَ التحرِّي في أمر الدين والدنيا، منقطعًا إلى الله تعالى. وكان في أحواله مستقيمًا على أسلوب واحد منذ عُرف، فكان يأتي من بيته إلى المدرسة العُمرية في الصباح فيجلس فيها. وأوقاته منقسمة إلى أقسام: إما صلاة، أو قراءة قرآن، أو كتابة، أو إقراء. وله محاسنُ ولطائفُ مع العلماء، وولي خطابة الجامع المظفَّري المعروف: بجامع الحنابلة، وكان الناس يقصدونه في الجامع المذكور. وقد أفتى مدة عمره، وانتهت إليه رئاسة العلم بالصَّالحية بعد وفاة الشيخ علي القبودي. وكان عالمًا بالمذاهب الفقهية كلها زيادة على مذهبه رحمه الله تعالى. التقى ابن بلبان بجماعة من علماء بلده وغيرهم، فمن هؤلاء العلماء: 1- الشهاب أحمد بن أبي الوفاء الوفائي (ت: 1038هـ)، وأخذ عليه الفقه والحديث، ثم زاد عليه في معرفة فقه المذاهب زيادةً على مذهبه. 2- الشهاب أحمد بن يونس العيثاوي (ت: 1025هـ). 3- الشمس محمد بن محمد الميداني (ت: 1033هـ). 4- القاضي محمود بن عبد الحميد الحميدي. وغيرهم. وأخذ عنه جمع من أعيان العلماء، منهم: 1- الإمام المحقق محمد بن محمد بن سليمان المغربي (ت: 1094هـ). 2- الشيخ إسماعيل المعروف بـ ابن الحائك الحنفي المفتي (ت 1127هـ)، مفتي الحنفية بدمشق. 3- أبو المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي (ت 1126هـ)، مفتي الحنابلة بدمشق. قال تلميذه المؤرخ المحبي في "خلاصة الأثر": «اتفق أهل عصرنا على تفضيله وتقديمه ... وبالجملة؛ فقد كان بقيةَ السلف، وبركةَ الخلف». وقال الشيخ إبراهيم بن عبد الرحمن الخياري في كتابه "تحفة الأدباء": «عين العلماء الأعلام، حامل لواء الزهادة والنزاهة بين الأنام، خاتمة المتأخرين، سالك سَنن السالفين، مُذكِّر سيرة الماضين في الزهد والعلم وحسن اليقين، الجامع بين العلم والعمل، والملاحظ بتوفيق الله عزَّ وجلَّ». وقال الشيخ عبد الرحمن البعلي في مقدمة "كشف المخدرات": «الإمام والحبر العمدة العلام، فريد عصره وزمانه، ووحيد دهره وأوانه، شيخ الإسلام والمسلمين، وزين العلماء العاملين، عمدة أهل التحقيق، وزبدة أهل التدقيق». له مصنفات نافعة، وهي: 1- كافي المبتدي. 2- مختصر الإفادات في ربع العبادات والآداب وزيادات. 3- قلائد العقيان في اختصار عقيدة ابن حمدان. 4- رسالة في قراءة عاصم. 5- بغية المستفيد في أحكام التجويد. 6- الرسالة في أجوبة أسئلة الزيدية. 7- الآداب الشرعية. 8- أخصر المختصرات. وكانت وفاته في سنة ثلاث وثمانين وألف، وكانت جنازته حافلة جدًّا رحمه الله تعالى، وصلَّى عليه بالجامع المظفري ولدُه الشيخُ عبدُ الرحمن في جمع عظيم، ودُفن بسفح جبل قاسِيُون، في الطَّرَف الشرقي بالقرب من الروضة. |
مدينة السلام للأمير شكيب أرسلان «تاريخ بغداد» أو مدينة السلام للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب وضعه في أزهى عصور الإسلام منذ تأسيسها إلى وفاته عام 463هـ. يشتمل على وصفها وتخطيطها وتراجم من كان فيها من الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء والأشراف والعلماء من جميع الطبقات. وقد ظهر منه عشرة مجلدات ولا يزال مجلدان تحت الطبع. وهو بأجمعه يأتي في 4800 صفحة، طبع للمرةِ الأولى بنفقةِ مكتبة الخانجي بالقاهرة والمكتبة العربية ببغداد ومطبعة السعادةِ بجوار محافظة مصر سنة 1349هـ وفق سنة 1931م. هذا الكتاب لا يوجد في أدباء العربية من لم يسمع به فهو من أشهر التواريخ وهو لـ «بغداد» كتاريخ ابن عساكر لـ «دمشق». ولم أكن أطلعت عليه وإنما أهدانيه أحد أصدقائي من كبار العراقيين جزاه الله خيرًا. فوقعت عليه وقوع الذباب على الحلواء. وبدأتُ بدرس الجزءِ الأول منه فأعجبني جدًّا بيانه السهل الممتنع وهو في رواياته يعتمدُ على أسلوبِ علمائنا في العنعنة مع مزيد التحري. وهو أسلوب لا يقدر عاقل أن يطعن فيه؛ لأن الرواية يجب الثقة بها والاطلاع على أسانيدها من كل الجهات وإلا فلا يكون التاريخ تاريخًا. وها نحن أولاءِ نرى علماءَ الإفرنجة يبالغون في التدقيق والتمحيص وقد يحررون عن واقعة واحدة كتابًا كثيرَ الورقِ يبلغون فيه الأمد الأقصى من الأخذ والرد بتصفح وجوه الروايات ومقابلتها بعضها ببعض، ويذكرون المصادر التي أخذوا عنها مع تبيين الكتاب والصفحة والسطر والطبعة أيَّة سنةٍ كانت وما أشبه ذلك. فمذهب العنعنة في الإسلام لا يؤتى ولا من جهة. وغاية ما يقول أنه يجوز للكتاب في حال اختصاره حذف أسانيده. وأما أهمية هذا الكتاب فهي على نسبة أهمية البلدة التي وضع لأجلها. فبغداد في الحقيقة تمثل مدينة الإسلام لأنها أكبر بلدة عمرها المسلمون بأيديهم وكانت حضارتها إسلامية من أولها إلى آخرها. ولم تبلغ بلدة في الإسلام ما بلغته دار السلام من عظمة وسعة وثروة ونعيم. وجميع مدن الإسلام التي اشتهرت في التاريخ كدمشق وحلب والقاهرة والقيروان وفاس وقرطبة والبصرة وأصفهان وسمرقند وغيرها إنما تأتي رديفة لبغداد. ذكر الحافظ ابن الخطيب في الصفحة الأولى من الجزء الأول قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي الحسن القرميسيني قال: سمعت عمر بن أحمد بن عثمان يقول: سمعت أبا بكر النيسابوري يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: يا يونس دخلتَ بغداد؟ قال قلت: لا. قال: ما رأيت الدنيا. ليتأمل الإنسان أن قائل هذا القول هو الإمام الشافعي رضي الله عنه الذي لم يكن ممن تزدهيه الدنيا ولا ممن تسكره زينتها ولا ممن يأخذ بلبه زخرفها ولكنه برجاحة عقله كان في مقدمة الرجال الذين يقدرون الأمور أقدارها فهو يقول: أن من لم ير بغداد لم يعرف الدنيا. وحاشا أن يكون مثل الشافعي موصوفًا بالمبالغة فبغداد في عنجهية أمرها كانت المثل الأعلى للحضارة فمن لم يكن شاهدها لم يكن شاهد المثل الأعلى من العمران. ولا نظن أنه كان يوجد في العالم كله - لا في العالم الإسلامي فقط - بلدة تضارع بغداد في العظمة لعهد المنصور والمهدي والرشيد. فإن رومة في ذلك العصر كانت انحطت عن درجتها المعلومة وإنه لم يكن في أوربة لذلك العهد مدينة تساوي شطرًا من بغداد فضلًا عن أن تعادل بغداد نفسها. نعم كانت القسطنطينية في ذلك العصر مدينة عظيمة وكانت وقتئذ عاصمة النصرانية بلا نزاع ولكنها لم تبلغ في العظمة والضخامة ما بلغته بغداد في القرنين الأولين من بنائها. فيمكننا أن نقول إن رئاسة حواضر الدنيا انتهت لبغداد لمدة قرنين إن لم يكن ثلاث. نعم لا نعلم درجة عظمة حواضر الصين والهند لذلك العهد إلا أننا نرجح أنه لم يكن منها ما يعادل بغداد في ذيك القرنين الثاني والثالث للهجرة ولو كانت ثمة مدن تعادل بغداد لكان انتشر خبرها وقيست إلى بغداد في عظمتها لأن العرب كانوا على اتصال مستمر بالهند والصين وكانت السفن تختلف بين سيراف وكنتون بالسهولة التي تختلف فيها الآن بين شربورغ ونيويورك أو سوثمبتون ونيويورك. فمم بعد أن تقرر في نظرنا أن بغداد كانت أعظم مدينة في العالم مدة قرنين أو ثلاثة بالأقل يجب أن نبحث في درجة عظمة بغداد وما كانت سعة رقعتها وما بلغه عدد السكان فيها وذلك بناء على الروايات المختلفة التي ساقها ابن الخطيب في هذا التاريخ الذي إن لم يعرف بغداد حق التعريف فلن يعرفه كتاب آخر. إننا لا نريد الآن أن نعيد روايات ابن الخطيب التي يمكن القارئ أن يطالعها في الكتاب نفسه. ولم نكن لنتوخى هذا البحث من أجل أن ننقل صفحات من تاريخ بغداد نقلًا. وإنما نريد أن ندقق في روايات ابن الخطيب ونزنها بمعيار العقل ونجتهد في تمييز ما يكون منها مبالغة أو مجازفة ما يمكن أن يكون حقًا، وبعبارة أخرى نريد أن نعرض هذا التاريخ على محك النقد، لا محل النقد الذي أولع به بعضهم من التشكيك في كل شيء ومن الاعتراض على كل شيء لكن محك المعقول السائغ الذي تزعن له أرباب العقول السليمة والمعارف الواسعة. قال ابن الخطيب لم يكن لبغداد في الدنيا نظير في جلالة قدرها وفخامة أمرها وكثرة دورها ومنازلها ودروبها وشعوبها ومحالها وأسواقها وسككها وأزقتها ومساجدها وحماماتها وطرزها وخاناتها وطيب هوائها وعذوبة مائها وبرود ظلالها وأفيائها واعتدال صيفها وشتائها وصحة ربيعها وخريفها وزيادة ما حصر من عدد سكانها وأكثر ما كانت عمارةً وأهلًا في أيام الرشيد إذ الدنيا قارة المضاجع دارّة المراضع خصيبة المراتع مورودة المشارع ثم حدثت بها الفتن وتتابعت على أهلها المحن فخرب عمرانها وانتقل قطانها إلا أنها كانت قبل وقتنا والسابق لعصرنا على ما بها من الاختلال والتناقض في جميع الأحوال مباينة لجميع الأمصار ومخالفة لسائر الديار. ثم قال نقلًا عن أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر: أخذ الطول من الجانب الشرقي من بغداد لأبي أحمد يعني الموفق بالله عند دخوله مدينة السلام فوجد مائتي حبل وخمسين حبلا وعرضه مائة وخمسة أحبل فتكون ستة وعشرين ألف جريب ومائتين وخمسين جريبًا. ووجد الجانب الغربي طوله مائتان وخمسون حبلا أيضًا وعرضه سبعون حبلًا. يكون ذلك سبعة عشر ألف جريب. فالجميع من ذلك ثلاثة وأربعون ألف جريب وسبعمائة وخمسون جريبًا من ذلك مقابر أربعة وسبعون جريبًا انتهى. فلنعمل الآن امتحانًا لهذا التعديل فنقول: المعول كله على معرفة مقدار هذا الجريب لأن الأجربة كسائر المقاييس كانت تختلف. وجاء في تاج العروس أنه يختلف البلدان كالرطل والمد والذراع ونحو ذلك وجاء فيه نقلًا عن قدامة الكاتب أن الجريب ثلاثة آلاف وستمائة ذراع. وجاء في "تاج العروس" أن الجريب مكيال قدره أربعة أقفزة. وجاء في محل آخر أنه عشرة أقفزة لكل قفيز منها عشرة أعشار فالعشير جزء من مائة جزء من الجريب وهذه هي أيضًا عبارة "لسان العرب". وأما الفقير فيقول في "تاج العروس": إنه مكيال معروف زهو ثمانية مكاكيك عند أهل العراق ومن الأرض قدر مائة وأربع وأربعين ذراعًا. ووجدت في بعض الكتب أن الجريب عشرة آلاف ذراع. ولكني أرى إذا جعلنا الجريب المقصود هنا عشرة آلاف ذراع وضربنا به الثلاثة والأربعين ألفًا والسبعمائة والخمسين جريبًا التي هي مساحة بغداد في ذلك الوقت بحسب تاريخ ابن الخطيب بلغ ذلك مبالغ غير معقولة إذ إن كان الجريب عشرة آلاف ذراع تكون المساحة ثلاثة وأربعين مليونًا وسبعمائة وخمسين ألف ذراع مربع وهذا بعيد جدًّا هن العقل. فلذلك اخترنا التقويم الآخر وهو أن يكون القفيز مائة وأربعة وأربعين ذراعًا في "تاج العروس" والجريب عشرة أقفزة فيكون ألف وأربعمائة وأربعين ذراعًا. فإذا ضربنا ثلاثة وأربعين ألفًا وسبعمائة وخمسين جريبًا بألف وأربعمائة وأربعين ذراعًا جاء ثلاثة وستون مليون ذراع مربع. فإذا أخرجنا ثلثها من أجل تكسير هذه المساحة على المتر بقي معنا اثنان وأربعون مليون متر مربع وهي مساحة تعادل ثمانية آلاف فدان بحيث يكون طول بغداد من ستة إلى سبعة كيلو مترات وعرضها من ستة إلى سبعة كيلو مترات أيضًا فهذا معقول وسائغ بل يجوز أن تكون رقعتها أوسع من هذا المقدار ذلك العقل، ولكن إن جعلنا الجريب عشرة آلاف ذراع مربع بل جعلناه ثلاثة آلاف وستمائة ذراع كان ذلك بعيدًا جدًّا عن العقل. أما الشيء الذي لا يتحمل وجوهًا وهو بعيد جدًّا عن العقل فهو رواية ابن الخطيب نقلًا عن محمد بن يحيى عن عدد الحمامات في بغداد قال: إن عدد الحمامات كان في ذلك الوقت في بغداد ستين ألف حمام وأقل ما يكون في كل حمام خمسة نفر حمامي وقيم وزبال ووقاد وسقاء يكون ذلك ثلثمائة ألف رجل. فهذا غير معقول وغير مقبول قولًا واحدًا لأننا لا نستطيع أن نتصور مدينة عملت الحمامات فيها ثلثمائة ألف إذ لو قلنا بغداد كانت ثلاثة ملايين نسمة وجب أن يكون عملة الحمامات عشر أهلها. ولا يوجد بلدة في الدنيا مهما بلغ من حبِّ أهلها للنظافة يكون عُشر سكانها عملة حمامات. فلو قلنا: إن بغداد كانت في ذلك العهد بقدر (لوندرة) اليوم أي تسعة ملايين فيجب أن يكون عدد الحمامين فيها واحدًا من ثلاثين وهذا غير معقول أيضًا. كما أنه لم تبلغ بغداد في وقت من الأوقات درجة (لوندرة) اليوم في عدد السكان، هكذا نظن. وأغرب منه قول ابن الخطيب نقلًا عن محمد بن يحيى أنه يكون بإزاء كل حمام خمسة مساجد فيكون ذلك ثلثمائة ألف مسجد وتقدير ذلك أن يكون أقل ما يكون في كل مسجد خمس أنفس يكون ذلك ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان. فهذه العبارة كلها غريبة أما أن يكون عدد أهل بغدد ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان أي مليونا ونصف إنسان فهذا ليس بشيء ونحن نعتقد أنه كان في بغداد لذلك العهد أكثر من هذا العدد ونظن أن أهلها تجاوزوا مليونين وثلاثة ولكن الغرابة في قوله أنه يكون بإزاء كل حمام خمسة مساجد ومجموع ذلك ثلثمائة ألف مسجد. فغير مقبول أصلًا أن يكون في بغداد يومئذ ثلثمائة ألف مسجد وإن قلنا أنه كان فيها ثلثمائة ألف مسجد لزم أن يكون عدد سكانها ثالثين مليونًا بالأقل هذا باعتبار مائة نسمة لكل مسجد. أما اعتبرنا مائتي نسمة لكل مسجد وجب أن يكون عدد سكان بغداد ستين مليونًا وهذا أيضًا خارج عن العقل. ولكن لم نفهم معنى قوله أن لكل مسجد خمسة أنفس، إن أراد بذلك عدد الخدمة فهذا معقول. ولكن إن أراد عدد المصلين فهذا غير معقول. لأنه قليل جدًّا ولا يعمل مسجد لأجل خمسة ولا لأجل خمسين ويظهر منه أنه يريد عدد الخدم وعليه يكون عدد خدمة المساجد في بغداد مليونًا ونصف مليون أي ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان. فهذا يرده العقل بدون تردد فالمدينة التي فيها مليون ونصف رجل من خدمة المساجد لا بد أن تكون مشتملة بالأقل على مائة مليون نسمة. والحاصل أننا نستغرب لا هذا العدد بذاته فقط إذ الاستغراب هنا بديهي ولكننا نستغرب أيضًا نقل ابن الخطيب لروايات كهذه تنقص من قيمة التأليف. وهذه قضية النقل بدون تمحيص وكيفما أتفق هي أشد ما يأخذه الافرنج على العرب في هذا الباب. فإن المؤلف العربي يرى أن من الواجب عليه نقل كل خبر كما سمعه بدون تبديل ولا تعديل مهما كان سخيفًا أو غريبًا وأحيانًا بدون اعتراض تاركًا الحكم فيه للقارئ. ومن مؤلفي العرب من يحب التورع عن نقض الأخبار الغربية بحجة أن كل شيء في الدنيا ممكن وأن الله خرق القواعد. ومنهم من يقول: هذا شيء وجدناه هكذا فلا يجوز لنا أن نتفلسف فيه. وقد كان هذا المشرب عند كثير من مؤلفينا سببًا في مسير مبالغات العرب مثلًا سائرًا عند الإفرنج. فإذا أردت أن تنقل رواية عن كتاب عربي فيها شيء من العظمة بادرها العالم الإفرنجي بالرد أو بالأقل بالتشكيك لأنه لا يتلقى رواية عربية لاسيما عن المقادير والكميات والكيفيات إلا بحذر عظيم. هذا الذي جره علينا مشرب هذا العدد الجم من مؤرخينا الذين أفرط بهم حب التقليد إلى درجة أنهم لا يحبون أن يغيروا ولا أن يبدلوا خبرًا من الأخبار ولو كان من فم عجوز. وذلك بحجة أن هذا كله ممكن ولا شيء يعجز قدرة الله. ونسوا أن المستحيل عادة كالمستحيل عقلًا وأن سوق جميع هذه الأخبار في الكتب بدون تمحيص يجعل القراء في شبهة حتى في الصحيح منها. وقد جرت العادة أن التاجر الذي يبيع بضاعة مغشوشة يتحامى المشترون الشراء منه ولو كان عنده بضاعة جيدة. وأن الصيرفي الذي يتعاطى مسكوكات مزيفة تقل الثقة في مسكوكاته الصحيحة. وإني على ثقة بأن نقل ابن الخطيب لأخبار الحمامات والمساجد في بغداد بهذه المبالغات الخارقة للعادة سيفقد "تاريخ بغداد" كثيرًا من نظر الناس مع أنه من التواريخ القيمة بدون شك. أن أول واضع لعلم النقد في التاريخ هو الفيلسوف الاجتماعي الأكبر عبد الرحمن ابن خلدون رحمه الله وهو الذي كان أول المنبهين على أغاليط المؤرخين والمنددين بمبالغاتهم لاسيما في ذكر الكميات والأعداد وهو الذي قال أنهم نقلوا المغالطات في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًا أو سمينًا لم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات إذ هي مظنة الكذب ومطية الهذر ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد. وقال أيضًا وقد نجد الكافة من أهل العصر إذا أفاضوا في الحديث عن عساكر الدول التي لعهدهم أو قريبًا منه وتفاوضوا في الأخبار عن جيوش المسلمين أو النصارى أو أخذوا في إحصاء أموال الجبايات وخراج السلطان ونفقات المترفين وبضائع الأغنياء الموسرين توغلوا في العدد وتجاوزا حدود العوائد وطاعوا أوساس الأغراب فإذا استكشفت أصحاب الدواوين عن عساكرهم واستنبطت أحوال أهل الثروة في بضائعهم وفوائدهم واستجلبت عوائد المترفين في نفقاتهم لم تجد معشار ما يعدونه وما ذلك إلا لولع الأنفس بالغرائب وسهولة التجاوز على اللسان والغفلة على المتعقب والمنتقد حتى لا يحاسب نفسه على خطأ ولا عمد ولا يطالها في الخبر بتوسط ولا عدالة ولا يرجعها إلى بحث وتفتيش فيرسل عنانه إلى آخره. وإني أرى ابن الخطيب صاحب "تاريخ بغداد" غير ناقل ما نقله على سبيل تصديقه لأنه قد سبق له ذكر الأحاديث النبوية التي رواها الراوون عن بناء بغداد ثم عن خرابها من قبيل: «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل والصراة وقطربل، يجتمع فيها خزائن الأرض، يخسف بها فهي أسرع ذهابًا في الأرض من الحديد أو الحديدة في الأرض الخوارة»، أو: «يكون خسف بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة بأمراء جبابرة يخسف الله بهم الأرض ولهي أسرع بهم هويًّا من الوتد اليابس في الأرض الرطبة»، وغير ذلك من الأحاديث التي أملى فيها بضع عشرة صفحة مستقصيًا أسانيدها وأنهى الأمر بتضعيف هذه الأحاديث وأحيانًا تكذيب رواتها وبنقل كلام الأئمة الذين قالوا أنها من الموضوعات. أما من جهة عدد الحمامات والمساجد فكأن المؤلف لشدة إعجابه ببلدته لم يشأ أن يتحاشى نقل هذه المبالغات وإنما نقل بجانبها أخبارًا لم تبلغ هذه الدرجة من المبالغة وأخرى معتدلة ومعقولة وترك التمييز للقارئ ويا ليته اقتصر على المعقول فكان انصح للكتاب وأحدى على الثقة به. حدَّث فقال نقلًا عن هلال بن المحسن قال: كنت يومًا بحضرة جدي أبي إسحاق إبراهيم بن هلال الصأبي في سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة إذ دخل عليه أحد التجار الذين كانوا يغشونه ويخدمونه فقال له في عرض حديث حدثه به: قال لي أحد التجار أن ببغداد اليوم ثلاثة آلاف حمام. فقال له جدي: هذا سدس ما كنا عددناه وحصرناه. فقال له: كيف ذاك. فقال جدي أذكر وقد كتب ركن الدولة أبو الحسن بن بويه إلى الوزير أبي محمد المهلبي بما قال فيه: ذكر لنا كثرة المساجد والحمامات ببغداد واختلفت علينا فيها الأقاويل واحببنا أن نعرفها على حقيقةٍ وتحصيلٍ فتعرفنا الصحيح من ذلك. قال جدي: وأعطاني أبو محمد الكتاب وقال لي: امض إلى الأمير معز الدولة فاعرضه عليه واستأذنه فيه ففعلت. فقال له الأمير: استعلم ذلك وعرفنيه. فتقدم أبو محمد المهلبي إلى أبي الحسن البادرجي - وهو صاحب المعونة - يعد المساجد والحمامات، قال جدي: فأما المساجد فلا أذكر ما قيل فيها كثرة، وأما الحمامات فكانت بضعة عشر ألف حمام. وعدت إلى معز الدولة وعرفته ذلك فقال اكتبوا في الحمامات بأنها أربعة آلاف. واستدللنا من قوله على إشفاقه وحسده إياه على بلد هذا عظمه وكبره. وأخذ أبو محمد وأخذنا نتعجب من كون الحمامات هذا القدر. وقد أحصيت في أيام المقتدر بالله فكانت سبعة وعشرين ألف حمام. وليس بين الوقتين من التباعد ما يقضي هذا التفاوت. قال هلال: وقيل أنها كانت في أيام عضد الدولة خمسة آلاف حمام وكسرًا. قلت أما زمان المقتدر فكان في عهد الثلثمائة بعد الهجرة فما بعد. وأما زمان عضد الدولة ابن بويه فبدأ في بغداد سنة سبع وستين أو سبعين سنة. فيكون من العجب العجاب أنه في حقبة كهذه ينزل عدد الحمامات من سبعة وعشرين ألفًا إلى خمسة ألاف! ولا أزال أظن أن في قولهم كانت الحمامات في بغداد أيام المقتدر سبعة وعشرين ألف حمام مبالغة عظيمة. وكذلك عندي دليل آخر أقرب إلى العقل من هذا على وجود المبالغة في الخبر وهو قولهم أن الحمامات كانت في أيام الأمير معز الدولة بن بويه والوزير أبي محمد المهلبي بضعة عشر ألف حمام ثم قولهم أنها كانت في أيام عضد الدولة خمسة آلاف حمام وكسرًا. فإن زمان سيف الدولة هو زمان الخليفة المطيع لله. وكانت وفاة معز الدولة سنة ست وخمسين وثلثمائة. وكانت وفاة عضد الدولة سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة أي بين العهدين لا يوجد أكثر من ست عشرة سنة. فكيف يمكن في مدة قصيرة كهذه أن يتقلص العمران كل هذا التقلص ويتساقط عدد الحمامات من بضعة عشر ألفًا إلى خمسة آلاف وكسر؟ والأرجح عندي أن الحمامات كانت من أربعة إلى خمسة ألاف في العهدين. وليس هذا بعدد قليل لأننا لو جعلنا كل حمام لمائتي بيت كان مجموع البيوت مليون بيت. فإذا جعلنا كل بيت خمس أنفس كان مجموع سكان بغداد خمسة ملايين وهو أقصى ما يتصور لعدد سكان بغداد. وإن قلنا أنهم من شدة ولعهم بالاستحمام وانغماسهم في الترف كان الحمام الواحد لا يكفي إلا لمائة بيت وجب أن يكون في بغداد نصف مليون بيت أي مليونان ونصف مليون نسمة وهذا قريب للعقل أيضًا. ومما ذكر ابن الخطيب في "تاريخ بغداد" استدلالًا على استبحار العمران فيها قوله: حدثني القاضي أبو القاسم التنوجي قال: أنبأنا أبو الحسن محمد بن صالح الهاشمي في سنة ستين وثلثمائة قال: أخبرني رجل يبيع سويق الحمص منفردًا به وأسماه لي ونسيته: أنه حصر ما يعمل في سوقه من هذا السويق كل سنة فكان مائة وأربعين كرًّا يكون حمصًا مائتين وثمانين كرًّا يخرج في كل سنة حتى لا يبقى منه شيء ويستأنف عمل ذلك للسنة الأخرى. قال: وسويق الحمص غير طيب وإنما يأكله المتحملون والضعفاء شهرين أو ثلاثة عند عدم الفواكه ومن لا يأكله من الناس أكثر. قال الشيخ أبو بكر المؤرخ: لو طلب من هذا السويق اليوم في جانبي بغداد مكوك واحد ما وجد، انتهى. فلنمتحن هذا الخبر فنقول: أن الكر على إحدى الروايات ستة عشرة قنطارًا بالشامي فإذا كان مئتان وثمانون كرًّا كان مبلغها أربعة آلاف وأربعمائة وثمانين قنطارًا، فهذا ليس بشيء لمثل بغداد يقال أن فيها بضعة عشر ألف حمام بالأقل. ثم رأيت أن الكر ست أوقار حمار، وعليه يكون أقل من ستة عشر قنطارًا بالشامي إذا القنطار ما نعرفه اليوم. والأرجح عندي أن الكرَّ هو ما ورد في "تاج العروس" أنه عند أهل العراق ستون قفيزًا والقفيز ثمانية مكاكيك والمكوك صاع ونصف فيكون الكر سبعمائة وعشرين صاعًا. على أنه جاء في "التاج" نقلًا عن الأزهري قال: أن الكر اثنا عشر وسقًا كل وسق ستون صاعًا أو أربعون أردبًا بحساب أهل مصر. فإذا كان الكر 480 أردبًا فيكون مئتان وثمانون كرًّا عبارة عن مئة وعشرين ألف أردبٍ وأربعمائة أردب وليس هذا بشيء يستبعده العقل على حاضرة الإسلام الكبرى. على أن في تاريخ بغداد للشيخ أبي بكر الخطيب فوائد كثيرة وأدلة واضحة على ما كانت عليه من التناهي في العمران، أهم ذلك ما رأيته من وصف الاستقبال الذي جرى لرسول ملك الروم في أيام المقتدر بالله مما يلزم أن يفرد بمقالة خاصة. وربما تترجم هذا الفصل لمجلتنا (لاناسيون آراب) كما فعلنا في وصف قرطبة ونقلت ذلك عنا جرائد أوربية خطيرة. ومن الفوائد التي عثرت عليها في "تاريخ بغداد" للحافظ ابن الخطيب أنه في ترجمة أبي أيوب الأنصاري الخزرجي رضي الله عنه نقل رواية وهي أن شيخًا من أهل فلسطين كان في القسطنطينية فرأى بنية بيضاء دون حائط القسطنطينية فقالوا: هذا قبر أبي أيوب الأنصاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. قال هذا الشيخ: فأتيت تلك البنية فرأيت قبره في تلك البنية وعليه قنديل معلق بسلسة. فظهر من هنا أن قبر أبي أيوب - رحمه الله - لم يكن درس القرون الأولى من الهجرة، وأنه إن كان قد درس فيكون فيما بعد. فإن الأتراك يقولون أنهم لما فتحوا القسطنطينية كان قبر أبي أيوب دارسًا وأنه إنما كشفه الشيخ آق شمس الدين على أثر رؤيا رآها. فمن كتاب الحافظ ابن الخطيب الذي عاش في القرن الخامس يظهر أن قبر أبي أيوب كان معروفًا محفوظًا وهذا سند جديد يضاف إلى روايات ابن قتيبة والطبري وابن الأثير وابن الجوزي عن كون الروم احترموا قبر صاحب رسول الله ولم يطمسوه مدة قرون. وأما ما يقال بأنهم كانوا يزورونه ويستسقون عنده في أيام القحط فيجوز أن يكون صحيحًا كما يجوز أن يكون من عمل الخيال. وعلى كل حال فعدم مساسهم بالقبر وحرمتهم له هو في عاصمة النصرانية يومئذ هما من كرامات ذلك الصحابي الجليل! لقد راجعت الانسكلوبيدية الإسلامية بشأن مدينة بغداد. وليست هذه الانسكلوبيدية في شيء من التحمس لتاريخ الإسلام بل أراها في كثير من الأحيان تبخسه من أشيائه وأحيانًا تعطيه أقل من حقه وكثيرًا ما تعطيه نصف حقه فقط. ومع هذا رأيتها تقول في الصفحة 576 في الجزء الأول: أن بغداد كانت في عهد الخلفاء الأول من العباسيين أعظم مركز تجاري في آسيا ومنبع حياة عقلية عظيمة وأنها بعظمتها وثروتها وزخرفها كانت تشغل المقام الأول في العالم المتمدن لذلك العهد. ثم قول في تلك الصفحة نفسها: أن هذه الحاضرة يوم وفاة الخليفة المهدي أي قبل الرشيد كانت مساحتها من سبعة إلى ثمانية كيلومترات طولًا إلى سبعة أو ثمانية كيلومترات عرضًا فإذا حسبنا هذه المساحة بضرب ثمانية في ثمانية كانت أربعة وستين كيلومترًا مربعًا ولنقل مائة ألف ذراع مربع. فمساحة كهذه لا تسع أكثر من مائتي ألف بيت إذا حسبنا أنه سيدخل في هذه المساحة الشوارع والسكك والساحات والمساجد والحمامات والقصور والدور العامة. فإذا حسبنا بكل بيت خمس نسمات فلا يكون عدد سكان بغداد في زمان المهدي أكثر من مليون نسمة. قد جاء هذا الكلام في الانسكلوبيدية الإسلامية ولم يذكر فيها السند الذي توكأ عليه الكاتب في قوله: كانت بغداد في أيام المهدي من سبعة إلى ثمانية كيلومترات طولًا ومثلها عرضًا. ثم لم نجد في هذه الانسكلوبيدية حصرًا لعدد السكان. ومما اتفق عليه المؤرخون أن أوج عظمة بغداد كان في زمان الرشيد بعد المهدي وبقيت على حالتها تلك إلى أيام المعتصم. ونحن نظن أن تقدير الانسكلوبيدية كون مساحتها سبعة أو ثمانية كيلومترات طولًا في مثلها عرضًا ربما كان هكذا أيام المهدي وأن بغداد قد تضاعفت فيما بعد ونعتقد أن بغداد لم يكن فيها لعهد الرشيد والمأمون أقل من ثلاثة ملايين نسمة. وأن مثل هذا العدد قد يلزمه من أربعة إلى خمسة آلاف حمام بالنظر إلى رفاهية الأهالي وللترف الذي كانت تعيش فيه بغداد ولكون أهلها مسلمين من مباديهم الدينية الاغتسال. فأما الستون ألف حمام والثلثمائة ألف مسجد فهذا من كلام العوام وقد أخطأ الحافظ أبو بكر ابن الخطيب رحمه الله في مجرد نقله بدون اعتراض. وحبك الشيء يعمي ويصم. جنيف 23 شوال 1351هـ شكيب أرسلان. ♦♦♦♦♦ المصدر: «مجلة الثقافة السورية»، العدد: 1 - بتاريخ: 5 - 4 – 1933م |
أقوال أبي موسى المديني في التفسير جمعا ودراسة صدر حديثًا كتاب: " أقوال أبي موسى المديني في التفسير جمعًا ودراسة "، تأليف د. " أحمد بن إبراهيم بن ناصر العبودي "، نشر " دار الرسالة العالمية ". وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الكاتب لنيل درجة الماجستير في قسم التفسير وعلوم القرآن من كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عام 1432هـ- 2011م، وذلك تحت إشراف د. "العباس بن حسين الحازمي". ويهدف البحث إلى جمع أقوال أبي موسى المديني التفسيرية في كتاب مستقل؛ يحمل رأيه ويكشف عن تفسيره للآيات، مع دراسة أقواله في التفسير دراسة وافية، وموازنتها بأقوال غيره من أعلام المفسرين، مع إبراز منهجه في التفسير بطرائقه المتنوعة. وأبو موسى المديني (ت 581 هـ) من حفاظ الحديث، المصنفين فيه، وهو من أكابر شيوخ البخاري، وكان العلماء يذكرونه بصاحب التصانيف.. قال عنه ابن خلكان (ت681 هـ): "كان إمام عصره في الحفظ والمعرفة، وله في الحديث وعلومه تواليف مفيدة، قرأ القراءات وتفقه على مذهب الشافعي على أبي عبد الله الحسن بن العباس الرستمي، وقرأ النحو واللغة حتى تمهر فيها، وله التصانيف المفيدة منها: أسماء الصحابة، والأمالي الكبير، وكتاب اللطائف، وعوالي التابعين، وكان ثقة دينًا صالحًا، وكان متواضعًا يقرئ كل من أراد". وقال الحافظ جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ): "أبو موسى المديني الحافظ الكبير شيخ الأسلام، صاحب التصانيف سمع الكثير، ورحل وعني بهذا الشأن، وانتهى إليه التقدم فيه مع علو الإسناد. وعاش حتى صار أوحد زمانه، وشيخ وقته، إسنادًا وحفظًا مع التواضع، لا يقبل من أحد شيئًا قط". وأغلب مباحث تلك الدراسة استقت نتائجها من خلال دراسة منهج أبي موسى المديني في كتابه (المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث) والذي أثنى عليه كثير من العلماء، ومنهم: 1- قال ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات (ت 606 هـ): "صنف كتابًا جمع فيه ما فات الهروي من غريب القرآن والحديث ينُاسبهُ قَدْرًا وفائدة ويُماَثلهِ حجمًْا وعائدة وسلك في وضعه مَسْلَكه وذهب فيه مَذهَبه ورتَّبَه كما رتّبَه". ويمضي ابن الأثير في كلامه فيقول: "ولما وقفت على كتابه الذي جعله مُكمّلًا لكتاب الهروي ومُتَمِمّا وجدتُه في غاية من الحسن والكمال". 2- وقال ابن خلكان: (ت681 هـ): "وصنف كتاب المغيث في مجلد، كَمَّل به كتاب الغريبين للهروي، واستدرك عليه، وهو كتاب نافع". 3- وقال الذهبي: (ت 748 هـ): "وكتاب تتمة الغريبين يدل على براعته في لسان العرب". وترجع أهمية الموضوع وأسباب اختياره للأسباب التالية: أولًا: عناية أبي موسى المديني بالتفسير وتفرده ببعض المعاني وتميزه بالألفاظ الغريبة في القرآن. ثانيًا: مكانة أبي موسى المديني العلمية مما أكسب مؤلفاته قدرًا عند العلماء . ثالثًا: اهتمامه بالقراءات المتواترة والشاذة وبيان معانيها. رابعًا: الحاجة إلى إخراج تفسير مستقل يحمل رأي هذا العالم الجليل. خامسًا: ظهور اهتمام أبي موسى المديني بالتفسير من خلال كتابه (المجموع المغيث) وبيان استدلاله بالقرآن والسنة في تفسير الآيات، وبيان أصل اللفظ في لغة العرب، والاستشهاد بالشواهد الشعرية، ونقله عن بعض أئمة التفسير، مما استدعى جمع أقواله ودراستها. سادسًا: الإفادة العلمية من كتابه الماتع (المجموع المغيث)، وما يشتمل عليه من علوم شتى، وفوائد قلّما يجدها الباحث في غيره من المصنفات. سابعًا: وفرة المنقول عن أبي موسى في التفسير فقد بلغ مجموع الآيات التي فسَّرها مائتي آية. وقد جُعلَتْ الأطروحة في مقدمة، وقسمين، وخاتمة، وفهارس. أما المقدمةُ ففيها أهميةَ الموضوعِ، وأسبابَ اختيارِه، وأهدافَ البحثِ، والدراساتِ السابقةَ، وخطةَ البحث، ومنهجَه. ثم دلف منه الكاتب إلى القسمِ الأول؛ حيث الدراسة التي تناول فيها عصر أبي موسى وحياته، ومصادرِه، ومنهجِه في التفسير، وذلك في ثلاثة فصول: الفصل الأول: عصرُ أبي موسى المديني وحياته، وذلك في مبحثين: المبحث الأول: عصرُ أبي موسى المديني، من خلال مطلبين. استعرض فيه الحالة السياسية، والاجتماعية، والعلمية في العصر الذي عاش فيه. والمبحث الثاني: حياةُ أبي موسى الشخصيةُ والعلميةُ، من خلال ستة مطالب، استعرض فيها اسمه، وكنيته، ونَسَبه، ولقبه؛ ثم عرّج على مولده، ونشأته، وبعدها انتقل إلى حياته العلمية والتي اشتملت على رحلاته، وذكر شيوخه وتلاميذه، وثناء العلماء عليه، وثناء العلماء على كتابه (المجموع المغيث)، ثم بين حياته العملية؛ بعدها حوّل الكاتب الحديث على عقيدته، ومذهبه الفقهي؛ ثم ذكر وفاته، وختم بذكر آثاره ومؤلفاته العلمية. والفصل الثاني: تناول مصادرُه في التفسير، وتناول ذلك في أربعة مباحث؛ بيَّنَ فيها مصادره في القراءات، ومصادره التفسيرية، ومصادره الحديثية، ومصادره اللغوية. والفصل الثالث: منهجُ أبي موسى المديني في التفسير، وذلك في مباحث ستة استعرض فيها عنايته بالقراءات، ومنهجه في تفسير القرآن بالقرآن، وتفسير القرآن بالسنّة، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة والتابعين، وتفسير القرآن باللغة؛ ثم انتقل مبينًا عنايته بغريب الألفاظ؛ وبه أنهى القسم الأول من الأطروحة. ثم انتقل من الكلامِ في منهجِه إلى القسم الثاني: وهو سَرْدُ أقواله في التفسير حيث كان يذكر أقوالَه دارسًا لها وفق المنهج العلمي المتبع. وبعد انتهائه مِن دراسة الأقوال فرغ إلى خاتمة الرسالة: وضمَّنها أهمَّ ما توصَّل إليه من نتائجَ في هذا البحثِ. وذيَّلَ الرسالة بالفهارس المتنوعة. ومن أهم نتائج الرسالة التي استخلصها الكاتب من خلال مباحثها: 1- أنه بالرغم من ما مرّ به القرن السادس الذي عاش فيه أبو موسى المديني من اضطرابات سياسية، ونزاعات، وخلافات؛ إلا أنه مع هذا كله فقد كانت الحالة العلمية فيه مزدهرة، وأساليب التعليم فيه متطورة، حيث كثرت فيه المعاهد والمدارس، كما برز فيه علماء أجلاء كبار منهم أبو موسى المديني - رحمه الله -. 2- كان لازدهار العلم في هذا القرن، وكثرة العلماء المبرزين فيه، أكبر الأثر على تكوين أبي موسى المديني، ونبوغه، وحيازته لأنواع من العلوم، وتصنيفه لأنواع من الفنون، فقد صنف كتبًا كثيرة كان لها الأثر الكبير في النهوض بالحركة العلمية. 3- أن أبا موسى كان إمامًا في علوم شتى، ومن أجلها علم التفسير، فكان له الحظ الوافر من تفسير القرآن، والقيام على معانيه وأحكامه وجميع علومه، كما كان من أئمة وقته في الحديث وفقهه وغريبه ومشكله ومختلفه، متمكنًا من صحيحه وسقيمه. 4- اهتمام أبي موسى المديني بتفسير الكلمات الغريبة في القرآن وبيانها وتوضيحها. 5- يتبين للناظر في أقوال أبي موسى التفسيرية، أن أبا موسى ذا علم بالعلوم المتعلقة بتفسير القرآن كالقراءات وتوجيهها، وعلم اللغة وغيرها من العلوم المتعلقة بالتفسير مما أسهم في تكوين شخصيته كمفسر. 6- أن أبا موسى فسر القرآن متبعًا أحسن الطرق في ذلك، ففسر القرآن بالقرآن كما فسر القرآن بالسنة، وبأقوال الصحابة والتابعين، وباللغة العربية وهذا واضح جلي لمن تأمل أقواله. 7- جمع أبو موسى بين التفسير وغريب السنة، حيث إن أبا موسى يفسر غريب القرآن بما يوافق معناه من غريب الحديث، وهذا يُعد تجديدًا في كتابه (المجموع المغيث). 8- اعتمد أبو موسى على اللغة في بعض اختياراته في التفسير ومن ذلك: اختياراته بمقتضى استعمال العرب للألفاظ والمباني، واختياره الرأي الذي يؤيده أصل اشتقاق الكلمة، واختياراته في التفسير اعتمادًا على الشاهد الشعري. 9- أن المتأمل لأقوال أبي موسى التفسيرية يتبين له قوة أبي موسى، وأنه ذا شخصية مستقلة، يتضح ذلك من خلال استنباطاته الدقيقة، وآرائه المتميزة، واجتهاداته القيمة. 10- أن اختلاف المفسرين في الأعم الأغلب، اختلاف تنوّع؛ وذلك راجع إلى أن كل واحد يفَسّر الحرف من القرآن بما يدني به المعنى لذهن المخاطب. 11- أن المتقدّمين إذا ذكروا وجهًا في تفسير الآية، فذلك لا يمنع المتأخرين من استخراج وجه آخر في تفسيرها؛ بشرط أن يراعى في ذلك: القرآن، والسنة، ولغة العرب. |
أنيس الغريب وجليس الأريب في نظم الغريب للجلال البغدادي صدر حديثًا كتاب: " أنيس الغريب وجليس الأريب في نظم الغريب "، تأليف: " نصر الله بن أحمد التستري البغدادي الحنبلي " (733 هـ- 812 هـ)، تحقيق: د. " ممدوح بن تركي بن محمد القحطاني "، أستاذ التفسير وعلوم القرآن المشارك بجامعة شقراء، نشر " دار الناشر المتميز للطباعة والنشر والتوزيع ". وهو نظم في غريب ألفاظ القرآن في 1780 بيتًا، وفي النظم أيضًا تحقيقات لغوية بالغة الأهمية، نظمها " نصر الله أحمد بن محمد التستري البغدادي " المعروف بالجلال البغدادي (733-812 هـ)، وكانت منه مخطوطة بمكتبة المرحوم "عباس العزاوي". وقد ألف العلماء قديمًا في تفسير القرآن الكريم نظمًا، وإخراجه موزونًا على هيئة الشِّعْر، ومنه نظم مبحث "غريب القرآن"، وقد كثرت فيه المصنفات قديمًا وحديثًا؛ لأنه الركيزة الأساسية في فهم كلام الله عزَّ وجلَّ. وهذا الكتاب من الكتب القلائل التي نظمت كتاب "نزهة القلوب" للسجستاني، ومؤلف " السجستاني " كتاب مختصر في غريب القرآن أثنى عليه أهل العلم كثيرًا من المتقدمين والمتأخرين، وميزته – كتاب السجستاني - دقته في بيان المعاني، وعرضه على شيخه " الأنباري "، وقد رتب السجستاني كتابه على حروف المعجم كما جاءت الكلمة في القرآن دون النظر إلى أصلها الاشتقاقي، ولذلك صعب قليلًا. لذا قام " التستري " ببسط هذا الكتاب في منظومته، ومنظومة التستري لها مزايا كثيرة، منها اختصارها وجمعها لأغلب المفردات في غريب القرآن، مع شرحها وبيان دلالاتها في الآيات، وقد جمع فيه التستري الرواية والدراية، وأورد الآراء المختلفة في شرح الألفاظ، وطبق فيه طريقته الخاصة التي اختارها لنفسه في هذا التأليف، حيث اهتم بالقراءات والإعراب والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وغير ذلك من علوم القرآن، كما حشاه بمباحث لغوية بانت فيها دربة التستري اللغوية. والمؤلف " نصر الله بن أحمد التستري " له مقام كبير عند أهل عصره من أهل القرن الثامن الهجري، وأثنوا عليه وعلى علمه وكتبه ونظمه. والتستري هو أبو الفتح نصر الله بن أحمد التستري البغدادي، ولد ببغداد سنة 733هـ / 1332م، ومن أساتذته شمس الدين الكرماني، وولي غالب تدريسات الحديث ببغداد كالمستنصرية والمجاهدية. وصل دمشق في سنة 789هـ ثم رحل إلى مصر في 790هـ وكان يوصف بأنه كان " مقتدرًا على النظم والنثر "، توفي في 20 صفر 812 هـ / 13 يوليو 1409 م بالقاهرة. وقد قام المحقق بشرح ما صعب من ألفاظ المنظومة في التعليقات، والإشارة إلى فروق نسخ المخطوطات التي قابل عليها متن المنظومة، مع تخريج الآيات والأحاديث والتعريف بأعلام المنظومة، وقدَّمَ للمنظومة بالتعريف بأهميتها في علم غريب القرآن، كما عرَّفَ بالتستري ومنهجه في تأليف المنظومة. |
ترجمة الإمام السهيلى وردت ترجمته فى عدة كتب: «الضبى فى "البغية"، وابن خلكان فى "وفيات الأعيان"، وابن دحية فى "المطرب" (الورقة 74)، والسيوطى فى "البغية"، والمقرى فى "نفح الطيب"، وابن تغرى بردى فى "النجوم الزاهرة"، وابن عماد الحنبلى فى "شذرات الذهب"، وكتاب "المطرب فى حلى المغرب"، و"نكت الهميان" للصفدى، و"الديباج المذهب" لابن فرحون»، وأنقلُ هنا ترجمته عن "الديباج" بلفظه معقِّبًا عليها بما له فائدة من المصادر الأخرى. «عبد الرحمن السهيلى أبو القاسم، وأبو زيد عبد الرحمن بن الخطيب، أبى محمد ابن عبد الله بن الخطيب، أبى عمر أحمد بن أبى الحسن أصبغ بن حسين بن سعدون بن رضوان بن فتوح السهيلى، الإمام المشهور. صاحب كتاب «الروض الأنف» فى شرح سيرة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وله كتاب «التعريف والإعلام فيما أبهم فى القرآن من الأسماء الأعلام». وله كتاب «نتائج الفكر» وكتاب «شرح آية الوصية فى الفرائض»، وكتاب بديع «ومسألة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام [1] »، «ومسألة السر فى عور الدجال» إلى غير ذلك من تآليفه المفيدة [2] وأوضاعه الغريبة، وكان له حظ وافر من العلم والأدب أخذ الناس عنه، وانتفعوا به [3] ومن شعره - قال ابن دحية: أنشدنى، وقال: ما سأل الله بها حاجةً إلا أعطاه إيَّاها، وكذلك من استعمل إنشادها وهى: يَا مَنْ يرَى ما فى الضَّميرِ ويَسمعُ أنت المُعدُّ لكلِّ ما يُتوقَّعُ يا مَنْ يُرجَّى للشدائدِ كلِّها يا مَنْ إليه المشتكَى والمفزَعُ يا مَنْ خزائنُ ملكِه فى قولِ: كُنْ امنُنْ فإِنَّ الخيرَ عندَك أجمعُ مالى سِوَى فقرِي إليك وَسِيلةً فبالافتقارِ إِليك فقرِي أدفعُ مالى سِوَى قرعِي لبابِك حيلةٌ فلَئِن رُدِدتُ، فأىُّ بابٍ أقرعُ؟! ومَنْ الَّذِى أدعُو، وأهتِفُ باسمِه إنْ كان فضلُك عن فقيرِك يُمنعُ؟! حَاشَا لمجدِك أنْ تُقنِّطَ عاصِيًا والفضلُ أجزلُ والمواهبُ أوسعُ ثمَّ الصَّلاةُ على النَّبىِّ وآلِه خيرِ الأنامِ، ومَنْ به يُستَشْفعُ [4] وله أشعار كثيرة، وكان ببلده يتسوغ بالعفاف، ويتبلغ بالكفاف، حتى نمى خبره إلى صاحب مراكش، فطلبه إليها، وأحسن إليه وأقبل بوجهه كل الإقبال عليه، وأقام بها نحو ثلاثةِ أعوامٍ [5] ، وذكره الذَّهبىُّ: فقال: أبو زيد، وأبو القاسم وأبو الحسن: عبد الرحمن، العلامة الأندلسى المالقى النحوى الحافظ العلم، صاحب التصانيف، أخذ القراءات عن سليمان بن يحيى وجماعة، وروى عن ابن العربى القاضى أبى بكر وغيره من الكبار، وبرع فى العربية واللغة والأخبار والأثر، وتصدر للافادة، وذكر الآثار، وحكى عنه أنه قال: أخبرنا أبو بكر بن العربى في "مشيخته" عن أبى المعالى، أنه سأله فى مجلسه رجل من العوام فقال: أيها الفقيه الإمام: أريد أن تذكر لى دليلا شرعيًّا على أن الله تعالى لا يوصف بالجهة، ولا يحدد بها. فقال: نعم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تفضلونى على يونس بن متى» فقال الرجل: إنى لا أعرف وجه الدليل من هذا الدليل، وقال كل من حضر المجلس مثل قول الرجل، فقال أبو المعالى: أضافنى الليلة ضيف له على ألف دينار، وقد شغلت بالى، فلو قضيت عنى قلتها، فقام رجلان من التجار، فقالا: هى فى ذمتنا، فقال أبو المعالى: لو كان رجلا واحدًا يضمنها كان أحبَّ إلى فقال أحد الرجلين أو غيرهما: هى فى ذمتى، فقال أبو المعالى: نعم إن الله تعالى أسرى بعبده إلى فوق سبع سموات، حتى سمع صرير الأقلام، والتقم يونس الحوت، فهوى به إلى جهة التحت من الظلمات ما شاء الله، فلم يكن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فى علو مكانه بأقرب إلى الله تعالى من يونس فى بعد مكانه [6] ، فالله تعالى لا يتقرب إليه بالأجرام والأجسام، وإنما يتقرب إليه بصالح الأعمال، ومن شعره: إذَا قلتُ يومًا: سلامٌ عليكم ففِيها شِفاءٌ، وفيها السِّقام شفاءٌ إذا قُلتُها مُقبِلًا وإنْ أنت أدبرتَ فيها الحِمام قال صاحب "الوفيات": «والسُّهيلى - بضم السين المهملة وفتح الهاء وسكون الياء المثناة من تحت، وبعدها لام، ثم ياء - هذه النسبة إلى سهيل، وهى قرية بالقرب من مالقة سميت باسم الكوكب [7] لأنه لا يرى فى جميع الأندلس إلا من جبل مُطلٍّ عليها. ومالقة: بفتح اللام والقاف، وهى مدينة بالأندلس. وقال السمعانى: «بكسر اللام» وهو غلط، وتوفى بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وكان - رحمه الله - مكفوفًا، وعاش اثنتين وسبعين سنة». هذا ما فى "الديباج المذهب" لابن فرحون، ويقول الصفدى فى كتابه "نكت الهميان": «ومن شعره يرثى بلده، وكان الفرنج قد ضربته، وقتلت رجاله ونساءه [وقتلوا أهله وأقاربه وكان غائبًا عنهم، فاستأجر من أركبه دابة، وأتى به إليه، فوقف إزاءه وقال [8] : يَا دارُ أين البيضُ والآرامُ! أم أين جيرانٌ علىَّ كرامُ رابَ المحبَّ من المنازلِ أنَّه حيًّا، فلم يُرجِعْ إليه سَلام! أَخَرَسنَ أم بَعُدَ المدَى، فنَسِينَه أم غَالَ مَنْ كان المجيبَ حِمامُ! دمعِى شهيدى أنَّنى لم أنْسَهم إنَّ السُّلوَّ على المحبِّ حرامُ لما أجابنى الصدَّى عنهم، ولم يَلِجِ المسامعُ للحبيبِ كلامُ طارَحتُ وُرْقَ حَمامِها مُترَنِّمًا بمقالِ صَبٍّ، والدُّموعُ سِجامُ يا دارُ ما صَنَعتْ بِكِ الأيَّامُ ضَامتْك، والأيَّامُ ليس تُضامُ ويقول ابن خلكان عنه: «ومولده سنة ثمان وخمسمائة بمدينة مالقة، وتوفى بحضرة مراكش يوم الخميس، ودفن وقت الظهر، وهو السادس والعشرون من شعبان سنة إحدى وثمانين وخمسمائة»، وقال عنه إنه خثعمى نسبة إلى خثعم بن أنمار، وهى قبيلة كبيرة وذكر صاحب النجوم الزاهرة أيضا أنه مات فى شعبان. المصدر: مقدمة تحقيق كتاب "الروض الأنف" للسهيلي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1412 هـ [1] فى "الوفيات". أن الكتاب فى رؤية الله وفى رؤية النبى صلى الله عليه وسلم. [2] زاد الصفدى فى "نكت الهميان" : كتاب "شرح الجمل" وقال: «لم يتم». [3] فى "نكت الهميان": «ناظر على بن الحسين بن الطراوة فى كتاب سيبويه، وسمع منه كثيرًا من اللغة والآداب، وكان عالمًا بالعربية واللغة والقراءات بارعًا فى ذلك، تصدر للافتاء والتدريس والحديث، وبعد صيته، وجل قدره جمع بين الرواية والدراية». [4] فى مصادر أخرى مغايرة طفيفة لما هنا مثل: يا من خزائن رزقه، فبالافتقار إليك ربى أضرع، إن كان فضلك عن فقير يمنع. ولا يستشفع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الشفاعة لله جميعًا. [5] وولاه بها قضاء الجماعة، وصاحب مراكش هو: أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الذى تولى إمرة الموحدين فى المغرب سنه 558. وأظن أنه استدعى السهيلى سنه 578 هـ. [6] هذا دليل مصنوع، ومدفوع، فالله يقول: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾ [الملك: 16]، وقد سأل الرسول - صلى الله عليه وسلم -: أين الله يا جارية؟ فقالت: فى السماء. فقال لصاحبها: أعتقها فإنها مؤمنة. إنه معنا حيث كنا وهو مستو على العرش. [7] وهو سهيل. وهو كوكب يمان لا يرى بخراسان، ويرى بالعراق، وقال ابن كناسة: سهيل يرى بالحجاز، وفى جميع أرض العرب، ولا يرى بأرمينية «عن اللسان». وعند الصفدى: «وأصله من قرية بوادى سهيل من كورة مالقة، وهى - كما وصفها ياقوت فى معجمه - سورها على شاطئ البحر بين الجزيرة الخضراء والمرية. [8] ما بين قوسين من المغرب فى حلى المغرب. |
محمد الطاهر بن عاشور (مُحَمَّد الطَّاهِر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور التّونسِيّ) كان جامع الزيتونة مصنعًا لرجال أفذاذٍ قادوا حياة شعوبهم قبل أن يقودوا حياتهم، في وقت اضْطَربَتْ فيه معالم الحياة، فكانُوا منارات للهدى وعلامات لطريق السداد. و«مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور» هو أحد أعلام هذا الجامِع، ومن عظمائهم المجددين. حياته المديدة الَّتِي زادَت على 90 عامًا كانت جهادًا في طلب العلم، وجهادًا في كسر وتحطيم أطواق الجمود والتقليد الَّتِي قيدت الْعقل المسلم عن التفاعل مع القُرْآن الكريم والحياة المعاصرة. أحدثت آراؤه نهضة في علوم الشَّرِيعة والتَّفْسِير والتربية والتعليم والإصلاح، وكان لها أثرها البالِغ في اسْتِمرَار «الزيتونة» في العطاء والريادة. وإذا كان من عادة الشرق عدم احتفاظه بكنوزه، فهو غالِبًا ما ينسى عمالقته ورواده الَّذين كانُوا ملْء السَّمع والبصر، ويتطلع إلى أفكار مستوردة وتجارب سَابِقَة التَّجْهِيز، وينسى مصلحيه ومجدديه، ونبت بيئته وغرس مبادئه!! لم يلق الطَّاهر تمام حَقه من الاهتمام به وباجتهاداته وأفكاره الإصلاحية؛ وربَّما رجع ذلك لأن اجتهاداته تحارب الجمود العقلي والتقليد من ناحية، وتصطدم بالاستبداد من ناحية أُخْرَى، كما أن أفكاره تسْعَى للنهوض والتقدم وفق مَنْهَج عَقْلِي إسلامي، ولعلَّ هذا يبين لنا سَبَب نِسْيَان الشرق في هذه الفترة لرواده وعمالقته!! من هو الطاهر بن عاشور؟ ولد مُحَمَّد الطَّاهِر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور، الشهير بالطاهر بن عاشور، بتونس في (1296هـ = 1879م) في أسرة علمية عريقة تمتد أُصُولها إلى بلاد الأندلس. وقد اسْتَقَرَّتْ هذه الأسرة في تونس بعد حملات التنصير ومحاكم التفتيش الَّتِي تعرض لها مسلمو الأندلس. وقد نبغ من هذه الأسرة عدد من العلمَاء الَّذين تعلمُوا بِجامِع الزيتونة، تِلْكَ المؤسسة العلمية الدِّينِيَّة العريقة الَّتِي كانت مَنارَة للعلم والهدايَة في الشمال الأفريقي، كان منهم مُحَمَّد الطَّاهِر بن عاشور، وَابْنه الَّذِي مَاتَ فِي حَيَاته: الْفَاضِل بن عاشور. وَجَاء مولد الطَّاهِر فِي عصر يموج بالدعوات الإصلاحية التجديدية الَّتِي تُرِيدُ الْخُرُوج بِالدّينِ وعلومه من حيّز الجمود والتقليد إِلَى التَّجْدِيد والإصلاح، وَالْخُرُوج بالوطن من مستنقع التَّخَلُّف والاستعمار إِلَى ساحة التَّقَدُّم وَالْحريَّة والاستقلال، فكانت لأفكار جمال الدَّين الأفغاني وَمُحَمّد عَبده وَمُحَمّد رشيد رضَا صداها المدوي فِي تونس وَفِي جَامعهَا العريق، حَتَّى إِن رجال الزيتونة بدءوا بإصلاح جامعهم من النَّاحِيَة التعليمية قبل الْجَامِع الْأَزْهَر، مِمَّا أثار إعجاب مُحَمَّد عَبده الَّذِي قَالَ: «إِن مُسْلِمِي الزيتونة سبقُونَا إِلَى إصْلَاح التَّعْلِيم، حَتَّى كَانَ مَا يجرونَ عَلَيْهِ فِي جَامع الزيتونة خيرًا مِمَّا عليه أهل الأَزهر». وأثمرت جهود التَّجْدِيد والإصلاح فِي تونس الَّتِي قَامَت فِي الأساس على الاهتمام بالتعليم وتطويره عَن إنْشَاء مدرستين كان لهما أكبر الْأَثر فِي النهضة الفكرية فِي تونس، وهما: الْمدرسَة الصادقية الَّتِي أَنْشَأَهَا الْوَزير النابهة خير الدَّين التّونسِيّ سنة (1291هـ = 1874م) وَالَّتِي احتوت على مَنْهَج متطور امتزجت فِيهِ الْعُلُوم الْعَرَبيَّة باللغات الْأَجْنَبِيَّة، إِضَافَة إِلَى تَعْلِيم الرياضيات والطبيعة والعلوم الاجتماعية. وَقد أُقِيمَت هَذِه الْمدرسَة على أَن تكون تعضيدًا وتكميلاً للزيتونة. أما المدرسَة الْأُخْرَى فَهِيَ الْمدرسَة الخلدونية الَّتِي تأسست سنة (1314هـ = 1896م) وَالَّتِي كَانَت مدرسة علمية تهتم بتكميل مَا يحْتَاج إِلَيْهِ دارسو الْعُلُوم الإسلامية من عُلُوم لم تدرج فِي برامجهم التعليمية، أَو أدرجت ولكن لم يهتم بهَا وبمزاولتها فآلت إِلَى الإهمال. وتواكبت هذه النهضة الإصلاحية التعليمية مع دعوات مقاومة الاستعمار الفرنسي، فكانت أطروحات تلكَ الحقبة من التَّارِيخ ذَات صبغة إصلاحية تجديدة شَامِلَة تَنْطَلِق من الدَّين نَحْو إصْلَاح الوطن والمجتمع، وهو ما انعكس على تفكير ومنهج رواد الإِصلَاح في تلك الفترة الَّتِي تدعمت بتأسيس الصحافة، وصدور المجلات والصحف الَّتِي خلقت منَاخًا ثقافيًّا وفكريًّا كَبِيرًا ينبض بالحياةِ والوعي والرَّغْبَة في التحرر والتقدم. حفظ الطَّاهِر الْقُرْآن الْكَرِيم، وَتعلم اللُّغَة الفرنسية، والتحق بِجَامِع الزيتونة سنة (1310هـ = 1892م) وهو في الـ14 من عمره، فدرس عُلُوم الزيتونة ونبغ فِيهَا، وَأظْهر همة عالية في التَّحْصِيل، وساعده على ذَلِك ذكاؤه النَّادِر والبيئة العلمية الدِّينِيَّة الَّتِي نَشأ فِيهَا، وشيوخه الْعِظَام فِي الزيتونة الَّذين كان لهم باع كبير في النهضة العلمية والفكرية في تونس، وملك هاجس الإِصْلَاح نُفُوسهم وعقولهم فبثوا هذه الرّوح الخلاقة التجديدية في نفس الطَّاهِر، وكان منهجهم أن الْإِسْلَام دين فكر وحضارة وعلم ومدنية. سفير الدعوة: تخرَّج الطَّاهِر في الزيتونة عام (1317هـ = 1896م)، والتحق بسلك التدريس في هذا الجامِع العريق، ولم تمض إِلَّا سنوات قَليلَة حَتَّى عين مدرسًا من الطَّبَقَة الأولى بعد اجتياز اختبارها سنة (1324هـ = 1903م). وكان الطَّاهِر قد اختير للتدريس في المدرسة الصادقية سنة (1321هـ = 1900م)، وكان لهذه التجربة المبكرة فِي التدريس بَين الزيتونة -ذَات الْمنْهَج التقليدي- والصادقية -ذَات التَّعْلِيم العصري المتطور- أَثَرهَا فِي حَيَاته، إِذْ فتحت وعيه على ضَرُورَة ردم الهوة بَين تيارين فكريين مَا زَالا فِي طور التكوين، ويقبلان أَن يَكُونَا خطوط انقسام ثقافي وفكري فِي الْمُجْتَمع التّونسِيّ، وهما: تيار الْأَصَالَة الممثل فِي الزيتونة، وتيار المعاصرة الممثل فِي الصادقية، وَدوَّن آراءه هَذِه فِي كِتَابه النفيس «أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب؟» من خلال الرُّؤْيَة الحضارية التاريخية الشاملة الَّتِي تدْرك التحولات العميقة الَّتِي يمر بهَا الْمُجْتَمع الإسلامي والعالمي. وفي سنة (1321 هـ = 1903 م) قام مُحَمَّد عَبده مفتي الديار المصرية بزيارته الثَّانِيَة لتونس، والتقاه فِي تِلْكَ الزِّيَارَة الطَّاهِر بن عاشور فتوطدت العلاقة بينهما، وسمَّاه مُحَمَّد عَبده بـ «سفير الدعْوَة» في جامع الزيتونة؛ إذ وجدت بين الشَّيْخَيْنِ صفات مُشْتَركَة، أبرزها ميلهما إلى الإصلاح التربوي والاجتماعي الَّذِي صاغ ابْن عاشور أهم ملامحه بعد ذَلِك فِي كِتَابه «أصُول النظام الاجتماعي فِي الْإِسْلَام». وَقد توطدت العلاقة بَينه وَبَين رشيد رضَا، وَكتب ابْن عاشور فِي " مجلة الْمنَار ". آراء ومناصب: عين الطَّاهِر بن عاشور نَائِبا أول لَدَى النظارة العلمية بِجَامِع الزيتونة سنة (1325 هـ = 1907م)؛ فَبَدَأَ فِي تطبيق رُؤْيَته الإصلاحية العلمية والتربوية، وَأدْخل بعض الإصلاحات على النَّاحِيَة التعليمية، وحرر لائحة فِي إصْلَاح التَّعْلِيم وعرضها على الْحُكُومَة فنفذت بعض مَا فِيهَا، وسعى إِلَى إحْيَاء بعض الْعُلُوم الْعَرَبيَّة؛ فَأكْثر من دروس الصّرْف فِي مراحل التَّعْلِيم وَكَذَلِكَ دروس أدب اللُّغَة، ودرس بِنَفسِهِ شرح ديوَان الحماسة لأبي تَمام. وَأدْركَ صاحبنا أَن الْإِصْلَاح التعليمي يجب أَن ينْصَرف بطاقته القصوى نَحْو إصْلَاح الْعُلُوم ذَاتهَا؛ على اعْتِبَار أَن الْمعلم مهما بلغ بِهِ الجمود فَلَا يُمكنهُ أَن يحول بَين الأفهام وَمَا فِي التآليف؛ فَإِن الْحق سُلْطَان!! وَرَأى أَن تَغْيِير نظام الْحَيَاة فِي أَي من أنحاء الْعَالم يتطلب تبدل الأفكار والقيم الْعَقْلِيَّة، ويستدعي تَغْيِير أساليب التَّعْلِيم. وَقد سعى الطَّاهِر إِلَى إِيجَاد تَعْلِيم ابتدائي إسلامي فِي المدن الْكَبِيرَة فِي تونس على غرار مَا يفعل الْأَزْهَر فِي مصر، وَلكنه قوبل بعراقيل كَبِيرَة. أما سَبَب الْخلَل وَالْفساد اللَّذين أصابا التَّعْلِيم الإسلامي فترجع فِي نظره إِلَى فَسَاد الْمعلم، وَفَسَاد التآليف، وَفَسَاد النظام الْعَام؛ وَأعْطى أَوْلَوِيَّة لإِصْلَاح الْعُلُوم والتآليف. اختير ابن عاشور فِي لجنة إصْلَاح التَّعْلِيم الأولى بالزيتونة فِي (صفر 1328 هـ = 1910م)، وَكَذَلِكَ فِي لجنة الْإِصْلَاح الثَّانِيَة (1342 هـ = 1924م)، ثمَّ اختير شَيخا لجامع الزيتونة فِي (1351 هـ = 1932م)، كَمَا كَانَ شيخ الْإِسْلَام الْمَالِكِي؛ فَكَانَ أول شُيُوخ الزيتونة الَّذين جمعُوا بَين هذَيْن المنصبين، وَلكنه لم يلبث أَن استقال من المشيخة بعد سنة وَنصف بِسَبَب العراقيل الَّتِي وضعت أَمَام خططه لإِصْلَاح الزيتونة، وبسبب اصطدامه بِبَعْض الشُّيُوخ عِنْدَمَا عزم على إصْلَاح التَّعْلِيم فِي الزيتونة. أُعِيد تعينه شَيخا لجامع الزيتونة سنة (1364 هـ = 1945م)، وَفِي هَذِه الْمرة أَدخل إصلاحات كَبِيرَة فِي نظام التَّعْلِيم الزيتوني؛ فارتفع عدد الطلاب الزيتونيين، وزادت عدد الْمعَاهد التعليمية. وشملت عناية الطَّاهِر بن عاشور إصْلَاح الْكتب الدراسية وأساليب التدريس ومعاهد التَّعْلِيم؛ فاستبدل كثيرا من الْكتب الْقَدِيمَة الَّتِي كَانَت تدرس وصبغ عَلَيْهَا الزَّمَان صبغة القداسة بِدُونِ مبرر، واهتم بعلوم الطبيعة والرياضيات، كَمَا رَاعى فِي المرحلة التعليمية الْعَالِيَة التبحر فِي أَقسَام التخصص، وَبَدَأَ التفكير فِي إِدْخَال الْوَسَائِل التعليمية المتنوعة. وحرص على أَن يصطبغ التَّعْلِيم الزيتوني بالصبغة الشَّرْعِيَّة والعربية، حَيْثُ يدرس الطَّالِب الزيتوني الْكتب الَّتِي تنمي الملكات العلمية وتمكنه من الغوص فِي الْمعَانِي؛ لذَلِك دَعَا إِلَى التقليل من الْإِلْقَاء والتلقين، وَإِلَى الْإِكْثَار من التطبيق؛ لتنمية ملكة الْفَهم الَّتِي يَسْتَطِيع من خلالها الطَّالِب أَن يعْتَمد على نَفسه فِي تَحْصِيل الْعلم. ولدى اسْتِقْلَال تونس أسندت إِلَيْهِ رئاسة الجامعة الزيتونية سنة (1374 هـ = 1956م). التَّحْرِير والتنوير: كَانَ الطَّاهِر بن عاشور عَالما مصلحًا مجدِّدًا، لَا يَسْتَطِيع الباحث فِي شخصيته وعلمه أن يقف على جَانب وَاحِد فَقَط، إِلَّا أَن الْقَضِيَّة الجامعة في حَيَاته وَعلمه ومؤلفاته هِيَ التَّجْدِيد والإصلاح من خلال الْإِسْلَام وَلَيْسَ بَعيدا عَنهُ، وَمن ثمَّ جَاءَت آراؤه وكتاباته ثورة على التَّقْلِيد والجمود وثورة على التسيب والضياع الفكري والحضاري. يعد الطَّاهِر بن عاشور من كبار مفسري الْقُرْآن الْكَرِيم فِي الْعَصْر الحَدِيث، وَلَقَد احتوى تَفْسِيره «التَّحْرِير والتنوير» على خُلَاصَة آرائه الاجتهادية والتجديدية؛ إِذْ اسْتمرّ فِي هَذَا التَّفْسِير مَا يقرب من 50 عَامًا، وَأَشَارَ فِي بدايته إِلَى أَن منهجه هُوَ أَن يقف موقف الحكم بَين طوائف الْمُفَسّرين، تَارَة لَهَا وَأُخْرَى عَلَيْهَا؛ «فالاقتصار على الحَدِيث الْمعَاد فِي التَّفْسِير هُوَ تَعْطِيل لفيض الْقُرْآن الْكَرِيم الَّذِي مَا لَهُ من نفاد»، وَوصف تَفْسِيره بِأَنَّهُ «احتوى أحسن مَا فِي التفاسير، وَأَن فِيهِ أحسن مِمَّا فِي التفاسير». وَتَفْسِير التَّحْرِير والتنوير فِي حَقِيقَته تَفْسِير بلاغي، اهتم فِيهِ بدقائق البلاغة فِي كل آيَة من آيَاته، وَأورد فِيهِ بعض الْحَقَائِق العلمية وَلَكِن باعتدال وَدون توسع أَو إغراق فِي تفريعاتها ومسائلها. وَقد نقد ابْن عاشور كثيرًا من التفاسير والمفسرين، وَنقد فهم النَّاس للتفسير، وَرَأى أَن أحد أَسبَاب تَأَخّر علم التَّفْسِير هُوَ الولع بالتوقف عِنْد النَّقْل حَتَّى وَإِن كَانَ ضَعِيفًا أَو فِيهِ كذب، وكذلك اتقاء الرَّأْي ولو كان صَوابا حَقِيقِيًّا، وَقَالَ: «لأَنهم توهموا أَن مَا خَالف النَّقْل عَن السَّابِقين إِخْرَاج لِلْقُرْآنِ عَمَّا أَرَادَ الله بِهِ»؛ فَأَصْبَحت كتب التَّفْسِير عَالَة على كَلَام الأقدمين، وَلَا همّ للمفسر إِلَّا جمع الْأَقْوَال، وبهذه النظرة أصبح التَّفْسِير «تسجيلا يقيَّد به فهم القُرْآن ويضيَّق به مَعْنَاهُ». وَكَانَ لتفاعل الطَّاهِر بن عاشور الإيجابي مَعَ الْقُرْآن الْكَرِيم أَثَره الْبَالِغ فِي عقل الشَّيْخ الَّذِي اتسعت آفاقه فَأدْرك مَقَاصِد الْكتاب الْحَكِيم وألم بأهدافه وأغراضه، مِمَّا كَانَ سَببًا فِي فهمه لمقاصد الشَّرِيعَة الإسلامية الَّتِي وضع فِيهَا أهم كتبه بعد التَّحْرِير والتنوير وَهُوَ كتاب «مَقَاصِد الشَّرِيعَة». مَقَاصِد الشَّرِيعَة: كَانَ الطَّاهِر بن عاشور فَقِيها مجددًا، يرفض مَا يردده بعض أدعياء الْفِقْه من أَن بَاب الِاجْتِهَاد قد أغلق فِي أعقاب الْقرن الْخَامِس الهجري، وَلَا سَبِيل لفتحه مرّة ثَانِيَة، وَكَانَ يرى أَن ارتهان الْمُسلمين لهذه النظرة الجامدة المقلدة سَيُصِيبُهُمْ بالتكاسل وسيعطل إِعْمَال الْعقل لإيجاد الْحُلُول لقضاياهم الَّتِي تَجِد فِي حياتهم. وَإِذا كَانَ علم أصُول الْفِقْه هُوَ الْمنْهَج الضَّابِط لعملية الِاجْتِهَاد فِي فهم نُصُوص الْقُرْآن الْكَرِيم واستنباط الْأَحْكَام مِنْهُ فَإِن الاختلال فِي هَذَا الْعلم هُوَ السَّبَب فِي تخلي الْعلمَاء عَن الِاجْتِهَاد. وَرَأى أَن هَذَا الاختلال يرجع إِلَى توسيع الْعلم بِإِدْخَال مَا لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْمُجْتَهد، وَأَن قَوَاعِد الْأُصُول دونت بعد أَن دون الْفِقْه، لذَلِك كَانَ هُنَاكَ بعض التَّعَارُض بَين الْقَوَاعِد وَالْفُرُوع فِي الفقه، كذلك الْغَفْلَة عَن مَقَاصِد الشَّرِيعَة؛ إِذْ لم يدون مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل، وَكَانَ الأولى أَن تكون الأَصْل الأول لِلْأُصُولِ لِأَن بهَا يرْتَفع خلاف كَبِير. وَيعْتَبر كتاب « مَقَاصِد الشَّرِيعَة » من أفضل مَا كتب فِي هَذَا الْفَنّ وضوحًا فِي الْفِكر ودقة فِي التَّعْبِير وسلامة فِي الْمنْهَج واستقصاء للموضوع. محنة التَّجْنِيس: لم يكن الطَّاهِر بن عاشور بَعيدًا عَن سِهَام الاستعمار والحاقدين عَلَيْهِ والمخالفين لمنهجه الإصلاحي التجديدي، فتعرض الشَّيْخ لمحنة قاسية استمرت 3 عُقُود عرفت بمحنة التَّجْنِيس، وملخصها أَن الاستعمار الفرنسي أصدر قانونًا فِي (شَوَّال 1328 هـ = 1910م) عرف بقانون التَّجْنِيس، يتيح لمن يرغب من التونسيين التجنس بالجنسية الفرنسية؛ فتصدى الوطنيون التونسيون لهَذَا القانون وَمنعُوا المتجنسين من الدّفن فِي الْمَقَابِر الإسلامية؛ مِمَّا أربك الفرنسيين فلجأت السلطات الفرنسية إِلَى الْحِيلَة لاستصدار فَتْوَى تضمن للمتجنسين التَّوْبَة من خلال صِيغَة سُؤال عَامَّة لَا تتَعَلَّق بالحالة التونسية توجه إِلَى الْمجْلس الشَّرْعِيّ. وَكَانَ الطَّاهِر يتَوَلَّى فِي ذَلِك الْوَقْت سنة (1352 هـ = 1933م) رئاسة الْمجْلس الشَّرْعِيّ لعلماء الْمَالِكِيَّة فَأفْتى الْمجْلس صَرَاحَة بِأَنَّهُ يتَعَيَّن على المتجنس عِنْد حُضُوره لَدَى القَاضِي أَن ينْطق بِالشَّهَادَتَيْنِ ويتخلى فِي نفس الْوَقْت عَن جنسيته الَّتِي اعتنقها، لَكِن الاستعمار حجب هَذِه الْفَتْوَى، وبدأت حَملَة لتلويث سمعة هَذَا الْعَالم الْجَلِيل، وتكررت هَذِه الحملة الآثمة عدَّة مَرَّات على الشَّيْخ، وَهُوَ صابر محتسب. صدق الله وَكذب بورقيبة: وَمن المواقف الْمَشْهُورَة للطاهر بن عاشور رفضه الْقَاطِع استصدار فَتْوَى تبيح الْفطر فِي رَمَضَان، وَكَانَ ذَلِك عَام (1381 هـ = 1961م) عِنْدَمَا دَعَا «الحبيبُ بورقيبة» الرئيسُ التّونسِيّ السَّابِق العمالَ إِلَى الْفطر فِي رَمَضَان بِدَعْوَى زِيَادَة الإنتاج، وَطلب من الشَّيْخ أَن يُفْتِي فِي الإذاعة بِمَا يُوَافق هَذَا، لَكِن الشَّيْخ صرح فِي الإذاعة بِمَا يُريدهُ الله تَعَالَى، بعد أَن قَرَأَ آيَة الصّيام، وَقَالَ بعْدهَا: «صدق الله وَكذب بورقيبة»، فخمد هَذَا التطاول المقيت وَهَذِه الدعْوَة الْبَاطِلَة بِفضل مقولة ابْن عاشور. وَفَاته: وَقد توفّي الطَّاهِر بن عاشور فِي (13 رَجَب 1393 هـ = 12 أغسطس 1973م) بعد حَيَاة حافلة بِالْعلمِ والإصلاح والتجديد على مستوى تونس والعالم الإسلامي. المصدر: مقدمة كتاب «التحرير والتنوير»، طـ الدار التونسية للنشر - تونس، الطبعة الأولى، 1984م باختصار يسير |
التواصل في زمن شبكات التواصل نشأت وسائل التواصل الاجتماعي في البداية للتفاعل بين الأصدقاء، وأفراد العائلة وأصحاب الاهتمامات المشتركة في جميع أنحاء الأرض، فما لبِثت أن تحوَّلت الى منصة تجارية وتسويقية من الطراز الأول؛ حيث استخدمتها الشركات لاحقًا كوسيلة لجذب العملاء، والتجار الى مكان لترويج سلعتهم وبضاعتهم، والأفراد من أجل البحث عن الوظائف وتبادل المعلومات، والعثور على أشخاص يتشاركون معهم اهتماماتهم، وساحة لنشر المحتوي بمختلف توجهاته، وغير ذلك من الأنشطة والمجالات المعتمدة بشكل كلي على وجود مجتمع مترابط بشكل افتراضي يسهل عليه التواصل في أي وقت ومن أي مكان، ولكن هل هذا الطرح يعكس كل الواقع أم أن لشبكات التواصل الاجتماعي ملامح وتبعات أخرى؟! لا شك أن حضور وسائل التواصل الاجتماعي في يومنا بهذا الشكل المتلازم البيِّن، مع ما له من فوائد، فإن له تبعات وآثارًا في حياتنا ونفوسنا، فقطعًا الحياة قبل وسائل التواصل الاجتماعي تختلف اختلافًا لا يستطيع أحد إنكاره عن حياتنا بعدها، وذلك على المستوى المجتمعي والفردي، وخاصة النفسي منها، ومن هذه الآثار ما سنركز عليه فيما يلي، مع ما له من إيجابيات وفوائد كما قلنا: الآثار الاجتماعية: 1- ضعف التواصل والانسحاب الاجتماعي على أرض الواقع، والانخراط في هذا العالم الوهمي. 2- ارتفاع معدل الخلافات الأسرية والزوجية، لما تسببه هذه الوسائل من الانشغال التام بها الذي يصل في كثير من الأحيان إلى الإدمان، وغيرها من الخلافات التي تحدث بسبب المقارنات، والغيرة التي تسببها الصورة المتصدرة في هذه الوسائل من الكمال في كل شيء، فتحول الوهم إلى حقيقة، نقارن أنفسنا ومَن حولنا بها . 3- تزايد مظاهر التفاخر والاستعراض الاجتماعي، فأغلب هذه الوسائل إنما هي في حقيقتها وسائل أنوية: المغالاة في الاعتزاز بالنفس بامتياز . الآثار النفسية: 1- الشعور بالعزلة، تحت شعار (بمفردنا معًا)، مع توهم عكس ذلك . 2- تزايد النرجسية، فشبكات التواصل قائمة على عرض الذات والفردية، فهي منصة ممتازة للاستعراض . 3- الإدمان، وهو الذي يمنع صاحبه من عيش حياة طبيعية خارج شاشة هاتفه، فيصبح الإنترنت وعالمه أهم عند المدمن من عائلته وأصدقائه وعمله؛ مما يؤثر سلبًا على نمط حياته، ويصنع نوعًا من التوتر والقلق . 4- فقدان الإحساس الوجودي بالمشاعر ومعايشتها، فإن كثرة المدخلات التي تدخل إلينا من هذه الوسائل في الدقيقة الواحدة من أخبار تستدعي الفرح، ثم أخرى تستدعي الحزن، وأخرى توجب الغضب وغيرها، جعلتنا جامدين لا نستطيع التفاعل مع هذا الكم من المشاعر المتتالية، وإعطاءها حقَّها بشكل كافٍ، مما أفقدها جزءًا كبيرًا من معناها، وأفقدنا جزءًا كبيرًا من نفوسنا. وهنا يُمكننا أن نطرح سؤالًا: لماذا يعد الإقلاع عن وسائل التواصل الاجتماعي خاصة الفيس بوك - شيئًا صعبًا؟! يمكن تلخيص ذلك في نقاط كالآتي: ♦ الجاذبية والإبهار، وتنوع المتع السمعية والبصرية التي تعتمد عليها بشكل أساسي تلك الوسائل . ♦ انخفاض التكلفة والشعور بالسيطرة والتحكم، فترى الشخص يتذمر من الالتزامات والانشغالات، ثم إذا خلا بنفسه أطعم وقته مسبغة هذه الوسائل هروبًا من تكلفات الواقع. ♦ الخوف من التفويت، في حالة من انتظار وترقب المحتوى الذي توهم نفسك بالندم عليه إن فاتك، وقوعًا بذلك في فخ تلقي الكثير من المدخلات التي تبدو نافعة في ظاهرها، والواقع أنك تتلقى القشور، حيث إننا نجد الراسخون في العلم إنما يصلون إلى هذه المنزلة العالية؛ لكونهم لا يكفون صرف أنفسهم عن الاشتغال بهذه القشور والأخبار والأحداث، بل يجدون في أنفسهم استثقالًا لها، لاشتغال قلوبهم بما هو أجلُّ وأعلى وأنفع . ♦ تلبية بعض الاحتياجات النفسية، من حب الظهور والشعور بالسيطرة والتحكم الدائم، وإشباع الأنا الداخلية وغيرها من المشاعر التي يشبع بها الإنسان احتياجاته مؤقتًا، وتحصل المواجهة بينه وبين نفسه عندما ينقطع عن هذا العالم الوهمي، فيعود فارًّا إليه؛ لأنه لا يقوى على هذه المواجهة. الآثار الأخلاقية والقانونية: 1- تلاشي الخصوصية، بل أصبح المنغمسون في هذه الوسائل يتنافسون في ذلك، فلا يصيبهم شي من الحزن أو الفرح إلا كان همهم الأكبر نشر ذلك لمتابعيهم، فأصبحوا تابعين لهم والعكس بالعكس. 2- تراخي الرقابة، فانتشرت بذلك الإباحيات والسخرية والاستهزاء والسفسطة، وغير ذلك من الابتلاءات التي ابتُلينا بها، ووقع في شباكها أبناؤنا وبناتنا تحت مسمى الحرية في التعبير والنشر. الآثار على القراءة والعلم والمعرفة: 1- تشتيت الانتباه والافتقار للتركيز؛ حيث إنه إذا رسخ في العقل سهولة الوصول للمعلومة لاحقًا، فمن المرجح أن نتذكر طريقة الوصول إلى المعلومة أكثر من تذكُّرنا للمعلومة ذاتها. 2- الكثافة المفرطة في تدفق المعلومات، لتصل إلى درجة لا يستفيد منها أو يستوعبها العقل. 3- الاختزال؛ حيث إن وسائل التواصل هذه تحدد لك قدرًا معينًا من الكلمات لا يسمح تجاوزه في الغالب، فيلجأ ناشر المحتوى إلى اختزال ما لا يمكن اختزاله في هذه السطور القليلة، وبدوره أصبح المتلقي لا يقرأ ولا يأخذ المعلومة إلا إذا كانت مختزلة في سطور قليلة، فيمر على المقال أو المنشور المطول مرور العابرين، بل لا يتوقف عنده من الأساس. 4- السطحية؛ بفقْد الإنسان القدرة على التعمق والتفكر في دقائق الأمور، فبالنسبة له هذا إرهاق للعقل لا داعي له. 5- اللحظية وسرعة الاستهلاك، وهذا يؤثر بشكل سلبي واضح في تعاملاته على أرض الواقع. 6- غياب البرهنة، فتجد أغلب البراهين خطابية أو شعرية، وهي أقرب ما تكون للسفسطة. 7- غموض المصدر وعدم وضوح معايير المصداقية، فأغلب المعايير مبنية على الشهرة والجاذبية الشخصية، وكثافة الحضور الوهمي (سطوة الرقم والحضور)، والتأثر بالحشد والتعليقات. 8- الافتقار للمنهجية والإطار الناظم. 9- شيوع المغالطات المنطقية والألعاب اللفظية، مع قلة وعي المتلقي وشدة جهله. 10- الإيهام بالمعرفة والاطلاع، معتقدًا أنه هو الحاضر وغيره هو الغائب، وأنه في ساحة معركة التأثير، وغيره رَضِي أن يكون مع الغافلين، ولكن كل هذا ما هو إلا وهم يعيش فيه، فالتأثير إنما يكون بالانتقال إلى العمل الجاد والإنتاج في صناعة الواقع بالعلم والعمل، لا بالمشاهدة والتنظير. وهنا بعض الأطروحات لأفكار عملية للقراءة واستثمار شبكات التواصل الاجتماعي في العلم والمعرفة: ♦ تقليص أعداد المتابعة للصداقات والشخصيات العامة والصفحات المختلفة. ♦ الاستغناء قدر الإمكان عن التطبيقات المتداولة بكثرة، لخفض التشويش واستثمار الأوقات. ♦ إبعاد الهاتف عن مكان القراءة. ♦ إلغاء التنبيهات، فهي من أكثر عوامل تشتيت الانتباه. إن المسألة في النهاية ما هي إلا مسألة توازن، ويجب ألا نستسلم لحالة الانجراف في دوامة هذه الوسائل، بسبب تتابع كثير من الناس عليها، فالنفس البشرية تستريح بالمشابهة، فنحتاج إلى مجاهدة أنفسنا كل يوم؛ حتى لا يسقط وقع الشيء عن قلوبنا بسبب تكراره وانتشاره، ونحتاج إلى أن نقبل على الله بالعمل وبالإنتاج الإصلاحي. من المراجع: ♦ القراءة والمعرفة في زمن شبكات التواصل (أ / عبدالله الوهيبي). ♦ سلسلة الحياة على كوكب الوهم (د / عبدالرحمن ذاكر الهاشمي). |
زاد العباد من إصدارات مؤسسة الدرر السنية صدر حديثًا كتاب "زاد العباد"، إعداد: "القسم العلمي بمؤسسة الدرر السنية"، إشراف: الشيخ "علوي بن عبد القادر السقاف"، نشر "الدرر السنية". مشتمل على شذرات من الكتاب والسنة - فمدار الفقه في الدين على كتاب الله المقتفى، وسنة نبيه المصطفى- وفيه جملة مما لا يسع المسلم جهله في أمور دينه، وأفضل ما يشغل به المسلم حياته ويعمر به أوقاته، ويحقق الغاية التي من أجلها خلقه الله: أن يتفقه في دين الله تعالى، فيتعلم ما أمر باعتقاده من الأمور العلمية، وما كلف العمل به من الأحكام الشرعية، وما أرشد إلى امتثاله من الأخلاق والآداب المرعية. والمرجو أن يكون هذا الكتاب كاسمه زادًا للعباد يجدونه في كل مسجد، ومكتبة، وبيت، وأن يستفيد منه خطيب الجامع، وإمام المسجد، والداعية، والمعلم والمربي، وطالب العلم، وعامة الناس؛ وأن ينتفع به كل من اطلع عليه وقرأه أو سمعه. وهذا الكتاب مفيد فيما لا يسع المسلم جهله، وقد عرض بأسلوب مبسط مناسب لجميع طبقات المجتمع، مع الاعتدال في الطرح والعناية بذكر الأدلة. قال الشيخ أ.د. "خالد بن عثمان السبت": «وهذا الكتاب حوى ذخائر من نصوص الوحيين تقرب من (1000) دليل من الكتاب والسنة الصحيحة، إذ كانت أصولًا فيه، يتلوها شرح بعبارة واضحة، وبذلك جاء الكتاب موافقًا لاسمه (زاد العباد)، فهو دليل لكل مسلم يعرفه بمهمات الدين من أبواب الإيمان وشعبه وشرائعه وآدابه، كل ذلك مرقوم تحت عناوين ذات مضامين موجزة لا يسأم مطالعها، كما صيره ذلك في غاية المناسبة ليكون متلوًا في المساجد والدور وغيرها، ومثله جدير بالعناية والنشر والترجمة». ونجد هذه الموسوعة تساهم في نشر الثقافة الشرعية الصحيحة لجميع فئات المجتمع على اختلاف مستوياته. ويغطي الجوانب الأساسية والموضوعات التي لا ينبغي لأحد الجهل بها من دين الإسلام. يركز أكثر على الجوانب المهمة التي تمس بشكل مباشر الحياة اليومية للمسلم والمسلمة، كما يلتزم في منهجه الالتزام التام بالسير على ضوء العقيدة الصحيحة ونبذ ما يخالفها. ويعتمد على الوحيين مع الاقتصار على الصحيح من الأحاديث والآثار مع تخريج مختصر. فيه تفسير إجمالي للآيات الواردة في كل قسم، مع ذكر بعض الفوائد واللطائف، وفيه شرح واضح للأحاديث الواردة في كل قسم مع تبين غريب ألفاظها، وبيان بعض فوائدها. ويحتوي قسم " العقائد " في الكتاب على تعريف بالإيمان وأقسامه، والشرك ووسائله، وبيان علامات اليوم الآخر، وأشراط الساعة الكبرى والصغرى، وأقسام الشفاعة، والجنة والنار، وخصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفضائل الصحابة وآل البيت. أما قسم " الأحكام " من الموسوعة فتضمنت أحكام كل من: الطهارة، والأذان ومواقيت الصلاة، صفة الصلاة، وأحكام العيدين والاستسقاء والكسوف، وأحكام المساجد، وأحكام الجنائز، وأحكام الصيام، وأحكام الزكاة والصدقة، وأحكام الحج، واللباس والزينة، وأحكام النكاح، والأيمان والنذور، وأحكام البيوع، وأحكام الوقف والوصية والنفقة. أما قسم " الأخلاق " فيتضمن خلاصة من أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسرد لمجمل الأخلاق الحميدة، وبيان للأخلاق المذمومة. أما قسم " الرقائق " فيتحدث عن نخبة من مرققات القلوب وأعمالها من مثل: الإخلاص والخوف والرجاء والصحة والفراغ والاستقامة والزهد في الدنيا والمتحابون في الله.. وغيرها. أما قسم " الآداب " فيتضمن: الآداب المتعلقة بالأقارب والجيران، وآداب التعامل مع الناس، والعلم وآدابه، وآداب حفظ اللسان، وآداب النوم والطعام والشراب والطريق، وآداب السفر، وآداب التداوي والرقى. أما قسم " الأذكار " فيتضمن نبذة عن فضل الذكر، وفضائل القرآن، وأذكار الصباح والمساء، والأذكار بعد الصلاة، وأذكار النوم والطعام ودخول المنزل وغير ذلك. أما قسم " الأدعية " فتضمن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء، وآدابه، وأكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-، والدعاء من القرآن والسنة. |
بيان أحكام الأراضي للآقحصاري صدر حديثًا كتاب "بيان أحكام الأراضي "، تأليف: أحمد بن محمد الآقحصاري (ت 1041 هـ)، حققه وعلق عليه: أ.د. " مقتدر حمدان عبد المجيد "، من سلسلة آفاق الثقافة والتراث، من منشورات " مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث ". وهو من الكتب التي تفردت بذكر أنواع الأراضي الزراعية وأحكامها من حيث ملكية رقبتها، والتبعات المالية الواجبة على مستثمرها، والاستثناءات فيها وحدود التصرف فيها.. فتناول فيه مؤلفه مسائل كثيرة تتعلق بالأراضي الخراجية والعشرية، وملكيتها، وشرائها، ومقدار ما يجب فيها، وبيت المال وأنواعه وواجب الإمام فيها. وتناول آراء الفقهاء مثل ابن الهمام وابن نجيم والزيلعي والسيوطي في مسائل الأراضي، حيث يبين المؤلف رأيه في مقابل تلك الآراء. وقد بدأ المحقق الكتاب بقسم الدراسة، حيث تطرق في الفصل الأول منها إلى السيرة الذاتية والعلمية للشيخ أحمد بن محمد الآقْحِصاري، فذكر اسمه، وولادته ونشأته، وصفاته وأخلاقه، ومؤلفاته، ومكانته العلمية وأقوال العلماء فيه. ثم انتقل للحديث عن موضوع وأهمية الرسالة والنسخ التي اعتمدها في التحقيق . وفي الفصل الثاني من الدراسة تناول واقع الأرضي الزراعية من المنظور الإسلامي، فذكر أنواع الأراضي الزراعية في الدولة الإسلامية، والقطائع في المنظور الإسلامي وهي الأراضي التي يمنحها الإمام لشخص من الأشخاص ليعمرها وينتفع بها. وتناول أيضًا مفهوم إحياء الأراضي الموات. وتندرج الرسالة في مجال الاقتصاد الإسلامي مع ميل كبير إلى إظهار رأي الحنفية في هذا الأمر من دون إغفال آراء المذاهب الأخرى، فهو ينبه في أول الرسالة إلى أن الأراضي نوعان: عشرية وخراجية ومن ثم يحدد لكل نوع شروطه وأحكامه، وأي أرض تكون عشرية وأيها تكون خراجية. ثم يبدأ في تحديد أنواع الزروع والأشجار المثمرة التي يتم زراعتها في تلك الأرض سواء أكانت عشرية أم خراجية، وما يجب على مستثمرها من تبعات مالية على كل نوع من المحاصيل التي تزرع ويبلغ إنتاجه النصاب. ويذكر نوعي الخراج، خراج الوظيفة ( المساحة )، وخراج المقاسمة، وطريقة تحصيل ما يترتب على كل نوع منهما وعلى المزارع الذي يطبق نوع الخراج الذي يتعامل به مع الدولة، ويتطرق إلى الإجراء الذي اتخذه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أراضي سواد العراق، ومقادير الخراج التي فرضها على كل نوع من محاصيل الأراضي الزراعية. وحدد الكاتب أن مقدار الخراج يجب أن لا يزيد في جميع الأحوال عن النصف مما تخرجه الأرض في حالة تطبيق نظام خراج المقاسمة، وعلل السبب في تحديد النصف بالقول: « لأن التنصيف عين الإنصاف » . ولم يغفل عن عمليات جواز أو عدم جواز بيع وشراء الأراضي الخراجية، وإذا تم البيع أكثر من مرة خلال سنة واحدة فعلى من يكون الخراج؟ ناقش هو هذه المسألة وحدد من يجب عليه الخراج. ويبين مصارف أموال الخراج ومن يستحقه من الرعية ومن لا يستحقه، وحدد المجالات التي يجوز للسلطان والعمال التصرف فيها أو في خراجها، ويختم كلامه في من يحق له وقف الأرض؟ وهل يجوز وقف أرض الخراج أم لا؟ ويظهر لنا بشكل واضح القيمة الكبيرة لرسالة الآقحصاري من خلال عدد المصادر التي اعتمد عليها فقد قاربت الثلاثين مصدرًا، هذا فضلًا عن آرائه التي دونها في الرسالة دون الخروج عن ثوابت المذهب الحنفي وترجيح آرائه على غيره، من دون إغفال للحوادث التاريخية التي تعزز رأيه. والمؤلف هو أحمد بن محمد الآقحِصاري، ويعرف بأحمد الرومي وأحمد أفندي، القبرسي الأصل، الآقحصاري الدار، الحنفي. كان عالمًا تقيًّا، قرأ على علماء عصره بدمشق والقسطنطينية، وسكن بلدة آق حصار التي تقع قرب مدينة الأناضول. توفي سنة 1041هـ. وله أكثر من عشرين مؤَلَّفًا. ومحقق الكتاب أ.د. "مقتدر حمدان عبد المجيد"، مختص في تاريخ الاقتصاد الإسلامي، حاصل على الماجستير والدكتوراه بتقدير امتياز من كلية الآداب جامعة بغداد. وهو عضو في هيئة التدريس في قسم التاريخ بكلية التربية - ابن رشد، وعضو فعال في عدد من اللجان في الجامعة. أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه. وله أبحاث منشورة في مجلات علمية محكمة عراقية وعربية كثيرة، منها: 1) المصطلحات الاقتصادية في كتاب مشارق الأنوار للقاضي عياض. 2) المحافظة على المال وتنميته في الاقتصاد الإسلامي. 3) نظرة ابن أبي الدنيا إلى الكسب ومصادره. 4) الجوانب الاقتصادية والمالية في كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي. 5) المكاسب في الفكر الاقتصادي الإسلامي. 6) آراء تاج الدين الفركاح في أموال الغنائم. 7) إنتاج وتسويق نسيج الحرير في العراق في العصور الإسلامية. 8) تشكيلات الجيش الساساني. 9) القطائع في المفهوم الإسلامي. 10) أراضي القطائع وأثرها على الواقع الزراعي. 11) كتاب إصلاح المال لابن أبي الدنيا: المنهج والأهداف. 12) موقف المستشرقين من شخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم): المستشرق غوستاف لوبون أنموذجًا. 13) آراء العَزَفي في وحدات الكيل الإسلامية. 14) الكسب: مقاصده وأثره في تنمية المجتمع. 15) كتاب إصلاح المال لابن أبي الدنيا مصدرًا لكتابة التاريخ الاقتصادي الإسلامي. الكتب المؤلفة: 1) كتاب: ملكية الأراضي الزراعية في الأندلس. (جاهز للطبع) 2) كتاب: الآراء المالية في كتاب الأم للإمام الشافعي (جاهز للطبع). 3) استثمار المال في الفكر الاقتصادي الإسلامي. (جاهز للطبع ). المخطوطات المحققة: 1) تحقيق مخطوطة: تحرير الدرهم والمثقال للشيخ مصطفى الذهبي. (جاهز للطبع) 2) تحقيق مخطوطة: جواب الإمام النووي عن الغنائم. (جاهز للطبع) 3) تحقيق مخطوطة: أحكام الأراضي للعلامة التهانوي (جاهز للطبع). 4) تحقيق مخطوطة: الأراضي الخراجية لساجقلي زاده (جاهز للطبع). |
الرسالة للشافعي بشرح د. سعد الشثري صدر حديثًا كتاب " شرح الرسالة " للإمام الشافعي رحمه الله (150-204 هـ)، شرح: أ.د. " سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري "، من منشورات "دار كنوز إشبيليا" للنشر والتوزيع. وأصل الكتاب دروس مسجلة قام بها الشيخ " سعد الشثري" في إطار دورة شرحه لرسالة الإمام الشافعي في علم أصول الفقه، وكتاب الرسالة للشافعي يمتاز بالعديد من الميزات التي لا نجدها في غيره: أولها: قِدم هذه الكتاب فهو أول كتاب أصولي جامع، وللمتقدم من المزية ما ليس لغيره. وثانيها: أن المؤلف من فقهاء الإسلام الكبار، وقد ألف المؤلفات الكثيرة في مسائل الفقه، ولا زال الناس يتناقلون أقواله ومذاهبه في المسائل. وثالثها: أن الإمام الشافعي مبدع في اللغة، وكان من أساطير علماء اللغة العربية، بل عنده من حفظ الأشعار الشيء الكثير، وبالتالي فهو يتقن المباحث الأصولية التي لها علاقة بالدلالات اللغوية. إلى جانب أن الإمام الشافعي متبحر في علوم العقائد وهو من علماء السنة المحضة، حيث يأمن الإنسان بقراءة هذا الكتاب من أن يقع في منزلقات عقدية أو أغلوطات مذهبية. كما أن الإمام الشافعي يروي أحاديث الكتاب بإسناده، وهو قريب العهد بعهد النبوة، ولأصحاب تلك القرون من المزية في العلم والتعلم ما ليس لغيرهم. وكتاب الرسالة يمتاز باستيعابه لكثير من المباحث الأصولية، فقد ابتدأ بالبيان، ثم تكلم عن العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، ثم تكلم عن السنة بأقسامها وتقسيماتها، وبين مكانها من التشريع، وتكلم عن عدد من الأدلة؛ كالأخبار متواترها وآحادها، وتكلم عن الإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان والاختلاف ونحو ذلك من مسائل علم الأصول. وللشافعي تميز في باب الحوار والمناقشة، ولذلك جعل أسلوب الكتاب على أسلوب المحاجة والمخاطبة، وهذا يدلك على ميزة هذا الكتاب وعظم مكانته. ومن ثم امتاز هذا الكتاب بسهولة لفظه، وحسن سياقه، حيث جعله الشافعي على أسلوب المناقشة والجواب والسؤال، وكان محل عناية من الشراح في الزمان الأول، وممن ألف عليه: الصيرفي، وحسان النيسابوري، والقفال الشاشي الكبير، والجوزقي، ووالد الجويني وغيرهم الكثير ممن شرح هذه الرسالة، لكن بين د. "سعد الشثري" أن جميع هذه الكتب لم يصل إلينا منها شيء. والإمام الشافعي لم يخترع القواعد الأصولية، وإنما قام بتدوينها أخذًا من النصوص الشرعية، ومن اللغة العربية، فأدى جهده المبارك إلى انتظام الاجتهاد وعدم فوضويته. وكتاب ( الرسالة ) أول كتاب ألف في (أصول الفقه) بل هو أول كتاب ألف في (أصول الحديث ) أيضًا. قال الفخر الرازي في مناقب الشافعي (صـ 57): «كانوا قبل الامام الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه، ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضاتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانونًا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع. فثبت أن نسبة الشافعي إلى علم الشرع كنسبة أرسطاطاليس إلى علم العقل». وقال بدر الدين الزركشي في كتاب " البحر المحيط في الأصول ": «الشافعي أول من صنف في أصول الفقه، صنف فيه كتاب الرسالة، وكتاب أحكام القرآن، واختلاف الحديث، وإبطال الاستحسان، وكتاب جماع العلم، وكتاب القياس». قال الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله - في معرض مقدمته لتحقيق كتاب الرسالة: «إن أبواب الكتاب ومسائله، التي عرض الشافعي فيها للكلام على حديث الواحد والحجة فيه، وإلى شروط صحة الحديث وعدالة الرواة، ورد الخبر المرسل والمنقطع، إلى غير ذلك مما يعرف من الفهرس العلمي في آخر الكتاب -: هذه المسائل عندي أدق وأغلى ما كتب العلماء في أصول الحديث، بل إن المتفقه في علوم الحديث يفهم أن ما كتب بعده إنما هو فروع منه، وعالة عليه، وأنه جمع ذلك وصنفه على غير مثال سبق، لله أبوه . و(كتاب الرسالة) بل كتب الشافعي أجمع، كتب أدب ولغة وثقافة، قبل أن تكون كتب فقه وأصول، ذلك أن الشافعي لم تهجنه عجمة، ولم تدخل على لسانه لكنة، ولم تحفظ عليه لحنة أو سقطة». [الرسالة للشافعي (المقدمة/ 13)]. وجاء شرح د. " سعد الشثري " على كتاب الرسالة مختصرًا سهلًا جامعًا لمهمات كلام الإمام الشافعي مع التعليق بما يلزم في بيان مباحث علم أصول الفقه وأركانه. والإمام الشَّافِعي (150 - 204 هـ = 767 - 820 م) كما ترجم له صاحب "الأعلام" هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله: أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد: كان الشافعيّ أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت. وقال الإمام ابن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منه. وكان من أحذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك أولًا كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه والحديث، وأفتى وهو ابن عشرين سنة. وكان ذكيًا مفرطًا. له تصانيف كثيرة، أشهرها كتاب (الأم) في الفقه، جمعه البويطي، وبوّبه الربيع بن سليمان، ومن كتبه ( المسند ) في الحديث، و( أحكام القرآن ) و( السنن ) و( الرسالة ) في أصول الفقه، و( اختلاف الحديث ) و (السبق والرمي ) و( فضائل قريش ) و (أدب القاضي ) و( المواريث ) ولابن حجر العسقلاني ( توالي التأسيس، بمعالي بن إدريس ) في سيرته، ولأحمد بن محمد الحسني الحموي المتوفى سنة 1098 كتاب ( الدر النفيس ) في نسبه، وللحافظ عبد الرؤوف المناوي كتاب ( مناقب الإمام الشافعيّ ) وللشيخ مصطفى عبد الرازق رسالة (الإمام الشافعيّ ) في سيرته، ولحسين الرفاعيّ (تاريخ الإمام الشافعيّ ) ولمحمد أبي زهرة كتاب ( الشافعيّ ) وفي طبقات الشافعية للسبكي، بعض ما صنف في مناقبه. |
البيئة والأوبئة في التراث الطبي العربي الإسلامي تأليف محمود الحاج قاسم صدر حديثًا كتاب " البيئة والأوبئة في التراث الطبي العربي الإسلامي "، تأليف: د. " محمود الحاج قاسم محمد "، وذلك عن "إصدارات رابطة التدريسيين الجامعيين في نينوى " بالعراق، ودار " ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع ". يتناول هذا الكتاب - الذي صدر في ظل أزمة جائحة الكورونا الحالية - جهود علماء المسلمين في التعرف على الأمراض المعدية، وطرق انتشارها، ومعالجتها، ومحاولة الوقاية منها. يقول الكاتب: «لقد كانت رحلة البشر مع المرض صراعًا موغلًا في القدم، عنيفًا قدر شدة الأدواء التي يصادفها الإنسان، مديدًا ما امتدت الحياة على الأرض، ومن هذه العلاقة وهذا الصراع نجم التعرف على الأمراض وانتشارها ومعالجتها ومحاولة الوقاية منها، إلا أنه باستعراض الكتب التي أرخت لتاريخ الطب العربي لا نجد سوى إشارات متناثرة لمفهوم الأوبئة والعدوى والأمراض المعدية والوقاية منها، حيث لم ينل هذا الفرع المهم من فروع الطب العناية الكافية من لدن مؤرخي الطب العرب، الأمر الذي جعل جمعها وتصنيفها أمرًا في غاية الأهمية من نواحي عديدة». ويتناول هذا البحث عدة أمور هامة في تأريخ جهود علماء المسلمين في مكافحة الطواعين: أولاها: إبراز معرفة الأطباء العرب المسلمين بأهم الأمراض المعدية وكيفية الوقاية منها. الثانية: تسليط الضوء على اكتشافاتهم للبعض من تلك الأمراض. الثالثة: أن الأطباء العرب المسلمين لم يكونوا مجرد نقلة لطب الأمم السابقة، بل قاموا بإضافة الكثير مما جادت به عبقريتهم في حقول الطب المختلفة منها هذا الحقل المهم. وقد جاء هذا البحث مكونًا من ثلاثة أقسام رئيسة: القسم الأول: المفهوم العام للعدوى والأمراض: احتوى هذا القسم خمسة فصول هي: الفصل الأول: مفهوم العدوى والأمراض عند الأمم السابقة. الفصل الثاني: مفهوم العدوى والأمراض المعدية والوباء في الإسلام. الفصل الثالث: مفهوم العدوى والأمراض المعدية عند الأطباء العرب والمسلمين. الفصل الرابع: الأمراض المعدية والسارية التي جاء ذكرها في الكتب الطبية العربية. الفصل الخامس: الوقاية من الأمراض الوبائية بالتطعيم. القسم الثاني: صحة البيئة والحفاظ على سلامتها في الإسلام والتراث: وقد جاء هذا القسم مكونًا من فصلين: الفصل الأول: وسائل الإسلام في حماية البيئة ومنع تلوثها. الفصل الثاني: صحة البيئة والحفاظ على سلامتها في التراث الطبي العربي الإسلامي. القسم الثالث: الأوبئة التي انتشرت في العالم عبر التاريخ: ضم هذا القسم أربعة فصول هي: الفصل الأول: الأوبئة التي انتشرت في العصور القديمة. الفصل الثاني: الأوبئة التي انتشرت في العصور الإسلامية. الفصل الثالث: الأوبئة التي اجتاحت العراق في العهد العثماني، ووسائل الوقاية منها. الفصل الرابع: الأوبئة العالمية. وقد ركز الكاتب في كتابه على مجموع الأوبئة التي اجتاحت عالمنا الإسلامي عبر التاريخ، وكيفية تأثر الناس به، ومقاومتهم له، وبحث الأطباء المسلمين في تفسير ظاهرة الجائحة الطاعونية، ونجد أن من أشهر الأوبئة التي انتشرت في العصور الإسلامية: وباء الطاعون، وداء الكلب، والوباء ( الكوليرا )، والأمراض الدموية، والحميات، ووجع المفاصل، وأورام الحلق والماشرا والخوانيق، والجدري.. وغيرها. أما عن أهم الأمراض التي ضربت القطر العراقي إبان الحكم العثماني فكان منها: وباء الطاعون العام أثناء فترات طويلة من القرن الحادي عشر الهجري حتى القرن الثالث عشر الهجري، ووباء الكوليرا (الهيضة = أبو زوعة = الهواء الأصفر) والذي غزا العراق سنة 1236 هـ/ 1820 م. إلى جانب أوبئة متنوعة أخرى ظهرت على فترات مختلفة، وكانت محدودة الانتشار وقليلة التكرار، ومنها: التيفوس، والجمرة الخبيثة، والملاريا (البرداء)، والجدري، والحصبة، والماشرا (الخنّاق)، والتهاب السحايا، وحبة بغداد، والحمى التيفوئيدية، والأنفلونزا، والحَبُّ الإفرنجي (السفلس أو الزهري)، والبلهارزيا، وأنواع الديدان الأخرى، وبعض أمراض العيون. ونجد أن المسلمون عرفوا قواعد الحجر الصحي والوقاية من الأمراض منذ وقت طويل، وفي عهد الخلافة العثمانية طبقت قوانين الحجر الصحي من قبل السلطات، ونجد أن الحجر الصحي طُبِّقَ أول ما طبق في الدولة العثمانية على السفن القادمة من روسيا إلى المواني العثمانية بعد ظهور الكوليرا هناك، وكان تطبيقًا أوليًّا، أما التطبيق الأول للحجر الصحي الحقيقي فقد وقع في عام 1831م في مضيق البوسفور على السفن القادمة من البحر الأسود، وتأسس نظام الحجر الصحي في استنبول عام 1254هـ / 1838م، وقد صدر نظام الكرنتينة (الحجر الصحي وملحقاته) سنة 1279هـ / 1862م. ونجد أنه قبل منتصف سنة 1786م قدم بغداد تاجر شاب أرمني إستانبولي الأصل اسمه "أوانيس مراديان".. ويعتبر هذا الرجل أول من أدخل في بغداد - لأول مرة - التطعيم الواقي والعام من الجدري طبقًا لطريقة "جنر". ونجد أنه جرى أول مرة في بغداد تطعيم ضد الهيضة في الوباء الذي حصل سنة 1917م. واعتبارًا من نهايات القرن التاسع عشر صدرت قوانين عديدة تنظم أمور التلقيحات مما يدل على تحسس السلطة العثمانية لأهمية ذلك في بغداد، وهذه القوانين هي: (نظام التلقيح 110هـ / 1892م، تعليمات إجراء التلقيح 1322هـ/1904م، تلقيح الحمى (تيفو) 1330هـ / 1911م، نظام تلقيح الجدري 1331هـ/ 1912م). أما المصادر الطبية فتذكر حدوث أربعة جائحات عالمية كبرى ذهب ضحيتها الملايين من البشر، وهي: • طاعون جستنيان (الإمبراطور البيزنطي) وهو أول وباء عالمي انتشر في العالم القديم بأسره، وقتل خلال قرنين من الزمان نصف سكان المعمورة آنذاك، وقد ظهر هذا الطاعون عام 541 بعد الميلاد في وادي النيل وانتقل منه إلى الدلتا ومنه إلى سوريا وآسيا الصغرى. • طاعون القرن الرابع عشر الميلادي (1347م / 747هـ) ظهر أول ما ظهر في فرنسا في "تولوز" والتي فقدت نصف سكانها وساح الطاعون في أوروبا حتى قتل أكثر من 25 مليون. • طاعون القرن الخامس عشر الميلادي واجتاح معظم أوروبا ثم اختفى.. ثم ظهر طاعون لندن الشهير عام 1664-1665م / 1074 - 1075هـ، وقتل من سكان لندن أكثر من سبعين ألفًا. • الوباء العالمي الرابع في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين: ظهر في الصين في مقاطعة يونان سنة 1860 وظل محصورًا بها ثم وصل هونج كونج عام 1894، ومنها انتشر إلى بقية دول آسيا وقتل من سكان الصين أكثر من مائة ألف، وساح في الشرق الأوسط والهند وأفريقيا وأوروبا، ومنه إلى أمريكا. ويعد هذا البحث سياحة ممتعة في عالم الأوبئة، وأثره في التراث الطبي العربي الإسلامي، ومدى التغيير الذي أحدثته الطواعين والجوائح في العالم القديم، وما زال تأثيرها باقيًا حتى عصرنا الحديث. والمؤلف : هو د. محمود الحاج قاسم محمد الطائي، ولد سنة 1937م، درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية في الموصل وأكمل الثانوية سنة 1955م، التحق بكلية طب استنبول في 1955م، وحصل على شهادة دكتور في الطب عام 1961م. وهو عضو الجمعية العالمية لتاريخ الطب - باريس منذ سنة 1982م، وعضو اتحاد المؤرخين العرب - بغداد، 1987م، وعضو جمعية تاريخ الطب العراقية منذ 1989م، وعضو جمعية المؤرخين والآثاريين - الموصل، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب - فرع نينوى، وعضو الجمعية الإسلامية لتاريخ الطب 2003سنة م. من مؤلفاته العديدة: • " الموجز لما أضافه العرب في الطب والعلوم المتعلقة به ". • " تاريخ طب الأطفال عند العرب ". • تحقيق كتاب "تدبير الحبالى والأطفال والصبيان وحفظ صحتهم ومداواة الأمراض العارضة لهم" لأحمد بن محمد بن يحيى البلدي. • " أمراض الطفل المعدية وتلقيحاته ". • " الطب عند العرب والمسلمين: تاريخ ومساهمات ". • "الأورام والسرطان في الطب العربي الإسلامي". • "الطب الوقائي النبوي". • تحقيق كتاب "من لا يحضره الطبيب" لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي. • "الطب في الموصل منذ الفتح الإسلامي وحتى نهاية الحكم العثماني". • تحقيق كتاب "نصيحة الإخوان باجتناب الدخان" لإبراهيم اللقاني. • "الاستنسال (الاستنساخ) بين العلم والدين". • "انتقال الطب العربي إلى الغرب.. معابر وتأثير". • "دليل الصائم الطبي في رمضان". • " دعوة للعودة إلى السواك ". • "وسائل الإسلام في الوقاية من الأمراض الجنسية والتناسلية". • " الوقاية من الأمراض النفسية وعلاجها في الطب العربي الإسلامي". • " الأطباء العراقيون خريجو كليات الطب في إسطنبول". • "طرائف وأحداث لبعض أطباء الموصل". • "الأطباء والصيادلة الموهوبون الموصليون في القرن العشرين". • "الرياضة في الإسلام والطب العربي". • "تاريخ الطب في الموصل عبر العصور". • "الحلال والحرام في الممارسة المهنية للطب". • "كبار السن ما لهم وما عليهم". • "السلوك الطبي الإسلامي". |
بين منح الثقة وتحمل المسؤولية الثقة وتحمُّل المسؤولية هما قرينان لا ينفصلان فهما توءَما العمل المتقن والنجاح المتصاعد إلى ذرى المجد لأي عمل. هما دعامتا القيام بواجبات الإنسان الوظيفية والاجتماعية والمهنية، تلك الثقة الممنوحة لأي مسؤول قد تمنح في البدايات بعد إجراءات ووثائق وشهادات، وقد تكتسب بالمواقف الصانعة للرجال، فالمواقف تصنع الأشخاص، ولكن استمرارها مرهون بالوفاء وصيانة العهد والوعد: ﴿ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا ﴾ [الأحزاب: 15]، ففي أهم علاقة إنسانية وأوثق علاقة في بني آدم نواة تكوين المجتمعات (الأسرة)، سماه الله تعالى (بالميثاق الغليظ)؛ أي مسؤولية الزواج وثقة تحمُّل مسؤولياته. وهذا صاحب العزم كليم الرحمن موسى عليه السلام، قام بالمسؤولية الرجولية والموقف الإنساني المحتم على ذوي المروءات عندما رأى امرأتين ضعيفتين لا تلويان على شيء يذودان عن أكابر القوم غُنيماتهما، وليس لهما من سند وعون إلا الله في بيئة بدوية عمادها القوة، والقوة فقط، نهض وزاحم، ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ ﴾ [القصص: 24]، فكان القيام بالمسؤولية غير المشروطة مع إبراز الضعف والفقر والمسكنة لله تعالى سببًا لمنحه ثقة الزواج والعمل: ﴿ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ﴾ [القصص: 27]. وأما سنة سيد الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام، فبحر زاخر من المواقف النبوية في منح الثقة في موضعها، وطلب التنحي عن المسؤولية في موضعه، نظرًا لنقص في القوة، أو أمر بالقيام بالمسؤولية لإثبات الأمانة والثقة معًا. فهذا أبو ذر رضي الله عنه ينصح بألا يأتمر على اثنين. وهذا أبو بكر رضي الله عنه: (مروا أبا بكر فليُصلِّ بالناس)، وتتويجًا لهذا كان له مرتبة الصِّديقين، وهي من أعلى مراتب الذين أنعم الله عليهم بعد النبيين، وختمها تتويجًا لتلك الثقة بالخلافة، فكان المسؤول عن الدولة بعد رسول الله. وهذا أبو عبيدة أمين سر هذه الأمة، جعله الرسول عليه الصلاة والسلام في محل الثقة العظمى الجليلة عن أسرار الدولة الفتية في بداياتها، فسُمي "أمين الأمة"، وعلى هذا المنهج القويم سار سلف الأمة في ضبط أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فكان من مراتب الرواة الثقة الثبت. ونماذج أخرى مشرفة في تاريخ الأمة على مدى القرون الأربعة عشر من قيادات تولَّت أمرها في حِقَبٍ تاريخية مختلفة، جمعت بين أن تكون في محل ثقة الأمة في مواقع مسؤوليتها، واضطلعت بواجبها تُجاهها بوصفها خادمًا للأمة، ومتأمِّرًا لها لسياسة أمورها على منهاج قويم وسنة سيد المرسلين، ودفعًا عن حرماتها وعدلًا بين أفرادها. مع وجود كبوات هنا وهناك كما هي حال الأمم في لحظات الصعود الحضاري وتداعيات السقوط إلى من عالٍ إلى سافل، عندما أخذت بأسباب السقوط في دروس التاريخ المختلفة. وخلاصة القول: كما أن المسؤولية لا تُخوَّل إلا بعد تحمُّلها، فالثقة لا تُسترد إلا (بصعوبات) بعد كسرها. |
أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك لأبي البركات أحمد الدردير صدر حديثًا تحقيق جديد لكتاب " أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك "، تأليف العلامة: "أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير" (ت: 1201هـ)، تحقيق: "عبد الكريم يوسفي"، من منشورات " متون "، إصدارات جائزة الشيخ صالح بن عبدالله المحيسن للمتون العلمية ودراساتها بالجامعة الإسلامية. ومتن " أقرب المسالك " من أنفس مختصرات المذهب المالكي، حيثذكر فيه المعتمد في المذهب، ولخص فيه، وهذب الكتاب المشهور "مختصر خليل" العمدة في الفقه المالكي. يقول أحمد بن محمد بن أحمد الدردير في مقدمة كتابه: «وبعد فهذا كتاب جليل اقتطفته من ثمار مختصر الإمام خليل، في مذهب إمام أئمة دار التنزيل، اقتصرت فيه على أرجح الأقاويل، مبدلًا غير المعتمد منه به، مع تقييد ما أطلقه وضده، للتسهيل وسميته: "أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك"». وكتاب الدردير يعد من مختصرات "المختصر"، وهو لا يذكر القولين في المسألة إلا قليلًا كما صرح به في شرحه له، والمسمى بـ "الشرح الصغير". وتجدر الإشارة أن الشيخ أبي البركات أحمد الدردير شرح مختصره هذا في كتاب سمّاه "الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك"، كما ألف الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي (ت 1241هـ) حاشية عليه سماها "بلغة السالك لأقرب المسالك". واعتمد الشيخ الدردير عند صياغته لمختصره هذا على مختصر الشيخ خليل، إلاّ أنّه استبدل الأقوال غير المعتمدة فيه بالأقوال المعتمدة في المذهب كما ذكر ذلك في المقدمة. ونظرًا لأهمية هذا المختصر فقد اعتمد عليه كثير من المتأخرين في مؤلفاتهم، ولعلَّ أهمّهم الشيخ "الحبيب بن طاهر" في كتابه "فقه العبادات على المذهب المالكي" حيث يقول: «اعتمدت بالأساس على كتاب "أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك" باعتباره تضمّن الأقوال المعتمدة في المذهب المالكي... وقد توليت في هذا الكتاب مزج المتن بالشرح، وصغته بأسلوب عصري يسهل على المطلع عليه قراءته والوقوف على مسائله دون جهد». وتم تحقيق الكتاب على أربع نسخ خطية نفيسة، منها واحدة يغلب على الظن أنها بخط المصنف، مع التقديم للكتاب بدراسة وافية عن المؤلِّف والمؤلَّف. وقد أجاز طبعه ونشره نخبة من المتخصصين؛ حصل بموجبها على المركز الثاني بجائزة متون (الدورة الأولى- مسار التحقيق). والشيخ أبي البركات الدردير هو أحمد بن أحمد بن أبي حامد العَدوي المالكي الأزهري الخَلْوَتِي، الشهير بأحمد الدردير، ولد بقرية بني عدي التي تسكنها قبيلة بني عدي القرشية في أسيوط بصعيد مصر سنة 1127 هـ/1715 م، وينتهي نسبه إلى عمر بن الخطاب. وقد تلقب بـ (الدردير)؛ لأن قبيلة من العرب نزلت ببني عدي، وكان كبيرهم رجل مبارك من أهل العلم والفضل يدعى الدردير، فلُقِّبَ الشيخ أحمد به تفاؤلًا. أخذ العلوم عن الشيخ الصعيدي العَدوي ولازمه وانتفع به، وأخذ عن الشيخ أحمد الصباغ، وأخذ عن الملوي والجَوْهري وشمس الدين الحفني. أخذ عن الشيخ الدردير كثرة من العلماء الأجلاء تخرجوا به وانتفعوا بعلومه، منهم: • الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي. • أبو الخيرات مصطفى العقباوي الذي أكمل شرح أقرب المسالك. • أبو العباس أحمد بن محمد الصاوي. • أبو الفلاح صالح بن محمد بن صالح السباعي. • أبو الربيع سليمان بن محمد الفيومي. قال عنه الجبرتى مؤرخ مصر فى العصر الحديث "كان أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية، شيخ أهل الإسلام وبركة الأنام أبو البركات، الشيخ أحمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهريّ الخَلْوَتِيّ، الشهير بأحمد الدِّرْدِيرِ، رضي الله عنه.. صاحب المؤلفات الكثيرة النافعة والتصنيفات الشهيرة المقنعة والرسائل العلمية الممتعة". ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين سيدي أحمد الدردير شيخًا على المالكية، وفقيهًا وناظرًا على "وَقْفِ الصعايدة"، بل وشيخًا على "رواق الصعايدة" بالأزهر. وله مصنفات مشهورة في المذهب المالكي من أهمها: • شرح مختصر خليل. الذي هو عمدة الفقه المالكي، أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني، واقتصر فيه على الراجح من الأقوال. • أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك. متن في فقه المالكية فرغ من تأليفه سنة 1193هـ، وطبع بالقاهرة عام 1321هـ ثم تعددت طبعاته بعد ذلك. • الشرح الصغير على أقرب المسالك. وصل فيه إلى باب الجناية ثم أكمله تلميذه الشيخ مصطفى العقباوي، وهذا الشرح هو الذي أقرَّه جميع المالكية في الفتوى، وعليه مشهور المذهب المالكي والأقوال المعتمدة فيه، واعتمده الشيوخ في تلقين المذهب للطلاب، وفي الفتاوى على مذهب الإمام مالك، وقد طبع في بولاق بالقاهرة سنة 1281هـ. • نظم الخريدة السَّنِيَّة في العقيدة السُّنيَّة. في علم التوحيد على مذهب الأشاعرة، وشرحها كذلك. • تحفة الإخوان في آداب أهل العرفان في التصوف. • شرح على ورد الأذكار للشيخ كريم الدين الخلوتي. • شرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال البكري. • رسالة في المعاني والبيان. في علوم البلاغة. • رسالة أفرد فيها طريق حفص في القراءات. • رسالة في المولد النبوي الشريف. • شرح على رسالة الشيخ البيلي في مسألة "كل صلاة بطلت على الإمام بطلت على المأموم". • شرح على منظومة للشيخ أحمد البيلي في المستثنيات. • شرح على رسالة في التوحيد من كلام العلامة الدمرداش. • رسالة في الاستعارات الثلاث. • شرحٌ على آداب البحث والتأليف. • شرحٌ على الشمائل المحمدية ولم يتمه. • التوجه الأَسْنَى بنظم الأسماء الحسنى. وتسمى بمنظومة الدردير أو منظومة الأسماء الحسنى للدردير. • مجموعٌ ذكر فيه أسانيد الشيوخ الذين أخذ عنهم العلم. • شرح على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} الآية. • رسالة في متشابهات القرآن. • رسالة تحفة السير والسلوك إلى ملك الملوك. • العقد الفريد في إيضاح السؤال عن التوحيد. • متن الخريدة البهية في علم التوحيد. • التوحيد الأسنى بنظم الأسماء الحسنى. • تحفة السير والسلوك إلى ملك الملوك. والمحقق عبد الكريم يوسفي الوهراني باحث ومحقق جزائري، حصل على درجة الماجستير من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية عام 2012 م، وكانت رسالته المقدمة لنيل درجة الماجستير عبارة عن تحقيق جزء من" كتاب الزاهي" لأبي إسحاق محمد بن القاسم بن شعبان الشهير بابن القُرْطيّ (ت355هـ)، وله عدد من المصنفات منها: "العشرة الزوجية في ميزان الشرع من خلال شرح حديث أم زرع"، و"بلوغ الأرب بشرح مفرد البخاري في الأدب"، و"من وحي المرأة"، و"الغيرة في ميزان الشرع".. وغيرها. |
القدوة الحسنة في ضوء القرآن الكريم لناصر بن محمد عبد الماجد صدرت حديثًا طبعة جديدة من كتاب " القدوة الحسنة في ضوء القرآن الكريم " تأليف د. " ناصر بن محمد بن عبدالله الماجد " - رحمه الله -، أستاذ الدراسات القرآنية المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عن دار البيان، وأصل الكتاب بحث تقدم به الكاتب لمجلة الدراسات القرآنية، بالعدد الثامن منها، لعام 1432 هـ. وتناول الكاتب في بحثه دراسة القدوة الحسنة وآثارها التكوينية؛ للإبانة عن منهج منهج القرآن الكريم في عرضها، مترسمًا فيه معالمها، واقفًا على صفات أهلها، محددًا مجالاتها، ضاربًا نماذج لها. يقول الكاتب في مقدمة دراسته: «والمجتمعات البشرية اليوم بأمسّ الحاجة إلى وجود قدوة حسنة، تهديها طريق النجاة، في ظل الانحراف الذي نراه في اتخاذ القدوات، ولا أهدى سبيلًا، ولا أسد طريقًا من الرجوع إلى السراج المنير، إلى كتاب الله الكريم، لتَرسُّمِ معالم القدوة الحسنة فيه، وتبين منهج القرآن الكريم في عرض مجالاتها، وذكر نماذجها، ومعرفة الصفات التي أهلت أهلها ليكونوا أسوة للناس يقتدون بهم. هذا من جانب، ومن جانب آخر؛ فإن وجود القدوة الحسنة من أنجح الوسائل المؤثرة في إعداد الفرد وتكوينه نفسيًا، واجتماعيًا، وأخلاقيًا، وهي عامل كبير في صلاح المرء واستقامته. وإنه ليس من العَسِرِ أن يضع المربون منهجًا ما، ولكن من الصعب أن يتحقق ذلك المنهج واقعًا معاشًا؛ إذا لم يكن هناك أفراد يطبقونه ويعملون به، بحيث يراه الناس ماثلًا أمامهم، ويحسون به واقعًا مشاهدًا يقتدون به». وانتظم البحث في ثلاثة مباحث، قدم لها الكاتب بمقدمة في بيان موضوع البحث، وأهميته، والخطة التي أتبعها فيه، وأنهاها بخاتمة ضمنها أهم نتائج البحث وتوصياته، على النحو التالي: المبحث الأول: في حقيقة القدوة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف القدوة، وذكر نظائرها، وفيه فقرتان: الفقرة الأولى: تعريف القدوة. الفقرة الثانية: نظائر لفظ القدوة. المطلب الثاني: أهمية القدوة، ومجالاتها، وفيه فقرتان: الفقرة الأولى: أهمية القدوة. الفقرة الثانية: مجالات القدوة. المطلب الثالث: الأسس النفسية لاتخاذ القدوة، وآثارها، وفيه فقرتان: الفقرة الأولى: الأسس النفسية لاتخاذ القدوة. الفقرة الثانية: آثار القدوة. المبحث الثاني: أسلوب القرآن الكريم في عرض القدوة الحسنة، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: أسلوب التعبير عن القدوة الحسنة. المطلب الثاني: أصناف القدوة الحسنة. المطلب الثالث: صفات القدوة الحسنة. المطلب الرابع: صفات المقتدِي. المطلب الخامس: طريقة الدعوة إلى أخذ القدوة الحسنة. المبحث الثالث: مجالات القدوة الحسنة ونماذجها، وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: مجال الدعوة إلى الله تعالى. المطلب الثاني: المجال الأسري. المطلب الثالث: المجال السياسي المطلب الرابع: المجال العسكري. المطلب الخامس: مجال الصبر. المطلب السادس: مجالات متنوعة. ويرى الكاتب أن القدوة والاقتداء، سلوك له ثلاثة أركان: أ - المقتدِي. ب- المقتدى به. جـ- السلوك الذي يقع فيه الاقتداء. وقد وردت عدة ألفاظ في القرآن الكريم، هي نظائر لكلمة القدوة، حيث تقاربها في المعنى والدلالة، وهي: الأسوة، والإمام، والإتباع، والمثل. وتوصل الكاتب أن سلوك الاقتداء والتأثر بالمحيط؛ سلوك فطري، نابع من أصل تكوين الإنسان، لا يمكن للمرء أن يسلم منه؛ لأنه يصادف رغبة ملحة تدفع البشر جميعًا مهما كانت أعمارهم، أو مستوياتهم العلمية إلى سلوك الاقتداء والتقليد لغيرهم، وإن اختلفت درجات التأثر والاقتداء. ودلل الكاتب على أهمية القدوة الحسنة، وأثرها البالغ على الأفراد والمجتمعات، ويظهر هذا في أمور، منها: أ- نشر القيم. ب- إعطاء الدليل العملي. ت- إعطاء التطبيق العملي الصحيح للسلوك. وقد كشفت هذه الدراسة أن نماذج القدوة الحسنة في القرآن الكريم كثيرة متنوعة، يصعب الإحاطة بها؛ فكل الشخصيات والقصص التي ذكرت في القرآن الكريم، التي تمثل جانب الخير، سواء كانوا أفرادًا أو جماعات، رجالًا أو نساءً، هي في الحقيقة نماذج للقدوة الحسنة، وهذا يكشف لنا أحد أهم جوانب فوائد قصص القرآن الكريم، لأن الله تعالى إنما ذكرها لأخذ العبرة منها، والاقتداء بالمحسنين من أهلها. ويرى الكاتب أن سلوك الاقتداء يجب أن يكون عن وعي وإدراك، وليس مجرد تقليد؛ لأن الله لما أمر بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال بعد ذلك: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21] والرجاء لا يكون إلا بقصد وإدراك. وقد جاءت آيات القرآن الكريم داعية إلى أخذ القدوة والأسوة الحسنة بطريقين: الطريق الأول: الدعوة الصريحة لأخذ القدوة: كالأمر بالاقتداء. الطريق الثاني الدعوة غير الصريحة: كالثناء على صفات القدوة وأفعاله. ويبين لنا الكاتب أن المقتدَى به وإن يكن في الأصل أعيانًا مشاهدة، يُقتدى بها ويتابعها الناس على سلوكها؛ فربما يتوسع الأمر حتى يصير السلوك بذاته، ومجموع العادات؛ قدوةً للناس، بغض النظر عن أعيان أصحابها، وفي قوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90] إيماء لهذا المعنى، حيث جعل تعالى محل الاقتداء مجموع الهدُى الذي كان عليه الأنبياء. وهذا المعنى يؤسس قاعدة يمكن تلخيصها بأن يقال: إن كل سابق في الخير؛ هو قدوة لمن جاء بعده، وكل من سار على نهج من سبقه، وجرى على طريقته؛ فهو مقتد به. وقد ذكر الكاتب عددًا من صفات القدوة؛ وهي ترجع إلى معنىً كلي ينتظمها جميعًا، وهو العبودية لله تعالى، ونعني بها العبودية التامة، المتضمنة كمال الخضوع والانقياد، والتجافي عن كل مظاهر الشرك، غير أنه يحسن التنبيه أنه ليس بلازم أن يكون الأسوة الحسنة مُبَرًا من كل عيب، سالمًا من كل نقص، دل على ذلك استثناء استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه، فلم يجعله الله محلًا للأسوة. كما أن التركيز في القرآن الكريم على السلوك الذي هو محل الاقتداء، دون شخصيات القدوة ذاتها، يؤكد هذا أن آيات القرآن الكريم وهي تعرض تلك النماذج لا تشير في غالب الحال إلى اسمها، أو مكانها، أو زمانها، وإنما يكون الاهتمام بمواقفها مجردة عن زمانها ومكانها، حتى يكون الاعتبار بالمواقف، بعيدًا عن شخوصها زمانًا ومكانًا، ما لم يكن لذكرها أثر. وقد ظهر من خلال البحث أن القرآن الكريم كما تحدث عن جانب القدوة الحسنة؛ فقد تحدث عن الجانب الآخر، وهو القدوة السيئة، وهو جانب جدير بالبحث والدراسة ولهذا فالباحث يوصي بأن يدرس جانب القدوة السيئة في ضوء آيات القرآن الكريم دراسة علمية مستقلة. ومؤلف الكتاب: هو د. " ناصر بن محمد عبد الله الماجد " شغل منصب أستاذ مساعد بقسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. حصل على درجة الماجستير في القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بأطروحته: (عادات أهل الجاهلية - دراسة موضوعية في ضوء القرآن الكريم). حصل على درجة الدكتوراه في القرآن وعلومه من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأطروحته: (أحكام القرآن للقاضي بكر بن العلاء القشيري، من أول سورة الأنفال إلى آخر القرآن - دراسة وتحقيق). وتوفي - رحمه الله - أواخر عام 1439 هـ / 2018 م. |
نبذة عن كتاب "نوايا" لا شك أن المكتبة الاسلامية تزخر بالعديد من الكتب النافعة، وتحوي جهودًا قام بها علماء ربانيون، أو إخوة فضلاء، فرَّغوا من أوقاتهم، وركزوا جهودهم لخدمة هذا الدين، لذلك تأتي هذه السلسلة لتسلِّط الضوء على بعض من هذه الجواهر المكنونة، والدرر النفيسة لتعرِّف عليها طلبة العلم خاصة والمسلمين عامة. ولعله من براعة الاستهلال أن نبدأ رحلتنا في هذه المجموعة المباركة بإذن الله مع كتُيِّب بعنوان (نوايا)؛ لكي نصحح نيَّاتنا، ويكون عملنا ابتغاءَ مرضاة الله سبحانه وتعالى. من الأمور المهمة جدًّا في حياة المسلم التي عليها مدار سعادته في الدنيا والآخرة، قصده بالعمل وجه الله سبحانه وتعالى، وما كان خلاف ذلك كان هباءً منثورًا، والجزاء المترتب على الأعمال إنما هو بحسب النيَّات؛ حيث إن معاملة العبد ربَّه سبحانه وتعالى (مبناها على المقاصد والنيات والسرائر)؛ (إعلام الموقعين 1/ 173)، وكلما حَسُنت نية العبد وقوِي إخلاصه لمعبوده، انهالت عليه الأجور والبركات من الكريم الرحمن، فبالنيَّة تتحول العادات إلى عبادات، وأيضًا فإن استحضار أكبر عدد من النيَّات والمقاصد التي جاءت بها السنة يزيد أجر العبد، ويحصل في مقابل العمل اليسير على الأجر العظيم، ومن روائع الكتب التي تهتم بهذا الجانب هو كتاب (نوايا) الذي نحن بصدد التعريف به. معلومات حول الكتاب: عنوان الكتاب: نوايا. رسالة الكتاب: دليل كل مسلم ومسلمة إلى نوايا الأعمال. ضاعف حسناتك خلال دقيقة. المؤلف: طلال فاخر. عدد الصفحات: 64. نوعه: كتُيِّب. الطبعة: السابعة. دار النشر: شركة ومكتبة وتسجيلات الإمام الذهبي. التعريف بالكتاب: بدء المؤلف جزاه الله خيرًا بذكر سبب التأليف، وأنه كان ينوي بلورة هذه الفكرة على جزأين، واحد منهما مفصَّل بالأدلة الشرعية، والآخر مختصر للأول، ودليل عملي له، وباقتراح من أحد الإخوة قدَّم الدليل العملي وهو كتابنا هذا. عن مدى انتشار الكتاب ذكر الكاتب تحت عنوان (نوايا بالأرقام) بعض المعلومات عن سرعة نفاد الطبعات السابقة، وأن (نوايا .. يحتوي على أكثر من (430) نية لأعمال الخير). بعد ذلك ذكر المؤلف أهمية أن تكون جميع الأعمال ابتغاء وجه الله ابتداءً، قائلًا: (أول وأهم نية في جميع الأعمال والأقوال والأحوال، هي إرادة وجه الله سبحانه وتعالى .. وبقية النيات تأتي تبعًا لها، وهي لا تقدح بإذن الله في الإخلاص، فالله سبحانه هو الذي شرعها لنا وأكرمنا بها). ثم بيَّن أن كتاب (نوايا) يجيبك على سؤال واحد، لكنه مهم، وهو (لماذا تفعل هذا الأمر؟)؛ أي: ما الأسباب والدوافع والحوافز وهكذا. وعن أهمية الكتاب ذكر الكاتب أن المسلم باستحضاره الكثير من النوايا، سيحصُل على الأجر الكثير للعمل الواحد، كما أنه سيشعر بطعم العمل ولذته وسيؤديه بحب وشوق وليس كعادة. ولكي يطمئنك أيها القارئ، فإن المؤلف ذكر أنه (تم تجمع النوايا من القرآن الكريم والسنة الصحيحة)، وذكر أنه اعتمد بشكل أساسي على قول المحدث العلامة: محمد ناصر الدين الألباني في التخريج. واقترح الكاتب أن يكون الكتاب بصحبة القارئ دائمًا، (فإذا أردت القيام بأي عمل توقف قليلًا ...)، وذلك لكي تستحضر النيات بقلبك. قسَّم المؤلف كتابه إلى (25) عنوانًا، يبدأ كل عنوان بكلمة (نوايا...)، مبتدأً بـ(نوايا الوضوء والطهارة)، وفي خاتمة هذه العناوين جاءت (نوايا البلاء)، كما أنه فصل في عناوين فرعية في كثير من المواضع. النيات التي تعرض لها المؤلف على النحو التالي: (الوضوء والطهارة، الصلاة وما يتعلق بها، بر الوالدين، عيادة المريض، الباقيات الصالحات، الجنائز، الزواج، ذكر الله، صلة الرحم، الزكاة والصدقات، الاستغفار والتوبة، القوامة والرعاية والعمل، الأذان، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسن الخلق، مجلس الذكر، مساعدة الناس، الصيام، قراءة القرآن وحفظه، الحب في الله، طلب العلم، الدعاء، الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الحج والعمرة، البلاء). نماذج من النيات: والآن دعنا نغوص قليلًا في ثنايا الكتاب، وذلك لكي يكون القارئ قريبًا منه، وسوف نستعرض بعض الأمثلة مما ذكر الكاتب جزاه الله خيرًا في صفحات كتابه: تحت عنوان (نوايا الزواج) ذكر الكاتب عشر نيات؛ منها: العمل بوصية الله سبحانه وتعالى، والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقيق إكثار نسل المسلمين، وفتح أبواب الرزق والغنى وغيرها. أما عند حديثه عن (نوايا حسن الخلق)، فقد ذكر كاتبنا (13) نية، منها: نيل محبة الله سبحانه وتعالى، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، ودخول الجنة والنجاة من النار، وغيرها. وتحت عنوان (نوايا مساعدة الناس) ذكر أنَّ أفضل الأعمال وأحبها إلى الله هو إدخال السرور على مسلم، وأن صنائع المعروف تقي سوء الخاتمة، وأن الله يعامل المحسن بالمثل، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، وغيرها. وعند حديثه عن (نوايا طلب العلم) نوَّه إلى (14) نيَّة؛ حيث إنه فريضة إلهية وطريق إلى الجنة، وسبب لرفع الدرجات، ومؤدٍّ للوصول إلى خشية الله ومحبته. مقترحات: الكتاب رائع ونافع لكل مسلم، وهنا بعض الأمور والاقتراحات التي يمكن أن تزيد من روعة الكتاب ونشره وزيادة الفائدة: • الكتاب مناسب جدًّا؛ لكي يكون على شكل بطاقات دعوية وأنفوجرافيك وموشن جرافيك. • يمكن تحويل الكتاب إلى تطبيق جوال؛ حيث إن الجوالات تصحب الناس في كل مكان. • يمكن ذكر راوي الحديث ورقمه حتى يتسنى لمن أراد التأكُّد من الرجوع بسهولة إلى المصادر التي استقى منها الكاتب نواياه. ونختم المقال بوصية للكاتب جزاه الله خيرًا؛ حيث يقول: (أريد منك أن تستحضر أكبر عدد من نوايا العمل الذي تريد)، والله الهادي إلى سواء السبيل. |
كتاب ذكر الأقاليم لإسحاق ابن الحسين الزيات صدر حديثًا كتاب " ذِكر الأَقاليم واختلافها، وأحوالها وأبعادها عن خط الاستواء، والمدن المشهورة فيها، وتذريع الأرض، وقدر المعمور منها، واختلاف الأزمان فيها، واختلاف جهة ميل الشمس عن سمت كل أقليم، وحركتها في البروج الاثني عشر " للشيخ "إسحاق بن الحسن بن أبي الحسين الزيات"، تحقيق ودراسة: د. "عمرو عبد العزيز منير"، من منشورات "مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث". ونجد أن علم الجغرافيا والرحلات حاز على اهتمام علماء المسلمين حيث تناولوه بالمؤلفات المتنوعة، وقدموا تصورًا خاصًا بهم بجغرافية العالم المحيط بهم اعتمادًا على المشاهدات الحية والحقائق المرئية، ومن تلك المؤلفات ما اختص بذكر الأقاليم والبلدان، وفق منهجية محددة، وتقسيم معين، يربط بين الأقاليم ويحددها، ومنه هذا المخطوط للشيخ "إسحاق ابن الحسين الزيات" من أهل القرن الرابع الهجري، والذي يدل عنوان مخطوطه على مضمونه والتقسيم الذي اعتمد عليه في تأليفه، من خلال أحوال البلدان، وبعدها عن خط الاستواء، والأزمان، واتجاه الشمس، وغيرها. وهذا المخطوط يعد معجمًا جغرافيًّا صُنّفَ على غير الترتيب الألفبائي المعتاد؛ معتمدًا على عناصر عدة؛ اعتبارًا من تقسيم الأقاليم إلى سبعة، ثم توزيع المدن فيها حسب الموقع الجغرافي ذاكرًا طول الإقليم وعرضه، وعرض أوله وأوسطه من خط الاستواء، ثم يذكر المسافات بدقة ما بين البلدان، متنبهًا لبعض المحطات التاريخية للعديد من المدن والحواضر. ونجد أن الزيات وصف في كتابه الأرض وما فيها من الأقاليم السبعة في الطول والعرض إلى آخر المعمور من الربع الشمالي. وأقاليم الأرض أقسامها، والإقليم عبارة عن رقعة من الأرض تتسم بخصائص معينة تميزها عما يجاورها من أقاليم أخرى. حيث بدأ المؤلف بذكر طول كل إقليم وعرضه، وعرض أوله وأوسطه من خط الاستواء، وعدد ساعات نهاره، وأطول نهاره وأقصره، ثم ذكر ما بين البلدان من المسافات بادئًا بالمدن الإسلامية المقدسة، ثم مثنِّياً ببغداد؛ لأنها أصل المدائن، ثم يذكر أوائل الأمصار التي شادها العرب. وقد أشار إلى بعض المدن والبلاد التاريخية مثل الإسكندرية، ومدين، وقرطاجنة، وتِنِّيس، وجنوب شبه الجزيرة العربية، وبلاد الشام، وبلدان المشرق الإسلامي. ومعظم الأماكن التي ذكرها إسحاق بن الحسن - كما يقول محقق الكتاب- هي موانئ بحرية، أو مراكز لنشاط التجارة البحرية، أو محطات تجارية برية. ويتعرض الكتاب لوصف حياة بعض الشعوب التي يتحدث عن بلدانها، وطرق معيشتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، والكثير من العجائب التي تُروى عنهم. وبذلك يتعرض الكاتب لأسس " الديموغرافيا " حيث يصف خصائص وطبائع السكان في كل موطن، وبهذا يمكن أن يكون كتابًا في علم الاجتماع إلى جانب كونه كتابًا في علوم الجغرافيا والتاريخ. وقد أعد المحقق دراسة وضح فيها منهج المؤلف، ومادة الكتاب، ونقد الطبعات السابقة، وأسباب إعادة تحقيقه الكتاب. كما ذكر منهجه في التحقيق والنسختين اللتين اعتمد عليهما في ذلك، الأولى من مكتبة الأمروزيانا بميلانو بإيطاليا، والثانية من المكتبة الوطنية في باريس، وذيَّل الكتاب بثمانية كشافات تحليلية كاشفة عن الجانب الحضاري والجغرافي والتاريخي والاقتصادي والاجتماعي للعصر الذي أُلِّف فيه، وهذه الكشافات هي: 1- كشاف الآيات القرآنية. 2- كشاف الأماكن والبلدان والمواضع وما في حكمها. 3- كشاف الأعلام. 4- كشاف الفِرَق والجماعات والطوائف والقبائل وما في حكمها. 5- كشاف الجغرافيا والفلك. 6- كشاف المصطلحات النوعية. 7- كشاف المصطلحات الاقتصادية. 8- كشاف أسماء الكتب. والمحقق هو د. " عمرو عبد العزيز منير " هو أستاذ تاريخ العصور الوسطى المشارك، وعضو هيئة التدريس في عدد من الجامعات العربية و مصر، وعضو هيئة المخطوطات الإسلامية بكامبردج لندن ( TIMA ). ومن مؤلفاته: • "مصر والعمران في كتابات الرحالة والموروث الشعبي خلال القرنين السادس والسابع الهجريين". • "مصر والنيل بين التاريخ والفولكلور". • "تحقيق ودراسة كتاب (الفاشوش في أحكام وحكايات قراقوش)". • "رحلة الحاج محمد البشير بن أبي بكر البُرْتُلِّي الولاتي إلى الحرمين الشريفين". • "الأساطير المتعلقة بمصر في كتابات المؤرخين المسلمين". • "تحقيق كتاب طيف الخيال لابن دانيال الموصلي". |
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آثار التابعين لزلفى الخراط صدر حديثًا كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آثار التابعين رحمهم الله - دراسة تحليلية" تأليف د. "زلفى بنت أحمد محمد الخراط"، الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة القصيم قسم الدعوة والثقافة الإسلامية، وذلك عن دار القلم - سوريا. وتتقصى الكاتبة في هذه الدراسة جمع آثار التابعين وأقوالهم في الحث على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع بيان وآداب تلك الشعيرة من خلال رصد صفات وشروط القائمين بتفعيل تلك الشعيرة في مجتمعاتنا الإسلامية، حيث أن طبيعة المجتمع الإسلامي تفرض على أفراده التناصح والتعاون على الحفاظ على أمن هذا المجتمع، وكل مسلم على ثغر من ثغور هذه الأمة، ويتوجب عليه القيام بما عليه لحماية مجتمعه المسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في هذا الدين، والمهمة الكبرى للأنبياء والمرسلين والصالحين؛ لما يشتمل عليه من الفضل العظيم، والخير العميم، والفوائد والمصالح العاجلة والآجلة، ولما يترتب على تركه من استشراء الباطل وانتشار الفساد، وغلبة المعاصي وهيمنتها. ووضعت الكاتبة دراستها في مقدمة - بينت فيها الكاتبة منهجها في الكتاب، وفضل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وتمهيد وأربعة فصول على النحو التالي: فصل تمهيدي: في تحديد نطاق وجوانب الدراسة وذلك في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: عرفت فيه الكاتبة بالتابعين، وبيان فضلهم، وأهمية دراسة عصرهم. المبحث الثاني: في حكم الاحتجاج بأقوال التابعين في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. المبحث الثالث: مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند التابعين، وحثهم عليهم، وتعاهدهم على إحياء تلك الشعيرة، واحتسابها. الفصل الأول: تناولت فيه الجوانب المتعلقة بالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في آثار التابعين، وذلك في مبحثين: المبحث الأول: شروط الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في آثار التابعين. المبحث الثاني: صفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في آثار التابعين. الفصل الثاني: تناولت فيه الجوانب المتعلقة بتارك المعروف وفاعل المنكر في آثار التابعين، وبيان أثر ذلك على المجتمع الإسلامي حسب درجة ومكانة كل فئة من فئاته التي تتقاعس عن إحياء تلك الشعيرة وذلك في أربعة مباحث فرعية على النحو التالي: المبحث الأول: الولاة. المبحث الثاني: العلماء. المبحث الثالث: الأقارب. المبحث الرابع: العامة. وتناول الفصل الثالث جمع لأقوال وآثار التابعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحضهم عليه في شتى مناحي ومجالات الدين، وتحليلها نتيجةً وناتجًا وذلك في مدخل وثلاثة مباحث على النحو التالي: المبحث الأول: آثار التابعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال العقيدة. المبحث الثاني: آثار التابعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال الشريعة. المبحث الثالث: آثار التابعين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجال الأخلاق. وتناول الفصل الرابع تقعيد لأهم الأصول التى بنى عليها التابعون رحمهم الله أقوالهم وأفعالهم بشأن الحث على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث جاء بعنوان "ذات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آثار التابعين" ووضعته الكاتبة في مبحثين: المبحث الأول: درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند التابعين. المبحث الثاني: آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند التابعين. ثم ختمت الكاتبة دراستها ببيان أهم النتائج والتوصيات التي خرجت بها من دراستها. وذيلت الكاتبة دراستها بملحق للتعريف بالتابعين الذين وردت أسماؤهم في الرسالة، مع توفير الفهارس الفنية لخدمة محتوى الرسالة. |
مناهج التأليف في النظريات الفقهية لقد تنوَّعت مناهج التأليف في النظريات الفقهية، وقد ذكر الباحثون ثلاثة منها، هي [1] : جمع المسائل المتشابهة أو التي بينهما اشتراك في أي جانب، بحيث يُستخرج من ذلك أحكام عامة، وكأن المقصود التركيز على وحدة الموضوع أو استحداث موضوعات جديدة، من أجل بيان الأحكام الفقهية المتعلقة بها، وهذا هو المتبع في الدراسات الفقهية المعاصرة. بيان الأحكام الكلية التي تشمل جزئيات فقهية وفروعًا عديدة، وهذا أقرب إلى أسلوب التأليف في القواعد الفقهية وتطبيقاتها. الدراسة الفقهية للموضوعات الحقوقية، وبيان ذلك أن ثمة موضوعات في الأنظمة والحقوق يراد معرفة الموقف الفقهي الشرعي منها، وهذا أقرب إلى دراسة المسائل والمستجدات في القضايا الحقوقية التي تنظمها القوانين. ويستدرك الدكتور طه الزيدي عليها منهجًا رابعًا، يعتمد أسلوب الدراسات القانونية في بحث وصياغة المسائل الحقوقية؛ أي التي تتعلق بحقوق الناس بعضهم على بعض مع التأصيل والتحرير الفقهي لها. ومن خصائص أسلوب هذا المنهج: ♦ أنه يتضمن الأحكام والقواعد والضوابط الفقهية المتعلقة بموضوع الدراسة. ♦ تعالج مفرداته عناصر الموضوع وأركانه وأسبابه وشروطه، وموانعه وأثاره، وما يتفرع عنها من أحكام تفصيلية. ♦ فيها مقابلة بين الفقه والقانون في أصول الموضوع أو فروعه أو فيهما معًا. ♦ يقتصر على ما يتعلق بقسم المعاملات في الفقه الإسلامي، وقد يتعلق موضوع الدراسة بأحد أبواب المعاملات أو أكثر من باب، بحسب طبيعة الموضوع الذي تدرسه النظرية [2] . [1] ينظر: التنظير الفقهي لجمال الدين عطية، ص 9، والقواعد الفقهية ليعقوب الباحسين، ص 147، وأصول الفقه لمحمد أبو زهرة، ص 10، والنظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية، لأحمد فهمي أبو سنة، 44، والنظريات الفقهية، لسعد بن ناصر الشثري، ص 17. [2] ينظر: نظرية الجزاء للزيدي، ص 27. |
التأليف المعاصر في قواعد التفسير دراسة نقدية لمنهجية الحكم بالقاعدية صدر حديثًا ضمن إصدارات " مركز تفسير للدراسات القرآنية " الإصدار رقم (52) بعنوان: " التأليف المعاصر في قواعد التفسير، دراسة نقدية لمنهجية الحكم بالقاعدية "، تأليف: د. محمد صالح محمد سليمان، وأ. خليل محمود اليماني، وأ. محمود حمد السيد، تحكيم ومراجعة: أ.د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري، وأ.د. مساعد بن سليمان الطيار، وأ.د. عبد الحميد مدكور، وقد صدر الكتاب برعاية مؤسسة السبيعي الخيرية. وتُعنَى هذه الدراسة بالتقويم المنهجي للمؤلفات التي تصدت للكتابة في قواعد التفسير، حيث نجد الكثير من الكتب التي تناولت هذا المبحث، وبهذا المسمى، بالشرح والبيان لأهميته في علوم القرآن، وقد تناولت الدراسة تلك المؤلفات تأريخًا لها، وتوصيفًا لهذه المؤلفات وواقعها، وتحريرًا لمفهوم القاعدية عندهم، وبيانًا لمنطلقاتها، وتجلية لإشكالاتها، حيث تتجه نحو رصد البنية المنهجية لقواعد التفسير في تلك المؤلفات بالنظر في كيفية تأسيس مؤلفات القواعد، والبحث عن معايير الحكم القاعدية لتلك القواعد، مع وضع آلية استخلاص تلك القواعد من كتب التفسير، ومقومات بناء هذه القواعد. وقد استعرضت الدراسة كثيرًا من المؤلفات التي كتبت في هذا الباب العلمي المهم في علوم التفسير. وقد أظهرت الدراسة أن التأليف المعاصر في قواعد التفسير شقَّ طريقًا جديدًا لم يُسبق إليه في قواعد التفسير، وصار لقواعد التفسير عَبره شأنٌ لم يكن لها قبله، وبرزت من خلاله مئات القواعد الكليّة للتفسير، وقد تناولت هذه الدراسة بالنقد والتقويم منهجيةَ الحكم بالقاعدية التي سلكها التأليفُ المعاصر في إثبات قاعدية القواعد التي فاضت بها تآليفه، وبغضِّ النظر عن نتائج هذه الدراسة - والتي كانت صادمة إلى حدٍّ بعيد - فإن المأمول هو إثارة الحِراك البحثي حول منهجية الحكم بالقاعدية، وضرورة رسم مسار منهجي لها يتجاوز الإشكالات التي أثارتها الدراسة. يقول د. عبد الحميد مدكور في التقديم لهذه الدراسة: «اتسم هذا البحث بقدر عالٍ من المنهجية في عرض القضايا والبرهنة عليها، وقد تصدَّى لمناقشة التأليف المعاصر في الحكم بالقاعدية، متسلحًا بكل الوسائل العلمية المبنية على الاستقراء والتقصيِّ والتحليل والمقارنة، والقدرة على المواجهة العلمية بالتمحيص والفحص الدقيق والمناقشة والصبر والنفس الطويل، ومثل هذا العمل بهذه الصورة التي هو عليها ثمرة جهد علمي شاق، وهو عمل إبداعي يتسم بالجرأة العلمية لا العاطفية... ». |
خلاصة فتح الصمد بشرح الزبد يطبع لأول مرة صدر حديثًا كتاب "خلاصة فتح الصمد بشرح الزبد" للعلامة محمد بن علي المنشاوي الشافعي (كان حيًا: 895 هـ)، تحقيق علاء كمال، وذلك في مجلد واحد عن دار "علم لإحياء التراث والخدمات الرقمية". وهذا الكتاب يطبع لأول مرة عن مخطوطة نادرة نفيسة بخط المؤلف توجد بمدينة ليبزج بألمانيا رقم 378، حيث يعد هذا الشرح من أخصر مختصرات الفقه الشافعي. مخطوطة ليبزج رقم 378 وأصل الكتاب هو مختصر شديد الاختصار على كتاب "شرف الدين ابن البارزي الجهني الحموي" - المتوفى سنة 738هـ - المسمى بـ"الزبد في الفقه" في الفقه الشافعي، وقد جاء العلامة "محمد بن علي المنشاوي الشافعي" فشرح الكتاب مطولًا وسماه "فتح الصمد بشرح الزبد"، وعندما عرضه على مشايخه استطالوه وطلبوا منه اختصاره ليصبح سيارًا بين طلبة العلم، فأعاد شرحه مختصرًا مبسطًا في هذا المجلد اللطيف. وقد اكتسب "متن الزبد" ذيوعًا في العالم الإسلامي، وأقبل على حفظه طلبة العلم؛ لما يحويه من درر فقهية، ومهمات شرعية، وسلاسة في العبارة، وجودة في الإشارة، وحسن سبك. وشرحُ "خلاصة الزبد" للمنشاوي يذكر المسألة حسب الفقه الشافعي والدليل عليها، حيث يورد متن "ابن البارزي" في "الزبد" ويعلق عليه تعليقًا مختصرًا مهتمًا بالدليل على المسألة، من باب الاختصار والتيسير على القارئ. وقد قام المحقق بخدمة الكتاب لغويًا وقام بتشكيل نصه وضبطه، مع التعليق على ما يحتاج تعليقًا في هامشه. |
مسائل الإمام أحمد رواية الأثرم لعبدالله بن محمد الطريقي صدر حديثًا " مسائل الإمام أحمد رواية أبي بكر الأثرم "، جمع وتحقيق ودراسة: أ. د. " عبدالله بن محمد الطريقي "، وكيل الرئيس العام لشئون المسجد النبوي سابقًا، ووكيل الجامعة الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي سابقًا، في ستة مجلدات، طبع على نفقة المؤلف. يضم هذا الكتاب أكثر من ألفي مسألة عن الإمام أحمد بن حنبل من رواية أبي بكر الأثرم، ونجد أن الإمام أحمد بن حنبل الشيباني من العلماء الذين تبوؤوا الإمامة في الأمة، وأحد أصحاب المذاهب الأربعة المعتمدة، وقد رُزقَ الإمام أحمد تلامذة يحتذون حذوه، ويقتفون أثره، فدونوا فقهه، وجمعوا مسائله، ونشروا ذلك كله، وكان من كبار هؤلاء التلامذة الإمام " أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم "، والذي عُدَّ من المكثرين من رواية المسائل عنه، وقد تطوع أ. د. " عبدالله بن محمد الطريقي " لجمع تلك المسائل مع الدراسة والتحقيق لها؛ وذلك لقيمة هذه المسائل العلمية، وجلالة قدر راويها، والمروية عنه. حيث قام المحقق بتوثيق تلك المسائل من مصادرها ، مع دراسة المسائل الفقهية، فإذا كانت المسألة محل إجماع، أو اتفاق بيَّنَ ذلك في غضون التحقيق، مع توثيقه من كتب الإجماع ومن كتب المذاهب الفقهية، ثم يعقب ذلك بذكر الأدلة، وإن كانت المسألة محل خلاف ساق الخلاف فيها، مع تبيين منزلة رواية الأثرم في المذهب في غضون مناقشة المسألة. مع تقديم القول الراجح في كل مسألة حسب ما ظهر من المقارنة بين أقوال المذاهب الأربعة في المسألة مع بيان سبب ترجيحه. وقام المحقق بعزو الآيات القرآنية، وتخريج الأحاديث الواردة في مسائل الأثرم، والآثار من مصادرها الأصلية، مع بيان معاني الألفاظ الغريبة من كتب اللغة أو غريب الحديث، والترجمة للأعلام الوارد ذكرهم في مسائل الأثرم. وقام المحقق بتذييل موسوعته بفهارس لخدمة تلك المسائل تعين على الاستفادة منها. ونجد أن رواية الأثرم لمسائل الإمام أحمد بن حنبل من أَجلِّ الروايات عن الإمام أحمد، لا سيما وقد أكثر من الرواية عنه، مع ضبطه، ودقة نقله. إلى جانب موافقة غالب روايات الأثرم للمذهب، وذلك دليل على معرفته بآخر القولين الذين استقر عليهم الإمام أحمد بن حنبل في كل مسألة فقهية بعد التحقق والتوثيق، إلى جانب جودتها وحسنها ودقتها في ترتيبها حيث أصبحت مضرب المثل لغيرها من المسائل من حسن التصنيف والترتيب حتى قال الشيخ "يحيى الصرصري" في لاميته التي ذكر فيها الإمام أحمد وأصحابه: وبالأثرمِ امتازتْ مسائلُ أحمدَ *** لناشدِها المستنبطِ المتأمّلِ ونجد أن تلك المسائل كَثُرَ النقل منها واعتنى بها فقهاء المذاهب الأخرى كابن عبد البر في " التمهيد " و" الاستذكار " الذي نقلها بالإسناد المتصل، وكذلك ابن المنذر في " الأوسط "، وابن حجر في " فتح الباري "، وهذا دليل على فقه الراوي، وحرص ابن الأثرم على الاقتداء بالإمام أحمد - رحمه الله - والأخذ عنه وانتحال مذهبه. وقد تيسرت محاولات لتحقيق تلك المسائل في رسائل جامعية غير منشورة تم تقسيمها على عدد من الباحثات بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك على يد كل من: مها بنت سليمان بن ناصر الشامخ، وعبير بنت علي المديفر، ونورة بنت عبد الله المطلق، وفاتن بنت محمد بن عبدالله المشرف، وكذلك صدرت مقالات تحقيقة لمجموعة من مسائل الأثرم في باب الجرح والتعديل وأخبار الرواة على يد كل من "خير الله الشريف" وأ.د. "عامر حسن صبري" وإن كانت هذه المسائل المجتزئة ربما كانت جزء من كتاب آخر هو كتاب "العلل" المنسوب للأثرم (؟)، غير أن تلك الدراسة للطريقي امتازت بأنها مطبوعة كاملة متاحة لجمهور القارئين، إلى جانب إخراج الكتاب ومقابلته على نسخه الخطية التي تبقت لنا من متن تلك المسائل، وبذلك تكون هذه المجلدات الستة هي من أبرز التحقيقات الحديثة لنسخة سؤالات الأثرم كاملًا على النحو التالي: المجلد الأول: المسائل في باب الطهارة- الصلاة (1-311) مسألة. المجلد الثاني: المسائل في باب الصلاة - الصيام (311-650) مسألة. المجلد الثالث: المسائل في باب الصيام- البيوع (651-984) مسألة. المجلد الرابع: كتاب البيوع- كتاب الصداق (985-1299) مسألة. المجلد الخامس: كتاب العدد- مسائل العقيدة (1300-1734) مسألة. المجلد السادس: مسائل الحديث ورجاله - الفهارس (1735-2005) مسألة. والأثرم (... - 261 هـ = ... - 875 م) هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، أو الكلبي، الإسكافي، أبو بكر الأثرم: من حفاظ الحديث. ولد في دولة الرشيد. وسمع من: عبد الله بن بكر السهمي، ومن هَوْذَة بن خليفة، وأحمد بن إسحاق الحضرمي، وأبي نعيم، وعفان، والقعنبي، وأبي الوليد الطيالسي، وعبد الله بن صالح الكاتب الليثي، وعبد الله بن رجاء الغداني، وحرمي بن حفص، ومُسدَّد بن مُسَرْهَد، وموسى بن إسماعيل، وعمرو بن عون، وقالون عيسى، وعبد الحميد بن موسى المَصِّيصِيّ، ومسلم بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل، وأبي جعفر النفيلي، وابن أبي شيبة... وغيرهم. وحدث عنه: النسائي في "سننه"، وموسى بن هارون، ويحيى بن صاعد، وعلي بن أبي طاهر القزويني، وعمر بن محمد بن عيسى الجوهري، وأحمد بن محمد بن شاكر الزنجاني، وغيرهم. قال أبو بكر الخلال: «كان الأثرم جليل القدر، حافظًا، وكان عاصم بن علي لما قدم بغداد، طلب رجلًا يخرج له فوائد يمليها، فلم يجد في ذلك الوقت غير أبي بكر الأثرم. فكأنه لما رآه لم يقع منه موقعًا لحداثة سنه. فقال له أبو بكر: أخرج كتبك، فجعل يقول له: هذا الحديث خطأ وهذا غلط، وهذا كذا. قال: فسر عاصم بن علي به، وأملى قريبًا من خمسين مجلسًا. وكان يعرف الحديث ويحفظ. فلما صحب أحمد بن حنبل ترك ذلك، وأقبل على مذهب أحمد». وعن أَبَي بكرٍ المَرُّوْذِيَّ قال: قَالَ الأَثْرَمُ: "كُنْتُ أَحْفَظُ - يَعْنِي: الفِقْه وَالاخْتِلاَف - فَلَمَّا صَحِبْت أَحْمَد بن حَنْبَلٍ تركتُ ذَلِكَ كُلَّهُ". قال إبراهيم الأصبهاني: أبو بكر الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن. وقال ابن حبان البستي: «كان من خيار عباد الله، من أصحاب أحمد بن حنبل، ممن روى عنه المسائل». وكان ذا دُربة واسعة في الحفظ والإتقان ومعرفة الحديث، حتى قال عنه يحيى بن معين: «كان أحد أبوي الأثرم جنيًا» لسرعة فهمه وحفظه. ومن مصنفاته: 1- «السنن» في الفقه على مذهب أحمد وشواهده من الحديث. 2- «علل الحديث ومسائل أحمد بن حنبل»، أو: «العلل ومعرفة الرجال». 3- «ناسخ الحديث ومنسوخه». 4- كتاب «السنة»: ذكره الكتاني في "الرسالة المستطرفة" وربما كان جزء من كتابه الأكبر "السنن". 5- كتاب «التاريخ»: ذكره ابن النديم في "الفهرست" ولعله عنوان آخر لكتاب "العلل". وقد اختلفوا في تحديد وفاة الإمام أبي بكر الأثرم اختلافًا كبيرًا فقال الذهبي: " لَمْ أَظفر بِوَفَاةِ الأَثْرَم، وَمَاتَ بِمَدِيْنَةِ إِسْكَاف فِي حُدُوْدِ السِّتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ قبلهَا أَوْ بَعْدهَا". وقال أيضًا: "أظنه مات بعد الستين ومئتين"، وترجم له في "العبر" في وفيات سنة إحدى وستين ومئتين رحمه الله. |
الإمام البخاري وصحيحه والأمة عبدالحكيم الأنيس [1] الحمدُ لله، والصّلاةُ والسّلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه . وبعدُ: فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هيَّأ لهذا الدِّينِ رجالاً أفذاذاً أنفقوا أعمارَهم في خدمة علومهِ، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَحملُ هذا العلمَ مِنْ كلِّ خلفٍ عدولُه، ينفون عنه تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين" [2] . قال الإمامُ النوويُّ: "وهذا إخبارٌ منه صلى الله عليه وسلم بصيانةِ هذا العلمِ وحفظهِ وعدالةِ ناقليه، وأنَّ الله تعالى يوفِّقُ له في كل عصرٍ خلفاً من العدول يحملونه وينفون عنه التحريفَ، فلا يضيعُ، وهذا تصريحٌ بعدالةِ حامليهِ في كل عصرٍ، وهكذا وقعَ -ولله الحمدُ- وهذا مِنْ أعلام النُّبوة، ولا يضرُّ كونُ بعضِ الفسَّاق يَعرفُ شيئاً مِنْ علم الحديث؛ فإنما هو إخبارٌ بأنَّ العدولَ يحملونه، لا أنَّ غيرَهم لا يَعرفُ شيئاً منه". وإنَّ مِنْ أعلام العلماء الإمامَ العَلَمَ الفردَ تاجَ الفقهاء عمدةَ المُحدِّثين سيِّد الحفاظ أبا عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري . وُلد -رحمه الله- سنة (194)، وتُوفي سنة (256)، وقضى عمرَه كلَّه في البحثِ عن السُّنة، والسفرِ في طلبها، ولقاءِ العلماءِ في الأقطارِ، والأخذِ عنهم، ثم في تأليفِ الكتبِ النافعةِ التي جاء على رأسها كتابُهُ: (الجامع المُسْنَد الصحيح المُختصر مِنْ أمورِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وسُننهِ وأيامهِ)، المعروف بصحيح البخاري. وقد اتفقتْ كلمةُ العلماءِ على الثناءِ عليهِ، وعلى كُتبهِ، وهذه طاقةٌ مِنْ أقوال أهل العلم العارفين بهذا العلم المختصين به: قال الترمذي: لم أرَ أحداً بالعراقِ ولا بخُراسان في معنى العِللِ، والتاريخِ، ومعرفةِ الأسانيد، أعلمَ مِنْ محمد بن إسماعيل . وقال محمود بن النَّضر الشافعي: دخلتُ البصرة، والشام، والحجاز، والكوفة، ورأيتُ علماءَها كلها، فكلما جرى ذكرُ محمدِ بنِ إسماعيل فضَّلوه على أنفسهم . وقال حاتم بن مالك الورَّاق: سمعتُ علماءَ مكة يقولون: محمد بن إسماعيل إمامُنا وفقيهُنا، وفقيهُ خراسان . وقال أحمدُ بن نصر الخفّاف: البخاري التقيُّ النقيُّ العالمُ الذي لم أرَ مثله . وقال أبو أحمد الحاكم: كان البخاري أحدَ الأئمة في معرفة الحديث وجمعهِ، ولو قلتُ إني لم أرَ تصنيفَ أحدٍ يُشبِهُ تصنيفه في المُبالغة والحُسن لرجوتُ أنْ أكون صادقاً. وقال أبو عبدالله الحاكمُ: محمد بن إسماعيل البخاري إمامُ أهلِ الحديث . وقال الإمامُ محمدُ بن إسحاق بن خُزيمة: ما رأيتُ تحتَ أديم السماء أعلمَ بحديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظَ له مِنْ محمد بن إسماعيل . وعلَّق الحافظُ محمدُ بن طاهر المقدسي على هذه الشهادة العالية بقوله: وحسبُك بإمامِ الأئمةِ ابنِ خُزيمة يقولُ فيه هذا القول مع لُقيِّهِ الأئمةَ والمشايخَ شرقاً وغرباً، ولا عجبَ فيه فإنَّ المشايخَ قاطبةً أجمعوا على تقدُّمهِ وقَدَّموه على أنفسهم في عُنفوانِ شبابهِ، وابنُ خزيمة إنما رآهُ عند كِبَرهِ وتفرُّدهِ في هذا الشأن. وقال أحمد بن حمدون القصّار: سمعتُ مسلمَ بن الحَجّاج وجاءَ إلى البخاري فقال: دعني أقبِّلْ رجليك يا أستاذَ الأستاذين، وسيِّدَ المُحدِّثين، وطبيبَ الحديثِ في عللهِ. وقال الإمام أبو العباس القرطبيُّ: هو العلَمُ المشهورُ، والحاملُ لواءِ علمِ الحديثِ المنشور، صاحب "التاريخ" و"الصحيح"، المرجوعُ إليه في علم التعديل والتجريح، أحدُ حفّاظ الإسلام، ومَنْ حفظَ اللهُ به حديثَ رسوله عليه الصلاة والسلام. وقال النوويُّ: اعلمْ أنَّ وصفَ البخاري -رحمه الله- بارتفاعِ المَحلِّ والتقدُّمِ في هذا العلم على الأمثالِ والأقرانِ، متفقٌ عليه فيما تأخرَ وتقدَّمَ من الأزمان، ويكفي في فضله أنَّ معظمَ مَنْ أثنى عليه ونشرَ مناقبَه: شيوخُه الأعلامُ المُبرِّزون، والحُذّاقُ المُتقنون. وقال الحافظ المزِّي: البخاريُّ الحافظُ صاحب "الصحيح" إمامُ هذا الشأن، والمُقْتدى به فيه، والمُعوَّلُ على كتابهِ بين أهلِ الإسلام. وقال تاجُ الدين السُّبكي: هو إمامُ المسلمين، وقدوةُ الموحِّدين، وشيخُ المؤمنين، والمُعوَّلُ عليه في أحاديثِ سيِّدِ المرسلين، وحافظُ نظام الدِّين، أبو عبدالله الجُعفي مولاهم، البخاري، صاحبُ "الجامع الصحيح"، وساحبُ ذيلِ الفضلِ للمُستميح. وقال الحافظُ ابن حجر العسقلاني: جبلُ الحفظِ، وإمامُ الدُّنيا في فقهِ الحديث. وقال المؤرِّخُ الزِّركلي: حبرُ الاسلام، والحافظُ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ♦ ♦ ♦ وقال النوويُّ عن كتابه "الصحيح": اتفقَ العلماءُ على أنَّ أصحَ الكتبِ المُصنَّفةِ صحيحا البخاري ومسلم، واتفقَ الجمهورُ على أنَّ صحيحَ البخاري أصحُّهما صحيحاً وأكثرُهما فوائد. وقال الذهبيُّ: وأمَّا جامع البخاري الصحيحُ فأجلُّ كتبِ الإسلام وأفضلُها بعد كتابِ الله تعالى. وقال القسطلاني: لله درُّه مِنْ تأليفٍ رُفِعَ علَمُ علمهِ بمعارفِ معرفتهِ، وتسلسلَ حديثُهُ بهذا الجامعِ فأكرمْ بسندهِ العالي ورفعتهِ. انتصبَ لرفع بيوتٍ أذنَ اللهُ أنْ تُرْفَع، فيا له مِنْ تصنيفٍ تَسْجدُ له جباهُ التصانيف إذا تُليتْ آياتُه وتركع. وقال عنه: هتكَ بأنوارِ مصابيحهِ المُشرقةِ من المُشكلاتِ كلَّ مُظْلم، واستمدَّتْ جداولُ العلماء مِنْ ينابيعِ أحاديثهِ التي ما شكَّ في صحَّتِها مُسلم [3] . ♦ ♦ ♦ إنَّ صحيحَ البخاري كتابُ دينٍ وعلمٍ ومنهجٍ، مَنْ عرَفَ ما فيه حقَّ المعرفة بجَّله تبجيلاً عظيماً، ولو كان مثلُه عند أصحابِ المللِ والمذاهبِ الأخرى لفاخروا به الدنيا. والحمدُ لله الذي جعلَه فينا، وأكرَمنا به، وجعلنا مِنْ أمةٍ فيها مثلُ هذا المنهجِ العلميِّ الدقيقِ الذي تدهشُ به عقولُ العلماء. وحقا أقولُ: إنَّ الطاعنَ في البخاري أحدُ اثنين: جاهلٌ مغرقٌ في الجهالةِ، أو عدوٌّ معرقٌ في العداوةِ. ♦ ♦ ♦ ويُشرِّف مجموعةَ (المخطوطات الإسلامية) أنْ تخصِّص هذا العدد مِنْ (نشرتها) العلمية المباركة لهذا الإمام وصحيحه، وقد جاء -بحمد الله- عدداً حافلاً بالموضوعات المتنوعة الشائقة، ما بين بحثٍ وتحقيقٍ ومقالٍ وخاطرةٍ، وصلَ عددُها إلى (أربعين) مشاركة قيمة، قدَّمها (سبعة عشر) باحثاً، مِنْ (عشر) دول، يؤازرُهُم في التحريرِ والتنسيقِ (تسعةُ) جنودٍ بررة من خمس دول. وإذا كان الإمامُ البخاريُّ يقولُ لورَّاقه: "طبْ نفساً فإنَّ أهلَ الملاهي في ملاهيهم، وأهلَ الصناعات في صناعاتهم، والتجارَ في تجاراتهم، وأنتَ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ"، فنحنُ نحمدُ الله أنْ عشنا بواسطته مع حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابهِ الكرامِ، بكلِّ ثقةٍ واطمئنانٍ، وعشنا معه ساعاتٍ هي مِنْ صفو ساعات العمر علماً وعملاً وارتقاءً. ♦ ♦ ♦ لقد رأينا مِنْ خلالِ هذا العددِ المباركِ العلمَ بأجلى معاني التحقُّق والتوثُّق، ورأينا منهجاً تخضعُ له أعناقُ العلماءِ العقلاءِ، منهجاً يُلاحِقُ الكلمةَ، بل الحرفَ، بل الحركةَ، ويسلطُ عليها أضواء كاشفةً مهما غمُضَتْ أو دقَّتْ. ورأينا تاريخاً شارَك في صنعه علماء وعالماتٌ مِنْ مختلفِ الأقطارِ والأعصارِ، تاريخاً لا يشبهُهُ تاريخٌ لدى أيّ أمةٍ من الأمم. وحسبُك أنْ تستذكرَ امرأةً مِنْ أقصى المشرق... مِنْ "مرو"... تعيش حياتها متفرِّغةً في مكة فتنشر العلم، يرحلُ إليها الرجالُ من المشرق والمغرب ليحملوا عنها "الصحيح"! ولا تدع واحداً نقلَ مِنْ نسختها نسخةً حتى تقابلها معه حرفاً حرفاً! ولعل موضوع (المرأة والبخاري) يستهوي باحثاً فيُوسع القول قائلاً، ويُمتع المُتلقي سامعاً، وفي عددِنا هذا ما يُبْنى عليه ويُنْطَلقُ منه. وإنْ تعجبْ فعجبٌ عكوفُ العلماء على خدمةِ "الصحيحِ" وحفظهِ وصونهِ وتبليغهِ على الرغم مِنْ أعاصيرِ الدنيا وهزاهزِها... حتى وصلَ إلينا عسلاً مصفّى فيه شفاءٌ للناس... وأين في تواريخ الأمم أنَّ فلاناً سمِعَ بفوتٍ، هو كذا، وأنَّ هنا لفظةً مُدْرجةً، هي هذه؟ وأنَّ فلاناً قال: (فـ)، وفلاناً قال: (و)، وأنَّ كتاباً واحداً يُثير مِنْ همم العلماء ما يشيدون به مكتبةً لا يأتي عليها الحصرُ؟ ألا ليت المسلمين يعلمون أي تراثٍ تراثهم، وأي تاريخٍ تاريخهم! بل أي دينٍ دينهم، فما كان هذا ليكون إلا لأنَّ هذا العلمَ دين. والحمدُ للهِ فللأجدادِ أحفادٌ، وللأسودِ أشبالٌ، وللميادين رجالٌ، يهبّون كلَّما نادى المنادي، فيدفعون بجولاتِ الحقِّ جولةَ الباطل، ويصفعون المنتفخَ فإذا به صاغرٌ عاثرٌ فائل... والجهادُ ماضٍ إلى يوم القيامة. وفي هذه الصفحاتِ الآتيةِ أمثلةٌ حيةٌ، وحسبُك -مرةً أخرى- أنْ تقف مع طلائع كتابَيْ "جبر" و"مُوضي"، فتستمتع بتسلسلِ النُّسخِ البُخاريةِ، وأنْ تستغرقَ معَ مَنْ قلَّب ألافاً مِنْ أوراق "الدشت" ليُقيم أودَ جزءٍ مِنْ روايةٍ مِنْ روايات هذا الصحيح، ولكلِّ مشاركةٍ بعدُ أهميةٌ خاصةٌ مِنْ وجهٍ أو وجوهٍ تتجلى لمَنْ قرأَ ونظَرَ وأمعنَ، يضيقُ المجالُ عن الوقوفِ معها. والنقاشُ واردٌ، وبذلك ينمو العلمُ. ♦ ♦ ♦ وما زالَ هذا "الكتابُ الصحيحُ" مورداً عذباً للظامئين، وما زالَ مرتعاً خِصباً للدارسين، وإنا لنرجو أنْ ينفرَ منهم طائفةٌ فيُولوا مصادرَه عنايتَهم الفائقة، وطريقتَه في الاختيار رعايتَهم الناطقة... نحبُّ أنْ يقومَ مختصٌّ أو مختصون فيجمع أو يجمعوا كلَّ ما لحديثٍ أخرَجَهُ البخاريُّ مِنْ طرقٍ وألفاظ، ثم يبين أو يبينوا للمُحبين وغيرِهم ماذا أخذَ البخاريُّ مِنْ تلك الطرق وما ترَكَ، وما فضَّلَ مِنْ لفظٍ وما طوى، وما وراء التكرارِ باتحادِ السندِ واختلافهِ مِنْ أهدافٍ وغاياتٍ، عند ذلك قد يَفهمُ مَنْ يريدُ الفهم كيف تكوَّنَ "الصحيح"، ويفهمُ معنى تخريجهِ واختصارهِ مِنْ ألوفٍ مؤلفةٍ. ونحبُّ أنْ تكونَ في ديار الإسلام كراسٍ علميةٌ في كل مدينةٍ تتولى قراءةَ هذا الكتاب وبيانَ ما فيه مِنْ علمٍ وصناعةٍ وهديٍ وتوجيهٍ وإرشادٍ. ونحبُّ أنْ يكون في ساعات الدرس في المدارس والجامعات مساحةٌ أكبر لكتب السُّنة و "الصحيحُ" في مقدمتها. ونحبُّ أنْ تصطبغَ الأمةُ بصبغةِ السُّنةِ، وتستنير بنورها، فتتلألأ قلوبٌ بمصابيحِ الكلماتِ الإلهيّةِ، وتتهذب نفوسٌ بمَصافي الكلماتِ النبويّةِ، وأنعمْ بصحيح البخاري مدخلاً كريماً وطريقاً مستقيماً إلى ذلك الرفرف الأعلى. ♦ ♦ ♦ [1] هذه مقدمة للعدد الخاص بالإمام البخاري وصحيحه من نشرة "مجموعة المخطوطات الإسلامية الوتسابية"، السنة الرابعة، ع (27) و(28)، سنة (1441). [2] وهو حديث ضعيف. [3] أي ما ينبغي أنْ يشك فيها مسلم. |
عرض كتاب: الحشرات الناقلة للأمراض • الكتاب: الحشرات الناقلة للأمراض. • المؤلف: د. جليل أبو الحب. • الناشر: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت (سلسلة عالم المعرفة). • سنة النشر: يونيو 1982 م. • • • • • تعد الحشرات من أهم مسببات الأمراض الفيروسية الخطيرة؛ مثل الملاريا وحمى الضنك وغيرها من الأمراض والأوبئة الخطيرة، وتعد العلاقة بين الحشرات وبعض الكائنات المجهرية ( الفيروسات ) علاقة تكامل وتعاون في نقل ونشر هذه الأمراض من التطفل والاقتيات على جسد الحيوان والإنسان، لذا كان هذا الكتاب للتعريف بهذه العوامل وهي مسببات الأمراض ( الفيروسات ) وناقلاتها ( الحشرات )، وسبل مكافحة تلك الناقلات، وعلاقة ذلك في القضاء أو التقليل من الأمراض. وقبل تلك النهضة الطبية في معرفة دور الحشرات كناقل وحامل للمرض كانت الإنسانية تعاني من الأمراض الوافدة - الأوبئة- والموت الأسود مما كانت تتعرض له بين فترات - طالت أو قصرت - تقضي على آلاف السكان، وتزيل مدنًا بأكملها، وتبيد حضارات ومدنيات برمتها. ونجد أنه عندما نأخذ أمراض الإنسان أو الحيوان بنظر الاعتبار، فإن الحشرات تكون هي الناقلة بينما يكون الإنسان أو الحيوان هو الخازن فتكون الأولى مسؤولة عن انتقال وانتشار مسببات الأمراض بينما تكون الثانية هي المصدر للعدوى. وقد تكون هناك حالات تنعكس الآية فيها فالإنسان المصاب بالملاريا أو الحمى الصفراء والذي يأتي ويدخل منطقة خالية من أمثال هذه الأمراض فإنه ينقل وينشر الأمراض من منطقة إلى أخرى - فهنا يكون الإنسان حاملًا للمسببات - كما أن القمل والقراد قد تكون هي الحيوانات الخازنة للمسببات. وجاءت هذه الدراسة عن الحشرات كدراسة مفصلية شارحة بالصور والتفاصيل لخصائص تلك الحشرات الناقلة للمرض، ودورها تاريخيًا في نشر الأوبئة والطواعين التي عانى منها الناس على مدى قرون، وتضمنت هذه الدراسة مقدمة وعشرة فصول: تناول الفصل الأول منها "الحشرات مفصلية الأرجل الناقلة للأمراض"، والتي تضم حوالي ٨٥ % من أنواع الحيوانات المعروفة، والتي أيضًا تقوم في الوقت نفسه بالنقل أو الإعالة الثانوية، أو تكون خازنة لعدد كبير من مسببات الأمراض للإنسان والحيوان (الفيروسات). ونجد أن البلاد العربية مبتلاة بالأمراض التي تنقلها الحيوانات المفصلية الأرجل مثل الملاريا والكلازار وحبة بغداد وذات السحايا الرشحية وداء الكلب والحمى النزفية. كما أن هناك بعض الأمراض التي تنقلها الحيوانات المفصلية الأرجل والتي توجد في بعض الأقطار لا في كلها مثل داء الفيل (السودان والصومال وحتى مصر) وعمى الأنهار (السودان والصومال واليمن وقد يكون في موريتانيا) ومرض النوم الأفريقي (السودان والصومال) والحمى النزفية مثل حمى وادي رأفت وحمى غرب النيل (مصر والسودان) والتيفوس الوبائي (مصر وليبيا والأردن) والحمى الراجعة (مصر وليبيا) وذات السحايا السنجابية. هذه الأمراض تشكل خطرًا ماثلًا على صحة أكثر من مائتي مليون نسمة في البلاد العربية والبلاد الإسلامية اﻟﻤﺠاورة. وبالرغم من أن كثيرًا من المفصليات موجودة في البلدان الأخرى من العالم فإنها تظهر بشكل واسع في بلدان العالم الثالث وذلك لأسباب كثيرة، منها الفقر وانعدام النظافة والتأخر الاجتماعي العام والجهل والأمية. إن اتصالات وملامسات الإنسان والحيوانات مع المفصليات تختلف كثيرًا، فبعض أنواع المفصليات تلامس الإنسان فترة قصيرة (فقط فترة تأخذ خلالها وجبة غذائها من الدم، وأحسن مثال على ذلك البعوض والحرمس الواخز) بينما هناك أنواع تلازم الإنسان وتلامسه فترة طويلة مثل القمل وحلم الجرب، وأخيرًا هناك أنواع قد لا تبقى ملامسة للإنسان فترة طويلة، ولكنها تتواجد في الشقوق والثقوب والفراش طوال وقتها قريبة من الإنسان ترجع إليه للتغذية كلما أحست بالجوع وخصوصًا في الليل، ومثال ذلك بق الفراش والبرغوث. كما أن الأنواع التي تعتمد كليًا أو إلى حد كبير على الإنسان تكون ملامسة له أكثر من الأنواع التي لا فرق لديها بين الإنسان والحيوانات الأخرى، إذ المهم عندها هو العثور على الدم وجبتها الغذائية. وتناول الكاتب هذه الحشرات، وتكوينها بالتفصيل، وخريطة انتشارها في منطقتنا الإفريقية والإسلامية، وطريقة عملها كمعيل للفيروس ووسيط ينتقل منه الفيروس الخطير إلى الإنسان والحيوان - الكائن الحي - الذي يمثل الحلقة الأخيرة للفيروس ينتشر من خلالها في أكبر عدد ممكن ويقوم بالتحور والتطور وتقوية دفاعاته ضد أجهزة المناعة في تلك الكائنات. ومنه انتقل الكاتب للبحث في الفصل الثاني من الدراسة "لمسببات الأمراض" والتي تنقلها الحشرات ومفصلية الأرجل الأخرى، وهي: الرواشح أو الفيروسات، والركتسيا، والبكتريا، والفطريات. ويبين الكاتب أن هذه الكائنات الطفيلية والمسببة للأمراض تتباين كثيرًا في الحجم ومظاهر الحياة حسب الموقع التصنيفي بين الكائنات، ونجد أن انتشار الطفيلي أو مسبب المرض يعتمد في المعيل الجديد على تكوين أنزيمات تساعد على امتصاص وتمثيل المواد الغذائية في أنسجة المعيل الجديد، كما أنه يجب أن تتكون للطفيلي وسيلة للدفاع المضاد، أي ضد وسائل الدفاع التي يهيئها المعيل، هذه الوسائل كلها تحورات وتحولات كيماوية تساعد الطفيليات على البقاء والعيش ولكن في بعض المعيلات، بينما لا تتمكن من ذلك في معيلات أخرى. ونجد أن طفيلي ملاريا الإنسان لا يمكن أن يعيش في "بعوض الكيولكس" بل وحتى في بعض أنواع "البعوض الأنوفلس"، وطفيلي ملاريا الطيور لا يتمكن أن يعيش في "الأنوفلس".. لذا يجب على الفيروس سرعة الانتقال للكائن الخازن وهو الإنسان لضمان بقائه على قيد الحياة. ونجد أنه في الحالات الطفيلية المعقدة كثيرًا، تصبح الطفيليات أو الفيروسات غير محددة في القناة الهضمية، بل تغزو جميع الأحشاء الداخلية في المعيل اللافقري (الحشرة) وتعيش عليها.. إلا أن هذا يزيد من تعقيدات إمكانية الوصول إلى معيل فقري آخر. إن أبسط الطرق في هذه الحالة هو أن يبتلع الحيوان المعيل الفقري كل جسم الحيوان الناقل اللافقري وعندما يتم هضمه تتحرر الطفيليات. وبكتريا الحمى الراجعة من هذا النوع إذ أنها تغزو التجويف اللمفاوي في القمل، ولا تخرج إلا عن طريق سحق القملة، كما يحدث فعلًا من قبل الإنسان عندما يسحق القمل بين الأظافر أو حتى بين الأسنان! هناك طريقة أخرى للطفيليات التي تغزو التجويف اللمفاوي وذلك عن طريق حركة الأدوار الأخيرة المعدية للطفيلي ووصولها إلى الجيوب في خرطوم الحشرة الماصة للدماء وعندما تتغذى الحشرة اللافقرية تخرج الطفيليات من الخرطوم إلى الجلد والجروح للإنسان أو الحيوان، قد تكون الفلاريا في داء الفيل أو عمى الأنهار من أحسن الأمثلة على هذه الطريقة. وينتقل الكاتب في هذا الفصل إلى وصف كل مرض تسببه تلك الطفيليات، ودور الحشرة المعيلة المفضلة للفيروس، وما تنقله من أمراض خطيرة بين الكاتب تأثيرها على كل من الحيوان والإنسان وآثارها المدمرة لخلاياهما الحية. أما الفصل الثالث فتناول شرح لخصائص "الحشرات ثنائية الأجنحة"، كالبعوض، وبيان للأمراض التي تنقلها تلك الحشرات وأثرها في احتضان الفيروس المسبب للمرض، وبيان أن البعوض يتكيف في البيئات الحارة، والتكاثر الخاص بها مستمر في الحرارة عكس البيئات الباردة، ويحتاج البعوض إلى الدم في تغذيته، وهو يستخدم جميع الحيوانات ذات الدم الحار لأخذ الدم، ومن ثم تعد تلك الطريقة طريقة مثالية لنقل الأمراض الفيروسية الخطيرة. وتناول الفصل الرابع "داء الملاريا" الخطير، وقد كانت الملاريا من أسباب زوال دول وحضارات، ووقفت في طريق تقدم شعوب وحضارات أخرى. وحتى وقتنا الحاضر لا تزال الملاريا هي أهم الأمراض المتوطنة التي تنقلها الحشرات ومفصلية الأرجل الأخرى، وهي مسؤولة عن قدر كبير من المرض والعجز بين بني الإنسان وحتى الموت المبكر. إن المرض - الملاريا - ليس محصورًا في المناطق الاستوائية من العالم فقط، بل ينتشر إلى المناطق شبه الاستوائية. وقد يكون شديدًا في المناطق المعتدلة أيضًا. قبل ربع قرن كان هناك حوالي ٣٠٠ مليون حالة ملاريا سنويًا منها ثلاثة ملايين حالة وفاة. وفي عام ( ١٩٧٥ ) كان هناك حوالي ٥٠ مليون حالة من المرض، مات منها أقل من مليون حالة بقليل. إن هذا التحسن في القضاء على الملاريا يرجع إلى استعمال المبيدات الحديثة، لا سيما الد. د. ت، والذي يعتبر الآن في عداد المبيدات الممنوعة والمحظورة في بعض بلدان العالم والذي استعمل في رش السطوح الداخلية للبيوت والحقول. ويرى الكاتب أنه ليس من السهل التنبؤ بأن الإنسان سوف يقضي على الملاريا لصعوبات جمة، مثل قلة الفنيين والمصاريف وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية التي لا تزال موبوءة، وأخيرًا إلى ظهور المقاومة في البعوض الناقل ضد المبيدات المستعملة. ويطلق اسم الملاريا على أربعة أمراض متقاربة تسببها أربعة أنواع من الطفيليات الابتدائية، كلها تعود للجنس "بلا سموديوم" وقد تصيب هذه الأنواع أحيانًا القرود، وبالعكس قد تصيب بعض أنواع ملاريا الشمبانزي، ولكن هذا لا يحدث مطلقًا وإذا حدث فيكون نادرًا جدًّا بالطبيعة. لذلك فالملاريا مرض خاص بالإنسان، والإنسان هو المعيل والخازن الوحيد للعدوى. كل أنواع المرض تشمل حالات رجفة وقشعريرة معينة، ثم حمى تعقبها فترات بدون رجفة، تختلف الأنواع في طول فترات عودة الإصابة والفترة وإمكانية العودة بعد الشفاء. ونجد أن الشكل المعدي فيروس (سبوروزويت: ( Sporozoite ) ينتقل إلى مجرى الدم للإنسان مع لعاب البعوضة الناقلة، السبوروزويت تنتقل مع الدم إلى الكبد، تهاجم خلايا الكبد وتمر فيها بدورة أو أكثر لا جنسية والتي تشمل انقسام الطفيلي الواحد إلى عدد من الأفراد. في هذا الدور لا تظهر على المصاب أعراض المرض، هذه الدورة (اللادموية - أو في الكبد) تستغرق حوالي الأسبوع في المناطق الحارة. بعدها تهاجم الطفيليات الدم وتدخل كريات الدم الحمراء، وهناك تمر بأدوار انقسام تكاثرية. كل دورة تستغرق ٤٨ أو ٧٢ ساعة حسب النوع، في كل دورة تظهر أعداد كبيرة جدًّا من الكريات الحمراء المحطمة والتي تلفظ بعض المواد السامة والتي تسبب ارتفاع الحرارة. بعد ذلك تتكون الأمشاج (الكميتات) Gametes الجنسية والتي تبقى بالكريات الحمراء من دون نمو أو انقسام حتى تأخذها البعوضة مع الدم. في معدة البعوضة يتحد مشيج الذكر مع مشيج الأنثى مكونين المشيج اﻟﻤﺨصب كينيت Ookinete والذي ينتقل من خلال خلايا جدار معدة البعوضة وخلاياها لتستقر تحت غشاء البريتونيا مكونًا كيسًا صغيرًا يسمى أوسست Oocyst . ويمكن رؤية الأوسست بعد 4 أيام من أخذ وجبة غذاء معدية، الأوسست تتكون داخله أعداد كبيرة من الأفراد المغزلية والتي تسمى Sporozoites ثم ينفجر الكيس محررًا الأخيرة، تنتشر هذه في تجويف جسم البعوضة وتصل أكثرها الغدد اللعابية حيث تبقى داخلها، وتكون هناك مهيأة للعدوى من جديد. من أعراض الملاريا تضخم الطحال الذي تنتج خلاياه الأجسام المضادة في الأشخاص الذين لا يموتون. تتمكن هذه الأجسام المضادة من إضفاء الشفاء على المريض. ولكن بعض الطفيليات تعيش بالكبد أو بأعداد قليلة جدًّا بالدم، وعندها تهبط كمية الأجسام المضادة بالدم فيما بعد، تحدث رجعة بالأعراض وقد يحدث ذلك حتى بعد ( ٥ - ٦) سنوات من العدوى الأصلية. ومن العجيب أن الفيروس لا يضر ولا يؤذي البعوضة، ولكن وجود البعوضة مهم لتكملة دورة الحياة، والبعوض المسبب للملاريا يسمى "بعوض الأنوفلس". أما الفصل الخامس فتناول "أمراض الفلاريا"، وتنتشر هذه الأمراض في المناطق الاستوائية. وهذه الأمراض ليست حادة ولا تسبب الموت، ولكن أهميتها تأتي من التأثير الجانبي لها، وهو ما يسمى ب "داء الفيل" وهذا الداء هو التضخم الشديد الذي يحدث للأطراف أو الأجزاء النابتة من الجسم مثل الثدي وكيس الصفن. وبالرغم من أن عدد الإصابات بأمراض الفلاريا تقدر بـ ( ٢٥٠ ) مليونًا فإن الحالات التي نصادفها من داء الفيل لا تمثل إلا جزءًا يسيرًا من الإصابات، لكن لا تزال الإصابات مستمرة بالزيادة نظرًا للأحياء الفقيرة التي تتزايد أعدادها على حواف المدن، حيث تهيئ اﻟﻤﺠاري المفتوحة محلات توالد جيدة للبعوض الناقل. إن معالجة هذه الأمراض لا تقل صعوبة عن تلك التي شاهدناها في الملاريا، ولأنها ليست حادة، فإنها لم تنل إلا القليل من الاهتمام والجهد بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية تبذل جهودًا كبيرة في إجراء المسح الشامل ووضع البرامج لمكافحة الديدان والبعوض الناقل. إن أمراض الفلاريا حالات تسببها ديدان خيطية تعود إما للجنس "ووشريريا" أو "بروجيا". فالنوع بنكروفتي (في الجنس الأول) ذو أهمية خاصة وهو ينتشر في المناطق الاستوائية بكثرة ولا يصيب إلا الإنسان. أما أنواع الجنس الثاني فإنها تنتشر في جنوب شرق آسيا وتضم أنواعًا تصيب الحيوانات فقط. دورة حياة جميع الأنواع متشابهة بصورة عامة. الدودة البالغة خيطية، طولها بضعة سنتمترات تعيش في الأنسجة اللمفية والضامة. تضع الإناث اﻟﻤﺨصبة عددًا كبيرًا من اليرقات المجهرية، طولها حوالي ربع الملم، تتناوب بتواجدها بين الدم المحيطي والدم الداخلي (في الرئة والأوعية الرئيسة) لا تتمكن هذه اليرقات المجهرية من النمو والوصول إلى دور البلوغ حتى تمر بحيوان لا فقري وهو هنا "البعوض"، وقد يكون تواجدها في الدم المحيطي هو تحوير وتكيف في حياتها بحيث تكون قريبة من السطح عندما تتغذى البعوضة لكي تأخذها مع الدم. فالبعوض الناقل لدورة بنكروفتي يتغذى بالليل، لذلك فاليرقات المجهرية تكثر في الدم المحيطي بالليل، بين العاشرة بعد الظهر والثانية صباحًا، ولكن هناك نوع من هذه الدودة في الشرق الأقصى يكثر وجوده في الدم المحيطي نهارًا، لأن البعوض الناقل هناك يتغذى نهارًا. عندما تعود اليرقة المجهرية المعدية من البعوضة إلى الإنسان، تظهر بعض الأعراض البسيطة على المصاب مثل حمى عابرة وآلام موضعية وصداع. تبقى هذه الأعراض بسيطة أثناء نمو اليرقة حتى دور البلوغ، وعندما تصل دور البلوغ تشتد الأعراض، قد يكون ذلك بسبب سموم تفرزها الديدان. في ( ١٠ - ١٥ )% من الإصابات الشديدة والكثيفة، تسبب الديدان انسدادًا في العقد اللمفية، ونتيجة لذلك تتوسع الأوعية ويتمدد اللحم إلى حجوم كبيرة والى داء الفيل، قد يصل وزن كيس الصفن مثلا إلى حد ( ٢٠ ) كجم. تلاقي إجراءات المكافحة والعلاج صعوبات جمة. فالدواء "هرازان" يقضي على بالغات الدودة وبذلك يزيل اليرقات اﻟﻤﺠهرية، إلا أن اليرقات التي هي في حالة نمو لا تتأثر، مما يتطلب إطالة المعالجة، وإلا كانت هناك رجعة للمرض. بالإضافة إلى ذلك فإن للدواء مضاعفات جانبية غير مريحة مما يسبب عدم رغبة المصابين في أخذ الدواء. والبعوض الناقل لمرض الفلاريا هو "بعوض الكيولكس". أما الفصل السادس فتناول "الرشحيات المنقولة بالمفصليات"، أو الفيروسات التي تسببها حشرات أخرى معينة، حيث يوجد هناك حوالي ٢٠٠ رشح من هذه الرشحيات، حوالي ١٥٠ منها ينقلها البعوض وعدد قليل من الحشرات الثنائية الأجنحة العاضة الأخرى، بينما ينقل القراد حوالي ٥٠ منها. في الحيوان الفقري تهاجم الرشحيات أنسجة مختلفة مسببة أعراضًا مرضية. أهم الأمراض الرشحية هي الحميات النزفية، التهابات المادة السنجابية وتسمى أيضا ذات السحايا. وفي حالة الحميات يهاجم الرشح جدران الأوعية الدموية الشعرية ويزيد في نضحها مسببًا النزف الدموي من لحم الأسنان واللهاة والأنف والرحم والرئة والكلى. وفي حالة التهابات المادة السنجابية تهاجم الرشحيات الجهاز العصبي المركزي مسببة ما يشبه الشلل. هناك بعض الرشحيات الحميدة التي تسبب إصاباتها آلامًا شديدة في الظهر والمفاصل، ولذلك تسمى الحميات القاصمة للعظم، وأحسن أمثلتها مرض الضنك أو (أبو الركب) كل هذه الرشحيات يجب أن تصل الدم لكي يمكن أخذها من قبل القراد والحشرات الماصة للدم. إن مستويات وشدة إصابة الدم بالرشح تختلف حسب أنواع المعيلات الفقرية اﻟﻤﺨتلفة، وبالتالي تختلف قابلية أخذ العدوى من قبل البعوض أو القراد الناقل. هذان العاملان ووفرة وعادات تغذية القراد والحشرات الناقلة تقرر إلى حد كبير دورات العدوى بالرشحيات المنقولة بالحشرات والمفصليات اﻟﻤﺨتلفة. ونجد أن أكثر الرشحيات أو الفيروسات المنقولة استوائية ولم يعرفها سكان المناطق المعتدلة إلا بعد الاستكشافات الجغرافية وموجات الاستعمار في القرن التاسع عشر. ونجد أنه عندما عرف الإنسان حوالي عام ١٩٠٥ أن البعوض هو الناقل لمسببات هذا المرض، أصبح بإمكانه مكافحته بمكافحة البعوض. ثم ظهرت وتطورت فيما بعد طرق استعمال المصول واللقاحات لحماية الأشخاص الذين قد يتعرضون للإصابة. إن هذا التقدم في مكافحة البعوض الناقل وحماية الأفراد كل طريق اللقاح الجماعي قضى تقريبًا على الأوبئة في المدن والحضر في أمريكا وانخفضت إلى حد كبير في أفريقيا. أن الإصابات التي تحدث في العالم سنويًا تتراوح بين ( ١٠٠ - ١٠٠٠ )، إلا أن هذه الأرقام ليست كل ما يحدث، لأن هناك حالات كثيرة تحدث من دون أن نكتشفها أو نسجلها. ونجد أن المرض يحتاج إلى المراقبة والاهتمام وليس من السهل إبادته من على سطح الأرض. والبعوض الناقل لأمراض الحمى الصفراء والضنك يسمى "بعوض عايدة Aedes Simpsoni ". وقد جرى استعمال الرش الدقيق جدا بمادة ال د. د. ت في الطائرات ضد البعوض بالمدن لمقاومة مرض الضنك النزفي. وتناول الفصل السابع الأمراض التي تنقلها الحشرات "ثنائية الأجنحة الأخرى" وهي هناك أربع عوائل مهمة جدًّا، وهي عائلة الحرمس الواخز، عائلة البرغش الواخز، عائلة الذباب الأسود وعائلة البعوض. والتي تسبب أمراضًا مثل أمراض الليشمانيا (حبة بغداد) ومرض حمى ثلاثة الأيام ومرض كاريون، ونجد أن أغلبها منتشر بالبلاد العربية، وفي الخمسينات انخفضت الاصابات بحبة بغداد الى حد ملحوظ إلا أنها عادت للارتفاع في الآونة الأخيرة، إلا أنها لم تصل وقد لا تصل الى الحد الذي كانت عليه في السابق، إذ أن انخفاض المياه الجوفية واستعمال المبيدات والتوعية بين الناس عن المسبب والناقل كل ذلك سوف يساعد على الحد من عودتها إلى الشكل الذي كانت عليه. وتسبب الذبابة السوداء مرض "عمى الأنهار"، وينتشر مرض عمى الأنهار في إفريقية الوسطى والغربية وفي أمريكا اللاتينية وقد ورد ذكر وجوده في اليمن بالجزيرة العربية. أما مسبب المرض طفيلي عبارة عن دودة خيطية. أما ذباب الخيل والغزلان فلها القدرة على نقل فيروسات مثل الجمرة الخبيثة وأنابلازما التي قد تصيب الإنسان، وكذلك مرض السورا الذي نادرًا ما يصيب الإنسان. وهذه الأنواع تنقل أيضًا مرض التولريميا (بكتريا Pasteurellatularensis ) من الخيل والأرانب والقوارض إلى الإنسان. كما أنها تنقل ديدان فلاريا مرض اللوالوا Loa loa ، وينتشر هذا المرض في إفريقية الغربية ما عدا أفريقيا الوسطى حتى أوغندا وجنوب السودان. إلى جانب مرض النوم الأفريقي الذي تنقله ذبابة التسي تسي، وطبيعة انتقاله وعلاقته بالحشرة يشبه إلى حد كبير أعراض مرض عمى الأنهار وفي مرض داء الفيل، فكل هذه أمراض ينقلها الذباب الماص للدم. ونجد أنه في بعض هذه الأمراض هناك مصول واقية ضد بكتريا هذه الأمراض، وهي مفيدة. كما أن هناك أدوية كثيرة تستعمل في المعالجة مثل السلفانوميدا والمضادات الحياتية. . الخ. ويرى الكاتب أن الوقاية من هذه الأمراض خير من العلاج والوقاية هنا تتلخص بكلمة: النظافة. فالماء النظيف والطعام النظيف والأيدي النظيفة كلها تساعد على الوقاية. لقد أمكن مكافحة الذباب بمادة الد. د. ت، ولكن مع الأسف أصبحت أنواع الذبابة مقاومة لهذه المادة بسرعة. أما الفصل الثامن فتناول "القراديات ودورها في نقل الأمراض" ونجد أن القرادات الصلبة يتطفل على القوارض والخفاش، وتشبه بعادات تغذيتها إلى حد ما القراد الرخو، أي أنها تأخذ الدم وترجع إلى الأرض لكي تهضمه وتضع البيوض. وهناك أنواع من الحلم تشبه القراد الصلب حيث تقضي وقتًا أكثر على المعيل، وتسقط في محلات كيفما اتفق، مثل حلمة أكاموشي وهي من الأنواع الناقلة للأمراض المهمة. وهناك عدة أمراض تنقلها القراديات، الأمراض الخطرة منها تقرب من تلك التي تنقلها الحشرات، وهي الحمى الراجعة والحمى النشمية والتيفوس والرواشح الفيروسية الخطيرة. ومن الأمراض الأخرى التي تنقلها القراديات مرض التولاريميا وبعض الأمراض التي تصيب الماشية وقليلًا من الديدان الطفيلية. أكثر هذه الأمراض التي تصيب الإنسان والحيوانات الداجنة لا تؤذي القراد أو الحلم. وكثير من هذه القراديات تنقل المسببات عبر البيوض والأدوار من جيل لآخر. بسبب هذه الصفات ولكون هذه الحيوانات تعيش طويلًا، فإنها تقوم بدور خازن للمسببات كما أن التغذية البطيئة تساعد على أخذ الأدوار المعدية. وتتم العدوى إلى الإنسان عن طريق اللعاب أو السائل الحرقفي أو الفضلات البرازية. وتناول الفصل التاسع طرق "مكافحة الحشرات والمفصليات الأخرى" ويرى الكاتب إن النجاح الذي لاقته المبيدات الحديثة في الـ15 سنة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية شجع العلماء على الاعتقاد بأن هناك مجالًا واسعًا لإبادة الكثير من الأمراض التي تنقلها مفصلية الأرجل، ولذلك فإن هذه المبيدات الحديثة أنتجت ثورة في الطب الوقائي في المناطق الاستوائية. لم يستمر هذا النجاح أكثر من العشرين سنة التي أعقبت الحرب، لكن جابهت العلماء مشكلتان لم تكونا بالحسبان، والمشكلتان هما نشوء المقاومة في الحشرات ضد المبيدات، وتلوث البيئة بالمواد الكيماوية المصنوعة، فالمشكلة الأولى جعلت من الصعب القضاء على الحشرات، والمشكلة الثانية أثارت الصرخات والهياج بين الناس، لا سيما أولئك المحبين للطبيعة. أما الفصل الأخير فتناول موضوع " الأعداء الطبيعيون للبعوض (المكافحة الحيوية)" ونجد أنه هناك أعداد كبيرة من الأعداء الطبيعيين ضد البعوض، بل وغير البعوض من الحشرات الطبية والزراعية مثل الرشحيات والبكتريا والبروتوزوا والفطريات والديدان الخيطية والأسماك. ويرى الكاتب أنه يمكن تقسيمها بصورة عامة إلى أعداء لا فقريات وأعداء فقريات. إن الأعداء الطبيعيين من العوامل المهمة جدًّا في إبقاء الكائنات الحية في توازن بالنسبة لتواجدها وأعدادها في منطقة ما. والدراسة جادة في التعرف على خصائص الحشرات أحد أهم معيلات الفيروسات الخطيرة المسببة للطواعين والأوبئة والتي تمثل البيئة الخصبة لإصابة الجنس البشري بتلك الفيروسات وتطورها فيما بعد، لذا كانت دراسة الحشرات من الأهمية بمكان للتعرف على مسببات تلك الأمراض ومكافحتها قدر المستطاع. والمؤلف د. "جليل أبو الحب" هو من مواليد كربلاء في العراق عام ١٩٢٧، حصل على درجة الدكتوراه في علم الحشرات من جامعة كاليفورنيا في عام ١٩٦٠، عمل في مشروع مكافحة الملاريا في العراق، وعمل بالتدريس في جامعة بغداد منذ عام ١٩٦٠ وفي مركز التدريب الإقليمي للملاريا والحشرات الطبية في وزارة الصحة العراقية، وهو عضو في اتحاد الكتاب والأدباء العراقيين. نشر عددًا من المقالات والأبحاث والكتب المؤلفة والمترجمة في مجال مكافحة الأوبئة والأمراض المستوطنة. |
وجوه الإعراب والقراءات بين الفراء والزجاج صدر حديثًا في سلسلة "الرسائل العلمية " كتاب "وجوه الإعراب والقراءات بين الفراء والزجاج "، تأليف: د. " يحفظ عمرو انجيه الشنقيطي "، وذلك عن " دار الأوراق للنشر والتوزيع ". حيث تتناول الرسالة إسهامات كل من الفرّاء والزجّاج في الإبانة عن محاسن علم القراءات ومظاهر الإعراب في كتاب الله الحكيم، ونجد أن كتب "معاني القرآن" تتناول النص القرآني بالتحليل اللغوي من جميع جوانبه، من حيث إيضاح معانيه، والكشف عن أسراره وتراكيبه، وإعراب غريبه، وحل مشكله، والغوص في أعماقه؛ لاستنباط القوانين والأحكام اللغوية والفقهية، والتعرض لقراءاته المتعددة، من حيث الاحتجاج بها، أو لها، والدفاع عنها تارة، ومناقشتها ونقدها تارة أخرى، والترجيح بين أنواعها، وكتابا "معاني القرآن" للفراء (ت 207 هـ) والزجاج (ت 311 هـ) نموذجان ممتازان لهذه الكتب، يوضعان في قمتها؛ لما يحظيان به من الوفرة والسعة والشمول في المادة، والدقة في عرض الظواهر ومناقشتها، كما تعد كتب معاني القرآن على العموم رافدًا حيًّا، ومصدرًا ثريًّا لكتب الإعراب والتفسير في فترات لاحقة لطور كتب (المعاني). والفراء والزجاج إمامان كبيران يعود معتقدهما النحوي إلى المذهبين الرئيسين: البصري والكوفي، إذ الفراء يعد أستاذه "الكسائي" إمام المذهب الكوفي، الذي اطمأنت على يديه مصطلحاته، وترسخت مفاهميه في كتابه القيم "معاني القرآن". أما الزجاج فهو من علماء المذهب البصري ورواده، وكلاهما جعل كتابه "معاني القرآن" تعبيرًا صادقًا عن اتجاهات مذهبه اللغوي، وميدانًا فسيحًا لتأصيل مسائله الكلية، ومد فروعه الجزئية، والدفاع عن مصطلحاته، ومعتقدات أصحابه النحوية، وتوجهاتهم، ومن هنا جاءت قيمة الموازنة بين الكتابين، وهي في الحقيقة تعد موازنة بين أكبر مذهبين نحويين سيطرا على الفكر النحوي العربي عبر العصور منذ نشأته المبكرة. وتسعى هذه الدراسة إلى عقد مقارنة بين إسهامي علمين من أعلام النحو العربي في المجال التطبيقي، وذلك من خلال كتابيهما الموسومين بـ "معاني القرآن"؛ لبيان مدى توفيق كل منهما في بناء القاعدة على أساس من التحليل والاستقراء. ونجد أن الزَّجَّاج تأثر في تأليفه "معاني القرآن وإعرابه" بـ "معاني القرآن" للفرَّاء، على الرغم من اختلاف مذهبيهما في النحو.. مما يدل على تكامل المعرفة اللغوية بين المدرستين النحويتين الشهيرتين. ونجد بعد مطالعة أقوال الإمامين الكبيرين أن "معاني القرآن" للفراء و"معاني القرآن وإعرابه" للزجاج دائرتا معارف، إذ أودع كل منهما في كتابه جل ما انتهى إليه علمه في: المعاني، والتفسير والتأويل، والقراءات، والإعراب، وقواعد النحو واللغة والعلل والشواهد وأقوال العلماء. والفرّاء هو أبو زكريا، يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي: إمام الكوفيين، وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، كان يقال: الفراء أمير المؤمنين في النحو، ومن كلام ثعلب: لولا الفراء ما كانت اللغة. ولد بالكوفة (144 - 207 هـ = 761 - 822 م)، وانتقل إلى بغداد، وعهد إليه المأمون بتربية ابنيه، وتوفي في طريق مكة. من مؤلفاته: "المعاني"، ويسمى: "معاني القرآن"، و"المذكر والمؤنث"، و"ما تلحن فيه العامة"، و"آلة الكتاب"، و"اختلاف أهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف"، و"الجمع والتثنية في القرآن"، و"الحدود"، و"مشكل اللغة". وكان يتفلسف في تصانيفه، واشتهر بالفراء، ولم يعمل في صناعة الفراء، فقيل: لأنه كان يفري الكلام. والزَّجَّاج هو أبو إسحق، إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج: عالم بالنحو واللغة، وصفه ابن خلكان فقال: "من أهل العلم بالأدب والدين المتين". ولد ومات في بغداد (241 هـ - 311 هـ /855 - 923م)، كان في فتوته يخرط الزجاج ومال إلى النحو فعلمه المبرد. وطلب عبيد الله بن سليمان (وزير المعتضد العباسي) مؤدبًا لابنه القاسم، فدله المبرد على الزجاج، فطلبه الوزير، فأدب له ابنه إلى أن ولي الوزارة مكان أبيه، فجعله القاسم من كتابه. وكانت للزجاج مناقشات مع ثعلب وغيره. ومن كتبه: "معاني القرآن"، و"الاشتقاق"، و"خلق الإنسان"، و"الأمالي"، و"في الأدب واللغة"، و"القوافي أو الكافي في أسماء القوافي"، و"شرح أبيات سيبويه".. وغيرها. |
بغية المقتصد شرح بداية المجتهد للشيخ محمد بن حمود الوائلي صدر حديثًا موسوعة " بغية المقتصد شرح بداية المجتهد "، شرح: فضيلة الشيخ " محمد بن حمود الوائلي " - رحمه الله -، إشراف: د. " كاملة الكواري "، في ستة عشر مجلدًا، نشر " دار ابن حزم ". وكتاب " بغية المقتصد " هو شرح لكتاب " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " لأبي الوليد محمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد، والذي يعدّ من أفضل ما صنّف في الخلاف الفقهي العالي، قال عنه "الذهبي" في (تاريخ الإسلام): "كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه، علّل فيه ووجّه، ولا نعلم في فنّه أنفع منه، ولا أحسن مساقًا". ويُعتبر من أفضل الكتب التي اشتملت على بيان أسباب الاختلاف بين العلماء في كل مسألة، فهو على صغر حجمه قد حوى أمهات مسائل الفقه؛ مبينًا مواطن الوفاق والخلاف شارحًا وجوه المذاهب المختلفة، ذاكرًا أقوال العلماء لكل مسألة من المسائل الفقهي، منبهًا على نكت الخلاف فيها مع مناقشة الآراء والأدلة، والكتاب يعد من أهم كتب الفقه المقارن. قال "ابن رشد الحفيد" في مقدمة الكتاب: "فإن غرضي في هذا الكتاب أن أثبت فيه لنفسي على جهة التذكرة من مسائل الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها بأدلتها، والتنبيه على نكت الخلاف فيها ما يجري مجرى الأصول والقواعد لما عسى أن يرد على المسائل المنطوق بها في الشرع أو تتعلق بالمنطوق به تعلقًا قريبًا، وهي المسائل التي وقع الاتفاق عليها أو اشتهر الخلاف فيها بين الفقهاء الإسلاميين من لدن الصحابة رضي الله عنهم إلى أن فشا التقليد". وقد قام بشرحه والتعليق عليه فضيلة الشيخ " محمد بن حمود الوائلي "، الذي شغل في وقته منصب محاضر بالجامعة الإسلامية ووكيلها بالدراسات العليا والبحث العلمي، وقد قضى - رحمه الله - مدرسًا ثماني سنوات - بمسجد النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يعلّم الناس الفقه من خلال شرح هذه الموسوعة. ومن ثمرات هذه الحلقات النافعة والشروحات التي أقامها أن أخرج للأمة هذا المصنف الجليل الذي في الصورة، حيث أبان فيه الشيخ عن ملكة فقهية عالية، وعن سعة اطلاع في الفقه، ونثر فيه دررًا و نفائس تلامسها بمجرد اطلاعك على كتابه. وقد انبرت إلى تفريغ تسجيلاته الصوتية د. " كاملة الكواري "، وحذفت منه ما كان يستطرد فيه الشيخ من النصح والوعظ، كما أنها حرصت على عزو الأقوال الفقهية إلى قائليها في مصادرها المعتمدة، وخرجت الأحاديث الواردة في الكتاب. ويُعدُّ شرح العلامة الوائلي - كنزًا ثمينًا لطالب العلم، ويمتاز بـ: • تقعيده لمسائل الفقه الكبار مع عدم الخوض في تفاصيل المذاهب واختلاف العلماء في الغالب؛ فهو يعد من كتب القواعد الكبرى. • تقريره بعض القواعد الفقهية لتوضيح كلام ابن رشد، وتقريب المسائل بذكر أمثلة عملية؛ لتفهم المسألة وتوضح ويعيها طالب العلم. • عدم اكتفائه بشرح الفقرات وتوضيح الكلمات الغريبة فحسب، بل وضح مسائل الكتاب وبين مقاصد مؤلفه. • سعة اطلاعه، وقوة حافظته، وبراعة استدلاله وتمكنه من ذلك. • تعقبه لابن رشد وذكر ما فاته، خصوصًا ذكر مذهب الإمام أحمد. وتمتاز هذه الطبعة بـ: • مقابلة الشرح الصوتي للشيخ الوائلي، وتعديل صياغته وضبطه؛ ليناسب الكتاب المطبوع. • الخدمة العلمية للمتن والشرح على حد سواء؛ بالعزو الفقهي للمصادر الأصيلة وذكر النقولات، والتخريج والتوثيق، والتعقيب والتعليق، وكذلك الخدمة اللغوية اللازمة. • إعداد الفهارس اللازمة لخدمة متن الكتاب. والمؤلف هو الشيخ الفقيه الأستاذ الدكتور أبو خالد محمد بن حمود بن عبد الرحمن الوائلي المدرس بالمسجد النبوي وأحد أعلام الجامعة الإسلامية رحمه الله تعالى. يصل نسبه إلى قبيلة عنزة، ولد رحمه الله تعالى في مدينة بريدة من عام 1361هـ، نشأ الشيخ الوائلي رحمه الله تعالى نشأة علمية منذ صغره، وقد تخرج الشيخ الوائلي رحمه الله تعالى من معهد الجامعة الإسلامية عام 1383هـ بترتيب الأول. ثم واصل رحمه الله تعالى التعليم وتحصل على شهادة الليسانس من كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية عام (1387هـ / 1388هـ)، وكان رحمه الله تعالى بعد تخرجه من المعهد قد وكل إليه التدريس به من عام 1387هـ إلى 1388هـ لمدة أربع سنوات، استفاد منها كثيرًا خاصة من الناحية التعليمية، ولازم في مدة وجوده بالمدينة شيوخًا كثيرين ازداد بهم بعد الله تعالى تحصيلًا وتأصيلًا، وكان منهم شيخه محمد المختار الشنقيطي الذي كان يسميه البحر، قال (كنت آتيه وأفتح عليه كتابًا فكان الشيخ يشرح كأنما أمضى الليلة في مراجعة مباحثه). بعد ذلك التحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن عام 1392هـ، وعند حصوله رحمه الله تعالى على الماجستير انتدب إلى كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية حيث صار مدرسًا فيها عام (1392هـ /1393هـ)، ولكن همته لم تقف إلى هذا الحد حيث انتقل إلى دراسة الدكتوراه وحصل عليها من جامعة الأزهر في الفقه المقارن عام 1395هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى مع التوصية بطبع الرسالة، وكانت دراسته تحت عنوان (ابن رجب وأثره في الفقه). بعدما حصل الشيخ على الدكتوراه عاد إلى المملكة وتقلد عدة وظائف علمية وإدارية، ففي عام 1395هـ عُيِّن عميدًا لكلية الشريعة إلى عام 1403هـ، وفي عام 1397هـ عين أستاذًا مساعدًا بكلية الشريعة فأستاذًا مشاركًا عام 1401هـ ثم رئيسًا لقسم الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية عام 1403هـ، ثم أمينًا عامًا للجامعة الإسلامية من آخر عام 1403هـ إلى 1406هـ ثم أستاذًا في الدراسات العليا عام 1408هـ، ثم وكيلًا للجامعة الإسلامية للدراسات العليا والبحث العلمي من عام 1416هـ حتى 1422هـ، وكان الشيخ رحمه الله تعالى قد تقلد لعدة مرات رئاسة قسم الفقه، ومرة واحدة رئاسة قسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية. وبدأ الشيخ الوائلي رحمه الله تعالى عام 1416هـ التدريس بالمسجد النبوي الشريف، حيث عقد مجلسه العلمي بعدما قفل الناس من حجهم، واختار أن يكون درسه في كتاب طالما درسه في الجامعة وتمعن فيه ألا وهو كتاب (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) لابن رشد الحفيد، وكان هذا الدرس فتحًا على طلاب الجامعة الذين استفادوا منه غاية الاستفادة، فبسط ما كان موجزًا، وسهل ما استصعب منه وفك رموزه بأسلوب فقهيٍّ متميز، يعرف هذا كل من سمع درسه، حتى أمضى في الكتاب ثمان سنوات كاملة وهو يشرح ويوضح، وكان دائما يذكر رحمه الله تعالى أنه لولا خشية الإطالة لبسط الدرس ولزادت سنواته، ثم بعدما يسر الله تعالى إتمام الكتاب، بدأ في شرح عدة كتب أخرى في تلك المجالس منها: • شرح الكافي لابن قدّامة المقدسي في الفقه الحنبلي وأمضى في شرحه ست سنوات ونصف، عدد الدروس المسجلة 184 درسًا. • شرح كتاب تقرير القواعد وتحرير الفوائد لابن رجب الحنبلي حتى بلغ القاعدة الثالثة والعشرين، عدد الدروس المسجلة 27 درسًا. • عقد مجلسين في كتاب سنن أبي داوود ليجمع الطالب بين المسائل الفقهية وأدلتها، عدد الدروس المسجلة 31 درسًا. ومن جملة مقالاته ومحاضراته الأخرى: • القواعد الفقهية تاريخها وأثرها في الفقه. • حكم الشريعة الإسلامية في المسكرات وطرق مكافحتها وآثارها. • قبس من تاريخ الفقه الإسلامي. • مكانة المسجد في الإسلام. • الحج المبرور - محاضرة مسجلة. • صحيح مسلم - عدد التسجيلات 12 محاضرة. • مواعظ وفتاوى - عدد التسجيلات 253 محاضرة. وتوفي رحمه الله في آخر رمضان من عام 1431 هجرية، ودفن رحمه الله في مقبرة البقيع. |
لا غالب إلا الله..! ذهبت البارحة إلى مسرح الحمراء، قد سمى الأوربيون كثيرًا من ملاهيهم باسم الحمراء بعد أن حرفوه إلى الهمبرا. سألت نفسي في الطريق: كيف حُرِّف الاسم هذا التحريف؟ فقالت: إن الزمان ليطمس الأعيان ثم يذهب بالآثار، فما إبقاؤه على الأسماء؟ أشفقت من هذا الحديث أن أتغلغل فيما وراءه من الآمٍ وأحزان، فقلت: فيم الفرار من الكد والعناء إلى هذا الملهى إن بدأت حديثه بالمراثي والمصائب؟ أخذت مكاني بين الجالسين فسرَّحت طرفي في طراز عربي من البناء والنقش، وإذا منظر يفتح لي من التاريخ فجاجًا ملأى بالأهوال والعبر، لبثت أتأمل البناء متحرزًا أن اجتازه إلى ما ورائه من خطوب التاريخ. ومازلت أصوب النظر وأصعده في المسرح حتى جمد البصر على دائرة في ذروته لاحت فيها أحرف عربية، فكنت وإياها غريبين في هذا الجمع (وكلُّ غريبٍ للغريبِ نَسِيبُ) بل كنت وإياها نجيبين في هذا الحفل لا يفهمها غيري، ولا تأنس من الوجوه الحاشدة بغير وجهي. أجهدت البصر الكليل في قراءة الأحرف فإذا هي (لَا غَالِبَ إلَّا الله) يا ويلتاه! شعار بني الأحمر الذي حلَّوا به قصورهم ومساجدهم؟ إنها لسخرية أن توضع هذه الكلمة الجليلة في هذا الملهى، وأيُّ جليل من ماضينا المجيد لم يتخذه القوم سخرية؟ قرأت هذه الكلمة فإذا هي عنوان لكتاب من العبر، قلبته صفحة صفحة ذاهلًا عما حولي فلم انتفع بنفسي في مشهد اللهو واللعب، ولم تحس أذني الموسيقي والغناء. أغمضت عيني عن الحاضر لأفتحها على الماضي. وصُمَّت الأذن عن ضوضاء المكان، لتصيخ إلى حديث الزمان. وناهيك بجولان الفكر طاويًا الإعصار، منتظمًا البوادي والأمطار، واثبًا من غيب التاريخ إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى غيب التاريخ. شهدت في ساعة جيوش طارق غازية من الزقاق إلى البرتات، وشهدت مصرع عبد الرحمن الغافقي في بلاط الشهداء، وشهدت جلاد الأجيال من المسلمين والأسبان، ورأيت الناصر في حربه وسلمه ملء العين جلالًا ورهبة، وملء القلب عدلًا ورحمة. ورأيت البطل ابن أبي عامر يحالف الظفر في خمسين غزوة، ويبعد المغار حيث نكصت الهمم والعزائم من قبله. ورأيت دولة الأمويين تزلزل فتتصدع فتنهار، وأبصرت ملوك الطوائف يتنازعون البوار والعار، ويؤدون الجزية إلى ألفونس السادس صاغرين. ثم سمعت جلبة جيوش المرابطين يقدمها يوسف بن تاشفين، وشهدت موقعه الزلاقة القاهرة، ثم رأيت راية المرابطين تلقف رايات ملوك الطوائف. وهذه دولة الموحدين، وهذا المنصور يعقوب بن يوسف في موقعه الأرك يحطم جيوش الأسبان بعد الزلاقة بمائة عام. ورأيت موقعه العقاب وقد دارت على المسلمين دوائرها. والناصر ابن يعقوب يفر بنفسه بعد أن اقتحمت عليه المنايا دائرة الحراس ورأيت غرناطة وحيدة في الجزيرة يتيمة، قد ذهبت أترابها، وصارت كما قال طارق يوم الفتح: «أَضْيعُ مِنَ الأَيتامِ في مأدُبةِ اللئامِ»، ولكنها على العلات، ورثت مجد المسلمين وكبرياءهم فجالدت الدهر عن نفسها مائتين وخمسين عاما، وحمت حضارة المسلمين على رغم النوائب وكلب الأعداء. ثم رأيت أشراط الساعة: رأيت أبا الحسن وأخاه محمَّدًا يتنازعون السلطان على مرأى من العدو ومسمع، ورأيت أبا عبد الله ينازع أباه أبا الحسن. ذلك الملك المائل، والظل الزائل، ورأيت العراك المديد بين أبي عبد الله وعمه الزغل كما تتناطح الخراف في حظيرة القصَّاب. وتلك جيوش فرديناند وايزابلا تنيخ على مدينةبعد أخرى، وتدك معقلا بعد آخر، ومالقة تجاهد الكوارث جهاد المستميت، والزغل يشق الأهوال إليها لينقذها، فيقطع أبو عبد الله طريقه ويرد جنده. ومالقة في قبضة العدو، وأهلها أسارى يباعون في الأسواق ويتهاداهم الملوك والكبراء. وهاهو الزغل يسلم وادياش إلى العدو على منحة من الأرض والمال. ثم يعيَ بأعباء المذلة والهوان فيهاجر إلى المغرب. ثم شهدت يوم القيامة: الجيوش محيطة بغرناطة وأهلها يغيرون على العدو جهد البطولة والاستبسال والصبر، ثم يغلق عليهم الضعف أبواب المدينة. وهذا من ربيع سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وأبو عبد الله يسير إلى فرديناند في كوكبة من الفرسان لا محاربًا ولا معاهدًا، ولكن ليسلم إليه مفاتيح الحمراء. نظرت الصليب الفضي الكبير يتلألأ على أبراج القلعة، وبكيت مع أبي عبد الله وهو يودع معاهد المجد وملاعب الصبا من الحمراء وجنة العريف. وسمعت أمه عائشة تصرخ في وجهه: «ابكِ اليومَ كالنِّساءِ علَى مُلكٍ لم تحتفظ به احتفاظَ الرِّجَالِ» فينهلُّ دمعُه، وتتصاعد زفراته على الأكمة التي يسميها الأسبان اليوم (أخر زفرات العربي). وهذا أبو عبد الله وهو الذي باء بأوقار من العار والذل تأبى فيه بقية من الشمم العربي أن يقيم على الضيم فيهاجر إلى المغرب، ويرسل إلى سلطانٍ فارسٍ من بني وطاس رسالته الذليلة المسهبة يدفع عن نفسه ما قرف به في عرضه ودينه، ويشكو إلى السلطان حزنه وبثه ويقول: مَولَى الملوكِ ملوكِ العربِ والعجمِ رَعيًا لما مثله يُرعى مِنَ الذِّممِ بك اسْتجَرنا ونِعمَ الجارُ أنت لمنْ جارَ الزَّمانُ عليه جَورَ مُنتَقمِ على رأسي وقلبي بهذه الأحداث الكاربة، والخطوب المتلاحقة، وهالتني هذه المشاهد المفظعة، فخرجتُ من هذه الغمرة مرتاعًا كما يستيقظ النائم عن حلم هائل. نظرت أمامي فإذا المسرح، وصَعَّدتُ بصري فإذا الدائرة: (لَا غَالِبَ إِلَّا الله.!) المصدر: مجلة الرسالة، العدد 46 بتاريخ: 21 - 05 – 1934م |
روضة الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع لخالد الشلاحي صدر حديثًا كتاب " روضة الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع "، تأليف: د. " خالد بن ضيف الله الشلاحي "، وذلك عن مكتبة الرشد - ناشرون، في خمسة مجلدات. وتتناول تلك السلسلة تخريج أحاديث كتاب " الروض المربع شرح زاد المستقنع " خدمةً للباحثين وتيسيرًا على طلبة العلم، وكتاب " الروض المربع "، للشيخ الحنبلي " منصور بن يونس بن صلاح البهوتي "، المتوفى سنة (1051هـ)، هو شرح كتاب " زاد المستقنع "، للعلامة "شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن سالم المقدسي الحجاوي "، المتوفى يوم الخميس الثاني عشر، من ربيع الأول سنة (690هـ)، وهو في الفقه الحنبلي. ويعتبر " الروض المربع" من أهم وأفضل شروح " زاد المستقنع "، وقد لقي قبولًا بين العلماء، وطلبة العلم، وعامة الأمة. وقد حرص د. "خالد الشلاحي" أن يكون التخريج لأحاديث الكتاب متوسطًا، بين الإطالة المملة، والاختصار المخل. وكان منهجه العام في التخريج على النحو التالي: • عزو الأحاديث إلى من رواها من الأئمة المصنفين. • جمع طرق الحديث. • دراسة حال الرواة. • الكلام على الإسناد، وما فيه من علل. • جمع أقوال الأئمة، في الحكم على الحديث، خصوصًا المتقدمين. • ذكر الشواهد للحديث. • ذكر جملة من الفوائد والتنبيهات المهمة، التي يقتضي الحال التنبيه عليها. حيث يقوم المصنف أولًا بعزو الحديث إلى مظانه الأصلية، مستفيدًا من التخريجات السابقة، والغالب في العزو وفق الطبعات المعتمدة، ثم دراسة الرجال وفق أقوال الأئمة، وقد حرص على كتاب "التقريب"، لأنه هو الخلاصة، وحرره الحافظ "ابن حجر" تحريرًا بالغًا، ثم دراسة الإسناد وفق أقوال الأئمة، وقد حرص على أحكام الأئمة المتقدمين، ولم يهمل أقوال المتأخرين رحمهم الله، ثم بيان الاختلاف في الإسناد، والعلل، وقد يقدم الكلام على الأسانيد إذا كان اختلاف الطرق هو علة الحديث، ثم نقل أقوال الأئمة في الحكم على الحديث. وقد حاول تحييد حكمه على الحديث خصوصًا، ورده إلى أهل العلم، واستفاد من مجموعة كبيرة من الكتب في تخريج أحاديث الكتاب منها: كتاب: "التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل"، للشيخ: "صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ"، وكتاب: "التحجيل في تخريج ما لم يخرج في إرواء الغليل"، للشيخ: "عبد العزيز بن مرزوق الطّريفي"، وأيضًا استفاد من تخريجات "الروض المربع" ممن سبقوه من العلماء، فقد كانت هناك محاولات لتخريج "الروض"، وفيها اختصار، وإجمال، وغلب فيها جانب العزو. مثل تخريج الروض لمجموعة من العلماء، منهم الشيخ "خالد المشيقح"، وشاركه مجموعة من مشايخنا الفضلاء. ومن كتاب "القول الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع" للشيخ: "سعيد الغامدي". أما في العزو، فقد استفاد من كتب التخريج وكتب السنة، والمكتبات الشاملة، ومن الجوامع مثل: "جامع المسند والمسانيد"، و"جامع الأصول" لابن الأثير، ومن كتاب "المسند الجامع" لمجموعة من العلماء المعاصرين. يقول الكاتب في مقدمة كتابه: «كما أنبه أن هذا الكتاب وجميع كتبي فيها من الملاحظات، والأخطاء الكثيرة، وقد راجعت هذا الكتاب عدة مرات، وفي كل مرة أجد ما أتعجب منه، ولولا أنه دخلنا المشيب، وخشية إدراك المنية، لما أخرجته.. لكن ها أنا اليوم أخرجه متوكلًا على الله، وعذري أنني حاولت أن أكون مجرد جامع لكن من يدخل في هذا العلم لابد أن يخوض في بحوره، خصوصًا أنه كتاب لا يقرأه إلا المتخصص الذي يميز الخطأ من الصواب». |
المعجم التاريخي للمصطلحات الحديثية المعرفة إصدار ببليوغرافي جديد صدر حديثًا، ضمن منشورات ( مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع) ) بفاس ودار ابن حزم ببيروت: " المعجم التاريخي للمصطلحات الحديثية المعرفة "، من ابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) إلى محمد بن جعفر الكتاني (ت1345هـ)، تخطيط وإشراف أ.د. "الشاهد البوشيخي" الأمين العام لمؤسسة البحوث والدراسات العلمية ((مبدع)) والمدير المؤسس لمعهد الدراسات المصطلحية. وهذا العمل ثمرة أكثر من خمسة عشر عامًا من العمل المتواصل، فيه تعاريف 1643 مصطلح وردت في 47 مصدرًا لـ 28 عالمًا يمثلون عشرة قرون (من ابن أبي حاتم الرازي (ت 327هـ) إلى محمد بن جعفر الكتاني (ت 1345هـ)، في مجلد واحد من 1104 صفحة. مع ترتيب تلك المصطلحات ألفبائيًّا، وترتيب التعاريف تاريخيًّا، وتوثيق المادة العلمية كلّها، ليحقق المعجم بذلك ثلاثة مقاصد: حصر المصطلحات، وتحرير التعاريف، والترتيب المناسب. ويقصد ويراد بالمصطلح الحديثي في هذه الدراسة الألفاظ التي استعملها علماء الحديث وصيروها عنوانًا وعَلَمًا على نوع خاص من أنواع علوم الحديث ومصطلحه، فيما أطلق عليه في العصور المتأخرة علم الحديث الخاص بالرواية، وعلم الحديث الخاص بالدراية، كمعرفة الصحيح والضعيف والحسن والمرسل والمرفوع والمدلس والمختلط وغيرها، وهذه موضوع هذا البحث، خاصة وأن هذا الجانب لازال بكرًا في شقه المعجمي. كما يقصد بـ: "المُعَرّفة": الألفاظ التي تحمل دلالة اصطلاحية في علم الحديث، والتي تم شرحها بنوع من الشرح، فخرج بهذا القيد المصطلحات غير المعرفة التي تأتي في المرحلة الثانية من مراحل تأليف المعجم التاريخي لكل علم، وذلك بعد القيام بالدراسة الوصفية والدراسة التاريخية لهذه المصطلحات، الدراسة بأركانها ومقاصدها المعروفة. فـ «المعجم التاريخي للمصطلحات الحديثية المعرفة» إذن: «جزء من مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات العلمية العربية الذي هو "ذلك العمل العلمي الجامع لكل الألفاظ التي تسمى مفاهيم في أي علم، مرتبة المباني ترتيبًا معجميًّا، لتيسير الوصول إليها، معروضة المعاني عرضًا تاريخيًّا، لرصد التطور الدلالي والاستعمالي الذي طرأ عليها، منذ ولادتها حتى آخر استعمالها». وهذا المعجم نتاج عمل موسوعي ببليوغرافي طيلة السنوات السابقة، وقد خطط له وأشرف عليه أ.د. الشاهد البوشيخي، وجمع مادته تسعة أساتذة متخصصين، وعني بتدقيقه وتصنيف مواده د. عبد الرحمن محجوبي ود. شريفة العمري، وراجعه علميًّا أ.د. الحسين أيت سعيد وأ. د. محمد السرار، ومنهجيًّا أ.د. عز الدين البوشيخي. وهو بذلك عمل دراسي مميز، لجمعه بين التكشيف والاستقصاء والتوثيق، وبين المعجمية والتاريخية، ولطبيعة فريق العمل والإشراف والمراجعة. ثم هو قبل ذلك وبعده حلقة من مشروع ضخم وُلد بمعهد الدراسات المصطلحية، وهو مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات العلمية المعرفة. وقد يسر الله تعالى إنجاز حلقة أخرى من هذا المشروع هي ( المعجم التاريخي للمصطلحات النقدية المعرفة )، والعمل جار لإنجاز ( المعجم التاريخي للمصطلحات اللغوية المعرفة ) من جانب مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع). ويتميز هذا القاموس بعدة ميزات من أبرزها إحصاء المصادر الحديثية مرتبة حسب تاريخ وفاة أصحابها واحدًا بعد آخر، مع ترتيب تعاريف المصطلح الواحد حسب وفاة الشراح الأقدم فالذي يليه، وهذا ما يسهل على القارئ تتبع تطور دلالة المصطلحات في المراحل التاريخية المختلفة، كيف بدأت، وكيف استعملت، وأين استقرت؟. إلى جانب توثيق المصطلحات من المصادر الأصلية التي نقلتها، وذكر الجزء والصفحة التي ورد فيها المصطلح تسهيلًا على الراغب في الرجوع إلى المصدر عند الضرورة إلى ذلك. مع ذكر المصادر التي نقلت التعريف، الأصلي أو الأقدم فالذي يليه، لتلمس مدى تداول المصطلح بعد من شرحه وعرفه، مع وضع بعض الهوامش المساعدة على فهم المصطلحات، موثقة من مظانها الأصلية. |
♦ عنوان الكتاب: التذييل على كتاب الطويل: صحابة غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم . ♦ المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان. ♦ عدد الصفحات: 81. هذه الورقات تتحدث عن صحابة غيّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أسماءهم، وهو تذييل على كتاب الشيخ عبد الله بن إبراهيم الطويل بعنوان "الصحابة الذين غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أسماءهم"، الطبعة الثالثة، عام 1427 هـ. |
شرح ديوان ذي الرمة لابن خروف الأندلسي صدر حديثًا كتاب "شرح ديوان ذي الرُّمَّة" ، تأليف: "أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن خروف الإشبيلي الأندلسي" (ت 609 هـ)، دراسة وتحقيق: "عوض بن محمد سالم الدحيل العولقي"، من إصدارات "نادي المدينة المنورة الأدبي". وهذا الشرح لشاعر من شعراء العصر الأموي الأفذاذ، وأعلامه المشهورين، الذين امتلكوا ناصية اللغة، واحتج العلماء بأشعارهم، وهو الشاعر "غيلان بن عقبة العدوي" المتوفى سنة 117هـ، والملقب بذي الرُّمة، فقد عُدَّ شعره ثلث لغة العرب، كما يقول "ابن دحية" في ترجمته لابن زهر الأندلسي: «وكان شيخنا أبو بكر - رحمه الله - بمكان من اللغة مكين، ومورد من الطب عذبٍ معين، كان يحفظ شعر ذي الرُّمة، وهو ثلث لغة العرب» . ولعظم قدر شعر ذي الرمة الذي لا يخفى على دارسٍ للأدب واللغة، فقد تناولته جهود العلماء اللغويين والأدباء الجهابذة بالدراسة والشرح والتحليل، فعقدت له الشروح واحتفى به العلماء واللغويون والأدباء أيما احتفاء، بل نجد بعضهم كالزمخشري الذي «يخيل إليك أنه بنى معجمه على شعر ذي الرمة، إذ لا تكاد تمضي مادة ليس فيها شاهد من شعره، بل ربما عَرَض في المادة الواحدة شاهدين أو أكثر، وكل ذلك يؤكد أن ذا الرمة كان من أكثر الشعراء دوران شعرٍ في كتب اللغة، إن لم يكن أكثرهم جميعًا». وهذا الشرح شرح جديد من الشروح التي عُقِدت على هذا الديوان، لمخطوط لم يحقق من قبل عثر عليه المحقق "عوض الدحيل العولقي" بالمكتبة الوطنية الجزائرية يحوي هذا الشرح لابن خروف الأندلسي، قام الكاتب بدراسته كأطروحة علمية لنيل درجة الماجستير بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وذلك في الأدب والبلاغة، تحت إشراف د. "سفير بن خلف متعب القثامي" ، وذلك عام 1433 هـ. وقد قام الباحث في هذه الدراسة بتحقيق ودراسة لكتاب (شرح ديوان ذي الرّمة) لعالم اللغة ابن خروف الأندلسي، ويعد تحقيق هذا الشرح لابن خروف ركنًا داعمًا للدراسات الأدبية العربية التي تناولت ديوان ذي الرمة ونتاجه الشعري، ويستدرك النقص في الدراسات السابقة التي لم تشر لهذا الشرح. وهو شرح تفرد به ابن خروف بشرح ديوان ذي الرمة؛ لكونه الأندلسي الوحيد الذي تناول شعر هذا الشاعر بالشرح والتعليق، دون غيره من علماء اللغة والأدب المعاصرين له حسب ما ورد إلينا إلى اليوم. وقد قسم البحث إلى قسمين: القسم الأول: الدراسة، وفيه فصلان: الفصل الأول: التعريف بمؤلف الكتاب. الفصل الثاني: دراسة الكتاب. القسم الثاني: النص المحقق. وقد كانت نتيجة البحث على النحو التالي: يعد شرح ابن خروف لديوان ذي الرمة في مجمله من الشروح الشعرية التي لا يستقل أصحابها بالتأليف فيها؛ وإنما يعتمدون على أعمال سابقيهم ويحذون حذوهم، وقد كان يشير في العديد من المواضع في شرحه إلى آراء الشرَّاح الذين سبقوه. وقد كان يشرح الأبيات بيتًا بيتًا مبتدئًا بتفصيل معاني المفردات، ومن ثم يذكر المعنى العام للبيت، وكما نجده يستثمر تفسير البيت؛ لإبداء لمحات نقدية ضمنها شرح الأبيات، مستقصيًا في بعض المواضع الأصل اللغوي الذي اشتق من اللفظ المفسر. ولا توجد إشارات صريحة بأسماء كتب أو مصادر مشهورة؛ ولعل السبب في ذلك الطريقة الإملائية التي اتبعها ابن خروف في شرحه. وقد قيل عن شعر ذي الرمة: إنه ثلث لغة العرب! والتحقيق المشهور لهذا الكتاب هو تحقيق المستشرق "مكارتني"، وقد نقده الدكتور عبد القدوس أبو صالح في مقدمته وبين ما فيه، وقد قال الدكتور عبد القدوس في مقدمته: «وبذلت في هذا السبيل [سبيل جمع مخطوطات الديوان] أكثر من سنتين كاملتين حتى وصلت إلى (43) مخطوطة من نسخ الديوان وشروحه وبائيته المشهورة». لذا تعد هذه المخطوطة لديوان ذي الرمة مخطوطة جديدة تضاف لحقل الدراسات الأدبية لشاعر من أهم شعراء العصر الأموي. ونجد أنه قد ذُكِرَ أن أول شرح لديوان ذي الرمة، هو شرح ابن خروف الأندلسي، وهو علي بن محمد بن علي بن محمد بن نظام الدين الحضرمي، المعروف بابن خروف الأندلسي الإشبيلي. ولد ابن خروف بإشبيلية سنة 525 هجرية وكان إمامًا في العربية محققًا مدققًا ماهرًا مشاركًا في الأصول، وكان في خلقه زعارة لم يتزوج قط، كان مقرئًا مجودًا عارفًا بالقراءات، وله في الحديث وعلومه يد، وهو من أوائل العلماء الذي رجّحوا الاحتجاج بالحديث، على صحة المفردات اللغوية والأساليب الفصيحة. كان يتجول في البلاد في طلب التجارة، بين رندة وإشبيلية وسبتة وفاس ومراكش، وأقام في حلب مدة، وكان يفيد أهل كل مدينة يدخلها للتجارة، فيقصده الطلبة من أهلها، فمتى حل ببلد انتصب لتدريس ما كان لديه من المعارف ريثما ينهي غرضه من البيع والإقامة ويستوفي الجعل على الإقراء من الطلبة، ولا يسمح لأحد بالقراءة عليه إلا بجعل يرتبه عليه ثم يرحل. وكان وقور المجلس مهيبًا، اشتهر بعنايته بـ "الكتاب" لسيبويه وشرحه وإقرائه، وقد صنف عليه شرحا سماه "تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب"، وحمله إلى سلطان المغرب فأعطاه ألف دينار، وهو من مليح مصنفات أهل الأندلس في هذا الباب. وكانت وفاته في إشبيلية سنة 610 هجرية، عن خمس وثمانين سنة، وكان قد فقد عقله حتى مشى في الأسواق عاريًا. وكان شرحه لديوان ذي الرمة معتمدًا في بلاد نجد وشبة الجزيرة خاصةً في محاضر العلويين والحسنيين كما يقول الباحث الدكتور "محمد ولد المحبوبي". ومن شعر ذي الرمة قوله: مَا بَالُ عَيْنِكَ مِنْهَا الْمَاءُ يَنْسَكِبُ كَأَنَّهُ مِنَ كُلىً مَفْرِيَّةٍ سَرِبُ أَسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ عَنْ أَشْياَعِهِمْ خَبَرًا أَمْ رَاجَعَ الَقْلبَ مِنْ أَطْرَابِهِ طَرَبُ لاَ بَلْ هُوَ الشَّوْقُ مِنْ دَارٍ تَخَوَّنهَا مَرًّا سَحَابٌ وَمَرًّا بَارِحٌ تَرِبُ دِيَارُ مَيَّةَ إِذْ مَيٌّ تُساَعِفُنَا ولا يرى مثلها عُجمٌ ولا عربُ برّاقةُ الجيدِ واللَبّاتِ واضحةٌ كأنَّها ظبيةٌ أفضى بها لببُ بين النَّهارِ وبينَ اللّيلِ من عقدٍ عَلَى جَوَانِبِهِ الأْسْبَاطُ وَالْهَدَبْ لمياءُ في شفتيها حوَّةٌ لعسٌ وفي اللِّثاتِ وفي أنيابِها شنبُ كَحْلآءُ فِي بَرَجٍ صَفْرَآءُ فِي نَعَجٍ كأنَّها فضَّةٌ قدْ مسَّها ذهبُ وَالْقُرْطُ فِي حُرَّةِ الذّفْرَى مُعَلَّقَةٌ تباعدَ الحبلُ منهُ فهوَ يضطربُ تلك الفتاةُ التي علِّقتُها عرضًا إنّ الكريمَ وذا الإسلامِ يُختلَبُ لَيَالِيَ اللَّهْوُ يَطْبِينِي فَأَتْبَعُهُ كَأَنَّنِي ضَارِبٌ فِي غَمْرَةٍ لَعِبُ لاَ أَحْسِبُ الدَّهْرَ يُبلِي جِدَّةً أَبَدًا وَلاَ تُقَسِّمُ شَعْبًا واحِدًا شُعَبُ وذو الرُمَّة (77 - 117 هـ / 696 - 735 م) هو غيلان بن عقبة بن نهيس بن مسعود العدوي، من مضر. والرُّمَّة: هي الحبل. من فحول الطبقة الثانية في عصره، قال أبو عمرو بن العلاء: "فتح الشعر بامرئ القيس وختم بذي الرمة". كان شديد القصر دميمًا، يضرب لونه إلى السواد، أكثر شعره تشبيب وبكاء أطلال، يذهب في ذلك مذهب الجاهليين وكان مقيمًا بالبادية، يختلف إلى اليمامة والبصرة كثيرًا، امتاز بإجادة التشبيه. قال جرير: "لو خرس ذو الرمة بعد قصيدته (ما بال عينيك منها الماء ينسكب) لكان أشعر الناس". وقال أبو عمرو بن العلاء: "شعر ذي الرمة نقط عروس". عشق (ميّ) المنقرية واشتهر بها. وقيل: إن الفرزدق وقف عليه وهو ينشد، فأعجبه شعره، وقيل: إن الوليد قال للفرزدق: أتعلم أحدا أشعر منك؟ قال: غلام من بني عدي، يركب أعجاز الإبل، يريد ذا الرمة. ويقال إنه كان ينشد شعره في سوق الإبل، فجاء الفرزدق فوقف عليه، فقال له ذو الرمة: "كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس"، فقال: "ما أحسن ما تقول"، قال: "فما لي لا أذكر مع الفحول"، قال: "قصر بك عن غايتهم بكاؤك في الدمن وصفتك للأبعار والعطن"... توفي بأصبهان، وقيل: بالبادية، كهلًا وهو في سن الأربعين، سنة سبع عشرة ومائة. |
عرض كتاب: أساسيات علم الوبائيات • الكتاب: أساسيات علم الوبائيات. • المؤلفون : ر. بيغلهول، ر.بونيتا، ت. كييلستروم. • ترجمة: د. جيهان أحمد محمد فرج. • تقديم: د. حسين عبدالرزاق الجزائري. • الناشر: المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر- دمشق. • سنة النشر: 2008 م. • • • • • ي تضمن هذا الكتاب محاور عديدة تهتم بالتعريف بعلم الوبائيات، وعملية قياس الصحة والمرض، وأنماط الدراسة لعوامل التسبب في الأوبئة، والفرق بين الأمراض المزمنة غير السارية، والأمراض السارية، كما يعرض تاريخ الوبائيات الحديثة، ونجد أن الدور الأساسي لعلم الوبائيات هو تحسين صحة السكان، وذلك بملاحظة العوامل البيئية المتسببة في حدوث أي وباء عالمي، ومقاومة تلك العوامل أو تحسينها لتلافي انتشار المرض. ويمكن تلخيص الغرض من هذا الكتاب في عدة عناصر على النحو التالي: • شرح مبادئ تسبيب المرض مع التأكيد بوجه خاص على العوامل البيئية القابلة للتعديل، وتشمل السلوكيات المحددة بيئيًا. • تشجيع تطبيق علم الوبائيات في مجال الوقاية من المرض، والارتقاء بالصحة. • إعداد الأفراد في المهن المتعلقة بالصحة لمواجهة الحاجة إلى الخدمات الصحية من أجل الاهتمام بجميع جوانب صحة السكان، ولضمان استخدام الموارد الصحية على نحو يؤدي إلى أفضل نتيجة ممكنة. • تشجيع الممارسة السريرية الجيدة بإدخال مفاهيم الوبائيات السريرية. وفي نهاية هذا المقرر الطبي يكون القارئ قادرًا على إظهار معرفته بما يلي: • طبيعة علم الوبائيات وفوائده. • المنهج الوبائي لتعريف الحالات المتعلقة بالصحة في المجموعات السكانية وقياس حدوثها. • نقاط القوة والقصور في تصاميم الدراسة الوبائية. • المنهج الوبائي في دراسة التسبيب. • وصف الأسباب العامة للوفاة والمرض والتعوق في المجتمع. • إسهام علم الوبائيات في الوقاية من المرض، وتعزيز الصحة، وتطوير السياسة الصحية للدول المنكوبة. • إسهام علم الوبائيات في الممارسة السريرية الجيدة. • دور علم الوبائيات في تقييم الرعاية الصحية وكفاءتها. • إلى جانب تمكن الطبيب من وصف الأسباب الشائعة للوفاة والمرض والعجز في المجتمع. • وضع الطبيب تصاميم دراسة مناسبة للإجابة على أسئلة محددة تتعلق بتسبيب المرض، والتاريخ الطبيعي، والمآل، والوقاية، وتقييم المعالجة، والتدخلات الأخرى للوقاية من المرض ومكافحته. ونجد أن أصل علم الوبائيات يعود إلى الفكرة التي عبر عنها " أبقراط " منذ 2000 سنة ألا وهي أن "العوامل البيئية تؤثر في حدوث المرض" ، ومنه تطور هذا العلم في القرن التاسع عشر من الربط بين الوباء وحدوثه على نطاق واسع اجتماعيًا حيث لوحظ على سبيل المثال أن خطر الكوليرا في لندن في القرن التاسع عشر (خلال الفترتين 1848-1849 و1853-1854) كان يرتبط بشرب الماء الملوث الذي كانت تزودها به إحدى الشركات، وهو ما ساهم في التعرف على مسبب الوباء، وفهم تسارع وتيرة انتشاره بين السكان، واستخدامهم كوسيط لنشر متوالية الوباء وقتها. ويعتبر علم الوبائيات في شكله الحديث منهجًا دراسيًا جديد نسبيًا ويستخدم طرقًا كمية لدراسة الأمراض في المجموعات السكانية، ليخبر عن جهود الوقاية والمكافحة، على سبيل المثال، قام كل من "ريتشارد دول" و"أندرو هيل" بدراسة العلاقة بين تدخين السجائر وسرطان الرئة في بداية الخمسينات، حيث ربطا بين العلاقة بين السرطنة الناجمة عن "قطرنة السجائر" وذلك عن طريق العديد من الملاحظات السريرية التي تربط بين التدخين وسائر العوامل المحتملة وبين مرض سرطان الرئة على وجه الخصوص. وقد جاء الكتاب في تمهيد وأحد عشر فصلًا: حيث يبدأ الكتاب بتعريف الوبائيات، ويعرض تاريخ الوبائيات الحديثة، ويقدم أمثلة على استخدام تطبيقات الوبائيات. ويعرض الفصل الثاني من الكتاب قياس التعرض للوباء والمرض. ويعرض الفصل الثالث نبذة عن الأنواع المختلفة من تصاميم الدراسة لملاحظة انتشار الوباء وسببه، وأوجه القوة والقصور فيها. إلى جانب بيان المدخل إلى الطرق الإحصائية لملاحظة الوباء. والفصل الرابع يصف إدراك المفاهيم الأساسية والأدوات المتاحة لتحليل المعطيات وتقييم تأثير التدخلات في معرفة الوباء وخطره. أما الفصل الخامس فيعرض المهمة الأساسية لاختصاصيي الوبائيات وهي إدارك عملية إصدار الأحكام السببية. أما مجالات تطبيقات علم الوبائيات في مجالات واسعة في الصحة العمومية فتعرضها الفصول التالية: الأمراض المزمنة غير السارية (الفصل السادس)، والأمراض السارية (الفصل السابع)، والوبائيات السريرية (الفصل الثامن)، والوبائيات البيئية والمهنية ووبائيات الإصابة (الفصل التاسع)، وتوجز الفصول الأخيرة عملية التخطيط الصحي حيث تقدم الخطوات التي يستطيع اختصاصيو الوبائيات الجدد اتخاذها لتعزيز تعليمهم، كما يقدم الروابط لعدد من الدورات الحالية في علم الوبائيات والصحة العمومية. ومن خلال هذه الدراسة نجد أن علم الوبائيات يهتم بمسيرة الأمراض وحصيلتها في الأفراد والمجتمعات، وكثيرًا ما يستعمل علم الوبائيات لوصف الوضع الصحي للمجموعات السكانية، ومؤخرًا بات الوبائيون يهتمون بتقييم فعالية وكفاءة الخدمات الصحية، وتحديد مدة المكوث الملائمة في المستشفى، وتحت الملاحظة من أجل أحوال نوعية محددة، وقيمة معالجة ضغط الدم المرتفع، وفعالية الإجراءات الصحية لمكافحة أمراض الإسهال وقصور الشريان التاجي والسرطانات الناجمة عن عوامل بيئية غير طبيعية...، وغيرها من متطلبات الصحة العمومية للدول بشكل إجمالي. ومن منجزات علم الوبائيات استئصال مرض الجدري من العالم، لا سيما في الكثير من البلدان الأكثر فقرًا، حيث حدث انخفاض كبير نتيجة ملاحظة أسباب المرض، وبيان تكون خلايا وبلازما وقاية المرض في المصابين بعدوى جدري البقر مرة واحدة على الأقل خاصةً، وهو ما ساهم في انخفاض سريع في عدد الدول المبلغة عن المرض في الحالات في الفترة من 1967-1976 وفي عام 1976 لم يبلغ عن الجدري إلا من قبل بلدين فحسب، وفي عام 1977 جرى التبليغ عن آخر حالة جدري تحدث طبيعيًا. ولوحظ منذ القرون الوسطى تسمم شديد لدى الأشخاص في ميناء "ماتا" باليابان نتيجة تلوث مياه الصرف الخارجة من أحد المعامل بالميناء بمادة ميثيل الزئبق، وهو الأمر الذي تم تفسيره خطأ في بداية المرض بأنه عبارة عن التهاب سحايا مُعدٍ، لكن بملاحظة أن أغلب الإصابات وسط عائلات كانت تعتمد في غذائها على السمك الملوث بمادة الزئبق أمكن احتواء المرض والتعرف على طرق إنهائه تقريبًا منذ الستينات. ونجد أن الحمى الروماتزمية ارتبطت بالفقر ولا سيما الازدحام ومظاهر السكن السيء في الأماكن العشوائية، ونجد أنه في عديد من الدول المتقدمة بدأت الحمى الروماتزمية بالتراجع في بداية القرن العشرين قبل إدخال الأدوية الفعالة حتى، كالسلفوناميد والبنسلين، وذلك عن طريق تحسين عوامل السكن والتهوية واتباع إجراءات الوقاية وسرعة احتواء العدوى، وهو ما يمكن تطبيقه في كل وباء عالمي جديد. أما الإيدز أو مرض نقص المناعة المكتسب فعرف أول مرة عام 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية (45%) والذي شهد أكبر انتشار له، ومنه انتقل إلى أوروبا (13%)، وأفريقيا (30%) وآسيا ومناطق أخرى (12 %)، وعلى الرغم من عدم وجود ترياق فعال لتقليل دمار الخلايا المناعية لدى الشخص المصاب؛ فبالتعرف على أسبابه يمكن تحجيم خطورته وانتشاره حيث لوحظ انتشاره عن طريق الجماع الجنسي أو المشاركة في الحقنات الملوثة أثناء نقل الدم حيث يوجد الفيروس في سوائل معينة من البدن، وخاصة الدم والسائل المنوي والسائل المهبلي الرحمي، ومن ثم نتيجة تقليل الممارسات الجنسية الخاطئة وتشجيع الممارسات الجنسية المأمونة تحت ظل الزواج والعلاقات السوية، واتباع معايير أكثر صرامة أثناء عمليات نقل الدم من شخص لآخر أمكننا السير في الحد من انتشار وباء الإيدز في الوقت الحاضر. ونجد أن معرفة السبب هو أسلوب ناجح لدراسة فشو العدوى الوبائية، فقد تبين بملاحظة حالات السالمونيلا أن سلطة الدجاج والحلوى الدسمة كانا معًا سببين كافيين للإسهال الناتج عن جراثيم السالمونيلا، ومنه تم معرفة انتشار الجراثيم وانتقالها عن طريق الغذاء الملوث بالجرثومة المبتلعة، أو المادة الغائطية (سواء براز الإنسان أو الحيوانات ولا سيما الدجاج) التي تنتقل إلى الماء أو الطعام مما يؤدي إلى العدوى عند تناولهما، وهو ما أدى لسرعة البحث عن علاج للعدوى والحد منها في وقت قصير نسبيًا. وقد أدى عمل " باستور " على الميكروبات إلى صياغة القواعد العامة لانتشار الميكروبات الوبائية أولًا على يد "هنلي" ثم على يد " كوخ " لتحديد ما إذا كان كائن حي معين يسبب مرضًا معينًا: • حيث ينبغي وجود الميكروب في كل حالة من حالات المرض. • ينبغي أن يكون الميكروب قابلًا للاستفراد isolated والنمو في مزرعة نقية. • ينبغي أن يسبب الميكروب مرضًا معينًا، عندما يلقح به حيوان مستعد وهو ما يبرز دور "الوسيط الحيواني". • ينبغي استعادة الميكروب بعد ذلك من الحيوان ويتم تحديده. وهذه القواعد ميزت أغلب الوبائيات التي ظهرت حديثًا كجرثومة الجمرة الخبيثة وجنون البقر وأنفلونزا الطيور ووباء سارس. ففي مرض جنون البقر لوحظ أن الوباء بين المواشي يتسبب فيه الغذاء الملوث بجثث المواشي الأخرى المصابة بالعدوى وتم السيطرة عليه في النهاية بمنع استخدام البروتينات المجترة كغذاء للمواشي. وفي مرض أنفلونزا الطيور الذي انتشر عام 2003 في آسيا ومنه انتقل إلى أجزاء من أوروبا وأفريقيا في عامي 2005 -2006 تم تحجيم المرض عن طريق قتل الوسيط الحاضن للفيروس حيث تم ذبح 40 مليون طائر في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس غير المفهوم وقتها كيفية علاجه، وهو ما كان وسيلة ناجعة لخفض فرص العدوى بين البشر وإيقاف متوالية الإصابة والوفاة المتكررة. أما المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس) فظهرت في شهر نوفمبر عام 2002 في الصين الجنوبية ونتيجة سفر بعض هؤلاء المرضى دون إجراءات وقاية انتشر المرض سريعًا في الشهور التالية مما نجم عنه ما يزيد عن 900 حالة وفاة في 12 بلدًا، وهو ما أدى لضرورة إجراءات تقييد الحركة وتشديد إجراءات الحجر الصحي في المناطق المنكوبة قبل معرفة سبب المرض الذي كان يصنف على أنه التهاب رئوي لا نموذجي مجهول السبب. وبذلك نجد أن البحوث الوبائية المعنية بتلك الجوائح المفاجئة ساعدت في تحديد سمات العامل المسبب للمرض وطرق انتقال العدوى وسبل الوقاية الناجعة قبل اكتشاف أي ترياق لحل المشكلة جذريًا، وهو ما يبرز أهمية علم الوبائيات، والضرورة القصوى لإجراءات مكافحة ديناميكة انتشار الوباء، وهو ما يدلل على أهمية ذلك العلم وأسسه في مكافحة كل ما يستجد من أوبئة عالمية طارئة على عالمنا وحياتنا المعاصرة. |
تعقبات الطاهر ابن عاشور على من سبقه من المفسرين في علم المكي والمدني صدر حديثًا "ت عقبات الطاهر ابن عاشور على من سبقه من المفسرين في علم المكي والمدني ( من أول سورة الفاتحة حتى آخر سورة الناس) جمعًا ودراسة "، وهي سلسلة بحوث تكميلية للحصول على الماجستير لثمان من الباحثات في جامعة الملك خالد بأبها، نشر دار " كنوز إشبيليا ". وهي مشروع رسائل علمية قدمت في قسم القرآن الكريم وعلومه بجامعة الملك خالد لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير على عدد من الطالبات على النحو التالي: • (من بداية سورة الفاتحة إلى نهاية سورة التوبة) للباحثة: تركية بنت سعيد حسن الوادعي. • (من بداية سورة يونس إلى نهاية سورة إبراهيم) للباحثة: جوهرة بنت محمد آل سلطان الشهراني. • (من بداية سورة الحجر إلى سورة الأنبياء) للباحثة: زينب بنت قاسم يحيى المالكي. • (من بداية سورة الحج إلى نهاية سورة السجدة) للباحثة: ليلى بنت ظافر الشهري. • (من بداية سورة الأحزاب إلى نهاية سورة الجاثية) للباحثة: فاطمة بنت سعيد سعد عمير العسيري. • (من بداية سورة الأحقاف إلى نهاية سورة التغابن) للباحثة: حليمة بنت عبدالله محمد نقاز عسيري. • (من بداية سورة التحريم إلى نهاية سورة البلد) للباحثة: صفية بنت محمد علي آل مغنم عسيري. • (من بداية سورة الليل إلى نهاية سورة الناس) للباحثة: منال بنت عبدالإله محمد العتيبي. وذلك تحت إشراف د. سعيد بن محمد سعد عباش الشهراني. وهذه الفكرة تنبع من جمع الرسائل العلمية وتخفيف الحواشي لتخرج في مجلد واحد لجمهور القارئين. قام المفسر " محمد الطاهر ابن عاشور " في تفسيره الضخم " التحرير والتنوير " بتعقب آراء بعض المفسرين الذين سبقوه، وذلك في بعض مباحث القرآن، ومنها مسألة السور المكية والمدنية، حيث قامت الباحثات في هذا البحث بتتبع اعتراضات وتعقبات " ابن عاشور " واستدراكاته على غيره من المفسرين في مسألة المدني والمكي، حيث قامت الكاتبات بدراسة التعقبات موضع البحث، وتتبعها في مظانها من كتب التراث، ليقفن حكمًا بين "ابن عاشور " وغيره من المفسرين، ليرى بعد البحث أي الرأيين أقرب لمناسبة الآية، وقد سلك البحث المنهج العلمي في نقد الأقوال، وكانت غاية الباحثة هي معالجة الأقوال دون الالتفات إلى شخصيات المفسرين رحمهم الله جميعًا. وقد خلص الباحث في بحثه إلى أن بعض هذه التعقبات كان "ابن عاشور " مصيبًا فيها وبعضها الآخر كان الصواب فيها مع غيره من المفسرين. وقد بينت الباحثات صيغ التعقبات عند ابن عاشور ومنهجه فيها، وقدمت للكتاب بمقدمة وافية عن الطاهر ابن عاشور وتفسيره " التحرير والتنوير "، من حيث مكانته وأهميته، ومنهجه في التفسير، وبيان مصادره في التفسير. |
شرح نيل الأرب من قواعد ابن رجب لعبد الله بن أحمد الخولاني صدر حديثًا كتاب " شرح نيل الأرب من قواعد ابن رجب "، للعلامة محمد الصالح العثيمين (ت 1421هـ)، كتبه: " عبدالله بن أحمد الخولاني "، توزيع " دار أطلس الخضراء ". ويتناول هذا المجلد شرح كتاب " نيل الأرب " لابن عثيمين؛ وهو بدوره في شرح كتاب " القواعد " لابن رجب الحنبلي، من باب إرساء قواعد أصول الفقه حسب المذهب الحنبلي، حيث تندر فيه المؤلفات، ووقع اختيار الكاتب على كتاب " القواعد " لابن رجب الحنبلي لأنه "بين كتب القواعد الفقهية: نادرة، ودرة ساحرة، بل هو عجيبة من عجائب الكتب، تُنمي عن دراية تامة بالمذهب، وإحاطة محكمة بأصوله وفروعه، حتى صار عمدةً لمن جاء بعده في معرفة المذهب، كما قال المرداوي في مقدمة " الإنصاف " حيث يقول: «فالاعتماد في معرفة المذهب من ذلك على ما قاله المصنِّف، والمجد، والشارح، وصاحب " الفروع "، و"ا لقواعد الفقهية "». إلى جانب أنه من أصعب كتب فقه الحنابلة وأدقها، ولا ينتفع به الانتفاع المطلوب، إلا من له إلمام قوي بفقه المذهب الحنبلي، وإحاطة متقنة بفروعه، ولو - على الأقل - بما في كتاب " الروض المربع ". وقد رأى الكاتب دراسته على مرحلتين: الأولى: قراءة متقنة لتلخيص " القواعد الرجبية " للعلامة ابن عثيمين رحمه الله الموسوم بـ "نيل الأرب من قواعد ابن رجب " ودراسته دراسة يتمكن بها الطالب من استيعاب القواعد لفظًا ومعنى، ويحيط بمبانيها ومقاصدها حفظًا وفهمًا. والثانية: هي قراءة الأصل لابن رجب قراءة مستخلص متعلم، متفحص متفهم. واختيار الكاتب لتلخيص "ابن عثيمين" على غيره من التلخيصات لسببين: • لوجازته، وقلة حروفه ومبانيه. • ولإحاطته، وكثرة معانيه. «فإنه لم يكد يشذ عنه من مقاصد قواعد ابن رجب إلا النادر، أو إلا القليل، في سبك مختصر، ولفظ منتقى معتصر، كمسبوك الذهب» حسب تعبير الكاتب. والكاتب قام بشرح " نيل الأرب " وذلك بتعريف معاني كلام ابن عثيمين وابن رجب رحمهما الله، وضرب الأمثلة الشارحة على المتنين، بشكل يُمكِّن الطالب من معرفة القواعد الفقهية على المذهب الحنبلي، فيدري كيف انبنت الفروع على الأصول، وكيف انبثقت المسائل عن تلك القواعد، وأيضًا: يفهم كيف انطبقت الأصول على الفروع، وكيف اشتملت تلك القواعد على تيْكَ المسائل. والقواعد الرجبية وضعه ابن رجب الحنبلي (توفي ٧٩٥هـ) تحت عنوان: ( تقرير القواعد وتحرير الفوائد ). قال المؤلف في بدايته: «فهذه قواعد مهمة وفوائد جمة، تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد وتقرب عليه كل متباعد، فليمعنْ الناظرُ فيه النظر، وليوسعْ العذر إن اللبيب من عذر، فلقد سنح بالبال على غاية من الإعجال، كالارتجال أو قريبًا من الارتجال، في أيام يسيرة وليال». وهو يحوى ١٥٠ قاعدة، أردفها بفصل يحتوي على فوائد تلحق بالقواعد، وقد بلغ عددها ٢١ فائدة. لكن كثيرًا من قواعده ضوابط فقهية لا قواعد كلية. ومع ذلك؛ فكتاب " القواعد " لا يمثل صورة استنباط للمسائل الشوارد وردها لأصولها فقط، بل يمثل أيضًا الحكم الذي استقر عند فقهاء الحنابلة نتيجة قواعدهم المعروفة. والشاهد من هذا النقل إظهار قيمة ترجيحات وتصحيحات ابن رجب في هذا الكتاب. وقد مدح هذا الكتابَ جميعُ مَنْ نظر فيه، فضلًا عن مطالعيه، وقد أفصح غير واحدٍ عن ذلك، فقال يوسف بن عبد الهادي، المعروف بـ (ابن المِبْرَد) (المتوفى 909 هـ): « وكتاب "القواعد الفقهيّة" مجلد كبير، وهو كتاب نافع من عجائب الدَّهر، حتَّى أنَّه استُكْثِرَ عليه، حتَّى زعم بعضُهم أنَّه وجد قواعدَ مبدَّدَةً لشيخ الإسلام ابن تيمية فجمعها، وليس الأمر كذلك، بل كان رحمه اللَّه فوق ذلك». وقال ابن مفلح (المتوفى 884 هـ): « و"القواعد الفقهية" تدلُّ على معرفةٍ تامّةٍ بالمذهب». وقال ابن حجر (المتوفى 852 هـ): « و" القواعد الفقهية " أجاد فيه». وذكر هذا الإعجاب غير واحدٍ من المعاصرين، فقال بعضهم عنه: «أما الكتاب فهو من أنفس وأحفل الكتب للقواعد في الفقه الحنبلي، وحمل من الثَّروة الفقهية ما يَجلُّ عن الوصف والبيان، وقديمًا وجدنا العلماء يثنون عليه، ويقول صاحب " كشف الظنون ": "وهو كتاب نافع من عجائب الدهر، وإن مما يدهش العقل أن المؤلف صنّفه في أيامٍ يسيرة». وقال الأستاذ مصطفى الزّرقاء عنه: «وهو كتاب عظيم القيمة، يحمل من الثروة الفقهية ما يجل عن الوصف، وقد وصفه صاحب "كشف الظنون" بأنه من العجائب». أما شرح ابن عثيمين فيعد تقريبًا الشرح الوحيد والشهير للكتاب، وهو من إملاءاتٍ عليه في حلقاته التعليمية في " بريدة " بالمملكة العربية السعودية، وفيه تعليقات نفيسة على مواطن كثيرةٍ من هذا الكتاب، وعُرفَ الكتاب بـ" نيل الأرب من قواعد ابن رجب "، وهو اختصار لهذه القواعد مع شرح وتبسيط لها تيسيرًا على طالب العلم دراستها وحفظها والانتفاع بها. يقول الشيخ " ابن عثيمين " في مقدمة الشرح: «إن كتاب ( قواعد الفقه ) علي مذهب الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، الذي ألفه ذو المقام الرفيع المشيد، لقد حوى من الحسن وجمع المعاني ما تفرد به عن غيره، أصَّلَ فيه قواعد بني عليها من فروع الفقه ما تبدد، وكان من الصعب حفظ هذه القواعد، بفروعها الشوارد، فاستخرت الله في اختصار قواعد، وحذف فروعها؛ تقربًا إلي الله تعالى، ورجاءً لسهولة حفظها». |
كيف تبنى عاداتك الإيجابية لمشعل عبد العزيز الفلاحي صدر حديثًا " كيف تبنى عاداتك الإيجابية " تأليف د. " مشعل عبد العزيز الفلاحي "، وذلك عن دار القلم- دمشق. ويحتوي الكتاب على برامج عملية، ومشاريع تطبيقية، وخطوات إثرائية، ورحلة لبناء مستقبلك من خلال تجارب ميدانية، ويعزز الكتاب دور الإيجابية في حياة المسلم، فالإيجابية لها مكانة خاصة، وأهميتها محورية في تحديد نظرتك تُجاه الحياة، كلما كانت نظرتك لحياتك إيجابية، كنت أكثر توقدًا ونشاطًا فيها، فمن تفاءل خيرًا وجده، ومن سعى في سبيل الحياة، حقق ما يريد منها؛ ولذلك فإن الأفكار السلبية السوداوية لن تزيدَ الإنسانَ إلا تعاسة، أما عكسها فهو مفتاح الفلاح والنجاح. يقول د. " مشعل عبدالعزيز الفلاحي " في مقدمة كتابه: « أحاديث البناء أحاديث ضخمة لا تصلح إلا لك! فأنت فارس الرهان، وصاحب الراية، وكاتب قصة التغيير الكبرى في حياتك الخاصة وفي مساحاتك الممكنة. ولن تتشكل حياتنا كما يُراد لها إلا إذا وجدت مؤمنًا بقدراته وإمكاناته وطاقاته ومهاراته، وموقنًا بأن صعوبة البدايات تحتاج إلى صناع أحلام، وأصحاب عزائم، تتحطم على أيديهم ومن خلال عزائمهم كل العقبات، ومن بدايات الطريق. وأنت أحد من عنيت بكتابي (كيف تبني عاداتك الإيجابية؟) .. فكن في مستوى الأحلام!.. ولئن توقد شمعة في الظلام خيرٌ لك ألف مرة من أن تلعن ذلك الظلام». ويرى الكاتب أن العادات في وقتنا الحالي هي التي تشكل واقع الإنسان المعاصر، والتي تفرضها عليه البيئة المحيطة والواقع الذي يعيش حولهم ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، لذا من الواجب أن نعزز العادة الحسنة لدى الإنسان، فالإنسان الناجح هو عبارة عن عادة إيجابية تم تعزيزها، والإنسان الفاشل هو عبارة عن عادة سلبية وقع الإنسان أسيرًا لها، لذا بالتالي التخلي عن قولبة الإنسان في أسر العادات السلبية وتعزيز الصفات الإيجابية هو الهدف الأول للكتاب. والمؤلف د. " مشعل عبد العزيز الفلاحي " هو مدرب متخصص في التنمية البشرية، حائز على ماجستير شريعة، وطالب في مرحلة الدكتوراه جامعة مكة المكرمة المفتوحة، يعمل مشرفًا تربويًا، ومديرًا تنفيذيًا لمشروع القيم النبوية بإدارة التربية والتعليم، وهو أمين جمعية البر الخيرية بوادي من سنة تأسيسها 1422هـ إلى تاريخه، وعضو مجلس إدارة مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بوادي حلي، ونائب رئيس جمعية تحفيظ القرآن الكريم بحلي، ومن مؤلفاته: • مشروع العمر. • ابدأ كتابة حياتك. • أفكار تصنع الحياة. • قصة حلم. • في ظلال السيرة النبوية. • رمضان يبني القيم. • بوح المشاعر. • رسائل دعوية. • القراءة والأسئلة الناهضة. • حدث في رمضان. |
كتاب الضعفاء والمتروكين للإمام البخاري بتحقيق سالم العماري صدر حديثًا كتاب " كتاب الضعفاء والمتروكين "، المشهور: بالضعفاء الصغير، للإمام البخاري (ت 256هـ)، رواية آدم بن موسى الخُوَاري، ويليه: قطعة من رواية مُسبِّح بن سعيد، تحقيق د. "سالم بن صالح العمّاري "، من إصدارات "مركز إحسان لدراسات السنة النبوية". وقد أجمعت المصادر على أن للإمام البخاري كتابًا ألفه في الرواة الضعفاء والمطروحين، وقد رواه عنه أربعة من تلامذته، وهم: "آدم بن موسى الخُوَاري"، و"ابن حماد الدولابي"، و"مسبِّح بن سعيد"، و"محمد بن شعيب الغازي". وقد طبع الكتاب قديمًا باسم: "الضعفاء الصغير"، وهو من رواية "آدم بن موسى". وكتاب "الضعفاء الصغير " من أهم كتب الجرح والتعديل والتراجم، وقد رتبه المصنف على وفق حروف المعجم، وذيله بباب الكنى، وقد ابتعد فيه المصنف عن الإطالة وكثرة الأخبار؛ فهو لا يترجم إلا لهدف محدد هو خدمة الحديث ليقوي سندًا أو يضعفه أو ليدفع المحدث ليتحمل مسئولية البحث والنظر، وإذا تيسر أن يسوق إليك الحكم عن الرجل رواية دفعها إليك في صدق وأمانة. وقد حُقِّقَ الكتاب على 8 نسخ خطية فريدة، اعتنت فيها بمقابلة المتن بين النسخ، إلى جانب تنقيحه تنقيحًا علميًّا متقنًا مقدمًا له بمقدمات ضافية عن قيمة الكتاب، ومنهج البخاري في علم الجرح والتعديل. وقد نقل الإمام الحاكم، والإمام أبو نعيم الأصبهاني، والإمام الذهبي أن عدد تراجم كتاب الضعفاء أقل من سبعمائة ترجمة. وهذا العدد لا يتناسب مع ما هو موجود في أتم طبعات الكتاب، والتي وصل عدد تراجمها ثلاثة وأربعين وأربعمائة ترجمة، مما قوى ما تناقله جمهور المتأخرين من أن البخاري ألف كتابين في الضعفاء: كبيرًا، وصغيرًا، والذي وصلنا إنما هو الضعفاء الصغير، وقد نقل عدد من العلماء عن الضعفاء الكبير، ونصوا على نقلهم منه، وأبرزهم الإمام الذهبي. وقد رتب تراجم كتابه على حروف المعجم، راعى في ذلك الحرف الأول من اسم الراوي، مع تقديمه الاسم الذي تتكرر في الحرف الواحد. ومادة الكتاب مبنية على الاختصار، فعناصر الترجمة عنده تتضمن: ذكر اسم الراوي، واسم أبيه، وجده، ونسبته إلى بلدة أو قبيلة، مع الحرص على ذكر كنيته، وأبرز شيوخه والآخذين عنه، وبيان مرتبته في الجرح والتعديل. وكانت طريقته في سياق ألفاظ الجرح والتعديل مختلفة، فغالبًا ما يذكر في الترجمة رأيه في الراوي، ومرتبته عنده، وقد لا يذكر رأيه بل يذكر رأي أحد أئمة النقد ويسكت، وقد يجمع بين الأمرين. وفي الكتاب إشارات مختصرة متناثرة في علم نقد الحديث، وقد يذكر في ترجمة الراوي بعض حديثه الذي أُنكر عليه، وقد يورد ترجمة قاصدًا من إيرادها نقد الحديث المروي من طريق المترجم له، لا نقده، وذلك غالبًا في الرواة المقلين. ونظرًا لما حواه الكتاب من فوائد متنوعة، فقد أولاه العلماء العناية الكبيرة من عصر مؤلفه إلى هذا العصر، ومن أنواع العناية التي حظي بها الكتاب: الاستفادة منه في كتب التراجم عامة وكتب الضعفاء خاصة، وكذا تعقبه بالنقد والتمحيص كما ظهر عند أبي حاتم الرازي وابنه، أو برواية الكتاب عن مؤلفه ونسخه، أو بتحقيقه وطباعته، بل بنظم مسائله. وقد تعددت أغراض الإمام البخاري في إيراده للراوي في كتاب الضعفاء، وهي: الغرض الأول: كون الراوي ضعيفًا عنده. الغرض الثاني: أن يكون الراوي قد تكلَّم فيه أحد النقاد، وإن خالفه البخاري في ثبوت ذلك الجرح. الغرض الثالث: أن يكون الراوي ممن تلبس ببدعة. الغرض الرابع: قلة حديث الراوي وضعفه أما الرواة الذين ترجم لهم في كتابه الضعفاء وأخرج لهم في صحيحه أقسام: القسم الأول: من خرج له في صحيحه مرجحًا لقبول حديثه، خلافًا لغيره من النقاد. القسم الثاني: من خرج له في صحيحه، وفي ظنه أنه غير الذي جَرحه. القسم الثالث: من خرّج له في صحيحه من غير الجهة التي ضُعِّف بسببها. القسم الرابع: من خرّج له في صحيحه ما وافقه الثقات على روايته. القسم الخامس: من خرّج له في صحيحه، لا احتجاجًا، وإنما متابعة أو مقرونًا. القسم السادس: من خرّج له في صحيحه، لا على جهة الاحتجاج أو المتابعة، بل لبيان الاختلاف الواقع على الراوي، وعدم رجحان روايته. ومعظم الأحاديث التي أخرجها البخاري من طريق هؤلاء الرواة قويت بالمتابعة من طرق غالبها أخرجها البخاري نفسه في صحيحه. كما أن طعن الراوي بالبدعة وجه معتبر عند الإمام البخاري وقد أكثر من استخدامه، وإن لم يَرُدَ به حديثه مطلقًا. كما أن الإمام البخاري يراعي كلام النقاد في الراوي عند اختيار مروياته، ومن صور ذلك: الصورة الأولى: بعض من يقبل حديثه، لا يخرج له في الأصول بل في المتابعات والشواهد، لوجود كلام في الراوي من بعض النقاد. الصورة الثانية: من خرج له في الصحيح احتجاجًا، وفي ظنه أنه غير الذي ذكره في ضعفائه؛ فهذا الراوي يرى فريق من النقاد أنه شخص واحد ضعيف الحديث، فالبخاري يخرج من رواياتهم غير ما انُتقِدَ عليهم. ونجد أن كثيرًا من اختلاف النقاد في مراتب الرواة إنما هو اختلاف في إلحاق الراوي بأدنى مراتب التعديل، أو بأول مراتب الجرح. وكتاب "الضعفاء والمتروكين " يضع أمامنا جملة معتبرة من أقوال البخاري في الراوي الواحد، بحيث يمكن لكلامه في كتابه هذا مع كتبه الأخرى المشهورة في " الجرح والتعديل " أن يفسِّر بعضه بعضًا. كما أن النظر في ألفاظ البخاري مجتمعةً يجعل الحُكم على رتبة الراوي عنده أكثر دقة، بحيث يمكن تمييز هؤلاء الضعفاء بعضهم عن بعض، خاصةً وبعض هؤلاء الرواة قد أخرج لهم البخاري في صحيحه. وهذا التحقيق الحديث للكتاب يعد من أهم روافد المكتبة الحديثية، ويسد ثغرة في الاهتمام بمؤلفات الإمام البخاري - رحمه الله - المفقودة أو التي لم تنل حظها اللائق بها من التحقيق. |
المستغني في تخريج أحاديث المغني لابن قدامة لعبد الله الحمادي صدر حديثًا كتاب: " المستغني في تخريج أحاديث المغني لابن قدامة "، تأليف: د. " عبدالله بن محمد الحمادي "، كبير الوعاظ في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات، راجعه وقدَّم له: د. " محمد ولي الله بن عبد الرحمن الندوي "، نشر " مكتبة دار الحجاز للنشر والتوزيع" . خرّج فيه المؤلف الأحاديث والآثار التي في كتاب " المغني "، ودرسها دراسة مستفيضة شاملة مجلّية عن حكمها من حيث القبول أو الرد.. طُبعَ منه الجزء الأول، وسيخرج كاملًا في (٢٠) مجلدًا. وكتاب " المغني " للإمام الحافظ الفقيه موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد الشهير بابن قدامة المقدسي (م 522 هـ)، يعتبر مصدرًا فقهيًّا هامًا طار في الآفاق وسار في الأمصار، وأكبَّ عليه علماء وطلاب العالم الإسلامي بشكل عام، وعلماء وطلاب المذهب الحنبلي بشكل خاص - قديمًا وحديثًا - بالرجوع والقبول والاستنارة والاستفادة في المسائل الفقهية بمختلف أبوابها، واختار فيه الإمام المؤلف - في تثبيت المسائل وتدليلها بالسنن والآثار - نفس المنهج الذي سار عليه الفقهاء الآخرون في مؤلفاتهم من ذكر الأدلة غير متبوع ببيان حكمها ودرجتها وهذا ما يشكل الأمر على المستفيدين من طلبة العلم والباحثين، فيقعون في حيرة واضطراب تجاه التعامل مع هذه الأدلة، فكانت الحاجة ماسة لدراسة هذه السنن والآثار دراسة مستفيضة شاملة مجلية عن حكمها من حيث القبول أو الرد. وقد تبنى المؤلف هذا المشروع، وكان هذا أول نتاج مشروعه حيث استطاع في مدة تقارب أربع سنوات استيفاء جهده في إنجاز هذه الدراسة مراعيًا فيها الشمول والاحتواء لمادة الكتاب، والدقة والتعمق والإتقان، إلى جانب مساهمته في خدمة كتب المذهب الحنبلي. هذا وقد قدم بين يدي التخريج بمقدمة علمية نافعة، جعلها في فصول فاصلة بينها، على النحو التالي: 1) فصل: ترجمة أبي القاسم الخرقي، صاحب المتن الذي شُرح في المغني. 2) فصل: ترجمة ابن قدامة، صاحب المغني الذي خرج الكتاب أحاديثه. 3) فصل: نبذة مختصرة عن مختصر الخرقي. 4) فصل: مكانة المغني. 5) فصل: ما يلاحظ على تخريج محققي المغني لأحاديثه. 6) فصل: أسباب وجود الأحاديث الضعيفة في كتب الفقه. 7) فصل: ذكر بعض جهود المحدثين في خدمة كتب الفقه وأدلة الأحكام. 8) فصل: منهجية تخريج أحاديث المغني التي سار عليها. وصاحب " المغني " موفق الدين ابن قدامة (541 - 620 هـ، 1147 - 1223 م)، هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي. • فقيه محدّث ولد بجماعيل، وهي قرية بجبل نابلس بفلسطين. ثم رحل إلى دمشق، وقرأ القرآن، وسمع الحديث الكثير من والده، ومن أبي المكارم ابن هلال، ومن أبي المعالي بن صابر وغيرهم. ثم رحل إلى بغداد مع ابن خالته الحافظ عبد الغني وسمع من علمائها ثم عاد إلى دمشق. كان حجة في المذهب الحنبلي. • برع وأفتى وناظر وتبحر في فنون كثيرة. • وكان زاهدًا ورعًا متواضعًا، حسن الأخلاق، كثير التلاوة للقرآن، كثير الصيام والقيام. قال ابن تيمية في حقه: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة. وقال عنه ابن الحاجب: "كان ابن قدامة إمام الأئمة ومفتي الأمة اختصه الله تعالى بالفضل الوافر والخاطر العاطر والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، قد أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية. فأما الحديث فهو سابق فرسانه، وأما الفقه فهو فارس ميدانه، أعرف الناس بالفتيا وله المصنفات الغزيرة...". له كتب كثيرة: • أشهرها: المغني في شرح الخرقي في الفقه، ويقع في عشرة مجلدات. • الكافي في الفقه، ويقع في أربعة مجلدات. • المقنع في الفقه. • الهداية. • العمدة، والأخيران في الفقه. • روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه وقد شرحها ابن بدران شرحًا سماه: نزهة الخاطر العاطر. • وله أيضًا مختصر العلل للخلال، وغيرها كثير. |
عبد الواحد المراكشي ازدهرت حركة التصنيف في بلاد المغرب [1] في أيام الحكم الإسلامي، واتجه المصنفون في كتاباتهم اتجاهات متنوعة؛ فمنهم من كتب في التراجم والسير، ومنهم من اختص بالتواريخ والأحداث السياسية وأخبار الممالك والإمارات والملوك، ومنهم من صنف في علوم الأدب والشعر والفلسفة، وغير ذلك. و«المعجِبُ في تلخيصِ أخبارِ المغرب» واحد من تلك المصنفات النفيسة التي عنيت بأخبار البلاد المغربية وسِيَر ملوكها وأمرائها ودويلاتها، ألَّفه أبو محمد، عبد الواحد بن علي المراكشي، استجابةً لطلب أحد الأعيان الرؤساء، الذي سأله إملاء أوراق تشتمل على بعض أخبار المغرب وهيئته وحدوده وأقطاره، وشيءٍ من سير ملوكه، وخصوصًا ملوك المصامدة بني عبد المؤمن، من لدن ابتداء دولتهم، إلى حدود سنة 621هـ/ 1225م، مع نبذة من سير الذين لقيهم أو روى عنهم من الشعراء، وأهل الفضل والرواية والأدب [2] . وقبل شروعه بتأليف الكتاب، اعتذر المراكشي لرئيسه عن أمور ثلاثة: أولها: ضعف عبارته، وغلبة العي على طباعه. وثانيها: عدم امتلاكه لكتاب في هذا الشأن يعتمد عليه، ويجعله مستندًا أو مرجعًا، على عادة المصنفين الذين سبقوه أو عاصروه. وثالثها: قلة محفوظاته وتشتتها بسبب ازدحام همومه، وكثرة غمومه [3] . ويشتمل هذا الكتاب على فصول كثيرة، بدأها المؤلف بالحديث عن جزيرة الأندلس وحدودها ومدنها وقراها. ثم انتقل إلى أحداث فتحها، وسير ملوكها، ومن كان فيها من الفضلاء حتى نهاية حكم الأمويين. ثم توسَّع بذكر أخبار الأندلس بعد زوال الحكم الأموي، وأخبار من حكمها من متغلبين، ومرابطين، وموحدين. ويمكننا تحديد منهج المؤلف في كتابه هذا بالنقاط الآتية: ♦ تصديره الكتاب بمقدمة تشتمل على دوافع تأليفه، وموضوعاته، وتتضمن اعتذارًا صريحًا عن قصر باعه فيما طُلب إليه تصنيفه. ♦ تقسيمه الكتاب إلى فصول تفاوتت في أحجامها، فبينما كان بعضها يقصر فلا يتجاوز الصفحتين أو الثلاث الصفحات، اتسع بعضها الآخر ليتجاوز الخمسين صفحة. ♦ تحديده لسمات منهجه فى جمع الأخبار، وسماع الروايات، وتدوين المشاهدات؛ فبعد اعترافه بالعجز عن كمال التأليف في مقدمة الكتاب، يقول في ختام حديثه عن دولة المصامدة: هذا تلخيص التعريف بأخبار المصامدة... وإنما أوردنا من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، وتجشم الضرورة من عُني بالأخبار إلى معرفته... ولم أثبت في هذه الأوراق المحتوية على دولة المصامدة وغيرها إلا ما حققته نقلًا من كتاب، أو سماعًا من ثقة عدل، أو مشاهدةً بنفسي؛ هذا بعد أن تحريت الصدق، وتوخيت الإنصاف في ذلك كله [4] . ♦ ذكره المصادر التي استقى منها مواد كتابه، وفي طليعتها كتاب [5] ابن أبي نصر فتوح الحميدي [6] ، مؤلف كتاب: «جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس»، ثم ما وسعه حفظه من أخبار وأشعار وروايات، وما شاهده وعاينه بنفسه من وقائع وأحداث. ♦ تضمينه الكتاب مجموعة ضخمة من الأشعار، إذ كان لا يكتفي بالبيت الواحد أو البيتين، وإنما كان يورد القصائد الطوال، التي تتجاوز القصيدة الواحدة منها الخمسين بيتًا. وكان يعلل ذلك بنفاسة القصيدة، وجودة معانيها، وحسن تمثيلها للمواقف والأحداث [7] . ♦ اعتذاره عن عدم إيراد بعض القصائد كاملة، ورده ذلك إلى ضعف الذاكرة، وقلة الحفظ، في مثل قوله بعد أبيات للشاعر الرمادي [8] في مدح أبي علي القالي [9] : «هذا ما بَقِي من حفظِي منها» [10] . ♦ حرصه بعد الحديث عن كبار الملوك أو الأمراء على ذكر وزرائهم، وحجابهم، وكتابهم، وقضاتهم، وأبنائهم، وشعرائهم، كالذي نجده في ختام ترجمته للأمير عبد المؤمن بن علي بن علوي الكومي [11] ، وختام ترجمته للأمير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن [12] . ♦ تضمينه الكتاب بعض العبارات أو الجمل المعترضة التي كانت تجري على ألسنة الناس آنذاك، مثل: «لعنَه اللهُ» بعد أسماء ملوك الأعاجم المناوئين للمسلمين في الأندلس، و«رحمه اللهُ» بعد أسماء أمراء المسلمين وقادتهم، و«أعادها الله إلى المسلمين»، بعد اسم كل مدينة غلب عليها الفرنجة أو احتلوها، و«أسأل الله إبقاءه إلى أن تقوم الساعة» بعد أسماء المساجد المشهورة. ♦ إكثاره من إيراد عبارة: «كما تقدم»، أو «كما ذكرنا»، أو «فلان المتقدم الذكر» في صفحات كتابه. وسبب ذلك أنه كان يورد الخبر مجملًا في مكان من الكتاب، ثم يعود إلى ذكره مفصلًا في مكان آخر منه. ♦ بالرغم من ميل المؤلف إلى التلخيص والإيجاز، فإن الاستطراد والتطويل كانا يلاحقانه في غير موضع من الكتاب. مثال ذلك: أنه أورد رواية على لسان أبي محمد علي بن حزم [13] ، ثم استطرد فترجم له، وأورد مقتطفات من أشعاره، واعتذر عن ذلك بقوله: «وإنما أوردت هذه النبذة من أخبار هذا الرجل، وإن كانت قاطعة للنَّسقِ، مزيحة عن بعض الغرض؛ لأنه أشهر علماء الأندلس اليوم، وأكثرهم ذكرًا في مجالس الرؤساء وعلى ألسنة العلماء» [14] . وكذلك فعل المراكشي عندما قال في نهاية حديثه عن أستاذه أبي جعفر الحميري: «وقد امتد بنا عنان القول إلى ما لا حاجة لنا بأكثره؛ رغبةً في تنشيط الطالب، وإيثارًا للإحماض» [15] . ♦ إظهاره لتواضعٍ علمِيٍّ لا نجده عند الكثير من المصنفين الذين يملئون الأسماع ضجيجًا وادعاءً، بدا ذلك في قوله: «مع أن أصغر خدم مولانا لم تجر عادته بالتَّصنيف، ولا حدَّث قطُّ نفسَه به، وإنما بعثته عليه الهمَّةُ الفخريَّةُ» [16] . ♦ اعترافه بفضل سابقيه، من دون إغفاله لجهده الخاص، حين قال: «وهذا آخر أخبار الحسنيين وما يتعلق بها، حسبما أورده أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، وعليه عولتُ في أكثر ذلك، ومن كتابه نقلت، خلا مواضع تبينت غلطه فيها، أصلحتها جهد ما أقدر» [17] . ونظرًا لأهمية هذا الكتاب في إغناء المكتبة العربية بما اشتمل عليه من صور حية لحياة ملوك المغرب، وممالكهم، ومعاركهم، وإنجازاتهم العمرانية، واهتماماتهم الدينية والفكرية والأدبية والاجتماعية، وحرصًا منا على بعث التراث العربي الأندلسي، وإظهار مكنوناته النفيسة، نُخرج اليوم هذا الكتاب، ونقدمه للقراء بحُلَّة جديدة، وإضافات مهمة في الضبط والشرح والتوثيق والفهرسة، جَهِدنا أن تكون على مستوى طموحاتهم وحاجاتهم وأذواقهم. حياته وتنقلاته: هو: أبو محمد، عبد الواحد بن علي التميمي، المَرَّاكُشِيّ [18] المالكي: مؤرخ، بحَّاثة، ولد بمَرَّاكُش في ربيع الآخر سنة 581هـ/1185م، في أول أيام أبي يوسف، يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي المُوَحِّدِيّ [19] ، المنصور، صاحب بلاد المغرب. ثم انتقل إلى مدينة فاس، وهو ابن تسعة أعوام، فقرأ فيها القرآن وجوده ورواه عن جماعة من الأفاضل المُبرّزين في علوم القرآن والحديث والنحو واللغة. وحين تم للمراكشي ما رغب فيه من تحصيل بفاس، عاد إلى مراكش، وظل يتردد بعد ذلك بين المدينتين، ينهل ما يتاح له من علوم ومعارف وفنون. ثم رغب في السفر إلى الأندلس، فعبر إليها في أوائل سنة 603هـ/1207م، وأدرك جماعة من علمائها وفضلائها، لكنه لم يحصل منهم -كما يقول - إلا معرفة أسمائهم ومواليدهم ووفياتهم وعلومهم [20] . ومن الذين لقيهم المراكشي، وتوثقت صلاته بهم من أدباء عصره: أبو بكر بن زُهْر [21] ، وأديب آخر هو أحد أنجال ابن الطفيل الفيلسوف الأندلسي المشهور. وعندما نزل إِشْبيليَّة، قدَّمه صديقٌ له يدعى محمد بن الفضل إلى واليها إبراهيم بن أبي يعقوب يوسف، أخي الخليفة الموحدي الناصر، فحظي عنده، وأصبح من أصحابه وجلاسه [22] . وعن رأفة هذا الأمير به، وتقريبه إياه، يقول المراكشي: «كان لي -رحمه الله- محبًّا، وبي حفيًّا؛ وصلتْ إليَّ منه أموال وخِلَع جمة غير مرة». وعن بدء علاقته به وما تلاها من محبة وتلازم، يقول: «لم أعرفه أيام وزارته، وإنما كانت معرفتي إيَّاه حين ولوه إشبيلية سنة 605هـ،... ثم علت حالي عنده بعد ذلك، إلى أن يقول لي في أكثر الأوقات: والله، إني لأشتاقك إذا غبت عني أشد الشوق وأصدقه» [23] . ومن الذين أخلصوا له الود من أهل القضاء: أبو عمران، موسى بن عيسى بن عمران القاضي، وفيه يقول: «وأبو عمران هذا صديق لي، لم أر صديقًا لم تغيره الولاية غيره. ولم يزل يعاملني بما كان يعاملني به قبل ذلك، لم ينقصني شيئًا من بره. ما لقيته قط في مركبه إلا سلم عليَّ مبتدئًا، وجدد لي برًّا» [24] . وطمحت نفس المراكشي إلى مصر، فسافر إليها سنة 613هـ/1227م، والتقى ببعض علمائها، ثم انتقل إلى مكة المكرمة، فأدى فريضة الحج سنة 620هـ/1224م. ثم تجول بعد ذلك في بعض بلدان المشرق [25] . آثاره: لم يذكر الذين ترجموا لأبي محمد غير كتاب واحد هو: «المعجب في تلخيص أخبار المغرب»، الذي ألفه استجابة لطلب واحد من أعيان عصره. وقد فرغ المراكشي من تأليف هذا الكتاب سنة 620هـ / 1224م. ونشره دوزي سنة 1240هـ/1847م، وأعاد طبعه سنة 1298هـ/1881م، وترجمه فانيان إلى الفرنسية، ثم نشر الترجمة في الجزائر سنة 1310هـ/1893م. المصدر: مقدمة كتاب المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي، طـ المكتبة العصرية، بيروت، الطبعة الأولى، 1426هـ - 2006م [1] المراد بهذا الاسم - وفقًا لمفهوم المسلمين القدامي- بلاد المغرب العربي والأندلس. [2] المعجب في تلخيص أخبار المغرب، المراكشي:3. [3] المصدر نفسه:4. [4] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 332-333. [5] يقول المراكشي: "وهذا آخر أخبار الحسنيين وما يتعلق بها، حسبما أورده أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي، عليه عولت في أكثر ذلك، ومن كتابه نقلت". "المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 69". [6] هو أبو عبد الله، محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي، الأزدي، الميورقي: مؤرخ، محدث، من أهل ميورقة. توفي سنة 488هـ/ 1095م. "بغية الملتمس، الضبي: 113". [7] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 76، حيث أورد المراكشي قصيدة لعبد المجيد بن عبدون في مدح بني المظفر وأيامهم، بلغت خمسة وسبعين بيتًا. [8] هو أبو عمر، يوسف بن هارون الرمادي الشاعر، المتوفى سنة 403هـ/ 1012م. [9] هو أبو علي، إسماعيل بن القاسم القالي، الأديب الشاعر، اللغوي، المتوفى سنة 356هـ/ 967م. [10] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 25. [11] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 198-200. [12] المصدر نفسه: 261-264. [13] هو أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، المتوفى سنة 456هـ/1064م. [14] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 45-49. [15] المصدر نفسه: 304. [16] المصدر نفسه: 346. [17] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 69. [18] معجم المؤلفين، عمر كحالة: 210/6، الأعلام، خير الدين الزركلي: 176/4. [19] توفي سنة 595هـ/1199م. وستأتي ترجمته وافية في هذا الكتاب. [20] المعجب في تلخيص أخبار المغرب، المراكشي: 360. [21] هو أبو بكر، محمد بن عبد الملك بن زهر الإيادي: من نوابغ الطب والأدب في الأندلس. ولد بإشبيلية، وتوفي سنة 595هـ/1199م. "الأعلام، الزركلي: 250/6". [22] تاريخ الفكر الأندلسي، آنخل بلانثيا: 248. [23] المعجب في تلخيص أخبار المغرب: 308-309. [24] المعجب نفسه: 313. [25] معجم المؤلفين، كحالة: 210/6؛ الأعلام، الزركلي: 176/4. |
التحذير من الغلو في التبديع لمشاري سعيد المطرفي صدر حديثًا كتاب بعنوان " التحذير من الغلو في التبديع "، تأليف د. " مشاري سعيد المطرفي "، وذلك عن دار الظاهرية للنشر والتوزيع. وهذه الدراسة تهدف إلى محاربة الغلو في التبديع، هذا الفكر المنحرف الضال الذي طغى على مجتمعاتنا الإسلامية، وفي جيل الشباب خاصةً الملتزمين الجدد، " فالغلو في التبديع في الحقيقة هو طريق الغلو في التكفير ". يقول الكاتب: «الغلو في التبديع، يؤدي في الواقع إلى الغلو في التكفير، فالتبديع والتكفير أخوان، ووجهان لعملة واحدة، وذلك لأن أصلهم ومنبعهم واحد وهو الغلو في الدين». ويرى الكاتب أن أوْجُه الغلو في دعاة التكفير والتبديع واحدة متشابهة، فالتكفيريون يقولون: من وقع في الكفر كفر بلا ضوابط، ومن لم يكفِّر الكافر فهو كافر. وغلاة التبديع يقولون: من وقع في البدعة فهو مبتدعٌ بلا ضوابط، ومن لم يبدِّع المبتدع فهو مبتدع. والتكفيريون يكفرون بالمعصية ويقولون: الأصل في المنتسبين إلى الإسلام الكفر حتى يثبت إسلامهم. وغلاة التبديع يقولون: الأصل في المسلمين حاليًا البدعة لكثرة انتشار البدع، ومنهم من يقول الأصل فيهم الجهالة. وقد جعل الكاتب هذه الرسالة لبيان معالم وسمات غلاة التبديع، وكيفية محاربة هذا الفكر الطارئ على مجتمعاتنا، وبيان حكم البدعة في الدين وذلك في تسعة مباحث على النحو التالي: المبحث الأول: تعريف البدعة. المبحث الثاني: حكم البدعة في الدين. المبحث الثالث: حكم تقسيم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة. المبحث الرابع: الأحاديث والآثار التي يستدل بها القائلون بتقسيم البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة. المبحث الخامس: متى يحكم على الرجل بأنه من أهل السنة والجماعة. المبحث السادس: متى يحكم على الرجل بأنه ليس من أهل السنة والجماعة. المبحث السابع: هل الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة؟ المبحث الثامن: هل كل من وقع في البدعة يعتبر مبتدعًا؟ المبحث التاسع: معالم وسمات غلاة التبديع. ويرى الكاتب أن معرفة اتجاهات هذا الفكر التبديعي هو أنجع سبيل لمحاربته والقضاء عليه، ومقارعته الحجة بالحجة، لأن أساسهم واهٍ متهاو، ليست له أي جذور من أصول الشرع الحنيف، بل الغالب عليه العاطفة والحماسة الفكرية ليس أكثر، وقد بين الكاتب أهم سمات وغلاة التبديع في بضعة مباحث هي: 1) توسعهم في مفهوم البدعة. 2) الغلو والتوسع والتساهل في التبديع. 3) تبديع من لم يبدِّع من بدَّعوه. 4) تبديع كل من أثنى على من بدّعوه. 5) تبديع كل من جالس من بدّعوه. 6) تبديع كل من يقرأ أو يستشهد بكتب من بدّعوهم. 7) تبديع كل من يستمع لأشرطة من بدّعوهم. 8) تبديع كل من انتسب لحزب أو جماعة أو جمعية. 9) تبديع من خالفهم في المسائل الفقهية. 10) تبديع كل من أخطأ في اجتهاده. 11) قولهم بعدم جواز الصلاة خلف من بدّعوه. 12) قولهم بعدم جواز الصلاة على من بدّعوه. 13) قولهم بعدم جواز بيع أشرطة وكتب من بدّعوه. 14) قولهم بعدم جواز الترحُّم على من بدعوه. 15) قولهم بعدم جواز الجهاد مع من بدّعوه. 16) قولهم بعدم جواز أخذ العلم من مَن بدّعوهم. 17) قولهم بعدم جواز السلام على من بدّعوهم. 18) قولهم بعدم جواز عيادة من بدّعوهم. 19) قولهم بعدم جواز تعزية من بدّعوهم. 20) قولهم بوجوب هجر المخالفين لهم. 21) قولهم بأن أهل البدع أشرّ من اليهود والنصارى. 22) قولهم إن صاحب البدعة لا تقبل له صلاة ولا صيام ولا صدقة. 23) قولهم بوجوب حرق كتب أهل البدع. 24) امتحان الناس في دقائق العقيدة. ويرى الكاتب أنه لابد من عدم الاستعجال والتوسع والغلو في إطلاق وصف ولفظ البدعة على بعض الأعمال المتأولة، لأنها قد تندرج تحت أصول الشرع وتدل عليه النصوص بالإشارة والتلميح والإجمال، لذلك لا يصح وصفها بالبدعة، وإنما يطلق عليها الحكم الشرعي الذي يناسبها، فقد يكون الحكم واجبًا أو مستحبًا أو جائزًا. والكاتب د. " مشاري سعيد المطرفي " باحث ومؤلف ومحاضر، حائز على درجة الدكتوراه في العقيدة والفلسفة الإسلامية، عمل معلمًا في إدارة الدراسات الإسلامية (الكويت)، ومأذونًا شرعيًّا في وزارة العدل الكويتية. ومن مؤلفاته: • "آراء محمد رشيد رضا العقائدية في أشراط الساعة الكبرى وآثارها الفكرية" رسالة ماجستير بكلية الشريعة (قسم أصول الدين تخصص العقيدة) جامعة آل البيت بعمان بإشراف د. محمد خير العمري. • "وقفات فقهية مع العلامة الألباني". • "التحذير من الغلو في التكفير". • "ما بعد الموت". |
شرح الشمائل المحمدية للإمام ميرك شاه تحقيق: نشأت كمال المصري صدر حديثًا نسخة جديدة محققة من كتاب « شرح الشمائل المحمدية للترمذي » للإمام ميرك شاه الشيرازي الحنفي. وهذا التحقيق يُطبع لأول مرة مقابلًا على خمس نُسخ خطية، تحقيق الباحث " نشأت كمال المصري " عن دار اللباب في مجلد واحد. ويعد هذا الكتاب من أهم الشروح لواحد من أجمع ما أُلِّفَ في باب " الشمائل النبوية " وهو مؤلف الإمام " محمد بن عيسى الترمذي" ، وهو عمدة الكتب كلها في الشمائل حيث اختص بكل ما خص النبي -صلى الله عليه وسلم- سواء في وقت السلم أو الحرب من هيئته وسمته وإيضاح أكله وشربه وثباته ومشيه ولبسه وغير ذلك بما يختص ببيان هديه - صلى الله عليه وسلم، حيث اعتنت برصد التفاصيل الخلقية والخُلقية والاجتماعية وغيرها في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم. وقد كثرت الشروحات لكتاب " الشمائل " للترمذي فمن ضمن من شرحه " ابن حجر الهيتمي " في كتابه " أشرف الوسائل "، و" الملا علي القاري " في كتابه " جمع الوسائل ". ويعدُّ هذا الشرح للإمام " ميرك شاه الشيرازي الحنفي " من المخطوطات التي غفلت عنها أيدي الباحثين زمنًا طويلًا، وظل حبيس أدراج المكتبات دونما تحقيق أو تدقيق، رغم أهمية الكتاب ومنهجية المحدث "ميرك شاه" في شرحه، وموسوعيته، ويظهر ذلك بجلاء في كمِّ المصادر التي اعتمد عليها، وذكره فروق الروايات التي سمعها وصححها على مشايخه، إلى جانب تتبعه لأقوال العلماء في شرحه ورده عليها، مما جعل لهذا الشرح ميزة كبيرة على بقية الشروح. وقد اهتم المحدث " ميرك شاه " بشرح أحاديث الترمذي من جميع الجوانب الحديثية والفقهية واللغوية، وذلك لكونه من المحدثين الذين برعوا في علوم اللغة وجمعوا بينها وبين الحديث، بل إنه أحيانًا ما يستخدم كتب غير متخصصة في اللغة والتي قد يجد فيها بغيته مثل " تهذيب الكمال " للمزي والذي استعان به في ( شرح لغات حديث قيلة الطويل )، إلى جانب اعتنائه في شرحه بالمسائل النحوية مع ترجيح الأصوب في أغلب المسائل، إلى جانب نقل المؤلف كثيرًا في شرحه عن بعض الكتب المفقودة، وهو ما يجعل هذا الشرح بمثابة دراسة موسوعية في علوم شتى متنوعة. وقد سبق تحقيق الأستاذ " نشأت كمال " لهذا الكتاب ثلاثة تحقيقات لمتن الكتاب وذلك كأطروحات علمية لنيل درجة " الماجستير " في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى وذلك بواسطة المحقق "منيع بن دابي بن شتيوي العتيبي" والذي حقق الكتاب من بدايته وحتى نهاية "باب: ما جاء في شيب الرسول - صلى الله عليه وسلم –"، وقد قام المحقق "هادي بن قاعد العتيبي" بتحقيق الكتاب من بداية باب "ما جاء في خضاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى نهاية باب "ما جاء في أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" واستكمل المحقق "عيد بن مرزوق العتيبي" الكتاب من بداية باب "ما جاء في خبز رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" حتى نهاية الكتاب.. غير أن هذا التحقيق الجديد يتميز عن تلك التحقيقات بأنه مقابل على خمس نسخ خطية عكس تحقيقات الأساتذة التي قوبلت على ثلاثة مخطوطات فقط، إلى جانب طبع الكتاب وإخراجه لجمهور القارئين من المتخصصين وغير المتخصصين. ومن ضمن مخطوطات الكتاب المعتمد عليها: • نسخة جامعة الملك سعود، ورقمها (983)، وتاريخ نسخها: 1093هـ - الناسخ: عبد الله بن سليمان. وعدد الأسطر بها: ٢٥ سطرًا. وعدد ألواحها: ١٨٧ لوح، وعدد الكلمات في كل سطر: من 10-13 كلمة، وقد كتبت بخط نسخ، وعليها تملك هذا نصه "من كتب العبد الفقير الراجي عفو ربه القدير محمد مصطفى يحيى غفر الله له ولوالديه وللمسلمين". • نسخة دار الكتب الوطنية بالجزائر، رقمها: (1667)، وتاريخ نسخها: لا يوجد، وناسخها أبو السعادات مصطفى الأسقاطي الحنفي، وعدد الأسطر بها: 23 سطرًا، وعدد ألواحها: 212، وعدد الكلمات في كل سطر من 7-12 كلمة وقد كتبت بخط النسخ. • نسخة المكتبة الآصفية بحيدرآباد بالهند، عدد الأسطر: 19 سطرًا، ورقمها: (180 سير)، عدد ألواحها: 188 لوح، عدد الكلمات في كل سطر: 10-13 كلمة تقريبًا، خطها نسخ معتاد، ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ. نسخة جامعة الملك سعود نسخة دار الكتب الوطنية بالجزائر نسخة المكتبة الآصفية بحيدرآباد بالهند والمؤلف: هو نسيم الدين محمد، ابن جمال الدين ميرزا عطاء الله، ابن الأمير الفاضل فضل الله الشيرازي الهروي الدشتكي، وقد غلب عليه لقب "ميرك شاه"، واشتهر بين أهل العلم به، وميرك؛ بكسر الميم وفتح الراء، وميرك شاه كلمة فارسية، فـ(مير) تعني الأمير، و(ك) للتصغير، و(شاه) بمعنى الملك، وتاريخ ميلاده غير معروف، غير أنه من المؤكد أنه عاش بين عامي 850 و950 هـ، نشأ في مدينة هراة بأفعانستان في بيت علم وأدب، فوالده العلامة المحدث الكبير شيخ هراة "جمال الدين عطاء الله الشيرازي"، وكان عمه السيد "أصيل الدين عبد الله بن عبدالرحمن الشيرازي" من العلماء والوعاظ، فكان لهذه النشأة الأثر البالغ في نفس ميرك شاه - رحمه الله - حيث خلف والده في حب الحديث وأهله، والعناية ببيانه وشرحه. ولقد كان -رحمه الله- على عقيدة أهل الحديث والأثر، والسنة والاتباع، على الرغم من سيطرة الصفويين على مدينة هراة، وفرضهم مذهب الرفض الخبيث بالترهيب والتخويف والقتل والتشريد، حيث أعملوا سيفهم في أهل السنة، وخاصة علمائهم، إلا أن ميرك شاه ووالده جمال الدين ظلا ثابتين على عقيدتهم السنية. وأخذ العلم عن والده السيد جمال الدين وكان يشتغل بالتدريس والإفادة في المدرسة السلطانية في قبة، وقد خلفه ميرك شاه في التدريس بها وفي الخانقاه الإخلاصية. وقد أخذ العلم عن ميرك شاه كثيرٌ من العلماء من أبرزهم: محمد سعيد الخرساني المشهور بميركلان، والسيد مير مرتضى الشريفي وغيرهم. وترك ميرك شاه - رحمه الله - لنا عددًا من المصنفات البديعة النفيسة؛ منها: "شرح الشمائل" لأبي عيسى الترمذي، و"حاشية على الحصن الحصين" لابن الجزري. ولم نقف على تاريخ محدد لوفاته - رحمه الله -؛ ولكن ذكر فؤاد سزكين أن والده توفي 930هـ، والأقرب أنه عاش إلى منتصف القرن العاشر؛ لأن تلامذته توفوا قبل نهاية القرن العاشر الهجري، وبداية القرن الحادي عشر الهجري، والله أعلم. وقد مدحه الكثير من علماء عصره وأثنوا عليه ونقلوا الكثير من أقواله في كتبهم، واستأنسوا بترجيحاته ومنهم: الملا علي القاري في كتابه "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، وابن علان في "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين"، وأبو العلا المباركفوري في "تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي"، وأبو الحسن المباركفوري في "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح". |